الذى شدنى فيك منذ ايامى الأولى فى المنتدى هو روح الحكمة والهدوء
وأما عن نفسي فأكثر ما أعجبني فيك هو "اعترافاتك" البسيطة البريئة، عندما قلتَ مثلا «كنا همج رعاع»، أو كما تقول اليوم «لم أفلح بسبب عدم إخلاص النية». هذا يكشف عن قلب جميل متواضع ما زال يحمل الكثير من النقاء والبساطة ربنا يباركك. المهم تحافظ عليه.
***
بخصوص يوحنا ١٣
اعتبره شخصيا متشابه
وانا مأمور فى القرآن ان ألجأ للمحكم واترك المتشابه
بالبلدى يعنى بنفسر النسبى بالمطلق
او بنفسر النصوص الغامضة بالنصوص القاطعة
يعني انت مسلم فعلا؟! لا حول ولا قوة إلا بالله، أنا كنت فاكرك خفيت! لما لقيتك بتقول فكرة الشبيه «وثنية خرافيه أسطورية»، وبعدين بتقول «كنا همج رعاع»: قلت الراجل ده شكله خلاص قام بالسلامة.. أو يمكن لسه متردد بس قاطع شوط كبير في البحث.. أو يمكن زي عبود، يمسّيه بالخير، كان يبدو بردو محتار ومحيّر ناس كتير في أمره، غير أنه طبعا ألعبان كبير وبيلعب على كل الحبال!
أتاريك لسه مسلم! يا صلاة النبي! وتلاقيك حتى "مسلم غيور" كمان!
***
هدفى؟؟؟
تحديد الهدف هو مشكلة المشاكل
وانا هدفى كان إثبات خطأ النص او تناقضه
أيوه وبعدين؟ فين الهدف؟ لما «تثبت خطأ النص أو تناقضه» يحصل إيه؟ يعني في الآخر خالص يعني: ح نوصل لإيه؟ إنك تثبت مثلا إن الإسلام صح والمسيحية خطأ؟ إن المسلمين فُله والمسيحيين كُخه؟ طيب فرضا، وبعدين؟ لما تثبت حتى ده نفسه: ح يحصل إيه؟
(تأمل قليلا في اللي جاي، يمكن يكون فيه إجابة ولو غير مباشرة عن هذا السؤال).
***
لكنى لم أفلح بسبب عدم إخلاص النية
هدفى لاثبات شبهة
هو هدف لا يراد به وجه الله ورسوله بل يراد به الانتصار للنفس
أو تحقيق غرض
أيواااااه هو ده الكلام! اللي فات عليك ـ أستاذنا الحبيب ـ إنه لا فرق مطلقا بين «الانتصار لوجه الله ورسوله» أو «الانتصار للنفس»! إنت في الحالتين بتنتصر "لنفسك" وبتحقق أغراضها ورغباتها. لأنه إيه هي "النفس" أصلا ـ هذه "الأنا" ـ غير مجموعة من العقائد والآراء والأفكار والافتراضات والانحيازات... إلخ، أو ما نسميه إجمالا "البرامج العقلية"؟ انتصارك بالتالي لعقيدتك ـ "وجه الله ورسوله" ـ هو انتصار لنفسك في الحقيقة! بالضبط زي الانتصار لمنتداك أو بيتك أو عيلتك أو صاحبك أو حتى سيارتك. كله في النهاية يخصني، كله تبعي، يرتبط بذاتي، بنفسي، وكله في النهاية إجمالا هو ما "يصنع" هذه النفس أصلا، هذه الأنا! لذلك تهديد العقيدة مثلا ـ عند معظم الناس ـ هو بالأحرى "تهديد وجودي"! تهديد لذات الإنسان شخصيا، لـ"نفسه" كما يعرفها، رغم إنها ـ في النهاية ـ ليست أكثر من مجموعة "برامج عقلية"!
(طبعا لا ينطبق هذا على الإيمان المسيحي بالذات، لأن المسيحية ليست "ديانة" أصلا وليست عقائدها مجموعة أخرى من البرامج العقلية. الإيمان المسيحي "يتأسس" بالأحرى على "الخبرة" الحية المباشرة، الخبرة الروحية والوجودية الشاملة).
لذلك على الأقل «اعرف نفسك» يا صديقي كما قال سقراط. إذا لم تعرف حقا ربك، فعلي الأقل اعرف نفسك. فإذا لم يكن هذا ولا ذاك: فعلى الأقل لا "تخدع" نفسك! لا تصدق أن هناك أي فرق حقا بين «وجه الله ورسوله» وبين «الانتصار لنفسك» و«تحقيق أغراضها»!
***
لكن يبقى فى النفس تساؤلات وشبهات ليس كلها من الشيطان بل بعضها صادق وبعضها من الشيطان
ابستمولوجى او عقيدة توما تحتاج اسئلة كثيرة
لا مشكلة أبدا في أن تبقى التساؤلات وحتى الشبهات، ولو من الشيطان. لا مشكلة أبدا. السؤال المهم هنا هو: هل "عقل" الإنسان هو الآداة التي يمكنها أن تجيب حقا على كل أسئلته؟ قبل ذلك: هل هذا "العقل" هو كل ما نملك لأجل الفهم والإدراك وبلوغ الحكمة والوصول إلى الحقيقة؟
بالتالي لتكن هناك دائما التساؤلات: دي نفسها "شُغلة العقل" الأساسية. شُغلته هي إنه يفضل يسأل ويعافر ويحاول يفهم عشان "يستوعب" و"يعقل" وبالتالي يرتاح ويستقر. لكن إذا فهمنا جيدا العقل وفهمنا "طريقة عمله" بالضبط: ح نعرف فوريا إن فيه أمور يستحيل على العقل ببساطة أن يدركها. يستحيل، حتى منطقيا. بالتالي "الإلهيات" كلها مثلا لا يجرؤ العقل حتى أن يقترب منها!
توما ـ في المقابل ـ لم يكن عنده إبستمولوجي أو حتى عقيدة يا صديقي! توما كان عنده شيء تاني خالص، "أداة" أخرى مختلفة تماما للإدراك غير هذا "العقل" العاجز المحدود. قديسنا الجميل توما كان عنده ببساطة "نوس": كلمة يونانية تشير إلى أداة "الإدراك الروحي" عند الإنسان، ما فوق العقل، ما بعد العقل. نترجمها أحيانا على أنها "القلب"، أحيانا على أنها "البصيرة" أو "الحدس"، وحتى أحيانا على أنها "الروح"، حسب السياق. ايّا ما كانت الترجمة فالمشكلة أن هذا النوس ـ للأسف ـ معطّل تماما عند معظم البشر! "مظلم" تماما منذ السقوط! ولذلك أصبح البديل ـ هذا العقل الماديّ الحسّي العاجز المحدود ـ هو سيد البشرية وقائدها!
(من هنا نفهم ليه كل هذا الضلال والشر والإجرام وحتى الغباوة التي صارت تملأ العالم!)
لذلك قلنا المسيحية "إدراك" مبني على "خبرة" روحية، وليست مجرد "فهم" عقلي. وهذا يحدث فقط لما يرجع هذا النوس يشتغل تاني: يعني لما "القلب" أولا يتنقى ويصفو تماما. لما يرجع "مرآة" شفافة لها بالتالي القدرة على أن "تعكس" الصور و"تكشف" الحقائق. لها القدرة حتى على استقبال "النور" وإرساله، وهكذا تتحقق بالتالي "الاستنارة". ثم يرتقي الإنسان في الاستنارة تدريجيا حتى يبلغ قمتها بالوصول أخيرا إلى "الرؤيا": أي رؤية "المجد الإلهي" عيانا! هكذا يا صديقي كان قلب توما والقديسين عموما!
وطبعا لا يتوقف الأمر عند رؤية النور أو المجد الإلهي، هناك ما هو أبعد وأسمى كثيرا حتى من ذلك! لكنها مجرد خلاصة سريعة وباختصار شديد. الحديث يطول ويطول في هذه الأمور، والروحيات المسيحية عموما بحر زاخر ساحر لا ينتهي الإبحار فيه!
***
ويبقى انى عرفت حكيمان فى هذا المنتدى
ومواضيعك تستحق القراءة
انت و
aymonded
أشكرك أستاذنا الحبيب، ولا حكيم طبعا ولا يحزنون، نروح فين احنا وسط الحكماء! وأما أيمونديد الغالي الجميل ربنا ينيح نفسه فهو بالطبع أستاذنا وقدوتنا جميعا، حبيبنا الذي ما زال دائما معنا رغم الغياب.
***
أشكر الرب ختاما على هذا الحوار الرائع مع شخص جميل مثقف ومهذب مثلك. أيضا أشكرك أستاذنا الحبيب وأقدّر عميقا تواضعك ونقاوتك وبساطة قلبك، أسعدتني صحبتك كثيرا وأتمنى أن تتكرر، وعذرا لأنني بالفعل لا أملك الوقت حاليا. تحياتي أيضا لأستاذنا الجميل عبود، الغائب الحاضر دائما في قلوبنا. أطيب المنى وعلى المحبة دائما نلتقي.