تفسير سفر إرميا - الأصحاح 45 | تفسير تادرس يعقوب


العدد 1:
1. تاريخ الحديث

من الناحية التاريخية يأتي هذا الاصحاح بعد (8:36)، فالعبارة التالية تشير إلى الكلام الذى أملاه إرميا إلى باروخ وقُرئ على الملك يهوياقيم ومستشاريه ثم أُلقي في النار بكل احتقار.

"الكلمة التي تكلم بها إرميا النبى إلى باروخ بن نيريا عند كتابته هذا الكلام في سفر عن فم إرميا في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا قائلاً" ع1.


العدد 2- 3:
2. حالة إحباط

"هكذا قال الرب إله إسرائيل لك يا باروخ.

قد قلت ويل لي لأن الرب قد زاد حزنا على ألمي.

قد غشي عليّ في تنهدي ولم أجد راحة" ع2-3.

يبدو أن باروخ شعر بأن رفض الملك لكلمة اللَّه إهانة موجهة إليه شخصيًا، أو موجهة إليه مع إرميا، لا إلى الرب الذى أمر بكتابة هذا الكلام على الدرج، وهذا أوجد عنده شعور بالخيبة والفشل، لذلك تنهد باروخ ولم يجد راحة. لقد كان مضغوطًا بالخوف ولم يقدر أن ينام، وتثقَّل بالحزن والألم فدخل في حالة احباط.

سبق أن رأينا إرميا النبي يتعرض لنفس المشاعر إلى حين. هذا هو الضعف البشري الذى يلاحق حتى الأنبياء أحيانًا، لكن اللَّه لا يتركهم بلا عون!


العدد 4- 5:
3. رسالة رجاء

إذ استخدم اللَّه باروخ أداة لإعلان مشورته الإلهية إلى الآخرين لا يمكن أن يهمله الرب عندما يدخل في حالة احباط، لذلك يوجه الرب إليه الرسالة الخاصة التالية:

"هكذا تقول له:

هكذا قال الرب:

هأنذا أهدم ما بنيته،

وأقتلع ما غرسته وكل هذه الأرض.

وأنت، فهل تطلب لنفسك أمورا عظيمة؟! لا تطلب.

لأنى هأنذا جالب شرًا على كل ذي جسد، يقول الرب،

وأعطيك نفسك غنيمة في كل المواضع التي تسير إليها" ع5 .

إن كان الحكم قد صدر على كل الدول في ذلك الحين، لكن جاء الأمر الإلهي مشددًا على شعبه، فقد بناه بنفسه وغرسه ككرمٍ خاص به، لكن بسبب العصيان قام اللَّه نفسه بهدمه واقتلاعه.

يقدم الرب إلى باروخ كلمة تصلح شعارًا لكل واحدٍ منا، هذه الكلمة هي "وأنت، فهل تطلب لنفسك أمورًا عظيمة؟ لا تطلب". فكم يميل القلب إلى طلب الأمور العظيمة.

كان باروخ رجلاً متعلمًا، أُعدَّ ليكون كاتبًا، وكان أخوه سرايا رئيس المحلة عند صدقيا الملك (59:51)، لذلك ربما ترجى باروخ أن ينال منصبًا في القصر الملكي لخدمة شعبه، لكنه يرى كل شيء ينهار أمامه.

لننظر إلى مسيحنا الذي لم يكن له موضع في المنزل عند ولادته. ومع أن الماشية والقطعان فوق الجبال ملك له استعار الجحش والأتان ليركب عليهما. كما استعار من إنسانٍ علية لعشاء الفصح؛ بينما أقرضه آخر قبره الجديد. قيل عنه: "وأخر كثيرات كنعان يخدمنه من أموالهن" (لو3:8). كانت للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما هو فلم يكن له موضع يسند فيه رأسه (مت10:8). قيل عن الآخرين "فمضى كل واحدٍ إلى بيته، أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون" (يو53:7،1:8)، لأنه لم يكن له بيت هنا. وينطبق عليه تمامًا القول: "لماذا تكون كغريبٍ في الأرض وكمسافرٍ يميل ليبيت؟!" (إر8:14). لم يكن له موضع بين العظماء أثناء وجوده بالجسد على الأرض، بل كان دائمًا غريبًا. كان مرفوضًا حتى من خاصته(يو11:1). ليتنا نحن أيضًا لا نطلب أمورًا عظيمة في هذا العالم؛ الأمور العظيمة المختصة بنا آتية عما قريب وهي الأمور الباقية والثابتة، لأن الأمور التي تُرى هي وقتية أما التي لا ترى فهي أبدية (2كو18:4).

V إن امتدحك اللَّه وأكرمك، فهل سيكون هناك من هو مبارك أكثر منك؟! لأن الفرق بين المجد الذي من اللَّه والمجد الذي من الناس أعظم بكثير من الفرق بين المجد والعار هنا...

V مع أنه في استطاعتك أن تحيط نفسك بشهودٍ من السماء، إلا أنك تستعيض عنهم بمتفرجين أرضيين[iii].

القديس يوحنا الذهبي الفم

نجد توبيخًا لباروخ لشعوره بالاكتئاب فيما يخص مستقبله. حقًا سيجيء القضاء، لكن هذا القضاء لا يمكن أن يمسه بأى سوء؛ فليأتِ السيف ولتأتِ المجاعة وليأتِ الوباء ويهلك الكثيرون أما باروخ فيحفظه الرب. وإن هاج الناس عليه لا يمكن أن يصيبه أذى أو سوء، لأن الرب سند له؛

أسفار الكتاب المقدس
أعلى