هذا الاصحاح هو المصدر الوحيد بين أيدينا عن وجود تحالف بين دويلات الغرب ع3، أما محتوياته التاريخية فقد ألقى عليها شيء من الضوء خلال التاريخ البابلي الذي نشره ويزمان[i].
"في ابتداء ملك يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا صار هذا الكلام إلى إرميا من قبل الرب قائلاً:
هكذا قال الرب لي:
اصنع لنفسك ربطًا وأنيارًا وأجعلها على عنقك.
وأرسلها إلى ملك أدوم وإلى ملك موآب وإلى ملك بنى عمون وإلى ملك صور وإلى ملك صيدون بيد الرسل القادمين إلى أورشليم إلى صدقيا ملك يهوذا.
وأوصهم إلى سادتهم قائلاً:
هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل:
هكذا تقولون لسادتكم.
إني أنا صنعت الأرض والإنسان والحيوان الذي على وجه الأرض بقوتي العظيمة وبذراعي الممدودة وأعطيتها لمن حسن في عيني.
والآن قد دفعت كل هذه الأراضي ليد نبوخذ نصر ملك بابل عبدي، وأعطيته أيضًا حيوان الحقل ليخدمه.
فتخدمه كل الشعوب وابنه وابن ابنه حتى يأتي وقت أرضه أيضًا فتستخدمه شعوب كثيرة وملوك عظام.
ويكون أن الأمة أو المملكة التي لا تخدم نبوخذناصر ملك بابل والتي لا تجعل عنقها تحت نير ملك بابل إني أعاقب تلك الأمة بالسيف والجوع والوبأ يقول الرب حتى أفنيها بيده.
فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرافيكم وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل.
لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب لكي يبعدوكم من أرضكم ولأطردكم فتهلكوا.
والأمة التي تدخل عنقها تحت نير ملك بابل وتخدمه أجعلها تستقر في أرضها يقول الرب وتعملها وتسكن بها" ع1-11.
تفترض أحداث هذا الاصحاح سبي عام 597 ق.م بعد تجليس الملك صدقيا. جاء في النسخ العربية والسريانية وغيرها "ملك صدقيا" عوض "يهوياقيم" أما الترجمة السبعينية فلا توجد بها الآية الأولى.
يرى Lightfoot أن إرميا قد بدأ في صنع الأنيار والأربطة في عهد يهوياقيم، وبعد ذلك ارسلها إلى الملوك المجاورين في عهد صدقيا الملك.
في السنة الرابعة لملك نبوخذ نصر شعر بعض الملوك بأن الجانب الغربي من المملكة البابلية على وشك القيام بثورة وتمرد حيث ظهرت قلاقل في المملكة. ففي عام 5-596 ق.م هُوجم نبوخذ نصر بعدو لا يعرف اسمه، ربما عيلام، وفي عام 4-595 ق.م حدثت ثورة على حدود مملكته. في عام 3-594 قاد حملة عسكرية داخل سوريا... فكانت أيام مملوءة بالقلاقل بالنسبة لنبوخذ نصر. هذا دفع بعض الدول في غرب مملكته أن تفكر في الخلاص من نيره. ويرى البعض انه بعد ما فتحت جيوش ملك بابل أورشليم للمرة الأولى بأربع سنوات قام في مصر ملك جديد اختمرت في قلبه فكرة الثورة على بابل.
أرسل الملوك المجاورون إلى صدقيا الملك يطلبون مشورته وعونه ويقيمون تحالفًا معًا. أكّد الأنبياء الكذبة أن بابل على وشك الانهيار وأن يهوياكين يعود إلى أورشليم ومعه كنوز يهوذا التي سُلبت، وأن الظروف مساعدة للثورة... لكن وُجد رجل واحد يقف أمام الكل لينادى ببطلان نبوات هؤلاء الأنبياء، وهو إرميا النبي!
في نفس السنة، السنة الرابعة من ملكه، ذهب صدقيا الملك إلى بابل (51:59) إما باستدعاء الملك له أو ليظهر ولاءه على ضوء انتشار خبر تمرد الملوك في غرب المملكة.
أتى إرميا بنير (أو أكثر) خشبى وبه الأربطة الجلدية، هذا الذي يوضع على عنق الثور ويثبَّت بالأربطة الجلدية حتى لا يلقى به الثور عن عنقه. وضعه على عنقه ليحدثهم بلغة التمثيل، إنه ينبغي أن يخضعوا لسلطان بابل.
يرى البعض ان ارميا جاء بعدة أنيار، وضع كل نير على عنقه ثم سلمه لرسول كل ملكٍ من الملوك كى يقدمه لملكه الذي أرسله، بينما يرى آخرون[ii] أنه جاء بنيرٍ واحدٍ مملوء أربطة، وما كان على الرسل إلا أن يبلغوا ملوكهم بما رأوه وسمعوه. بهذا يُحسب كأن النير قد وُضع على كل ملكٍ منهم، إذ جاء في الترجمة السبعينية "أرسله" ع3 بصيغة المفرد، وليس "أرسلها" مما يوحي بأن إرميا جاء بنيرٍ واحدٍ فقط، وما على الرسل إلا إبلاغ الملوك بالخبر، دون أن يقدم نيرًا لكل رسول.
ربما يتساءل البعض: هل كان بالحقيقة يضع إرميا نيرًا على عنقه؟ الإجابة بالإيجاب، إذ نرى في الاصحاح 10:28،12 نبيًا كاذبًا يكسر النير الخشبي الموضوع على عنق إرميا.
على كلٍ لم يتم التحالف المزمع إما لأن الملوك لم يستطيعوا أن يتفقوا معًا على الخطة، أو لأنهم رأوا أن الخطر عظيم.
بدأ حديث إرميا بإعلان سلطان يهوه إله إسرائيل على الأرض كلها وشعوبها وكل الخليقة، ليس بكونه الخالق فقط، وإنما هو إله التاريخ وصانعه، وأنه هو الذي أقام نبوخذ نصر عبده لغرض إلهي. هناك خطة من جهة نبوخذ نصر وابنه وحفيده، وليس شيء يحدث اعتباطًا. يرى Adam Clarke أن ذلك قد تحقق حرفيًا حيث خلفه ابنه أويل مردوخ وفيما بعد حفيده بيلشاصر (دا 11:5). بينما يرى البعض انه لا يقصد هنا بالابن والحفيد حسب الجسد لكنه يقصد الذين يخلفونه بالتتابع لمدة طويلة، فيُحسب الملك الثالث بعده كحفيد له تولى عرش جده. نحن نعلم ان نبوخذ نصر خلفه ابنه أويل مردوخ[iii]، بعد ذلك جاء نرجل شراصر[iv] Nergalsharzer الذي يعرفه اليونانيون باسم Neriglissar (إر13:39) ليس ابنه بل زوج أخته بعد قتله أويل مردوخ، ثم تبعه ابنه Laborosoarchod وهو طفل، قُتل بعد 9 شهور بواسطة بعض المتآمرين، وبعد ذلك Naboned الذي اشترك معه بيلشاصر (حفيد نبوخذ نصر) كشريكٍ في الملك[v].
عدم الخضوع لبابل هو رفض للمشورة الإلهية ضريبتها السقوط تحت السيف مع الجوع والوبأ.
تحدث إرميا بيقين ليس معتمدًا على تكهنات سياسية، وإنما باقتناع قوي أن اللّه رب الجنود هو قائد كل شيءون العالم، له خطته نحو البشر. حقًا كان نبوخذ نصر شريرًا، ومع ذلك أعطاه اللَّه نصيبًا وافرًا من خيرات هذا العالم، ولكن إلى حين. هذا ما نلمسه كل يوم حين نجد أشرارًا ناجحين، فنصرخ مع المرتل، قائلين: "لماذا تنجح طريق الأشرار؟!"... يستخدم اللَّه أحيانا نجاحهم لتأديب أولاده مع نزع كل عذر للأشرار عن شرهم.
V إنها خطايانا التي تجعل البرابرة أقوياء، إنها رذائلنا التي تقهر جنود روما...
يا لبؤس الإسرائيليين الذين عندما قورنوا بنبوخذ نصر دُعى هو عبد اللَّه ع6.
يا لبؤسنا نحن أيضًا الذين إذ نُغضب اللَّه يستخدم غضب البرابرة ليصب غضبه علينا.
ومع هذا عندما تاب حزقيا هلك 185000 جنديًا أشوريًا بواسطة ملاكٍ واحدٍ (2مل35:19).
وعندما رنم يهوشفاط للرب تسابيح وهب اللَّه ذاك الذي تعبد له النصرة (2أي5:20-25).
أيضًا عندما حارب موسى ضد عماليق، غلب لا بالسيف بل بالصلاة. لهذا إن أردنا أن نرتفع يلزمنا أولاً أن ننبطح![vi]
القديس جيروم
واضح من ع9 لابد أنه كان في الأمم المجاورة أنبياء كذبة يعتمدون على التنجيم والسحر والعرافة كما كان في إسرائيل. وقد ذكر السحرة الوثنيين والعرافين مع الأنبياء الكذبة إذ اشترك الكل في أمرٍ واحدٍ، وهو الرغبة في إرضاء سادتهم وتهدئة نفوس من هم حولهم على حساب الحق الإلهي. هكذا يختلط الوثنيون مع الذين يحملون اسم اللَّه كذبًا ويتنبأون باسمه باطلاً. لهذا يليق بنا لكي نتعرف على إرادة اللَّه (أف17:5) ونميز علامات الأزمنة (مت3:16) أن نتقدس ونحمل روح الطاعة والتمييز، ولا تكون لنا شركة مع الشر.
إرميا مثل إشعياء الذي وضع حدًا لمملكة أشور (إش10:5-12) التي تنتهي عندما تحقق غرض اللّه منها، هكذا يتحدث إرميا عن بابل.
يستخدم عدو الخير اسم اللَّه كحجة ليبث أكاذيبه (مت6:4، 22:7،33).
العدد 12- 15: 2. نصيحة لصدقيا الملك
"وكلمت صدقيا ملك يهوذا بكل هذا الكلام قائلاً:
ادخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل واخدموه وشعبه واحيوا.
لماذا تموتون: أنت وشعبك بالسيف بالجوع والوبأ كما تكلم الرب عن الأمة التي لا تخدم ملك بابل؟!
فلا تسمعوا لكلام الأنبياء الذين يكلمونكم قائلين لا تخدموا ملك بابل لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب.
لأني لم أرسلهم يقول الرب بل هم يتنبأون باسمي بالكذب لكي أطردكم فتهلكوا أنتم والأنبياء الذي يتنبأون لكم" ع12-15.
يكرر إرميا ما قاله لرسل الملوك لصدقيا الملك، حتى يبدو كمن هو عميل لبابل وخائن لبلده.
كان من الصعب على أي يهودي خاصة الملك أن يسمع تلك الكلمات: "ادخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل"، فقد عرفوا أن اللَّه إلههم هو المحرر من نير العبودية، إذ سبق فوعد: "أن الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر من كونكم لهم عبيدًا وقطع قيود نيركم وسيركم قيامًا" (لا13:26)، فكيف يطلب منهم أن ينحنوا ليُدخلوا أعناقهم تحت نير ملك وثنى؟! إنها علامة غضب اللَّه! كانت إحدى اللعنات التي يسقط تحتها الشعب في عصيانه للوصية هي: "تُستعبد لأعدائك الذين يُرسلهم الرب عليك... فيجعل نير حديد على عنقك حتى يهلكك، يجلب الرب عليك أمة من بعيد من أقصاء الأرض كما يطير النسر، أمة لا تفهم لسانها..." (تث48:28الخ.)
لم يسمع صدقيا له، فكان مصيره السبي (587 ق.م) بعد قتل أولاده أمام عينيه، وفُقأت عيناه (2مل1:25-7). لماذا أمرهم اللَّه بالخضوع لنير بابل؟
ا. يبدو مما نعرفه من التاريخ أن إرميا نجح هذه المرة بأن يردّ صدقيا عن الاشتراك في مثل هذه الثورة. ومن ثمَّ نقدر أن نفهم موقف إرميا وهو يحث الملك والدول المجاورة على البقاء في خضوعها، لا لأنه كان يحب بابل ويُعجب بها ويؤثر سيطرتها على الحرية والاستقلال، بل لأنه أدرك بالإعلان الإلهي أن هذه هي إرادة اللَّه وحكمته ولا يقدر الإنسان أن يقف أمامها.
لعل اللَّه أمرهم بذلك لكي يكتشفوا خلال المذلة لنير بابل النير الداخلي الذي سقطوا تحته، وهو نير الخطية. فبإذلال الجسد وظروف الحياة القاسية وحرمانهم من بلدهم ومدينتهم المقدسة وهيكل الرب... يدركون ماذا يفعل نير سبي الخطية. فيقولون مع إرميا النبي: "جعلني ضربة اليوم كله، مغمومة؛ شَدَّ نير ذنوبي بيده، صعدت على عنقي. نزع قوتي، دفعني السيد إلى الابد لا أستطيع القيام منها" (مرا 14:1).
نسمع عن هذا النير في فريضة البقرة الحمراء (عد19)، إذ يشترط في البقرة المقدمة كذبيحة خطية أن تكون "صحيحة، لا عيب فيها، ولم يعلُ عليها نير" (عد2:19). وذلك بكونها رمزًا للسيد المسيح الذي وحده بلا خطية، ليس فيه عيب، ولم يسقط تحت نير الخطية. لقد وبخ اليهود، قائلاً: "من منكم يبكتني على خطية؟" (يو46:8). يقول الرسول بولس: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن البركات اللَّه فيه" (2كو21:5). وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [نعم، المسيح نفسه يقول: "من أجلكم أقدس أنا ذاتي" (يو19:17)، ويقول أيضًا "رئيس هذا العالم قد دين" (يو11:16)، مظهرًا أن الذي ذُبح هو بلا خطية."[vii]]
أيضًا حينما ارتبك الفلسطينيون بسبب الضربات التي حلت عليهم وضعوا التابوت على عجلة واحدة جديدة يجرها بقرتان مرضعتان لم يعلهما نير (1صم7:6)... فانطلقت المركبة: نحو حقل يهوشع، أي حقل يسوع، كنيسة المخلص... وفرح الحصادون لما رأوا تابوت العهد!
إذن ليحملوا نير بابل فيدركوا قسوة نير الخطية، خلال الصليب، معطيًا للنير عذوبة، لأنه نير صليب الحب الباذل. إذ يقول: "تعالوا إلىَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم؛ احملوا نيري عليكم، وتعلموا مني... لأن نيري هيّن (حلو) وحملي خفيف" (مت28:11-30). انه يدعونا لنلقى نيرنا تحت قدميه، لا لنعيش بغير نير، وانما نستبدل نيرنا بنيره العذب. عوض نير الخطية القاسي نحمل شركة نير المسيح، أي شركة آلامه النابعة عن الحب الباذل!
يحدثنا عن نير الحب العذب هذا وفاعليته في حياتنا، قائلاً: "كنت أجذبهم بحبال البشر برُبُط المحبة، وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم، ومددت إليه مُطعمًا إياه" (هو4:11).
إذ يرى المؤمن مسيحه يحمل النير عنه يشتهي أن يكون له مجد الشركة معه في حمل هذا النير. يشتهي أن يحمله منذ صباه، محققًا قول إرميا النبي: "جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب؛ جيد للرجل أن يحمل النير في صباه" (مرا 27:3).
ب. إذ كانت خطاياهم تتسم بالظلم مع الرجاسات لذلك أراد لهم أن يحملوا نير بابل حتى يدركوا قسوة نيرهم الذين يلقونه على أعناق اخوتهم، فلا يفعلوا كما فعل رحبعام حين قال له يربعام وكل جماعة إسرائيل: "إن أباكم قسّى نيرنا، وأما أنت فخفف الآن من عبودية أبيك القاسية ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك" (امل4:12)، أجابهم: "أبي ثقل نيركم وأنا ازيد على نيركم؛ أبي أدبكم بالسياط، وأنا أؤدبكم بالعقارب" (1مل14:12).
المؤمن الذي يدرك مرارة النير لا يطلب أن تنحني رقاب الآخرين لنير غير نير صليب المسيح الممتع. لهذا ففي مجمع الرسل المنعقد بشأن القادمين للإيمان من الأمم قال الرسول بطرس: "فالآن لماذا تجربون اللَّه بوضع نيرٍ على عُنُق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله، لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أولئك أيضًا" (أع10:15،11). هكذا طلب الرسول ألا يخضع القادمون للإيمان لنير الطقوس الحرفية للشريعة الموسوية، وكما يوصينا الرسول بولس بخصوص الخضوع الحرفي لختان الجسد: "فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية" (غلا1:5). العدد 16- 22: 3. حديث مع الكهنة والشعب
"وكلمت الكهنة وكل هذا الشعب قائلاً:
هكذا قال الرب.
لا تسمعوا لكلام أنبيائكم الذين يتنبأون لكم قائلين ها آنية بيت الرب ستُرد سريعًا من بابل.
لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب.
لا تسمعوا لهم.
اخدموا ملك بابل واحيوا.
لماذا تصير هذه المدينة خربة؟!
فإن كانوا أنبياء وإن كانت كلمة الرب معهم فليتوسلوا إلى رب الجنود لكي لا تذهب إلى بابل الآنية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي أورشليم.
لأنه هكذا قال رب الجنود عن الأعمدة وعن البحر وعن القواعد وعن سائر الآنية الباقية في هذه المدينة التي لم يأخذها نبوخذ نصر ملك بابل عند سبيه يكنيا بن يهوياقيم ملك يهوذا من أورشليم إلى بابل وكل أشراف يهوذا وأورشليم،
إنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل عن الآنية الباقية في بيت الرب وبيت ملك يهوذا وفي أورشليم.
يؤتى بها إلى بابل وتكون هناك إلى يوم افتقادي إياها يقول الرب فأصعدها وأردها إلى هذا الموضع" ع16-22.
يُقصد بالأعمدة العمودين النحاسيين اللذين وضعهما سليمان في رواق الهيكل في المدخل، طول العمود الواحد ثمانية عشر ذراعًا (1مل15:7-22). أما البحر فكان من النحاس دائرى الشكل قطره عشر أذرع، يحوى ماءً يُستخدم في غسلات مختلفة أثناء العبادة، وكان قائمًا على اثنى عشر ثورًا، ربما هذه الثيران هي التي تُدعى هنا بالقواعد (1مل22:7-25).
إن كان اللّه يؤكد السبي البابلي والاستيلاء على بقية آنية الرب وآنية بيت الملك لكنه يفتح باب الرجاء أمامهم، قائلاً: "إلى يوم افتقادي إياها" ع22. وقد تحقق ذلك في أيام كورش حيث حث اللَّه قلبه أن يحقق هذه النبوة (عز7:1؛ 19:7).
في حديثه الممتع عن رعايته لشعبه بنفسه يقول: "ويعلمون أني أنا الرب عند تكسيري رُبط نيرهم، وإذ أنقذهم من يد الذين استعبدوهم، فلا يكونون بعد غنيمة للأمم، ولا يأكلهم وحش الأرض، بل يسكنون آمنين ولا مخيف" (حز27:34،28). كما يقول: "والآن أكسر نيره عنكِ وأقطع رُبُطك" (نا13:1).
لم يكن إرميا النبي متشائمًا كما يظن البعض، فإنه في أحلك لحظات الظلمة لم يفقد ثقته في وعود اللَّه بالخلاص. هكذا يليق بالمؤمن أن تستنير نفسه بالمواعيد الإلهية، فتتهلل أعماقه، متأكدًا أن خطة اللَّه الخلاصية ستتم حتمًا، بغض النظر عن الظروف القائمة أو ما سيحل في المستقبل القريب... لننتظر الرب، فإنه حتما سيخلص في الوقت المعين!
هكذا عاشت الكنيسة الأولى وسط الاضطهاد المرّ مملوءة رجاءً في عمل اللَّه معها عبر الأجيال وثقتها في نعمة اللَّه الغنية التي تتحدى الزمن!