العدد 1- 3: الآيات (1-3): "إنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب. أما أنا فكادت تزل قدماي. لولا قليل لزلقت خطواتي. لأني غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار."
إنما صالح الله= هذه العبارة الإيجابية تدل على عدم وجود شك في ذهن المرنم الآن. أما أنا فكادت تزل قدماي= هذه تدل على وقت سابق أوشك فيه أن ينحرف عن طريق الثقة المتجهة لله. وذلك بسبب نجاح المتكبرين وسلامة الأشرار وربما تعني هذه البداية إنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب= سبب تجربته التي كان سيسقط فيها، فهو يؤمن أن الله صالح، وخيراته لإسرائيل لا يشكك فيها أحد، وكون أن الله يكافئ أنفياء القلب فهذا مؤكد. ولكن المرنم ينظر إلى حاله، فيجد أنه يعاني من مشاكل كثيرة. بينما الأشرار في سلام. وهنا تثور تجربة مشهورة جداً يُحارَب بها معظم أولاد الله وهي أن الله فعلاً صالح لكل الكنيسة فهم أنقياء أتقياء إنما الله لا يحبني أنا بالذات لذلك فهو لا يعطيني النجاح، ومثل هذه المشاعر ما هي سوى أفكار خاطئة يستغلها إبليس دائماً في حربه ضد الإنسان ليشعر بمرارة تجاه الله الذي يحب كل إسرائيل (الكنيسة) ولا يحبه هو شخصياً. أما أنا فكادت تزل قدماي= الأفكار هاجمته بشدة حتى كاد يسقط ويصدق ما لا يليق عن الله. العدد 4- 5: الآيات (4،5): "لأنه ليست في موتهم شدائد وجسمهم سمين. ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يصابون."
ما جعل المرنم يغار من الأشرار أنهم غارقون في الخيرات حتى ساعة موتهم.
العدد 6- 7: الآيات (6،7): "لذلك تقلدوا الكبرياء. لبسوا كثوب ظلمهم. جحظت عيونهم من الشحم. جاوزوا تصورات القلب."
طول أناة الله عليهم كانت لكي يتوبوا، ولكنهم استهتروا وتكبروا وظلموا الناس.
العدد 8- 9: الآيات (8،9): "يستهزئون ويتكلمون بالشر ظلماً من العلاء يتكلمون. جعلوا أفواههم في السماء وألسنتهم تتمشى في الأرض."
في كبريائهم استهزئوا بكل شئ، وظلموا الأبرياء. من العلاء يتكلمون= كأنهم في تعاليمهم يتكلمون من العلاء، أو هم تصوروا أن لهم سلطان سمائي، بل هم أعلى من الآخرين. جعلوا أفواههم في السماء= بل هم تكلموا على الله نفسه. ألسنتهم تتمشى في الأرض= كلامهم الظالم عن الناس وإشاعاتهم المغرضة وافتراءاتهم انتشرت فلوثوا سمعة الأبرياء.
العدد 10: آية (10): "لذلك يرجع شعبه إلى هنا وكمياه مروية يمتصون منهم."
هو لاحظ نجاح الأشرار بالرغم من كبريائهم، وقارن هذا مع حالته التعيسة، بل حالة كثير من الأبرار فهم متألمون بالرغم من قداستهم. لذلك يرجع شعبه إلى هنا= بسبب هذه المقارنة يرجع الأبرار إلى طريق الشر، يغويهم إبليس أن طريق الشر هو طريق النجاح. أو تفهم الآية أنهم يرجعون إلى نفس ما وصلت إليه وهو الخصومة مع أحكام الله والشكوى من أنها غير عادلة. والسبب الآلام التي تصيبهم وكانت لهم مثل كأس مرويه عليهم أن يتجرعوها إلى نهايتها ويمتصون منهم= منهم عائدة على الأبرار المتألمين الذي عليهم أن يمتصوا مياه الآلام حتى آخرها، حتى آخر نقطة. العدد 11: آية (11): "وقالوا كيف يعلم الله وهل عند العلي معرفة."
الأشرار قالوا كيف يعلم الله= الله لن يعلم بما نفعله. وقد يكون هذا تساؤل الأبرار وهم في آلامهم وهل عند العلي معرفة= هل يعرف الله حقاً الآلام التي نعاني منها.
العدد 12- 15: الآيات (12-15): "هوذا هؤلاء هم الأشرار ومستريحين إلى الدهر يكثرون ثروة. حقا قد زكّيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يدي. وكنت مصاباً اليوم كله وتأدبت كل صباح. لو قلت احدّث هكذا لغدرت بجيل بنيك."
هو رأى راحة الأشرار فقال حقاً قد زكيت قلبي باطلاً= إن كان الأمر هكذا والأشرار في راحة فباطلاً كان تعبي في طاعة وصية الله. وكنت مصاباً اليوم كله= حين فكرت في هذا، كان ضميري يجلدني اليوم كله. وتأدبت كل صباح= الصباح يعني شروق الشمس، فالله لم يكن يتركه لأفكاره السوداء حتى لا يهلك، بل كان يشرق عليه بإجابات عن تساؤلاته، وهذه الإجابات كانت تؤدبه كل صباح. أو أن الآية (14) تفهم هكذا "لقد زكيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يدي ومع هذا لم يتركني الله بل ظل يؤدبني كل صباح وظل الله سامحاً بالآلام تقع علىّ اليوم كله= وكنت مصاباً اليوم كله. وبالرغم من هذه الأفكار السوداوية عن حكمة الله وأنه سمح له بأن يُظلم، لم يفتح فاه أمام أحد بما كان يجول في خاطره حتى لا يشكك أحد= لو قلت أحدث هكذا لغدرت بجيل بنيك= وهذه نقطة إيجابية تحسب للمرنم، أنه لا يريد أن يكون سبب عثرة لأحد.
العدد 16: آية (16): "فلما قصدت معرفة هذا إذ هو تعب في عينيّ."
المرنم حاول أن يفهم أسرار حكمة الله وتدابيره فقال إذا هو تعب في عيني= أي لم يستطع أن يرى، فهي حكمة عميقة لا يمكن أن ندركها في ضوء المنطق الإنساني الخافت. وإن لم يكن هناك حقاً عالم آخر يشتد فيه الضوء فنفهم لكان تفسير كثير من الأحداث حقاً مؤلم. فوجود عالم آخر يذهب إليه أولاد الله للراحة يعطينا عزاء في آلامنا. وفي هذا العلام سنفهم ما لم نستطع فهمه هنا وسنرى ما صعب علينا رؤيته هنا ونفهم لماذا سمح الله بهذا أو بذاك من الأحداث التي تحيط بنا (أش13:40،14 + رو33:11-36).
العدد 17: آية (17): "حتى دخلت مقادس الله وانتبهت إلى آخرتهم."
مقادس الله= يمكن فهمها أنها السماء، فهناك سنرى نهاية الأشرار وأنهم لم يستفيدوا من كل ما كنا نتصوَّر أنه سبب سعادة لهم. بل سنفهم أن آلامنا التي سمح بها الله هي التي أدبتنا كل صباح حتى تكون نهايتنا هنا في السماء. ولنسأل أيوب الآن، هل لو عادت الأيام للوراء، أكنت ترفض هذه الآلام التي أتت بك للسماء؟! ومقادس الله لا تعني فقط السماء بل على كل متسائل عن الحكمة الإلهية عليه أن يطلع على الكتاب المقدس، عليه أن يصلي ويدخل إلى العمق وسيكتشف أن ملكوت الله ليس بعيداً عنه، بل هو في داخله والكتاب المقدس سيؤكد له نهاية الأشرار الأليمة والروح القدس في داخله سيؤكد له نفس الشئ فبدلاً من غيرته للأشرار سيشفق عليهم.
العدد 18- 20: الآيات (18-20): "حقا في مزالق جعلتهم. أسقطتهم إلى البوار. كيف صاروا للخراب بغتة. اضمحلوا فنوا من الدواهي. كحلم عند التيّقظ يا رب عند التيقظ تحتقر خيالهم."
طرقهم الشريرة كانت مزالق لهم= لقد انزلقوا فيها إلى دمارهم (مثال: الشواذ جنسياً كانوا يظنون أنهم يرضون شهواتهم ولكنهم إنزلقوا إلى مرض خطير وهو الإيدز). أسقطتهم إلى البوار= قد يحدث هذا هنا على الأرض وتكون نهاية الشرير رهيبة (أع21:12-23 + 11:13) وتكون سريعة بغتة (أع5:5،10) فنوا من الدواهي= لقد سمح الله لشعب بابل أن ينقض على إسرائيل الخاطئة كالدواهي وسمح لأهل فارس أن ينقضوا على بابل أيام بيلشاصر المستبيح لآنية هيكل الرب وكانوا كالدواهي أي المصائب. كحلم عند التيقظ= حين تنهال المصائب على الشرير تكون خيراته السابقة كأنها حلم استيقظ منه، لقد مرت أيامه السعيدة سريعاً.
العدد 21- 22: الآيات (21،22): "لأنه تمرمر قلبي وانتخست في كليتيّ. وأنا بليد ولا اعرف. صرت كبهيم عندك."
نرى المرنم بعد أن أقنعه الروح القدس ببطلان طريق الشر يعترف بغبائه حين خاصم الله بسبب نجاح الأشرار. بل قال عن نفسه أنه بليد.. وبهيم. لأنه لم يستطع أن يفهم أن أحكام الله هي لخير أولاده وتذمر على الله= تمرمر قلبي= تمرد على أحكام الله وتذمر عليها. وما أجمل هذه الصورة أن نفهم أننا لن نفهم أحكام الله ونترك له قيادة أمور حياتنا كما تترك البهيمة نفسها لقيادة قائد العربة وهي واثقة في حسن قيادته.
العدد 23- 24: الآيات (23،24): "ولكني دائما معك. أمسكت بيدي اليمنى. برأيك تهديني وبعد إلى مجد تأخذني."
ما أنار له الطريق انه لم ينفصل عن الله= ولكنني دائماً معك= هو كان له تساؤلات وصلت لحالة التمرد والتذمر ولكنه لم يشتكي لإنسان، بل اشتكى لله في صلواته، لذلك استجاب الله صلواته= أمسكت بيدي اليمني.. برأيك تهديني أي هداه الله إلى الرأي والإجابة التي ملأت قلبه سلاماً وثقة في أحكام الله وعدله. وبعد إلى مجد تأخذني= هذه تشير للحياة في السماء بعد الموت في مجد. وتشير إلى أن المرنم بعد أن رأي عمل الله واقتنع، شعر بالحضور الإلهي والتصالح مع الله. فنحن حينما نصطدم بالله ونتخاصم معه نفقد الشعور بوجوده وسطنا. ولكننا الآن نراه بالإيمان وسطنا ووسط كنيسته مجداً لها. وبعد ذلك في السماء سنكون في مجده عياناً. العدد 25: آية (25): "من لي في السماء. ومعك لا أريد شيئا في الأرض."
من لي في السماء إلا أنت (حسب الإنجليزية) ومعك لا أريد شيئاً في الأرض حين شعر المرنم بان الحضور الإلهي عاد له فعاد له مجده وفرحه نطق بهذه الآية الرائعة بأنه لا يريد شيئاً لا في السماء ولا في الأرض سوى الله، الله وحده هو الذي يشبعه.
العدد 26: آية (26): "قد فني لحمي وقلبي. صخرة قلبي ونصيبي الله إلى الدهر."
هنا يتكلم المرنم كمن لا يهتم حتى بنفسه، سبق هو وقال لا أريد شيئاً ما مما في السماء أو ما في الأرض. لا أريد شيئاً سوى الله وحده. والآن نراه لا يهتم بصحته فهو واثق أنه حتى لو فنى لحمه (جسده) وقلبه (مشاعره وحالته النفسية وعواطفه) فالله سيشدده. الله صخرة قلبه، وهو يسنده مهما كانت الآلام الجسدية أو النفسية.
العدد 27- 28: آية (27،28): "لأنه هوذا البعداء عنك يبيدون. تهلك كل من يزني عنك. أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي. جعلت بالسيد الرب ملجأي لأخبر بكل صنائعك."
إن كان الله هو صخرة تسند من يقترب منه، فماذا يكون حال البعداء. بالتأكيد هم يبيدون إذ لا أحد يسندهم حين تهاجمهم الضيقات الجسدية أو النفسية بل أن الله يكون ضدهم= تهلك كل من يزني عنك= الزنا هنا هو الالتصاق بآخر والانفصال عن الله. وهذا سوف يهلكه الله فهو إله غيور. لذلك كان قرار المرنم النهائي= الاقتراب من الله حسن لي= لقد بدأ مزموره بالتساؤل والآن وصل للقرار الصحيح. بل في ثقة يقول لأخبر بكل صنائعك= سيكون شاهداً لله على إحساناته.