تفسير إنجيل القديس يوحنا للأب متى المسكين

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
33:11-35 فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ. وَقَالَ: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ تَعَالَ وَانْظُرْ». بَكَى يَسُوعُ.

‏مريم تبكي, واليهود يبكون, والمسيح يبكي, هنا تنفرد اللغة اليونانية بتعبيرات البكاء، التي تفرق فيها بين بكاء مريم واليهود وبين بكاء المسيح، في هذا الموقف بالذات. فبكاء مريم واليهود عبرت عنه اللغة اليونانية بكلمة ( )‏، وهي تفيد المعنى العربي «بكاء بصوت مسموع للتعبير الظاهري عن الحزن»، وهو كمهنة عند النسوة له أصول. أما كلمة «بكى يسوع» بتأتى ( ) وهي بمعنى »أدمعت عيناه بدون صوت». وتأتي كتأثر مباشر عفوي للحزن غير المنضبط، في صمت.
‏انزعج بالروح: وتأتي باليونانية ( ) وتفيد الانفعال الانعكاسي للمنظر الذي ‏أمامه (تأثر)، وهي لا تفيد الانزعاج كما تجيء في الترجمة العربية، ولكن تفيد التأثر بعدم الرضا، وهي نفس الكلمة التي جاءت في المواقف الأتية بمعنى الانتهار:
+ «فانفتحت أعينهما, فانتهرما يسوع قائلا: انظرا لا يعلم أحد.» (مت30:9‏)
+ «فللوقت وهو يتكلم ذهب عنه البرص، وطهر، فانتهره, وأرسله للوقت.» (42:1-43)
+ وتأتي بمعنى التأنيب: «لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلثمئة دينار ويعطى للفقراء. وكانوا يؤنبونها.» (مر5:14)
‏وهكذا يظهر أن هذا الاصطلاح «انزعج»، كما جاء في الترجمة العربية، يفيد مجرد التأثر ولا يفيد الحزن.
‏أما كلمة «بالروح»، فهي تفيد أن الرب تحرك أو تأثر بالروح إزاء منظر البكاء في عدم ارتياح, وتحرك روحيا ليصنع أمراً (إقامة لعازر) يوقف به هذا العويل والنواح.
‏فقد يؤخذ هذا الانزعاج الروحي على أنه استنفار الروح للقيام بالهمة الخطيرة، وهي إقامة الميت إلى الحياة. ونحن نعلم أن هذا العمل يستلزم خروج قوة هائلة من المسيح ، كما حدث في نازفة الدم : «فقال يسوع قد لمسني واحد، لأني علمت أن قوة قد خرجت مني.» (لو46:8)
‏ويلاحظ أن الكلمة اليونانية ( ) التي تُرجمت هنا «‏انزعج» جاءت بالترجمة «انتهر» في إثر المعجزات ذات الثقل العال التي استلزمت انفعالاً روحيأ من الرب لا يستهان به، وهي معجزة شفاء الآبرص (مر43:1), وشفاء الأعمى (مت30:9‏)، وإقامة لعازر (يو33:11و38). لذلك لا ينبغي أن نستخفت بما تستلزمه المعجزة من الضغط الروحي العال الواقع على جسد المسيح الذي جعله يهتز ويئن وتدمح عيناه في مواقع كثيرة.
«واضطرب»: وهذا طبعاً نتيجة ما تحمله جسده من أحزان واضطراب الآخرين, تلك التي أخذها على نفسه في تعاطف ومشاراكة وبمحض إرادته, ‏فجاءت كلمة «واضطرب» للتعبير عن ذلك، والتي تفيد حرفياً «جعل نفسه تضطرب»، وتفيد أيضاً الارتجاف والقشعريرة .
‏وبذلك تكون الأصول النفسية والروحية التي استهدفها المسيح في جسده للانزعاج والاضطراب، هي عملية طوعية إرادية، اعتبرها الله أبوه، واعتبرها هو، واعتبرها علم اللاهوت بناء على ذلك وبناء على سبق النبوة عنها، أنها جزء لا يتجزأ من عملية الخلاص الكبرى التي جاء المسيح وتجسد من أجلها، فهو لم يحمل خطايانا على نفسه فقط، بل وحمل أحزاننا وأوجاعنا واضطرابنا وموتنا، ويصفها إشعياء النبي بقوة بالغة العمق في قوله:
«رجل أرجاح ومختبر الحزن».
«لكن أحزاننا حملها, وأوجاعنا تحملها, ونحن حسبناه مضروباً من الله ومذلولاً».
«وهو مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لأجل آثامنا ...»
«والرب وضع عليه إثم جيعنا».
«أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن» (إش 53‏)
‏إذن، فانزعاج المسيح بالروح واضطرابه، بل و بكاؤه، هذا كله وهو يمثل ضعف الإنسان عامة, حمّل المسيح نفسه به، وثقل روحه تحت عبئه, وأخذه وتبتاه، واشترك فيه كمقدمة ومؤخرة للموت ذاته الذي أخذه لنفسه وهو غريب عن هذا كله، بل وإن الله الآب سر بهذه المشاركة الحزينة والأليمة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من «ذبيحة الإثم» التي قدمها المسيح (عن خطية الإنسان) قدمها بجسده ونفسه وروحه!!!
‏ويلزم هنا أن نوضح أن القديس يوحنا، في إنجيله، ميز بين النفس والروح للمسيح في شركة الألم والموت:
‏«لما قال يسوع هذا، اضطرب بالروح، وشهد وقال: الحق الحق أقول لكم إن واحداً ممكم سيسلمني.» (يو21:31)
‏«فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أكمل. ونكس رأسه وأسلم الروح.» (يو30:19‏)
«أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف.» (يو11:10)
«الآن نفسي قد اضطربت, وماذا أقول، أيها الآب نجي من هذه الساعة ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة.» (يو27:12)
‏والآن يلزم أن نفهم أن آية إقامة لعازر من الموت، مع كل ما لابسها من مشاعر وعواطف وأحزان واضطراب وانزعاج، لا يمكن اعتبارها أنها حادثة قائمة بذاتها تمثل ظروفها فقط، بل هي نموذج، وصورة واقعية توضح صلة المسيح، وليس صلة المسيح فقط، بل وصلة الله بموتنا وقيامتنا، وما يلابس موتنا من جميع النواحي البشرية كما حدث في قصة لعازر، ويكفي أن نسع عن الله أنه «في كل ضيقهم تضايق ... » (إش9:63). المسيح يكرر حضوره، ويمارس إظهار مشاعره وعواطفه من جهة كل إنسان في الكنيسة يتألم أو يموت لحسابه: «إن عشنا فللرب نعيش، وان متنا فللرب نموت» (رو8:14). ونحن أيضاً نمارس إيمان قيامتنا في كل ميت يموت لنا، وبهذا الإيمان بالقيامة نرى مجد الله: «إن آمنت ترين مجد الله».
‏إذن، إقامة لعازر من الموت هي منهج إيماني للكنيسة. لقد رفع إنجيل يوحنا «إقامة لعازر من الموت» من حادثة إلى آية لاستعلان مجد الله، لتدخل في الكنيسة كآية لكل من يموت، ولكل من يموت له أحد.
‏«وقال: أين وضعتموه. قالوا. يا سيد تعال وانظر. بكى يسوع»: لأول مرة يذكر الإنجيل عن الرب أنه يستفسر، أي يطلب معرفة عن شيء. ولكن يبدو في الحقيقة أنه يعلن بذلك عن نيته في إقامة لعازر من الموت، وليس مجرد معرفة المكان. وهذا أيضاً بدوره هو رد الفعل المباشر في إظهار تأثره ومشاركته لعواطف الباكين, باعتبار أن الرب لا يشارك بالعواطف أو الكلمات وحسب، بل وبالعمل المباشر.
«بكى يسوع»: (والرب قد بكى لما رأى الإنسان المخلوق على صورته الخاصة منساقاً للفساد, وذلك حتى ببكائه يضع حدا لدموعنا. فإنه لهذه الغاية أيضاً قد مات حتى يخلصنا من الموت. ‏(القديس كيؤلس الكبير فى تفسير يو35:11. )
الكلمة اليونانية ( )، ويقابلها باللغة اللاتينية في الفولجاتا ( )‏، وهى المرة الوحيدة في كل أسفار العهد الجديد التي ذُكرت فيها هذه الكلمة ولا تفيد أكثر من أن: « أدمع يسوع»، أي سالت دموعه. وهي تعتبر أصغر آية وردت في الإنجيل. ولكن قد ذكر أن المسيح بكى بكاء الحزن بصوت مسموع في إنجيل القديس لوقا: «وفيما هو يقترب، نظر إلى المدينة، وبكى عليها» (لو41:19). ولكن كان هذا البكاء على هلاك شعب، وكنيسة، وليس على صديق.
دموع يسوع هنا هي صورة لأحزان الرب عل مصير الإنسان, ككل, الذي جلبه على نفسه بالخطية. والقديس يوحنا أسهب في تصوير بشرية المسيح الكاملة وذلك بالأنواع، التي تعبر عن الإنسانية التي فيه:
‏التعب: «فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا عل البئر.» (يو6:4)
العطش: «فقال لها يسوع أعطيني لأشرب.» (يو7:4)
«قال أنا عطشان» (يو28:19)
‏المحبة: «.... وجاء‏ت إلى سمعان بطرس والى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه.» ‏(يو2:20)
‏كما جاءت تعبيرات أخرى مكملة في الأناجيل الأخرى:
‏الجوع: «فبعد ما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة، جاع أخيراً.» (مت2:4)
‏التهليل: «وفي تلك الساعة، تهلل يسوع بالروح, وقال: أحمدك أيها الآب...» (لو21:10)
الغضب: «فنظر حوله إليهم بغضب, حزينا على غلاظة قلوبهم...» (مر5:3)
‏الحزن: «فقال لهم: نفسي حزينة جداً حتى الموت...» (مت38:26)
‏لذلك كان من المستحيل على المسيح الذي تعب وعطش وجاع وأحب وفرح وغضب وحزن حزناً ثقيلاً حتى الموت، أن لا يبكي وتدمع عيناه، ليس مع الإنسان وحسب بل وعلى الإنسان أيضاً. فالذي ارتضى أن يقبل غصة الموت من أجلنا، كيف لا يترك عيناه تنهمر منها الدموع علينا، والذي ارتضى أن يحمل خطايانا في جسده على الصليب، كيف يمتنع عن أن يذرف الدمع علينا حينما يحل البكاء؟ لقد أحل لنفسه البكاء علينا، ولكنه أبى أن يبكي عليه أحد: «يا بنات أورشليم لا تبكين علي، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن.» (لو28:23)
‏يقول اللاهوتيون أن بكاء المسيح أكبر شهادة على كمال ناسوت المسيح، ونحن نقول أيضاً إن بكاء يسوع هو أكبر شهادة على استعلان كمال مشاعر قلب الل !... إن دموع يسوع هي حبات الياقوت التي سقطت علينا من جوهر الله الأزلى، لنصنع منها عقوداً للبهاء والجمال وللتباهي بها لدى الملائكة والرؤساء التي لا تملك أن تبكي.
‏وكما أبطل المسيح الموت بموته, فلم يعد الموت للعار والعقاب، بل للقيامة والحياة؛ كذلك فالمسيح ببكائه مسح الدمع من العيون, فلم تعد دموعنا لليأس والقنوط، ولكن للحب والعزاء، كدموعه... «يبلع الموت إلى الآبد، ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه، وينزع عار شعبه عن كل الأرض، لأن الرب قد تكلم.» (إش8:25)
‏ويا لفخرنا بدموع الرب هذه، فبعد أن مُسحت دموعنا، وقفت هذه الدموع عينها شهد أن «ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مُجرب في كل شيء مثلنا, بلا خطية، فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار.» (عب14:4-15)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
36:11-37 فَقَالَ الْيَهُودُ: «انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ». وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: «أَلَمْ يَقْدِرْ هَذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَيْضاً لاَ يَمُوتُ؟».

‏هنا أراد القديس يوحنا أن يسجل الوجه الخاطىء لمعنى دم‏وع المسيح، إذ حسبها هؤلاء اليهود أنها دموع جسدية, سقطت عن ضعف, لأنها نابعة من صداقة مفقودة. والعجيب في أسلوب القديس يوحنا السري للغاية أنه يورد بعد قول اليهود هذا، ومباشرة، الرد الذي يصحح هذه النظرة الخاطئة لدموع الرب. إذ يرى اليهود أيضاً, بعض منهم, أن الذي فتح عيني الأعمى، هو قادر بالتالي أن يمنع الموت؛ فالذي يعطي النور يهب الحياة، والذي يعطي النور كيف يبكي على الظلام؟
‏وعلى العموم كانت تعليقات اليهود هنا، ودائماً, تنم عن فقدان القدرة على مجاراة الرب في استعلاناته ، فلم يستطيعوا ولا مرة واحدة أن يلتقطوا المعنى الروحي في أقوال الرب ولا حتى في آياته. ورد فعلهم هنا لدموع الرب، هو مماثل لرد الفعل الذي أحدثه الصوت الذي جاء من السماء استجابة لنداء المسيح: «أيها الآب مجد اسمك، فجاء صوت من السماء: مجدت وأمجد أيضاً. فالجمع الذي كان واقفاً وسمع، قال: قد حدث رعد, واخرون قالوا قد كلمه ملاك. أجاب يسوع وقال: ليس من أجلي صار هذا الصوت بل من أجلكم‏» (يو28:12-30‏). هكذا، ولهذا, بكى يسوع, ليس من أجل نفسه، ولكن من أجل الذين «لم يعرفوا بعد ما هو لسلامهم.» (راجع لو41:19)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
38:11-39 فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. قَالَ يَسُوعُ: «ارْفَعُوا الْحَجَرَ». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا أُخْتُ الْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ».

‏لا يزال المسيح في حالة الاستنفار العليا, والجسد واقع تحت استعداد خروج أكبر قوة خرجت من المسيح لاتيان معجزة, فإقامة الميت من القبر, والجسد قد انحل وتهرآ وآنتتن, تحتاج إلى عملية تخليق وخلق ليعود اللحم المنحل والفاسد إلى لعازر الأول الكامل والصحيح المتعافى. المسيح هنا يا إخوة هو «الكلمة» الخالق, وهو نفسه «المخلص» من براثن الموت, وهو هو «الديان» الذي تسمع الموتى صوته في القبور, وهو أخيراً «القيامة والحياة»، أقصى قوة في السماء والأرض يحتاجها الميت المنتن ليقوم ويحيا ويعيش ويتكلم مرة أخرى, أي جسد هذا, الذي للمسيح, الذي تحمل خروج هذه القوى المتعاظمة التي للخالق الديان والمخلص المحيي!!
‏سار المسيح إلى القبر في تؤدة، وجسده يرتجف من ثقل هذه القوى التي تموج في داخله تنتظر الكلمة الأخيرة لتخرج منه, لتصارع قوات الظلام في ظلمة الهاوية, وتحطم مصاريع الجحيم، وتفك قيود الموت، لتطلق سبي الروح: «أخرجهم من الظلمة وظلال الموت وقطح قيودهم. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم . لأنه كسّر مصاريع نحاس وقطع عوارض حديد.» (مز14:107-16)
‏كان القبر عبارة عن مغارة، إما منحوتة في الجبل أو طبيعية, إما على مستوى الواقف أو منخفضة عنه حيث يوضع الحجر على فم القبر وليس أمامه، وتُغلق الفتحة بحجر كبير, يمكن لأكثر من واحد إما أن يرفعه أو يدحرجه ليقفل باب المغارة، لتًحفظ الأجساد من تعدي الوحوش.
«قال يسوع: ارفعوا الحجر, قالت له مرثا أخت الميت: يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام»: «ارفعوا الحجر»؛ هذا كان أمر المسيح لليهود الواقفين، وذلك ليشتركوا في التمهيد للمعجزة كشهود عيان, كما أمرهم بعد ذلك أن يحلوا الميت من أربطة الكفن، لكي تكون شهادتهم بلمس اليد أيضاً. وهذه يعتني القديس يوحنا في تسجيلها، لأنها جزء لا يتجزأ من برهان صدق الآية. ومجييء تعليق مرثا باحتجاجها أن رائحة الميت ستواجه الذين يرفعون الحجر، لتكمل الشهادة العينية والملموسة والمحسومة بالشم أن لعازر مات وله أربعة أيام في القبر، حتى لا يكون منفذ للمتشككين.
‏أما على المستوى الروحي السري، فرفع الحجر قبل المعجزة عمل حتمي بالنسبة لنصيب خدام الرب وجهد الكنيسة الذي يمهد بالتعليم والتوضيح, لتتدخل قوة الرب بالروح القدس ليوقظ النفوس من موت الخطية لتقوم وتتقبل الحياة الآبدية.
‏أما تعليق مرثا من جهة نتن رائحة الميت، فيجيء بصفتها أخت الميت. وهي تمثل صوت النفس المتألمة في صراخها إلى الرب من جهة نتن أعمال الجسد وعفن نجاسته, حينما تتوسل ليقيم الرب سيرة الجسد من وحل الخطية إلى قداسة وبر المسيح: «‏أنقذ من السيف نفسي، من تد الكلب وحيدتي.» (مز20:22)
«قد أنتن لأن له أربعة أيام»: لعازر المحبوب هنا هو«الإنسان», «آدم» الذي ينضوي تحت شخصه واسمه كل بني البشر، وقد انقضى عليه بالفعل أربعة ألاف سنة, وذلك بحساب الله، فيوم الله ألف سنة, وألف سنة كيوم أمس الذي عبر, منذ أن قبل في جسده الخطية وحكم الموت معاً، ولوثت رائحته الأرض وآفسدتها. وهوذا الرب مزمع أن يرفع عنه الخطية وحكم الموت معاً، ويزكي رائحته برائحته لدى الله والملائكة، وتتولى مريم الإعلان عنها بالناردين الخالص الكثير الثمن, الذي ملأ رائحته الدنيا كلها حيث بُشر بالإنجيل. ولا يفوتنا هنا أن نلمح أن المسيح جعل رحلته تقودها المحبة, بقوله: «لعازر حبيبنا»، و«‏حبيبنا» جاءت بلفظ الجمع، «قد نام وأنا أذهب لاوقظه», وبهذا قد ألمح إلمسيح إلى محبة الآب من نحو الإنسان عامة التي هي سر رحلته العظمى لخلاص العالم: «هكذا أحب الله العالم, حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل نن يؤمن به.» (يو16:3)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
40:11 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ؟».

‏هوذا الرب يعلن من عمل الله إزاء فساد الإنسان، فعوض نتن الموت ينبسق مجد الله، والإيمان وحده هو الذي يرى ذلك ويحققه. فبدون الإيمان يستشري الموت وتفوح نتانة الجسد وتسود عتمة القبر ويأس الإنسان. وبالإيمان تُستعلن القيامة، ويشرق النور، وتفوح رائحة المسيح الزكية لله، ويقيم الفرح في الذين يخلصون!
‏أما «رؤية المجد» التي تخصص فيها القديس يوحنا وشهد لها: «ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب» (يو14:1)، فهي في نصرة القيامة على الموت. وهذا هو الذي سبق وأعلن عنه المسيح، كمعيار عام تقاس به قصة لعازر في جملتها: «هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله, ليتمجد ابن الله به». أما المجد الذي يقصده المسيح، فهو ليس في مجرد قيامة لعازر، بل في استعلان المسيح أنه ابن الله الغالب لسلطان الموت ومنقذنا من الفساد!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
41:11-42 فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآب أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي. وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي».

‏يبدو أن الحجر الموضوع على فم القبر كان مواجهاً مباشرة للميت، بمعنى أن المغارة كانت ضيقة يحتل الجسد كل مساحتها، فظهر جسد لعازر الملفوف بالأكفان «حيث كان الميت موضوعاً»، ولا بد أن فاحت معه رائحته حسبما قالت مرثا، مما يفيد أنها تعلم أن الجسد لن يتأثر بالحنوط والعقاقير التي تحفظه، أو تعطيه رائحة مقبولة بسبب انحلاله. وأمام هذا المشهد الذي يمثل الإنسان ومصيره الحزين والكئيب، الذي هو نهاية كل أحد، حيث تتجلى اللعنة بكل مؤثراتها عل الميت وأهل الميت وعلى الأرض التي أحتوته، وقف رب القيامة وفي يده مفتاح الحياة. هذا هو المسيح، في الهيئة كإنسان يبكي بكاء مع الباكين، وأمام الموت صاحب «كلمة الله» التي لا ترتد فارغة (إش11:55). «بر» من الله، و«قداسة», و«فداء», «الذي صار لنا حكمة من الله وبرا وقداسة وفداء» (اكو30:1). وهو«الآبن المحبوب»، الذي يتكلم مع أبيه جهاراً بخصوص المشيئة الواحدة، والعمل الواحد، والمجد الواحد والاسم الواحد. والآب يسمع، وليس فقط يسمع، بل ويمجد أيضاً: «مجدت وأُمجد أيضاً»، وتسمع البشرية والأرض والسماء: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت, له اسمعوا.» (مت5:17)
ونحن نعلم أن المسيح حينما خاطب الآب قبل الصليب, وهو على أبواب المحنة العظمى, لم يخاطبه فقط كإنسان يطلب أن تُرفع عنه هذه الكأس، بل وكأبن الله يطلب ما له: «والآن مجدني أنت، أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لى عندك قبل كون العالم.» (يو5:17‏)
‏وحينما طلب المسيح من الآب المجد الذي له في ذات الآب, طلبه «بالمثل», لأن مجد الآب هو مجد الآبن: «كل ما هو لى فهو لك، وما هو لك فهو لى» (يو10:17). هذه الكلمة لم يجرؤ، ولن يجرؤ، إنساذ أو نبي أو ملاك أن يقولها.
‏أما عن هذا المجد المتساوي أو الواحد، فهذا ما أعلنه المسيح فيما يختص بإقامة لعازر من الموت، من جهة المجد المتحصل من المعجزة، فإن كان الله سيتمجد حتماً بإقامة لعازر من الموت، فهذا المجد عينه سيستقر لحساب الآبن بالضرورة: «هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله, ليتمجد ابن الله به». ويلاحظ هنا أن مجد الآبن ليس مضافاً لمجد الآب، بل مجد الآب هو نفسه لمجد الآبن.
«ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: أشكرك أيها الآب, لأنك سمعت لى. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لى»: كان يتحتم على المسيح، وهو بصدد استعلان مجد الله الآب من جهة قوة القيامة من الموت المزمع أن يظهر في الحال، أن يتكلم مع الآب وذلك:
‏أولاَ: حتى يعلم الجمع أن العمل المزمع أن يتم بأمر المسيح، هو عمل الله الآب، لكي يؤمن الجمع الواقف، ولكي يدرك الأعداء والمتشككون أنه سيتم بقوة الله، وليس بعمل السحر أو بقوة الشيطان.
‏وثانياً. لكي لا ينسب المسيح عمل القيامة أو المجد المتحصل منها لنفسه، من دون الله. لهذا ظهر المسيح وكأنه يصلي. ولكن صلاة المسيح هذه خلت خلوا تاما من أي طلب، فهي للشكر فقط، وكأنها صلاة تسبيح واستجابة. فقد ظهر فيها توافق المشيئة بصورة مسبقة وعلنية: «أنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لى», مما يكشف سر المحبة والمشيئة الواحدة بين الآب والآبن، سر الوحدة: فالآبن على الأرض يسأل بفم الإنسان، والآب في السماء يستجيب دائماً وبلا تحفظ ولا استثناء. فهي استجابة مطلقة بسبب تطابق المشيئة تطابقا مطلقا: «في كل حين تسمع لي». وهذا بحد ذاته كان مسرة للمسيح وموضع شكره، لأنه يكشف للسامعين والناظرين علاقة الآب بالآبن. فالآبن المرسل في صورة الإنسان، يسوع المسيح، يسمع لمشورة الآب ويطيعها طاعة مطلقة. وحينما يطلب من الآب من أجل الإنسان وباسم الإنسان، يستجيب الآب استجابة مطلقة, لأنه يفعل كل حين ما يرضيه. هذا «التوافق» المطلق بين الطلب والاستجابة لحساب الإنسان يستعلن فيها المسيح، بكل يقين، أنه مرسل من الآب، وهو ابن الله بالضرورة.
‏ثالثاً: يلزمنا أن ننتبه جداً أن صلاة المسيح هذه هي لحسابنا، وهي بفمنا (يقول في ذلك القديس أثناسيوس: [إن كل صلاة صلاها المخلص, إنما قد صلاها بالنيابة عن طبيعة الإنسان] (تفسير مزمور 68)
ويشترك معه القديس كيرلس الكبير قائلاً: [أنه بفعل ذلك (الصلاة) بالنيابة عنا، وطلبتنا نحن هي التي صارت فيه] ‏(الكنز في الثالوث)
[فإننا نحن الذين كنا فيه نصلي بصراخ شديد ودموع, ونطلب أن يبطل سلطان الموت، وأن تتقوى الحياة الموهوبة قديماً لطبيعتنا] (عن الإيمان القويم))، والمسيح يقدمها للآب بدالة بنويته، التي سلمنا سر نعمتها وسر قوتها وخصوبتها؛ لكي في دالة بنوة المسيح للآب هذه عينها، نتقدم نحن أيضاً كبنين لله بالتبني بيسوع المسيح، ونسأل ونطلب بحسب روح الله الذى يهذب مشيئتنا ويقويها, لتكون بحسب مشيئة الآب والآبن لتستجات كل طلباتنا لدى الله, كل ما طلبنا ونطلب.
هذا الأمر خطير في الحقيقة، لأنها عملية فائقة، سلمها لنا المسيح لنكمل بها عمله, وليس لنتمجد بها نحن. هذا السر يدخل دخولاً عمليأ في مسئوليتنا لتكميل عملية الخلاص التي وُهبت لنا بموت الرب وقيامته. فالصلاة هي قوة منبعثة من العمل الفدائي، الذي أعطي لنا أن نكمله في أنفسنا وفي الآ‏خرين، وهي سر فعل الخلاص الذي يقتحم القلوب القاسية, لتباشر كلمة المسيح في فاعليتها داخل النفس، لتخلصها من براثن الخطية والشيطان. فالصلاة هي الموهبة العامة التي أعطيت للجميع: «لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح» (أف12:4). فالصلاة المستجابة هي أيضاً من سمات العهد الجديد, المميزة لأولاد الله, ثم أخيراً، هي المنفذ الذى وعد به الرب أخصاءه وأحباءه، تجاه الضيقات والمحن والتجارب، التي تحتم علينا أن نواجهها في االعالم الحاضر: «ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ, لتستطيعوا أن تحتملوا» (1كو13:10). وهذا هو الوعد الذي قطعه الرب على نفسه:
+«ومهما سألتم باسمي، فذلك أفعله، ليتمجد الآب بالآبن. إن سألتم شيئاً باسمي، فإني أفعله.» (يو13:14-14)
‏وواضح هنا أن الرب يكمل نفس صلاته وسؤاله عنا لدى الآب بواسطة صلواتنا!! فصلواتنا داخلة, بالنعمة التي لنا في المسيح, دخولاً لاهوتياً, أي في سر علاقة الآبن بالآب, في صلاة المسيح. ولأن علاقة الآبن بالآب لا تحتمل الرفض ولا الإهمال على وجه الإطلاق، لذلك فالمسيح يؤكد, بسبب هذه العلاقة السرية بينه وبين الآب, أنه «مهما سألتم باسمي، فذلك أفعله»!!
+ «إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم.» (يو7:15)
‏واضح هنا أيضاً أن الرب يرفع من نوعية صلواتنا من مستوى السؤال الذي ينتظر الجواب، إلى صلاة الشكر بسبب الاستجابة المؤكدة: « تطلبون... فيكون لكم», وهي نفس نوعية صلاة المسيح لدى الآب، حيث المسيح ألغى «السؤال» من لدن الآب من جهة قيامة لعازر, ووضع مكانه «الشكر» لثقته في الاستجابة الحتمية.
+ «وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً. الحق الحق أقول لكم: إن كل ما طلبتم من الآب باسمي, يعطيكم.» (يو23:16)
+ «في ذلك اليوم تطلبون باسمي, ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم، لأنكم قد أحببتموني، وامنتم أني من عند الله خرجت.» (يو26:16-27)
‏وهذه هي آخر درجة في نوعية الصلاة. فهي لا تعود تحتاج أن يتدخل المسيح بدالة بنوته لدى الآب ليرفع صلواتنا إلى الآب, بل المسيح يسلمنا دالة بنوته عينها مع محبة الآب له, لنطلب بمقتضاها ومن داخلها وكأننا بفم الآبن نتكلم مع الآب، ونشكر. فكما يستجيب الآب للابن، يستجيب لنا, حيث اسم يسوع المسيح فقط يقدمنا للآب في شخصه: «الذي به، لنا جراءة وقدوم بإيمانه (إلى الآب) عن ثقة.» (أف12:3)
+ «إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي. اطلبوا, تأخذا, ليكون فرحكم كاملاً.» (يو24:16) هنا، أولاً, يستحثنا المسيح أن نسأل باسمه, وذلك الاحثاث يكشف عن لزومية السؤال والأخذ بالنسبة لنا ولحياتنا وبالنسبة لخلاص الآخرين. وهذا العمل (أي السؤال) هام بالنسبة للمسيح نفسه, فهو استمرار لاستعلان قوة وفاعلية اسم المسيح في العالم، لتكميل عمل الخلاص الذي بدأه، كما هو هام لازدياد ونمو اختبارنا لقوة المسيح وفاعلية اسمه.
وثانياً: يرى المسيح أن وراء السؤال باسمه واستجابة الآب للسؤال، استعلاناً لمحبة الله لنا: «الآب نفسه يحبكم»، وذلك نتيجة لثقتنا وايماننا وحبنا للمسيح: «لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت.» (يو27:16)
‏واستعلان محبة الآب لنا, هي مصدر «الفرح الكامل». وليس سرا أن نقول، بحسب خبرة النعمة، أن الفرح الروحي الكامل هو الإعلان الحسي عن حضور الله, أو الحياة في حضرته، التي هي منتهى قصد الإنسان.
‏والقديس يوحنا يشهد من خبرته العملية على صدق هذا الكلام بقوله: «ومهما سألنا ننال منه، لأننا نحفظ وصاياه (يثبت كلامي فيكم)، ونعمل الأعمال المرضية أمامه» (ايو22:3)، «وهذه هي الثقة التي لنا عنده، أنه إن طلبنا شيئا حسب مشيئته، يسمع لنا. وان كنا نعلم أنه مهما طلبنا، يسمع لنا، نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه.» (ايو14:5-15)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
42:11-43 «.......... وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً».

‏بعد أن هيأ المسيح عقول الجمع والتلاميذ ومرثا ومريم لقبول المعجزة، ورفع حرارة قلوبهم وايمانهم إلى أعلى درجة في الإيمان، حتى صار الجميع يثقون أن لعازر سيقوم مائة بالمائة: «لأنك في كل حين تسمع لى», وبعد أن اطمئن المسيح أن الجميع قد تعلق قلبهم بالله الآب كصانع لمعجزة «القيامة»، ورأى الجميع المسيح وهو رافع يديه نحو السماء وسمعه وهو يتحدث مع الله ‏الآب؛ شعر الجميع بالصلة السرية بين السيح والآب والدالة والتوافق بينهما، فأدرك أن ما سيعمله المسيح هو هوعمل الآب، وأن العمل الوشيك أن يعمله المسيح بسلطان فائق هو لمجد الله الآب ليتمجد به المسيح: «صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجاً».
‏واضح أن الرب يتعامل هنا مع قوة أخرى عنيدة، يأمرها بقوة واقتدار وجلال عظم: «صوت الرب بالقوة، صوت الرب بالجلال... صوت الرب يقدح لهيب نار، صوت الرب يزلزل البرية.» (مز4:29-8‏)
‏نعم، سمعت الهاوية فتزلزلت وأخلت قوات الجعيم أسيرها: «استجب لى سريعاً، اقترب إلى نفسي، فكها، بسبب أعدائي افدني .» (مز17:69-18)
هنا صورة حية ناطقة لما يصفه بولس الرسول فيما سيكون حتماً: «لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله ، سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً» (اتس16:4)
‏وصراخ المسيح «بصوت عظيم» يلمح به القديس يوحنا إلى أن «نوم» لعازر كان عميقا للغاية، ويتوافق مع كلمة الرب أنا أذهب «لاوقظه». وهكذا يستصغر الإنجيل من قدر الموت أمام رب الحياة. ولكن، وفي الحقيقة أيضاً، فإن صراخ الرب بصوت عظيم يكاد يرعب السامع والناظر وحتى القارىء, لأننا تعودنا أن نسمع عن الرب أنه «لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته» (مت19:12)، فهنا وفي يقيني أن قوة هائلة خرجت من الرب لم يستطع جسد المسيح إلا أن ينوء تحتها معلناً عنها بهذا الصراخ العظيم. فهذه بعينها قوة الحياة التي تفوق قوة الخلق، لأنها تتعامل مع نفس مقيدة بقيود الجحيم, ومع جثة منتنة عبثت بها كل عوامل الانحلال. والعقل يقف حائراً وقد أخذه الذهول، لأن النفس والجسد استجابا في الحال, وعادا إلى الحياة برجع صدى صوت المسيح.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
44:11 فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ.

‏خروج لعازر الميت من القبر بأقمطته، صورة مرعبة حقاً لا يستطيع أن يلاحقها الخيال دون أن يصاب الفكر بالدوار. فالإنسان تآخى مع الموت وصورة الموتى, ولم يتآخى بعد مع القيامة وصورة الخارجين من القبور. فالقيامة وإن كان اسها حلو للغاية بالمفهوم الروحي, إلا أن تصورها بالجسد مرعب لأقصى حد. وهذا ما عاناه التلاميذ عند قيامة المسيح في أول الأمر: «وقف يوع في وسطهم وقال لهم: سلام لكم. فجزعوا وخافوا, وظنوا أنهم نظروا روحاً. فقال لهم: ما بالكم مضطربين, ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم» (لو36:24-38‏)؛ لأن قيامة الجسد لم تكن تخطر على بال.
‏أما خروج الميت وهو مربوط. فلا داعي أن يربك الفكر، لأن عادة اليهود في تكفين الميت أخذوها عن المصريين الفراعنة، حيث يلف كل ذراع بمفرده وكل رجل بمفردها، بحيث يمكن تصور لعازر وهو يقوم ويقف ويمشي ويخرج.
‏وبالنهاية، فإن منظر لعازر خارجاً من القبر يبسط لنا معنى القيامة، ويوضح لنا القوة المذخرة في المسيح التي قام بها من الموت.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
44:11 ....... فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ».

‏عجيب المسيح في حاسته الحاضرة دائماً لاحتواء الذهول والرعبة التي كانت تعقب معجزاته. فهنا لا يمكن أن نتصور مدى الفزع والرعبة والخوف الذي أصاب الجميع حينما رأوا لعازر خارجاً من القبر، لذلك بادرهم المسيح في الحال بأمر يستعيد به حركتهم ويطبع به شعورهم تجاه الأمر الواقع أمامهم: «حلوه ودعوه يذهب». هذا حدث أيضاً في المواقف الأخرى المماثلة: «فقال: أيها اشاب لك أقول قم، فجلس الميت وابتدأ يتكلم _ فدفعه إلى أمه» (لو17:7)، «ونادى قائلاً: يا صبية قومي. فرجعت روحها وقامت في الحال _ فامر أن تُعطى لتأكل.» ‏(لو55:8‏)
‏هذا، يا إخوة، ما حدث، وما حدث أمر لم يحدث له مثيل قط: ميت يقوم من القبر بعد أربعة أيام, وقد أنتن وتحلل جسده. ولكن الذي نعرفه جيداً أن آيات أخرى كثيرة حدثت لم يُكشف عنها ولم يذكرها هذا الإنجيلي الرائي الفريد في روحه وأسلوبه، ولا نعلم يا إخوة ما الذي منعه من ذكرها غير أن نموذج قيامة لعازر يجعلنا نؤمن أن المسيح هو ابن الله الحي ديان الأحياء والأموات، ونتيقن أن قيامتنا حقيقة واقعة, ونحن بانتظار صوت المسيح «الآن» وكل يوم
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
45:11-46 فَكَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ آمَنُوا بِهِ. وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ.

‏واضح هنا أن اليهود الذين جاءوا للتعزية كان بعض منهم أصدقاء أوفياء وأوا وآمنوا بالمسيح, وكأنما الصوت الذي سمعه لعازر في القبر سمعوه, وقوة الحياة التي سرت في أوصال الميت فأقامته، سرت فيهم وأقامتهم، وذاقوا الحياة في المسيح, فآمنوا به كرب القيامة والحياة الآتي إلى العالم، وهذا منتهى قصد المسيح والآب الذي أرسله. أما البعض الأخر من اليهود فلم تكن لهم آذان روحية تسمع ولا عيون روحية تبصر، وهؤلاء هم الذين قال عنهم المسيح على لسان إبراهيم في قصة لعازر والغني: «فقال له إن كانوا لا يسمعون من موس والأنبياء. ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون» (لو31:16), لأن غيرتهم كانت منحصرة في الأرضيات, فكانت إقامة المسيح للعازر من الموت تمثل عندهم ضياع هيبة السنهدريم والرؤساء والكهنة والكتبة والفريسيين جميعاً، وكل من ارتزق من الهيكل وتمسك بالأرض والميراث والتراث التي ينادي بها المتعصبون للأمة وقضاياها. فذهبوا في الحال ليخبروا رؤساءهم بما حدث ويخبروا عن الذين آمنوا.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
47:11-48 فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هَذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا»

‏يلاحظ هنا أن رؤساء الكهنة بدأوا يتحركون بسرعة، عن خوف وحقد معا، لأن رؤساء الكهنة هم الصدوقيون الذين لا يؤمنون بالقيامة، فكانت إقامة لعازرعن الأموات تمثل بالنسبة لهم ولمبادئهم هزيمة بالضربة القاضية، لذلك أصبح التخلص من المسيح بمثابة قضيتهم الأولى وخلاصهم الوحيد.
‏وفي هذه المرة لم يرسل رؤساء الكهنة ولا الفريسيوف من يحقق في صدق هذه الآية، لأنها كانت ثابتة بشهود وفوق الشبهات.
‏أما الفريسيون المجتمعون معهم، فلم تؤثر فيهم هذه الآية, أي القيامة من الموت, كثيراً لأنهم كانوا يؤمنون بالقيامة. ولكن عداءهم للمسيح كان نابعاً من تعارض تعاليم المسيح مع مصالح ومستقبل مهنتهم, وبالأكثر تعارض مح سلوكهم وأخلاقهم. غير ان بعضا منهم كانوا قد أمنوا بالمسيح، ولكن بسبب الخوف أخفوا أنفسهم. ولذلك لا نعود نسمح كثيراً عن تحرك الفريسيين في كل الأصحاحات القادمة, بل كانت القيادة والحركة دائماً لرؤساء الكهنة ولا يُسمع عن الفريسيين إلا داخل السنهدريم لأنهم أعضاء بالضرورة. وفي النهاية تخلى الفريسيون عن المقاومة, وتمثلت العداوة للمسيح في رؤساء الكهنة وحدهم، وكانت عداوة حتى الموت. وهذا الاتجاه واضح أيضاً فى الأناجيل الأخرى.
‏وهكذا نرى من تركز حركة قيادة المقاومة في رؤساء الكهنة، وذلك بصفتهم فئة الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، أن آية إقامة لعازر من الموت كانت السبب الأخير والمباشر الذي بلور في أذهان رؤساء الكهنة حتمية سرعة موت المسيح الذي سبق وقرروه عدة مرات.
‏ونحن نقرأ ما كان يدور في أذهاذ الفريسيين ورؤساء الكهنة منذ البداية من ضرورة موت الرب هكذا:
+ «فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن، وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه, لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله.» (يو17:5-18)
+ بعد التعليم عن أكل الجسد وشرب الدم: «وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل. لأنه لم يرد أن يتردد فى اليهودية، لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه.» (يو1:7)
+ بعد تعليمه في الهيكل وتوبيخه للفريسيين: «أليس موسى قد أعطاكم الناموس وليس أحد منكم يعمل الناموس. لماذا تطلبون أن تقتلوني.» (يو19:7)
+ «فقال قوم من أهل أورشليم : أليس هذا هو الذي يطلبون أن يقتلوه.» (يو25:7)
+ «ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمتكم بالحق الذي سمعه من الله. هذا لم يعمله إبراهيم.» (يو40:8‏)
+ «فرفعوا حجارة ليرجموه . أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم، ومضى هكذا.» (يو59:8)
+ «... أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه.» (يو30:10-31)
‏ثم جاءت أخبار آية إقامة لعازرعن الموت التي جعلتهم يعقدون مجمعاً في الحال، لينظروا بجدية في أمر قتله:
‏«ماذا نصنع, فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به»: كان فكر رؤساء الكهنة والفريسيين قد انشغل منذ البداية بالآيات التي كان يصنعها المسيح. وكان القلق والخوف يتزايدان بتزايد الآيات. وكانت العوامل التي تثير هذا الخوف والقلق تنبع من ثلاثة أسباب، هي بحسب أهميتها لهم كالآتي:
‏الأول: الخوف على مراكزهم, بصفتهم رؤساء وقضاة الأمة، وفي نفس الوقت لم يتحنن عليهم الرب بأي مواهب أو مميزات روحية تحفظ لهم حق هذه الرئاسة والكرامة، في مقابل الآيات التي كان يصنعها المسيح والتي بدأت تتزايد ويتزايد معها المؤمنون به.
‏الثاني: خلاصة تعاليم المسيح كانت تتجه نحو الحياة الروحية واستيطان السماء واضعاف التقاليد وبخاصة حفظ السبت, مما تراءى لهم أن هذا يخلخل تمسك الشعب وخاصة الغيورين منهم بميراثهم الأرني والآبائي والناموسي. وهذا يسهل على المستعمر الروماني الاستيلاء على الأرض والحكم معاً. وبذلك تتلاشى عناصر الأمة اليهودية التي تقوم على الأرض والناموس. وهذا كان يؤرقهم للغاية.
ثالثا: شخصية المسيح كانت قد بدأت تأخذ ملامحها الإلهية، ويتزايد العنصر الإلهي فيها بزيادة الآيات التي كانت تنطق كلها بأنه ليس مجرد نبي، وتصريح المسيح بأنه ابن الله (يو36:10)، وأنه هو والله الآب واحد (يو30:10). وهذه كانت تتعارض تعارضا جذريا مع مفهوم وحدانية الله عندهم. وكانت كلمات المسيح تطيح بعقولهم وتتركهم شبه مجانين. فكان المسيح يمثل عندهم حد التجديف الأعلى الذي يستوجب الموت.
‏وهكذاه كلما كان المسيح يتزايد قوة بالآيات التي يصنع؛ كانوا هم يتزايدون ضعفا بسبب عدم قدرتهم على عمل أى شيء يجتذب نظر الشعب ويوقف معركة الإيمان به. فكانت حيرتهم فوق العقل: «ماذا نصنع؟».
‏وهكذا شكل المسيح في قلوبهم حركة ضياع تراءت لهم أنها مصيرية، خاصة حينما رأوا أن أعداد الذين يؤمنون به تتزايد بصورة رهيبة: «إن تركناه هكذا، يؤمن الجميع به».
«فيأتي الرومان ويأخذون موضعنا وأمتنا»: وهكذا كانت سرعة الحسم في أخذ قرار متعجل جاهل مملوء أخطاء شيئاً خارجاً عن نطاق العقل. وقد اتجه قرار مجمع السنهدريم نحو «الخوف السياسي» أكثر منه نحو الخوف على الناموس والأنبياء والتقليد والمبادىء الإلهية, مما يوضح مدى انحراف الرؤساء عن جوهر رسالتهم وعبادتهم.
‏وهذا الاتجاه السياسي في التفكير بالنسبة لقضية المسيح المطروحة في المجمع، يفيد أن عنصر الصدوقيين كان هو السائد والمحرك للمجمع وليس العنصر الفريسي زي الإتجاه التعليمي.
‏ويقرر العلامة الألماني شناكنبرج في كتابه. «حكم الله والملكوت» (في الصفحات 57-62)، موقف الفريسيين الشديد التمسك بالتوراة الذي, في اعتقادهم, هو الطريق الوحيد الذي يمهد لمجيء المسيا وبداية حكم الله. كما يصفهم العلامة الألماني فورستر ‏بأنهم, أي الفريسيين، حاولوا باستمرار، أولاً في أيام بومبي الوالي الروماني، أن يعفوا أنفسهم من شئون الحكم على يدي الهاشمونيين والهيروديين بعدهم لكي يتفرغوا ويكرسوا أنفسهم تكريساً كلياَ لخدمة الناموس, راضين بالحكم الروماني الذي تولى شئون التنظيم الخارجي.
‏ويقرع العلامة الألماني شناكنبرج أيضاً أن موقف الفريسيين هذا ظهر بوضوح عند معارضتهم ومقاومتهم للثورة المسلحة ضد الرومان عند قيام الحرب اليهودية، كما يقرر هذا العلامة يوسيفوس المؤرخ اليهودى.
«يأخذون موضعنا»: الموضع هنا باليونانية لا يعني الأرض ولا المدينة المقدسمة كما يظن بعض العلماء، ولكنه الاسم الطقسي للهيكل المقدس, الذي يبغي أن يُسجد فيه وحده, كما جاء في يو20:4: «تقولون أن في أورشليم الموضع الذي يبغي أن يُسجد فيه». ولا يزال هذا الاصطلاح يستخدم حتى الآن في الكنيسة القبطية في القداس، وفي كل الصلوات عند البداية، في صلاة الشكر: «كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان ومؤامرات الناس الأشرار وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين انزعها عا وعن سائر شعبك وعن موضعك المقدس هذا»
‏ومعروف أن الهيكل المقدس في أورشليم كان هو رمز الوجود والحياة بالنسبة لليهود، أكثر من أورشليم ذاتها ومن كل الأرض. والعجيب حقاً أن قتلهم للمسيح بسبب خوفهم من ضياع الهيكل، سبق المسيح وأعلن إزاءه أن موته سيكون سبباً مباشرأ لهدم الهيكل ولقيام الهيكل الجديد (جسده) عوضا عنه: «انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه.» (يو19:2‏).
«يأخذون... أمتنا»: ويقصد بها الأمة اليهودية, الجنس اليهودي, بمفهوم فقدان «الحرية الدينية» التي كان الرومان قد سمحوا بها لليهود. وهذه هي بعينها, أي الحرية السياسة, التي وقفت حجر مثرة في تقبلهم الحرية التي في المسيح، التي تنقذهم من عبودية الخطية وعبودية المجد الدنيوي. ولكنهم فقدوا هذه وتلك: «أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر» (يو15:19), «لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله» (يو43:12). ومعروف أن بعد صلب المسيح بأربعين سنة، أي في سنة 70 م دخل الجيش الروماني وهدم وأحرق الهيكل، وأسر الشعب اليهوي.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
49:11-50 فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَيَافَا كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً. ولاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا».

‏«قيافا»: ‏في الأصحاح الثامن عشر من إنجيل القديس يوحنا نقرأ أن رئيس الكهنة الذي حوكم المسيح أمامه هو حنان ثم قيافا: «ثم إن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه ومضوا به إلى «حنان» أولاً، لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيساً للكهنة في تلك السنة.» (يو12:18-13)
‏وفي إنجيل القديس لوقا نقرأ: «في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا» (لو2:3), أي أن كلا من حنان وقيافا كانا يباشران وظيفة رئيس كهة في ذات الوقت.
‏وفي سفر الأعمال نقرأ: «وحدث في الغد أن رؤساءهم وشيوخهم وكتبتهم اجتمعوا إلى أورشليم مع حنان رئيس الكهنة وقيافا ويوحنا والإسكندر وجميع الذين كانوا من عشيرة رؤساء الكهنة.» (أع5:4-6‏)
‏هذه الشبكة المتشابكة من رؤساء الكهنة، يحل لنا لغزها العلامة والمؤرخ اليهودي يوسيفوس حيث يقول إن فاليروس جراتوس أسقط حنان رئيس الكهنة من وظيفته سنة 14م، بعد أن كان قد شغلها سبع سنوات. ولكن ظل تأثير حنان قويا بسبب شخصيته، حتى إن الشعب ظل يعتبره رئيساً رسميا للكهنة بالرغم من إقالته. وظلت رئاسة الكهنوت الرسمية يتداولها أفراد عائلة حنان بالتتابع» فشغلها إشماعيل, ثم ألعازار ابنه، ثم سمعان ابن ألعازار، وأخيراً شغلها يوسف قيافاء وهو الذي يذكره يوحنا في إنجيله أن حنان حماه، موضحاً بذلك رئيس الكهنة الرسمي ورئيس الكهنة بالتدخل، وهو حنان, المعروف عنه أنه كان جريئا وغير مستقيم.
‏وقد شغل قيافة رئاسة الكهنوت من سنة 25 حتى سنة 36‏م, أي طوال مدة خدمة الرب يسوع، وكان معروفا بالجهل والقسوة وأنه أرستقراطي النزعة كما يصفه يوسيفوس.
‏اجتمع السنهدريم مع رؤساء الكهنة والفريسيين، ونُظرت قضية المسيح، وكانت أمامهم معقدة أشد التعقيد، فلم يكن الرأي متفقا على شيء، وظل النقاش مستمرا بصورة عابسة ويائسة. وهذا واضح كل الوضوح من الإشارة الواردة في محضر الجلسة: «أنتم لستم تعرفون شيئاً». وهذا يعني أن المجلس كله كان في حالة إرتباك, وهذا معروف ضمناً لأن الصراع التقليدي بين الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة وبين الفريسيين الذين يؤمنون بها وارد قطعاً، لأن المجلس انعقد على أساس المعلومات الواردة بخصوص آية إقامة لعازر من الموت. ولكن مجلس اليهود لا يُعدم الحيل والمناورات. فقد انبرى «واحد منهم» وكأنه أشجعهم، وهو قيافا، ليسعف المجلس برأيه، وكان محسوباً أنه الرأس المسئولة عن سياسة الأمة، لذلك كان يتكلم بلسان رجل دولة للأمة كلها. ولكنه, وللأسف, كان معروفاً أنه أكثرهم جهلاً.
«كان رئيساً للكهنة في تلك السنة»: القديس يوحنا هو المتكلم. وكلام القديس يوحنا لا يؤخذ بسهولة, فكلمة «في تلك السنة» لا تعني أن التعيين بالنسبة لرؤساء الكهنة كان يجرى سنوياً، فهذا ليس صحيحاً. فقيافا استقر في رئاسته (25-36) حتى أسقطه الوالي فيتوس بعد سقوط بيلاطس بقليل. والمعروف أن رئيس الكهنة يُعين لمدى الحياة, ولكن المعنى السري, أي الروحي غير الحرفي, يهدف إلى أن «هذه السنة» لا تعني الضبط التاريخي ولكنها منسوبة إلى «حياة المسيح», فهي سنة المسيح أي «سنة الرب المقبولة» (إش2:61‏) حسب النبوات. وقيافا كان هو رئيس الكهنة لهذه السنة التي في لاهوت القديس يوحنا هي سنة النهاية والبداية، الموت والقيامة، وحيث النهاية بالنسبة للقديم, وحكم الموت بالنسبة إلى حبرية هذا الكاهن حسب كلامه، حيث ماتت (هلكت) أمة وقامت الأمم: «خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها».
‏هذا القول الذي قاله قيافا اعتبرته الكنيسة الاولى أقوى تعبير نبوي نطقه رئيس كهنة العهد القديم, دون أن يدري, عن مفهوم الفداء الذي تم بموت المسيح. وهذا في الواقع هو صدى تعبير المسيح نفسه، لأن «ابن الإنسان أيضاً لم يأت ليُخدم بل ليخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين.» (مر45:10)
‏وكلام قيافا صار حقيقة واقعة، لأنه بموت المسيح صار الخلاص لشعب الله الحقيقي، وهو إسرائيل الجديد. غير أن قيافا كان يرى ويؤمن ويخطط أن يموت المسيح لتتخلص منه الأمة. ولكن الذي حدث أنه مات لتخلص به، وليس لتتخلص منه. وكان سبب الإقدام على قتل المسيح عند قيافا هو إحكام إغلاق حدود الأمة اليهودية على نفسها، لتمنع تدخل الرومان, الذين كانوا في ذلك الوقت يمثلون جميع الأمم, ولكن في المقابل كان السبب الأساسي عند المسيح في قبوله الموت, هو كسر هذه الحدود بالذات التي كانت تطوق الأمة اليهودية عن الرومان واليونان وباقي الأمم, والتي كانت تمنع عنهم معرفة الله وقبول الخلاص.
‏لذلك, فإن قرار مجلس السنهدريم الذي كان يمثل في الحقيقة خلاصة «الناموس» على أيدي أئمة العلماء القيمين عليه؛ والذي يتلخص في ضرورة بل وصلاح عملية قتل المسيح الذي ثبت أنه هو هو رجاء وكمال الناموس... كان هذا القرار هو القرار النهائي ضد صلاحية الناموس!
‏وأبسط الحلول التي كان قيافا يتقنها كرجل دين ودولة في فنون السياسة الكهنوتية, هي القتل للتخلص من أي ما يعكر صفو الجو الكهنوتي. وسفر الأعمال يذكر استمرار هذه السياسة: «فقام رئيس الكهنة وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين وامتلأوا غيرة. فألقوا أيديهم على الرسل ووضعوهم في حبس العامة.» (أع17:5-18)
«أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكرون»: هكذا ظهر قيافا كصاحب الحكمة وسط أعضاء السنهدريم الذين لا يعرفون شيئاً من دبلوماسية الأمة ولا يفكرون جيدا لمصلحتها، حيث يلزم أن يسفك دم البريء من أجل صالح الأمة هكذا!! هذا ما انتهى إليه ناموس موسى على يد قيافا ومجمع السنهدريم، لذلك كانت بحق «هي السنة الأخيره» بحساب صلاحية الناموس والكهنوت القيم عليه.
‏أما يسوع، ففي رأي قيافا, كان لا ينبغي أن يذكر اسمه بعد, بل يكفي أن يكون مجرد «إنسان واحد». ووقت المجلس ليس يتسع بعد لرأي الفريسيين، الذين كان على ما يبدو هو إعادة فحص سلطان المسيح وبأي سلطان كان يفعل الآيات، ولماذا أقبل الشعب على الإيمان به، وكيفية تحديد نشاطه. فقد كان قول قيافا: «أنتم لستم تعرفون شيئاً ولا تفكرون»، هو الرد الحاسم الذي أسكت الفريسيين وأنهى على المداولة بأكملها. وجاء مشروع القرار مع مسبباته في جلسة واحدة: «أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا تهلك الأمة كلها».
‏ونحن لو أردنا أن نعرف ماذا كان يتداوله الفريسيون قبل هذا القرار وبعده, نجده هكذا: «فقال الفريسيون بعضهم لبعض: انظروا إنكم لا تنفعون شيئاً هوذا العالم قد ذهب وراءه.» (يو19:12)
‏واضح من القرار قدرة قيافا على إلباس الحق ثوب الزور، وتعليل القتل بأنه عين الخلاص للحياة.
‏ثم يلتقط القديس يوحنا هذا القرار ويقلبه رأساً على عقب لتظهر فيه النبوة واضحة. فبحسب نظرية قيافة، كانت النتيجة شؤماً على الأمة ، لأن الرومان أخذوا موضعهم وحرقوه وأهلكوا الأمة وشتتوا الشعب. فحكمة قيافا كانت هي حكمة الشيطان بعينها بالنسبة لمصير اليهود كيهود. وإن أبدع تصوير يحقق هذه العملية، هو المثل الذي قاله المسيح قبل موته مباشرة عن الكترامين الأردياء: « ولكن أولئك الكرامين قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث هلموا نقتله فيكون لنا الميراث، فأخذوه وقتلو وأخرجوه خارج الكرم. فماذا يفعل صاحب الكرم؟ يأتي ويهلك الكرامين ويعطي الكرم إلى أخرين... عرفوا أنه قال المثل عليهم ... » (مر8:12-12)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
51:11-52 وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ. وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللَّهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ.

‏والقديس يوحنا يشير إلى قول المسيح: «وأنا أضع نفسي عن الخراف (خراف بيت إسرائيل). ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة, ينبغي أن أتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراع واحد» (يو15:10-16)، على أن «أبناء الله» المتفرقين الذين في عرف قيافا هم يهود الشتات, يعتبرهم القديس يوحنا هم أولاد الله المعينين للحياة الأبدية (يو12:1).
«إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ»: كان رئيس الكهنة يمثل الرئاسة الإلهية لليهود، فهو الذي يسأل الله عن الشعب، ومن فمه تطلب الشريعة، وقوله هو القول الملهم من الله في الأمور التي يعسر فهمها أو يحوطها الشك، وهذا نقرأه في (خر30:28)، وفي (لا8:8)، وفي سفر العدد عند تكريس يشوع قائداً للشعب: «فقال الرب لموسى: خذ يشوع بن نون, رجلاً فيه روح وضع يدك عليه... وأوقفه قدام اليعازار الكاهن... فيقف أمام ألعازار الكاهن فيسأل له بقضاء الاوريم أمام الرب...» (عد18:27-21). وهذا كان معناه أن رئيس الكهنة يسأل الرب عن كل ما يريد أن يعرفه قائد الشعب.
‏وفي الإنجيل يوجد ما يفيد مثل هذه النبوات التي خرجت من أفواء أصحابها بعكس ما كانوا يقصدون أو يتمنون، مثل بيلاطس حينما قال لرؤساء الكهنة: «هوذا ملككم» (يو14:19)، أو حينما قال رؤساء الكهنة: «دمه علينا وعلى أولادنا» (مت25:27)، أو حينها خاطبوا المسيح المصلوب: «خلص آخرين أما نفسه فما يقدر أن يخلصها.» (مت42:27‏)
‏وفي أقوال فيلو الفيلسرف اليهودي المعاصر للقديس يوحنا، ما يفيد أن رئيس الكهنة كان يٌحسب كنبي.
‏على هذا الأساس، يرى القديس يوحنا أن ما نطق به قيافا، كان نبوة حقيقية من الله دون أن يقصد أو يعلم، أو على وجه الأصح، بعكس ما كان يفكر فيه، ربما مثل بلعام بن بعور الذي كان كلما أراد أن يلعن إسرائيل كانت تأتيه النبوة ليباركه ويمدحه. ومعروف في العهد القديم أن نبوة الأعداء تكون أحياناً منطوقة بفم الله.
«تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة, وليس عن الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد»: هنا يتدخل القديس يوحا ليوسع دائرة النبوة، أو بالحري ليكملها، لأن موت المسيح لم يقتصر سببه ولا اقتصرت نتيجته عل الأمة اليهودية من جهة الخلاص بل امتد ليشمل الأمم، لأن من آمن بين الأمم مع من أمن آمن شعب إسرائيل أصبحوا يمثلون إسرائيل الحقيقية: «وأبناء الغريب الذين يقترنون بالرب ليخدموه وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيداً... أتي بهم إلى جبل قدسي وأفرحهم في بيت صلاتي، وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحي لأن بيتي بيت الصلاة يُدعى لكل الشعوب. يقول السيد الرب جامع منفي إسرائيل..» (إش6:56-8). هذا حينما يصير هيكل الرب الجديد هو جسد المسيح الذي سيجمع كل الشعوب: «ويرفع راية للأمم, ويجمع منفيي إسرائيل, ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض.» (إش12:11)
‏ومن أبدع ما صور الآباه الرسل عن جمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد ما تقوله الديداخي (تعاليم ‏الرسل) في الإفخارستيا التي هي جسد المسيح: [ وفيما يخص «الكسر» ‏: نحن نقدم الشكر إليك يا أبانا... فكما أن كسر الخبز هذه التي كانت مشتتة على الجبال (حقول القمح) ولكنها جُمعت (تفيد معنى المجمع أي الكنيسة)، وصارت واحداً (خبزة واحدة، وجسد واحد)، هكذا الكنيسة فلتجتمع من أربعة أطراف الأرض إلى ملكوتك.]
‏وهذا التصوير الإفخارستي اللاهوتي، هو قائم عل أساس قول المسيح في معجزة الخمس خبزات والسمكتين: «اجمعوا الكسر المتبقية لكي لا تضيع (تهلك‏)» (يو12:6)، بالإضافة إلى قول القديس يوحنا في إنجيله أعلاه: «ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد.» (يو52:11)
‏وهكذا يمكن أن يتأكد القارىء من لاهوت إنجيل يوحنا القائم على أساس نبوي إفخارستي كنسي غاية في الإحكام.
‏وقد أخذ المجمع بنطق رئيس الكهنة باعتباره القول الفصل, وكأنه من الله. وهكذا صدر حكم الموت بالموافقة العامة. وهكذا كان رد الجميل؛ بحكم الموت على من أقام الميت وأعطى الحياة للناس؛ إنها مهزلة الإنسان.
‏ويلاتظ أن قيافا استخدم كلمة «الشعب» ولكن القديس يوحنا لما ذكرها غيرها إلى ( ). وفي هذا معنى روحي عميق. لأن المسيح مات بالفعل عن الشعب كالنبوة «خراف بيت إسرائيل الضالة»، حيث كلمة «الشعب» في التوراة تفيد شعب الله، فهي تحوي معنى العلاقة بين الناس والله التي كانت قائمة في شعب إسرائيل فقط، والتي مات المسيح ليصححها ويعيدها إلى أوج قوتها في مفهوم الكنيسة، وهي تفيد الآن شعب الله في العالم كله. أما كلمة «الأمة» التي ذكرها القديس يوحنا بدل كلمة الشعب, فقصد بها القديس يوحنا المعنى المدني, لأن إسرائيل، كشعب، لما رفض المسيح وأكمل جريمته بقتل الراعي، فقد صفته كشعب الله، وفقد صلته الفريدة بالله «كالشعب المختار»، وأصبح أمة مثل باقي الأمم، تمهيداً لضم الأمة اليهودية إلى باقي الأمم دون تمييز... «وليس عن الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين (خراف أخر ليست من هذه الحظيرة) إلى واحد (لتكون رعية واحدة وراع واحد)».
‏فانظر، أيها القارىء، إلى أي حد بلغت دقة التعبير اللاهوتي عند القديس يوحنا. وهذا المعنى نفسه عبر عنه القديس يوحنا في رسالته الاولى هكذا: «وهو كفارة لخطايانا, ليس لخطايانا فقط, بل لخطايا كل العالم.» (ايو2:2‏). كما عبر عنه أيضاً في افتتاح إنجيله: «وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله.» (يو12:1)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
53:11 فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ.

‏ما كان في كل المرات السابقة رغبة ملحة للقضاء على المسيح، أصبح الآن بعد قرار هذا المجمع خطة داخلة في حكم التنفيذ، ولا يبقى إلا انتهاز الفرصة المناسبة.
‏ونعلم من رواية القديس لوقا في إنجيله، أن بعضا من أعضاء السنهدريم، وهم قلة مثل يوسف الرامي، كان غير موافق على قرارهم: «وإذا رجل اسه يوسف، وكان مشيراً ورجلاً صالحأ باراً، هذا لم يكن موافقاً لرأيهم وعملهم، وهو من الرامة مدينة اليهود...» (لو50:23-51)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
54:11 فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ علاَنِيَةً بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْكُورَةِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تلاَمِيذِهِ.

‏وإليك أيها القارىء العزيز صورة نبوية مؤثرة تستحوذ على كل مشاعر الإنسان وعواطفه، تصف المسيح وهو يعطي ظهره لأورشليم والهيكل والشعب والأمة اليهودية كلها، وينسحب حزيناً منكسراً باكياً على هذه الأمة التي لم تعرف ما هو لسلامها؛ يصفها إرميا النبي: «يا ليت رأسي ماء، وعيني ينبوع دم‏وع، فأبكي نهاراً وليلاً قتلى بنت شعبي . يا ليت لى في البرية مبيت مسافرين, فأترك شعبى وانطلق من عندهم, لأنهم جميعاً زناة, جماعة خائنين. يمدون ألسنتهم كقسيهم. للكذب لا للحق، قووا في الأرض، لأنهم خرجوا من شر إلى شر واياي لم يعرفوا، يقول الرب. احترزوا كل واحد من صاحبه (يهوذا)، وعلى كل أخ لا تتكلو ، لأن كل أخ يعقب عقباً وكل صاحب يسعى في الوشاية. ويختل الإنسان صاحبه ولا يتكلمون بالحق. علموا ألسنتهم التكلم بالكذب وتعبوا في الإفتراء » (إر1:9-5)
‏مدينة أفرايم: يقول العلامة وستكوت أن هذه المدينة ذُكرت في أخبار الأيام الثاني مع مدينة بيت إيل تحت كلمة «عفرون» (2أخ19:13). وذكرها العلامة روبنسن في قاموسه، وكذلك العلامة ستانلي في كتابه (سيناء وفلسطين) أن بين حدود بنيامين وأفرايم يوجد تل هرمي الشكل على أعلاه قرية على ارتفاع 2600 قدم اسمها الطيبة, هي مدينة أفرايم القديمة. وهي نفس المدينة التي كانت تسمى «عفرة» أو «عفرون» بمعنى عفريت. وقد غيرها السلطان صلاح الدين إل اسم الطيبة. والقديس جيروم والمؤرخ يوسابيوس يحددانها على الطريق الموصل من أورشليم إلى شكيم شرقاً على بعد اثني عثر ميلاً, عشرون كيلو مترا من أورشليم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
55:11 وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيباً. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ.

‏«فصح اليهود»: هذا هو الفصح الثالث الذق يذكره القديس يوحنا في إنجيله. ففي الفصح الأول كان المسيح حاضراً ومشاركاً (يو13:2)، أما في االفصح الثاني (يو4:6)، فلم يذكر القديس يوحنا أن المسيح حضر الإحتفال به. بل كان على ما يبدو المسيح وقتها في الجليل.
«وكان فصح اليهود قريباً»: هذه الكلمة «قريباً» لا ينبغي أن تعبر علينا بسهولة, فمعناها أن ساعات المسيح والصليب صارت معدودة، والقلب يستقبل هذه الكلمة بانفعال يهز كيان الجسد قبل الروح, فبالرغم من أن آلام المسيح وموته انتهت ببهجة القيامة، ولكن مهما كانت بهجة القيامة فيستحيل أن تقلل من مسحة الحزن المفرط الذى نعيشه فى آلام المسيح.
«فصعد كثيرون من الكور إلى أورشليم»: بحسب المؤرخين ذوي الخبرة في تاريخ وعوائد اليهود، كان يتراوح عدد الحجاج بين خمسة وثمانين ألفأ ومائة وخمسة وعشرين ألفاً. وذلك بحسب تقدير العالم اليهودي المتنصر يواكيم إرميا. فإذا أضفنا إلى هذا الرقم عدد سكان أورشليم الأصليين، وكان يقرب من الخمسة والعشرين ألفاً، كان مجمور المعيدين لا يقل عن مائة ألف. ولكن يوسيفوس المؤرخ اليهودي المعاصر لخراب أورشليم (70م) يعطي رقم غير عادى، إذ يقول إن الحجاج في الفصح كانت جملتهم لا تقل عن مليونين ونصف حاج. وهذا الرقم مأخوذ من التسجيلات الرومانية المعروفة بدقتها.
«ليطهرروا أنفسهم»: بحسب أصول الناموس، كان ممنوعاً على المنجسين أن يحضروا مراسيم عيد الفصح، لأن نظام ذبح خروف الفصح يستلزم من الشخص أن يمر برواق الكهنة، وهذا كان يستلزم شروطاً دقيقة من جهة الطهارة: «وليعمل بنو إسرائيل الفصح في وقته فى اليوم الرابع عشر من الشهر الأول، بين لعشاءين تعملونه في وقته... لكن كان قوم قد تنجسوا لإنسان ميت فلم يحل لهم أن يعملوا الفصح في ذلك اليوم.» (عد2:9و6)
‏ولكن حدث تساهل بعد ذلك في هذا الأمر«لأن كثيرين من الشعب, كثيرين من أفرايم ومنسى ويساكر وزبولون لم يتطهروا بل أكلوا الفصح ليس كما هو مكتوب. إلا أن حزقيا صلى عنهم قائلاً: الرب الصالح يكفر عن كل من هيأ قلبه لطلب الله الرب إله ابائه وليس كطهارة القدس. فسمع الرب لحزقيا وشفى الشعب» (2أخ18:30-20‏). وكانت عدم طهارة أولئك راجعة لاختلاطهم بالأمم.
‏ويقول المؤرخ يوسيفوس أن أهل الكور كانوا يسبقون بالذهاب قبل الفصح ليتطهروا في أورشليم. وهذا ما حاول أن يعمله بولس الرسول (بعد أن اعتمد للمسيح), فدفع ثمن هذه الرجعة إلى اليهودية أهوالاً أوقفته عن الخدمة: «حينئذ أخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم، ودخل الهيكل مخبراً بكمال أيام التطهير, إل أن يقرب عن كل واحد منهم القربان. ولما قاربت الأيام السبعة أن تتم، رآه اليهود الذين من أسيا في الهيكل، فأهاجوا كل الجمع وألقوا عليه الأيادي» (أع24:21-27). وظل بولس يعاني من هذا التصرف إلى أن استشهد!!!
‏ولكن حسب ما عودنا القديس يوحنا، فهو لا يسرد رواية تاريخية قط، إلا وفي ثناياها معلومة روحية، وشارة ذات قيمة لاهوتية. والقارىء يتذكر كيف بدأ القديس يوحنا إنجيله بأن سرد لنا آية تحويل الماء إلى خمر، حيث استُخدمت الأجران الستة للتطهير، فحولها المسيح إلى أجران خمر، مفتتحاً إنجيله بمعنى الانتقال من التطهير بالماء إلى التطهير بالدم لنوال الحياة الأبدية، باعتبار الخمر في إنجيل يوحنا هو مادة الإفخارستيا ذات الاعتبار التقديسي بالروح القدس, ومنتهياً بالآية إلى أن الرب أظهر فيها مجده لتلاميذه، فأمنوا به. وها نحن قادمون هنا إلى الفصح الأخير، أو على وجه الأصح لاهوتياً وبحسب إنجيل يوحنا، الفصح الأول والأساسى في العهد الجديد، حيث يعطي المسيح دمه للعالم كله «للتطهير» ومغفرة الخطايا، واستعلان مجد المسيح، لحساب الآب.
‏من هنا كان التلميح بالقول: «ليطهروا أنفسهم». وبعدها مباشرة يذكر القديس يوحنا اسم «يسوع» بلغته التي لا تفوت على القارىء اللبيب: «قبل الفصح ليطهروا أنفسهم, فكانوا يطلبون يسوع».
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
55:11 وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيباً. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ.

‏«فصح اليهود»: هذا هو الفصح الثالث الذق يذكره القديس يوحنا في إنجيله. ففي الفصح الأول كان المسيح حاضراً ومشاركاً (يو13:2)، أما في االفصح الثاني (يو4:6)، فلم يذكر القديس يوحنا أن المسيح حضر الإحتفال به. بل كان على ما يبدو المسيح وقتها في الجليل.
«وكان فصح اليهود قريباً»: هذه الكلمة «قريباً» لا ينبغي أن تعبر علينا بسهولة, فمعناها أن ساعات المسيح والصليب صارت معدودة، والقلب يستقبل هذه الكلمة بانفعال يهز كيان الجسد قبل الروح, فبالرغم من أن آلام المسيح وموته انتهت ببهجة القيامة، ولكن مهما كانت بهجة القيامة فيستحيل أن تقلل من مسحة الحزن المفرط الذى نعيشه فى آلام المسيح.
«فصعد كثيرون من الكور إلى أورشليم»: بحسب المؤرخين ذوي الخبرة في تاريخ وعوائد اليهود، كان يتراوح عدد الحجاج بين خمسة وثمانين ألفأ ومائة وخمسة وعشرين ألفاً. وذلك بحسب تقدير العالم اليهودي المتنصر يواكيم إرميا. فإذا أضفنا إلى هذا الرقم عدد سكان أورشليم الأصليين، وكان يقرب من الخمسة والعشرين ألفاً، كان مجمور المعيدين لا يقل عن مائة ألف. ولكن يوسيفوس المؤرخ اليهودي المعاصر لخراب أورشليم (70م) يعطي رقم غير عادى، إذ يقول إن الحجاج في الفصح كانت جملتهم لا تقل عن مليونين ونصف حاج. وهذا الرقم مأخوذ من التسجيلات الرومانية المعروفة بدقتها.
«ليطهرروا أنفسهم»: بحسب أصول الناموس، كان ممنوعاً على المنجسين أن يحضروا مراسيم عيد الفصح، لأن نظام ذبح خروف الفصح يستلزم من الشخص أن يمر برواق الكهنة، وهذا كان يستلزم شروطاً دقيقة من جهة الطهارة: «وليعمل بنو إسرائيل الفصح في وقته فى اليوم الرابع عشر من الشهر الأول، بين لعشاءين تعملونه في وقته... لكن كان قوم قد تنجسوا لإنسان ميت فلم يحل لهم أن يعملوا الفصح في ذلك اليوم.» (عد2:9و6)
‏ولكن حدث تساهل بعد ذلك في هذا الأمر«لأن كثيرين من الشعب, كثيرين من أفرايم ومنسى ويساكر وزبولون لم يتطهروا بل أكلوا الفصح ليس كما هو مكتوب. إلا أن حزقيا صلى عنهم قائلاً: الرب الصالح يكفر عن كل من هيأ قلبه لطلب الله الرب إله ابائه وليس كطهارة القدس. فسمع الرب لحزقيا وشفى الشعب» (2أخ18:30-20‏). وكانت عدم طهارة أولئك راجعة لاختلاطهم بالأمم.
‏ويقول المؤرخ يوسيفوس أن أهل الكور كانوا يسبقون بالذهاب قبل الفصح ليتطهروا في أورشليم. وهذا ما حاول أن يعمله بولس الرسول (بعد أن اعتمد للمسيح), فدفع ثمن هذه الرجعة إلى اليهودية أهوالاً أوقفته عن الخدمة: «حينئذ أخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم، ودخل الهيكل مخبراً بكمال أيام التطهير, إل أن يقرب عن كل واحد منهم القربان. ولما قاربت الأيام السبعة أن تتم، رآه اليهود الذين من أسيا في الهيكل، فأهاجوا كل الجمع وألقوا عليه الأيادي» (أع24:21-27). وظل بولس يعاني من هذا التصرف إلى أن استشهد!!!
‏ولكن حسب ما عودنا القديس يوحنا، فهو لا يسرد رواية تاريخية قط، إلا وفي ثناياها معلومة روحية، وشارة ذات قيمة لاهوتية. والقارىء يتذكر كيف بدأ القديس يوحنا إنجيله بأن سرد لنا آية تحويل الماء إلى خمر، حيث استُخدمت الأجران الستة للتطهير، فحولها المسيح إلى أجران خمر، مفتتحاً إنجيله بمعنى الانتقال من التطهير بالماء إلى التطهير بالدم لنوال الحياة الأبدية، باعتبار الخمر في إنجيل يوحنا هو مادة الإفخارستيا ذات الاعتبار التقديسي بالروح القدس, ومنتهياً بالآية إلى أن الرب أظهر فيها مجده لتلاميذه، فأمنوا به. وها نحن قادمون هنا إلى الفصح الأخير، أو على وجه الأصح لاهوتياً وبحسب إنجيل يوحنا، الفصح الأول والأساسى في العهد الجديد، حيث يعطي المسيح دمه للعالم كله «للتطهير» ومغفرة الخطايا، واستعلان مجد المسيح، لحساب الآب.
‏من هنا كان التلميح بالقول: «ليطهروا أنفسهم». وبعدها مباشرة يذكر القديس يوحنا اسم «يسوع» بلغته التي لا تفوت على القارىء اللبيب: «قبل الفصح ليطهروا أنفسهم, فكانوا يطلبون يسوع».
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
56:11-57 فَكَانُوا يَطْلُبُونَ يَسُوعَ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَهُمْ وَاقِفُونَ فِي الْهَيْكَلِ: «مَاذَا تَظُنُّونَ؟ هَلْ هُوَ لاَ يَأْتِي إِلَى الْعِيدِ؟». وَكَانَ أَيْضاً رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ قَدْ أَصْدَرُوا أَمْراً أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدُلَّ عَلَيْهِ لِكَيْ يُمْسِكُوهُ.

‏أولاً: هذه اللهفة على رؤية المسيح وسماعه توضح إاى أى مدى تعلق به الشعب سواء من أورشليم أو الأرياف، الأمر الذي سنراه بوضوح في دخوله أورشثليم يوم أحد السعف.
‏وثانياً: هذا التردد والشك بل وربما البلبلة التي أصابت الحجاج الآتين من الكور ومن أورشليم للتطهير، فيما إذا كان المسيح سيظهر في العيد أم لا، مردها إلى الجزء الثاني من الآية، لأن رؤساء الكهنة والفريسيين كانوا قد أعلنوا فى وسط الشعب عن قرارهم بموت المسيح ، بل واستخدام الشعب للقبض عليه أو التخابر عن مكان وجوده. وكان المعقول لديهم أن المسيح لا يظهر ذاته خوفا من أو تلافيا للقبض عليه. ولكن الرب خيب ظنهم وظن كل ما هو معقول لديهم. فالمسيح الذي أقام لعازر من الموت، كيف يخشى الموت أو كل ما يؤدي إلى الموت, ولكن فوق كل هذا، فهو قادم إلى أورشليم، ليصنع آية مجده ليحول الموت إلى حياة، وظلمة العالم إلى نور، ويفك المأسورين بالخطية، ويصالح الإنسان بالله. والحقيقة أن السنهدريم هو الذي كان يخشاه.

تم الأصحاح الحادى عشر
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الأصحاح الثانى عشر

ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَناً مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا فَامْتَلَأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا الطِّيبُ بِثلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟». قَالَ هَذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقاً وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ. فَقَالَ يَسُوعُ: «اتْرُكُوهَا. إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ. لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ». فَعَلِمَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ أَنَّهُ هُنَاكَ فَجَاءُوا لَيْسَ لأَجْلِ يَسُوعَ فَقَطْ بَلْ لِيَنْظُرُوا أَيْضاً لِعَازَرَ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَتَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً. لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ. وَفِي الْغَدِ سَمِعَ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الَّذِي جَاءَ إِلَى الْعِيدِ أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ. فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!». وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صَِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِساً عَلَى جَحْشِ أَتَانٍ». وَهَذِهِ الأُمُورُ لَمْ يَفْهَمْهَا تلاَمِيذُهُ أَوَّلاً وَلَكِنْ لَمَّا تَمَجَّدَ يَسُوعُ حِينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَنْهُ وَأَنَّهُمْ صَنَعُوا هَذِهِ لَهُ. وَكَانَ الْجَمْعُ الَّذِي مَعَهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ دَعَا لِعَازَرَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. لِهَذَا أَيْضاً لاَقَاهُ الْجَمْعُ لأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ هَذِهِ الآيَةَ. فَقَالَ الْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «انْظُرُوا! إِنَّكُمْ لاَ تَنْفَعُونَ شَيْئاً! هُوَذَا الْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!». وَكَانَ أُنَاسٌ يُونَانِيُّونَ مِنَ الَّذِينَ صَعِدُوا لِيَسْجُدُوا فِي الْعِيدِ. فَتَقَدَّمَ هَؤُلاَءِ إِلَى فِيلُبُّسَ الَّذِي مِنْ بَيْتِ صَيْدَا الْجَلِيلِ وَسَأَلُوهُ: «يَا سَيِّدُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوعَ». فَأَتَى فِيلُبُّسُ وَقَالَ لأَنْدَرَاوُسَ ثُمَّ قَالَ أَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ لِيَسُوعَ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا: «قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآب. اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآب نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ. أَيُّهَا الآب مَجِّدِ اسْمَكَ». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «مَجَّدْتُ وَأُمَجِّدُ أَيْضاً». فَالْجَمْعُ الَّذِي كَانَ وَاقِفاً وَسَمِعَ قَالَ: «قَدْ حَدَثَ رَعْدٌ». وَآخَرُونَ قَالُوا: «قَدْ كَلَّمَهُ ملاَكٌ». أَجَابَ يَسُوعُ: «لَيْسَ مِنْ أَجْلِي صَارَ هَذَا الصَّوْتُ بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ. اَلآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجاً. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ». قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ. فَأَجَابَهُ الْجَمْعُ: «نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الآبدِ فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ ابْنُ الإِنْسَانِ؟ مَنْ هُوَ هَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلَّا يُدْرِكَكُمُ الظّلاَمُ. والَّذِي يَسِيرُ فِي الظّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ. وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هَذَا عَدَدُهَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟». لِهَذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضاً: «قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ لِئَلَّا يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». قَالَ إِشَعْيَاءُ هَذَا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ. وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضاً غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ لِئَلَّا يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ. لأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللَّهِ. فَنَادَى يَسُوعُ: «الَّذِي يُؤْمِنُ بِي لَيْسَ يُؤْمِنُ بِي بَلْ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي. والَّذِي يَرَانِي يَرَى الَّذِي أَرْسَلَنِي. أَنَا قَدْ جِئْتُ نُوراً إِلَى الْعَالَمِ حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ. وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِأُخَلِّصَ الْعَالَمَ. مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآب الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ. وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ فَكَمَا قَالَ لِي الآب هَكَذَا أَتَكَلَّمُ»
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
استعلان ملوكية المسيح ودينونة رئيس العالم
مكان البشارة: من بيت عنيا إلى أورشليم للمرة الأخيرة

‏ويشمل هذا الأصحاح:
1- بيت عنيا وتكفين الجسد قبل الموت (1:12-11).
2- دخول المسيح إلى أورشليم (12:12-19).
3- رد المسيح عل طلب اليونايين: «إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع.» (20:12-36‏).
‏ثم ينتهي إنجيل الاستعلان بالأية 36:12 «ثم مضى واختفى عنهم».
وينتهي الأصحاح الثاني عشر بالجزئين التاليين:
+ ختام لإنجيل الاستعلان (37:12-43‏).
+ ملخص لإنجيل الاستعلان (44:12-50).
1- بيت عنيا وتكفين الجسد قبل الموت
لم يُسمع قط أن يُكفن الجسد قبل الموت، ولكن هذا هو جسد يسوع الذي لن يرى فساداً «لن تدع قدوسك يرى فساداً» (أع35:13‏). وهكذا ظل جسد المسيح معطراً بناردين خالص تفوح منه رائحة محبة الإنسان لابن الإنسان، والتي لم يستطع القبر أن يمحوها فبقين إلى أن قام من الموت، وتجلى في ملء لاهوته، وفاحت منه رائحة لاهوته الذكية التي وهبها للانسان بالتالى عوض ناردين مريم، ليعبر بها كل إنسان الموت وترفع عنه رائحة فساد الخطية، فيتقدم بهذه الرائحة عينها إلى الله، فيشتم الله فينا رائحة ذبيحة المسيح: «لأننا رائحة المسيح الذكية لله ... رائحة حياة لحياة.» (1كو15:2-16)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
1:12 ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.

«قبل الفصح بستة أيام»: القصح يقع في 14 نيسان، فالمسيح وصل إلى بيت عنيا قادمأ من «أفرايم» حيث كان معتكفاً يوم 8 نيسان، وهذا يقع يوم الجمعة قبل الغروب مباشرة، فاحتسب السبت واستراح السبت وحضر وليمة العشاء بعد غروب السبت وهذا يوافق أن مرثا كانت تخدم، لأنه لا يحل الخدمة يوم السبت.
‏أما من حيث «الستة الآيام»، فأسلوب القديس يوحنا يرمي نحو الإشارة إلى ستة أيام الخليقة القديمة، حيث اليوم السابع استراحة ليجعل منها ستة أيام الخليقة الجديدة، وفي السبت استراح المسيح (الله) في القبر، وقام يوم الأحد ليعلن بدء الحياة الأبدية غير الزمنية.
‏ولودققنا، نجد أن القديس يوحنا يفتتح إنجيله «بالأسبوع» المقدس ويختمه «بالأسبوع» المقدس. إذ نقرأ في بدء الإنجيل: «هذا كان في بيت عبرة (بيت عنيا شرق الاردن)، في عبر الاردن حيث كان يوحنا يعمد» (يو28:1). هذا أول يوم.
‏ثم «وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو29:1)، هذا اليوم الثاني.
‏ثم «وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفأ هو واثنان من تلاميذه (يوحنا واحد منهما) فنظر الى يسوع ماشيأ فقال هوذا حمل الله» (يو35:1-36)، هذا ثالث يوم.
‏ثم «في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل فوجد فيلس ...» (يو43:1)، هذا رابع يوم.
ثم «وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل ...» (يو1:2)، هذا هو اليوم السابع!!!!
‏ثم ليس جزافاً أن يختار الرب بيت عنيا قبل الفصح ليعتزل هناك، لأنه من المعروف في طقس ذبح خروف الفصح أن يُعزل الخروف قبل الفصح بخمسة أيام بعيداً عن الحظيرة. وهكذا يوقع المسيح حياته على نغمات الفصح بشيء من الآبدع الطقسي، وكما كان يجرى على الخروف عملية تكريس استعداداً لتقديمه بعد خمسة أيام، هكذا سلم المسيح جسده لأيدي محبيه ليمسحوه بالطيب والدم‏وع بعد وصوله بيوم، وذلك مساء السبت بعد الغروب وبعد الوليمة:
+ ‏« ... في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة ... شاة صحيحة ذكراً ابن سنة ... ويكون عندهم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية»(خر3:12-6‏)
+ «لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة, وصار أعلى من السموات.» (عب26:7)
 
أعلى