ولد حوالي سنة 70م. قيل ان سيدة تقية تدعى كالستو Callisto ظهر لها ملاك، وقال لها في حلم: "يا كالستو، استيقظي واذهبي إلى بوابة الأفسسيين، وعندما تسيرين قليلاً ستلتقين برجلين معهما ولد صغير يُدعى بوليكربوس، اسأليهما إن كان هذا الولد للبيع، وعندما يجيبانك بالإيجاب ادفعي لهما الثمن المطلوب، وخذي الصبي واحتفظي به عندك..." أطاعت كاليستو، واقتنت الولد، الذي صار فيما بعد أمينًا على مخازنها. وإذ سافرت لأمر ما التف حوله المساكين والأرامل فوزع بسخاء حتى فرغت كل المخازن. فلما عادت كالستو أخبرها زميله العبد بما فعله، فاستدعته وطلبت منه مفاتيح المخازن، وإذ فتحتها وجدتها مملوءة كما كانت، فأمرت بعقاب الواشي، لكن بوليكربوس تدخل وأخبرها أن ما قاله زميله صدق، وأن المخازن قد فرغت، وأن هذا الخير هو عطية الله، ففرحت وتبنته ليرث كل ممتلكاتها بعد نياحتها، أما هو فلم تكن المادة تشغل قلبه. من أعماله أيضًا انه كان يذهب إلى الطريق الذي يعود منه حاملوا الحطب ويختار أكبرهم سنًا ليشترى منه الحطب ويحمله بنفسه إلى أرملة فقيرة. سيامته سامه بوكوليس Bucolus شماسًا، فكان يكرز بالوعظ كما بقدوته الحسنة، وإذ كان محبوبًا وناجحًا سامه كاهنًا وهو صغير السن. سامه القديس يوحنا الحبيب أسقفًا على سميرنا (رؤ2: 8 - 10) . وقد شهد القديس إيرينيئوس أسقف ليون عن قداسة سيرته، وإنه تعلم على أيدي الرسل، وأنه تحدث مع القديس يوحنا وغيره ممن عاينوا السيد المسيح على الأرض. جاهد أيضًا في مقاومته للهراطقة خاصة مرقيون أبرز الشخصيات الغنوسية، وفي أثناء وجوده في روما سنة 154م أنقذ كثيرين من الضلال وردهم عن تبعيتهم لمرقيون. استشهاده إذ شرع الإمبراطور مرقس أوريليوس في اضطهاد المسيحيين ألحّ المؤمنون على القديس بوليكربوس أن يهرب من وجه الوالي، فاختفى عدة أيام في منزل خارج المدينة، وكان دائم الصلاة من أجل رعية المسيح. قبل القبض عليه أنبأه الرب برؤيا في حلم، إذ شاهد الوسادة التي كان راقدًا عليها تلتهب نارًا، فقام من النوم وجمع أصدقاءه وأخبرهم إنه سيحترق حيًا من أجل المسيح، وإنه سينعم بعطية الشهادة. بعد ثلاثة أيام من الرؤيا عرف الجند مكانه واقتحموا المنزل، وكان يمكنه أن يهرب لكنه رفع عينيه إلى السماء قائلاً: "لتكن مشيئتك تمامًا في كل شئ"، وسلَّم نفسه في أيديهم، ثم قدم لهم طعامًا، وسألهم أن يمهلوه ساعة واحدة يصلى فيها. تعجب الجند من مهابته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه، حتى قال أحدهم: "لماذا هذا الاجتهاد الشديد في طلب موت هذا الشيخ الوقور؟" انطلق مع الجند الذين أركبوه جحشًا، وفي الطريق وجدهم هيرودس أحد أكابر الدولة ومعه أبوه نيكيتاش، فأركبه مركبته، وإذ طلبا منه جحد المسيح ورفض أهاناه وطرحاه من المركبة بعنف فسقط على الأرض وأصيبت ساقه بجرحٍ خطير. عندئذ ركب الجحش وسط آلام ساقه وهو متهلل حتى بلغ إلى الساحة حيث كان الوالي وجمهور كبير في انتظاره. إذ نظره الوالي وقد انحني من الشيخوخة وابيضت لحيته سأله، قائلاً: "هل أنت بوليكاربوس الأسقف؟" أجابه بالإيجاب. ثم طلب منه الوالي أن يرثى لشيخوخته وإلا سامه العذاب الذي لا يحتمله شاب، ثم أمره أن ينادي بهلاك المنافقين وأن يحلف بحياة قيصر. فتنهد القديس، قائلاً: "نعم ليهلك المنافقون". فذُهل الوالي وقال: "إذن احلف بحياة قيصر والعن المسيح وأنا أطلقك." لقد مضى ستة وثمانون عامًا أخدم فيها المسيح، وشرًا لم يفعل معي قط، بل اقتبل منه كل يوم نعمًا جديدة، فكيف أهين حافظي والمحسن إليَّ؟ وكيف أغيظ مخلصي وإلهي والديان العظيم العتيد أن يكافئ الأخيار وينتقم من الأشرار المنافقين؟ اعلم انك إن لم تطع أمري فستُحرق حيًا، وتُطرح فريسة للوحوش. إني لا أخاف النار التي تحرق الجسد، بل تلك النار الدائمة التي تحرق النفس، وأما ما توعدتني به أنك تطرحني للوحوش المفترسة فهذا أيضًا لا أبالي به. احضر الوحوش، وأضرم النار، فها أنا مستعد للافتراس والحرق. ينبغي أن ترضي الشعب. ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس، لماذا تنتظرون؟ أسرعوا بإنجاز ما تريدون. (قال هذا بشجاعة ووجهه يشع نورًا حتى انذهل الوالي عندما تفرس فيه). أُعد أتون النار، وأرادوا تسميره على خشبة حتى لا يتحرك من شدة العذاب، أما هو فقال لهم: "اتركوني هكذا، فإن الذي وهبني قوة لكي أحتمل شدة حريق النار سيجعلني ألبث فيها بهدوء دون حاجة إلى مساميركم". عندئذ أوثقوا يديه وراء ظهره وحملوه ووضعوه على الحطب كما لو كان ذبيحة تُقدم على المذبح. وكان يصلي شاكرًا الله الذي سمح له أن يموت شهيدًا. وإذ انتهى من صلاته أوقد الجند النيران من كل جانب ففاحت منه رائحة طيب ذكية، وإذا بأحد الوثنيين طعنه بآلة حادة فتدفق دمه وأطفأ النيران، وقد انتقلت نفسه متهللة إلى الفردوس، عام 166م. يعيد له اليونان في 25 من شهر ابريل، والأقباط في 29 أمشير. رسالته كتب القديس بوليكاربوس أسقف سميرنا رسالة إلى أهل فيلبي، تكشف لنا عن حال الكنيسة البكر في أوروبا في القرن الثاني. امتازت الرسالة بغزارة حكمتها العملية، واقتباس الكثير من نصوص الكتاب المقدس، كما عكست لنا روح القديس يوحنا في وداعته كالحمل وهدوئه، مع حزمه في الإيمان والتمسك بالحياة المقدسة. للمؤلف: الشهيدان أغناطيوس وبوليكربوس، سبتمبر 1964.
أحب البابا أثناسيوس القديس بولينوس St. Paulinus of Triér بسبب جهاده من أجل الإيمان المستقيم، فدعاه "الرجل الرسولي الحق"، كما أشار إليه القديس جيروم بكونه "السعيد في آلامه". هو تلميذ القديس مكسيموس وخلفه على كرسي تريف. حين نُفي البابا أثناسيوس كان من أكثر معاونيه، يسنده ويقف بجواره في منفاه. وقف بقوة وشجاعة في مجمع آرل سنة 353م مدافعًا عن الإيمان النيقوي، بالرغم من كل وسائل الضغط والإغراء التي استخدمها الإمبراطور قسطنطينوس لتحطيم البابا أثناسيوس. فقد بذل الإمبراطور كل إمكانية ليفسد ضمائر الأساقفة حتى ينتقم من خصمه أثناسيوس، وكما قال القديس هيلاري أسقف بواتييه: "إننا نقاوم قسطنطينوس عدو المسيح، الذي يداعب البطون قبل أن يلهب الظهور بالسياط". وكان ثمن مقاومة القديس بولينوس للأريوسية ووقوفه بجوار البابا أثناسيوس يدافع عن الحق أن نُفي عن كرسيه مع بعض الأساقفة مثل ديونسيوس أسقف ميلان ولوسيفور أسقف كالياري وأوسابيوس أسقف فرشيللي. تقبل القديس نفيه إلى فريجيا حيث لم يكن يوجد مسيحيون بفرح، محتملاً الآلام هناك حتى تنيح في 31 أغسطس عام 358م. في سنة 396 أحضر القديس فيلكس أسقف تريف جسده الطاهر إلى إيبارشيته، وفي سنة 402م أقيمت كنيسة باسمه.
امتدح كثير من الآباء القديسين مثل إمبروسيوس وجيروم وأغسطينوس القديس بولينوس أسقف نولا St. Paulinus of Nola . ولد بولينوس بمدينة بُردو Bordeaux ببلاد الغال (فرنسا) حوالي عام 353م، وكان والده بونتيوس بولينوس قاضيًا وواليًا بفرنسا. تتلمذ بولينوس على يدي شاعر مشهور يدعى أوسنيوس Ausonius ، فصار خطيبًا شاعرًا. تزوج تراسيا Tharasia، سيدة فاضلة أسبانية غنية جدًا. أحبه الإمبراطور فالنتينيان الكبير لذكائه وفطنته مع شرفه، فأقامه واليًا على روما، بقى حوالي 15 عامًا منهمكًا في الأعمال الدنيوية، كما أن مركزه كوالي روما وزواجه من الأسبانية جعله كثير التردد على أسبانيا وفرنسا وبلاد إيطاليا. التقي بالقديس إمبروسيوس في ميلان الذي كان يوقره جدًا، وفي زيارة لنولا مدينة القديس فيلكس تأثر جدًا بالمعجزات التي كانت تتم عند مقبرة القديس، فمال لتكريس حياته للإيمان المسيحي إذ لم يكن بعد قد نال المعمودية، حتى بلغ سن 38، حيث نالها على يدي أسقف بُردو. اشتاق إلى حياة الخلوة بعد نواله المعمودية، فصار يمارس الصلوات والأصوام في حياة جادة، لكن شهرته وكثرة أصدقائه كان عائقًا عن تمتعه بالخلوة، لذا قرر أن يسافر إلى أسبانيا بلد زوجته. هناك حملت زوجته العاقر وأنجبت ابنًا توفي بعد ثمانية أيام، فشعرا أن الله لا يريد لهما طفلاً، وقررا أن يعيشا كأخٍ مع أخته. سيامته كاهنًا تلألأت حياتهما الروحية في مدينة زوجته برسيلونا Barcelona بأسبانيا، فألزمه الشعب مع الكهنة أن يقبل الكهنوت على يديْ الأسقف لامبيوس Lampius. بقيا هناك أربع سنوات حيث باعا ممتلكاتهما ووزعاها على الفقراء. عاد بولينوس إلى ميلان حيث استقبله القديس إمبروسيوس بشوق شديد وألزمه أن يبقى معه إلى حين. بعد نياحة القديس إمبروسيوس ذهب إلى روما حيث استقبله أسقفها وكهنتها ببرود شديد، ربما بسبب صداقته للقديس جيروم الذي حسبه الأسقف منافسًا له إذ كان قد رُشح للأسقفية، وقد أضطر القديس جيروم إلى ترك روما. وجد بولينوس الجو غير ملائم بالنسبة له في روما فانطلق إلى نولا مع زوجته تراسيا، وهناك انعزلا كل على انفراد يمارس حياة الوحدة. لكن التصق بالقديس عدد كبير من الأشراف يمارسون حياة الوحدة تحت قيادته، ويعيشون حياة نسكية صارمة. سيامته أسقفًا إذ تنيح أسقف نولا ألزمه الشعب بقبول الأسقفية سنة 409م، فكان يسلك بروح الأبوة الحانية في اتضاع وبذل، كما كان على علاقة بأكثر الآباء المشهورين في عصره. تنيح حوالي 431م، تاركًا تراثًا ضخمًا من الشعر المسيحي الروحي، خاصة في مديح القديس فيلكس. يعيد له الغرب في 22 من شهر يونيو.
كان القديس بوليو St. Pollio قارئًا بكنيسة مدينة سباليس Cibalis (Cybalae) التابعة لبونونيا السفلي بيوغوسلافيا. إذ أستشهد أسقف المدينة يوسابيوس تسلم هذا القارئ قيادة المسيحيين وسط الضيق يثبت إيمانهم، غير مبالٍ بمنشورات دقلديانوس. قُدم القديس بوليو أمام الوالي بروباس Probus حيث قدم شهادة حية لإيمانه، رافضًا جحد مسيحه، فحُكم عليه بالحرق حيًا على خشبة بعد استشهاد أسقفه بسنوات قليلة، وذلك في 28 إبريل من سنة 304م.
----------------------------
بونتيانوس أسقف روما
جاء الأب بونتينوس Pontinus خليفة للأسقف أوربان الأول، سيم أسقفًا على روما سنة 230م، وبقى في الأسقفية أكثر من خمس سنوات. كل ما يُعرف عنه في فترة أسقفيته أنه عقد مجمعًا في روما يؤيد المجمع الذي عقده القديس ديمتريوس الكرام بالإسكندرية ضد تعاليم العلامة أوريجانوس، كما قال القديس جيروم في رسالته إلى باولا Paula. جاء الإمبراطور مكسيميانوس على خلاف نهج سلفه الكسندر مضطهدًا للكنيسة، ففي بداية عهده قام بنفي القديس بونتينوس وأيضًا الكاهن هيبوليتس إلى جزيرة ساردينيا، وقد وُصفت هذه الجزيرة هكذا "nociva insula" وتعني إنها غير صحية، ويفسر البعض هذا التعبير كدلالة على إرسالهما للعمل في المناجم هناك. لا يُعرف كم من السنين عاشها ولا كيف تنيح، إنما على ما يُظن إنه تنيح في عام 235م، وبحسب التقليد الروماني مات تحت ضربات بالعصي. يقول يوسابيوس انه تنيح في عهد غورديانوس (سنة 237م)، لكن يرى بعض الدارسين أن يوسابيوس خلط بين نياحته ودفنه في روما (أو نقل رفاته).
أخبرنا القديس جيروم عن اسمه "بونتيوس Pontius"، من رجال القرن الثالث. لا نعرف شيئًا عن حياته سوى أنه كان شماسًا للقديس كبريانوس، تتلمذ على يديه، وكان ملاصقًا له، ذلك كما عاش القديس كبريانوس نفسه بعد قبوله الإيمان ملازمًا الكاهن كاسليان Caecilian. إذ نُفي كبريانوس أسقف قرطاجنة إلى Curubis اختار شماسه بونتيوس ليكون مرافقًا له، الأمر الذي أفرح قلب الشماس. وقد صار أقدر من غيره على تقديم عمله المشهور "حياة وآلام كبريانوس"، حيث عرض لنا حياة هذا الأسقف منذ عماده حتى استشهاده. حُكم على القديس كبريانوس بينما تُرك هذا الشماس ربما استخفافًا به، الأمر الذي أحزنه، إذ عاش زمانًا طويلاً يشتهى إكليل الاستشهاد. لذا ختم حديثه عن معلمه: "إنني أفخر جدًا بمجده، لكنني بالأكثر أنا حزين للغاية إذ بقيت بعده". لا نعرف إن كانت حياته انتهت بالاستشهاد أم لا، ولا أيضًا مكان نياحته.
وُلد بروما من أسرة عريقة، وكان والده مرقس سيناتور، ووالدته تدعى جوليا. ذهبت جوليا إلى معبد الإله جوبتر تسأل الكاهن أن يتنبأ لها عن نسلها، فإذا به يأخذ عصابة مقدسة يضعها حول رأسها، ويخفي وجهه ليظهر كمن هو ممتلئ بروح النبوة، ويقول لها أن خرابًا سيحل بالهيكل بسبب ابنها الذي لم يُولد بعد. ارتبكت السيدة جدًا، وهربت في ذعر شديد، وصارت تخبط بالحجارة بطنها لكي تجهض نفسها ولا تلد عدو الآلهة. لكن بعد فترة قصيرة أنجبت الطفل بونتيوس، وإذ أرادت الخلاص منه تدخل الكاهن ليخبرها بأن جوبتر يهمه حياة الطفل، فإن كان الطفل ينشأ مقاومًا له يقتله جوبتر نفسه. إذ كبر الطفل سُلم في يدي مربي يثقفه، وفي صباح يومٍ قام الصبي الصغير من فراشه مبكرًا ليذهب إلى معلمه، وإذ ترك بيته سمع صوت تسبيح جميل يصدر عن جماعة تمجد الله بهدوء، قائلة: "لماذا يقول الأمم: أين هو إلههم؟ إن إلهنا في السماء، كلما شاء صنع! أصنامهم فضة وذهب، عمل أيدي الناس. لها أفواه ولا تتكلم، لها أعين ولا تبصر، لها آذان ولا تسمع، لها مناخر ولا تشم، لها أيٍد ولا تلمس، لها أرجل ولا تمشى، ولا تنطق بحناجرها، مثلها يكون صانعوها، بل كل من يتكل عليها... (مز115: 2 - 8). وقف الصبي عند الباب ينصت مع بدء النهار فاستنارت بصيرته الداخلية، وشعر بالفارق بين هذا التسبيح وما يمارسه من عبادة وثنية. أخذ يقرع الباب بيده، وإذ كان عاجزًا عن ممارسة ذلك بسبب صغر سنه صار يخبط الباب بقدميه. تطلع البواب من النافذة ليقول للأسقف بونتينوس بأن صبيًا صغيرًا يضرب الباب بقدميه. أجاب الأسقف أن يفتح له الباب لأن لمثل هذا الصبي ملكوت السماوات. دخل الصبي إلى الصالة ليرى جموع المؤمنين تسبح، عندئذ انطلق ببساطة نحو الأسقف ليقول له: "علمني هذه الأغنية العجيبة عن إلهنا الذي في السماء، الذي يفعل ما يسرّه". سأله الأسقف عن والديه إن كانا عائشين، فأجاب بأن والدته قد ماتت منذ عامين، وأن والده وجده عائشان. سأله إن كان والده وجده مسيحيين، فأجاب الصبي بالنفي. بقى الصبي مع الأسقف قرابة ثلاثة ساعات يسمع له، وكان يسأل لينصت إلى إجابته بشوق حقيقي حتى التهب قلبه بالإيمان. إيمان والده انطلق الصبي إلى والده بفرح يخبره بكل ما حدث له، وإذ كان الأب متعقلاً صار ينصت إليه حتى النهاية ربما لكي لا يخسر ابنه، ولكي يكسبه بالتعقل، لكن سرعان ما انجذب الأب نفسه إلى حديث الصبي، وانطلق معه إلى الأسقف يطلب مشورته. انضم الأب إلى صفوف الموعوظين مع ابنه لينال الاثنان سرّ العماد. تنيح الوالد بينما كان ابنه بونتيوس في حوالي العشرين من عمره، فقام الشاب بتوزيع ميراثه على الفقراء والمحتاجين. أحبه الإمبراطور فيلبس وابنه الذي قبلا المسيحية على يديه. في عهد فاليريان وغالينيوس هرب بونتيوس إلى Cimella بجوار المدينة الحالية Nice بجنوب فرنسا، حيث قبض عليه الوالي كلوديوس الذي قدمه طعامًا للوحوش (الدببة)، فقامت بأكل الجلادَين اللذين كانا يثيرانها بينما لم تؤذِ القديس. اغتاظ الوالي وأمر بقطع رأسه، وقد حفظت رفاته في دير القديس بونتى Ponte بالقرب من Nice بينما كانت رأسه محفوظة في مارسيليا. استشهد في 14 مايو حوالي سنة 257 أو 258م.
أصدر يوليانوس الجاحد أوامره بنزع الصليب والمونوجرام (الحروف الأولى) ليسوع المسيح عن أعلام الجيش الذي أمر قسطنطين البار بوضعها، وطلب العودة إلى العلامة القديمة التي كانت مستخدمة في أيام الأباطرة الوثنيين. إذ سمع رجلان من كبار الموظفين في إنطاكية يدعيان بونوسيوسBonosus ومكسيميان رفضا تنفيذ الأمر. فالتقى بهما خال (أو عم) الإمبراطور يدعى الكونت يوليان وأمرهما بتنفيذ الأمر الإمبراطوري والسجود للآلهة التي يعبدها الإمبراطور نفسه. أجابه بونوسيوس: "لا نقدر أن نعبد آلهة هي من عمل البشر"، ورفض أن يستبدل العلم، فأصدر الرجل أمره بربط بونوسيوس وجلده 300 مرة، أما بونوسيوس فتقبل الحكم ببشاشة وابتسامة. وإذ جاء دور مكسيميان، قال: "اجعل آلهتك أولا تسمع وتتكلم عندئذ نعبدها"، فحكم عليه أيضًا بالجلد. تعرض الاثنان لعذابات كثيرة، كانا يحتملانها بفرح، بل قيل أن الله كان يرفع عنهما الألم. اُلقيّ الاثنان في السجن وقُدم لهما من الطعام المذبوح للأوثان فرفضا الأكل، وأخيرًا حُكم عليهما بقطع رأسيهما في 21 أغسطس 363م. يقال أن زوجة الكونت يوليان كانت مسيحية، وجدت رجلها يعاني آلامًا شديدة فسألته أن يرجع إلى الله لكنه مات في بؤسه.
ارتبط القديس جيروم بصداقة حميمة وأخّوة صادقة مع بونوسيوس Bonosus الذي رافقه في رحلته الأولى إلى روما. اختار بونوسيوس حياة الوحدة، لكن على غير عادة الرهبان الذين يميلون إلى البرية بهدوئها ذهب إلى جزيرة صغيرة تسمى الإدرياتيك بالقرب من أكويلا بروما. وقد امتدحه القديس جيروم كثيرًا خاصة في رسالتين، واحدة وجهها إلى الراهب روفينوس صديقه القديم قبل دخولهما في عداوة بسبب ميل الأخير لأوريجينوس، والثانية لثلاثة من رفقائه القدامى في الحياة التقوية: كروماتيوس وجوفينوس ويوسابيوس. تشعر في الرسالتين (3، 7) مدى تقدير القديس جيروم لصديقه المتوحد حيث تصاغرت نفسه جدًا أمامه، نقتطف منهما العبارات التالية: "بونوسيوس صديقك، قل بالحق إنه صديقي كما هو صديقك، الآن يصعد على السلم الذي ظهر ليعقوب في الحلم (تك28: 12). إنه يحمل صليبه، دون التفكير في الغد ولا التطلع إلى الوراء (لو9: 62). يزرع بالدموع لكي يحصد بالابتهاج (مز126: 5)... لقد ترك أمه وأخواته وأخاه المحبوب لديه جدًا، واستقر كفلاح يعمل في عدن على جزيرة خطيرة، يزأر حوله البحر بأمواجه العنيفة... لا تجد هناك فلاحًا ولا راهبًا... بل بمفرده على الجزيرة، لكنه ليس وحده لأن المسيح معه، هناك يرى مجد الله (رسالته إلى روفينوس: 3)".
إذ تنيح الأب زوسيموس أسقف روما Zosimos of Rome في 26 ديسمبر سنة 418 م اختار غالبية الكهنة والشعب بونيفاسيوس Bonifacius خلفًا له في اليوم بعد التالي (28 ديسمبر)، وسيم أسقفًا اليوم الذي يليه (29 ديسمبر)، وقام بالرسامة تسعة أساقفة وذلك في كنيسة القديس مارسيللوس. في نفس الوقت اجتمع ثلاثة أساقفة وقلة من الكهنة وقاموا بسيامة رئيس الشمامسة إيلاليوس Eulalius في كنيسة اللاتيران أسقفًا على روما. كتب والي روما – سيماخوس - إلى الإمبراطور هونريوس عما حدث، مؤيدًا إيلاليوس ضد بونيفاسيوس. فأصدر الإمبراطور أمره إلى الأخير أن يترك روما منعًا للمشاحنات، لكن بونيفاسيوس ترك كنيسة القديس بولس، ثم عاد ليحاول الدخول بالقوة، وكان الشعب يسنده ضد الوالي ورجاله. تدخل البعض لدى الإمبراطور، وطلبوا منه سحب أمره السابق، وعُقد مجمع في رافينا لبحث الأمر، لكن لم يصل المجمع إلى قرار. كان الاثنان مُستبعدان، وإذ تدخل البعض لدى الإمبراطور لصالح بونيفاسيوس الذي التزم الهدوء، تسرع الثاني ودخل المدينة مما أثار الوالي سيماخوس ضده، وكتب إلى الإمبراطور وكان في صف بونيفاسيوس لاعتداله وهدوئه، فاستلم كرسيه في 10 إبريل 419م. من أهم أعماله مساندته للقديس أغسطينوس في مقاومته لأتباع بيلاجيوس.
في روما في بداية القرن الرابع عاشت شابة مسيحية جميلة من عائلة عريقة وغنية جدًا، تدعى أغلاي Aglae بروما في حياة مدللة، إذ كانت تحب اللَّهو والإسراف، وتهتم جدًا بالمظاهر حتى قيل إنها ثلاث مرات استأجرت أناسًا يقيمون موكبًا لها عند دخولها المدينة. كان لهذه الثرية وكيل أموالها يدعى بونيفاسيوس Boniface ، أغرته الموكلة بحياتها المدللة حتى سقط معها في النجاسات وحياة الفساد، ومع هذا فقد اتسم بحبه الشديد للعطاء وترفقه بالفقراء. لا نعرف سرّ توبة هذه الشابة، إنما رجعت إلى نفسها في يوم من الأيام وصارت تتأمل يوم الدينونة العظيم وبطلان الحياة الزمنية، فأشرق الله بنوره في قلبها لترى جسامة خطاياها ومرارة آثامها فتقدم توبة صادقة. للحال باعت كل ثيابها الثمينة ووزعت الكثير من أموالها على الفقراء، وقررت أن تنفرد في بيتها لتعيش حياة نسكية مع تكريس وقتها للصلاة والتأمل، وقد تأثر بها وكيلها وسلك مثلها في حياة توبة صادقة. ذهابه إلى الشرق كان المسيحيون في الغرب يعيشون في جوٍ من الراحة والسلام إذ كان قسطنطينوس كلوروس والد قسطنطين الكبير هو ملك الغرب، وكان إنسانًا محبًا للجميع مترفقًا بالمسيحيين، أما مسيحيو الشرق فكانوا يعانون الأمرين من الضيق بسبب غاليريوس مكسيميان ومكسيميانوس دايا. طلبت أغلاي من وكيلها بونيفاسيوس أن يحمل بعض أموالها إلى الشرق، ليسند به الذين في السجون والمحتاجين بسبب الاضطهاد، فتكون بهذا قد اشتركت في العطاء وإشباع احتياجات القديسين، وسألته إن أمكن أن يأتي إليها بأحد أجساد الشهداء لتنال بركته وتبني له هيكلاً لائقًا به. فرح بونيفاسيوس بهذه الإرسالية لكنه إذ عاش حياة التوبة الصادقة والتهب قلبه بمحبة مسيحه تاق لا أن يأتي بجسد شهيد وإنما أن يشارك الشهداء كرامتهم ببذل حياته مثلهم، لذا قال لموكلته: "إنني لن أتراخى في إحضار رفات شهداء، لكن ما رأيك أن أحضر لكِ جسدي نفسه كجسد شهيد؟" أجابته أغلاي: "من كان مخطئًا مثلنا لا يستحق هذا الإكليل، فإننا غير أهلٍ أن نلمس أجساد الشهداء، فماذا لو قدمت جسدك للاستشهاد؟" قبل ان يحمل بونيفاسيوس المال تهيأ للرحلة بالأصوام والصلوات، طالبًا إرشاد الله له ليؤهله لنوال مجد الشهادة، ثم انطلق إلى طرسوس حيث كان والي مقاطعة كيليكية Cilicia يُدعى سيمبليسوس عُرف بعنفه الشديد. إذ دخل المدينة وجد الوالي يجلس على كرسي الولاية وأمامه عشرون مسيحيًا، منهم من كانوا معلقين من أرجلهم والنيران متقدة عند رؤوسهم، وآخرون كان الجلادون يمزقون أجسادهم بأسنان حديدية، والبعض مسمرين على خشبة. اقتحم بونيفاسيوس الموضع ليعلن إيمانه جهارًا أمام الوالي، وكان يقَّبل جراحات المسيحيين ويدهن وجهه من دمائهم التي تنزف منهم كدهنٍ طيبٍ ثمينٍ. تعجب الوالي لجسارته وصار يهدده، أما هو فلم يبالِ، وإذ صار الجلادون يمزقون جسده كان يحتمل الآلام بفرح وبشاشة، مقدمًا ذبيحة شكر لله. كان يطلب من رفقائه أن يصلوا من أجله، كما سألوه الصلاة عنهم. وإذ رأت الجماهير هذا المنظر، خاصة فرح المؤمنين بالآلام أعلن كثير من الوثنيين الإيمان بالسيد المسيح وقاموا باقتحام المعبد الوثني وهدموا المذبح، فخاف الوالي من قيام ثورة ضده. أمر الوالي بإلقائه في قزان زيت مغلي، فانشق القزان وسال الزيت على الجلادين، وأخيرًا ضُربت رقبته لينال إكليل الشهادة.
في روما في بداية القرن الرابع عاشت شابة مسيحية جميلة من عائلة عريقة وغنية جدًا، تدعى أغلاي Aglae بروما في حياة مدللة، إذ كانت تحب اللَّهو والإسراف، وتهتم جدًا بالمظاهر حتى قيل إنها ثلاث مرات استأجرت أناسًا يقيمون موكبًا لها عند دخولها المدينة. كان لهذه الثرية وكيل أموالها يدعى بونيفاسيوس Boniface ، أغرته الموكلة بحياتها المدللة حتى سقط معها في النجاسات وحياة الفساد، ومع هذا فقد اتسم بحبه الشديد للعطاء وترفقه بالفقراء. لا نعرف سرّ توبة هذه الشابة، إنما رجعت إلى نفسها في يوم من الأيام وصارت تتأمل يوم الدينونة العظيم وبطلان الحياة الزمنية، فأشرق الله بنوره في قلبها لترى جسامة خطاياها ومرارة آثامها فتقدم توبة صادقة. للحال باعت كل ثيابها الثمينة ووزعت الكثير من أموالها على الفقراء، وقررت أن تنفرد في بيتها لتعيش حياة نسكية مع تكريس وقتها للصلاة والتأمل، وقد تأثر بها وكيلها وسلك مثلها في حياة توبة صادقة. ذهابه إلى الشرق كان المسيحيون في الغرب يعيشون في جوٍ من الراحة والسلام إذ كان قسطنطينوس كلوروس والد قسطنطين الكبير هو ملك الغرب، وكان إنسانًا محبًا للجميع مترفقًا بالمسيحيين، أما مسيحيو الشرق فكانوا يعانون الأمرين من الضيق بسبب غاليريوس مكسيميان ومكسيميانوس دايا. طلبت أغلاي من وكيلها بونيفاسيوس أن يحمل بعض أموالها إلى الشرق، ليسند به الذين في السجون والمحتاجين بسبب الاضطهاد، فتكون بهذا قد اشتركت في العطاء وإشباع احتياجات القديسين، وسألته إن أمكن أن يأتي إليها بأحد أجساد الشهداء لتنال بركته وتبني له هيكلاً لائقًا به. فرح بونيفاسيوس بهذه الإرسالية لكنه إذ عاش حياة التوبة الصادقة والتهب قلبه بمحبة مسيحه تاق لا أن يأتي بجسد شهيد وإنما أن يشارك الشهداء كرامتهم ببذل حياته مثلهم، لذا قال لموكلته: "إنني لن أتراخى في إحضار رفات شهداء، لكن ما رأيك أن أحضر لكِ جسدي نفسه كجسد شهيد؟" أجابته أغلاي: "من كان مخطئًا مثلنا لا يستحق هذا الإكليل، فإننا غير أهلٍ أن نلمس أجساد الشهداء، فماذا لو قدمت جسدك للاستشهاد؟" قبل ان يحمل بونيفاسيوس المال تهيأ للرحلة بالأصوام والصلوات، طالبًا إرشاد الله له ليؤهله لنوال مجد الشهادة، ثم انطلق إلى طرسوس حيث كان والي مقاطعة كيليكية Cilicia يُدعى سيمبليسوس عُرف بعنفه الشديد. إذ دخل المدينة وجد الوالي يجلس على كرسي الولاية وأمامه عشرون مسيحيًا، منهم من كانوا معلقين من أرجلهم والنيران متقدة عند رؤوسهم، وآخرون كان الجلادون يمزقون أجسادهم بأسنان حديدية، والبعض مسمرين على خشبة. اقتحم بونيفاسيوس الموضع ليعلن إيمانه جهارًا أمام الوالي، وكان يقَّبل جراحات المسيحيين ويدهن وجهه من دمائهم التي تنزف منهم كدهنٍ طيبٍ ثمينٍ. تعجب الوالي لجسارته وصار يهدده، أما هو فلم يبالِ، وإذ صار الجلادون يمزقون جسده كان يحتمل الآلام بفرح وبشاشة، مقدمًا ذبيحة شكر لله. كان يطلب من رفقائه أن يصلوا من أجله، كما سألوه الصلاة عنهم. وإذ رأت الجماهير هذا المنظر، خاصة فرح المؤمنين بالآلام أعلن كثير من الوثنيين الإيمان بالسيد المسيح وقاموا باقتحام المعبد الوثني وهدموا المذبح، فخاف الوالي من قيام ثورة ضده. أمر الوالي بإلقائه في قزان زيت مغلي، فانشق القزان وسال الزيت على الجلادين، وأخيرًا ضُربت رقبته لينال إكليل الشهادة.
الشهيدة بياتريس Beatrice أو بياتريكس Beatrix هي أخت الشهيدين سمبليكوس Simplicus وفوستينوس Faustinus اللذين استشهدا في 29 يوليو حوالي سنة 304م، في الاضطهاد الذي أثاره الإمبراطور دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس. رفض الأخوان جحد مسيحهما فتعرضا لعذابات كثيرة، وأخيرًا قطعت رأسيهما وأُلقيا في نهر التيبر، وإن كان البعض يرون انهما أُغرقا في التيبر. اكتشفت بياتريس جسديْ الأخوين، وقامت بدفنهما في مقابر Generosa في الطريق إلى بورتو Porto. عاشت الأخت مع امرأة تقية تدعى لوسينا Lucina لمدة سبعة أشهر، وكانتا تشتركان معًا في العبادة. وإذ طمع أحد أقربائها أو جيرانها "ليوسريتوس Lucretius" في الحقل الذي ورثته بياتريس عن الأخوين أبلغ عنها أنها مسيحية. فوقفت أمام القاضي تعلن إيمانها بالسيد المسيح في شجاعة. في 11 مايو نالت إكليل الشهادة بخنقها في السجن، ودفنها مع أخويها. قيل أن لوسرتيوس الذي طمع في الحقل فرح بالميراث الجديد فأقام وليمة عظيمة، ودعى أصدقاءه ليأكلوا ويشربوا، وبينما كانوا منهمكين في ملذاتهم إذا بطفل رضيع يقول: "يا لوسرتيوس، أنت لص وقاتل وفي قبضة الشيطان". حينئذ أُصيب هذا البائس بآلام مبرحة استمرت ثلاث ساعات حولت الوليمة إلى مرارة، وانتهت بموته تاركًا الحقل وراءه. وأما الحاضرون إذ رأوا ذلك قدموا توبة صادقة وقبلوا الإيمان بالسيد المسيح.
عاشت العذراء بيامون Piamon في إحدى قرى الصعيد مع والدتها بروح تقوية نسكية، تقضي حياتها في سهرٍ روحي، تأكل مرة واحدة كل يوم عند المساء، وتمارس غزل الكتان. وقد استحقت هذه الطوباوية أن تنعم بموهبة معرفة الأمور قبل حدوثها. إذ حدث نزاع بين أهل قريتها وأهل قرية مجاورة بسبب مياه الري "النيل" حدثت مشاحنات راح ضحيتها بعض سكان القريتين. وإذ كان أهل القرية الثانية مملوءين عنفًا وشراسة دبروا خطة لهجوم مفاجئ. كشف الرب لهذه البتول عن الخطة فأرسلت إلى أراخنة الكنيسة تبلغهم الأمر، أما هم فخافوا جدًا من الذهاب إليهم وإقامة صلح معهم لئلا يصنعوا بهم شرًا، فطلبوا منها إن أرادت إنقاذ قريتها وبيتها أن تذهب بنفسها وتلتقي بهم. لم ترد البتول أن تذهب، فصعدت إلى سطح بيتها وقضت الليل كله في توسلات ومطانيات لا تتوقف، صارخة لله، قائلة: "أيها الرب، ديان الأرض، الذي لا يُسر بالظلم، ليته يا ربي إذ تبلغ إليك صلاة عبدتك وتوسلاتها توقف العدو في الموضع الذي هم فيه". بالفعل كان العدو على بعد ثلاثة أميال تقريبًا، فشعروا أن قوة قد جمدتهم عن الحركة، وأُعلن لهم أن ما حلّ بهم هو بسبب صلوات هذه القديسة. للحال أرسلوا إلى سكان القرية يطلبون المصالحة مع رسالة جاء فيها: "أشكروا الله، فإن صلوات بيامون قد منعتنا من المجىء إليكم".
يعتز اليونان بالقديس بيبليوس St. Publius، وهو ابن أحد الأشراف في Zeugma على نهر الفرات، باع كل ممتلكاته وقدمها للفقراء، وإذ كان محبًا لحياة الهدوء والسكون انفرد ليمارس حياة الوحدة. اجتمع حوله تلاميذ يتمثلون به ويعيشون تحت إرشاده، فصار أبًا لجماعتين من الرهبان، جماعة تتكلم اليونانية، وأخرى السريانية. كان مع رهبانه يعيشون في حياة نسكية صارمة، يحرص على الوقت بتدقيق شديد، ولا يقبل الكسل. كانوا لا يأكلون الجبن ولا العنب ولا الزيت، إنما يكتفون ببعض الخضراوات والخبز اليابس. تنيح حوالي سنة 380 م.
يروي لنا القديس جيروم عن الطوباوى بيتربيمتيس Petarpemtis الذي التقى به في الصحراء بمنطقة طيبة، وكان أول الرهبان في تلك المنطقة والرئيس عليهم. كان هذا القديس قبلاً لصًا ونابشًا لمقابر الوثنيين، نال شهرة كبيرة في كل أنواع الشر الخاصة باللصوصية والسرقة. يبدو أنه قفز على سطح بيت سيدة طوباوية تعيش للرب في حياة طاهرة، وعبثًا حاول أن يجد لنفسه مخرجًا، إذ كان السطح أملسًا ولا توجد أية فتحة ينزل منها أو مواسير يتسلقها، وإذ كان الوقت مساءً قرر أن ينام قليلاً على السطح حتى متى جاء الفجر يتصرف. في نومه رأى ملاكًا على شكل إنسان يقول له: "لا تكرس وقتك واهتمامك وتعبك لحياة اللصوصية. إن أردت أن تُغير شرَّك إلى حياة صالحة يلزمك أن تشترك مع خدمة الملائكة أمام الملك المسيح، فتتقبل منه قوة وسلطانًا". وإذ سمع هذه الكلمات من الملاك تقبلها بفرح، عندئذ أظهر له الملاك مجموعة من الرهبان، وطلب منه أن يتبعهم. استيقظ الرجل ليجد نفسه أمام الراهبة تسأله: "ماذا تفعل يا إنسان ههنا؟ وماذا تريد؟ متى جئت؟ ومن أنت؟". أجابها الرجل: "لا أعرف، إنما أسألك أن تخبريني عن مكان الكنيسة". وإذ أخذته إلى الكنيسة خرّ عند أقدام الآباء هناك، وسألهم أن يقبلوه مسيحيًا، ليجد فرصة للتوبة. روى لهم قصته فتعجبوا جدًا وبدأوا يرشدونه، وصار يحفظ المزامير. بعد ثلاثة أيام ترك الموضع وانطلق إلى البرية ليعيش هناك خمسة أسابيع لا يأكل خبزًا حتى توسل إليه إنسان أن يأكل. وقد بقى ثلاث سنوات يبكي بدموع مصليًا لله أن يغفر له، ليعود بعد ذلك إلى الكنيسة يتقبل أسرار الإيمان، ومع أنه كان أميًا حفظ الكتاب المقدس عن ظهر قلب. دُهش الآباء في الكنيسة من أجل ما بلغه من علم ومعرفة مع نسك وورع فقاموا بعماده، متوسلين إليه أن يبقى معهم، فبقى سبعة أيام بعدها انطلق إلى البرية ليبقى هناك سبعة سنوات. وقد أُعطي له أن يجد في كل يوم أحد خبزًا عند كيس الوسادة، كان يأكله ليبقى صائمًا من الأحد إلى الأحد. أبوته ومعجزاته عاد من البرية يحمل في جعبته أعمالاً روحية سامية مع بساطة عجيبة، سالكًا بنسك شديد في بذل للذات، فتبعه كثيرون يتمثلون به، أغلبهم من الشبان. يقول بالاديوس إنه كانت عادة هذا الطوباوي هكذا: عندما يموت مسيحي يبقى معه طول الليل ساهرًا في صلوات ويكفنه ثم يدفنه. رآه تلميذ له فاشتاق أن يكون له نفس النصيب، فقال لمعلمه: "عندما أموت هل تكفني هكذا يا سيدي؟" فأجابه الأب: "سأفعل ذلك حتى تقول كفي". وبعد زمن طويل تنيح التلميذ وبقى المعلم يصلي طوال الليل ثم كفنه بنفسه في مخافةٍ إلهية ووقار، وإذ كان الكل واقفين، قال: "هل كفنتك حسنًا يا ابني أم ينقصك شئ؟" فسمعوا صوتًا يخرج من الجثمان، قائلاً: "لقد كفنتني يا أبى ، وتممت وعدك لي، وأكملت ما تعهدت به"، فامتلأ الواقفون خوفًا ومجدوا الله. صار الأب يتردد ما بين البرية والسكنى بين تلاميذه. قيل إنه إذ كان قادمًا في إحدى المرات إلى تلاميذه إذ كان قد أصاب بعضهم مرضًا بدأ الغروب قبل دخوله القرية، وفي بساطة شعر أنه يلزم ألا يسير في الليل كقول الكتاب: "سيروا مادام لكم النور" (يو12: 35)، وإذ كان مشتاقًا أن ينطلق إلى الإخوة سأل الرب أن يوقف الشمس حتى يصل الدير فوقفت، الأمر الذي أدهش التلاميذ، أما هو فاندهش كيف يتعجبون لذلك، قائلاً لهم: "إلا تذكروا أنه إن كان لكم إيمان مثل حبة الخردل تفعلون معجزات أعظم وأسمى من ذلك (راجع مت17: 20)؟" وإذ سمعوا ذلك خافوا الرب جدًا. مرة أخرى إذ رقد تلميذ له في الرب اجتمع حوله الإخوة، فجاء الأب إلى جثمانه وقبّله، ثم قال له: "أتريد يا ابني أن ترحل الآن إلى الله أم تبقى في الجسد؟" في الحال قام الميت وجلس ليقول له: "خير لي أن أترك الجسد وأبقى مع المسيح، فانه ليس لي اشتياق أن أبقى في الجسد". عندئذ قال له الطوباوي: "إذن لترقد يا بنيّ في سلام، ولتتوسل إلى الله من أجلي عندما تذهب إليه"، ثم رقد الرجل في نعشه... فبُهت الكل، قائلين: "بالحقيقة إنه رجل الله"، ثم كفنه وصار يصلي طول الليل مسبحًا بالمزامير ثم دفنه. مرة أخرى إذ وقف أمام أحد تلاميذه وكان على فراش الموت، وقد عُرف هذا الأخ بإهماله وتراخيه، صار الأخ يبكي متوسلاً إلى الأب أن يصلي إلى الله لكي يعطيه مهلة أخرى عوض السنين التي قضاها في التراخي. في حزم مملوء حب وبخه الأب على الأعوام التي قضاها هكذا، ثم قال له: "إنني مستعد أن أطلب إلى الله من أجلك إن كنت لا تضيف إلى خطاياك خطايا أخرى". وبالفعل توسل إلى الله من أجله بحرارة، وأخيرًا أخبره أن الله أعطاه مهلة ثلاث سنوات أخرى، عاشها التلميذ في جهاد عجيب، حتى إذ تمت هذه السنوات جاء الأب يلتقي به قبيل نياحته. وكما قال القديس بالاديوس إنه لم يكن كإنسانٍ عادي بل صار التلميذ كرسول إلهي مختار من الله، أعماله أدهشت الكل! في بساطة قلبه وإيمانه العجيب صنع الله معه عجائب، إذ قال عنه تلاميذه إنه سار على المياه، بل وتركوه دفعة في علية مغلقة فحملته ملائكة إلى الموضع الذي يريده، وروى لتلاميذه أنه في حلم كشف له الله الخيرات السماوية المعدة للرهبان الحقيقيين، الأمور التي لا يمكن أن يُنطق بها... كل هذا من أجل إيمانه العجيب مع بساطة قلبه واتضاعه المملوء حبًا لله والناس.
يوجد لبس بين قديسين يحملان نفس الاسم St. Beatus، الأول تنيح في حوالي 9 مايو سنة 112، وهو ناسك عاش في مغارة على شاطئ بحيرة Thun بسويسرا، بعد أن طرد وحشًا عنيفًا كان يطارد المنطقة. جاء حسب الكنيسة الرومانية أنه نال العماد على يديْ الرسول برنابا في إنجلترا، وأن القديس بطرس أرسله إلى سويسرا للكرازة بالإنجيل بعد سيامته قسًا بروما. كانت الجماهير -خاصة الفلاحين- تزدحم على المغارة لنوال البركة، حاليًا توجد كنيسة هناك يزورها الكثيرون في يوم العيد. أما الثاني الذي يُكرم في ذات اليوم، فقيل أنه كرز بالإنجيل في شواطئ Garonne ثم Nantes وVandome. قيل أنه تنيح في Chevresson بالقرب من ليون قرب نهاية القرن الثالث.
--------------------
بيثيرون الأب
يروي لنا القديس جيروم في كتابه: "تاريخ الرهبان" عن الأب بيثيرون Abba Pithyrion أنه رأى في منطقة طيبة جبلاً مرتفعًا بالقرب من النهر، وهو جبل مرهب في ارتفاعه، بقممه القفرة، سكن في مغاراته بعض الرهبان، من بينهم أبا بيثيرون، الرجل الثالث الذي احتل مكان معلمه الأنبا أنطونيوس ومكان الأنبا آمون تلميذ الأنبا أنطونيوس. يقول إنه بحق ورث عن معلمه جهاده وأتعابه. قيل إنه كان يأكل القليل من الخبز مرتين في الأسبوع: السبت والأربعاء. وقد تحدث هذا الأب عن الجهاد ضد الأرواح الشريرة، قائلاً: "توجد شياطين ملاصقة للأهواء، في مرات كثيرة تحوّل الأمور الصالحة إلى شريرة، لهذا من أراد منكم يا أبنائي أن يطرد الشياطين فعليه أولاً أن يُخضع شهواته، فإنه يليق بالإنسان لا أن يغلب كل شهوة فحسب وإنما أن يطرد الشيطان نفسه. حقًا يلزمكم أن تغلبوا شهواتكم شيئًا فشيئًا، بهذا أيضًا تطردون الشياطين الملازمة لها. يوجد شيطان يخص الحياة المنحلة المتراخية، فمن يغلب الشهوة يطرد هذا الشيطان". كما قال في نفس الأمر: "الشيطان يتبع الغضب، فإذا ضبط الغضب يطرد شيطانه، ويُقال نفس الشيء عن كل هوى".
لا نعرف شيئًا عن طفولته سوى أنه وُلد في تلا التابعة لطلخا بالمنيا في صعيد مصر. نشأ بين والدين تقيين هما بامون ومرثا، وكان منذ صغره محبًا لحياة العفة، وإذ دخل الجندية كان ينفق كل مرتبه على الفقراء والمحتاجين، وقد تدرب على حياة السهر والتسبيح. وكان يقضي أغلب أسبوعه صائمًا بلا طعام أو شراب عدا السبت والأحد. كان مهتمًا بخدمة المرضي المسجونين، وقيل أن ملاك الرب كان يظهر له ويتحدث معه كصديقٍ مع رفيقه. في برية تلا إذ كفر دقلديانوس، ترك بيجول الجندية وانطلق إلى البرية التي في غرب تلا يقضي حياته في العبادة، ويذهب كل سبت إلى الكنيسة القريبة ليسهر متعبدًا ثم يتمتع بالأسرار الإلهية. في هذه الفترة تعرض لتجاربٍ كثيرة، منها إنه ظهر له الشيطان في شكلٍ آدمي ينصحه أن يرجع إلى بلده ويعود إلى الجيش للعمل ويتزوج. وبقدر ما تعرض للحروب والمقاومة كانت نعمة الله تسنده، إذ ظهر له ملاك الرب وشجعه وأنبأه أنه سيكون شهيدًا، بل وظهر له السيد المسيح نفسه ليسنده ويباركه ويسأله أن ينطلق لينال إكليل الاستشهاد. في الإسكندرية انطلق إلى الإسكندرية فوجد الوالي يحاكم المسيحيين. اقتحم المكان وأعلن مسيحيته. تعرض لضربات قاسية وإلقائه في السجن، فظهر له رئيس الملائكة ميخائيل وعزاه. في السجن صلى من أجل إنسانٍ أسره روح شرير، وباسم ربنا يسوع المسيح حرره من هذا القيد، فشاع خبره في كل الإسكندرية. سمع بذلك أحد أكابر الإسكندرية فجاءه في السجن يطلب أن يحرر ابنه من روح شرير، فطمأنه، وأخبره أنه سيكون عنده بالليل. وبالفعل إذ حلّ المساء صلى القديس من أجل هذا الابن فجاءه رئيس جند الرب ميخائيل وحلّ قيوده وفتح أمامه أبواب السجن وذهب معه إلى بيت الرجل حيث صلى هناك وباسم ربنا يسوع المسيح أخرج الروح الشرير، ثم أعاده رئيس الملائكة إلى السجن ثانية. أحضره قلقيانوس (كلكيانوس) أمامه، وأمر بعصره، حتى ظهرت عظامه، لكنه إذ صرخ أرسل ربنا يسوع ملاكه وشفاه. اغتاظ الوالي فألقاه على سريرٍ محمي بالنار، فصارت النار كالندى. جاء القس بيجول من الصعيد وشاهد بيجول الجندي وسط العذابات، فصرخ: "الويل لك يا قلقيانوس، حتى متى تعذب عبيد الرب؟" جاء كتاب من الملك فيه صار قلقيانوس واليًا على ولاية البهنساوية، وتعين أرمانيوس واليًا على الإسكندرية، وكان الأخير عنيفًا أيضًا في تعذيب المسيحيين. إذ أُرسل القديسان بيجول القس وبيجول الجندي إلى السجن التقيا في الطريق برجلٍ أعمى، صليا عليه فشُفي وانفتحت عيناه، فرافقهما حتى دخلا السجن، الأمر الذي عزى المسيحيين المسجونين، أما الوالي فحسب ذلك من فعل السحر. أمر الوالي بتعذيب بيجول الجندي بضربه على رأسه بالقضبان حتى سال الدم من أنفه وفمه، وبجلده 200 جلدة، جلدتين على فترات ليطيل مدة آلامه. أما القس بيجول فتألم كثيرًا حتى بكى كثيرون بسببه. أُعيد القديسان إلى السجن فدُهش المسجونون إذ ظنوا انهما استشهدا. شهادة القديس بيجول القس في 15 أمشير احتمل القديس عذابات كثيرة أمام أرمانيوس، وأخيرًا قُطعت عنقه، وهو يصرخ بفرح قائلاً: "الآن قد كمل فرحي، وتممت كهنوتي في أيامك، فإن لي اليوم أربعين سنة أخدم الرب من أجل هذه الساعة"، ثم فتح فاه وبارك الرب. نفي بيجول الجندي إلى أنصنا بعد استشهاد القس بيجول ألقى أرمانيوس بيجول الجندي في قدرٍ نحاسي وأوقد تحته، فكان القديس يصلي طالبًا المعونة ويرشم ذاته بالصليب، وإذ خلصه ملاك الرب أرسله أرمانيوس إلى أريانا والي أنصنا بصعيد مصر. رست السفينة عند بلده، فاستدعى أخته ثاودورا وأوصاها بالصلاة وعمل الرحمة مع المساكين والأيتام ثم ودعها. وفي أنصنا رفعه أريانا على هنبازين، فأضاء وجهه وامتلأ جسده قوة، كما أمر بقلع أظافره وضربه بالمرازب الحديد، وكان الرب يقويه، وأمر بعصره، ثم رفعه على ساري منكس الرأس، وجلده. أُلقيّ القديس في السجن، وفي اليوم التالي أُلقيّ في أتون نار وكان رئيس الملائكة ميخائيل يخلصه وينطلق به إلى حيث كان أريانا جالسًا، وإذ رأى "قلته" أحد الجنود الحاضرين ذلك آمن واستشهد في 26 من شهر برمهات. إرساله إلى دقلديانوس أرسله أريانا إلى دقلديانوس في إنطاكية وكتب له قضيته بالكامل. وإذ قام الملك بتعذيبه وقتل الخادم الصغير الذي كان يرافقه، يُدعى سرجيوس، أرسله إلى السجن، وهناك زاره القديس بقطر بن رومانيوس الوزير. وقد وهبه الله عمل عجائب في السجن فاغتاظ الملك، وأمر بإلقائه في جبٍ مظلمٍ ووضع حجرٍ ثقيلٍ عليه ليموت، وفي الصباح إذ فك الجنود الأختام وجدوا القديس باسطًا يديه علي شكل صليب يصلي، فأحضروه إلى الملك وقُطعت رقبته لينال إكليل الاستشهاد في 13 من شهر بشنس. نبيل سليم وجرجس وجرجس المنياوي: الشهيدان أبا بيجول الجندي وأبا بيجول القس، ابريل 1966.
وُلد القديس بيجيمي في بلدة فيشا (غالبًا فيشا بلجة التابعة للمحمودية بمحافظة البحيرة، وهى غير فيشا الكبرى أو فيشا النصارى التابعة لمحافظة المنوفية). نشأ في أسرة تقية فقيرة، وكان منذ صبوته يقوم برعاية غنم والده. وكان لهذا العمل البسيط أثره في حياته الداخلية، إذ كان يقضي فترات طويلة يتأمل عناية الله وحبه مشتاقًا إلى تكريس حياته لله. وبالفعل وهو في الثانية عشرة من عمره ظهر له ملاك على شكل صبي في ذات عمره وكان يتظاهر أنه يود الرهبنة، فأشعل الحديث قلب الصبي بيجيمي بحب الرهبنة. وبالفعل بعد ثلاثة أيام جاء إليه ثلاثة رهبان أخذوه معهم إلى نتريا ليقضوا أيامًا قليلة هناك، ثم انطلقوا إلى برية شيهيت (إسقيط القديس مقاريوس) حيث تقدم في الحياة الروحية بطريقة لفتت الأنظار إليه. حياته الرهبانية عاش سبع سنوات ينمو كل يوم في حياة الفضيلة في الرب ولبس بعد ذلك الإسكيم وهو بعد شاب صغير (الإسكيم منطقة من الجلد يرتديها النساك، ويخضع لابسو الإسكيم لقوانين رهبانية شديدة ونسكيات زائدة). سار بروح الله فكان الرهبان يستشيرونه ويطلبون بركته، أما هو فعاش في وسطهم بروح الطاعة والاتضاع. جهاده الروحي إذ نال شهرة عظيمة كان كثيرون يوفدون إليه من رجال ونساء، وإذ كان يخشى على نفسه لئلا يسقط في شهوة شريرة اهتم بالأكثر بحياته الداخلية من صلوات وأصوام مع عمل يدوي، وكان محبًا للسهر الروحي، متذكرًا القول الإنجيلي: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف" (مت26: 41). كان كلما اجتمعت وفود كثيرة به يتذكر يوم الدينونة، مبكتًا نفسه بالقول: "ماذا أفعل إن افتقدني الرب وأنا موجود وسط هذه الجموع التي لا أستحق أن أكون واحدًا منهم، فإني خاطئ ومتوانٍ في عمل الرب." في البرية الداخلية إذ بلغ حوالي السادسة والثلاثين من عمره ترك الإسقيط وأنطلق إلى البرية الداخلية، كان يسير وهو يسبح الله حتى وجد وادٍ صغير به بعض النخيل وقليل ماء، ففرح القديس وانطلق حوالي عشرين ميلاً داخل البرية بعد الوادي حيث وجد صخرة عالية بها مغارة سكن فيها، حاسبًا نفسه انه وجد جنة عدن، إذ تهللت نفسه جدًا بهذا الموضع الهادئ. بقى في المغارة 24 عامًا يجاهد بفرحٍ وسرورٍ، إذ عُرف في كل حياته بالبشاشة، وكان ملكوت الله لا يفارق ذهنه. كان طعامه هو قليل من البلح الذي يجمعه من الوادي ليأكله دون أن يخزن منه في مغارته شيئًا. أما صلواته ومطانياته فكانت مع قراءاته لا تنقطع. كانت الشياطين تظهر له في شكل وحوش مفترسة لترعبه، فكان يتقوى بالصلاة والصراخ لله حتى عرف ضعفهم، فكان يسخر منهم باسم الرب ويرشم عليهم علامة الصليب فيهربون. كان الشيطان يحاربه بفكر اليأس والفشل لكي يحطمه، معلنًا له أن أعماله هذه كلها غير مقبولة لدى الله، لعله يفتر عن الصلاة والصوم، فصار يقاوم هذا الفكر خلال الأصوام والصلوات المستمرة لمدة 80 يومًا، فالتهب قلبه بالروح أكثر مما كان عليه. ظهور الرب له ظهر له ملاك وقدم له قليلاً من الخبز والماء وطلب منه أن يرجع إلى بلدته. وإذ اختفى الملاك خشي لئلا يكون هذا حيلة شيطانية، فرشم على الخبز والماء بالصليب، وكان يأكل ويشرب شاكرًا الله على نعمته، وبارك الله في هذا الطعام زمانًا طويلاً. بعد سبع سنوات ظهر له السيد المسيح ومعه رئيس الملائكة ميخائيل والإثني عشر رسولاً ببهاء عجيب، وطلب منه أن يرجع إلى بلدته ليشهد له وسط الوثنيين ويثبت المؤمنين. قيل أن رئيس الملائكة حمله على سحابة نورانية، وجاء به إلى ربوة عالية تبعد 3 أميال من بلدته، وهناك حفر لنفسه مغارة وصار يتعبد لله، فجاء إليه كثيرون يتمتعون بكلمات تعليمه ويطلبون صلواته إذ وهبه الله صنع العجائب. في فاران قيل إنه بأمر إلهي ذهب إلى برية فاران وبقى هناك خمس سنين يرد الضالين إلى حظيرة الإيمان، ليعود إلى مغارته التي بقرب فيشا. تحولت مغارته إلى مركز حيّ للكرازة بالإنجيل وردّ المنحرفين، كما كانت موضع تعزية للمتعبين والمرضى. لقاء الأنبا شنودة معه قيل أن الأنبا شنودة رئيس المتوحدين رأى كأنه قد حُمل إلى السماوات ليرى المجد المُعد للقديس أنبا بيجيمي، فتعجب جدًا، وقرر أن يذهب إلى فيشا لينال بركته. بعد أن أكل واستراح من الطريق صارا يسبحان الله ويصليان ويتعزيان بكلمة الله. نياحته عرف القديس بيجيمي يوم نياحته، وأخبر تلميذه بذلك. في أول كيهك أصيب بحمى شديدة، وفي الحادي عشر رأى جماعة من القديسين جاءوا إليه ومعهم ملائكة يزفون نفسه إلى موضع راحتها. أحد رهبان دير السريان (العذراء): سيرة القديس العظيم الأنبا بيجيمي السائح.
تحتفل الكنيسة بعيد استشهاد القديس بيخيبس (أي المصباح) الذي من أشمون طناح في العاشر من شهر مسري (دُعيّ في سنكسار رينيه باسيه "أبو يحنس"). كان أولاً ببنوسة، وكان جنديًا مسيحيًا متخفيًا، أعلموا أنطخيوس الأمير بأمره فاستدعاه واستدعى الأساقفة الأنبا كلوخ والأنبا فيلبس والأنبا نهروه، وسألهم عن عقيدتهم فأعلنوا إيمانهم بالسيد المسيح، عندئذ صار يعذبهم بمرارة. تعرض القديس بيخيبس لعذابات كثيرة من تكبيل بقيود حديدية، والعصر، والصلب منكس الرأس وتقطيع جسده، وكان الرب يسنده ويقويه. أُرسل مع جماعة من الشهداء إلى البرمون حيث بقوا في المركب 27 يومًا بلا طعام ولا شراب، وإذ بلغوا الموضع صار الجلادون يقطعون جسده بالسواطير. فجاء أحد عظماء البرمون وأخذ جسده الطاهر، وكفنه، وأرسله إلى أشمون طناح بلده. قيل أن كثيرين تأثروا جدًا بعمل الله معه أثناء احتماله العذابات بشكر، حتى تقدم كثيرون للاستشهاد معلنين إيمانهم، أما في يوم استشهاده فاشترك معه 95 نفسًا في نوال الإكليل المبارك. السنكسار: رينيه باسيه، 10 مسرى.
الأب بيريوس Pierius مدير مدرسة الإسكندرية في القرن الرابع في عهد البابا ثاؤنا وكان كاهنًا مثقفًا، مفسرًا ممتازًا لكلمة الله وكارزًا، يقول عنه المؤرخ يوسابيوس: "اشتهر بفقره الشديد مع غزارة علومه الفلسفية. كان عميقًا في التأملات الروحية، مجاهدًا في تفسير الروحيات والمباحثات العلنية في الكنيسة". يدعوه القديس جيروم: "أوريجينوس الصغير". وهو معلم الشهيد بمفيليوس المعجب بالعلامة أوريجينوس والكاهن والمعلم اللاهوتي في قيصرية فلسطين. نشر مقالات كثيرة في مواضيع متنوعة. له مقال طويل عن هوشع النبي، كما كتب عن "إنجيل القديس لوقا"، "والدة الإله"، "حياة القديس بمفيليوس". قيل إنه استشهد، لكن الرأي الغالب انه احتمل عذابات كثيرة في عهد الإمبراطور دقلديانوس دون أن يستشهد، وأنه قضى أيامه الأخيرة في روما. يعيد له الغرب في 4 نوفمبر.