تفسير إنجيل القديس يوحنا للأب متى المسكين

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
ثالثا: النهاية (16:19-42)

‏في هذا الجزء من رواية المسيح يختص إنجيل يوحنا ببعض الوقائع، التي لم يذكرها أحد غيره مم الإنجيليين:
‏( أ ) الإصرار عل كنابة العنوان (20-22).
‏( ب ) الوصية الأخيرة بخصوص والدته العذراء القديسة مريم والتلميذ المحبوب (28-30‏).
(ج ) الطعن بالحربة في جنب المسيح وخروج الدم والماء (31-37‏).
‏( د ) خدمة نيقوديموس للجسد (39-42‏).
‏( ه ) يوحنا شاهد عيان حى الآية (35).
‏وينقسم هذا الجزء من الإنجيل إلى العناصر الأتية:
1 _ الصلب (16-22).
2- المرافقون للصليب (23-27).
‏3_ النهاية: «قد أكمل» (28-30)
4- طلبان يقدمان إلى بيلاطس، يستجيب لهما في الحال (31-42‏).
‏ويلاحظ في رواية يوحنا يوحنا أن أسلوبه يتميز بالتلميح المستمر لتكميل ما قيل بالأنبياء في العهد القديم، سواء من جهة النبوات أو تحقيق الصور(24 و28 و36 و37‏)، رافعاً المسيح إلى مرتفع المجد، فوق مجرى حوادث الآلام. مؤكداً إرادة الله والمسيح في كل ما يحدث، وبصورة خامة، يقف عندها القديس يوحنا وقفة استعلان واشارة وتنبيه، عندما يطبع على الرب صورة «الحمل الفصحى» كمذبوح ومأكول.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
1- الصلب (16:19-22)
16:19 فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ, فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ

«أخذوه»: أي قبلوه منه, وهي نفس الكلمة التي جاءت في الأصحاح الأول «إلى خاصته جاء وخاصتم لم تقبله». وهكذا أسلوب القديس يوحنا في اختياره للكلمات يحمل وراءه الشرح والمقارنة والتهكم والاستعلان بطريقة غاية في الحذق، أو على الأصح غاية في الاستنارة. فاليهود لم يقبلوه من يد الله، ولا من الآباء, ولا من نبوات الأنبياء ليفرحوا به ويحبوه، ويصيروا به أبناء الله الحى؛ بل قبلوه من يد بيلاطس الوالي الأممي ليصلبوه، قبلوه كمدعي البنوة لله، وكمضلل الشعب ومفسد الأمة, بل وفاعل شر وكاسر الناموس, كمقاوم لقيصر، وهادم للهيكل, قبلوه ليسفكوا دمه ويشفوا غليلهم فيه ويقبلوا دمه عليهم وعلى أولادهم إلى الأبد!
‏تسلموا فريستهم وأسرعوا, فلم يعد من الزمن ما يكفي أن يواروه التراب قبل حلول السبت وهو العيد، حيث لا يحل بقاء أجساد معلقة على خشبة.
‏كانت لهفة ونشاط وتشفي اليهود الغيورين على اليهودية وعلى الناموس وعلى الحرف القاتل، متساوية تماما مع لهفة الجنود الرومان المتعصبين لغطرسة الجنس الروماني المتفوق المتعصب لسيادته، وكان كل منهما يسعى للفتك بفريسته!! «لماذا ارتجت الأمم... قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معآ على الرب وعلى مسيحه.» (مز1:2-2)
‏بيلاطس لم ينطق بنفسه بالحكم، كما تقتضي الأصول المتبعة في القضايا، وهذا نتحققه أيضاً من الأناجيل الثلاثة. فقد سلمه لرؤساء الكهنة ومضوا به (مت26:27؛ مر15:15؛ لو25:23). لقد حاول أن يختزل إجراءاته ضد العدالة، إلى أقصى حد ممكن. فكان مسوقاً في هذه القضية ضد إرادته . وهذا واضح غاية الوضوح في رواية إنجيل القديس متى: «فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً (محاولاته المتكررة لإطلاقه)، بل بالحري يحدث شغب, أخد ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلا: إني بريء من دم هذا البار، أبصروا أنتم. فأجاب جميع الشعب، وقالوا: دمنا علينا وعلى أولادنا.» (مت24:27-25‏)
‏فبهذا الإجراء وهذه السياسة التي سار عليها بيلاطس من أول القضية لنهايتها، أصبح اليهود وعلى رأسهم رؤساء الكهنة هم وحدهم المتحملين تنفيذ سفك الدم, بل وتنفيذ الحكم إرادياً, (لأن عسكر الرومان قاموا بالعمل) بمقتضى قانون غريب عنهم, أي الصلب، لأن الموت صلبا ليس في صلب الناموس، بل هو وسيلة رومانية وثنية.
‏كما يلاحظ القارىء المدقق، أن بيلاطس لم يقل «أسلمه إليهم ليصلب», كمن يعطيهم حق الصلب، بل النطق الوحيد فيما يختص بالصلب جعله بيلاطس مبنيا للمجهول وفاعله غير محدد « ليصلب». صحيح أنهم لم يصلبوه بأيديهم، ولكن هم الذين صلبوه, وانما بأيدي الأمم, وهي أيدي أقوام أثمة: «وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه» (أع23:2), «ورئيس الحياة قتلتموه... ونحن شهود لذلك.» (أع15:3).
‏ولكن كما سبق وقلنا، فإن كلا من اليهود وبيلاطس مدانان بالخيانة للحق والقانون والعدالة، وبالتالى لله!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
17:19 فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ».

«خرج»: «فقال الرب لموسى: قتلاً يُقتل الرجل. يرجه بحجارة كل الجماعة خارج المحلة.» (عد35:15) - «فأخذ إبراهيم حطب المحرقة, ووضعه على إسحق ابنه. وأخذ بيده النار والسكين.» (تك6:22‏)
‏خرج خارج المدينة, فمكان المحاكمة كان قريباً من الباب الشمالي الغربي المؤدي إلى خارج المدينة، حيث مكان الصلب.
‏ولكن في كلمة «خرج» معاني روحية التقطها القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين: «فإن الحيوانات التي يُدخل بدمها عن الخطية إلى الأقداس، بيد رئيس الكهنة، تُحرق أجسامها خارج المحلة. لذلك، يسوع أيضاً، لكي يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب. فلنخرج، إذاً, إليه خارج المحلة, حاملين عاره (الصليب)، لأن ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة.» (عب11:13-14)
‏طريق الآلام : هو الطريق الذي سار فيه المسيح وهو حامل صليبه من أمام قلعة أنطونيا، أي دار الولاية, من المرتفع الذي يقال له جباثا، أي البلاط, ماراً بشوارع المدينة، حيث استقبلته النسوة بالبكاء والنواح، ليس على مستوى المعرفة والروح، بل من منظره الذي كان يستدر الدموع من الصخور, لو عزت دموع الإنسان. ولكن المسيح أبى بثمدق أن يُبكى عليه وهو مصدر الفرح السماوي الذي لا يؤول إلى حزن: «وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كن يلطمن أيضاً و ينحن عليه. فالتفت إليهن يسوع وقال: يا بنات أورشليم, لا تبكين علي، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن، لأنه هوذا أيام تأتي يقولون فيها: طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد، والثدى التي لم ترضع ... لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس» (لو27:23-31).
‏والذي يلفت النظرى أنه لا يزال في كل يوم جمعة، وقبل الفصح، كل سنة, وحتى اليوم, يُقام احتفال بمسيرة في طريق الآلام عينه، حيث تسير نفس الجموع ويشكل النساء فيها الجزء الأعظم, وبكاؤهن لم يجف. وتقف المسيرة في أربع عشرة محطة, بعضها مأخوذ اسمه من الكتاب المقدس، والآخر من التقليد، وينتهي طريق الآلام الآن عند كنيسة القبر المقدس حيث تقام صلاة احتفالية كبرى بواسطة آباء الفرنسيسكان.
«حامى صليبه»: حينما حمل المسيح الصليب، اختفى مفهوم الصليب من العالم كأداة للموت والتعذيب؛ وحل محل هذه الصورة المرعبة المفهوم الجديد للصليب، كرمز الإيمان والرحمة والرقة والبذل والإسعاف والحب والسلام والقداسة والكرامة والمجد؛ يحمله الأطفال للفرح، ويحمله الشباب للنصرة الأخلاقية، وتحمله النساء للعفة والطهارة, ويحمله الرجال للحكمة والكمال، ويحمله الرهبان كسلاح على الصدر والظهر، ويحمله الشيوخ كغلبة على العالم, ‏تحمله الهيئات للرحمة المجانية، ‏وعلامة الإسعاف في المخاطر والإنقاذ المجاني، كأعلى ما بلغت إليه المشاعر الإنسانية، وترفعه الجيوش علامة لوقف القتال وطلب الصلح والسلام، ويحمله الملوك مرصعاً في تيجانهم للكرامة والمجد. وصار للصليب عشرات الأشكال ومئات الألوان, وصار هو الوحدة الزخرفية المفضلة لتكميل كل الفنون.
كان يئن تحت ثقله, وهو الحامل كل شيء بكلمة قدرته. عرقه يتصبب ويتساقط من جبينه، وهو مسخن, فكان يتقطر ممزوجاً بالدم، من الأشواك المغروسة حول رأسه، لم يذق طعاماً ولا ماء ولا نوما منذ عشاء الخميس. الظهر متورم وجروحه تنزف, والوجه متألم من اللطم، والرأس مرضوض من الضرب، والمهانة أحنت نفسه فيه، وبلغ به الحزن حتى الموت قبل الموت! «تطلعوا وانظروا, إن كان حزن مثل حزني» (مراثي12:1)، «نفسي حزينة جداً حتى الموت!!» (مت38:26). لقد سبق أن أحسها قبل أن تأتي عليه!!
‏الدوار ألم به، عيناه لم تعودا تنظران الطريق، موجات الوجع تلو موجات، ونوبات من الرعدة العصبية تسري وتعصف بالجسد، «من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وأحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت» (إش6:1‏)، هاوية ليس لها قرار، يشيعه إليها جمهور الشامتين!!
‏«إن المياه قد دخلت إلى نفسي, غرقت في حمأة عميقة وليس مقر، دخلت إلى أعماق المياه, والسيل غمرني، تعبت من صراخي, يبس حلقي, كلت عيناي... ، أكثر من شعر راسي الذين يبغضونني بلا سبب, اعتز مستهلكي أعدائي (فوقي) ظلماً, حينئذ رددت الذي لم أخطفه, ... لأني من أجلك احتملت العار، غطى الخجل وجهي، صرت أجنبياً عند إخوتي...، وتعييرات معيريك وقعت علي...، نجني من الطين فلا أغرق، نجني من مبغضي ومن أعماق المياه، لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العمق، ولا تطبق الهاوية علي فاها...، أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي, قداقك جميع مضايقي، العار قد كسر قلبي فمرضت، أنتطرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد.» (مز1:69-20)
‏من دار حنان إلى دار قيافا، إلى دار هيرودس، إلى دار الولاية، من الداخل إلى الخارج، ومن الخارج إلى الداخل، مهانة تلو مهانة، ومن تعذيب إلى تعذيب، مصنفات من الضرب والتنكيل والفضيحة صنفتها قلوب رؤساء وخدام وجنود، أعظمهم من لم يعرف الرحة، وأقلهم وُلد فيها. جمعتهم جميعا قسوة الإنسان، وحركتهم طاعة الشيطان!
سار حاملاً عار الصليب، محمولاً بمجد الله، منحنيا تحت ذلة الخطاة، شامخا بعمل الخلاص. في الهيئة كإنسان، مُعسر فيه رؤساء اليهود، فقتلوه؛ وفي الحقيقة هو ابن الله، فارتاع منه قاضي الرومان، وعمل على إطلاقه. «‏لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم, حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون» (يو39:9). لاهوته لم يفارق ناسوته، ليكمل ناسوته أشنع صنوف الألم والذبح، لنبلغ بهما الخلاص!
‏النسوة لم يحتملن منظره، فتوجعن، ولطمن، ونحن؛ «أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن» (إش10:53)، وأما نحن فنعبده حاملاً الصليب ونسجد لجسده الممزق ودمه المسفوك، ونقبل جروحه التي بها شفينا وحيينا. ضعفه صار لنا قوة، وانحناؤه صار لنا استقامة، وسقوطه تحت الصليب صار لنا قيامة. خطواته على طريق الآلام صارت لنا طريقاً نعبر به من الضيق إلى السعة، ومن هوان الأرض إلى مجد السماء. فإن كنا نبكي، نبكي على خطايانا، التي حملته ثقل هذه الآلام، وكن حزننا حتما يتحول إلى فرح للخلاص.
«إلى الموضع الذي يقال له موضح الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة»: لقد اخترق الموكب، والمسيح في المقدمة, المسافة من دار الولاية (قلعة أنطونيا) حتى إلى ما بعد باب سور المدينة الشمالي الغربي الذي يدعى باب دمشق, وقديمأ كان يسمى «باب إسطفانوس», لأن خارج هذا الباب رجموا الشهيد الأول للمسيحية. أما بعد خروج المسيح من باب المدينة فكانت الحقول المتاخمة وطريق رئيسي، وهنا وبحسب رواية القديس مرقس، ثقل حمل الصليب على الجسد المنهك: «فسخروا رجلأ مجتازاً (نحو المدينة) كان آتيأ من الحقل وهو سمعان القيرواني، أبو ألكنسدروس وروفس، ليحمل صليبه»(مر21:15)، وفي إنجيل القديس لوقا: «رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كن يلطمن أيضاً وينحن عليه» (لو26:23-27)
‏عندما نزل المسيح من فوق جبل الزيتون داخلاً الى أورشليم, بكى عليها لأنها لم تعرف زمان افتقادها. والآن, وهو خارج منها, هم يبكون لأنهم لم يعرفوا أن هذا هو زمان افتقادهم.
«موضع الجمجمة»: تقول المصادر التقليدية أن هذا الاسم يرجع إلى أن جمجمة أدم كانت مدفونة هناك. ويرجح العلماء أن هذا الاسم هو صفة لشكل المرتفع الذي كان يتم فوقه عمليات الصلب، إذ أن شكله الجغرافي (الأرضي) يشبه الجمجمة.
‏وكان الموضع خارج باب المدينة وبالقرب منها، على بعد دقائق: «لأن المكان الذي صُلب فيه يسوع كان قريباً من المدينة» (يو20:19)، وكان المكان بقرب مدافن أخرى وعلى الطريق الرئيسي. وتقول أحد المصادر اليهودية أن هذا المكاذ بالذات كان مخصصا للرجم، وفيه توجد «مغارة إرميا». وكاذ المسطح المرتفع شيه هضبة، ولها شكل الجمجمة، تعلو قليلاً من الأرض المجاورة، حيث يوجد بستان، وفي البستان صار أقدس مكان على الأرض، مغارة جديدة منحوتة، هي التي استودع فيها يوسف ونيقوديموس الجسد الطاهر، وربما كان يملكها القديس يوسف الرامي كما سيجي ذكره.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
18:19 حَيْثُ صَلَبُوهُ وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ.

«وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب، وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلص آخرين, وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. قد اتكل على الله فلينقده الآن، إن اراده، لأنه قال: انا ابن الله.» (مت39:27-43)
«فأرى الدم وأعبر عنكم، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك» (خر13:12)
القديس يوحنا يعبر على صلب المسيح عبوراً ، يذكر «الكلمة» فقط دون أي مزيد من الوصف أو التوضيح, إما لفظاعة الآلام, أو لرعبة المنظر، أو حتى لتعيير المعيرين، تماماً كما عبر على حادثة الجلد بذكر الكلمة فقط، مع أن الصليب هو قمة الحوادث كلها وقمة الآلام كلها .
‏والرومان هم وحدهم الذين جعلوا هذا العقاب على مستوى المجرمين الخطرين، وخصصوه بالأكثر للعبيد، وكانوا ينكلون بالمحكوم عليهم شر تنكيل. ويقول الخطيب شيشرون الروماني عن عملية الصلب: (إنها قسوة ورعب).
‏وللأسف كانت رجل اليهود قد انزلقت في استخدام هذه العقوبة قبل ذلك. فالمعروف في التاريخ، أن رئيس الكهنة ألكسندر حناؤس، سنة 88 ق.م صلب 800 شخصأ في وقت واحد. ولما جاء الإمبراطور قسطنطين الأول وقبل الإيمان المسيي، ألغى الحكم بالصلب وانتهى نهائياً من العالم بمنشور تحذيري.
‏لقد ورثت الكنيسة القبطية هذا المنهج الروحي الميتافيزيقي في التعبير والتصوير عن الصلب والألام. فمن أجل التقاليد القبطية المعروفة التي عبرت عنها بالتصوير، بإحدى الأيقونات القديمة, لصلب المسيح، أنها صورته وهو بكامل ملابسه, وليس بحالة العري كما يظهر في الصور الأجنبية التي دخلت خلسة إلى الفن القبطي بعد ذلك. كذلك، فإنه محظور في الفن القبطي التعبير عن آلام الشهداء بالتصوير. فأي صورة لأي شهيد، مهما كان نوع استشهاده، تصور والشهيد لابس ملابس بيضاء وعلى رأسه إكليل مرصع، وفي يديه سعفة نخيل رمز النصرة، دون أي إشارة فنية عن الألم الذي جازه. لأن الصلب لا يرى عند الروحيين، أو بالعين الروحية، في إطاره الجسدي المحدود, بل يُنظر بالمنظر المعقول أنه «موت لفداء» و«ألم لخلاص» و«بذل لحب» و«وضع للنفس لقيامة». وهكذا يمتنع، بحسب الفكر اللاهوتي السليم, أن يُنظر للصليب نظرة جسدية محصورة ومتوقفة فقط عند الآلام والعذاب, بل لا بد من الانطلاق بها فوراً لرؤية القيامة الكائنة فيه والحياة والغفران والمجد وبهجة الخلاص، حتى إن الكتاب المقدس نفسه عبر عن حادثة الصلب بالمجد: « ... لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد» (يو39:7)، أي لم يكن قد صُلب.
‏وفي الحقيقة، نجد أن تراث الغرب التقليدي هو الذي يتمادى جداً، بل ويتوقف كثيراً عند الإحساس بالصليب، والحياة في آلامه، والتأمل في تعاذيب المسيح, وعبادة قلبه المطعون وجروحه الخمسة. أما التراث الشرقي فيحيا القيامة ويتوقف عندها كثيراً، ولا يرى الصليب إلا في نور القيامة. والى الآن كثير من الشرقيين، تحيتهم التقليدية اليومية وعلى مدار السنة هي : «أخرستوس آنستى» أى «المسيح قام».
«وصلبوا اثنين آخرين معه, من هنا ومن هنا, ويسوع في الوسط»: «ما هذه الجروح في يديك؟ فيتول: هي التي جُرحت بها في يت أحبائي.» (زك6:13)
«ثقبوا يدي ورجلى. أحصي كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسرن» (16:22-17‏)
‏يقول عنهما كل من القديس متى والقديس مرقس إنهما كانا لصين: «وصلبوا معه لصين واحداً عن يمينه وآخر عن يساره، فتم الكتاب القائل: وأحصي مع أثمة» (مر27:15-28)، ‏ويقول القديس لوقا إنهما: «صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره» (لو33:23)، وكلمة «مذنب» لا تفيد «مذنب» بل «مجرم» وغير إشارة إشعياء المشار إليها في إنجيل القديس مرقس، يجب الإشارة هنا أيضأ إلى المزمور 16:22 «جماعة من الأشرار اكتنفتني (أحاطوا بي)».
‏ويختص القديس لوقا وحده بسرد الحديث الذي دار بين اللصين وخاصة كلام اللص التائب: «أو لا أنت تخاف الله» (لو40:23)، وعجبي هنا على اللص الذي يخاف الله!! ثم بين التائب والمسيح الذي قال للمسيح: «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك» (لو42:23)، وهي المقطع المحبوب الذي تسبح به الكنيسة في يوم الجمعة العظيمة أو الحزينة، ساعة ذكر الصلبوت, وتردده مرات ومرات, وكأن كل متعبد ينطق بلسان هذا اللص الطوباوي الذي سرق ملكوت السموات بعد سرقة العالم، ولكن كان فيه بارقة من خوف الله، قادته إلى التوبة. والكنيسة تناجيه أنه «الحلو اللسان والمنطق», ثم توازن بينه وبين الذين عاشروا المسيح وتأملوا مجده على الجبل المقدس، وكيف أعوزهم هذا الإيمان وقت المحنة؛ وتقارن بينه وبين بطرس التلميذ المقدام، صاحب السيف المسلول, والذي سمع الصوت آتيا من المجد الأسنى: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا» (مت5:17‏)، كيف أنكر بينما اللص آمن واعترف به وهوع لى الإقرانيون!! وفي التقليد القبطي يقال أن اسم هذا اللص «ديماس», وقد رد المسيح عليه, فاستجيبت طلبته في الحال: «الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس» (لو43:23‏), مما يوضح لنا بأجلى بيان، أن بالصليب افتتح المسيح الفردوس المفقود، واسترده لحساب الإنسان. وأن أول قدم وطئته كانت هي قدم هذا اللص الطوباوي «ملك التائبين» يسير وراء «ملك المجد». وكان هذا إيذاناً بدخول أفواج الخطاة التائبين من كل لسان وأمة وشعب!!
‏وفي الحقيقة تقدم الكنية القبطية هذا الفصل الكنسي رسمياً، مسنوداً بالألحان من الخورس على مدى وقت ليس بقليل، كدرس تعبيري ذي وزن عال، من جهة معنى انفتاح القلب بالإيمان البسيط الذي يورث الحياة الأبدية. الإيمان الذي لا يقوم على براهين ونصوص ومعرفة وعلم. فاللص، وهو في أشد محنته، آمن بالمسيح المصلوب معه، وهو على مستواه في نفس المحنة والمهانة وقسوتها! لا تعليم ولا إغراء ولا فهم ولا منطق, فهي ومضة من النور الحق، انفتح لها قلبه فرأى المسيح في مجده وفي مجيئه الآتي في ملكه. فنطق الفم, كان كما أحس القلب. كيف اشتهى أن يذكره المسيح مجرد ذكر وهو آت في مجد ملكوته, فكانت له شهوته وأعظم, إذ رافق المسيح في رحلته لانفتاح الفردوس المغلق، ولم تذهب نفسه إلى الهاوية, فكان أول الغالبين للموت والناجين من الهاوية وراء المسيح, لأنه كان أول من آمن بالقيامة والمجيء الثاني.
‏وفي تقليد الإنجيل بحسب القديس لوقا، كان هذا النطق الملكي للمسيح على الصليب هو النطق الثاني، لأن الأول قال فيه: «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.» (لو34:23).
‏أما لماذا لم يذكر القديس يوحنا حديث اللصين معا, وحديث اللص مع المسيح ورد المسيح عليه، فيقول العالم والمؤرخ الكنسي إدرزهايم اليهودي المتنصر إنه يبدو أن القديس يوحنا, وبعد أن سلم بيلاطس المسيح للعسكر للصلب، انطلق بسرعة إلى المدينة وأحضر الأم العذراء القديسة مريم وأختهاه ومريم زوجة كليوباس ومريم المجدلية. فلم يكن يوحنا حاضراً بداية عملية الصلب ولا الأم القديسة, ولهذا لا نجد في إنجيل القديس يوحنا ذكرا لأي من التعييرات التي كان الشامتون يعيرون بها المسيح، سواء كانوا من رؤساء الكهنة أو الذين ساروا في موكبهم» فلم يذكر إنجيله شيئأ من ذلك قط, وهذا، بحد ذاته، يوضح لنا إلى أي مدى كان القديس يوحنا يعتمد على المشاهدة والسماع الشخصى في تسجيلاته.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
19:19 وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوباً: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ».

«عنواناً»: يلاحظ أن القديس يوحنا يستخدم الاصطلاح اللاتيني الرسمي. وكان من عادة الرومان أن يضعوا فوق رأس المصلوب لوحة بها اسمه وعلة صلبه، كما يتصح ذلك من إنجيل القديس مرقس وإنجيل القديس متى: «وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة هذا هو يسوع ملك اليهود.» (مت37:27)
‏ومن كلام القديس يوحنا يفهم العلماء, بحسب أصول اللغة, أنه يقصد أن بيلاطس كتب بنفسه هذا العنوان، ومن كلمة: «كتب» يفسرون أنه كتب هذا العنوان بعد أن شيعوا المسيح إلى المكان المعد؛ بل ويعتقدون أيضاً أن بيلاطس هو الذي أمر بصلب المسيح في ‏الوسط .
‏وعلى كل حال, سواء كتابة العنوان أو الوضع الذي صٌلب فيه المسيح, فبيلاطس عبر والى أخر لحظة عن المرارة والسخط الذي كان يشعر به طوال المحاكمة من اتهام اليهود، وخاصة لما ركزوا, بغير حق وبغير وعي, على كونه «ملك». فهو هنا ضرب سهمين في طلقة واحدة، فأصاب كرامة اليهود في الصميم، الأمر الذي احتج عليه رؤساء الكهنة بشدة، فقابل احتجاجهم بإصرار على ما كتب؛ والسهم الثاني ألغى به كل صدى لصراخهم من جهة استخدامهم هذا اللقب لتهديد بيلاطس لدى قيصر، فالآن «ملككم قد مات» وفرصتكم في الشكاية قد ماتت يضاً! ولكن لا يستبعد بعض الشراح أن بيلاطس كان يكن للمسيح شعوراً فائقا، أراد أن يعبر عنه.
‏وهكذا, وبالنهاية، حقق بيلاطس رغبة قيافا التي ظل يحلم بها ويعمل لها: «أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا تهلك الأمة كلها.» (يو49:11-50)ا
‏وهذه النبوة نفسها كانت، في وجهها المنظور لقيافا، أن يهلك المسيح هلاكاً لتنجو الأمة من الرومان، الأمر الذي أكمله بقتل المسيح بسكين الحقد والتشفي، وأهلك أمته، بحماقته، هلاكاً؛ لأنه لم يحسن الرؤيا ولم يفسر الحلم كدانيال المبارك، ولكنه كان كهامان الذي أعد الصليب ليصلب نفسه عليه.
‏أما في وجهها غير المئظور ليوحنا وللمسيح ولنا، فهي أن يقدم المسيح ذبيحة على مذبح محبة الله، فيقوم، لينجو من الهلاك من آمن من اليهود، ويخص العالم، ولا يهلك كل من يؤمن بهّ.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
20:19 فَقَرَأَ هَذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ.

‏يُعتقد أن الرضع الأصح كما جاء في بعض المخطوطات أن اللاتينية قبل اليونانية.
‏كان المكان لا يبعد عن سور المدينة أكثر من بضع دقائق، وكان على الطريق العام المؤدي إلى دمشق. فبطبيعة الحال قرىء من كثيرين» بل من عشرات الألوف، سواء الخارجين أو الداخلين إلى المدينة أو المسافرين نحو الشمال. ويلاحظ أن الوقت هو الفصح، وكان يؤم أورشليم عدة ملايين من اليهود الذين في الشتات من جميع أنحاء العالم, وبكل اللهجات واللغات. وهكذا حملوا معهم الأخباره وملأوا الدنيا ومهدوها للبشارة بالمصلوب الذي تعين بالقيامة من الأموات أنه ابن الله, ملك الملوك ورب الأرباب؛ حيث صار الصليب هو هو عرش النعمة الذي نستمد منه القوة والخلاص والحياة، بل وبه وبمن عليه، نملك معه.
‏أما ترتيب اللغة التي كُتب بها العنوان هنا، فهو بحسب التقليد الرسمي: أولاً اللغة الوطنية التي تخص البلد (العبرية)، ثم لغة الدولة الرسمية (اللاتينية)، ثم اللفة العامة (اليونانية). وفي الحقيقة، فإن هاته اللغات الثلاث توافق لغة «الدين» ثم لغة «المجتمع» ثم اللغة «الفكرية». وكأنما كان عمل الرومان حتى وفي صلب المسيح أن يمهدوا للكرازة بالمسيح على مستوى العالم بمستوياته الثلاثة: الدينية والاجتماعية والفكرية.
‏وكانت قد بدأت حركة تنوير العالم بكل ممالكه وفرض اللفة اليونانية على جميع البلاد، كلغة رسمية للتكلم بها، والتعامل مع الحكومات الرومانية المحلية. كما بدىء بشق الطرق العامة الرئيسية لتربط ممالك الدنيا كلها مع روما, ومن هنا جاء المثل المشهور: كل الطرق تؤدي إلى روما!, بل وعلى كل طريق وًضعت العلامات التي تدل على عدد الفراسخ التي تبعد عن قلب روما من أول الطريق حتى نهايته. كل هذه، كانت الدولة الرومانية جادة في تنفيذه، وكأنما كانت تمهد للكرازة بملكوت الله في العالم كله.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
21:19 فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ».

‏لأول مرة يكتب القديس يوحنا «رؤساء كهنة اليهود»، وكأنما يضعها القديس يوحنا في مستوى ملك اليهود.
‏لقد أدركوا في الحال، وربما قبل أن يُعلق العنوان على الصليب، أن بيلاطس قصد تسجيل تهمتهم على أنها حقيقة رغماً عن أنفهم. قابلوه محتجين وبلغة شبه آمرة: «لا تكتب», اللهجة التي قابلها بيلاطس بجفاء ظاهر وتعالي الحاكم الآمر.
‏ويلاحظ في المقابلة بين ما كتبه بيلاطس بخصوص كلمة «ملك» إذ وضع لها أداة التعريف ( أل) والنسب معاً لليهود: «الملك الخاص باليهود» ليجعل منه الشخصية الملكية الاول. فكان احتجاج اليهود وطلبهم أن يكتب «ملك» بدون أداة التعريف، ليعطوها صفة الإدعاء وليس الحقيقة: «قال أنا ملك». وكأنما أراد بيلاطس أيضاً, ومن جهة أخرى, أن يجردهم من طملقهم الكاذب، ونسبهم المزعوم لقيصر: «ليس لنا ملك إلا قيصر», ولكن لا هذا ولا ذاك!!.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
22:19 أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ».

إن تعالي بيلاطس في الرد وعناده في عدم التغيير، يعبر عن وقفة الحاكم الروماني المعتد بعمله الرئاسي. ولكن وراء صوت بيلاطس الحاكم، كان صوت الحكومة الأعلى التي تُملي ماذا ينبغي أن يكتب التاريخ، وماذا يسجل؛ لأن من فوق الصليب هذا، ومن تحت هذا العنوان عينه, طالب المسيح بملكه الحقيقي. فقد نصب المسيح نفسه على الصليب ملكاً بجدارة، إلى أبد الآبدين: «دُفع إلّى كل سلطان في السماء وعلى الأرض» (مت18:28‏). ولم تكن الكتابة التي كُتبت إلا إعلانا ثابتا أبديا، أملاه بيلاطس على كل ممالك العالم، ليسود ويملك على العالم, وبكل لغة! «ما كتبت قد كتبت», «أحتى الآن لا تفهمون.» (مت9:16‏)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
2- المرافقون للصليب (23:19-27)‏
23:19-24 ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هَذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ.

«إلهى إلهي لماذا تركتني ...، كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه، ويغضون الرأس، قائلين، اتكل على الرب، فلينجه، لينقذه لأنه سر به....., ‏كالماء انسكبت. انفصلت كل عظامي، صار قلبي كالشمع، قد ذاب في وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي ...، جماعة من الأشرار اكتنفتني، ثقبوا يدي ورجلتي، أحصى كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون في، يقسمون ثيابي بينهم, وعلى لباسي يقترعون» (مز1:22-18)
«العسكر»: هم عساكر الرومان، الذين تحت إمرة بيلاطس خاصة. بعد أن انتهوا من رفع المسيح، جلسوا تحت الصليب يقتسمون الغنيمة. ومن النص يبدو أن الجو كان بارداً، إذ أن المسيح كان يلبس أربعة أنواع من الثياب، منها ما كان على الرأس وحول الكتف, ومنها ما يدثر به فوق الجسد، ومنها الملابس الداخلية، وتحتها كان يلبس قميصا منسوجا نسيجا واحدا بغير خياطة. هذه كلها، جردوه منهاى وبقي ما يستر جسده فقط. لأنه وان كان الرومان قد اعتادوا أن يصلبوا ضحاياهم عرايا تماما (كما نرى تماثيلهم التي نحتها أشهر مثاليهم)، إلا أنه في الشرق، وعند اليهود، كان محظورا حسب الناموس أن يُعرى المحكوم عليه من كل ملابسه.
‏ويصف العلامة اليهودي المتنصر إدرزهايم بشيء من التفصيل، ومع ذكر الأسماء كل أنواع هذه الملابس.
‏كان عدد العساكر أربعة، فكان من السهل تقسيم الملابس الخارجية, وهي تنطق بالعبرية «لابوس»، أما القميص ‏فهو ثوب رئيس الكهنة، وهو قصير إلى الركب فقط: «وفي وسط السبع المنائر شبه ابن إنسان, متسربلا بثوب إلى الرجلين، ومتمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب» (رؤ13:1)، وهو, بحسب وصف إدرزهايم, ثمين جدا، وهو الذي يلبسه رؤساء الكهنة لأنه خاص بالنذيرين, وهو منسوج من أوله إلى آخره بغير قطع ولا خياطة. وهذا الطقس بدأ به موسى أيام خدمته, فكان يلبس مثل هذا الثوب الأبيض بدون خياطة، ويخدم به أمام الله.
‏وهكذا ذهب المسيح، كرئيس كهنة، بملابسه المستورة في الداخل إلى الصليب، ليباشر تقديم الذبيحة. ولأنه هو الحمل، نُزع عنه الرداء وهو صامت أمام من يجزه!!
‏«فقال بعضهم لبعض: لا نشقته, بل نقترع عليه لمن يكون»: لقد أطال الشراح قديماً وحديثأ الحديث عن هذا القميص، واتفقوا على أنه يمثل الكنيسة التي لا تنقسم، كقول القديس كبريانوس، الذي يضيف أنه «منسوج كلة من فوق»، أي أن وحدة الكنيسة مقررة ومعانة من فوق، من الله، وليس لإنسان أن يمزقها. ويزيد على ذلك العالم بولتمان, وهو غير تقليدي, فيقول على ضوء الأبحاث والتعاليم الرابية في التلمود وغيره، إن هذا الثوب هو مثل الثوب الذي صنعه الله لآدم، وأعطى مثله لموسى ليخدم به. ويقول آخرون، إنه مئل قميص يوسف الخاص الذي أعطاه له أبو علامة الحب، الذي نزعه من عيه إخوته ولطخوه بالدم، ثم ألقؤا قرعة على يوسف نفسه، يموت أولا يموت.
‏ولكن بهذه الأعمال التي كان يقوم بها العسكر في غير اكتراث، وبالمنظر الدامي أمامهم وكأنهم بلا شعور إنساني، كانوا مدفوعين، يوقعون أعمالهم على صوت داود النبي الآتي من وراء الزمان كلمة كلمة، كما قالها في المزمور الثاني والعشرين أعلاه.
«هذا فعله العسكر»: ‏لفتة لتأكيد الفعل: تقسيم الثياب والقاء القرعة، والفاعل «العسكر»، ورده إلى المستوى التاريخي والنبوي، بشىء من الضمان الشخصي كشاهد عيان.
‏ولا يفوتنا هنا، في أسلوب القديس يوحنا, كيف يوزع في ختام المشهد الأدوار التي قام بها كل فريق حسب نوع عمله، ويرده إلى النبوة الخاصة به، وكمن يوقع الحوادث على النبوات.
‏فالأول: بيلاطس (كملك) يكتب ما يخصه: «هذا هو ملك اليهود» إعلاناً للعالم كله.
والثاني: رؤساء الكهنة: «ينبغي أن يموت إنسان واحد عن الشعب»، وبهدمهم هيكل جسده، هدموا هيكل عبادتهم.
‏الثالث: اللص. قدم التوبة مُعلناً عن أول ثمرة للصليب: «اليوة تكون معي في الفردوس». وهو أول نطق ملكى من فوق عرش الخلاص.
‏الرابع: العسكر؛ اقتسموا ثيابه، وألقوا قرعة على القميص، اكتفوا من اللؤلؤة بصندوقها.
الخامس: النسوة؛ أتين ليقدمن مشاركتهن القلبية بعواطف النساء، كمندوبين فوة العادة عن البشرية التي في المسيح: «يا آمرأة».
‏السادس: التلميذ الذي كان يحبه؛ في صمت، قدم ما يجب أن يقدم من أمانة التلمذة للمعلم الذي «أحبهم إلى المنتهى».
‏السابع: المسيح يسوع؛ «يا أمرأة هوذا ابنك ... هذه أمك». البشرية التي في المسيح تُسلم الأمانة لمن يستحقها، وسر «الكلمة صار جسداً»، يستودعه المسيح للكنيسة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
25:19 وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ.

‏كان الذين يحيطون بالصليب نوعين من الناس: نوع العسكر الذين يقومون بوظيفتهم الكريهة، ومعهم رؤساء الكهنة والمعيرون، ومعهم جوقة الهتافة الملازمين لهم, يرددون أصواتهم، وربما بالثمن‏. .
‏أما النوع الثاني، فكانوا واقفين على بعد، في بدء عملية الصلب، ولكن بعد أن خفت جدة العملية وتفرق رؤساء الكهنة ومن معهم, لأن الساعة التاسعة كانت بالنسبة لهم من أحرج الساعات التي يتحتم عليهم أن يكونوا فيها داخل الهيكل يؤدون وظائفهم من جهة الصلوات واعداد خراف الفصح. فلما ابتعد الأعداء، اقترب الأحباء, وهن النسوة اللاتى أحضرهن يوحنا ووقف معهن يحرسهن.
‏وكن مجموعتين: المجموعة الأقرب للمسيح، وهن مريم الأم العذراء القديسة، وأختها. والمجموعة الثانية، مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية. هذا الترتيب والتفصيل بين الأسماء، أخذ به أكثر العلماء تدقيقاً, ومنهم العالم والأسقف وستكوت.
‏ويوضح لنا هذا الترتيب بالنسبة للنسوة الثلاث القديس متى هكذا: «وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل، يخدمنه، وبينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسى، وأم ابني زبدي, (مت55:27-56‏). فإذا طابقنا هذه الأسماء على الأسماء الواردة في إنجيل القديس مرقس: «وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد، بينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير، ويوسي وسالومة» (مر40:15). بهذه المقارنة يتبين لنا أن أم ابني زبدي هي سالومة. وهي التي جاء ذكرها في إنجيل القديس يوحنا مع القديسة مريم هكذا: «واختها», ونحن نعلم أسلوب القديس يوحنا في ذكر الأسماء، فهو يمتنع نهائيا في إنجيله عن ذكر اسمه أو اسم أمه، أو حتى اسم أم المسيح.
‏والأمر المحير للعلماء هو أن ذكر «مريم المجدلية» يجىء هنا مفاجأة باعتبارها شخصية معروفة دون إشارات سابقة! أو أي تفسير.
‏و يلاحظ أيضأ أن القديس يوحنا حرص على وصف مريم أنها زوجة كلوبا, بدل أن يقول مريم أم يعقوب ويوسي, لئلا يظن من جهة «يعقوب» أنه أخو القديس يوحنا. كذلك نجد أن القديس مرقس حرس أن يصف يعقوب بالصغير، لئلا يُظن أنه يعقوب أخو القديس يوحنا. لأنه كان يوجد شخصان باسم «يعقوب», واحد منهما، وهوالأكبر سناً هو يعقوب ابن زبدي، أخو القديس يوحنا. كذلك، ولأن القديس متى أورد اسم «ابني زبدي»، فلم يجد ضرورة أن يصف يعقوب بـ «الصغير».
‏والملاحظ كذلك أن القديس يوحنا يسلك في ترتيبه لذكر الأسماء سلوكاً إنجيلياً واعياً، فيجعل القديسة مريم الأساس, ويضيف إليها «أختها» إضافة دون أن يذكر اسمها لأنها أمه, ولأنه يبدو أن القديسة مريم العذراء لم يكن لها إلا أخت واحدة, هي أم يوحنا.
‏وبعد ذلك، يذكر مريم الأخرى زوجة كليوباس، وآخر الكل يضع مريم المجدلية، مع أن كلا من القديس متى والقديس مرقس يضعها في المقدمة لما كان يبدو أنها ذات أهمية وتقوى كثيرة بين النسوة.
‏ويقول كل من «وستكوت» و«هنجستبرج» و«إدرزهايم»، ومعهم شراح كثيرون، أن كلوبا أو كليوباس، هو حلفائوس أو «حلفى» الذي ورد اسمه في إنجيل القديس متى، كوالد لأحد التلاميذ المدعو يعقوب، المدعو هنا بالصغير: «فيلبس وبرثولماوس توما ومتى العشار يعقوب بن حلفى ولباؤس الملقب تداوس.» (مت3:10‏)
‏أي أن المريمات الثلاث اللاتي كن عند الصليب، هن: مريم القديسة العذراء أم المسيح، ومريم أم يعقوب الصغير أحد التلاميذ وهي زوجة كلوبا أو كليوباس، ومريم المجدلية.
‏وفي نهاية عملية الصلب وانفضاض معظم الملتفين حول الصليب، تسنى للعذراء مع القديس يوحنا الاقتراب من الصليب فصارا في مواجهة المسيح.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
25:19 وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ.

‏كان الذين يحيطون بالصليب نوعين من الناس: نوع العسكر الذين يقومون بوظيفتهم الكريهة، ومعهم رؤساء الكهنة والمعيرون، ومعهم جوقة الهتافة الملازمين لهم, يرددون أصواتهم، وربما بالثمن‏. .
‏أما النوع الثاني، فكانوا واقفين على بعد، في بدء عملية الصلب، ولكن بعد أن خفت جدة العملية وتفرق رؤساء الكهنة ومن معهم, لأن الساعة التاسعة كانت بالنسبة لهم من أحرج الساعات التي يتحتم عليهم أن يكونوا فيها داخل الهيكل يؤدون وظائفهم من جهة الصلوات واعداد خراف الفصح. فلما ابتعد الأعداء، اقترب الأحباء, وهن النسوة اللاتى أحضرهن يوحنا ووقف معهن يحرسهن.
‏وكن مجموعتين: المجموعة الأقرب للمسيح، وهن مريم الأم العذراء القديسة، وأختها. والمجموعة الثانية، مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية. هذا الترتيب والتفصيل بين الأسماء، أخذ به أكثر العلماء تدقيقاً, ومنهم العالم والأسقف وستكوت.
‏ويوضح لنا هذا الترتيب بالنسبة للنسوة الثلاث القديس متى هكذا: «وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل، يخدمنه، وبينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسى، وأم ابني زبدي, (مت55:27-56‏). فإذا طابقنا هذه الأسماء على الأسماء الواردة في إنجيل القديس مرقس: «وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد، بينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب الصغير، ويوسي وسالومة» (مر40:15). بهذه المقارنة يتبين لنا أن أم ابني زبدي هي سالومة. وهي التي جاء ذكرها في إنجيل القديس يوحنا مع القديسة مريم هكذا: «واختها», ونحن نعلم أسلوب القديس يوحنا في ذكر الأسماء، فهو يمتنع نهائيا في إنجيله عن ذكر اسمه أو اسم أمه، أو حتى اسم أم المسيح.
‏والأمر المحير للعلماء هو أن ذكر «مريم المجدلية» يجىء هنا مفاجأة باعتبارها شخصية معروفة دون إشارات سابقة! أو أي تفسير.
‏و يلاحظ أيضأ أن القديس يوحنا حرص على وصف مريم أنها زوجة كلوبا, بدل أن يقول مريم أم يعقوب ويوسي, لئلا يظن من جهة «يعقوب» أنه أخو القديس يوحنا. كذلك نجد أن القديس مرقس حرس أن يصف يعقوب بالصغير، لئلا يُظن أنه يعقوب أخو القديس يوحنا. لأنه كان يوجد شخصان باسم «يعقوب», واحد منهما، وهوالأكبر سناً هو يعقوب ابن زبدي، أخو القديس يوحنا. كذلك، ولأن القديس متى أورد اسم «ابني زبدي»، فلم يجد ضرورة أن يصف يعقوب بـ «الصغير».
‏والملاحظ كذلك أن القديس يوحنا يسلك في ترتيبه لذكر الأسماء سلوكاً إنجيلياً واعياً، فيجعل القديسة مريم الأساس, ويضيف إليها «أختها» إضافة دون أن يذكر اسمها لأنها أمه, ولأنه يبدو أن القديسة مريم العذراء لم يكن لها إلا أخت واحدة, هي أم يوحنا.
‏وبعد ذلك، يذكر مريم الأخرى زوجة كليوباس، وآخر الكل يضع مريم المجدلية، مع أن كلا من القديس متى والقديس مرقس يضعها في المقدمة لما كان يبدو أنها ذات أهمية وتقوى كثيرة بين النسوة.
‏ويقول كل من «وستكوت» و«هنجستبرج» و«إدرزهايم»، ومعهم شراح كثيرون، أن كلوبا أو كليوباس، هو حلفائوس أو «حلفى» الذي ورد اسمه في إنجيل القديس متى، كوالد لأحد التلاميذ المدعو يعقوب، المدعو هنا بالصغير: «فيلبس وبرثولماوس توما ومتى العشار يعقوب بن حلفى ولباؤس الملقب تداوس.» (مت3:10‏)
‏أي أن المريمات الثلاث اللاتي كن عند الصليب، هن: مريم القديسة العذراء أم المسيح، ومريم أم يعقوب الصغير أحد التلاميذ وهي زوجة كلوبا أو كليوباس، ومريم المجدلية.
‏وفي نهاية عملية الصلب وانفضاض معظم الملتفين حول الصليب، تسنى للعذراء مع القديس يوحنا الاقتراب من الصليب فصارا في مواجهة المسيح.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
26:19 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ».

بعد أن انجلت الظلمة التي خيمت على الأرض حزناً على قتل النور الذي انحجب عن قلوب صالبيه، وقفت العذراء القديسة مريم تحت الصليب, مصلوبة!! تشخص نحو ابنها، وسيف يجوز في نفسها, كما سبق وأنبأت به نبوة سمعان الشيخ, حينما كانت تحمل ابنها طفلاً، وهي تدخل الهيكل لتكمل عنه القرابين!! «وباركهما سمعان، وقال لمريم أمه: ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تقاوم، وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة» (لو34:2-35)لاوهلا). لقد كانت على علم سابق بما هو حادث أمامها الآن, فالمسيح سبق ووعاها بكل ما سيحدث له، كما قال لتلاميذه، حتى إذا كان، تستطيع من وراء حزنها أن تدرك سر الذبيحة والخلاص والمجد. لم تكن آلام المسيح غريبة عنها، فلحمه من لحمها ودمه من دمها، وسر القداسة وحد الآلام بينهما. لم نسمع أنها صرخت، كما لم نسمع أنه صرخ. فالآلام امتصها الجسد, والروح هيمنت، فكان الصمت وكان الهدوء.
‏هذه هي الأم، هذه هي المرأة الوحيدة من بين كل الناس التي شاركت المسيح آلام صليبه! حول الصليب تجمع الشامتون والحاقدون, ولم يكن أحد يذرف دمعة إلا هذه الأم، التي بكت بالدمع المتواصل! لقد نابت عن البشرية في وداع فاديها.
‏يلاحظ أن إنجيل يوحنا يستظهر هنا على الأناجيل الثلاثة في أمر النسوة حول الصليب. فبينما نجد الأناجيل الثلاثة يلخصون موقف النسوة في نهاية مشهد الصليب باختصار، ويتفقون على أنهن كن ثلاثا فقط، وكن واقفات على بعد يشاهدن فقط، ولم يذكروا حضور العذراء القديسة مريم؛ نجد أن إنجيل يوحنا ينفرد بالعدد أربع من النسوة، ويقسمهن إلى قسمين: اثنتان منهن قريبات وأخصاء للمسيح، أمه وأخت أمه، واثنتان ذوات صلة التلمذة فقط وهما مريم أم أحد التلاميذ, يعقوب الملقب بالصغير, ومريم المجدلية.
‏كذلك ينفرد إنجيل يوحنا بذكر العذراء مريم, وبذكرنفسه التلميذ المحبوب, وكيف اقتربا من الصليب، فكانا على مستوى النظر والسماع والكلام للمسيح المرتفع على الصليب. وظهور القديسة مريم العذراء فجأة مع القديس يوحنا، يوضح ببيان أن القديس يوحنا ترك مشاهد الصلب الاولى، وأسرع بإحضار الأم الحزينة، لإحساسه الذي لم يخب قط بما يريد المسيح أن يقوله لأمه، ككلمة وداع أخيرة يستودع بها أنبل وأقدس قلب بعد قلبه. إن الإنسانية، في المسيح، تؤدي دور بنوتها المخلصة للأمومة. ‏وهذا لم تسجله الأناجيل الثلاثة، لأن القديس يوحنا وحده فقط كان هو الحاضر، وهو وحده الذي سجل هذا الحضور.
‏«التلميذ الذي كان يحبه»: إن وضع هذه الصفة لهذا التلميذ في هذا المكان والزمان يئبىء في الحال بما سيكلفه به المسيح.
«يا أمرأة»: أعطى المسيح لأمه صفتها الاولى: «يا امرأة», والمسيح يرفع البشرية, التي منها أُخذ, من صفتها الخاصة به كأمه، إلى مستواها العام للانسان ككل،أمنا. فهي، بموته، تأخذ صفة الأمومة للتلميذ، وبالتالى للكنيسة كلها. فالمسيح هنا لا يسلم أمه باعتبارها الخاص به وحده، بل يسلم, فيها, البشرية التي قبلت, من أجله, قوة العلي وتقدست بحلول الروح القدس فيها ليأخذ منها ابن الله الوحيد القدوس جسده المعلق الآن على الصليب، والمزمع أن يحتل يمين العظمة لله. فكما أن الجسد المقدس صار جسدنا، هكذا ينبغي أن الأم التي حملت به وولدته, تصير أمنا.
‏المسيح هنا يرد الأم, المرأة المولود منها, إلى صفتها الطبيعية «امرأة»، ولكن في وضعها الجديد، الذي يعلو فوق حواء الأولى علو المسيح عن آدم .
‏نحن لا نولد الآن من مريم العذراء, نحن نولد بالروح من المسيح, ونعيش بالروح من الجسد الإلهي بدمه الإلهي والروح الأزلى الذي فيه. ولكن كل من يولد من المسيح بالروح، يحمل في ولادته الروحية الجديدة علاقة المسيح بالأم التي ولدته بالجسد حتماً.
‏إذ كان كل ابن لآدم يولد الآن، وله علاقة متسلسلة حتمية «بحواء»، فهذه «المرأة حواء» هي أم عامة لأجسادنا، فكيف نولد الآن من المسيح ولا تكون لنا علاقة «بالأم العذراء،» التي ولدته. هذه «المرأة مريم» هي أم عامة لأرواحنا. والمسيح بقوله لمريم العذراء أمه: «يا امرأة» يضعها في مستواها الروحي العام للإنسان عامة؛ كأم ليوحنا التلميذ المحبوب أولاً، وكأم لكل من أحب المسيح وأحبه المسيح بالتالى.
«هوذا ابنك»: إن العذراء القديسة مريم لم يكن لها أبناء قط إلا المسيح, وهوذا المسيح يهبها يوحنا ابناً ‏بالتبتى، عوضاً عنه، يسند قلبها المكسور.
‏المسيح لم يختر العذراء مريم لتكون أما له، بل لقد تعينت أما له من السماء بقوة يمين العلي وروحه القدوس. فمن السماء، اتخذها أماً، وتعينت لذلك مسبقاً بوعود, وتقديس، ونبوات, رآها إشعياء النبي: «ها العذراء تحبل، وتلد ابنا، وتدعو اسمه عمانؤئيل» (إش14:7). إنها ثمرة قسم إلهي صدر من فم العلي، أن تخرج من نسل داود في الميعاد ليملك الخارج من أحشائها ملكه الأبدي. والذي بشرها بالحبل الإلهي ملاك، والذي حضر الولادة ملاك.
‏وإن كان المسيح، بهذه اللفتة: ‏هوذا ابنك»، قد رفع القديس يوحنا إلى مرتبة الاخوة بالنسبة لنفسه, أي للمسيح: «لا يستحي أن يدعوهم إخوة» (عب11:2)، فكيف نستحي أن ندعى أمه أمنا؟
‏كذلك لا ننسى أن القديسة مريم الذ راء هي من أصل يسى، من جذر داود, التي بواسطتها يستمد المسيح علاقته بداود والأبا، كابن له: «أوصنا لابن داود» (مت9:21‏)، ومنها يستمد المسيح علاقته بالقسم إلذي أقسم به الله لداود من جهة مملكته الأبدية: «أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه، من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك» (مز11:132)، «حيذ كلمت برؤيا تقيك... وجدت داود عبدي، بدهن قدسي مسحته... أنا أيضاً أجعله بكرا أعلى من ملوك الأرض... وكرسيه مثل أيام السموات... والشاهد في السماء أمين.» (مز19:89-37)
‏معنى هذا، أن القديسة مريم العذراء هي الصلة القائمة والدائمة بالجسد بالأباء والأنبياء والسماء، التي يستمد المسيح عبرها كل وعود الله لداود والأنبياء كافة. فكأنما تسليم القديسة العذراء مريم «ام» المسيح إلى يوحنا ليكون هو ابنها ولتكون هي «أما» له، هو بمثابة تسليم العهد القديم بمواعيده الصادقة والأمينة التي تحققت في المسيح ليوحنا، وبالتالي للكنيسة» لتكون للكنيسة، كما كانت مريم العذراء للمسيح، صلة حية ثابتة ودائمة بكل ميراث وتراث الآباء والأنبياء، وتكون الكنيسة الجديدة بمثابة الابن بالتبني (للعهد القديم)، الابن الذي ورث من أمه أمجادها وتراثها وهي محفوظة ومصونة في كنفه.
‏إن وصية المسيح كآخر وصية، وهو على الصليب، هي ومضة النور التي ربطت العهدين.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
27:19 ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ.

«أخذها التلميذ إلى خاصته»: ‏إلى صميم رسالته، إلى علية صهيون ويوم الخمسين، إلى الكرازة منذ لحظتها الأولى.
كان القديس يوحنا مرتبطاً بالقديسة مريم أم المسيح برباط الدم, فهو ابن أختها سالومة. فكان أقرب إليها بالروح وبالجسد من إخوة الرب الذين كانوا إخوة من يوسف خطيب مريم , أي إخوة ليس بالدم ولا حتى بالنسب، لأن يوسف لم يتزوج العذراء بل ظل خطيبها فقط, يرعاها حتى مات. وهوذا القديس يوحنا يأخذ دور يوسف في الرعاية مرة أخرى.
‏الله يرفع الأمومة والبنوة بارتفاع المسيح على الصليب من مستوى الدم واللحم، إلى مستوى الوحدة الروحية لبناء الكنيسة، الكنيسة التي بنُيت على الأمومة الإلهية والبنوة الرسولية. والملاحظ أن المسيح لما ارتاح إلى هذا الإجراء الذي صنعه، وكان آخر إجراء من إجراءات الخلاص، قال: «قد أكمل».
‏القديس أفرام السرياني يتغثن بأشعاره, في القرن الرابع, وهو يتأمل العذراء القديسة تحت أرجل المسيح المصلوب واقفة، فيراها صورة متجلية للكنيسة. ويضيف قائلأ: كما أن موسى عين يشوع ليرعى الشعب من بعده، هكذا، وبصورة ما, عين المسيح يوحنا، ليرعى أمه العذراء، أي الكنيسة، من بعده.
«ومن تلك الساعة, أخذها التلميذ إلى خاصته»: ‏كان للقديس يوحنا منزل في أورشليم، ولو أن إقامته كانت في الجليل؛ وذلك حسب تحقيق كثير من العلماء. ولقد نفذ التلميذ الوصية في الحال، فلم تحضر العذراء الساعة الأخيرة ولا يوحنا، وذلك عن قصد، لأنها كانت ساعة لا تطيقها مشاعر الأم. لقد أسرع بها يوحنا إلى بيته، ولهذا نجد أن وصف القديس يوحنا للساعات الأخيرة للصلب مختصر، فهو كان غائباً في البداية، ولم يحضر عند إنزال الجسد.
‏يلاحظ هنا أهمية هذا التسجيل بالنسبة لعقيدة الكنيسة بخصوص عذراوية القديسة مريم أم المسيح، فهنا يمعن الآباء العظام القديسون أثناسيوس وابيفانيوس وإيلاريون، في اتخاذ تسليم العذراء ليوحنا البتول وليس لإخوة الرب أو لأي أحد أخر، برهانأ واضحأ هادئاً رزيناً كون العذراء لم يكن لها أولاد سوى المسيح ابنها وابن الله.
‏والمعروف بحسب التقليد، أن القديسة مريم العذراء بقيت مع القديس يوحنا تمارس حياة التقوى والشهادة في أورشليم مدة إحدى عشرة سنة بعد موت الرب، وتنيحت عن 59 سنة. ومكان قبر القديسة العذراء مريم يقع في وادي قدرون. ولما جاءت الملكة هيلانة، بنُت عليه كنيسة. والكنيسة الموجودة الآن بناها الصليبيون.
‏كما يوجد تقليد أخر، أن العذراء رافقت القديس يوحنا في سفره إلى أفسس وعاشت ودُفنت هناك، لأنه يوجد حتى الآن, في تركيا الحديثة, على أحد التلال الواقعة على بعد خمسة أميال من سلقوك, وهى أزمير أصلاً، واسم التل بانايا كابيولو، قبر للعذراء القديسة يحكي في صمت وإصرار أن العذراء رافقت يوحنا في كل مكان ذهب إليه.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
3- النهاية: قد أكمل (28:19-30)
الموت الإرادى
28:19 بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ».

‏«لصق لسانى بحنكى» (مز15:22)
«وفى عطشى يسقوننى خلاً» (مز21:69)
إذ أكمل المسيح رغبته في تسليم أمه إلى يوحنا, وبعد أن أكمل الإطار الكلي للخلاص حسب الترتيب الذي بدأه: «وهو عالم بكل شيء» ، والآن رأى, وصحتها علم, أن كل شيء قد كمل.
«كل شيء قد كمل»: ‏يلاحظ المقابلة بين قول القديس يوحنا «قد كمل»، وقول المسيح بعد ذلك «قد أُكمل»، وهي نفس اللفظة. وقد اهتم القديس يوحنا، منذ البدء، بمقابلة كل أحداث الآلام بما جاء عنها. في النبوات، حاسباً ذلك شهادة ذات وزن إنجيلي عال للغاية. والآن، يؤكد أنه لكي يتم الكتاب، يورد هنا قمة الآلام ونهايتها: أي قول المسيح:«أنا عطشان». والقديس يوحنا هو الوحيد الذي سجل هذا القول للمسيح، الذي به يدرك العالمون ببواطن الأمور، وخاصةىالأطباء، ماذا يعني: «أنا عطشان» بالنسبة للمسيح الذي لم يتأوة أو يشتكي من أي ألم سابق في أنواع العذاب التي صادفها، بل يصفه الواصف كما تنبأ عنه النبي، أنه «كشاة سيق للذبح، ولم يفتح فاه». ولكنه هنا لم يستطع، بل فتح فاه اضطراراً، كإنسان بلغ به العذاب ما بعد أقصاه، لأنها لحظة الاحتضار الحتمي، لفقدان كل الدم، حيث بلغ الإحساس بالعطش إلى مراكز المخ العليا، التي لا يمكن لإنسان التحكم فيها. وهنا، العطش يحمل داخله قمة «كل شيء», أي كل التعذيب اللائق بالخلاص, الذي يوازنه «قد أكمل»، لأن وراء العطشى القاتل لا يتبقى إلا تسليم الروح.
‏يلاحظ هنا أن القديس يوحنا ضمن القول: «رأى يسوع أن كل شيء قد كمل», كل ما سبق وسجله الإنجيليون الثلاثة, سواء من جهة التعيير من كل فئة، أو من جهة ساعات الظلمة الثلاث وانشقاق حجاب الهيكل، والزلزلة، وشهادة رئيس الجند، وقول المسيح: «ألوي ألوي لما شبقتني»، وتفسير الجموع الخاطىء لهذا القول. لأن تركيز القديس يوحنا كان على شخص المسيح نفسه، وعلى ما فات على الإنجيليين تسجيله من أقواله وهو على الصليب.
‏وكل شيء قد أكمل, في نظر المسيح, يعني أن كل ما يلزم لذبيحة الخلاص وتقديمها أمام الآب قد استوفاه لقيام حياة جديدة للانسان. فقد أُكملت خيلقة السماوات الجديدة والأرض الجديدة ليسكن فيها البر، على نمط ما صنعه الله بالكلمة في البدء حينما «أُكملت السموات والأرض وكل جندها. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل» (تك1:2-2)، وهوذا المسيح قد فرغ للتو, في اليوم السادس, ليدخل راحته في اليوم السابع أيضاً ليستريح من كل أعماله التي عمل.
‏لقد استجابت الطبيعة لكلمة المسيح: «قد أكمل». فابتدأ العالم القديم يعطي إشاراته أنه تداعى أمام العالم الجديد الذي خلق، فتزلزلت الأرض، وتشققت الصخور، لأن صخر الدهور المقتطع بغير يد من لحم الإنسان ودمه، صار هو الجبل الذي يملأ العالم والسماء، وهو الذي سحق العالم الوثني سحقاً مع رؤساء وسلاطين عالم الظلمة, كما تداعى النظام القديم للعبادة المرتبطة بالعالم القديم، فانشق حجاب الهيكل من أعلى إلى أسفل، وكأنها ومضة من السماء أتته من فوق لتلغي وجوده، لما انشق جنب «الحجاب الجديد», أي جسده, ليفتح عالم الله على الإنسان, وليصير طريقاً للعبور إلى قدس أقداس الله. وانحل سلطان الموت لحظة قبول المسيح للموت في داخله، فظفرت به الحياة التي فيه, وحاصرته، وأطبقت عليه، وسحقته سحقاً، فبطل عمله. وتفتحت القبور وخرجت أجساد الراقدين، تستقبل فجر اليوم الجديد الذي صنعه الله لأزمنة الخلاص (مت52:27-53).
‏هذا التكميل أو التتميم فهمته الكنيسة، كما قاله المسيح تماماً: «وأقوال الأنبياء التي تقرأ كل سبت، تمموها، إذ حكموا عليه، ومع أنهم لم يجدوا علة واحدة للموت, طلبوا من بيلاطس أن يُقتل، ولما تمموا (أكملوا) كل ما كُتب عنه، أنزلوه عن الخشبة، ووضعوه في قبر» (أع27:13-29). يلاحظ القارىء في هذه الآية صدى قوياً لتسجيل القديس يوحنا، وبنفس الكلمات، فهو تقليد كُتب قبل أن يكتب يوحنا إنجيله.
‏لقد كانت مسرة الرب أن يعمل في السبوت, والآن قد أكمل تعاليمه، بل وآلامه، قبل أن يلوح السبت ليدخل، ونحن معه، إلى راحته الأبدية في سبت الله الروحي.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
29:19 وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاًّ فَمَلَأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ.

‏هذا الإناء يذكره فقط القديس يوحنا، كذلك نوع هذا الخل، وهو نوع من النبيذ الفاسد، يشربه العسكر لرخصه. ولكن وجود إسفنجة وقصبة أو زوفا خاصة لرفعها، يعني تمامأ أنها جزء من ترتيبات الصلب كلها، كانت موجودة ومعدة لمثل ذلك العمل. فالوعاء للاسفنجة، والإسفنجة للوعاء، لأنه يستحيل إعطاؤه كأساً ليشرب . وقد اشتركت الأناجيل كلها في ذكر هذا المشهد، ولكن القديس يوحنا هو الوحيد الذي يقول أنه قبل أن يشرت. وواضح أن تقديم الخل كان عملاً فيه نوع من الرحمة، وليس المقصود به المضايقة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
30:19 وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاًّ فَمَلَأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ.

‏هنا يذكر الكتاب أن المسيح رضي أن يشرب من الخل. أما في بداية الصلب، كما جاء في إنجيل القديس متى (34:27)، رفض المسيح المشروب المخدر حينما قدموه إليه، وكان خلاً ممزوجا بمرارة، ليلطف من آلام الجسد المبرحة، ولكن المسيح جاء «ليذوق الآلام لأجل الكل» وقد «لاق ... أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام» (عب10:2)، و«ينبغي أن المسيح يتألم بهذا» (لو26:24). وأخيراً، ذاق الخل ليستطيع أن ينطق الكلمة الأخيرة: «قد أكمل»، ويكمل الكتاب القائل: «وفي عطشي، سقوني خلاً.» (مز21:69)
‏وواضح في إنجيل القديس يوحنا، أن المسيح أسلم الحياة وهو في ملء الحياة، ومالكاً لكل قواه. وتم قوله: «ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي، لى سلطان أن أضعها، ولى سلطان أن آخذها أيضاً» (يو18:10). وإن كان المسيح قد طلب هنا أن يشرب، فلكي يستطيع أن ينطق الكلمة الأخيرة, بصوت عال كما جاء في الأناجيل الأخرى، لهذا قيل: «فلما أخذ ... قال».
«قد أكمل»: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته.» (يو4:17), إنها صرخة النصر الأخيرة، فقد أكمل عملاً، يشق على أي كاتب ماهر أن يصفه، بل يشق على أي تصور أن يصفه. لم يستطيع القديس يوحنا، بكل ما كان له من وعى إنجيلي ورؤيوي أن يزيد على هذا كلمة، أو يشرح ما تحتويه بكلمة. ففي ظنه أن كتب الأرض لا تسعها، ولا الأرض تسع الكتب إذا كُتبت. فقد أكمل عملاً أخذه من الآب، وأكمله بكل شروطه التي عرفناها والتي لم نعرفها بعد, أن ينزل من الحضن الآبوى، ويلبس عار الإنسان عوض النور الذي يلبسه. وأن يصير في الهيئة كعبد, ويتضع تحت أرجل عبيده، أن يأخذ خطية الإنسان أخذاً، لتدخل جسده دخولاً، فيقبل بها اللعنة قبولاً! فيصبح بالخطية واللعنة قابلاً للمذلة، متقبلاً للاذلال, ومستحقاً للموت، بسبب ما وضعه على نفسه، لا بسبب ما وضعه عليه الآخرون. منظوراً للناس كأنه مستحق الضرب والإذلال, وهو مضروب ومذلول بسبب ما أخذه عنا. ومن واقع ما حمله من شر الإنسان، طمع فيه الشيطان، إذ وجد له فيه مدخلاً وليس مأخذاً! لأنه من الداخل، كان ما كان، نور ليس فيه ظلمة البتة، قدوس بلا عيب ولا شر.
‏زحف عليه الموت حتى غطاه، عن حق وعدالة، لأن الخطية التي لبسها واللعنة التي صار إليها هما والموت رفيقان وصنوان لا يفترقان! فلا يمكن أن يؤخذ واحد ويُترك الأخر، فأخدهما كليهما ليوفي بالواحد كيل الآخر! فبالموت، داس الموت، لما داس الخطية, وبالحياة والقداسة التي له, انفصل عن الخطية والخطاة, وارتفع إلى أعلى السموات، بعد أن صنع تطهيراً أبدياً لخطايانا، وجلس في يمين العظمة في الأعالى (عب3:1‏).
‏قام, حقا قام, ولكن لم يكن في ذلك عجب, لأن القيامة كانت فيه، قبل أن يموت, وفي الموت, وما بعد الموت، فهو الحي الأزلي الذي لا يموت. ولكن العجب العجاب والمعجزة الكبرى أن يموت من هو حقاً «القيامة والحياة». يقولون إنه مات بالجسد! ولكن، وحتى هذا الجسد، كيف يموت وهو الذي وُلد من الروح القدس، ومن عذراء تقدست بالروح القدس؟ فله جسد بلا خطية، وعاش ولم يقبل أن يدخل على جسده خطية، فأعلن المسيح إعلاناً: «من منكم يبكتني على خطية؟» (يو46:8)، متحدياً لا الأعداء، بل فكر الإنسان؟ فكيف يموت جسد مثل هذا، والموت هو استحقاق الخطاة: «لأن أجرة الخطية هي موت»؟ (رو23:6)؟ هنا معجزة المسيح والصليب والموت. فلولا أنه أخذ منا عنصر الموت، أي الخطية، وقبله في جسده قبولاً، وارتضى بملء إرادته أن يقف من الله أبيه موقف الإنسان المتعدي عوض المتعدين، ليقبل منه التخلي مع من قبلوا التخلية من الله, لا شكلاً، بل بالحقيقة، وإلا ما استطاع أن يلطمه عبد رئيس الكهنة، ولا أن يبصق في وجهه أعضاء السنهدريم، ولا أن يهزأ به العسكر، ولا أن يمدوه على الصليب، ولا أن يتجرأ عليه الموت ويدخل إلى أعماقه!!
‏أن يموت المسيح بالحقيقة، فليست هذه معجزة الإنسان، بل معجزة الله، أن يبذل ابنه الوحيد بذلاً، ويتركه للموت تركاً، بل ويسحقه بالحزن سحقاً! ومعجزة موت المسيح كلها، هي معجزة حب وقداسة. حب الله للعالم الساقط واللاهي عن سقوطه! وقداسة المسيح التي ألبسها الخطية والموت لبساً! فحب الله الآب للإنسان وازن ثقل الصليب والآلام لابنه الحبيب، فتعادلا، وفاض الحب ولا يزال فائضاً! وقداسة المسيح وازن «عنصر» الخطية في «الإنسان» بكل صنوفها وقبحها، وفي الناس جيعاً, كل الناس، فرفعها عن كاهل الإنسان، بل محتها محواً، بعنصرها القاتل، كما من جسد المسيح المقام، كذلك من كل جسد في المسيح يؤمن بمن مات وقام! فهذا الخلاص «قد اكمل» «وتم الفداء».
«ونكس رأسه»: وصحتها «أمال», أو «أحنى» رأسه, ‏الذي لم يكن له أين يسند رأسه، أسندها أخيراً على الصليب كما على حضن الله. لأنه «كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا، ويدخل إلى مجده» (لو26:24)، «لأن الذي دخل راحته، استراح هو أيضاً من أعماله، كما الله من أعماله.» (عب10:4)
«وأسلم الروح»: رآه إشعياء، بالنبوة، في هذا المنظر عينه: «أنه سكب للموت نفسه» (إش12:53). لم تؤخذ ‏روحه منه كبشر؛ بل سكب هو، بنفسه، روحه بإرادته, كمن يذبح ذبيحة ويسكب روحها مع دمها. هكذا المسيح قبل سفك دمه بيد الذابحين، أما روحه فسكبها بيده في يد الآب سكبياً. فأسلمها له تسليماً، كمن يستودع وديعة، هو وشيك أن يستردها: «يا أبتاه في يديك أستودع روحي.»» (لو46:23)
‏والآن، يليق بنا أن نسترجع من إنجيل القديس يوحنا والثلاثة الأناجيل الأخرى، ما قاله المسيح على الصليب. هي سبع كلمات:
‏ما قبل الظلمة التي جاءت على الأرض:
1- «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.» (لو34:23)
2- «الحق الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس.» (لو43:23‏)
3- «يا امرأة هوذا ابنك ... هوذا أمك.» (يو26:19)
‏أثناء الظلمة:
4- «إيلي إيلي لما شبقتني.» (مت46:27؛ مر34:15‏)
‏بعد الظلمة:
5- «أنا عطشان» (يو28:19)
6- «قد اكمل» (يو30:19)
7- «يا أبتاه، في يديك أستودع روحي.» (لو46:23)
هي سبع كلمات لم يحوها إنجيل واحد بأكملها، ولكن الأربعة معاً احتووها، لتخرج لنا هكذا، باتحاد الأصوات، كما من قيثارة بيد داود!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
30:19 وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاًّ فَمَلَأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ.

‏هنا يذكر الكتاب أن المسيح رضي أن يشرب من الخل. أما في بداية الصلب، كما جاء في إنجيل القديس متى (34:27)، رفض المسيح المشروب المخدر حينما قدموه إليه، وكان خلاً ممزوجا بمرارة، ليلطف من آلام الجسد المبرحة، ولكن المسيح جاء «ليذوق الآلام لأجل الكل» وقد «لاق ... أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام» (عب10:2)، و«ينبغي أن المسيح يتألم بهذا» (لو26:24). وأخيراً، ذاق الخل ليستطيع أن ينطق الكلمة الأخيرة: «قد أكمل»، ويكمل الكتاب القائل: «وفي عطشي، سقوني خلاً.» (مز21:69)
‏وواضح في إنجيل القديس يوحنا، أن المسيح أسلم الحياة وهو في ملء الحياة، ومالكاً لكل قواه. وتم قوله: «ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي، لى سلطان أن أضعها، ولى سلطان أن آخذها أيضاً» (يو18:10). وإن كان المسيح قد طلب هنا أن يشرب، فلكي يستطيع أن ينطق الكلمة الأخيرة, بصوت عال كما جاء في الأناجيل الأخرى، لهذا قيل: «فلما أخذ ... قال».
«قد أكمل»: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته.» (يو4:17), إنها صرخة النصر الأخيرة، فقد أكمل عملاً، يشق على أي كاتب ماهر أن يصفه، بل يشق على أي تصور أن يصفه. لم يستطيع القديس يوحنا، بكل ما كان له من وعى إنجيلي ورؤيوي أن يزيد على هذا كلمة، أو يشرح ما تحتويه بكلمة. ففي ظنه أن كتب الأرض لا تسعها، ولا الأرض تسع الكتب إذا كُتبت. فقد أكمل عملاً أخذه من الآب، وأكمله بكل شروطه التي عرفناها والتي لم نعرفها بعد, أن ينزل من الحضن الآبوى، ويلبس عار الإنسان عوض النور الذي يلبسه. وأن يصير في الهيئة كعبد, ويتضع تحت أرجل عبيده، أن يأخذ خطية الإنسان أخذاً، لتدخل جسده دخولاً، فيقبل بها اللعنة قبولاً! فيصبح بالخطية واللعنة قابلاً للمذلة، متقبلاً للاذلال, ومستحقاً للموت، بسبب ما وضعه على نفسه، لا بسبب ما وضعه عليه الآخرون. منظوراً للناس كأنه مستحق الضرب والإذلال, وهو مضروب ومذلول بسبب ما أخذه عنا. ومن واقع ما حمله من شر الإنسان، طمع فيه الشيطان، إذ وجد له فيه مدخلاً وليس مأخذاً! لأنه من الداخل، كان ما كان، نور ليس فيه ظلمة البتة، قدوس بلا عيب ولا شر.
‏زحف عليه الموت حتى غطاه، عن حق وعدالة، لأن الخطية التي لبسها واللعنة التي صار إليها هما والموت رفيقان وصنوان لا يفترقان! فلا يمكن أن يؤخذ واحد ويُترك الأخر، فأخدهما كليهما ليوفي بالواحد كيل الآخر! فبالموت، داس الموت، لما داس الخطية, وبالحياة والقداسة التي له, انفصل عن الخطية والخطاة, وارتفع إلى أعلى السموات، بعد أن صنع تطهيراً أبدياً لخطايانا، وجلس في يمين العظمة في الأعالى (عب3:1‏).
‏قام, حقا قام, ولكن لم يكن في ذلك عجب, لأن القيامة كانت فيه، قبل أن يموت, وفي الموت, وما بعد الموت، فهو الحي الأزلي الذي لا يموت. ولكن العجب العجاب والمعجزة الكبرى أن يموت من هو حقاً «القيامة والحياة». يقولون إنه مات بالجسد! ولكن، وحتى هذا الجسد، كيف يموت وهو الذي وُلد من الروح القدس، ومن عذراء تقدست بالروح القدس؟ فله جسد بلا خطية، وعاش ولم يقبل أن يدخل على جسده خطية، فأعلن المسيح إعلاناً: «من منكم يبكتني على خطية؟» (يو46:8)، متحدياً لا الأعداء، بل فكر الإنسان؟ فكيف يموت جسد مثل هذا، والموت هو استحقاق الخطاة: «لأن أجرة الخطية هي موت»؟ (رو23:6)؟ هنا معجزة المسيح والصليب والموت. فلولا أنه أخذ منا عنصر الموت، أي الخطية، وقبله في جسده قبولاً، وارتضى بملء إرادته أن يقف من الله أبيه موقف الإنسان المتعدي عوض المتعدين، ليقبل منه التخلي مع من قبلوا التخلية من الله, لا شكلاً، بل بالحقيقة، وإلا ما استطاع أن يلطمه عبد رئيس الكهنة، ولا أن يبصق في وجهه أعضاء السنهدريم، ولا أن يهزأ به العسكر، ولا أن يمدوه على الصليب، ولا أن يتجرأ عليه الموت ويدخل إلى أعماقه!!
‏أن يموت المسيح بالحقيقة، فليست هذه معجزة الإنسان، بل معجزة الله، أن يبذل ابنه الوحيد بذلاً، ويتركه للموت تركاً، بل ويسحقه بالحزن سحقاً! ومعجزة موت المسيح كلها، هي معجزة حب وقداسة. حب الله للعالم الساقط واللاهي عن سقوطه! وقداسة المسيح التي ألبسها الخطية والموت لبساً! فحب الله الآب للإنسان وازن ثقل الصليب والآلام لابنه الحبيب، فتعادلا، وفاض الحب ولا يزال فائضاً! وقداسة المسيح وازن «عنصر» الخطية في «الإنسان» بكل صنوفها وقبحها، وفي الناس جيعاً, كل الناس، فرفعها عن كاهل الإنسان، بل محتها محواً، بعنصرها القاتل، كما من جسد المسيح المقام، كذلك من كل جسد في المسيح يؤمن بمن مات وقام! فهذا الخلاص «قد اكمل» «وتم الفداء».
«ونكس رأسه»: وصحتها «أمال», أو «أحنى» رأسه, ‏الذي لم يكن له أين يسند رأسه، أسندها أخيراً على الصليب كما على حضن الله. لأنه «كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا، ويدخل إلى مجده» (لو26:24)، «لأن الذي دخل راحته، استراح هو أيضاً من أعماله، كما الله من أعماله.» (عب10:4)
«وأسلم الروح»: رآه إشعياء، بالنبوة، في هذا المنظر عينه: «أنه سكب للموت نفسه» (إش12:53). لم تؤخذ ‏روحه منه كبشر؛ بل سكب هو، بنفسه، روحه بإرادته, كمن يذبح ذبيحة ويسكب روحها مع دمها. هكذا المسيح قبل سفك دمه بيد الذابحين، أما روحه فسكبها بيده في يد الآب سكبياً. فأسلمها له تسليماً، كمن يستودع وديعة، هو وشيك أن يستردها: «يا أبتاه في يديك أستودع روحي.»» (لو46:23)
‏والآن، يليق بنا أن نسترجع من إنجيل القديس يوحنا والثلاثة الأناجيل الأخرى، ما قاله المسيح على الصليب. هي سبع كلمات:
‏ما قبل الظلمة التي جاءت على الأرض:
1- «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.» (لو34:23)
2- «الحق الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس.» (لو43:23‏)
3- «يا امرأة هوذا ابنك ... هوذا أمك.» (يو26:19)
‏أثناء الظلمة:
4- «إيلي إيلي لما شبقتني.» (مت46:27؛ مر34:15‏)
‏بعد الظلمة:
5- «أنا عطشان» (يو28:19)
6- «قد اكمل» (يو30:19)
7- «يا أبتاه، في يديك أستودع روحي.» (لو46:23)
هي سبع كلمات لم يحوها إنجيل واحد بأكملها، ولكن الأربعة معاً احتووها، لتخرج لنا هكذا، باتحاد الأصوات، كما من قيثارة بيد داود!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
4- طلبان يُقدمان إلى بيلاطس
يستجيب لهما فى الحال
الأول: طلب تكسير السيقان للتعجيل بالموت (31:19-37).
31:19 ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ لأَنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيماً سَأَلَ الْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا.

«المسيح افتدانا من لعنة الناموس, إذ صار لعنة لأجلنا, لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبه» (غل13:3)
ينفرد القديس يوحنا بسرد دقائق هذه الحادثة، ويركز كثيراً على أهميتها بشهادته .
‏«الأستعداد»: ‏هو اليوم السادس من الأسبوع في العادة. الآن «اليهود»، ويقصد بهم القديس يوحنا أعضاء السنهدريم, وهم لا يزالون يناورون، وقد تمموا شهوة حقدهم، واكملوا تزييف قضية القتل حتى النهاية؛ سبقوا وذهبوا إلى بيلاطس يطالبون بضرورة إنزال الجسد من على الصليب تتميماً لحرفية الناموس: «واذا كان على إنسان خطية حقها الموت، فقُتا، وعلقته على خشبة. فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم. لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً.» (تث22:12-23)
‏ولأن في ظنهم، لن يموت المسيح سريعاً، وهكذا يدخل (السبت) اليوم التالي للصلب فتتنجس به الأرض وهو معلق، طلبوا مسبقاً بكسر سيقان الكل, أي المسيح واللصين، ليعجلوا من الآن بموته. وواضح من هذاء الإتجاه إلى مزيد من التشفي لكسر ساقيه وهو حي!! بالإضافة إلى الاطمئنان إلى أنه يموت أيضاً ميتة لا قيام منها حينماتُكسر ساقاه! وكان الطلب، ولو أنه لا يدخل في صلاحية القانون الروماني ويمكن رفضه، إلا أن بيلاطس وافق عليه.
وكلمة «الاستعداد» تجوز على يوم ما قبل السبت كما تجوز على يوم ما قبل العيد, فالثلاثة الأناجيل أخذوها بمعنى الاستعداد للسبت, أما القديس يوحنا فأخذها بالاعتبارين, أي اعتبار السبت، ولأن هذا السبت هو المحسوب أول أيام الفطير وهو «عيد الفطير» اعتبر يوم هذا السبت عظيماً: «سبعة أيام تأكلون فطيراً, اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم. فإن كل من أكل خميرا من اليوم الأول إلى اليوم السابع تُقطع تلك النفس من إسرائيل. و يكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس. وفي اليوم السابع محفل مقدس. لا يُعمل فيهما عمل ما, إلا ما تأكله كل نفس، فذلك وحده يُعمل منكم.» (خر15:12-16)
‏السبت العظيم: كان لا بد أن يأتي هذا السبت هكذا عظيماً, ليس على مستوى أيام طقس اليهود بعد، بل على أزمنة الخلاص, وكل ساعاته مقبولة, لأنه كان لا بد أن يدخل المسيح بعد عناء الصليب وتكميل الرسالة الشاقة جداً إلى راحة سبته العظيم, الذي أشرقت شمسه في السماء وليس على الأرض, ليبقى سبتاً إلهياً إلى أبد الأبد. لم يُخلق سبت، منذ أن خُلق الزمن والى أن يزول الزمن، مثل هذا السبت الذي دخل فيه المسيح إلى راحته وأدخلنا معه حيث لا زمن بعد، بل حياة أبدية وسيرة مقدسة مكتوبة مفرداتها في السموات: «فلنخف أنه، مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته، يرى أحد منكم أنه قد خاب منه ... فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة.» (عب1:4و11)
‏ويوم الاستعداد يبدأ من مساء الخميس، من الساعة السادسة وحتى الساعة السادسة مساء يوم الجمعة عشية السبت. وبعض الشراح الذين ينحازون لتوقيت الثلاثة الأناجيل الزمني، يعتبرونه يوم 15 نيسان، مثل بولتمان وكثيرون», وآخرون يعتبرونه 14 نيسان اليوم الذي يُذبح فيه الفصح، والذي صُلب فيه المسيح, مثل وستكوت وريمون براون وآخرون كثيرون, حيث يوم 16 نيسان يكون أيضاً عيدا رسمياً هو عيد ترديد حزمة الباكورة, أي باكورة القمح: «وكلم الرب موس قائلاً: كلم بني إسرائيل، وقل لهم: متى جئتم إلى الأرض التي أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها, تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن، فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم, في غد السبت يرددها الكاهن.» (لا9:23-11)
‏وهذا السبت هو السبت الأول بعد الفصح. أما «غد السبت» بالنسبة للمسيح ولنا، فهو عيد القيامة، حيث قدم المسيح نفسه للآب كباكورة من بين الراقدين, كحصاد وفير جداً لحبة الحنطة التي ماتت يوم الجمعة!! فعندما كان رئيس الكهنة وزمرته منهمكين في استلام باكورات الشعب ‏منذ فجر الأحد، والشعب كله مسرع إسراعاً لتقديم باكوراته، كان المسيح قد قام وقدم نفه باكورة، وابتدأ يجمع أول حزمة من حصيده من المريمات والتلاميذ، ليرفعها ويرددها على المذبح الناطق السمائي, رائحة بخور تدخل إلى عظمة الآب السمائي.
‏ويلاحظ أن كلا من إنجيلي القديس مرقس والقديس يوحنا يتفقان، كل واحد مع الأخر، في كون المسيح صُلت يوم الجمعة، وهو يوم الاستعداد: «ولما كان المساء، إذ كان الاستعداد, أي ما قبل السبت, جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف، وكان هو أيضاً منتظراً ملكوت الله، فتجاسر ودخل إلى بيلاطس، وطلب جسد يسرع» (مر42:15-43). ولكن يتفق إنجيل القديس متى مع القديس لوقا في أن ذلك اليوم كان 15 نيسان، أي ثاني يوم ذبح الخروف، في حين أن إنجيل يوحنا يؤكد في مواضح كثيرة، كما سبق وذكرنا، أن المسيح يوم الفصح 14 نيسان.
«لكي لا تبقى الأجساد على الصليب»: ‏كان القانون الروماني يمعن في التشهير بالمجرمين، فكان يُبقي على أجسادهم معلقة على الصلبان ربما لأيام، وحتى لكي تفتك بها طيور السماء، وذلك عبرة للمجرمين، ولزيادة هيبة القانون. ولكن الناموس اليهودي يمنع ذلك، باعتبار أن من عُلق على خشبة هو ملعون من الله، فإذا بقي على الخشبة لثاني يوم فإنه ينجس الأرض، أي أرض إسرائيل! «فلا تبت جثته على الخشبة, بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً.» (تث23:21)
«أن تُكسر سيقانهم»: كانت الآلة التي تكسر بها السيقان مطرقة خشبية ثقيلة. وكانت هذه العملية بحد ذاتها عملاً وحشياً، لا يطيق الإنسان النظر إليها، وكانت الآلام الناتجة لا يمكن وصفها. وكان هذا الإجراء عقوبة قائمة، بحد ذاتها، عند الرومان، والآن أرفقوها بالمصلوب. ولكنهم بالنسبة للمصلوب المعلق الذي تتعذب روحه من طول فترة النزع الأخيره ربما كان يُحتسب هذا عمل رحمة (أعتقد أنها حتى للحيوان لا تعتبر رحمة). والمعروف أن المصلوب قد يمكث على الصليب في نزعه الأخير ربما إلى أيام. لهذا نجد أن بيلاطس، في إنجيل القديس مرقس، يتعجب كثيراً من سرعة موت الرب على غير العادة.
‏وفي العادة، لم تكن تكمل الوفاة بتكسير السأقين، فكان يجري على المصلوب ما هو معروف في القضاء بالضربة القاضية من أجل الرحمة بحد السيف، أو بضربة عنيفة تحت الإبط والذراع ممدودة أو بطعنة حربة مصوبة للقلب لتقضى في الحال على المتألم. وهذه كانت تعتبر ملحقات لعقوبة الصلب ، لتقليل زمن النزع للموت.
‏واليهود اختاروا سحق العظام للساقين. ولكن احتراسهم الشديد جداً للقضاء على المسيح، جعلهم حتى وبعد موته يستوثقون من غرضهم بطعنة الحربة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
4- طلبان يُقدمان إلى بيلاطس
يستجيب لهما فى الحال
الأول: طلب تكسير السيقان للتعجيل بالموت (31:19-37).
31:19 ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ لأَنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيماً سَأَلَ الْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا.

«المسيح افتدانا من لعنة الناموس, إذ صار لعنة لأجلنا, لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبه» (غل13:3)
ينفرد القديس يوحنا بسرد دقائق هذه الحادثة، ويركز كثيراً على أهميتها بشهادته .
‏«الأستعداد»: ‏هو اليوم السادس من الأسبوع في العادة. الآن «اليهود»، ويقصد بهم القديس يوحنا أعضاء السنهدريم, وهم لا يزالون يناورون، وقد تمموا شهوة حقدهم، واكملوا تزييف قضية القتل حتى النهاية؛ سبقوا وذهبوا إلى بيلاطس يطالبون بضرورة إنزال الجسد من على الصليب تتميماً لحرفية الناموس: «واذا كان على إنسان خطية حقها الموت، فقُتا، وعلقته على خشبة. فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم. لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً.» (تث22:12-23)
‏ولأن في ظنهم، لن يموت المسيح سريعاً، وهكذا يدخل (السبت) اليوم التالي للصلب فتتنجس به الأرض وهو معلق، طلبوا مسبقاً بكسر سيقان الكل, أي المسيح واللصين، ليعجلوا من الآن بموته. وواضح من هذاء الإتجاه إلى مزيد من التشفي لكسر ساقيه وهو حي!! بالإضافة إلى الاطمئنان إلى أنه يموت أيضاً ميتة لا قيام منها حينماتُكسر ساقاه! وكان الطلب، ولو أنه لا يدخل في صلاحية القانون الروماني ويمكن رفضه، إلا أن بيلاطس وافق عليه.
وكلمة «الاستعداد» تجوز على يوم ما قبل السبت كما تجوز على يوم ما قبل العيد, فالثلاثة الأناجيل أخذوها بمعنى الاستعداد للسبت, أما القديس يوحنا فأخذها بالاعتبارين, أي اعتبار السبت، ولأن هذا السبت هو المحسوب أول أيام الفطير وهو «عيد الفطير» اعتبر يوم هذا السبت عظيماً: «سبعة أيام تأكلون فطيراً, اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم. فإن كل من أكل خميرا من اليوم الأول إلى اليوم السابع تُقطع تلك النفس من إسرائيل. و يكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس. وفي اليوم السابع محفل مقدس. لا يُعمل فيهما عمل ما, إلا ما تأكله كل نفس، فذلك وحده يُعمل منكم.» (خر15:12-16)
‏السبت العظيم: كان لا بد أن يأتي هذا السبت هكذا عظيماً, ليس على مستوى أيام طقس اليهود بعد، بل على أزمنة الخلاص, وكل ساعاته مقبولة, لأنه كان لا بد أن يدخل المسيح بعد عناء الصليب وتكميل الرسالة الشاقة جداً إلى راحة سبته العظيم, الذي أشرقت شمسه في السماء وليس على الأرض, ليبقى سبتاً إلهياً إلى أبد الأبد. لم يُخلق سبت، منذ أن خُلق الزمن والى أن يزول الزمن، مثل هذا السبت الذي دخل فيه المسيح إلى راحته وأدخلنا معه حيث لا زمن بعد، بل حياة أبدية وسيرة مقدسة مكتوبة مفرداتها في السموات: «فلنخف أنه، مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته، يرى أحد منكم أنه قد خاب منه ... فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة.» (عب1:4و11)
‏ويوم الاستعداد يبدأ من مساء الخميس، من الساعة السادسة وحتى الساعة السادسة مساء يوم الجمعة عشية السبت. وبعض الشراح الذين ينحازون لتوقيت الثلاثة الأناجيل الزمني، يعتبرونه يوم 15 نيسان، مثل بولتمان وكثيرون», وآخرون يعتبرونه 14 نيسان اليوم الذي يُذبح فيه الفصح، والذي صُلب فيه المسيح, مثل وستكوت وريمون براون وآخرون كثيرون, حيث يوم 16 نيسان يكون أيضاً عيدا رسمياً هو عيد ترديد حزمة الباكورة, أي باكورة القمح: «وكلم الرب موس قائلاً: كلم بني إسرائيل، وقل لهم: متى جئتم إلى الأرض التي أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها, تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن، فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم, في غد السبت يرددها الكاهن.» (لا9:23-11)
‏وهذا السبت هو السبت الأول بعد الفصح. أما «غد السبت» بالنسبة للمسيح ولنا، فهو عيد القيامة، حيث قدم المسيح نفسه للآب كباكورة من بين الراقدين, كحصاد وفير جداً لحبة الحنطة التي ماتت يوم الجمعة!! فعندما كان رئيس الكهنة وزمرته منهمكين في استلام باكورات الشعب ‏منذ فجر الأحد، والشعب كله مسرع إسراعاً لتقديم باكوراته، كان المسيح قد قام وقدم نفه باكورة، وابتدأ يجمع أول حزمة من حصيده من المريمات والتلاميذ، ليرفعها ويرددها على المذبح الناطق السمائي, رائحة بخور تدخل إلى عظمة الآب السمائي.
‏ويلاحظ أن كلا من إنجيلي القديس مرقس والقديس يوحنا يتفقان، كل واحد مع الأخر، في كون المسيح صُلت يوم الجمعة، وهو يوم الاستعداد: «ولما كان المساء، إذ كان الاستعداد, أي ما قبل السبت, جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف، وكان هو أيضاً منتظراً ملكوت الله، فتجاسر ودخل إلى بيلاطس، وطلب جسد يسرع» (مر42:15-43). ولكن يتفق إنجيل القديس متى مع القديس لوقا في أن ذلك اليوم كان 15 نيسان، أي ثاني يوم ذبح الخروف، في حين أن إنجيل يوحنا يؤكد في مواضح كثيرة، كما سبق وذكرنا، أن المسيح يوم الفصح 14 نيسان.
«لكي لا تبقى الأجساد على الصليب»: ‏كان القانون الروماني يمعن في التشهير بالمجرمين، فكان يُبقي على أجسادهم معلقة على الصلبان ربما لأيام، وحتى لكي تفتك بها طيور السماء، وذلك عبرة للمجرمين، ولزيادة هيبة القانون. ولكن الناموس اليهودي يمنع ذلك، باعتبار أن من عُلق على خشبة هو ملعون من الله، فإذا بقي على الخشبة لثاني يوم فإنه ينجس الأرض، أي أرض إسرائيل! «فلا تبت جثته على الخشبة, بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً.» (تث23:21)
«أن تُكسر سيقانهم»: كانت الآلة التي تكسر بها السيقان مطرقة خشبية ثقيلة. وكانت هذه العملية بحد ذاتها عملاً وحشياً، لا يطيق الإنسان النظر إليها، وكانت الآلام الناتجة لا يمكن وصفها. وكان هذا الإجراء عقوبة قائمة، بحد ذاتها، عند الرومان، والآن أرفقوها بالمصلوب. ولكنهم بالنسبة للمصلوب المعلق الذي تتعذب روحه من طول فترة النزع الأخيره ربما كان يُحتسب هذا عمل رحمة (أعتقد أنها حتى للحيوان لا تعتبر رحمة). والمعروف أن المصلوب قد يمكث على الصليب في نزعه الأخير ربما إلى أيام. لهذا نجد أن بيلاطس، في إنجيل القديس مرقس، يتعجب كثيراً من سرعة موت الرب على غير العادة.
‏وفي العادة، لم تكن تكمل الوفاة بتكسير السأقين، فكان يجري على المصلوب ما هو معروف في القضاء بالضربة القاضية من أجل الرحمة بحد السيف، أو بضربة عنيفة تحت الإبط والذراع ممدودة أو بطعنة حربة مصوبة للقلب لتقضى في الحال على المتألم. وهذه كانت تعتبر ملحقات لعقوبة الصلب ، لتقليل زمن النزع للموت.
‏واليهود اختاروا سحق العظام للساقين. ولكن احتراسهم الشديد جداً للقضاء على المسيح، جعلهم حتى وبعد موته يستوثقون من غرضهم بطعنة الحربة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
32:19 فَأَتَى الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبَيْنِ مَعَهُ.

‏العسكر كانوا أربعة, فكان لكل مصلوب حارسه. بهذا تفهم لماذا ذكر اللصان أولاً مع أن المسيح في الوسط. فكل حارس كمل الأمر الصادر إليه، فلما جاء الحارس المنوط بحراسة المسيح، رأى أنه مات، فامتنع عن إجراء الكسر. وهكذا كُسرت ساقا اللص المجدف والتائب كليهما. فالعالم لا يستطع، في صب غضبه, أن يفرق بين البار والشرير، فحادثة واحدة تحدث لكليهما: لواحد تٌحسب له نقمة، ولآخر تُحسب له نعمة، لواحد يأخذها كأجر، والآخر يأخذ عنها الأجر!!
 
أعلى