تفسير سفر الخروج - الأصحاح 20 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 2- 3:
ملحوظة: رجاء الرجوع لكتاب البابا شنوده الثالث عن الوصايا العشر وما تجده هنا مجرد تفسير معنى الوصية باختصار شديد.

أنا الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر= الله يذكرهم بأنه هو الذي حررهم لأنه أحبهم. لا يكن لك آلهة أخرى= إن كان الله أحبهم وحررهم فلا يجب أن يستعبدوا أنفسهم لآلهة أخرى تذلهم. (في العهد القديم عبد الشعب الآلهة الوثنية وفي العهد الجديد أي الآن لا نجد أحداً يعبد آلهة وثنية بل يعبد الناس ذواتهم وشهواتهم ويعبدون المال وبطونهم.. الخ.
العدد 4- 6:
لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا.... لا تسجد لهن ولا تعبدهن= المقصود بالوصية روحها لا الحرف فالحرف يقتل لكن الروح يحيي. وروح هذه الوصية أن لا تقدم العبادة لأحد أو لشئ سوى الله. والعبادة لله تكون بالروح والحق ولا يَسْمَح الله بأن نقيم له صورة ونقدم العبادة لها. فالعبادة هي لله وهو سماوي لا شبيه له على الأرض ومن ثم لا يمكن تشبيهه ولكن هذا لا يمنع أن تضع الكنيسة صوراً للقديسين لنقتدي بهم ويكونوا لنا مثالاً نكرمهم فالله قال "أنا أكرم الذي يكرمونني"، نكرمهم ولا نعبدهم. ولقد طلب الله نفسه وضع تمثالين كاروبين فوق تابوت العهد ووضع صور للكاروبيم في خيمة الاجتماع ونلاحظ أن الايقونات في الكنيسة لها دور تعليمي. إله غيور= هو يريدنا أن نحبه كما يحبنا لا ليستعبدنا بل ليحررنا. ولا نحب غيره فنكون عبيد لغيره. هو لا يحتمل أن ترتبط النفس التي حررها بالشياطين فتستعبدها ثانية. أفتقد ذنوب الأباء في الأبناء= الأبناء يحملون ثمار خطايا أبائهم، فالجنين الذي يتغذى على دم أم غضوب يحمل ثمار هذا الغضب في صحته الجسدية والنفسية. لكن الله لا يعاقب شخص على خطايا والديه إن كان هو نفسه لا يخطئ مثلهم، بل إن كان الأولاد يشبهون أبائهم في خطاياهم فالله سيعاقب في الجيل الثالث والرابع. وهو أضاف من مبغضَّي أي لو استمر الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع؟! الله يعاقب ويؤدب كل واحدٍ على حدى ولكن المقصود بقوله الجيل الثالث والرابع أن العقوبة تكون جماعية إذا تفشت الخطية في مجتمع ما. فالله في أيام إبراهيم عاقب سدوم وعمورة، إذاً هي ضربة محدودة. ولكن الله أطال أناته على باقي الأموريين والكنعانيين حتى الجيل الثالث والرابع. لذلك قال لإبراهيم سترث أرضهم ولكن ليس الآن "فذنب الأموريين ليس كاملاً إلى الآن" (تك16:15) وكانت ضربة الأموريين في الجيل الرابع لشعب الله أي ما يناظر الجيل الرابع من شعب الأموريين. والله ضربهم بواسطة شعب اليهود، ليس فقط بسبب ذنوب أبائهم بل لأنهم استمروا في نفس الذنوب بل صارت أبشع، بل إمتدت وصارت مرض عام. وبالتأكيد لو كانوا قد تابوا لما عاقبهم الله وكان قد سامحهم (راجع حز1:18-25 + أر29:31،30 + زك3:1،4).

وأصنع إحساناً إلى ألوف= في ترجمة أخرى أصنع إحساناً إلى الجيل الألف من محبيّ وهذا ما صنعه الله مع نسل إبراهيم. فاليهود محبوبون من أجل الأباء (رو28:11) ومن اجل أبائهم فسيؤمن منهم في الأيام الأخيرة بقية. الله لن يقبلهم كما هم الآن في حالة عدم الإيمان بالمسيح بل سيقبلهم في حالة إيمانهم، أما لو أصروا على رفضه فسيكون دمه عليهم وعلى أولادهم.

هذا الكلام نصيحة للآباء حتى لا يكونوا السبب في تعليم أبنائهم الفساد فيهلكون.
العدد 7:
لقد خشى الله أن يتعلموا من الأمم الوثنيين ويحلفوا بأسماء ألهتهم فيرتبطوا بآلهتهم فسمح لهم الله أن يحلفوا باسمه ليرتبطوا به وليعلنوا اسمه على أن لا يستخدموا اسمه في الباطل، والباطل أي الكذب أو في كلام فارغ أو بلا سب جوهري، فإسمه قدوس مهوب. كان الحلف في العهد القديم إعلاناً لاسم إلههم وتمييزاً لهم عن الشعوب الوثنية. أما في العهد الجديد فمنع الله الحلف تماماً (مت37:5).
العدد 8- 11:
السبت بالعبرية أي الراحة (شبت). وأول مرة سمعنا عن اليوم السابع كان في (تك2:2،3) هو راحة الرب وأول مرة نسمع عنه بعد الخروج كان مع حادثة معجزة المن (خر5:16) وأول مرة نسمع اسمه السبت كان خلال هذه القصة (خر29:16) وإذا كان المن يرمز للمسيح فيكون المعنى أن راحتنا الحقيقية هي في المسيح وبالمسيح وهذا تم بالصليب، وراحة الله كانت بالصليب إذ تمم الله كل عمل الفداء للإنسان وأصبح طريق السماء مفتوحاً للبشر. ولأن الإنسان له طبيعة مادية خشى الله أن يهتم الإنسان بالعمل والمكسب المادي وينسى أنه له حياة أخرى ومصيره في السماء. فطلب الله من الإنسان أن يعمل 6 أيام واليوم السابع أي السبت هو يوم له طقوس عبادة وتزداد فيه الذبائح، هو راحة عن العمل لكنه هو يوم للرب. حتى يذكر الإنسان الله والفردوس الضائع فيحيا برجاء أن يعود للفردوس ثانية، ولا ينسى أنه ينتمي لفوق حيث الله لذلك كانت هذه الوصية هي الوصية الوحيدة التي تحوي كلمة أذكر. وذلك حتى ننتبه ونذكر أن هناك سماء (كو1:3،2) "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق.. " ولقد طبق اليهود الوصية حرفياً بدون فهم روح الوصية الذي يسمح بأعمال الخير، فهم سمحوا بإنقاذ البهيمة ورفضوا شفاء المريض (مت5:12،11). هم لم يفهموا أن السبت هو فرصة لإرضاء الله بأعمال الخير لذلك أصَّر المسيح على شرح ذلك بفعل المعجزات في السبت والسبت الحقيقي بالنسبة للمسيحي هو يوم راحته الحقيقي، أي يوم قام المسيح أي يوم الأحد، فراحتنا الحقيقية صارت لنا بقيامتنا مع المسيح وبدء الخليقة الجديدة. على أن الكنيسة لم تلغي قداسة السبت ومنعت الأصوام الإنقطاعية أيام السبت والأحد. والوصايا العشر تكررت في (خر20 + تث5) مع فارق أن في الخروج قدم سبب تقديس السبت أن الله استراح بعد الخلقة في اليوم السابع، أما في التثنية فأهتم بأن يقول أنه تذكار للخلاص من العبودية والدخول إلى الراحة (والمعنيان يكتملان بالصليب).
العدد 12:
هذه الوصية في مقدمة الوصايا الخاصة بعلاقتنا بالآخرين، وهي الوصية الوحيدة المقترنة بمكافأة أو وعد (أف2:6) (وراجع خر15:21-17 + تث18:21-21 + 16:27) وهي في مقدمة الوصايا الخاصة بالآخرين لأن الوالدين هم أقرب الناس لنا.

ولنلاحظ أن من لا يستطيع أن يكرم أبوه الذي يراه وولده ورباه ورعاه لن يستطيع أن يكرم الله الذي لم يراه (1يو20:4) فالأبوة الجسدية هي صورة لأبوة الله لنا. لذلك فهناك من وضع هذه الوصية ضمن وصايا اللوح الأول. وطاعة الأبوين ليست طاعة مطلقة بل هي مشروطة بأن تكون في الرب (غل8:1) وإن أحب أحد أباه أو أمه أكثر من المسيح فلا يستحق المسيح. والطاعة تشمل الاحترام والمحبة والرعاية في الكبر. وتمتد الوصية لإكرام الآباء الروحيين وأمنا كلنا الكنيسة.
العدد 13:
نفس الإنسان هي ملك لله وحده، ولا يطيق الله أن يرى الدم البريء مسفوكاً بلا ذنب فليس من حق إنسان أن يحدد حياة إنسان آخر فيهدر دمه، ويشمل هذا الانتحار فهو تحديد حياة النفس. ولكن شريعة الله تأمر بالقتل في حالة بعض الخطايا (القتل والزنا وغيرها..) على أن يكون هذا على يد قضاة وبحسب الشريعة والناموس وبحسب شهود. (تك11:4) وهناك من يقتل بلسانه أي بإطلاق الشائعات الكاذبة مثلاً (أر8:9 + مز21:55 + خر28:21،29 + 1يو15:3) ويمتد هذا المفهوم لمن يقتل نفسه بالسجائر والخمور والمخدرات والتهور في قيادة السيارات.
العدد 14:
الذي يزني يخطئ إلى جسده (1كو18:6) ويخطئ لجسد المسيح (1كو15:6) وجسده هو هيكل الروح القدس (1كو19:6). وليست خطية بشعة يكرهها الله مثل الزنا، حتى دعيت في الكتاب نجاسة. ومن فرط بشاعتها دعيت عبادة الأوثان زنا وبسببها أحرق الله سدوم وعمورة وأغرق الأرض بالطوفان وكاد سبط بنيامين يفنى بسبب خطية الزنى (راجع 1كو3:5،5) وهي السبب الوحيد للطلاق.
العدد 15:
هي إي اعتداء على حق الآخرين وأخذه دون وجه حق. وتزداد بشاعة الخطية أن كان المسروق منه محتاجاً مثل الأرملة (مر40:12) ويندرج تحت هذه الخطية سرقة أفكار الآخرين والغش في الامتحانات والتهرب من الضرائب للحكومة. وأيضاً فهناك سرقة من الله حين نمتنع عن دفع العشور والبكور والنذور (مل7:3-10)
العدد 16:
الشهادة الزور هي بهدف تعويج القضاء. والكذب صفة للشيطان (يو44:8)، ومن يكذب يعمل عمل أبيه الشيطان. والشهادة كانت لابد أن تكون على فم شاهدين أو ثلاثة (تث15:19).
العدد 17:
الشهوة هي أم كل محظور. وهذه الوصية كشفت عن عمق الناموس فهو أراد أن يقتل الخطية من جذورها، لكن الشعب في العهد القديم لم يقدر ولم يفهم. ولا تقف الشهوة على الشهوات الجسدية، بل شهوة الامتلاك وحب المال. وبالحب وحده، حب الله نعرف أن الله يحبنا كأب ويعطينا أحسن شئ وأحسن شئ في نظر الله مختلف عن أحسن شئ في نظر البشر. فالبشر يظنون أن أحسن شئ هو الغني والصحة.. الخ لكن نجد الله يشرح أن دخول غني ملكوت السموات صعب ونجد أن الله الذي يحب بولس الرسول أعطاه شوكة في الجسد. إذاً فما نفهمه أن لله سيعطينا أحسن شئ نافع لخلاص نفوسنا، والله يعرف ما يصلح لكل واحد منا وعلينا أن نثق فيه وفي محبته وأبوته.


العدد 18- 21:
الفرق بين العهد القديم والعهد الجديد واضح. فنجد هناك مناظر مرعبة ونجد أن الشعب خائف ومرتعد ولا يستطيع الاقتراب. أما في العهد الجديد نجد أن الجميع مجتمعين في العلية والروح القدس يحل عليهم في شكل ألسنة نار ويسكب الحب في قلوبهم ويعطيهم سلاماً يفوق كل عقل. ونلاحظ أن نفس المنظر الذي أرعب الشعب هو نفسه الذي جذب موسى للدخول إليه فموسى كان يحب الله والمحبة تطرد الخوف إلى خارج؟
العدد 22- 23:
الله يريدنا أن نرفع عيوننا للسماء ولا ننظر للأرض. فلا شبيه له ولا للسماء.
العدد 24- 26:
في العبادات الوثنية كان يهتم العابدين بشكل المذبح الخارجي وقيمة مواده التي تلفت نظر العابدين، كما لفت نظر أحاز الملك مذبح الوثنيين فصنع مثله. أما شعب الله فكان يحب أن يتجه تفكيرهم إلى الله ذاته فكان شكل المذبح متضع وبلا منظر خارجي ملفت. وهكذا كان صليب المسيح "لا منظر له ولا جمال فنشتهيه" (أش1:53-3). ولا معنى للزخارف والمسيح مصلوب متألم. ولا قيمة لعبادة لا تقوم على أساس الصليب (حمل الصليب كتلميذ للمسيح وصلب الأهواء مع الشهوات) وتحريم الإزميل في نحت الحجر: معناه أن الله يرفض الصنعة البشرية ومبتكرات الذهن الطبيعي في العبادة بدعوى تزويق العبادة. ولنلاحظ أن عمل أيدينا ما هو إلا دنس. ولا يصعدون بدرج: فكان المذبح في مستوى الأرض يقترب إليه كل إنسان. وكان الوثنيون يظنون أنهم كلما ارتفعوا يقتربون لآلهتهم فيرضونها فتستجيب لهم لذلك كانوا يعبدون على المرتفعات. ومعنى الدرج في المفهوم البشري أن الإنسان يحاول أن يصعد ليقترب من الله ولكن المذبح في مفهوم الله أنه هو نزل ليقترب من البشر. وكل محاولة للإنسان أن يقترب لله بدون دم المسيح كانت تزيد من إنكشاف عورته وافتضاح داخله وخطيته ونجاسته أمام الله. والله يريدنا لا أن نمتنع من أن نقترب إليه بل أن نفهم أن كل محاولة للإقتراب إليه بدون دم المسيح هي بلا فائدة.

إذاً مواصفات المذبح هي شرح لأهمية صليب المسيح منه نقترب إلى الله بل به اقترب الله إلينا. ومصنوع بحجارة طبيعية أي صنعة الله ولا يستخدم فيها إزميل أي لا يدخل في تشكيلها مجهود بشر فالمسيح تجسد في بطن العذراء بدون زرع بشر. والمذبح مصنوع من تراب لإعلان حقيقة تجسد المسيح فالمسيح شابهنا في كل شئ وأخذ شكل جسد بشريتنا الترابي وبهذا الجسد تقدم إلى الصليب. وعلينا حتى نقترب من فهم سر الصليب ونقترب من الله أن لا ننتفخ بل نقول صلب العالم لي وأنا للعالم، نتواضع بذهننا ولا نرتفع ونتكبر كمن يصعد على درج فمن يتكبر وينتفخ ويحاول الاقتراب إلى الله معتمداً على أعماله تنكشف عورته. ولا سبيل للاقتراب سوى بدم المسيح. وهذا ختام مناسب للوصايا وللمنظر المرعب الذي رأوه (آيات18-21) فمن يفشل في تنفيذ الوصايا فبالمذبح أي بالصليب يقترب إلى الله.
أعلى