لقب والدة الإلــــــه
على ما يقول المؤرخ سقراط (2) عن نسطور : " أنه أخذ يندد فى مواعظة بتلقيب مريم العذراء بـ " والدة الإله " ولم يكن هذا اللقب أمراً جديداً فى الكنيسة فقد نص عليه الكتاب المقدس بعهديه :
** قال أشعياء النبى : " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ " (أش 9: 6) وما دام المولود إلهاً فوالدته تدعى بحق والدة الإله .
** وقالت أليصابات عند لقاء العذراء مريم : " فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ " ( لوقا 1 : 43) وأم الرب ووالدة الإله بمعنى واحد .
** ثم أن مريم العذراء دعيت فى مواقع كثيرة من العهد الجدبد أم يسوع ( أع 1: 14 ) و ( مرقس 3: 31 - 32 ) و ( يوحنا 19 : 25 , 26 )
** وليس ثمة فرق بين أم يسوع ووالدة الإله ما دام يسوع هو الإله الظاهر فى الجسد - " وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: الإِلهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَد .. ) ( 1 ـى 3: 16 )
** وقد عرفت مريم بوالدة الإله فى الليتورجيات لاقديمة كما ذكرها بهذا اللقب آباء الكنيسة الأوائل ومنهم : أوريجينوس , والأسكندر بابا الإسكندرية 19 , ويوسابيوس القيصرى المؤرخ ( فى كتابه تاريخ الكنيسة ك 5 : ف 3 ) والقديس أثناسيوس الرسولى فى خطبه ضد الأريوسيين خطبة 3 ف 33 , والقديس كيرلس الملقب بعمود الدين ( فى كتابه 10 - 19) وغيرهم
وقد قام أناستاسيوس ( قسيس وتابع لنسطور ) يقول فى عظاته : " لا يجوز لأحد أن يدعوا مريم.. والدة الإله لأن مريم لم تكن إلا إمرأة ومن المستحيل أن يولد إله من أمرأة "
فأثار بأقواله هذه مشاعر المؤمنين , ومن ثم أصبح هذا اللقب يميز المؤمنين من الهراطقة .
إن تلقيب مريم بوالدة الإله هو تكريم لها هى جديرة به , وهو على ما أسلفنا يطابق نصوص الكتب المقدسة وأقوال الآباء , ولكن رفض نسطور لهذا اللقب ليس لمجرد أهانة لمريم العذراء , أو سحب كرامة منها وإنما بحمل معنى أبعد من هذا وذلك أن لقب والدة الإله كما يظهر من التعبير اليونانى يركز الإنتباه أولاً على لاهوت المولود من لاعذراء أكثر مما يوجه النظر إلى كرامة العذراء نفسها وهذا معناه أن المولود من مريم هو الإله المتأنس , وان ابن الإله لم يفقد بشأنه شيئاً من اللاهوت الذى كان له منذ الأزل ثم أن هذا التعبير " والدة الإله " يوضح حقيقة أخرى أن المولود من مريم لابد أن يكون له كل ما للأنسان فناسوته حقيقى , ليس خيالاً , ولقد ولد وهو الإله المتأنس ولادة حقيقية , ولم تكن ولادته خيالية أو ظاهرية .
ولكن سميت مريم العذراء بأم الإله , وأم النور الحقيقيى , كما جاء فى مقدمة قانون الإيمان النيقاوى , إلا أن التعبير " والدة الإله " أكثرها وضوحاً فى بيان أن العذراء مريم حملت فى أحشائها الإله المتأنس وأنها ولدته أو خرج من بطنها , فهى إذاً أصلاً للاهوت أو مصدراً له حاشـــــا , إذ هى مخلوقة به , لكنها حملته ثم ولدته فهى بحق تدعى والدة الإله بهذا المعنى , وبهذا المعنى عينه تفهم الألقاب الأخرى مثل " ام الإله " و "ام النور الحقيقى " وما إلى ذلك .
====================
المــــــــــراجع
(1) لنسطور عظات لا تزال باقية فى الترجمات اللاتينية فى مؤلفات ماريوس ميركاتور Marius Mercator وهو أغريقى أرثوذكسى مدنى (علمانى ) كان فى القسطنطينية فى زمن نسطور وكان مهتماً إهتماماً بالغاً يالنزاع القائم حول هذه الموضوعات , خمس من هذه العظات ضد تلقيب مريم بوالدة الإله adv. dei genetricem Mariam وأربعة منها ضد هرطقة بيلاجيوس adv. dei haresim pelagionam أما مؤلفات نسطور الأخرى فقد أبيدت ولم يبق منها شئ غير شذرات وردت كإقتباسات فى كتابات معارضيه مثلاً فى أعمال مجمع أفسس وفى كتابات كيرلس ألسكندرى خاصة كتبه الخمسة التى كتبها ضد تجديف نسطور رداً على حروم كيرلس الأول , فلم تبق إلا فى ترجمة ماريوس السالف الذكر .
(2) فى كتابه تاريخ الكنيسة 7: 32 Genetrix
والدة الإله أو ثيوطوكس مصطلح لاهوتي يطلق على السيدة العذراء الدائمة البتولية.
تاريخ استعمال الكلمة:
تم الاعتراف بهذا المصطلح في المجمع المسكوني الثالث على أنه مصطلح صحيح 100% ويجب أن يطلق على العذراء مريم الكلية القداسة.
* يقول بيرسون "إن الكنيسة اليونانية هي أول من استعمل هذه العبارة بسبب سهولة التركيب في لغتها فدعتها {والدة الإله العذراء المباركة}"
* ويقول أيضاً أن اوريجانس العلامة هو أول من بحث في معناها مطولاً في مجلده الأول تفسيراً للرسالة إلى الرومانيين كما يشهد بذلك سقراط وليبراتوس.
* وقد استعلمها الكسندروس بابا الإسكندرية في رسالة سنة 320 في المجمع الذي التأم للحكم على بدة آريوس، أي قبل مجمع أفسس بأكثر من مئة عام.
* وقد استعملها القديس كيرلس الأورشليمي في القرن الرابع (التعليم المسيحي 10: 9).
* استعملها أثناسيوس الكبير في عظة له ضد الآريوسيين (3: 14 29 و33 وعظة 4: 32 ). انظر أيضاً افسابيوس (3: 43).
* غريغوريوس النزينزي لعن من لا يعتبر مريم أم الله
العذراء والدة الإله ما يثبت ذلك البردية التي اكتشفت والتي مكتوب فيها صلاة من منتصف القرن الثاني "تحت ظل حمايتك نلتجئ إليك يا والدة الإله " وهذا وُجد مستعمل في الطقوس والصلوات التي يرفعها المسيحيون إلى العذراء ولاسيما في تلك الأوقات العصيبة فهي أول وثيقة تثبت لقب والدة الإله.
وفي مدرسة الإسكندرية استعمل هذا اللقب أوريجانوس وكيرلس وأثناسيوس الذي تم استعماله ضد البدعة الأريوسية التي أنكرت لاهوت المسيح فأثبتت ألوهية المسيح ولقب العذراء باسم أم الله .
كذلك غريغوريوس الترنيزي يقول " من لا يعترف بأن مريم هي أم الله فهو منفصل عن الله" وكان هذا سنة 428م أي في القرن الرابع وذلك قبل مجمع أفسس، وفي بداية القرن الخامس كان نسطور كاهن في أنطاكية (سوريا حالياً) استعمل بدلاً من ثيئوتوكس ( أي والدة الإله ) كلمة كريستوكوس ( أي أم المسيح ).
القديس يوحنا الدمشقي "أنها بالحقيقة وبالمعنى الخاص الحقيقي أم الله وملكة فهي تملك على الخلائق، لأنها خادمة الخالق وأمه" في الإيمان المستقيم.14:4
القديس أغسطينوس :_ " ومن ثم نعلم كيف أعطيت من النعمة للتغلب على الخطيئة من كل الوجوه تلك التي استحقت أن تحمل وتلد ذلك الذي لم يثبت عليه خطيئة قط" في الطبيعة النعمة 42:36
عن القديس توما عن حقيقة امتلاء مريم بالنعمة وفق الشعار القائل "يزداد الشيء من مبدأه كسباً ما زاد منه تقرباً" ولما كانت مريم من حيث أنها أم المسيح الإله أكثر الخلائق تقرباً، فيزيقياً وروحياً من المسيح، الذي هو بذاته كإله، وآلياً كإنسان، مبدأ النعمة وجد نتيجة لذلك، أن تكون مريم قد حصلت على أكبر نصيب من النعمة. وأن دعوة العذراء إلى أن تصير أم ابن الله لتقتضي وفرة من النعمة خاصة ق توما 3/5:27.
ق كيرلس الإسكندري ضد نسطور :- "من لا يعترف بأن عمانوئيل (المسيح) هو إله حقاً وأن العذراء القديسة هي لهذا السبب،ولدت الله حقاً، لأنها ولدت بحسب الجسد، الكلمة المتجسد المولود من الله فليكن محروماً"
إن مريم ليست والدة اللاهوت أو الناسوت وإنما والدة الابن الذي هو الله، فهي لم تلد الإنسان الذي اتحد فيما بعد بالله بل ولدت ابن الله المتجسد، فهي أم المسيح الشخص وليست أم جسده فقط، وهذا الشخص هو شخص إلهي.
يقول أوريجانوس:- كل مسيحي كامل لا يحيا هو بل المسيح يحيا فيه. ولما كان المسيح هو الذي يحيا فيه، قيل أنه لمريم فوق ما هو لنفسه ، هوذا ابنك المسيح"
"النص الذي يقول: "الله ظهر في الجسد يؤكد أنه ليس إثنان في المسيح الله الذي ظهر في الجسد بل واحد فقط هو الله المتجسد. فالمسيح الذي يقول عنه بولس الرسول: "الله ظهر في الجسد كان يحمل الطبيعة الناسوتية في نفس الوقت. ولكن لأن الطبيعة الناسوتية اتحدت بالطبيعة الإلهية اتحاداً جوهرياً كاملاً قيل الله الواحد ظهر في الجسد. ومن حيث أن المسيح واحد لا إثنين. لم يتغير عما كان قبل التجسد فلذلك لم يحدث إطلاقاً تغيير في الثالوث القدوس الإله الواحد"