- إنضم
- 23 ديسمبر 2008
- المشاركات
- 1,472
- مستوى التفاعل
- 93
- النقاط
- 48
6- كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ
لا يزال التسلسل الإعلاني عن الكلمة يسير في مجراه، من الأزلية عند الله ثم إلى الخلق، ثم إلى الحياة في الناس، وإلى النور. وهنا يبدأ القديس يوحنا ليدخل «بالكلمة«» إل مجال التاريخ الانجيلي.
والملاحظ أن الأناجيل بعد أن استوفت قصة ميلاد المسيح، بدأت على الفور تاريخ الإنجيل بذكر يوحنا المعمدان كبدء للخدمة العملية والكرازة. هذا ما سار عليه القديس يوحنا، إذ بعد أن استوفى استعلان وجود المسيح السابق على ميلاده أي تجسده، بدأ يؤرخ. ولكن أسلوب القديس يوحنا يرتفع دائمأ بالتاريخ إلى ما هو فوق التاريخ. فإن كل كلمة ذكرها عن المعمدان وضعها في القابل لما ذكره عن المسيح، ليجعل المقارنة تنطق بألوهية المسيح.
فـ كان "إنسان" يقابلها "وكان الكلمة الله"
ثم «مرسل من الله» يأتي الفعل مبنياً للمجهول بصوم ة تجعل التركيز يقع على الإرسالية في حد ذاتها وعلى هدفها، فهي إرسالية إلهية ولكن المرسل "إنسان اسمه يوحنا". والقديس يوحنا يركز على الإرسالية أنها من الله باعتبار أن هذه الارسالية، وليس شخصه، هي التي تعطي المعمدان أهميته.
«اسمه يوحنا» هنا لو رجعا إلى إنجيل لوقا (59:1-66) وقرأنا قصة تسمية يوحنا، نفهم لماذا ركز القديس يوحنا الإنجيلى على هذا الاسم من حيث القصد من التسمية, ثم معنى الاسم. فالقصد في قصة إنجيل لوقا مربوط بعلاقته بمجيء المسيح، والمعنى «الله يتحنن» يشير إلى تحنن الله بإرسال المخلص. فالتسمية والاسم بالنسبة للمعمدان يخدمان الإعلان عن المسيح الكلمة المتجسد. كذلك لا ننسى أن اسم كاتب الإنجيل هو يوحنا. فبالرغم من أن الأناجيل الثلاثة ذكرت المعمد بأسمه "يوحنا" مضافأً إليه لقبه الشهير جداً "المعمدان"، حتى يميزوه عن يوحنا الإنجيلي، إلا أذ يوحنا نفسه لم يذكر لقب المعمدان مكتفياً بيوحنا، لأنه ليس ما يدعو للتمييز فهو كاتب الإنجيل. وهذا ما أخذه كثير من الشراح لإثبات أن كاتب الإنجيل الرابع هو يوحنا.
هذا جاء للشهادة ليشهد للئور:
"هذا" كحرف إشارة يفيد في أسلوب القديس يوحنا العودة إلى الشخص بكل صفاته المذكورة، حيث يجعل مجيئه لقصد محدد وهو«الشهادة للنور». وهذا هو محور كل ما سيجيء عن المعمدان في إنجيل يوحنا. ويلاحظ كيف يحصر القديس يوحنا عمل المعمدان في "الشهادة"، ثم كيف يعود ويؤكد حدود هذه الشهادة أيضاً، فهو جاء للشهادة فقط، وشهادته هى للنور فقط. فهو يركز على الشهادة وليس الشاهد نفسه.
وهنا يتبادر إل ذهن القارىء سؤال: ولماذا هذا التحديد والحصر والقصر؟؟
للرد نقول: إن عاملين أحدها إيجابي والأخر سلبي كانا يتحكمان في الحديث عن المعمدان بالنسبة لإنجيل يوحنا وخاصة في زمن كتابته:
العامل الاول الإيجابي: هو أهية شهادة المعمدان القصوى بالنسبة للانجيل كونه ممثلاً للعهد القديم بأنبيائه والمعاصر للمسيح, علماً بأن الشهادة تحتل في إنجيل يوحنا مركزاً هاماً.
(وترد فيه 14 مرة، في حين ترد في إنجيل مرقس 3 مرات، وفي إنجيل لوقا مرة واحدة، وتغيب من إنجيل متى تاماً. كما يرد الفعل "يشهد" 33 مرة في إنجيل يوحنا، ولا يرد نهائياً في إنجيل مرقس ويرد مرة واحدة في كل من إنجيلي متى ولوقا). وهكذا يستخدم إنجيل يوحنا الشهادة أكثر من أي سفر آخر في العهد الجديد.
وتوجد في إنجيل يوحنا سبعة أنواع من الشهادات للميسح، منها ثلاثة مختصة بالآقانيم الثلاثة:
شهادة الآب: 31:5 و 34 و37 و 18:8.
شهادة المسيح لنفسه: 14:8 و 18 و 11:3 و 32 و 37:18.
شهادة الروح القدس: 39:5 و 46.
ثم شهادة الآعمال التي يعملها المسيح: 36:5 و 25:10 و11:14 24:15.
ثم شهادة الأسفار المقدسة: 39:5 و 46 .
والشاهد السادس هو يوحنا المعمدان.
أما الشهادة السابعة فهي لمجموعة عديدة من الآشخاص منهم التلاميذ 27:15 و 35:19 و 24:21، ثم السامرية في بكور الرسالة، وكذلك نثنائيل، وبطرس في الختام. كما لا ننسى شهادة توما الفائقة القدر، وشهادة الآعمى الذي صار بصيراً.
على أن الشهادة كما يقدمها القديس يوحنا فى شخص المعمدان هي بمثابة وضع الرقبة تحت سيف القاتل. فالذي يشهد للمسيح أنه ابن الله كان عليه أولاً أن يفرط في نفسه وفي الحياة, ولذلك تأتي شهادته توكيداً "للحق" الذي كان عنده أعلى قيمة من الحياة. ويسلمنا القديس يوحنا إنجيله محمولاً على رقاب كثيرة أولهم المعمدان.
العامل الثاني وهو السلبي: لأنه قامت شيعة يهودية نصف مسيحية تتعصب للمعمدان كونه هو المسيح, نسمع عن بدايتها في إنجيل لوقا: "وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح...»» (لو 15:3). ثم في سفر الأعمال: "ثم أقبل إلى أفسس يهودي اسمه أبلوس إسكندري الجنس رجل فصيح مقتدر في الكتب. كان هذا خبيرأ في طريق الرب (التنبؤات عن المسيا)، وكان وهو حار بالروح يتكلم ويعلم بتدقيق ما يختص بالرب عاوفاً معمودية يوحنا فقط" (أع 24:18-25)، كذلك: "بولس بعد ما اجتاز في النواحي العالية جاء إلى أفسس، فإذ وجد تلاميذ قال لهم هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم, فقالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلآ للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بالمسيح يسوع. فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع. ولما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأرن. وكان جميع الرجال نحو اثني عشر" (أع 1:19-7)
وفي ختام القرن الأول بلغت هذه الشيعة شأواً كبيراً بلبل الكرازة، هذا مما جعل القديس يوحنا يركز على كون المعمدان جاء للشهادة فقط ليشهد للنور ولم يكن هو النور, واستطرد في توضيح ذلك كلما جاء ذكر المعمدان.
يتبع