. . . . . . . . . . . . . . . . . .
ليس الحل بالتالي هو أن نختبئ وراء الكلام الطيب والعظات الجميلة يا أمي، ولا هو حتى قوة الإرادة مع الجهاد والتغصب دون فهم. لأن الإنسان سيكون ساعتها كمريض بساقيه مثلا لا يستطيع المشي ومع ذلك يتحامل على نفسه، وتكون النتيجة أن يمشي فعلا ولكنه بعد قليل يسقط، ربما في حال حتى أسوأ مما بدأ. الحل بالأحرى هو ـ أولا ـ أن نعترف ببساطة أن لدينا مشكلة، ثم ـ ثانيا ـ أن نفهم، يا حبذا بمساعدة الطبيب، ما هي بالضبط مشكلتنا، ما هي الأهواء والأسقام التي بقلوبنا، ثم ـ ثالثا ـ أن نعرف ما هو العلاج وكيف يتحقق الشفاء أخيرا.
هذا الشفاء ـ خلوّ القلب من سائر الأمراض والأهواء ـ حالة يسميها الآباء باليونانية "آباثيـا"، وفي عبارة هامة للقديس إيفاجريوس (مار أوجريس) يقول إن هذه الحالة «تأتي قبل المحبة وتجعلها ممكنة، والمحبة تفتح المجال للمعرفة»!
بعبارة أخرى: المحبة ليست ممكنة أصلا قبل أن يتنقى القلب أولا من أهوائه ويشفى من سائر أسقامه! أتحدث عن المحبة الحقيقية، وليس عن "رباطات الأنا" مع هذا أو ذاك أو تلك. المحبة نفسها ـ ناهيك عن المعرفة ـ ليست ممكنة أصلا! ولا عجب بالطبع، لأن المحبة ليست قرارا أو فعلا إراديا كما ذكرنا سابقا، بل هي ثمرة الروح (غل 22:5) وفيض من إشراق النعمة وعملها بقلوبنا.
***
أما الأنا ـ يا ست نعومة ـ فهي أمّ الأهواء والأسقام كلها! و"الأنا" ليست هي "النفس" ببساطة، ولكننا للأسف لا نستطيع أن نأخذ هذا الحوار أبعد من هذا (وإلا سنضطر للحديث ـ مثلا ـ عن الفرق بين الأنا أو "الفرد" من ناحية، وبين "الشخص" أو "الأقنوم" الإنساني من ناحية أخرى، وهي يالطبع تفاصيل لا يحتملها أبدا حوارنا، الذي أجتهد أن يكون بالعكس بسيطا ومختصرا قدر الإمكان). أدعوكِ بالتالي أن تقرأي فضلا رسائلي الأخيرة بهدوء وبقلب منفتح مرة أخرى (بداية من الرسالة 74). فإذا تحقق الفهم وظهر المقصود، فبنعمة الله وإرشاده، وإذا لم يتحقق، فحسب مشيئته وتدبيره، لأن الوقت ببساطة لم يحن بعد.
أشكرك يا أمي الغالية على رسالتك واهتمامك ربنا يباركك، كما أعتذر مقدما لعدم قدرتي على الرد حاليا على أية رسائل جديدة، ما لم تحمل مثلا أي استفسار أو سؤال مباشر يبحث مخلصا عن إجابة. وختاما مع نسمات الصيف الرقيقة أتمنى لك طيب الأوقات وأسعد الأمسيات، النعمة معك دائما وحتى نلتقي.