كان الأب بيسورا Pisoura أسقفًا لمدينة مصيل (فوة، أو المزاحمتين) بوجه بحري. إذ كفر دقلديانوس اشتهى هذا الأسقف أن يقدم ذبيحة حب لله، فجمع الشعب، وأوقفهم أمام المذبح، ثم عرفهم عن شهوة قلبه ألا وهي سفك دمه من أجل المسيح، فبكى الجميع، قائلين: "لمن تتركنا يا أبانا يتامى وتمضى عنا؟" حاولوا أن يمنعوه عن تحقيق ما في قلبه فرفض، مودعًا إياهم في يديْ الرب. انطلق ومعه ثلاثة أساقفة هم: بسيخوس Pisikhos، وفاناليخوس Fanalikhos، وتادرس Theodore. التقوا بالوالي، واعترفوا بالسيد المسيح، فتعرضوا لعذابات كثيرة، خاصة أنه عرف أنهم أساقفة وآباء مؤمنين. احتمل الآباء الأساقفة الآلام بصبر، وكان السيد المسيح يسندهم ويقويهم، حسب وعده الإلهي: "ثقوا أنا قد غلبت العالم". تمتعوا بشركة الآلام مع مخلصهم لتكون لهم معه شركة الأمجاد، كقول الرسول: "فإننا ورثة أيضًا، ورثة الله، ووارثون مع المسيح، إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه" (رو8: 17). أخيرًا ضُربت أعناق الأربعة فنالوا إكليل الاستشهاد، وكان ذلك في عهد الإمبراطور دقلديانوس. أما رفات القديس بيسورا فكانت بنشين القناطر (نشيل بمركز طنطا)، وهي الآن بكنيسة مارجرجس بقصر الشمع بمصر القديمة. السنكسار: 9 توت. -------------------------
بيسوس الراهب
راهب بدير القديس أنبا يحنس كاما بالإسقيط، في عهد البابا خريستوذولس (66) في القرن الحادي عشر. تمتع هذا الراهب بدالة لدى الله مخلصه، وإذ حدث وباء في مصر راح ضحيته واحد وعشرون ألفًا من الأطفال ففزع الكل. وجاء وفد إلى الراهب يطلبون صلواته عن الشعب المصري، فبقى يصلي طول الليل حتى الفجر، عندئذ جاء إلى الوفد يقول: "عودوا في طمأنينة، وقولوا للذين أرسلوكم إن سيدنا المسيح قد تحنن علينا، وسيرفع عنا هذا الوباء بنعمته". وبالفعل إذ رجعوا وجدوا الوباء قد تلاشى.
يمثل قديسنا العظيم الأنبا بيشوي الحياة البسيطة المجاهدة في الرب، التي تقوم على شركة الحب مع السيد المسيح في علاقة شخصية تحطم الحواجز، لتفتح القلب بالروح القدس فيتجلى العريس السماوي فيه ويملك بقوة وسلطان! وُلد في شنشا، قرية بمحافظة المنوفية، حوالي سنة 320م، وكان أحد ستة اخوة بنين تنيح والدهم وقامت والدتهم بتربيتهم. رأت الأم ملاكًا يطلب منها: "إن الرب يقول لكِ اعطني أحد أولادكِ ليكون خادمًا له جميع أيام حياته"، وكانت إجابتها: "هم جميعهم للرب يا سيدي، الذي يريده يأخذه". مدّ الملاك يده ووضعها على هذا القديس وهو يقول: "هذا فاعل جيد للرب". وإذ كان ضعيف البنية نحيف الجسد سألته أن يختار آخر، وكانت الإجابة: "إن قوة الرب في الضعف تكمل". في شيهيت إذ بلغ العشرين من عمره، في عام 340م، انطلق الشاب بيشوي إلى برية شيهيت ليتتلمذ على يديْ القديس أنبا بموا تلميذ القديس مقاريوس. وقد عكف القديس على العبادة في خلوة دامت ثلاث سنوات لم يفارق فيها قلايته، فنما في الفضيلة والتهب قلبه حبًا لله. حياة الوحدة إذ تنيح الأنبا بموا اتفق تلميذاه أنبا بيشوي وأنبا يحنس القصير أن يقضيا ليلة في الصلاة يطلبان إرشاد الله، وكان من ثمرتها أن ظهر ملاك لهما وطلب أن يبقى القديس يحنس في الموضع وحده، فأطاع الأنبا بيشوي وخرج من الموضع مفارقًا صديقه، وصنع لنفسه مغارة بقرب الصخرة القبلية تبعد حوالي ميلين عن القديس يحنس. جهــاده إذ كان محبًا للصلاة صنع ثقبًا في أعلى المغارة جعل فيه وتدًا، وأوثق فيه حبلاً ربط به شعر رأسه، حتى إذا غلبه النعاس وثقلت رأسه يشدها الحبل فيستيقظ، أما من جهة الصوم فصار يتدرب عليه حتى صار يصوم طوال الأسبوع ليأكل يوم السبت. وقد امتزجت صلواته وأصوامه بحبه الشديد لكلمة الله، فحفظ الكثير من أسفار الكتاب المقدس، وكان لسفر ارميا مكانة خاصة في قلبه. قيل انه كثيرًا ما كان يرى ارميا النبي أثناء قراءاته للسفر، وقد دُعيّ "بيشوي الإرميائي". أما عن العمل اليدوي، فكان يراه جزءًا هامًا لبنيان حياته الروحية، وقد آمن بأن من لا يعمل لا يأكل. وقد روى عنه صديقه القديس يحنس القصير أن أحد الأغنياء جاء إليه بمال كثير يقدمه له، أما هو فقال له: "ليس لسكان البرية حاجة إلى الذهب، وليس لهم أن يأخذوا منه شيئًا، امضِ إلى قرى مصر، ووزعه على الفقراء، الله يباركك". وإذ مضى الرجل، ودخل القديس قلايته لاقاه إبليس وهو يقول: "لقد تعبت معك جدًا يا بيشوي." أجابه بإيمان: "منذ سقطت وتعبك باطل." شركته مع ربنا يسوع خلال قلبه النقي البسيط كان يلتقي بالسيد المسيح على مستوى الصداقة، يدخل معه في حوار، وينعم بإعلاناته الإلهية، وينظره. قيل إنه إذ كان مثابرًا في نسكه الشديد وصلواته، ظهر له السيد المسيح ليقول له: "يا مختاري بيشوي، السلام لك، قد نظرت تعبك وجهادك، وها أنا أكون معك". مرة أخرى إذ ظل قديسنا صائمًا مدة طويلة، ظهر له السيد، وقال له: "تعبت جدًا يا مختاري بيشوي." فأجابه القديس: "أنت الذي تعبت معي يا رب، أما أنا فلم أتعب البتة". مرة ثالثة، ظهر له السيد، وقال له: "افرح يا مختاري بيشوي، أتنظر هذا الجبل؟ إني أرسل لك رهبانًا يملأونه، ويعبدونني". قال له القديس: "أتعولهم يا رب في هذه البرية؟" أجاب الرب: "إن أحبوا بعضهم بعضًا وحفظوا وصاياي فإنني أرزقهم وأعولهم في كل شيء". قال له: "هل تنجيهم من كل الشدائد المذكورة في الإنجيل؟" فقال له الرب: "الذي يخافني ويحفظ وصاياي أخلصه، وأنجي من يطيعني من كل تجاربه"، ثم باركه وارتفع. ظهر له السيد المسيح تحف به الملائكة، فسجد له القديس ثم أخذ ماءً وغسل قدميه وعزاه الرب وباركه واختفى. شرب القديس من الماء وترك نصيبًا لتلميذه، وإذ جاء التلميذ طلب منه القديس أن يشرب من الماء الذي في الإناء داخل المغارة، وألحّ عليه وإذ لم يطع ذهب أخيرًا ليجد الإناء فارغًا. روى له القديس ما حدث فندم التلميذ وصار في مرارة من أجل عدم طاعته. إذ كان الرهبان يعرفون عن القديس أنه يرى السيد المسيح مرارًا، طلبوا منه أن يشفع فيهم لينعموا برؤيته مثله، وإذ سأل ذلك من أجلهم وعده الرب أنه سيظهر على الجبل في ميعاد حدده، ففرح الإخوة جدًا، وانطلق الكل نحو الجبل وكان القديس بسبب شيخوخته في المؤخرة. التقى الكل بشيخ تظهر عليه علامات الإعياء والعجز عن السير فلم يبالِ أحد به، أما القديس أنبا بيشوي فاقترب منه وسأله إن كان يحمله، وبالفعل حمله وسار به ولم يشعر بالتعب. فجأة صار الشيخ يثقل عليه شيئاً فشيئًا فأدرك أنه السيد المسيح جاء في هذا الشكل، فتطلع إليه وهو يقول له: "السماء لا تسعك، والأرض ترتج من جلالك، فكيف يحملك خاطئ مثلي؟" وإذا بالسيد المسيح يبتسم له، ويقول له: "لأنك حملتني يا حبيبي بيشوي فإن جسدك لا يرى فسادًا"، ثم اختفى. ولا يزال جسده محفوظًا بديره لا يرى فسادًا. وإذ عرف الإخوة بما حدث حزنوا إذ عبروا بالشيخ ولم ينالوا بركة حمله. لقاء مع مار إفرآم السرياني جاء إليه القديس إفرآم السرياني بناء على دعوة إلهية، التقيا معًا، وكان مار إفرآم يتكلم بالسريانية والأنبا بيشوي بالقبطية، لكن الأخير سأل الله أن يعطيهما فهمًا، فكانا يعظمان الله دون حاجة إلى مترجمٍ. سمع القديس مار إفرآم السرياني من الأنبا بيشوي عن خبرة آباء مصر الرهبانية، وخاصة سيرة القديس مقاريوس الكبير، وبعد أسبوع رحل. جاء أخ إلى القديس أنبا بيشوي طالبًا أن ينال بركة مار إفرآم، وإذ عرف إنه رحل أخذ يجري لكي يلحق به، لكن القديس بيشوي ناداه وقال له إنه لن يلحق به لأن سحابة قد حملته. جاء عن أنبا إفرآم أنه ترك عكازه أمام مغارة القديس أنبا بيشوي. زيارة الملك قسطنطين له إذ مضى القديس يحنس القصير إلى صديقه أنبا بيشوي سمعه وهو خارج القلاية يتحدث، ولكن لما قرع الباب وفتح له لم يجد أحدًا، فسأله عمن كان يتحدث معه، فأجاب: "قسطنطين الملك، حضر عندي، وقال: ليتني كنت راهبًا وتركت ملكي، فإني لم أكن أتصور هذه الكرامة وهذا المجد العظيم الذي للرهبان. إني أبصر الذين ينتقلون منهم يُعطون أجنحة كالنسور، ولهم كرامة عظيمة في السماء". حبه لخلاص كل نفسٍ كان للقديس تلميذ يُدعى إسحق نزل إلى العالم والتقت به امرأة يهودية أغوته فتهوّد وعاش معها. إذ رأى إسحق بعض الرهبان سألهم عن القديس أنبا بيشوي وطلب منهم أن يقولوا له: "ابنك إسحق اليهودي سقط، ويطلب منك أن تصلي لأجله لكي ينقذه الرب"، وإذ سمعت المرأة ذلك، قالت: "ولو حضر بيشوي إلى هنا لأسقطته." رجع الرهبان إلى أبيهم ونسوا ما حدث، فقال لهم القديس: "ألم يقل لكم أحد كلامًا لأجلي؟" أجابوا": "لا". قال لهم: "ألم تلتقوا بإسحق اليهودي؟" عندئذ قالوا له ما حدث فتراجع إلى خلف ثلاث خطوات، وفي كل مرة يرشم نفسه بعلامة الصليب. تعجب أولاده من ذلك، وقالوا له: "حتى أنت يا أبانا تخاف من هذه المرأة؟" أجاب في اتضاع: "يا أولادي إن المرأة التي أسقطت آدم وشمشون وداود وسليمان، من يكون بيشوي المسكين حتى يقف أمامها؟ ليس من يغلب حيل الشيطان في النساء إلا من كان الله معه". وقد بقيّ صائمًا ومصليًا يطلب من أجل ابنه إسحق حتى خلصه الرب وتاب. تركه شيهيت إذ حدث الهجوم الأول للبربر على برية شيهيت سنة 407 م هرب الرهبان من البرية؛ ولما سأل القديس يحنس القصير الأنبا بيشوي: "هل تخاف الموت يا رجل الله؟" أجاب: "لا، لكنني أخاف لئلا يقتلني أحد البربر ويذهب إلى جهنم بسببي". مضى الأنبا يحنس إلى جبل القلزم عند دير الأنبا أنطونيوس حيث تنيح هناك، ومضى الأنبا بيشوي إلى مدينة أنصنا (قرية الشيخ عبادة بملوي) وسكن في الجبل هناك حيث توثقت علاقته هناك بالقديس أنبا بولا الطموهي حتى طلب من الرب ألا يفترقا حتى بعد نياحتهما، وتحقق لهما ذلك. ظل القديس في غربته حتى تنيح في 8 أبيب (سنة 417م)، وقد بلغ من العمر 97 عامًا، ودُفن في حصن منية السقار بجوار أنصنا، ثم تنيح القديس بولا الطموهي، وتولى الأنبا أثناسيوس (من أنصنا) جمع القديسين، ودفنهما معًا في دير القديس أنبا بيشوي بأنصنا (دير البرشا). وفي زمن بطريركية الأنبا يوساب الأول في القرن التاسع أُعيد الجسد إلى برية شيهيت. حاليًا بدير القديس أنبا بيشوي بوادي النطرون.
تعتز الكنيسة في الشرق والغرب بهذا الأب العجيب القديس بيصاريون Bessarion، فتحتفل الكنيسة القبطية بعيد نياحته في 25 مسرى، بينما يعيد له الغرب في 17 يونيو. عاش هذا الأب المصري في القرن الرابع؛ شبهه المعجبون به بموسى ويشوع وإيليا ويوحنا المعمدان. قيل عنه إنه كان أحيانًا يعيش مع وحوش البرية المفترسة. تغرّبه وُلد من أبوين مسيحيين، وقد أحب الحياة الملائكية منذ صباه فشعر بتغربه عن العالم، وبقي هذا الشعور ملازمًا له كل أيام غربته. انطلق أولاً إلى الأنبا أنطونيوس الكبير حيث مكث زمانًا تحت تدبيره، ثم جاء إلى القديس مقاريوس يتتلمذ على يديه، وأخيرًا هام في البرية كطائرٍ غريبٍ لا يملك شيئًا ولا يستقر في موضع، منتظرًا راحته الأبدية. روى تلاميذه عنه أن حياته كانت كأحد طيور السماء أو حيوان البرية، يقضي حياته بلا اضطراب أو هّم. لم يكن يشغله اهتمام بسكنٍ يقطنه، ولا أمكن لشهوة أن تسيطر على نفسه. لم ينشغل بطعام ولا بناء مساكن ولا حتى بتداول كتب، إنما كان بالكلية حرًا من كل آلام الجسد، يقتات بالرجاء في الأمور العتيدة، محاطًا بقوة الإيمان. كان يعيش بصبرٍ كسجينٍ يقُاد إلى أي موضع، محتملاً البرد والعري على الدوام، ومستدفئًا بنور الشمس، عائشًا بدون سقف، متجولاً في البراري كالكواكب. كثيرًا ما كان يُسّر بالتجول في البرية كما في بحر. وإذا حدث أن جاء إلى موضع يعيش فيه رهبان حياة الشركة، يجلس خارج الأبواب يبكي وينوح كمن انكسرت به السفينة وألقته على الشاطئ. فإن خرج إليه أحد الإخوة ووجده جالسًا كأفقر متسولٍ في العالم كان يقترب منه ويقول له بشفقة: "لماذا تبكي يا إنسان؟ إن كنت في عوز إلى شئ فإننا قدر المستطاع نقدمه لك، فقط أدخل واشترك في مائدتنا وتعزى". عندئذ يجيب: "لا أستطيع العيش تحت سقف مادمت لا أجد غنى بيتي (يقصد به الفردوس المفقود)"، ليضيف أنه قد فقد غنى كثيرًا بطرق متنوعة. "لأني سقطت بين لصوص (يقصد بهم الشياطين)، وانكسرت بي السفينة، فسقطت من شرفي وصرت مهانًا بعد أن كنت ممجدًا". إذ يتأثر الأخ بهذه الكلمات يعود إليه حاملاً كسرة خبز، ويعطيه إياها، قائلاً: "خذ هذه يا أبي، لعل الله يرد لك الباقي كما قلت: البيت والكرامة والغنى الذي تحدثت عنه"، أما هو فكان يحزن بالأكثر، ويتنهد في أعماقه، قائلاً: "لا أستطيع أن أقول إن كنت سأجد ما قد فقدته وما أبحث عنه، لكنني سأبقى في حزن أكثر كل يوم محتملاً خطر الموت، ولا أجد راحة لمصائبي العظمى. فإنه يليق بي أن أبقى متجولاً على الدوام حتى أتمم الطريق". اقتناء الحكمة مع بساطته العجيبة، كان يدعو إلى الحكمة ليصير المؤمن كالشاروب والساروف مملوء أعينًا، ففي لحظات رحيله كانت وصيته الوداعية: "يليق بالراهب أن يكون كالشاروب والساروف، كله أعين". عدم الاهتمام بالغد قال أبا دولاس (شاول) تلميذ أبا بيصاريون: [كنا نسير ذات يوم على شاطئ بحيرة، فعطشت وقلت للأبا بيصاريون: "أنا عطشان جدًا يا أبي". فلما صلى قال لي "اشرب من ماء البحيرة". فصار ماء البحيرة عذبًا فشربت. ثم جعلت بعض الماء في وعائي الجلدي خشية العطش بعد حين. فما رآني الشيخ أفعل هذا، قال لي: "لماذا ملأت وعاءك ماءً؟" فقلت لي: "أغفر لي يا أبتي، لأني فعلت هذا خوفًا من الظمأ بعد حين". قال الشيخ: "الله هنا، الله في كل مكان!"] نسكه قال أبا بيصاريون: "وقفت أربعين ليلة ولم أنم". كما قال: "خلال أربعين سنة لم أنم على جنبي بل كنت أنم وأنا جالس أو وأنا واقف". اهتمامه بخلاص النفوس ارتبط اسم القديس بيصاريون بالقديسة تاييس التي دعت نفسها للدنس والخطية فدمرت معها نفوسًا كثيرة. ذهب إليها وتحدث معها حتى جمعت كل غناها في وسط سوق المدينة وأحرقته أمام الجميع، ودخلت أحد أديرة النساء لتعيش حبيسة، وتنال في عيني الرب كرامة عظيمة خلال نعمته الفائقة. تظهر محبته للخطاة وترفقه بهم مما جاء عنه أن شخصًا ارتكب خطأ في الكنيسة فطرده الكاهن منها، فقام الأب بيصاريون وخرج من الكنيسة وهو يقول: "إن كنت قد حكمت على هذا الرجل الذي ارتكب معصية واحدة أنه لا يستحق أن يعبد الله، فكم بالأولى بالنسبة لي أنا الذي ارتكب خطايا كثيرة؟!" من كلماته في هذا الشأن: "ويل لذاك الذي فيه ما هو في الخارج أكثر من الذي فيه ما هو في الداخل (بمعنى الويل للذي ينظر إلى خطايا أخيه الخارجية ولا يتطلع إلى خطاياه هو الداخلية)". عجائب الله معه قال تلميذه: إذ كان في طريقه بلغ إلى نهر Chrysoroon، ولم يكن يوجد ما يعبر به، فبسط يديه وصلى وعبر إلى الشاطئ الأخير. أما أنا فدُهشت، وصنعت له مطانية، قائلاً: "عندما كنت تعبر فوق النهر إلى أي حدٍّ كانت رجلاك يا أبتِ تشعران بالماء الذي تحتك!" قال: "كنت أشعر بالماء عند كعبي، أما بقية قدمي فكان تحتها يابسًا". دفعة أخرى كنا في رحلة إلى أحد الحكماء العظماء، وكادت الشمس تغيب. صلى الشيخ، قائلاً: "أرجوك يا سيدي أن تجعل الشمس تدوم في مكانها حتى أمضي إلى عبدك"، وهذا ما حدث فعلاً. أتيت إليه مرة في قلايته لأخاطبه، فرأيته واقفًا يصلي باسطًا يديه نحو السماء، ومكث واقفًا أربعة أيام وأربع ليالٍ، ثم دعاني وقال لي: "تعال يا ابني". فخرجنا وسرنا في طريقنا، وإذ عطشت قلت له: "يا أبتِ، أنا عطشان"، فانفصل عني نحو رمية حجر وصلى، ثم عاد إليّ ومعه في عبائته ماء من الهواء فشربت، ومضينا في طريقنا إلى ليكيوس (أسيوط) إلى الأنبا يوحنا. وبعدما سلم أحدهما على الآخر، صلى وجلس وخاطبه بخصوص رؤيا رآها. فقال أنبا بيصاريون: "من قبل الرب خرج أمر أن تزول جميع معابد الأصنام"، وقد حدث ذلك تمامًا إذ استؤصلت جميعًا في ذلك الوقت. كان لرجل في مصر ابن مفلوج، حمله على كتفيه إلى الأنبا بيصاريون وتركه عند باب قلايته يبكي وارتحل إلى موضع بعيد. إذ سمع الشيخ صوت بكاء الصبي ونظره، قال له: "من أنت؟ وما الذي جاء بك إلى هنا؟" أجاب الصبي: "أبي أحضرني ومضى وهاأنذا أبكي". قال له الشيخ: "قم، اجرِ وراءه وألحق به"، وفي الحال شُفي الصبي ومضى إلى أبيه الذي أخذه ورحل. مرة أخرى جاء إلى الكنيسة رجل به شيطان، وأُقيمت من أجله صلاة في الكنيسة، لكن الشيطان لم يخرج إذ كان من الصعب إخراجه. فقال الكهنة: "ماذا نعمل بهذا الشيطان؟ لا يقدر أحد أن يخرجه إلا أبا بيصاريون، ولكننا إن سألناه أن يخرجه لن يأتي حتى إلى الكنيسة، إذن سنفعل هذا دون علمه، لأن أبا بيصاريون يأتي إلى الكنيسة عند الصباح قبل الجميع، نضع المريض في طريقه، وعندما يدخل نقف للصلاة، ونقول له: انهض الأخ يا أبانا". وهكذا فعلوا، فعندما جاء أبا بيصاريون إلى الكنيسة في الصباح، وقف الإخوة جميعهم للصلاة، وقالوا له: "انهض الأخ يا أبانا". فقال له الشيخ: "قم وأخرج"، وللحال خرج منه الشيطان وشفي. من كلماته سأل أخ يقيم مع إخوة أبا بيصاريون: "ماذا أفعل؟" أجابه الشيخ": "احفظ السكون، وأحسب نفسك كلا شئ!" ليكن لك اهتمام عظيم أيها الراهب ألا ترتكب خطية حتى لا تهين اللَّه الساكن فيك وتطرده من نفسك
استشهد في أيام الإمبراطور دقلديانوس، حوالي سنة 303م. سمع عن الاضطهاد، فحسب ذلك فرصة للتمتع بالإكليل السماوي. بغيرة متقدة وقف وسط المدينة يحث المؤمنين على الاستشهاد بفرح، وإذ تجمع حوله كثيرون معلنين اشتياقهم لنوال الإكليل انطلقوا في موكب قاده بيفا بنفسه، حتى إذ بلغ بهم إلى قصر الوالي أعلن إيمانه جهارًا، فغضب الوالي جدًا وصار يعذبه، متهمًا إياه بالجنون. كانت يدّ الله معه وسط عذاباته، فعندما بدأوا عصره بالهنبازين نزل ملاك الرب وكسر الهنبازين كما أُصيب بعض الجند بشللٍ. في محبة عجيبة اهتم بالجند وشفاهم فاُتهم بالسحر. أمر الوالي بوضعه في سرير مُحمى بالنار، فنزل ملاك وأطفأ اللَّهيب. وإذ اغتاظ الوالي أمر بربطه بقيود وكانوا يطوفون به في المدينة وهو يُضرب بالسياط ليكون عبرة، أما هو فكان يتقبل ذلك بفرح وتهليل قلب. أُعيد إلى السجن فصار يسند المسجونين ويثبتهم، وإذا به يرى السماء مفتوحة وكأن شخصًا نورانيًا يحمل إكليلاً ويدعوه لنواله. رُبط في ذيل خيل ليسحب ويترضض، وأخيرًا قطعوا رأسه فنال شهوة قلبه. تحتفل الكنيسة القبطية بعيد استشهاده في 24 من شهر طوبة.
كان الصبي بيفام خال الأمير يوحنا الهرقلي، الذي رافقه خاصة في فترة استشهاده بصعيد مصر. أبى الشاب الأمير يوحنا أن يكون شريكًا مع دقلديانوس في الملك بزواجه أخت زوجته، ووبخ دقلديانوس بقوة وشجاعة من أجل جحده الإيمان، وإذ أرسله إلى مصر ليهدم البرابي ويعيد بناء أفضل منها، هدمها دون أن يبني غيرها بل وشهد لمسيحه أمام أريانا والي أنصنا فنال عذابات كثيرة واستشهد. عندئذ صار خاله بيفام وهو صبي في العاشرة من عمره يبكي، قائلاً: "الويل لي يا حبيبي يوحنا لأن لي حزنًا عظيمًا من بعدك، لأنك لما كنت في الجسد كنت أتعزى بك، وكان قلبي ثابتًا لأني كنت أنظر وجهك، يا سلوتي في غربتي". خرج صوت من جسد القديس يوحنا، قائلاً: "يا حبيبي بيفام، إن كنت تريد أن تصير شهيدًا فدعْ جسدي هنا واسرع لتلحق الوالي في مدينة أسيوط، فيكتب قضيتك، وها قد أمر الرب أن يوضع جسدك مع جسدي، وأما نفسك فستكون معي، وأنا أخرج وأتلقاها مع صفوف القديسين". إذ سمع الصبي هذا الكلام أسرع ولحق بأريانا في مدينة أسيوط، فصرخ: "أنا مسيحي"، ورشم ذاته بعلامة الصليب. غضب أريانا وأمر بتعذيبه وقطع رقبته، وكان ذلك في الخامس من شهر بؤونة.
نشأ في مدينة طحا بصعيد مصر من أبوين وثنيين. وإذ بلغ الثانية عشرة من عمره قدم أبوه عطايا كثيرة للأمير لينتظم ابنه في الجندية، فارتقي بيفام حتى صار من مقدمي قصر إبرجت، وقد عُرف عنه حبه للعدل والدفاع عن المظلومين خاصة الفقراء. إذ رأى فيه الله شوقه الحقيقي للحق وترفقه الشديد بالفقراء أرسل له الملاك غبريال يرشده أن يذهب إلى أحد الكهنة يعلمه ويعمده، وقد بقي يعبد اللَّه سرًا مع قديسين آخرين. لقاؤه مع بقطر بن رومانيوس إذ جاء بقطر بن رومانيوس الوزير إلى مصر ليستشهد، خرجت الجماهير تنظره، من بينهم بيفام، فنظر إليه بقطر ودعاه باسمه موصيًا باسمه إياه هكذا: "يا أخي بيفام، إياك أن ترغب في مجد الملوك الوثنيين، لأن مجدهم سريع الزوال". أجاب بيفام: "إني أؤمن بالمسيح، ولكن لا يمكنني أن أجاهر أمام الملوك خوفًا من غضبهم." قال له بقطر: "هذا الإيمان لا يجديك نفعًا، مثلك مثل إنسان يمتلك جوهرة مضيئة، وبدلاً من أن يجعلها تنير للآخرين طمرها في الأرض، أما أنت يا أخي بيفام فاجتهد في نيل إكليل الشهادة، فإني دعوتك لهذا الغرض وحده، وهذا وقت يعمل فيه للرب، لأن الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج". بالفعل إذ حضر بيفام الجندي وليمةً رفض التبخير للأوثان، وإذ اُتهم بالعصيان ألقي بالمنطقة أمام مندوب الملك، وكان عمره في ذلك الوقت حوالي الثلاثين، فصدر الأمر بإلقائه في السجن. هناك ظهر له رئيس الملائكة غبريال وشجعه، قائلاً له: "طوبى لمن ينتقل من هذا العالم وهو حامل ثمرة إيمانه بالسيد المسيح؛ لتكن قوته وسلامه معك." استشهاده اُستدعى القديس بيفام وعُرض عليه السجود للأوثان فرفض، فأُرسل إلى أسيوط مقيدًا حيث التقى بشهداء كثيرين، وقد صبَّ عليه الوالي عذابات كثيرة من عصر بالهنبازين، وتجريح رأسه بأمشاط حديدية، ووضع مشاعل نار عند جنبيه، وفي هذا كله كان يشكر الله ويسّبحه، إذ حول الله الألم إلى تعزية داخلية. أرسل له الرب ملاكًا يعزيه... ثم كتب الوالي قضيته، وأمر بقطع رأسه خارج مدينة أسيوط، وقد تم ذلك في أول شهر بؤونة. حضرت أخته سارة لحظات استشهاده، وسمعته يسبح الله كما رأت رئيس الملائكة غبريال يحمل نفسه وقد ارتدى القديس حلة نورانية وصعد بها وسط تسابيح وتهليل. هكذا عاش متهلل الروح وسط آلامه وانطلق وسط الأفراح السماوية ليمارس الفرح الأبدي. أُقيمت كنيسة باسمه هي كنيسة مارفام بابنوب، في الموضع الذي أكمل فيه سعيه. نبيل سليم وجرجس المنياوي: مار يوحنا الهرقلي والثلاثة بيفام القديسين، 1966.
جاء في تاريخ الكنيسة قديسات كثيرات يحملن اسم "بيلاجيا" Pelagia منهن: 1. الناسكة بيلاجيا التي تابت على يدي القديس نونيوس أسقف الرها وتزيت بزي راهب في جبل الزيتون. 2. عذراء طرسوس الشهيدة بيلاجيا، يعيد لها الغرب في 4 مايو. 3. العذراء الشهيدة بيلاجيا الأنطاكية، يعيد لها الغرب في 9 يونيو. الناسكة بيلاجيا تسمى "المجدلية الثالثة" بعد القديسة مريم المصرية التي دعيت بـ"المجدلية الثانية". تحولت هذه الفتاة من حياة الشر والدنس إلى الحياة التقوية النسكية بقوة إلهية فائقة. تعيد لها الكنيسة في 8 أكتوبر (تنيحت حوالي عام 460م). يصعب وصف دور بيلاجية التي عاشت في إنطاكية في القرن الخامس لا همَّ لها إلا اقتناص الرجال لممارسة الشر وتقديم كل غالٍ وثمينٍ عند قدميها. كانت تسير في شوارع المدينة بموكب، تمتطي بغلاً أبيض وترتدي ثوبًا خليعًا يبرز مفاتن جسمها، خاصة وأن الله وهبها جمالاً رائعًا، استخدمته لاصطياد النفوس لحساب الشر. كانت تتزين بالجواهر الثمينة والحلي لتعلن دلالها وترفها. انعقد مجمع في إنطاكية بدعوة من بطريركها حضره مجموعة من الأساقفة من بينهم الأب نونيوس Nonnus أسقف الرُها. وكانت المدينة كلها تتحدث عن هذه الفتاة التي حطمت نفوس الكثيرين حتى من المسيحيين. إذ جلس الأب الأسقف مع زملائه قال: "لقد سررت جداَ أن أرى بيلاجية، فقد بعثها الله درساَ لنا. إنها تبذل كل طاقتها لتحفظ جمالها وتمارس رقصاتها فتسر الناس، أما نحن فأقل غيرة منها في رعاية إيبارشياتنا والاهتمام بنفوسنا". في الليل إذ دخل الأسقف مخدعه كانت نفسه متمررة من أجل هذه المرأة التي يستخدمها العدو لغواية الكثيرين، فصار يبكي بمرارة لكي يحررها الله من هذا الأسر ويهبها خلاصًا. وفي الليل إذ نام حلم أنه يخدم ليتورجية الأفخارستيا (القداس الإلهي)، وإذا به يرتبك لاًن طائرًا قبيح المنظر صار يحوم حول المذبح. وعندما صرف الشماس الموعوظين عند بدء قداس المؤمنين انطلق أيضًا الطائر، لكنه دخل إلى غرفة المعمودية عند باب الكنيسة، ثم غطس في المياه ليخرج حمامة بيضاء كالثلج انطلقت نحو السماء واختفت. في الصباح، إذ كان يوم أحد، وقف الأب الأسقف يعظ عن الدينونة الرهيبة، وإذ كانت بيلاجية حاضرة مع أنها لم تكن قد انضمت إلى صفوف الموعوظين، شعرت كأن الله يوبخها، يرسل لها كلمة وعظ شخصية فبدأت تبكي بدموعٍ مرة، وبعد العظة انطلقت إلى الأسقف تسجد لله حتى الأرض وتطلب صلاة الأسقف عنها. عمادها إذ رأى الكل صدق توبتها قدم لها البطريرك الأنطاكي شماسة تدعى رومانا Romana تتعهدها روحيًا، وإذ نالت سرّ العماد بقيت في ثوبها الأبيض أسبوعًا كاملاَ كعادة الكنيسة الأولى تمتزج دموع توبتها بفرحها الداخلي العميق من أجل غنى مراحم الله . وقد تعلقت الشماسة بها جدًا رغم قلة مدة تعارفها عليها حتى لم تحتمل فراقها بعد ذلك. انطلاقها إلى أورشليم في اليوم الثامن من عمادها جاءت بكل ما تملكه وألقته عند قدميْ الأسقف نونيوس لتوزيعه على الفقراء ثم استبدلت الثوب الأبيض بمسوح، وتزيّت بزيّ رجل وانطلقت إلى أورشليم تحمل اسم "بيلاجوس". وهناك سكنت في مغارة تمارس حياة الوحدة في جبل الزيتون، فجذبت نفوس كثيرة إلى الله بصلاتها وصمتها. لم يكتشف أحد أمرها إنما عرف الكثير فضائلها كراهب متوحد وبعد ثلاث أو أربع سنوات تنيحت، وإذ أرادوا تكفينها أدركوا أنها امرأة. عرف الأسقف نونيوس برقادها فأعلن بنفسه عن سيرتها، والحوار الذي دار بينه وبينها في لحظات توبتها، إذ كانت تلقب نفسها “بحر الشر”، “هاوية الدنس”، “جوهرة الشيطان وسلاحه”.
قيل إنها فتاة جميلة جدًا من طرسوس، نشأت على يديْ مربية مسيحية، وكان والداها وثنيين، تقدم لها أحد أبناء الأشراف ليتزوجها (قال البعض انه ابن دقلديانوس نفسه أو أحد أقربائه)، فطلبت من والديها أن يسمحا لها بزيارة مربيتها القديمة قبل أن ترتبك بأمر زواجها. التقت بيلاجيا بمربيتها حيث أعلنت لها أنها قد تأثرت جدًا بتصرفات المسيحيين أثناء عذاباتهم واستشهادهم، وسألتها أن ترشدها إلى الحق. أعلنت المربية لها أسرار الإيمان، وإذ وجدت قلبها ملتهبًا بحب المخلص، أخبرت الأسقف Clino، فقام بتعميدها وتقديم الأسرار المقدسة لها. عادت الفتاة إلى أهلها تعلن إيمانها الجديد بالسيد المسيح وترفض الزواج، وإذ سمع خطيبها انتحر، أما والدتها فاغتاظت لهذا التصرف وامتلأت حقدًا على ابنتها، فوشت بها لدى الإمبراطور لعله يستطيع أن يؤدبها ويرجعها إلى عقلها ولو بقسوة وعنف. استدعاها الإمبراطور وإذ رأى جمالها الفائق، فعوض معاقبتها التهب قلبه بحبها وصار يلاطفها معلنًا شوقه للزواج منها. أما هي فكان قلبها قد ارتبط بحب السماويات ورفض كل غنى وشهوات الجسد لذا رفضت الزواج كما أعلنت مسيحيتها بشجاعة أمامه. تحولت محبة الإمبراطور لها إلى كراهية شديدة ورغبة في إذلالها، إذ حسب رفضها الزواج منه إهانة وإذلال، كما حسب الشهادة للسيد المسيح عداوة شخصية له، لذا أمر بربطها بثور من النحاس يوُضع على النار حتى احترق جسمها، وعاد فطرحها وهي محترقة بالنار وسط الأسود لتأكلها، وإذا بالأسود تتحول عن طبعها الوحشي، وتبقى حارسة لها، لتعلن أن البشرية الجاحدة أكثر عنفًا من الحيوانات المفترسة. جاء الأب الأسقف وأخذ جسدها المقدس بالرب ودفنها بإكرام عظيم في جبل بالقرب من المدينة.
امتدحها القديسان إمبروسيوس ويوحنا الذهبي الفم، اللذان ألقيا أكثر من عظة عنها. غالبًا كانت تلميذة لوقيان، أحاط بمنزلها الجند وهي في سن الخامسة عشرة وأرادوا اغتصابها، وإذ رأت خطر فقدان عفتها يحيط بها يبدو أنها صرخت في داخلها، وبحسب قول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الله أوحى إليها أن تستأذن الجند لترتدي بعض الملابس فانطلقت إلى السطح لتلقي بنفسها وهي متهللة لأن الله خلصها من فسادهم! إيماننا لا يقبل الانتحار في أية صورة من الصور، لكننا لا نعرف ظروف هذه العذراء في إلقاء نفسها بفرح، إنما ما يبرر تصرفها ربما إعلان الله لها بذلك، وأن ما قامت به لم يكن عن ضغطٍ نفسيٍ، وإنما كان بفرح وبهجة لخلاصها من فقدان بتوليتها وعفتها. تنيحت في 9 يونيو (حوالي سنة 311م).
------------------------------
بيلوسيانوس القديس
صديق القديس أنبا أنطونيوس الكبير، الذي اشترك مع زميله الراهب إسحق في دفن القديس أنبا أنطونيوس. يبدو أن القديس جيروم الذي حدثنا عنه قد رآه.
القديس بيليوس St. Peleus شهيد مصري في فلسطين. إذ استراحت الكنيسة قليلاً من الاضطهاد بنى بعض المعترفين كنائس في فلسطين، فأرسل فامليان والي فلسطين إلى الإمبراطور غاليريوس يخبره عن الحرية التي ينعم بها المعترفون، فأجابه الطاغية أن يقودهم إلى المناجم في قبرص أو لبنان أو أماكن أخرى. بدأ أولاً بحرق أربعة أشخاص بعد قضاء فترة في مناجم النحاس هم: الأسقفان المصريان بيليوس ونيلس والكاهن إيليا وعلماني. هؤلاء غالبًا استشهدوا في فينون Phunon بالقرب من بترا، في نفس الموضع الذي استشهد فيه تيراميو Tyrammio أسقف غزة ورفقاؤه. استشهد في 19 سبتمبر سنة 310 م.
-------------------------
بيمانون الشهيد
هذا كان شيخ بلدة بنكلاوس من أعمال البهنسان وكان غنيًا رحومًا على الفقراء، فظهر له السيد المسيح في رؤيا وقال له: "قم امضِ إلى الوالي واعترف باسمي فإن لك إكليلاً معد هناك". فلما استيقظ من نومه فرق كل ماله على الفقراء والمساكين، ثم صلى وخرج إلى البهنسا واعترف بالسيد المسيح. لما عرف الوالي أنه مقدم بلده، طالبه بأواني الكنيسة التي في بلده وعرض ليه عبادة الأوثان، فأجابه قائلاً: "إني لا أسلم الأواني، أما عبادة الأوثان فإني لا أعبد إلا ربي يسوع المسيح". فأمر الوالي بقطع لسانه وتعذيبه بالعصر والحرق، وكان الرب يخلصه ويشفيه. ثم أرسله الوالي إلى الإسكندرية وهناك أودع السجن. وكان ليوليوس الأقفهصي أخت بها شيطان، فصلى عنها هذا القديس فشفيت، وشاعت هذه المعجزة بالمدينة فآمن جمع كبير. فغضب الوالي وعذبه بالهنبازين وقلع أظافره وكان الرب يقويه ويشفيه، فلما تعب الوالي من تعذيبه أرسله إلى الصعيد وهناك قطعوا رأسه ونال إكليل الشهادة، فحمل غلمان يوليوس الأقفهصي جسده إلى بلده. السنكسار، 8 أبيب.
"بيمن" باليونانية معناها "راع". إذ تحدثنا عن القديس أيوب (أنوب) قلنا أن سبعة أخوة عاشوا معًا في حياة رهبانية، وهم بيمن وأيوب ويوحنا ويوسف وسنوس ويعقوب وإبراهيم، نشأوا في عائلة تقية فخرج الكل محبين لحياة الزهد وتكريس القلب بالكامل لله. فاق القديس بيمن جميع اخوته في اتضاعه، متى جاء إليه أحد ليسأله أمرًا روحيًا غالبًا ما يرسله إلى أخيه أيوب، قائلاً عنه إنه أكبر منه. قيل إنه انطلق إلى برية شيهيت في سن مبكر جدًا، حوالي عام 390م، وبقي هكذا سبعين عامًا حتى تنيح حوالي عام 460م، عاصر الآباء القديسين أرسانيوس ومقاريوس الكبير ومقاريوس السكندري وغيرهم. عاصر الثلاث غارات الكبرى للبربر على البرية: ا. الغارة الأولى سنة 395م حيث نزل مع إخوته إلى ترنوني (اللطرانة حاليًا)، ومكث فيها مدة مع إخوته الستة في بربا قديمة، عادوا بعدها إلى شيهيت. ب. الغارة الثانية عام 434م، حيث نزل إلى مصر (منف). جـ. الغارة الثالثة عام 444م حيث تغرب في صعيد مصر فترة من الزمن. الصوم المعتدل إذ سأل الأب يوسف أخاه الأب بيمن عن الطريقة السليمة للصوم، أجابه أنه يفضل أن يأكل الإنسان قليلاً جدًا كل يوم ولا يشبع رغبته في الأكل. أجاب الأب يوسف: "لما كنت صغيرًا ألم تكن تصوم يومين يومين في وقت من الأوقات؟" قال له الأب بيمن: "لقد فعلت ذلك، وأحيانًا كنت أصوم ثلاثة أيام وأحيانًا أخرى أربعة أو أكثر، وكل القدامى تقريبًا مروا بهذه الخبرة لكنهم وجدوا في النهاية أن الأفضل للإنسان أن يأكل كل يوم مقدارًا ضئيلاً جدًا من الطعام، وبهذا أرشدونا إلى طريقٍ مأمونٍ سهل الوصول إلى الملكوت". بهذه الطريقة لا يسقط الإنسان في الكبرياء ولا يذل في الاعتداد بالذات. بين النسك والمحبة كان القديس أنبا بيمن رقيقًا للغاية، مملوءًا حبًا، يهتم بأعمال المحبة والرحمة، فقد قدم لتلاميذه مثلاً بأن رجلاً له ثلاثة أصدقاء، الأول سأله أن يأتي معه إلى الملك فسار به حتى منتصف الطريق، والثاني سأله نفس الأمر وذهب به حتى بلاط القصر، أما الثالث فدخل به داخل البلاط وأوقفه بين يديْ الملك وتكلم عنه في كل ما يريده من الملك. سأله الإخوة عن هذا المثل فقال بأن الصديق الأول هو "النسك والحرمان" اللذين يبلغان بالإنسان إلى منتصف الطريق لكنهما يعجزان عن أن يكملا معه الطريق، والثاني هو الطهارة، أما الثالث فهو "الحب" أو أعمال الرحمة التي تدخل بالإنسان إلى حضرة الله وتشفع فيه بدالة قوية. قيل أن هذا المثل أخذه عن رجل "علماني" جاء لزيارة الرهبان، وألحّ عليه القديس أن يقول كلمة، فقال هذا المثل. ترفقه بالخطاة إذ علم رئيس أحد الأديرة بمنطقة الفرما أن بعض الرهبان ينزلون إلى المدن ويفقدون روح رسالتهم أراد أن يؤدبهم بعنف، فأتى بهم وسط اجتماع الرهبان ونزع عنهم ملابسهم الرهبانية وطردهم إلى العالم. وإذ شعر بتبكيت في داخل نفسه على تصرفه هذا انطلق إلى الأنبا بيمن يطلب مشورته، وكان معه ملابس الرهبان المطرودين. سأله الأنبا بيمن: "أيها الأخ، هل خلعت عنك الإنسان العتيق حتى لم يبقَ له فيك شئ قط؟" أجاب: "للأسف، لازلت أعاني الكثير من عبوديته". قال الأنبا بيمن: "إذًا لماذا تقسو هكذا على إخوتك وأنت لاتزال تحت الآلام، اذهب ابحث عن ضحاياك، وأحضرهم إليَّ". فذهب وجاء بالإحدى عشر راهبًا، وكانوا نادمين، فقبل القديس بيمن توبتهم وألبسهم إسكيم الرهبنة وصرفهم وهم متجددون. تظهر محبته وترفقه بالخطاة مما جاء عنه إنه إذ كان في إحدى قرى مصر، كان بجواره أخ يسكن مع امرأة شريرة، وإذ عرف القديس لم يوبخه، بل حين حان وقت ولادتها أرسل الأب مع أحد الأخوه نبيذًا (ربما كدواء)، قائلاً إنه قد يكون في حاجة إليه في هذا اليوم. تألم الأخ جدًا وللحال توجه إلى القديس بيمن يقدم توبة صادقة، إذ ترك المرأة وانطلق إلى البرية وسكن في قلاية مجاورة للقديس وكان يستشيره في كل شئ فسما في الحياة الفاضلة في الرب. حبه للسكون والوحدة لم يكن الصمت عنده فضيلة في حد ذاتها، إذ قال: "إن الصمت من أجل الله جيد، كما أن الكلام من أجل الله جيد." يظهر ذلك بوضوح عندما جاء إليه أحد الزائرين من موضع بعيد، وكان يخشى ألاّ يفتح له باب قلايته ولا يقابله إذ كان الوقت صومًا، أما هو فقال له: "إني لا أعرف أن أغلق في وجه أحد الباب الخشبي، بل إني أجتهد بمداومة أن أغلق باب لساني". ومن كلماته: "قد تجد إنسانًا يظن أنه صامت لكنه يدين الآخرين بفكره، فمن كانت هذه شيمته فهو دائم الكلام... وآخر يتكلم من باكر إلى عشية لكن كلامه فيه نفع للنفس، مثل هذا أجاد الصمت". قيل انه في بداية حياته الرهبانية كان أخوه بائيسيوس محبًا للخروج والدخول، وله صداقة مع رهبان في أماكن كثيرة، فأبى أنبا بيمن أن يكون الحال هكذا، فعاتب أخاه على تصرفاته هذه ولم يسمع له. ذهب أنبا بيمن إلى أنبا آمون يشتكى له أخاه، فأجابه: "يا بيمن، أما تزال حيًا؟ اذهب ولازم قلايتك وضع في قلبك أن لك سنة كاملة في القبر". وقد أتقن الأنبا بيمن هذا التدريب، حتى إذ جاء إليه كاهن موفد من أحد الأساقفة التزم الصمت، ولما عاتبه الإخوة، أجابهم: "أنا ميت، والميت لا يقدر أن يتكلم". بالرغم من رقته الشديدة مع الجميع لكنه وضع في قلبه كراهب ألا يلتقي بأحد من أقاربه. جاءت والدته ورأته من بعيد فانطلقت نحو قلايته أما هو فهرب منها. بعث إليها يقول: "إنك لا تبصرينني إلا في الدهر الآتي". ففهمت الأم ما في قلب ابنها وانصرفت. كان له أحد الأقرباء، سقط ابنه في تجربة مرّة إذ دخله روح شرير، جاء إلى الإسقيط، ورأى جموع كثيرة حول قلايته، فأخذ الشاب ووضعه خارج القلاية واختفي إذ خشى أن يبصره فيهرب. رأى أحد الرهبان الشيوخ ذلك فجمع بعض الرهبان، وطلب من كل منهم أن يصلي على هذا الشاب، ولما جاء دور الأنبا بيمن اعتذر حاسبًا نفسه غير مستحقٍ، ولكن من أجل الطاعة رفع عينيه إلى السماء، وبرقة شديدة قال: "يا الله اشفِ هذه الخليقة وحررها من سيطرة الشيطان"، ثم رشمه بعلامة الصليب كما فعل غيره، وللحال خرج الروح الشرير، وأُعيد الشاب لوالده. أراد حاكم تلك المنطقة أن يرى الأب بيمن لكنه لم يقبل، فقبض على ابن أخته وسجنه بتهمةٍ ما، وقال انه لن يخرج حتى يأتي الشيخ بنفسه، فجاءت أخته تبكى لينقذ ابنها، فلم يعطها جوابًا، فبدأت تشتمه بكونه قاسي القلب لا يرحم وحيدها، فأجابها: ليس لبيمن أولاد. وإذ سمع الحاكم أرسل إليه يطلب منه ولو كلمة فيطلق ابن أخته. أما هو فأرسل إلى الحاكم يقول له: تصرف بما يليق بالقوانين، فإن كان مستحقًا الموت فليمت، وإن كان بريئًا فأفعل ما تريد. من كلماته كما أن الثياب الكثيرة الموضوعة في الخزانة لمدة طويلة تتهرأ، هكذا الأفكار إذا لم ننفذها جسديًا فإنها مع الوقت تتلاشى. أمام كل ألم يعتريك، الصمت هو الصبر. التشتت هو بدء الشرور. الناس في أغلب الأحوال يتكلمون، وفي القليل يعملون. علّم فمك أن يتكلم بمكنونات قلبك. في اللحظة التي نكتم فيها سقطة أخينا يكتم الله سقطاتنا، ولكن عندما نكشفها يكشف الله سقطاتنا. كل ما يتجاوز القياس (المبالغة) هو من الشيطان. الشر لا يبطل الشر أبدًا، إنما إذا أساء إليك أحد أحسن إليه، لأنك بذلك تجحد الشر. كيف نقتنى مخافة الله وفي ديرنا براميل من الجبن وصناديق ملآنة بالأطعمة المملحة؟
تحتفل الكنيسة بعيد نياحته في التاسع من شهر كيهك. تدعوه "الشهيد بدون سفك دم"، فقد شارك الشهداء شهادتهم للسيد المسيح أمام الولاة، محتملاً عذابات كثيرة من أجل اسم المسيح، وتمتع معهم ببركات رعاية الله الفائقة لهم، فتأهل لرؤى سماوية وسط الآلام، ولكن لم يسمح له الرب بسفك دمه ليتمم رسالته في الكنيسة. نشأته جاء القديس بيمن ثمرة صلوات والديه التقيين الشيخين، ساويرس كاهن مدينة أبسويه بإخميم ومريم العاقر. ظهر ملاك للكاهن في الكنيسة يبشره بميلاد هذا الطفل ويحدثه عن رسالته. نشأ في بيت تقي يتشرب الإيمان الحيّ العملي، وفي التاسعة من عمره أُرسل إلى الكتاب ليتعلم القراءة والكتابة، وكانت نعمة الله تعمل فيه بقوة. صار جفاف شديد حيث لم يرتفع الفيضان ثلاث سنوات متوالية، تنيح في أثنائه الكاهن ساويرس، وانطلقت مريم العجوز مع الفتى إلى قرية "البيار" ليعمل في بستان أرخن تقي يدعى أمونيوس. كان الفتى يحمل طعامه كل صباح ليقدمه لرجل أعمى يلتقي به في الطريق ويبقى صائمًا حتى التاسعة وهو يعمل في البستان باجتهاد. وقد بارك الرب البستان بصورة غير طبيعية، فشعر أمونيوس أن "بيمن" وراء هذه البركة فسلمه كل أمواله كوكيلٍ عنه. هذه الثقة لم تزد بيمن إلا اجتهادًا ومثابرة، وفي نفس الوقت كانت نفسه ملتهبة بالروح فصار يمارس الصلوات الدائمة وأصبح يصوم يومين يومين ثم ثلاثة أيام، وأحيانًا يبقى الأسبوع كله صائمًا. تجربة قاسية حسد عدو الخير بيمن على نموه الروحي وأمانته في العمل، فأثار بعض العمال الأشرار ضده الذين أدركوا أن طهارته وراء هذا النجاح الفائق فأوعزوا إلى امرأة زانية أن تقترب منه وتغويه. وبالفعل إذ جاءت إليه صارت تسئ التصرف فانتهرها وإذ تمادت في تصرفها ضربها بيده فجاءت على قلبها فسقطت ميتة، فخاف الكل. أما هو فجاء بماء وسكب عليه زيتًا وصلى ثم رشّها بالماء ورشم عليها علامة الصليب فقامت في الحال، وخلعت عنها كل الحلي وألقتها بعيدًا لتسجد أمام بيمن بدموع تطلب منه أن يغفر لها ما ارتكبته في حقه، وتسأله أن يصلي عنها ليقبل الله توبتها، الأمر الذي أدهش الحاضرين. وإذ أعلنت صدق توبتها أرسلها إلى أحد أديرة العذارى. حياته الديرية يبدو أن كان لهذا الحدث أثره لا في حياة المرأة وحدها أو الرجال الذين أتوا بها إليه وإنما في حياة القديس بيمن نفسه، فقد وضع في قلبه أن يترك العمل الزمني ليكرس كل وقته للعبادة، فإن كان قد دفع بالزانية التائبة إلى دير العذارى يليق به أن يلتحق هو أيضًا بأحد الأديرة. حمل بيمن ما لديه من أمانات وقدمها لزوجة الأرخن ليوّدعها، قائلاً لها: "استودعك الله أيتها الوالدة المباركة، وقد أرضتني تعاليمك الصالحة، وليبارك الله سيدي الأرخن ويخلص نفسيكما ويعوضكما عن تعبكما معي أجرًا سمائيًا. إذ سمعت ذلك السيدة، وكانت تحسبه كأحد أبنائها بكت كثيرًا وسألته ألا يمضي، فأجابها: "هأنذا لي زمان كثير في خدمتكما يا سيدتي، ومن الآن سأكون خادمًا لسيدي يسوع المسيح". إذ ودّعها انطلق إلى الدير في هناده (بلصفورة) حيث التقي برئيس الدير الذي فرح به من أجل نعمة الله الحالة عليه وبشاشته. جاء الأرخن وصار يقّبل بيمن ويبكي، قائلاً له: "ماذا فعلت بك أيها القديس حتى تمضي وتتركنا يتامى؟! أنت تعلم إنك عندنا أفضل من أخ أو ابن، وكل ما كان لي وضعته تحت تصرفك، وقد بارك اللَّه بيتي وأموالي منذ أتيت إلينا". عندئذ صار رئيس الدير يعزى الأرخن أمونيوس. اعترافه قضى القديس حياته الرهبانية في جهاد روحي نسكي فكان ينمو في الفضيلة. اشتاق أن يشهد للسيد المسيح فذهب إلى أنصنا وصار يوبخ الوالي على تعذيبه المسيحيين، فأمر بتعذيبه، وإذ وضعه على الهنبازين ظهر رئيس الملائكة ميخائيل وكسره فآمن الجند بالسيد المسيح. أُلقى على سرير مُحمى بالنار، وإذ لم تصبه النار أخذ أحد الجند سيخًا محمى بالنار وادخله في بطنه، وإذ انتهره القديس على ذلك انفتحت الأرض وابتلعته، فآمن كثيرون. أُلقى بيمن في السجن وقبل أن يصدر الحكم عليه بالموت كان قسطنطين قد تولى الحكم وجاء الأمر بعدم التعرض للمسيحيين (عام 313م). مع الملكة زوجة ثيؤدوسيوس عند حديثنا عن القديس إيسيذورس قلنا أن الإمبراطور ثيؤدوسيوس أرسل إلى شيوخ البرية يسألهم إن كان يتزوج بامرأة ثانية لينجب طفلاً يرث الملك، وإذ رفض القديس إيسيذورس زواجه بثانية استراح الإمبراطور إلى حين، وبإيعاز من أخته الشريرة بلخاريا أرسل ثانية ليكرر الطلب، وكان القديس قد تنيح فجاء الآباء برسالة الإمبراطور إلى حيث دُفن القديس فسمعوا صوتًا يقول وان تزوج الإمبراطور عشرة نساء لا ينجب طفلاً حتى لا يشترك نسله مع الهراطقة. يروى لنا ميمر القديس بيمن المعترف (نسخه يوحنا بن الطحاوي سنة 1266 ش) أن هذا القديس عاصر الإمبراطور ثيؤدوسيوس والتقى بزوجته التي ذاقت الأمرين من أخت الملك بلخاريا. قيل أن الملكة كانت إنسانة تقية تحب كلمة الله والتسبيح، إذ دخلت الكنيسة في روما وجدت شماسًا يُحسن القراءة شجي الصوت، بتول، فسألته أن يحضر إليها في القصر، وكانت تقضي أغلب اليوم تستمع إلى الألحان وقراءة الكتب. وجدت بلخاريا أخت الملك فرصتها إذ كانت شريرة ومتعلقة بأحد رجال البلاط يدعى مرقيان، والذي تزوجته بعد ذلك. ادعت بلخاريا أن الملكة على علاقة دنسة مع الشماس، وإذ وجده الإمبراطور في القصر غضب، وأخذ من يده الكتاب المقدس. حُمل إلى الساحة لإعدامه، وإذ بالطبيعة تثور وملاك الرب يختطفه ليذهب به إلى أورشليم، وإذ خاف الجند أشاعوا أنهم أغرقوه في البحر. حزنت الملكة جدًا إذ ظنت أنها هي السبب في موته لأنها استدعته إلى القصر، فصارت تبكي بمرارة وتطلب من الله أن يكشف للملك عن الحقيقة. وبالفعل إذ نام الملك أرسل الله ملاكه يخبره بكل شئ وأن ما ادعته بلخاريا محض افتراء. استيقظ الملك ليخبر زوجته انه صفح عنها دون أن يخبرها بالرؤيا، وإذ كانت الملكة قد مرضت وتزايد مرضها جدًا استأذنته أن تذهب إلى مصر لتلتقي بالأنبا بيمن المعترف بجوار أخميم. وقد عزاها القديس وطمأنها على الشماس كما شفاها باسم الرب، وقد رفض قبول الهدايا الكثيرة التي قدمتها ماعدا بعض أواني للمذبح بالدير. مساندته للأسقف تعرض أسقف المدينة لضيق من أسقف غير شرعي (أريوسي) قد جمع شعبًا وصار يقاوم الأسقف الأرثوذكسي، فقان الأنبا بيمن ومعه جماعة من الرهبان ذهبوا إلى الأسقف غير الشرعي وجادلوه حتى أفحموه وتبدد هو وجماعته.
أحد قديسي القرن الرابع، نشأ في دير بمدينة أنيفوAnepho ، أو بانيفيو، أو بانيفيسيس Panephysis، وهى مدينة كبيرة تعرضت لزلزالٍ فتحولت مع القرى المحيطة بها إلى أشبه بمستنقعات، فهجرها سكانها، وأصبحت تصلح لسكنى المتوحدين. موقعها الحالي بحيرة المنزلة. تربى هناك وسط جماعة المتوحدين، وكان ينمو في المعرفة الروحية والحياة التعبدية والنسكية، فصار موضع حب الكل، وفاحت رائحة المسيح الساكن فيه. عمله التدبيري إذ أحبه الرهبان جدًا سيم قسًا بالرغم من امتناعه أولاً، وأصبح مدبرًا لدير يضم مئات الرهبان، فكان مثلاً حيًا للأبوة الصادقة المتضعة. كان يهرب من الكرامات الزمنية فكانت تجرى إليه وتلحقه، وشعر كأن خطرًا يصيبه، لذا فكر جديًا في الهروب من الدير متخفيًا. هروبه من دير طبانسين تخفى القس بينوفيوس وهرب إلى دير طبانسين بالقرب من قنا، في مواجهة دندرة، حيث اشتاق أن يعيش هناك تحت التدبير والطاعة والخضوع عوض الرئاسة. تقدم إلى رئيس الدير، ونصحه الرئيس أن يرجع إلى العالم، إذ يعجز عن أن يبدأ حياته الرهبانية في الدير وهو في هذا السن. ظل بينوفويس واقفًا على الباب يطلب بدموع أن يقبلوه أن يخدم في الدير ولا يقيم كراهب، وتحت الإلحاح قبلوه تحت الاختبار. صار يعمل كمساعدٍ لراهب شاب يعمل في حديقة الدير، فتظاهر كمن هو عاجز عن القيام بالعمل العادي. وكان الراهب الشاب عنيفًا والشيخ في طاعة يسمع له ويتتلمذ على يديه بلا جدال، بل بفرح وسرور. عاش في الدير كأحد الخدم لا يلتفت أحد إليه، وهو بهذا متهلل بالروح. لكن سرعان ما أُعجب به الراهب الشاب وأحبه جدًا. كان يقوم في الليل بأعمال النظافة في الدير التي يأنف منها باقي الرهبان دون أن يعلم أحد. أما بالنسبة لحياته التعبدية فكان يمارسها في الخفاء مع نسكٍ شديدٍ. وإذا دخل الكنيسة احتل الصف الأخير ليسمع بانسحاق دون أن ينطق بكلمة. انكشاف أمره بعد ثلاث سنوات من ممارسته هذه الحياة الهادئة البعيدة عن الأنظار زار أحد رهبان منطقة البرلس الدير الذي فيه الشيخ. ذُهل حين رآه يحمل السبخ ويضعه حول الأشجار، وإذ تعرف عليه جيدًا وقع عند قدميه طالبًا البركة، وكشف أمره للرهبان معلنًا أنه القس بينوفيوس رئيس دير بالبرلس، له أعماله الرعوية العظيمة وشهرته الفائقة. صار الأب يبكي بمرارة لانكشاف أمره بين ذهول كل الرهبان ودهشتهم، فخرج معه وفد إلى ديره ليقدموه إلى رهبانه بتكريمٍ عظيمٍ. استقبله رهبانه بفرح عظيم، إذ كانوا يحسبونه أنه خرج للوحدة فترة قصيرة وقد طالت جدًا، لكنهم إذ عرفوا ما فعله كرموه بالأكثر وانتفعوا من اتضاعه وهروبه من المجد الباطل، أما هو فكان يبكي لانكشاف أمره وحرمانه من العمل بعيدًا عن الأنظار. هروبه إلى بيت لحم لم يحتمل قديسنا الكرامة المتزايدة لذا فكر في الهروب خارج مصر حتى لا ينكشف أمره، وبالفعل تسلل في إحدى الليالي منطلقا إلى دير ببيت لحم حيث تقدم للرهبنة، وتحت إلحاح شديد قبلوه كأحد الخدم، وشاءت إرادة الله أن يكون نصيبه هو العمل في قلاية القديس يوحنا كاسيان الذي كتب لنا سيرته وأقواله. لمس فيه القديس يوحنا كاسيان رقته وقداسته فأحبه جدًا، وتكونت بينهما صداقة روحية دون أن يعلم الأول شيئًا عنه. مرت الأيام وجاء أحد الإخوة من دير البرلس وكشف أيضًا أمره، وتكرر الأمر بعودته إلى ديره بكرامة وتبجيل بينما كانت دموعه لا تجف. زيارة كاسيان له إذ زار القديس كاسيان وصديقه جرمانيوس مصر، ذهب إلى صديقه الحميم القس بينوفيوس، حيث وقع على عنقه وقبّله، ومكث معه في قلايته التي كانت تقع في أقصى الحديقة، وكانا يسبحان الله ويمجدانه. من كلماته كم هي عديدة الوسائل التي بها ننال مغفرة خطايانا، حتى أنه ما من أحد يشتاق إلى خلاص نفسه يتطرق إليه اليأس، لأنه يرى أنه مدعو للحياة بأدوية كثيرة هذا عددها! يحدث أيضا حتى من باب العطف أن نفكر في سقطات الغير أو أخطائهم، فنتأثر باللذة ونسقط بالتالي في هموم الآخرين. عندما تخطر بذاكرتك الخطايا السابقة، اهرب منها كما يهرب الإنسان البار الشريف متى وجد امرأة عاهرة شريرة تطلبه في الطريق العام بواسطة حديثها معه أو تقبيلها إياه.
أبا بيئور Pior أو بيهور بالقبطية تعني "الذي للإله حورس"، وهو غير أبا أور السابق الحديث عنه. أحب الحياة الرهبانية فانطلق إلى القديس أنبا أنطونيوس الكبير عام 325م تقريبا وتتلمذ على يديه لسنوات قليلة، وإذ بلغ الخامسة والعشرين اشتاق إلى حياة الوحدة فاستأذن معلمه وانطلق إلى منطقة نتريا حوالي عام 330م، وعاش في قلاية بعيدة ما بين منطقة نتريا وشيهيت، ربما تقترب من منطقة القلالي، وبقى يتردد أيضا على شيهيت كل أيام حياته. حفر بئرًا فكان ماؤه مرًا، وظل يشرب منها لمدة 30 عامًا حتى تنيح، وكان زائروه يحضرون ماءًا ليشربوا منه. قيل أن الله جعل الماء المر حلوًا في فمه. تشدد في نسكه فصار يأكل خبزًا جافًا مع خمس زيتونات يوميًا، كما صمم ألا يرى أحدًا من أقاربه. جاء عنه: عمل الطوباوي بيهور عند أحد المزارعين وقت الحصاد، ثم ذكره أن يدفع له أجرته فأرجأ الدفع، ورجع أبا بيهور إلى ديره. وفي الموسم الثاني عاد إلى نفس الرجل وجمع المحصول بإرادة صالحة وعاد إلى ديره. مرة أخرى في السنة الثالثة قام أبا بيهور بالعمل نفسه وعاد إلى ديره كما فعل سابقًا دون أن يتقاضى أجرة. بينما كان الطوباوي فرحًا لأنه غُبن في أجرته امتدت يد المسيح على ذلك البيت، فحمل المزارع أجرة الطوباوي وصار يتنقل بين الأديرة يبحث عنه، وبعد صعوبة ومشقة وجده فسقط عند قدميه وتوسل إليه أن يقبل الأجرة التي له. أما القديس فرفضها قائلاً: "ربما تكون في حاجة إليها، أما أنا فالله يهبني أجرتي"، وإذ ألحّ الرجل متوسلاً أن يقبل الأجرة سمح له القديس أن يقدمها للكنيسة. كان أبا بيهور يأكل وهو يمشي، فسأله أحد الإخوة: "لماذا تأكل هكذا يا أبتي؟" قال: "لا أريد أن يكون الطعام مهنة، إنما يكون عملاً ثانويًا". انعقد في الإسقيط اجتماع بسبب أخٍ أخطأ فتكلم الآباء أمام أبا بيهور فظل صامتًا. ثم نهض وخرج يحمل على كتفه كيسًا مملوءًا رملاً، ووضع قليلاً من الرمل في سلة وحملها أمامهم. فلما سأله الآباء عن سبب تصرفه هذا، قال: "هذا الكيس المليء بالرمل هو خطاياي الكثيرة العدد قد تركتها ورائي لئلا أحزن بسببها فأبكي، أما خطية أخي فهي أمامي انشغل بها إذ أنا أدينه، مع أنه لا يليق بي أن أفعل هكذا، إنما يجب بالأحرى أن أضع خطاياي نصب عيني واهتم بها متضرعًا إلى الله أن يغفر لي". عندئذ قام الآباء قائلين: بالحقيقة هذا هو سبيل الخلاص. هذا التصرف شبيه بتصرف القديس أنبا موسى الأسود الذي حمل كيسًا مملوءًا رملاً على ظهره، وكان به ثقب والرمال تتسرب منه، قائلاً إنه وضع خطاياه وراء ظهره لئلا ينظرها وقد جاء ليدين أخاه.
بعد أن حدثنا بالاديوس عن الطوباوية الأم تاليدا، قدم لنا فصلاً عن إحدى الراهبات اللواتي كن تحت رعايتها، وهي العذراء تاؤر Taor. عاشت هذه البتول في الدير ثلاثين عامًا في حياة نسكية وتقشف شديد، فلم تكن تهتم ان يكون لها ملابس رهبانية جميلة ولا حجاب ولا تنتعل حذاء، قائلة: "إنني لست في حاجة (إلى شيء) لأنه لا يوجد ما يُلزمني بالذهاب إلى السوق". في أول كل أسبوع كانت بقية الراهبات يذهبن إلى الكنيسة ليشتركن في التقدمة أما هذه البتول فكانت تبقى في الدير بثياب رثة، لا تكف عن العمل والجهاد. امتلأت حكمة وفطنة، وكانت طاهرة وعفيفة. لم تهتم بالزينة الخارجية فزينت قلبها لعريسها الأبدي.
---------------
تاؤبستي القديسة
تزوجت القديسة تاؤبستي أو ثيؤبستي St. Theopesti برجل رُزقت منه ابنًا واحدًا، وإذ مات رجلها وهي في ريعان شبابها اشتاقت أن تكرس حياتها متعبدة للرب. نذرت نفسها للحياة الرهبانية، وبدأت تمارس الصلوات والأصوام مع مطانيات مستمرة ليلاً ونهارًا. التقت بالقديس الأنبا مقاريوس أسقف مدينة نقيوس (أبشاتي)، حاليًا زاوية رزين بالمنوفية. فاتحت الأب الأسقف في أمر نذرها، وإذ رآها صغيرة السن طلب منها ألا تتسرع بل تجرب نفسها أولا قبل أن تترهبن وتلبس الإسكيم. في طاعة مملوءة إيمانًا عادت إلى بيتها، وأغلقت على نفسها في حجرة تمارس الحياة النسكية بجدية دون أن تهمل رعاية ابنها البالغ من العمر حوالي الثانية عشرة من عمره. كانت ترعاه روحيًا، خاصة خلال القدوة العملية، وكان هو يهتم بمطالب الحياة. وقد تعلق قلب الصبي بالأم القديسة، إذ رأى فيها صورة السيد المسيح، واشتم في حياتها رائحته الذكية. رهبنتها عبر العام على السيدة، وكان الأب الأسقف قد نسى ما وعد به القديسة تاؤبستي، لكن رآها في النوم في هيئة بهية جدًا، تقول له: "يا أبي كيف نسيتني إلى الآن وأنا سأتنيح في هذه الليلة؟" رأى الأب نفسه كأنه واقف يصلي على القديسة الصلوات الخاصة بتكريس راهبة، وأراد أن يلبسها قلنسوة لم يجد فخلع عنه قلنسوته من على رأسه ووضعها عليها، ثم وشحها بالإسكيم المقدس. أمر تلميذه أن يأتي إليه بقلنسوة أخرى ليلبسها. وكان بيد القديسة صليبًا من الفضة ناولته إياه، وهي تقول له: "اقبل من تلميذتك هذا الصليب يا أبتِ". وإذ استيقظ من النوم ذُهل إذ وجد بيده فعلاً صليبًا من الفضة حسن الصنع جدًا، فأخذ تلميذه وانطلق إلى بيتها ليجد ابنها يتلقاه بدموع غزيرة، ويقول له: "لقد استدعتني والدتي في منتصف الليلة وودعتني، وقالت لي: يا ابني مهما أشار عليك به الأسقف افعله ولا تخرج عن طاعته، فإنني سأتنيح في هذه الليلة وأمضي إلى السيد المسيح، ثم صلت علىّ وأوصتني: احفظ جميع ما أوصيتك به ولا تخرج عن رأي أبينا الأسقف". قرع الأسقف الباب، وإذ لم تجبه دخل ليجد القديسة قد تنيحت، وقد توشحت بالإسكيم الذي ألبسه إياها في الرؤيا وأيضا قلنسوته، فانهالت الدموع من عينيه، وسبح الله ومجده الذي يصنع مرضاة قديسيه. كفنها الأب الأسقف كعادة الراهبات، وحملها الكهنة إلى الكنيسة حيث صلوا عليها بإكرام عظيم. إذ سمع رجل مقعد وثني بأمرها طلب من أهله أن يحملوه إلى حيث جسدها، وإذ لمسه بإيمان شُفي، وصار يمشي يمجد الله. تعمد الوثني وأهل بيته على يديْ الأب الأسقف. كان كل من به داء يأتي إلى الكنيسة ويلمس الجسد بإيمان فينال بقوة الرب الشفاء. تحتفل الكنيسة بعيد نياحتها في العشرين من شهر توت.
تاتيان السرياني Tatian the Syrian هو أحد المدافعين المسيحيين في القرن الثاني الميلادي. ولد عام 130م في أرض أشور بسوريا، شرق نهر التيجر، حيث كانت تلك المنطقة مرتبطة في عهد تراجان ببلاد ما بين النهرين (الميصة) وأيضًا بأرمينيا كولاية رومانية واحدة. وُلد من عائلة وثنية، شريفة وغنية جدًا، فتعلم البلاغة والفلسفة اليونانية، كان يتجول من بلد إلى آخر ليتتلمذ على يدي شخص معين. كم كان حزينًا لما اتسم به الفلاسفة من محبة للمال وأخلاقيات فاسدة. رأى تاتيان في الرومان العجرفة وحب السلطة وفي اليونان النظريات الفلسفية الجوفاء دون الحياة. استمع إلى القديس يوستين الشهيد، فأحب كلمة الله التي جذبته للإيمان، فصار مسيحيًا في روما ما بين سنة 150، وسنة 165م، لكنه كان له فكره المستقل وآرائه الخاصة. عُرف بالتطرف في آرائه، فقد علَّم بالرفض التام لكل فلسفة يونانية، وأظهر امتعاضه حتى من الحضارة اليونانية من فن وعلم ولغة، لكنه لم يقدر أن يتخلص من الفكر اليوناني تمامًا. أقام جماعة نسكية تسمى الإنكراتيين Encratitesتحرّم أكل اللحوم وتنظر إلى الزواج كزنا وتمنع عن شرب الخمر فاستعاضت عنه بالماء في الأفخارستيا. ألّف دفاعه “Oratio ad Graecs” أظهر فيه إنه لا وجه للمقارنة بين المسيحية بتعاليمها الإلهية النقية والثقافة اليونانية. اشتهر أيضا بعمله Diatessaron الذي يحوي حياة السيد المسيح مأخوذة عن الأناجيل الأربعة، استخدمه السريان حتى القرن الخامس. قاومه الآباء إيريناؤس وترتليان واكلمينضس الإسكندري وأوريجينوس وهيبوليتس.
كثيرون حملوا هذا الاسم منهم كاهن Myra الذي ذكره القديس باسيليوس سنة 375، والشماس تاتيان الذي أقام مع القديس جيروم في بيت لحم في أواخر القرن الرابع.
------------------
تاتيانا
سيدة من أشراف روما في أواخر القرن الرابع، تزوجت من عائلة Fruia. التصقت بعائلة القديستين باولا وابنتها استوخيوم اللتين مارستا الحياة النسكية ولازمتا القديس جيروم وتتلمذتا على يديه، وقد صارت تاتيانا أيضا صديقة له. تزوج ابنها ابنة باولا "بلاسيلا"، كما تزوجت ابنتها فيرويا ابن برولس. احتضنت الفكر النسكي، كما ضمت إليها ابنتها المتزوجة ذات الفكر النسكي كما يظهر من المقال الذي كتبه القديس جيروم إلى فيرويا “
------------------------
تاتينوس دولاس الشهيد
كان القديس تاتيانوس دولاس Tatianus Dulas قاطنًا Zephrinum بكيليكية. ألقى الوالي المحلي القبض عليه سنة 310م، وإذ كان مكسيموس الوالي في إحدى جولاته استدعى المسجونين واستجوب هذا القديس الذى اعلن أنه مسيحي منذ طفولته، من عائلة شريفة بقرية بركتورس Practoris بكيليكية. حاول الملك إغراءه فأجاب: "كراماتك ليست لي، احتفظ بها لمن لا يعرف الله". اغتاظ الملك وأمر بضربه بالعصي وجلده، فكان مع كل ضربة يقدم ذبيحة شكر لله الذي أهله للشهادة له. ومع شدة العذابات لم يجحد مسيحه، فأمر الوالي بجلده على بطنه، ووضعه على جمر نار ليشوى، وإذ لم ينثنِ أمر الملك بوضع جمر ملتهب على رأسه وفلفلٍ في أنفه. أمر الملك بتقديم طعام مما ذبح للأوثان ووضعه قهرًا في فمه، عندئذ صار الملك يسخر به لأن الطعام في فمه، أما هو فأجاب: "إن الطعام لا يدنسني، فإنني مستعد أن أموت من أجل إيماني". إذ كان مكسيموس ذاهبًا إلى طرسوس طلب أن يقيدوا المسجونين ويحملهم معه، لكن دولاس تنيح في الطريق. أُلقى جسده في حفرة، لكن راعٍ اكتشف الجسد واهتم به ودفنه.
كان أسقفًا على البهنسا، وأثناء الاضطهادات تحمل عذابات كثيرة لكنه لم يستشهد بالسيف لذا لقب بالمعترف. وقد كتب هذا القديس ميمرًا خاصًا بالعثور على جسد القديس يوحنا الجوهري الذي من بيج اشروبه في الثالث من مسرى، ويرجع تاريخ كتابة المخطوط هذا إلى سنة 1449ش (1732م) ويوجد بدير مارمينا فم الخليج تحت رقم (51/4 متنوعة).
-------------------
تادرس أسقف بنتابوليس الشهيد
تحتفل الكنيسة بعيد استشهاد القديس تادرس أسقف بنتابوليس (الخمس مدن الغربية) في العاشر من شهر أبيب. إذ أثار دقلديانوس الاضطهاد، أرسل أميرًا يدعى بيلاطس (فيلاطس) إلى شمال أفريقيا. سمع هذا الأمير عن القديس تادرس أسقف الخمس مدن الغربية، والذي كان قد سامه البابا ثيؤناس (16)، أنه يثبت المسيحيين على إيمانهم، ويحثهم على عدم جحد مسيحهم. استدعاه الأمير وسأله أن يقدم ذبيحة للأوثان، فأجابه: "إنني أقدم ذبيحة لخالق الأصنام كل يوم". أجابه الأمير: "كأنه لأرطاميس وأبللون وغيرهما من الآلهة إلهًا آخر، وهم ليسوا آلهة". قال الأسقف: "نعم، إن سيدي يسوع المسيح هو خالق الكل". اغتاظ الأمير لإجابته وأمر بتعذيبه، فصار يُضرب ويُجلد من يوم إلى يوم لمدة أربعين يوما، كما تعرض للصلب والعصر... وإذ لم يرجع عن إيمانه، بل كان يزداد ثباتًا وقوة، أمر الأمير بقطع رأسه فنال إكليل الشهادة.
كان الأسقف تادرس Theodore of Tyana صديقا للقديس غريغوريوس النزينزي ومن بلده وقد وجه له الأخير عدة رسائل. نشأ في بلدة أريانزوس، وقد ظهرت تقواه منذ صباه، حينما كان يفكر في الزواج قبل قبوله الكهنوت.أخذه القديس غريغوريوس كرفيقٍ يقيم معه في القسطنطينية عام 379م، حيث وجد الاثنان معاملة سيئة من الرهبان الأريوسيين ومن الغوغاء الذين اقتحموا إحدى الاجتماعات أثناء تقديس الأسرار الإلهية ورشقوا الكهنة بالحجارة. يبدو أن تادرس انفعل ولم يحتمل هذا العنف مثل القديس غريغوريوس، فقد أراد أن يقدم شكوى ضد هؤلاء الأشرار، لكن القديس غريغوريوس كتب له رسالة رائعة وطويلة مظهرًا له فيها أن احتماله الأشرار أقوى من الانتقام (رسالة 81). سيم أسقفًا على تيانا ليس قبل عام 381م، إذ حضر سلفه الأسقف أفيريوس Epherius مجمع القسطنطية سنة 381م. إذ عاد القديس غريغوريوس إلى بلدة أريانزوس تبادلا رسائل كثيرة حملت مشاعر الصداقة والحب، فنجد القديس غريغوريوس يدعوه لزيارته والاشتراك معه في عيد الشهداء (رسالة 90) لكن اعتلال صحته عاقه عن ذلك (رسالة 221). ويذكر القديس بالاديوس أن الأسقف تادرس دُعي لحضور المجمع الذى عقد لنفي القديس يوحنا ذهبي الفم، لكنه إذ اكتشف حقيقة الموقف عاد إلى إيبارشيته بعد وصوله دون أن يحضر المجمع، ويصفه بالاديوس بالحكمة مع الهيبة واللطف.
-------------------------
تادرس أسقف قسطنطيا
هو أسقف قسطنطيا بقبرص، بعد إلحاح أساقفة قبرص حضر مجمع أفسس سنة 431م ولاقى معاملة سيئة من كهنة إنطاكية لأنه رفض خضوع كنيسة قبرص لكرسي إنطاكية.