تفسير إنجيل القديس يوحنا للأب متى المسكين

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
19:4- قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ.

لقد أحسنت الرؤيا. فكلمة «أرى»« هنا لا تفيد الانطباع السريع بل قمة استعلان متدرج يبلغه المتصوفون حينما يحدقون بعقلهم في الله طويلاً، وتسمى هذه الدرجة عند المتصوفين بالتورية, أي الرؤيا العقلية.
‏من الصعب علينا جداً أن نحس بما أحسته هذه المرأة عندما واجهها المسيح بكشف حياتها الخفية. إنه مزيج من الرهبة والرعبة مع قناعة بهيبة الجالس أمامها، وكأن حياتها كلها صارت مكشوفة أمام عينيه. ولكن عقلها ارتفع سريعاً لترى فيه إنساناً ذا اتصال بالله يستمد منه قوته وسلطانه.
‏حينما أفرغت المرأة خطيئتها استضاءت عيناها، وتأهلت لترى المسيح الرؤية الاولى على صحة، وانما في غير اكتمالها: «فتطلع وقال أبصر الناس كأشجار يمشون. ثم وضع يديه أيضاً على عينيه وجعله يتطلع، فعاد صحيحاً، وأبصر كل إنسان جلياً» (مر24:5-25). هذه أول مفاعيل عطية الماء الحي التي استقرت في أعماقها؛ وهذه أول حركة للايمان يتحرك به قلبها.
‏لقد تدرجت في رؤيتها للمسيح من «أنت يهودي» إلى «يا سيد» إلى «أرى أنلك نبي», وهكذا تنجلي العين حينها يغتسل الجسد والنفس، والإعترأف بالخطية يرفع ثقلها عن القلب والضمير كما يرفع عقابها عن النفس. وهذه هي «عطية الله» التي وعدها المسيح بهاء وهكذا علمت المرأة بالحق من الذي يقول لها أعطيني لأشرب. وهكذا أيضاً اكتشفت المرأة غنى المسيح من خلف فقره المصطنع، وعطش من له ينبوع الماء الحي.
‏ولم تكن رؤيتها أنه نبي لتقرير حق الواقع وحسب، بل لأنها ربطت بين امتيازه الإلهي كصاحب صلة بالله وبين حالها الفاضح فرأت فيه المنقذ. ولكن إلى من من الألهة سيذهب بها هذا النبي؟ إله إسرائيل وأورشليم وجبل صهيون، آم إله السامريين وجبل جرزيم؟ إنها تود أن تعرف إلى من تقدم توبتها وذبيحة خطيتها.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
20:4- آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا الْجَبَلِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ».

‏من يصدق أن هذه النفس العفنة تنقلب بهذه السرعة إلى تائبة تبحث عن مكان للصلاة وتدقق في صحة المكان لتضمن توبة مقبولة؟ أمر لا يشغل بال إلا كبار اللاهوتيين.
‏لأن صحة أورشليم لتكون المكان الوحيد والفريد للعبادة والصلاة هي أعوص المشاكل أمام دارس الناموس، وقد استطاع اليهود أن يزحزحوا هذا النير عن على أعناق الشعب بأن قالوا بصحة المجامع المحلية لكل بلد.
‏أما هذا الإشكال اللاهوتي بالنبة للسامريين فقد ظل كما هو، أعوص مما هو لليهودي ألف مرة، لأن أورشليم وهيكلها محظوران على السامري؛ فكيف الفكاك من القيود التي وضعها الإنسان في عنق نفسه؟؟
‏عل كل حال هذا هو نبي مؤتمن، وهو من اليهود ولكن في غير غضب، وقد أصبح قريباً منا عاطفاً علينا، فهو وحده القادر أن يحل معضلتا، هل نتبع آباءنا القديسين البطاركة الأوائل الذين سجدوا في هذا الجبل أم أن أورشليم وحدها مكان العبادة؟ عل كل حال كان هذا السؤال يحمل في طياته شكاً في صلاحية جرزيم!!
‏فالمعروف أن يعقوب أبا الأسباط قد عبد الله في هذا المكان: «ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان حين جاء من فدان أرام، ونزل أمام المدينة وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حور أبي شكيم بمائة قسيطة، واقام هناك مذبحاً, ودعاه إيل إله إسرائيل.» (تك18:33-20)
‏فى هذا الجبل: جرزيم.
‏المقصود هو جبل جرزيم الذي تقع البئر تحت سفحه مباشرة, وتقول التقاليد أن إبراهيم أبا الآباء أصلح مذبحاً هناك بنية تقديم إسحق ابنه حسب أمر الرب. وعلى هذا الجبل أيضأ تقابل أيضاً مع ملكي صادق الذي باركه هناك. كما أن جرزيم هو الجبل الذي أمر موسى أن يقف عليه ستة من أهم الأسباط لتقول البركات على من يعمل بالناموس (تث12:27‏). وفي توراة السامريين مكتوب أن المذبح الذي أقيم للعبادة الاولى كان على جرزيم وليس على عيبال (تث4:27-8). والسامرية الأن تضع التقليد السامري المؤكد في مواجهة التعليم اليهودي غير المستند على وثائق!
‏ويعثقد أن الذي بنى المذبح على جبل جرزيم هو أخو رئيس كهنة أورشليم» حينما طرده أخوه من أورشليم بسبب زواجه من بنت سنبلط حاكم السامرة، وهو فارسي الأصل. فحينما طرده أخوه ذهب وبنى هذا الهيكل على جبل جرزيم وقام هو كرئيس كهنة بإقامة العبادة حسب الأصول اليهودية بمنتهى الدقة (نح28؛13‏). كذلك فإن يوسيفوس المؤرخ اليهودي يقول في تاريخه إن السامريين طلبوا من الإسكندر الأكبر الإذن ببناء الهيكل، فسمح لهم. ويضيف يوسيفوس على تاريخ نحميا بأن أعطى اسم «منسى» على أنه كان رئيس كهنة هيكل جرزيم وكان نسيباً لسنبلط حاكم السامرة الفارسى. و يبدو من هذا التقرير ان تصريح الإسكندر الأكبر لم يكن للبناء بل ربما لإعادة بنائه» لأن الفرق بين زمن نحميا وزمن الإسكندر مائة سنة.
‏وقد هدم يوحنا هركانوس أحد المكابيين هذا الهيكل سنة 128 ق. م ولكن ظل السامريوذ يعبدون في نفس المكان ويقيمون الفصح والصلاة في مواعيدها. ويتجهون نحوه بالصلاة كقبلة إذا كانوا بعيدين عنه!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
21:4- قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ.

«تأتي ساعة»: ‏هذه هي البشارة بالعهد الجديد، وهذه الساعة قريبة «تأتي«، وهى ساعة المسيح بلا شك، لأن بصلب المسيح أُلغيت الذبائح وأُلغيت المذابح وأُلغيت الهياكل، إذ قد صار هو الذبيحة الأوحد للخلاص على المذبح الناطق السماوي في هيكل الله الغير مصنوع بالآيادي حينما تكون العبادة والسجود لأب الجميع.
«تسجدون للآب»: نقلة حاذقة وخطيرة من «أبآونا» بالصورة المحصورة التعصبية إل «الآب» الواحد الكلي للجميع. فعوض الانتماء التعصبي للبشر هوذا الانتماء لله الآب الحر المنفتح عل كل بني البشر.
وعوض العبادتين المتنافرتين المتعاديتين, هذه عبادة الواحد الأحد، وعوض الهيكلين المتصارعين فيما بينهما هوذا الهيكل الواحد, بيت الآب السماوي الذي يجمع الأولاد جيعاً دون نزيل أو غريب. وكأنما بجلوس المسيح على بئر يعقوب وفي أرض السامرة يعلن نفسه أنه يعقوب الجديد، إسرائيل البشرية كلها، الينبوع الحقيقي لماء الحياة الذي يجمع القريبين والبعيدين في ذاته ويضمهم إلى هيكل جسده, الأن بالحب والاستعلان، وبعد قليل بالدم على الصليب. «وتأتي ساعة» هي بعينها ساعة الفجر الآن التي تشير إلى ساعة الصليب السادسة, حين تٌحل مشكلة السامرة والسامريين, وحين ترتفع العبادة فوة مستوى الأماكن والبلاد والجبال لتصير بالروح، والروح ليس له وطن على الأرض بل موطنه السماء.
‏ولا ننسى أن في أول كلمة «صدقيني يا امرأة» ما يكفيها من اليقين والعزاء، عوض امتهان اليهود لهم والتعالى عليهم، يكفيها أن يكون «الأب» هو قبلة السجود، وهو قابل الساجدين له.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
22:4- أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ, لأَنَّ الْخلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ.

‏«‏تسجدون لما لستم تعلمون»: المسيح هنا يستدرك ما قد يُفهم من تساوي أورشليم بجرزيم بانتهاء عصرهما معأ بحلول الساعة. فإن كانت العبادة في هيكل أورشليم ستُبطل، وكذلك بالتالي وبالأؤلى في جبل جرزيم، فليس هذا معناه أن عبادة اليهود خاطئة، ولكنها في سبيلها إلى الارتفاع فوق ذاتها لتبلغ الكمال في الله، أما عبادة جرزيم فهي وإن كانت عبادة مُقدمة في صورتها إلى الله ولكن الله نفسه غير معروف لدى السامريين. ومعلوم أن السامريين لا يؤمنون بالأنبياء جيعاً؛ في حين أن الأنبياء عند اليهود هم الذين تكلم الله بواسطتهم معلناً عن ذاته، وبالتالي كان اليهود ذوي معرفة صحيحة بالله, وبالتالي أيضاً أصبح السامريون محرومين من معرفة الله الصحيحة. فالناموس وحده بدون إلهام وتعليم سماوي ونبوة لا يخلص لأنه حرف والحرف وحده, أي القانون, يقتل إذا كان بدون من يرحم ويشفق.
‏هنا المسيح لا يدافع عن اليهود ولا اليهودية، ولكنه يدافع عن الحق المُعلن لليهود فقط دون أقطار العالم أجمع, ويدافع عن مصدر الخلاص الأتي، بل الحاضر، أمام السامرية, المتكلم باسم الحق والخلاص, وهو نفسه المخلص الأتي الذي أتى! كما أن المسيح هنا لا يهاجم السامريين ولا ‏عبادتهم ولا معبودهم, بل يشفق على عبادتهم التي تذهب سدى بسبب غياب الحقيقة منها وفقدان «استعلان الله» ‏على حقيقته بفقدان وسطاء الاستعلان والإلهام وهم الأنبياء. لأن تسلسل الأنبياء انتهى بمجيء من تنبأوا عنه وهو المخلص؛ فصح تنبؤهم وصحت نبواتهم . لذلك قال المسيح بكل يقين: «إن الخلاص هو من اليهوده»؛ لأن الخلاص ابتدأ بالاستعلان عنه ووصفه الأنبياء وكأنه حاضر، ورآه الآباء القديسون ونظروه من بعيد وحيوه وماتوا على رجاء . وهوذا ساعة الخلاص قد دقت دقاتها على صوت المعمدان وأصبحت حاضرة بحضور صاحبها.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
23:4- وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ.

‏«ولكن»: هنا يبدأ الكلام بـ «لكن»، وهي تعود على ما فات، أي على اختلاف العبادة باختلاف الحق فيها، وكأن المسيح يريد أن يقول: لنترك «الآن» الخلافات، لأن «الأن» أتت الساعة التى أصبح مفهوم السجود الحقيقي فيها يقوم على أساسين جديدين:
‏الأساس الأول: الساجدون أنفسهم إذ يتحتم أن يكونوا حقيقيين. و«الحقيقي» في إنجيل يوحنا وعند المسيح هو «الأليثيا»، و«الأليثيا» هي الله أو الانتماء الصادق لله، ويعني أن الساجدين يتحتم أذ يكونوا لله عائشين، ليكونوا لله ساجدين، بمعنى أن يكونوا قد أفرزوا أنفسهم من العالم وتقدسوا لله، أي تخصصوا بالمعمودية وما تفرضه المعمودية في حياتهم وأفكارهم وأعمالهم فيما يخص الحق: «المولود من الروح هو روح».
‏الأساس الثاني. أن يكون سجودهم لله الآب. آب الجميع، وليس آباً لشعب دون شعب، أو أمة دون أمة، أو جنس دون جنس، ويكون سجودهم للآب «بالروح والحق».
‏وهنا المسيح يرمي عصفورين بحجر واحدو, فالعبادة بالروح يهاجم بها عبادة إسرائيل التي هي عبادة بالحرف، وهذه العبادة لم تعد مقبولة عند الله لأنها لم عند بذي أثر ولا فائدة. والعبادة بالحق يهاجم بها عبادة السامريين فهي عبادة مزيفة أخذت الشكل دون الجوهر والاسم دون الحقيقة. وهي منذ البدء بلا فائدة: «أنتم تسجدون لما لستم تعلمون».
ولكن كيف تكون عبادة الإنسان «الآن» بالروح والحق؟: «الآن» يقصد بها المسيح حضوره الشخصي الذي جعل الساعة حاضرة دائمة بحضوره, فالآبدية فيه معلنة في عمق الحاضر الزمني. فـ «الآن»» بوجود المسيح, الابن النازل من حضن الآب, هي الآبدية المستعلنة والحاضرة في الزمن، وهي كل المستقبل الروحي للانسان.
+ والمسيح جعل, بالتجسد، الإتصال بين البشرية والله أمراً حادثا حدوثا حقيقيا والى الأزل ومفتوحاً على الجميع. وبهذا انفتح أمام الإنسان مجال الإتصال الروحي بالله سواء بالصلاة أو السجود, بمعنى أن السجود بالروح صار متوفراً للانسان في المسيح.
+ كذلك فالمسيح, الابن الوحيد, هو الاستعلان الكامل لله بالنسبة للانسان كل من يؤمن. إذن، أصبح الإنسان يعبد من يعرفه معرفة حقيقية, وهذا هو السجود بالحق بكل معنى: «‏وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك و يسوع المسيح الذي أرسلته.» (يو3:17)
‏ولكن يُلاحظ أن المسيح لم يتمجد بعد، ولم يحل الروح القدس بعد. لذلك، فالعبادة بالروح والحق التي قال عنها المسيح آنئذ هي عبادة المسقبل, بينما العبادة في الهيكل لا تزال قائمة, ولكن لأنه قد تم التجسد والمسيح حاضر «الأن», ‏إذن فالساعة موجودة ولكن لم يتم استعلانها الكلي بعد.
«السجود» لله هو عملية اتصال. يستحيل الإتصال بالله بواسطة العنصر الجسدي في الإنسان المنتمى للحياة الأرضية.
«الله روح»، وقد وضع في الإنسان عنصراً روحيأ يقيم كيانه، وهو متفوق على الجسد، ووُضع هذا العنصر, أي «الروح» ليكون أداة اتصال بالله: «وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملاً بلا لوم عند مجىء ربنا يسوع المسيح»(1تس23:5). وروح الإنسان في وضعه الصحيح خاضع لروح الله: «الروح هو الذي يحيي، أما الجسد فلا يفيد شيئاً»(يو63:6). إذن، فمجال العبادة قد أصبح في المسيح هو المجال الأسمى الذي يتلاقى فيه الله والإنسان، أي أن زمان العبادة تحت توصيات وتعليمات جسدية قد انتهى: «أشكر إلهي يسوع المسيح... فإن الله الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه شاهد لى كيف بلا انقطاع أذكركم.» (رو8:1-9)
«لآن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له» (بالروح والحق).
‏«‏لأن» بادئة تجعل الأتي من الكلام يؤكد ويضمن ويسهل ما فات من الكلام. فالعبادة بالروح والحق، وإن بدت بالنسبة للانسان مطلباً أعلى من إمكانياته, إلا أن هذا أمر متيسر. لأن الله ‏يسعى من جهته طالباً وجاذباً مثل هؤلاء الذين يسعون للسجود له بهذه الشروط، فلأن الله روح فهو يطلب الساجدين بالروح, ولأنه هو الحق فهو يطلب الساجدين بالحق. فالله من جهته عامل مشجع وجاذب ومسهل لكل الساعين للعبادة والسجود بالروح والحق؛ لأن هذه هي مسرة طبيعته.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
24:4- اَللَّهُ رُوحٌ. والَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا.

‏المسيح يرتفع بمفهوم الله ليرتفع بمفهوم الإتصال به. فـ «الله روح» بمعنى أنه لا يدخل في كيانه أي شيء من قياسات العالم المنظور لا الزمان ولا المكان ولا المحدودية، وأهم تركيز هنا هو على المكان, لا أورشليم ولا جرزيم. وقد سبق وقلنا إن الله وضع في الإنسان عنصراً روحياً وهو الروح ليقيم كيانه كمخلوق روحي، ليتسنى له الاتصال بالله والوجود في حضرته دون النظر إلى الزمان أو المكان أو الشكل أو اللغة. لذلك فالعبادة والسجود لله لكي تكون منظورة من الله ولكي يراها ويسمعها ويستجيب لها، يلزم أن تكون من طبيعته بالروح والحق غير ملتزمة لا بزمان ولا بمكان لا بيهود ولا بسامريين. وهنا كلمة «ينبغي» تعني «يلزم إلزاماً» و«يتحتم تحتيماً»، أي لا يمكن أن تقبل عبادة وسجود إلا إذا ارتفعت لمستوى الروح والحق، بمعنى أن لا ترتبط قط لا بأمكنة ولا بأزمنة ولا بأجناس ما.
‏وبنظرة سريعة إلى الخلف، نستطيع أن نحصل على محور التجديد في إنجيل يوحنا في الأمثلة السابقة. فالخمر الجيدة, في قانا، والهيكل الجديد, في أورشليم، والماء والروح والميلاد من فوق عند نيقوديموس, والتعميد بالروح القدس على ضوء المعمدان، والماء الحي والعبادة بالروح والحق للسامرية؛ هذه كلها عناصر الانتقال من الحياة حسب الجسد الى الحياة بحسب الروح, أي عناصر التجديد والخلقة الجديدة التي يرسخ المسيح مفاهيمها بالتدريج. كما أن هذه العناصر جيعها، الخمر والهيكل والميلاد الفوقاني والتعميد بالروح والسجود بالروح والحق، هي المقابل الروحي الحق والمطلق الذي لا تحده حدود بشرية أيا كانت تجاه اليهودية وكل العبادات الأخرى للانسان. هذه ‏هي صورة العهد الجديد للانسان عاد‏ة، التي صارت في محيط «تأتي ساعة وهي الآن» .
‏والعجيب حقاً أن هنا هذه العناصر أو الرموز الحية: الخمر الجديد، الهيكل الجديد، الإنسان الجديد، العبادة بالروح والحق, تتركز في شخص المسيح نفسه: «أنا هو الذي يكلمك»!
‏علينا الأن أن نجسد هذه المعاني المطلقة «بالروح» و«الحق» حتى نفهم كيف يكون السجود بالروح والحق على مستوى حياتنا اليومية وعبادتنا. فالسجود بحد ذاته هو«بالجسد شكلاً» فإذا بقي السجود بشكله الجسدي والعددي فقط فهو لا يُحسب أنه سجود بالروح. ولكن إذا انطلق الإنسان من داخل السجود الجسدي بروحه بإحساس الوجود في حضرة الله، يُحسب سجوداً بالروح. والسجود بالروح له مواصفات روحية تثبت حقيقته. فإن روح الإنسان في حضرة الله تكون خاشعة غاية الخشوع، منضبطة، غيرمشتتة, مطروحة أمام الله، مكشوفة بكل عيوبها وأخطائها, كما تكون الروح في حالة استقبال أكثر من كونها متكلمة وذات مطالب, شديدة التركيز والحساسية للاستماع لتعليمات الله وتوبيخ الروح، أو تقبل التشجيعات الخفية أو الرد على أمثلة روحية للبنيان.
‏كذلك السجود بالروح لا يمنع أن يلتزم بالمواعيد والعدد وأصول السجود. ولكن إذا اكتفى الانسان بالإتقان الشكلي فلن ينتفع شيئاً, وذلك يظهر بوضوح حينما ينهي الإنسان سجوده وعبادته ويخرج كما دخل وذهنه مشغول بأموره الخاصة أو العامة. فعلامة السجود بالروح هي أن يخرج الانسان من حضرة الله مفعماً بمشاعر الرضى والراحة والفرح مهما كانت أموره محزنة. فالحزن والضيقة والألم والشكوى كل هذه يتحتم أن ننفضها عنا قبل الدخول في حضرة الله للسجود. حالة خروجنا من السجود يكشف هل كنا حقاً في حضرة الله, وهل حصل إتصال فعلي أم لا. السجود بالروح في حضرة الله ليس هو واجباً، بل ضرورة روحية كالأكل والشرب والدواء والعلاج تماما بالنسبة للجسد. إذا لم نمارس السجود بالروح ، فالروح تجف ويتعطل عملها، فتنقفل رؤية الإنسان ولا يحس بوجود الله، وقليلاً قليلاً ينكمش الإيمان ويفقد الإنسان حرارة الروح وتبدأ المثل العليا تهتز أمامه، ويزحف الشك على إيمانه، ويفقد الإحساس بصدق الإنجيل والله، ويشك في الحياة الآبدية، لأن أداة الإتصال بالله قد أصبحت عاطلة، أي الروح المرفوعة في الإنسان لهذا الأمر.
‏يلزم أن يفهم الإنسان أن الله وضع فيه الروح كأداة إتصال بالله, فإذا لم ‏تُستخدم تُنزع مواهبها من الإنسان، وروح الإنسان الأمينة والنشطة والملتصقة بالله على الدوام تصير مكان سكنى الروح القدس ومرافقته, فإذا أهمل الإنسان السجود بالروح، لا يعود يحظى بزيارة الروح القدس والنعمة. والخطية تترصده, فتتعتم الرؤيا: «روحك القدوس (يا رب) لا تنزعه مني» (مز11:51). فإن كان الله قد وضع الروح في الإنسان رغبة منه أن يتصل بواسطتها مع الإنسان, إذن أصبح السجود بالروح جزءاً لا يتجزأ من كيان الإنسان بالنسبة لحياته مع الله. لأنه كما أعطي الإنسان الشهية للأكل، كذلك أعطي الروح للعبادة والسجود والصلاة. فإذا كان الإنسان يعرض نفسه للموت إذا لم يأكل, هكذا فهو معرض للموت إذا لم يسجد بالروح. غير أن الموت الروحي لا يشعر به الجسد, والنفس المستهترة لا تعيره اهتماماً. ولكن في نهاية عمر الإنسان يستيقظ ضميره فيرى عظم الخسارة بل المصيبة التي اكتسبها لنفسه بإهمال الإتصال بالله الذي سيذهب ليتراءى أمامه. لذلك فالمرجو أن يختبر الإنسان نفسه بعد كل سجود هل كان بالروح أم لا, وهل اتصل بالله فعلاً أم لا.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
25:4- قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ».​

‏هنا عنصران في صميم الواقع في هذا الحوار، يسيران جنباً إلى جنب. الأول أن السامرية بدأت تحس بقرب المسيح منها وبدأ الإشاع الروحي الشخصي يطغى على الحديث، وهذا أمر في غاية الأهمية، لأن الإنسان إذا ابتدأ ينفتح على الله قليلاً, فإن الله ينفتح عليه كثيراً. وهكذا تدخل السامرية، دون أن تدري، في المجال الروحي للمسيح, وهذا هو الذي جعلها تلقائياً تمتد بفكرها نحو النبي الموعود الذي سجلته توراتهم في سفر التثنية الذي وعد به موسى.
‏أما العنصر الثاني فهو تسلسل الحديث، فقد انتهت السامرية إلى القول بأن اليهودي الواقف أمامها، وهو السيد، هو نبي. ولكن في تصريحه الأخير عن العبادة بالروح والحق التي ستكون لا في أورشليم ولا في جرزيم جعلها تنطلق في تفكيرها من نحوه, إنه يتكلم بأبعد من إمكانيات نبي، فالنبي الواقف أمامها لوكان يهودياً فهو حتماً سيزكي أورشليم فوق جرزيم، ولكنه لا يفعل ما يتحتم على النبي اليهودي أن يعمله، فمن يكون؟ وقفت السامرية أمام المسيح حائرة. أيمكن أن يكون هذا هو المسيا الذي طالما سمعوا عنه وانتظروه؟ لم تستطع أن تقطع بالأمر، لأن الرؤيا غير كافية أمامها. وهذا أمر في غاية الأهمية أيضاً، لأن أي شك من نحو الله يجعل صورته تهتز فوراً. لهذا اتحذت على الفور مبادرة من شأنها أن تكشف الحقيقة وتقطع بالأمر، فألقت بسؤالها أمامه، وهو ليس سؤالاً بل تساؤل، والرد عليه كفيل إما بأن يقطع الشك باليقين إن قال نعم، وإلآ فعليها أن تنطوي مرة أخرى على نفسها بانتظار المسيا, هذا الذي يستطيع وحد, أن يعرفها بالحقيقة وبكل شيء. والله دائمأ يرحب جداً أن يدخل أي اختبار. وقصة جدعون أحد قضاة بني إسرائيل يتضح فيها هذا المبدأ . ففي أول مقابلة مع ملاك الله الذي أمره أن يخرج ويحارب الأعداء، قدم جدعون أول اختبار لصحة شخصيته وصحة كلامه وهو أن يبقى في مكانه في بيدر الحقل حتى يعود إليه بجدي يذبحه له ذبيحة تكريم، فوافق. وثاني اختبار قدمه لصحة وعد الرب أن يكون الرب معهم في الحرب أن قدم اختباره الثاني بصورة جزة صوف وضعها في الظل بالليل، وفي أول يوم اشترط على الرب أن يملأ الطل, أي الندى, الجزة ولا يمس الأرض حولها، فوافق الرب وصنع ما طلبه جدعون. وفي ثاني يوم غير الإختبار أن ينزل الطل حول الجزة ولا يمس الجزة نفسها، وكان أن فعل الرب ما طلب. فتأكد جدعون وحارب وغلب. وكان الرب عند حسن ظن جدعون!
«أنا أعلم أن مسيا, الذي يقال له المسيح, يأتي . فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء»: يقول «شناكنبرج» في بحثه عن عقيدة السامريين فيما يختص بالمسيا هكذا:
[انتظار العهد الماسياني عند السامريين, كما تقول به هذه المرأة, يأتي مطابقاً لما نقرأه من المصادر المحفوظة عن السامريين. فالمسيا كان اسمه عندهم «تا . إب»، ومعناها قريب من اللغة العربية أي «الأيب» بمعنى الأتي أو الراجع وذلك بحسب التوراة (تث18:18). فهو محسوب عندهم أنه النبي الذي سيظهر في آخر الأيام خليفة لموسى النبي. ولأهمية هذا النص من التوراة عند السامريين فقد جعلهم على رجاء مستمر. ومما جعله أمراً هاماً جداً عندهم أن في توراتهم تسجل هذا الوعد بعد العشر وصايا. وهذا المعنى «تا . إب» في مفهومهم هو قائد سياسي, فهو سيعيد مملكة إسرائيل (السامرة) مثل مسيا اليهود على مستوى مملكة داو . غير أنه بسبب اتصاله بموسى ، فقد تحتم أن يكون من سبط لاوي. إذن، فكونه هو كاهناً فهو سيعيد لهم العبادة الحقة, أما دوره كنبي مستعلن للحقائق وكمعلم فهو أمر منتطر ومترقب بحسب مفهوم النبوة (تث18:18).
‏وفي كتابهم المسمى (ممار مركا), وهو من القرن الثالث الميلادي, في الفصل الرابع والمقطع 12 يقول: إنه سيعلن الحق! ويوسيفوس المؤرخ اليهودي المعامر للقديس يوحنا يسجل ويؤكد في تاريخه أن السامريين لهم رجاء بمجيء المسيا. ويحقق العلماء في صحة مجيء كلمة «مسيا» بدون «أل» التعريف في قول السامرية... ليكون مطابقاً لأسم المسيا عندهم وهو بدون «ال» التعريف. وعندما قالت السامرية: «الذي يقال له المسيح» فهي تترجم اسمه عندهم باسمه عند اليهود.]
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
26:4- قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».

توقع المرأة لهذه الحقيقة، هو الذي دفع المسيح لإعلانها. لم يكن المسيح قادراً، بعد، أن يحجز عنها هذه الحقيقة حينما بلغتها وتوقفت عند حدودها عاجزة تطلب وتمد يدها لكي يدخلها إلى النور أو يدخل النور إليها. لقد أدركت تماماً أن وراء هذا الإنسان شيئاً أعظم من نبي ولكنها تعثرت في أمرين: الأول أنه يهودي، والثاني هذا الجسد المُتعب العطشان. إن عثرة التجسد تقفر الحاجز الأخير للايمان الذي إذا تخطاه الإنسان بلغ إلى رؤية الله. والله وضع هذا الحجاب الحاجز بينه وبين الإنسان لاختبار هذا الإيمان، فهو الحاجز، وهو نفسه الطريق الموصل إلى السماء إلى قدس الأقداس: «طريقاً كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده.» (عب20:10)
‏يلاحظ في الترجمة العربية أنها أخفت «أنا هو» دون معرفة. فهنا يقع هذا الإصطلاح كاسم شخص «يهوه» كما تنطقه جميع أسفار العهد القديم. فالمسيح يبرز شخصيتته ليس كالمسيا الذي تنتظره هي أو اليهود عموماً, كمن يرد الملك أو يعلم التوراة عن صحة أو يبني هياكل ويصحح عبادات، بل هو «يهوه» الذي يصنع كل شيء جديداً. نطقه المسيح وهو مغطى بالسرية التي لا يفكها إلا من يبحث عنه!!
‏هذه هي المرة الاولى والوحيدة التي يعلن فيها المسيح عن شخصيته المسيانية قبل المحاكمة، يقابلها في إنجيل مرقس فقط موقفث مماثل: «لأن من سقاكم كأس ماء باسي لأنكم للمسيح فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره.» (مر41:9)
‏وعلى القارىء أن يلاحظ أسلوب المسيح في إنجيل يوحنا في الإعلان عن نفسه، فمع نيقوديموس ابتدأ من «الريح التي تهب حيث تشاء» مع صورة سرية للماء لقيام أولاد الله مولودين جدداً من فوق؛ ومع السامرية ابتدأ من الماء الذي «من يشربه لا يعطش أبدأ» الصورة السرية للمياه التي ولد منها النفوس الجدد أيضاً.
‏أما نيقوديموس فتعثر, شأنه شأن معلم الحرف في العهد القديم: «لأن الأجنة دنت إلى المولد ولا قوة على الولادة» (إش3:37‏)؛ وأما السامرية فطلبت بشغف وشربت بنهم، ورأت المسيا, وتتلمذت وصارت طليعة الأمم.
‏لقد سقط عن السامرية ثوبها المنجس بقذر الخطية، حينها انفتحت عينها ملياً ورأت المسيح أمامها مستعلناً. فقد ولت منها في الحال شياطين الظلمة، ولفها نور المسيح. إذ لما يسقط عن النفس ثوبها المنجس, تتولى الملائكة إلباسها ثياب النور, وهي الثياب المزخرفة عند زكريا النبي: «وكان يهوشع لابساً ثياباً قذرة وواقفاً قدام الملاك فأجاب وكلم الواقفين قدامه قائلاً: انزعوا عنه الثياب القذرة. وقال انظر قد أذهبت عنك إثمك والبستك ثياباً مزخرفة ... وملاك الرب واقف» (زك3:3-5‏). نعم لقد لبست الأمم فرحتها يوم لبست السامرية ثيابها المزخرفة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
ب- حديث الرب مع التلاميذ. (27:4-38‏)​

‏وتستمر فيه المقابلة بين القديم والجديد على النحو التالي:
القديم: «يا معلم كل».
‏الجديد: «لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله».
‏القديم: الأنبياء الذين زرعوا بالدموع.
الجديد: التلاميذ يحصدون ما لم يتعبوا فيه.


27:4- وَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تلاَمِيذُهُ وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: مَاذَا تَطْلُبُ أَوْ لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا.

+ إحدى بركات الخدمة اليومية في المجامع: (أشكرك أنت الرب الذي لم تخلقني امرأة).
+ إنذار الحكماء اليهود: (الرجل لا يتكلم مع امرأة في مكان عام حتى ولو كانت زوجته).
+ قول للربانيين اليهود: ‏(إنه خير لكلمات التوراة أن تُحرق من أن تُلقى على مسامع امرأة.)
+ سأل جليلي امرأة يهودية في الطريق أين الطريق إلى لدة؟ ‏أجابت أيها الجليلي الأحمق ألم تسمع أنه ليس للرجل أن يتكلم مع امرأة في الطريق وأنت تسأل الطريق إلى لدة؟. (رابي يوسا)
+ أي رجل يعطي ابنته أي معرفة عن التوراة يكون هذا بمثابة أنه يعلمها الدعارة ؟؟؟ (رابى إلعزرا).
+ بولس الرسول: (ليس ذكر وأنثى لأنكم جيعاً واحداً في المسيح) (غل28:3).

‏عند هذا الحد من الحوار الذي انتهى باستعلان المسيح لذاته، وصل التلاميذ، ومن بعيد رأوا المعلم والسامرية فتعجبوا متحشمين أن يتكلموا، لأن من عادة حكماء اليهود والرابيين والمعلمين عموماً أن لا يتحادثوا مع امرأة في الطريق مهما كان الأمر.
‏ولكن هذا التعجب بحد ذاته يكشف أن التلاميذ كانوا لا يزالون بعيدين جداً عن فكر المسيح والمسيحية. وهذا يوضح مدى التغير الهائل الذي حدث للمجتمع اليهودي بالنسبة للمرأة بالذات, لما أمن بالمسيح واعتمد لوصاياه وقبل استعلان الحق الإلهي، الذي أضاء ذهن الإنسان وحياته.
‏ويقول العالم «ليون موريس» في كتابه لشرح إنجيل يوحنا في هذا الموضع إنه حتى إلى الأن حينها يُلقى السؤال في المجتمع اليهودي عن وضع المرأة يُقال لهم: (إذا كنا الآن نحس أن المرأة قد حازت على أفضل التغيير في وضعها، فهذا في المجتمع المسيحي وليس بحسب الرؤية اليهودية القديمة.
«ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب أو لماذا تتكلم معها»: ‏هذان السؤالان اللذان لم يخرجا إلى حيز الوجود, يوضحان العلاقة القائمة بين المعلم والتلاميذ كيف كانت تقوم على أساس الإحترام الشديد والوقار والخشية. وهذا فعلاً أحد الأداب اليهودية التي ورثتها المسيحية وظهرت في الحياة الرهبانية القائمة دائماً على المعلم والتلميذ، ولكن للأسف لم تدم، فعصرنا الذي نعيشه الأن انقلبت فيه المُثل والأوضاع, وضاع الميراث والتراث بل ضاع منهج الحياة والحياء.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
28:4- فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ:.

استجابة المرأة هذه المرة ليس بالقول بل بالعمل. لم تقل: ماذا ستعمل وإلى أين تذهب، ولكنها تركت جرتها تأكيداً أنها لا بد حاضرة وأنها ستأتي أمراً هاماً!
‏عادت المرأة إلى أهل مدينتها في غير ثوبها المنجس بالقذر الذي به عرفوها ، ولكن بثوبها الجديد الزركشى بالنور صُنع يد النعمة وتطريز ملائكة، وافتهم وبشرى الخلاص على فمها.
‏إنه أمر لا يستطيع العقل أن يلاحقه، كيف أن هذه السنين كلها التي عاشتها هذه النفس في وحل الخطية تغتسل في ساعة وأقل؟ لك يا عزيزي القارىء أن تحكم في نور هذه «التوبة العاجلة جداً» مدى تفاهة الخطية بطولها وعرضها وعمقها وخطوطها التي ترسخت في الشعور واللاشعور وقيدت الغرائز واستعبدت الأعضاء وكل الجسد!!
‏كيف انحلت وبادت هذه كلها في مواجهة النور وفعل النعمة!! انظر إل جبروت الوقوف في حضرة الرب وماذا يصنع الحوار الصريح مع القادر على كل شيء! انظر الآن وتمعن في معنى التجديد، ومعنى الميلاد من فوق، ومعنى التحول من القديم إلى الجديد، ليس غادات وغرائز وحب, بل قيم وتقاليد وقيود من حديد! تفكر الأن كيف يُخلق الإنسان من جديد من فوق، كيف يغتسل بل يتقدس بل يلبس النور كثوب.
‏وما أخفق معلم الناموس في فهمه، مارسته السامرية في أعلى صوره. ألا ترى معي هنا لماذا بكل صدق وحق أخذ الله الملكوت من اليهود وسلمه للأمم؟ وكيف كانت السامرية باكورة ثماره؟
‏ذهبت السامرية إلى البئر بالجرة على رأسها والدموع على خديها تبكي حظها ولا من يعزي، فالشماتة خلفها!! وعادت إل المدينة والفرحة تملأ قلبها، إكليل القداسة فوة رأسها وإنجيل البشارة على قدميها: «ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون (العليا) بترنم وفرح أبدي على رؤوسهم. ابتهاج وفرح يدركانهم، ويهرب الحزن والتنهد.» (إش10:35).
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
29:4- «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟».

لم تدع زوجها بل دعت الناس، كل الناس! ‏تركت جرتها، نسيت صنعتها, لم تعد تذكر بيتها ولا ماضيها، أهملت الجسد!
‏المسيح وحده ملأ فكرها، ملأ قلبها. دخلت مياهه أعماقها ففاضت أنهار ماء حي. لا بد أن يصير للناس كل ما صار لي. .
‏هلموا هلموا: «أيها العطاش جيعاً هلموا إلى المياه والذي ليس له فضة تعالوا... اسمعوا فتحيا أنفسكم.» (إش1:55-3).
«إنساناً قال لى كل ما فعلت»: ‏إن البالغة التي تتكلم بها هي صادقة: «كل ما فعلت» مع أن المسيح راجعها في أمر الخمسة والموجود معها الأن! ولكن المسيح فتح وعيها فاسترجعت كل ما فعلت وكأنها قالته، كأنها اعترفت به واحدة فواحدة. هكذا يستيقظ وعي الإنسان عندها يتوب. وبعدها تُمحى ذكرياته وتتلاشى سيئاته وتُترك له زلاته ولا يعود يذكر هو ولا يذكر له الناس ولا الله شيئاً واحداً مما فعل...
‏ولكن واحسرتاه على الذي كتم خطاياه وختم على خزيه وعار صباه, فهذه كلها تعود وتستيقظ معه في حضرة الديان, بعضها يجري أمامه، وبعضها يجري خلفه، وكأنه واقف وسط أعدائه.
«ألعل هذا هو المسيح»: ‏إنها تعلم تمام العلم اليقين أنه مسيا بلا نزاع، هو قال لها: «أنا هو». لقد دخلت الكلمة أعماقها، لقد صار المسيح مصوراً في قلبها وضميرها، لقد غطى كل صورة عداه، ومسح كل وجه سواه. لقد صار المسيح عريس حياتها الذي استعاد بتوليتها وأنعش أمل الحياة والوجود والخلود في أعماق أعماقها... ولكنها لم ترد أن تسبق حكم المدينة عليه لئلا يناقضوها فيما قالت وفيما اعتقدت. تركت لهم الحكم, ولكن دفعتهم للمجيء لينالوا ويحكموا بأنفسهم ما حكمت ويعتقدوا ما اعتقدت، وقد كان!!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
30:4- فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ.

الكل يجري ويتراكض... إشعياء يراهم وينذهل من رؤياهم: «ها أمة لا تعرفها تدعوها، وأمة لم تعرفك تركض إليك... لأنه قد مجدك!» (إش5:55)
لقد سمعوا نداءها واستجابوا لحرارة دعوتها وصدق مشاعرها. لقد وثقوا مم صدق قولها، فأين هذه من صاحبة السيرة الاولى التي كان يحتقرها كل ناظر ولا يأبه بقولها أحد! التي كانت تمشى تتلصص الطرق التي فرغت من عابريها وتختار الأوقات التي لا يسير فيها أحد لتسير وحدها منطوية على خزيها!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
31:4- وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَأَلَهُ تلاَمِيذُهُ: «يَا مُعَلِّمُ كُلْ».
32:4- فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لِآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ».
33:4- فَقَالَ التّلاَمِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَلَعَلَّ أَحَداً أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟»

‏كان المعلم عطشاناً لماء السامرية ولكن ليس جوعاناً لطعام التلاميذ.
‏كان عطشه للماء يخفي وراءه عطشا لخلاص السامرية والسامريين, والجوع إلى طعام المشيئة الآبوية أخفى هنا جوع الجسد, ليس عن تعال فهو ابن الإنسان، ولكن عن أفضلية.
‏والتلاميذ هنا عادوا فأخذوا دور السامرية، هو قال لها عن الماء الحي الذي من يشربه لا يعطش أبداً، وهي ظنته ماء لراحة الجسد؛ وهو هنا يقول عن طعام يأكله بالحب الإلهي لتكميل مسرة الآب وهم ظنوه طعامأ أكله خلسة من يد عابر سبيل!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
34:4- قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.

المسيح تجتاحه الرغبة الإلهية لخلاص الناس بعنف يغطي كل أعواز الجسد! هنا يستعلن سر الحركة الإلهية في نفس وجسد المسيح كيف تحل محل كل رغبات وشهوات وحاجة الجسد والنفس معاً!
‏إن الأصوام العالية القدر والقدرة التي مارسها الرب سواء في الأربعين على الجبل وحده أو غيرها هي لرفع الجسد والنفس البشرية لتتصادق مع الرغبات الإلهية المقدسة التي للاهوته!! هنا حالة مصغرة من هذه الحالات التي كانت تعلن عن وجودها إزاء المهمات الكبرى! هنا مطالب اللاهوت تغطي على مطالب الجسد، وتدعو الجسد للتآلف معها ليشبع من المشيئة المقدسة ويقنع بمجد الرسالة! هنا الجسد يتجيب بكل حرارته وقوته فتلتهمه نار الجذوة الإلهية فلا يبقى فيه إلا إرادة موحدة لتكميل الرسالة حتى كمالها. وكأن المسيح يريد أن يقول لهم جئت لأعطي نفسي طعاماً لحياة الناس فوق أن أكل طعام الناس لأحيا. حياتي ليست من طعام الجسد بل من حياة الآب: «كما أرسلني الآب الحي وأنا حي بالآب, فمن يأكلني فهو يحيا بي.» (يو57:6‏)
لا ننسى أبداً أن جسد المسيح تعين أصلاً وأساساً ليكون ذبيحة وليس لمجاراة أعوازه!! والذبيحة بدأت يوم أن خرج إلى العالم ينادي بالخلاص، الخلاص المعقود لواؤه على ذبيحة الجسد!! الذبيحة لم تبدأ وتنتهي عند الصليب، بل تراءى المسيح في إنجيله مذبوحأ بالنية من اليهود كل يوم!! أما هو فلم يشفق على الجسد، بل بسرور كان يقدمه للآب كل يوم في الأتعاب والإضطهادات والجوع والعطش ذبيحة مسرة!! «لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً. بمحرقات وذبائح للخطية لم تٌسر. ثم قلت هأنذا أجيء, في درج الكتاب مكتوب عني، لأفعل مشيئتك يا الله .» (عب5:10-7)
‏إن العمل الحاسم الحازم الذي أخذه الرب في نفسه وعلى نفسه أنه قدس المشيئة كلية لعمل الفداء!! «لأجلهم أقدس أنا ذاتي» (يو19:17‏)! لقد أفرغ المسيح كل عافية الجسد حتى آخر قطرة إلى أن قالها وهومرتاح «قد أُكمل» (يو30:19). ليس أنه كان يسعى متسرعا أن يشرب الكأس، بل بتمهل فائق الوصف والقدرة، وبتغييرات جذرية في تنوع الخدمة وتغيير الإتجاه في السير وتغيير الأماكن للخدمة وللتوقف عن العمل، ثم الإستئناف. كان يتحاشى الصدام المبكر مح القاتلين، حتى إلى درجة استخدام القدرة الفائقة في إخفاء وجوده, حتى يكمل كل العمل الذي كان يستلمه من الآب يومأ بيوم... لقد قالها أيضأ وهو مرتاح: «أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو4:17‏)!!! ولكن أي تكميل؟ تكميل الآلام بالآلام: «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل, وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد, إلى أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام.» (عب10:2)
‏نعم، وقد صار هذا التكميل المتقن لحساب كل البشرية ويزيد: «وإذ كمل صار لجميح الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي.» (عب9:5)
‏فإذا كان تصميم المسيح الحاسم شديداً لهذا الحد في تكميل مشيئة الآب الذي أرسله وتتميم عمله، لذلك كان همه الطاغي أن ينقذ الخطة المرسومة بكل اعتناء، حتى صارت إرادة المسيح ومشيئته مبتلعة تماماً في مشيئة الآب من نحو العمل الموضوع أمامه. لذلك لا نتعجب أن يسقط في الطريق كل اهتمامات الجسد ومشيئات الناس والأهل: «فأجاب وقال (للقائل له): من هي أمي ومن هم إخوتي. ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أمي وإخوتي. لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي.» (مت48:12-50‏)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
35:4- أَمَا تَقُولُونَ إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ.

‏كان تقاطر أهل السامرة في جموع متلاحة لابسين ثيابهم التقليدية البيضاء كأنهم حقل قمح نضج للحصاد، فللحال اتحذه المسيح «كمثل» لعمل الملكوت المتسع بالنسبة للآزمنة القادمة بعد «العمل وتكميل الخلاص بالألأم»، الذي هو بحسب تشبيه المسيح سقوط حبة الحنطة في الأرض لتموت ثم تخرج من جديد حقلاً من القمح للحصاد.
‏في هذه القصة, قصة السامرية, تستطيع الأذن الحساسة أن تتبين أنها موقعة على أنغام الصلبوت.
+ درجة درجة تبتدىء النغمة رافعة بمنظر المسيح «متعب من السفر»؛ وكأنه سفر خدمة المجهد الطويل الذي انتهى بالضرب والجلد ودفر إكليل الشوك .
+ وهنا تبتدىء النغمة تعلو قليلاً حينما تقول القمة حرفياً أنها «كانت نحو الساعة ‏السادسة»!! بلغة ساعة الصليب تماماً.أ
+ ثم تزداد النغمة صراخاً حينما يقول المسيح: «أعطيني لأشر»؛ «أنا عطشان» بلغة الصليب تماماً.
+ ثم النغمة تزداد لتصير صراخاً مدوياً حينما يقول المسيح «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله»؛ يقابلها على نفس السلم «قد اكمل».
+ ثم تهبط النغمة حزينة ممزوجة برجاء حي حينما يقول المسيح: «الماء الذي أنا أعطيه»؛ لترد عليها أنغام الصليب «وخرج منه دم وماء».
+ ثم عود على ذي بدء: «لأن تلاميذه كانوا قد مضواء» (وتركوه وحده)... لتتقابل في انسجام مع نغمة «تأتي ساعة وقد أتت الأن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي» (يو32:16)
+ ثم عودة أكثر إلى خلف لنسمع: «انظروا الحقول ( القمح) قد ابيضت للحصاد...»؛ واسمع نغمة «إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير.» (يو24:12)
+ ثم اسمع نغمة القوة عندما انتهى الرب مع السامرية إلى ما انتهى إليه, حينما قالت عن الميا فقال لها: «أنا هو الذي اأكلمك»؛ وعلى جانب الصليب وبنفس القوة, وحينما تساءل بيلاطس: «أفأنت إذاً ملك», أجاب يسوع: «أنت تقول إني ملك لهذا قد وُلدت أنا».
+ ثم اسمع كودة الختام العالية جداً والسريعة جداً بصوت أهل السامرة يعلنون بلا تحفظ: «هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم»؛ واسمع النغمة المقابلة بنفس الرتم من قائد حرس المائة: «حقاً كان هذا الإنسان ابن الله».
‏ليس من اللازم أن هذا التوافق كان في ذهن القديس يوحنا، ولكن الروح لا يخطأ حينما يؤلف بين أقوال وأقوال قارناً الروحيات بالروحيات.
‏ولكن نستشف من هذه المقابلة أن قصة السامرية هي لقطة من منظر الصلبوت، معها في الحال جانب من بدء الخدمة وافتتاح الإرساليات. فالمسيح يتكلم عن الحصاد. والحصاد في إنجيل المسيح له موعدان محددان لا ثالث لهما: الحصاد الآول حصاد المؤمنين بالكرازة، وهذا بدأ بعد القيامة ولن ينتهي إلا يوم القيامة، حيث الحصاد الثاني للدينونة!!
‏ الأول: «الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده.» (مت37:9-38‏)
‏أما الثاني: «وخرج ملاك آخر من الهيكل يصرخ بصوت عظيم إلى الجالس على السحابة: أرسل منجلك واحصد، لأنه قد جاءت الساعة للحصاد، إذ قد يبس حصيد الأرض! فألقى الجالى على السحابة منجله على الأرض فحصدت الأرض.» (رؤ15:14-16)
‏وأصل قصة الأربعة أشهر والحصاد والحقول المبيضة التي حيرت جميع الشراح هي حسب ظننا كالآتي:
‏كان التلاميذ يتكلمون مع بعضهم وأمامهم حقول القمح مخضرة على سفوح جبل جرزيم, أخصب بقاع إسرائيل، والزرع له في الأرض شهران وكانوا يتناجون أن بعد أربعة أشهر يكون الحصاد. لأن القمح يستمر في الأرض ستة شهور كاملة حتى يحصد: من منتصف أكتوبر إلى منتصف أبريل. علماً بأن منتصف أبريل أي وقت الحصاد المبكر هو هو زمن الصليب بالضبط. لذلك هنا كلمة «أربعة أشهر» من فم المسيح و«ثم يأتي الحصاد» إشارة واضحة جداً لتكميل عملا رسميأ على الصليب: «قد أكمل»!!
‏وهنا الربط واضح بين قول المسيح: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» وبين الأربعة أشهر والحصاد في حديث المسيح الذي جاء بعده مباشرة!! هنا ليس تداعى الألفاظ ولا هو تداعي الأفكار، بل الحبك في إنجيل يوحنا.
‏بقية المعنى يتمشى معنا هكذا: أنتم تقولون أن بعد أربعة أشهر يكون الحصاد، وأنا أقول لكم ها هو الحصاد أمامكم والحقول أمامكم ابيضت للحصاد، فالسامريون كانوا يتقاطرون بثيابهم البيضاء مسرعين نحو المسيح بقيادة من أمنت وكانت أول الكارزين: «ارفعي عينيك حواليك وانظري. كلهم قد اجتمعوا أتوا إليك. حي أنا يقول الرب أنك تلبسين كلهم كحلي، وتتمنطقين بهم كعروس.» (إش18:49)
‏هذا في الحقيقة منظر مبكر جداً جداً عن ميعاده، لأننا لسنا في زمان الحصاد لنفوس المؤمنين بالمسيح الذين يتقاطرون إليه بهذه اللهفة!! ولكن هذا ما حدث بسبب شدة التأثير الذي حدث للسامرية بسبب استعلان المسيح لنفسه استعلاناً كاملاً بقوة لاهوته: «أنا هو»، الذي لم يحدث ‏قط وكأنه استعلان ما بعد القيامة. فكانت كرازة المسيح للسامرية على مستوى استعلان كامل لمسيح القيامة والخلاص والحياة الأبدية. وكان تأثير السامرية على السامريين من نفس النوع, لأن ‏أمامهم امرأة خاطئة تحولت إلى قديسة، فكان هذا كفيلاً بصدق استعلان المسيح فيها!! فكان هذا الحقل البشري القادم لقبول الإيمان نموذجاً مبدعاً وكاملاً للحصاد القادم!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
36:4- وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعاً.
37:4- لأَنَّهُ فِي هَذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ.

‏لاحظ أن الحاصد هنا لم يتعب، إنه يتلقى نفوساً آمنت جاهزة للحياة الأبدية. ولكن عجيب هو الرب، فقد جعل للحاصد أجرة لأنه يجمع مع المسيح وللميسح حصيداً لن يتبدد. وفي الحقيقة إن الكلام هنا عميق وسري للغاية، يلزمنا أن نستبق الكلام لنقرأ في الأصحاح السادس عن «عمل الله»: «هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذي هو أرسله» (يو29:6). وبعد، يظهر من الكلام بغاية الوضوح أن «عمل الله» هو بمثابة الأكل من المن الحقيقي الخبز الذي أرسله الله!!! «أنا هو خبز الحياة» _ «من يأكلني يحيا بي»!
‏ثم لو رجعنا قليلاً في نفس الموضوع نجد المسيح يقول: «اعملوا لا للطعام البائد (الخبز اليومي) بل للطعام الباقي (الخبز الحي) للحياة الآبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان, لأن هذا الله الآب قد ختمه» (يو27:6‏). «ختمه» هنا تعود ليس على الطعام، لأن هذا الفعل جاء واقعاً على شخص مذكر في اللغة, وهو المسيح, وليس على الطعام (المؤنث في اللغة اليونانية). فالطعام الباقي للحياة الآبدية الذي الأب ختمه هو المسيح، والعمل نفسه لحساب المسيح! «اعملوا للطعام». فهنا «الحاصد ثمر الحياة الأبدية» هو «عامل للطعام الباقي للحياة الأبدية»!! بمعنى أن الخادم أو المرسل طعامه هو الآخر أن يعمل للحياة الأبدية، يأكل المسيح ويطعم الناس من أطايبه!! هذه هي أجرة المرسل والكارز والخادم للكلمة أياً كان!!
«لكي يفرح الزارع والحاصد معاً. لأنه في هذا يصدق القول أن واحد يزرع وآخر يحصد»:
‏واضح أن المسيح يقصد هنا كل الذين تعبوا في كلمة الله منذ أن جاءت كلمة الله وكان لها من يحملها ويتكلم بها ويزرعها في قلوب الناس على كل الأجيال السالفة. لأننا نسمع عن مثل هؤلاء الذين خلصوا نفوساً منذ القديم سمعاً مبهراً: «والفاهون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور» (دا3:12‏). هؤلاء هم الذين زرعوا الكلمة في قلوب سامعيهم ومضوا. ليس أنهم أشخاص الماضي الذي يُنسى، ولا هم تعبوا وانتهى تعبهم إلى نسيان، حاشا لرب الحصاد ديان الأرض كلها أن لا يصنع عدلاً؛ فهؤلاء يعيدون الآن عيد الأبدية في عرس فرح الخروف، هاتفين بالمجد إلى أبد الآبدين مع ربوات هم محفل ملائكة! هناك يتلاقى الزارع والحاصد معأ وعلى «رؤوسهم فرح أبدي».
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
38:4- أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ».

‏لكي يستقيم الشرح يلزم أن نفهم ما هو تعب الزارع وما هو تعب الحاصد. كذلك ما هو فرح هذا وما هو فرح ذاك. أما تعب الزارع فليس من الجهد المبذول والتعب المضني وسفك الدم، لأن هذا اشترك فيه الأنبياء تماماً على مستوى الرسل: «وآخرون عُذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وأخرون تجربوا في ُهزء وجلد، ثم في قيود أيضأ وحبس. رُجموا نُشروا جُربوا ماتوا قتلاً بالسيف، طافوا في جلود غنم وجلود معزى, معتازين مكروبين مُذلين، وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم. تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوة الأرض. فهؤلاء كلهم، مشهودا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد إذ سبق الله فنظر لنا شيئاُ أفضل لكي لا يُكملوا بدوننا» (عب35:11-40). أما عينة ألام وتعب وعذاب وقتل واستشهاد الحاصدين فهو بكل تأكيد مماثل بالحرف الواحد!
‏إذن، ففرق التعب الوحيد أن هؤلاء الآباء والأنبياء القديسين القدامى جاهدوا دون رؤية «من بعيد نظروها»!! (عب13:11‏). لم يذوقوا الخلاص, ولا عرفوا الحب الفادي, ولا سمعوا صوت العريس، ولا فرحوا بالرب في ملء استعلان مجده، ولا تشددوا هكذا بالروح القدس المعزي؛ فكان تعبهم مريرا ومرارتهم بلا حلاوة. أما الرسل ومن هم بعدهم من المرسليين والكارزين فلا يُحسب تعبهم الجسدي قط بجوار الفرح والعزاء والقوة والمجد الذي كانوا يعيشونه. إن أعظم من تعب وتألم فيهم كان بولس الرسول، وكان أبهج شيء عنده أن يكمل نقائص شدائد المسيح في جسده. اسمعه في آخر قول له: «جاهدت الجهاد الحسن... وأخيراً قد وُضح لي إكليل البر» (2تي7:4-8‏). لذلك كان المسيح نفسه يغبطهم: «والتفت إلى تلاميذه على انفراد وقال: طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه لأني أقول لكم إن أنبياء كثيرين وملوكاً أرادوا أن ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا» (لو23:10-24). واضح، إذن, أن تعب التلاميذ والمرسلين عمومأ عادله بهجة الخلاص وفرح الروح وزمالة المجد مع المسيح، فما عاد يُحسب تعباً بل فرحاً: «الآن أفرح في آلامي لأجلكم» (كو24:1)، «ودعوا الرسل وجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم. وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه» (أع40:5-41). إذن، صح قول المسيح أن آخرين تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
38:4- أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ».

‏لكي يستقيم الشرح يلزم أن نفهم ما هو تعب الزارع وما هو تعب الحاصد. كذلك ما هو فرح هذا وما هو فرح ذاك. أما تعب الزارع فليس من الجهد المبذول والتعب المضني وسفك الدم، لأن هذا اشترك فيه الأنبياء تماماً على مستوى الرسل: «وآخرون عُذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل. وأخرون تجربوا في ُهزء وجلد، ثم في قيود أيضأ وحبس. رُجموا نُشروا جُربوا ماتوا قتلاً بالسيف، طافوا في جلود غنم وجلود معزى, معتازين مكروبين مُذلين، وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم. تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوة الأرض. فهؤلاء كلهم، مشهودا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد إذ سبق الله فنظر لنا شيئاُ أفضل لكي لا يُكملوا بدوننا» (عب35:11-40). أما عينة ألام وتعب وعذاب وقتل واستشهاد الحاصدين فهو بكل تأكيد مماثل بالحرف الواحد!
‏إذن، ففرق التعب الوحيد أن هؤلاء الآباء والأنبياء القديسين القدامى جاهدوا دون رؤية «من بعيد نظروها»!! (عب13:11‏). لم يذوقوا الخلاص, ولا عرفوا الحب الفادي, ولا سمعوا صوت العريس، ولا فرحوا بالرب في ملء استعلان مجده، ولا تشددوا هكذا بالروح القدس المعزي؛ فكان تعبهم مريرا ومرارتهم بلا حلاوة. أما الرسل ومن هم بعدهم من المرسليين والكارزين فلا يُحسب تعبهم الجسدي قط بجوار الفرح والعزاء والقوة والمجد الذي كانوا يعيشونه. إن أعظم من تعب وتألم فيهم كان بولس الرسول، وكان أبهج شيء عنده أن يكمل نقائص شدائد المسيح في جسده. اسمعه في آخر قول له: «جاهدت الجهاد الحسن... وأخيراً قد وُضح لي إكليل البر» (2تي7:4-8‏). لذلك كان المسيح نفسه يغبطهم: «والتفت إلى تلاميذه على انفراد وقال: طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه لأني أقول لكم إن أنبياء كثيرين وملوكاً أرادوا أن ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا» (لو23:10-24). واضح، إذن, أن تعب التلاميذ والمرسلين عمومأ عادله بهجة الخلاص وفرح الروح وزمالة المجد مع المسيح، فما عاد يُحسب تعباً بل فرحاً: «الآن أفرح في آلامي لأجلكم» (كو24:1)، «ودعوا الرسل وجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم. وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه» (أع40:5-41). إذن، صح قول المسيح أن آخرين تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
ج_ إيمان السامريين: (39:4-42‏)
الاستعلان: «هذا هو مخلص العالم»


39:4- فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ».
40:4- فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ.
41:4- فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كلاَمِهِ.
‏أمامنا نوعان من الإيمان: إيمان عن طريق الشهادة: «فآمن كثيرون بسبب كلام المرأة‏» وايمان مباشر عن طريق الاستعلان بالكلمة: «فآمن به أكثر جداً بسبب كلامه». والذي يسترعي انتباهنا هنا هذا الإستعداد المتوفر جداً عند السامريين سواء للايمان عن طريق مجرد الشهادة, أو بالأكثر عن طريق الكلمة المباشرة.
‏والذي يسترعي الانتباه في إيمان هذا الشعب السامري ، أنهم لم يطلبوا آيات أو عجائت, بل كان إيمانهم مبنياً على القناعة الروحية وصدق الا ستعلان من خلال الكلمة.
‏إن القديس يوحنا اهتم بأن يضع هذا المثل الإيماني عن السامريين في مقابل المثيل له عند اليهود، ليوضح كيف أن استعلان المسيح يمتد أكثر وبسرعة واستجابة تلقائية عند غير اليهود. وهكذا انفتح باب الأمم للإيمان على مصراعيه, مبتدئأ من السامرة, ونحن .
‏ولكن يلاحظ أن المسيح مكث هناك يومين. الرقم هنا مثير للدهشة فهو ليس ثلاثة أيام كالعادة. المعنى الدفين هنا أن إيمان السامرة جاء قبل الميعاد، جاء ناقص النضج، ينقصه الإيمان بالقيامة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
42:4- وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كلاَمِكِ نُؤْمِنُ لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ».

‏لقد أحب الرب السامريين, أعداء اليهود, لكونهم منبوذين وخارج السياجات. لقد أكمل الله فيهم مثله المشهور عن الرجل الغني الذي صنع عشاءً عظيماً وأرسل عبده يدعو المدعوين: «وأرسل "عبده" في ساعة العشاء ليقول للمدعوين (اليهود، أبناء الملكوت): تعالوا... فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون... حينئذ غضب رب البيت وقال لعبده: أخرج عاجلاً إلى شوارع المدينة وأزقتها وأدخل إلى هنا المساكين والجدع والعرج والعمي (مساكين اليهود الذين صنع معهم آياته). فقال العبد: يا سيد قد صار كما أمرت، ويوجد أيضاً مكان. فقال السيد: أخرج الى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلىء بيتي.» (لو16:14-23)
‏في الحقيقة كان مسلك المسيح مع السامرية نوعاً من الإلزام المقبول. لقد عرض عليها الخلاص وأقنعها بضرورته فقبلته تحت اقتناع طاغ شبه التزام!! وهذا من حق الأمم، لأن الخلاص غريب عنهم. أما اليهود: «فالخلاص من اليهود»، يعرفونه وهم مدعوون له!! فلما رفضوه, قال الغني: «لأني أقول لكم إنه ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي.» (لو24:14‏)
‏وليلاحظ القارىء مسلك المسيح الذي جعلهم يهتفون به مخلصاً للعالم!! فآولاً لم ينحاز لمكان العبادة عند اليهود في أورشليم ضد عبادة السامريين في جرزيم، إلا أنه تمسك «بالحق والروح في العبادة». إذن, فهو يصح أن يكون حكماً عادلاً لكل دين!! ثم إنه لم يفرق بين جنس وجنس! إذن فهو يصح أن يكون كبيرا على كل الأجناس!! ثم إنه ذهب إلى عقردارهم المنجس عند اليهودى وأكل من أكلهم الممنوع، وشرب من شربهم المحرم. إذن فهو يصح أن يكون حبيبا لكل الناس والمنبوذين بالدرجة الاولى. ثم إنه خلص أخطى خطاة مدينتهم ثم كلمهم بكلمة الخلاص عينها فأمنوا بها وخلصوا! فكيف لا يكون هذا المسيا مخلص العالم؟
‏اللقب الذي أعطاه السامريون للمسيح هو أعلى استعلان لاهوتي للمسيح في الإنجيل! وقد جاء عن شدة تأثرهم به باقتناع، وشدة عوزهم إليه بلهفة، ثم إحساهم بالعزلة الثقيلة عن اليهود التي يحسها العالم كله والتي رفعها عنهم، فلماذا لا يرفعها عن العالم كله؟ وتم قول هوشع النبي: «سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة» ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنه هناك يدعون أبناء الله الحي.» (وردت في رومية 25:9-26)
‏أما السامرية فظلت أغنية الكارزين . ويذكر لنا التقليد أن الكنيسة الاول قننتها كقديسة تحت اسم القديسة «قوتينا» والاسم باليوناني ( ), أي المضيئة. وتعيد لها الكنيسة الغربية في 20 مارس.
 
أعلى