لعازر
لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع ( يو 12: 11 )
معجزة إقامة لعازر من الموت هي بالحقيقة قمة معجزات الرب يسوع أثناء خدمته على الأرض.
فلقد أقام الرب آخرين من الأموات، لكن لعازر كان قد مضى على موته أربعة أيام وهو في القبر. وسجل لنا الروح القدس في يوحنا11،12 تاريخ هذه الشخصية والتي نجد فيها صورة لكل إنسان ميت بالذنوب والخطايا، وما يجب أن يكون عليه بعد نوال الحياة الأبدية.
فأول ما قيل عنه "وكان إنسان مريضاً وهو لعازر من بيت عنيا من قرية مريم ومرثا أختها" ( يو 11: 1 ).
هذه هي حالة كل إنسان بحسب الطبيعة "كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة، بل جُرح وأحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تُليَّن بالزيت" ( إش 1: 5 ،6). ثم مات لعازر كما قال الرب يسوع "لعازر مات" ( يو 11: 14 ).
هذا الموت هو من ضمن نتائج سقوط الإنسان ودخول الخطية "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" ( رو 5: 12 )
وليس الموت فقط لكنه قد أنتن كما قالت عنه أقرب الناس إليه: أخته مرثا "يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام". هذه هي حالتنا قبل الإيمان
"حنجرتهم قبر مفتوح" ( رو 3: 13 )
ولكن جاء الرب يسوع إلى القبر، وصرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجاً فخرج الميت وأصبح لعازر المُقام من بين الأموات ثم المتحرر "حلوه ودعوه يذهب" ( يو 11: 44 ).
وعندما أتى الرب يسوع إلى بيت عنيا وصنعوا له هناك عشاء كان لعازر أحد المتكئين معه.
وبالرغم من أن لعازر لم يسجل عنه الوحي أنه نطق كلمة واحدة، لكنه كان سبب بركة وإيمان لنفوس كثيرة من اليهود "فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضاً لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون ويؤمنون بيسوع" ( يو 12: 10 ،11).
وتم فيه القول "كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام" ( 2كو 5: 15 ).
فنرى في لعازر حالتنا قبل الإيمان:
كنا مرضى، أمواتاً في حالة العفونة ولكننا كنا محبوبين من الرب فأقامنا بل حررنا، لذلك يجب أن نكون متكئين معه ويستخدمنا بركة لكثيرين إلى مجيئه القريب.
في مثل هذا اليوم من كل عام، نرى الكبار والصغار، رجالاً ونساءً وهم ذاهبين إلى الكنيسة، حاملين ٍبأيديهم سعف النخيل، يجدلونه ضفائر ويعملون به أشكالاً على هيئة صلبان يرفعونها بأيديهم وهى مُزيّنة بالورود، حتى لا ترى واحداً لا يعرف أنَّ هذا اليوم هو:
أحد الشعانين أو أحد السعف أو الخوص.
والحق إنَّ المسيحيين لم يحتفلوا بهذا العيد عبثاً، أو لمجرد تذكّر حدث عظيم في حياة المسيح، بل لأغراض مقدّسة نذكر منها الآتي:
إعلان لاهوت المسيح
ففي قول السيد المسيح: " إِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَاناً مَرْبُوطَةً وَجَحْشاً مَعَهَا فَحُلاَّهُمَا وَأْتِيَانِي بِهِمَا وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئاً فَقُولاَ: الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا " (مت2:21،3)، دليل واضح على معرفته بالغيب، وأنَّه هو الإله الحقيقيّ الذي يعرف المستقبل.. وقد تم كل ذلك مع ملاحظة تعبير (الرب)، الدالة بوضوح على لاهوته، وأنَّه الإله الذي اتَّخذ جسداً ليُخلّص البشرية..
وقبل أن يدخل أورشليم، وفيما هو يقترب منها، نظر إلى المدينة وبكى عليها، وأعلن ما سيحدث لها فقال: " سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ " (لو42:19 – 44)، وهذا ما قد حدث على يد تيطس القائد الرومانيّ سنة (70م)، أي بعد حديث الرب بحوالي (40) عاماً.
إنَّ الكائن الفريد الذي لم يرد في التاريخ من يشبهه؟! لا يمكن أن يكون مجرد نبيّ أو إنسان ولد وعاش ومات؟ لأنّ ولادته الجسدية من عذراء لم تعرف رجل فريدة (إش7: 14)!
وعاش كل حياته بلا خطية! وقد قال مرّة لليهود " مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ " (يو8: 46)، وقيل عنه: " الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ " (1بط22:2).
وصنع معجزات خارقة! فشفى المرضى وجعل العرج يمشون، والصم يسمعون، والعمي يبصرون، والخرس يتكلمون، والمفلوجين يتحرَّكون.. حتى الطبيعة كانت تخشاه وتُطيعه، فكان ينتهر الريح ويأمر البحر فيهدأ...
وغفر الخطايا التي لا يغفرها إلاَّ الله " وَإِذَا مَفْلُوجٌ يُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ مَطْرُوحاً عَلَى فِرَاشٍ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: ثِقْ يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ " (مت9: 2) وفى بيت سمعان الفريسيّ قال للمرأة الخاطئة: " مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ " (لو47:7).
وقد هزم الموت عندما أقام أمواتاً من الموت وأعادهم إلى الحياة فقد أقام: ابن أرملة نايين (لو7:11- 17)، وابنة يايرس )مت9: 8- 26)، ولعازر (يو11: 1- 44) وأخيراً استطاع بقوة لاهوته أن يقوم من بين الأموات ويصعد إلى السماء!!
تأكيد صحة نبوات الكتاب المُقدّس
فقد تحققت نبوة زكريا النبيّ عن هذا اليوم: " اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ، هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ " (زك9:9)
وعن دخول المسيح الهيكل وتطهيره وقوله: " مَكْتُوبٌ أَنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ " (لو19: 45 ،46)، هو تحقيق لنبوة إشعياء النبيّ: " بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ " (إش7:56)، ونبوة إرميا النبيّ: " هَلْ صَارَ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ مَغَارَةَ لُصُوصٍ فِي أَعْيُنِكُمْ ؟ " (إر11:7).
وهذا يدفعنا أن نُقدّس بيت الرب لا أن نُدنّسه بأفعالنا الحقيرة، فالله لا يريد أن يكون هيكله موضعاً للتجارة بل مسكناً للقداسة، وكل نفس تستهين بقداسة بيت الله، لا بد أن يأتي يوم وتصير مثل أورشليم خراباً، وهكذا القلب الذي لا يملك عليه المسيح لنجاسته يصير قفراً مظلماً، وإن كان البيت المهجور تملأه البوم والغربان وتكسيه الأتربة.. هكذا أيضاً القلوب الخالية من المسيح، تصبح مرتعاً لنسور الخطية ووحوش الإثم وتراب الغيرة والحسد
توضيح مُلكْ المسيح
تُرى ما هى طبيعة هذا المُلك؟ أعتقد أنَّ المسيح قد جاء ليملك علينا، لا من بيت عنيا بل من السماء! مقبلاً ليس إلى أورشليم بل إلى قلوبنا! وإن كان المسيح قد صرَّح بأنَّه ملك، إلاَّ أنَّه لم يُصرّح بمُلك أرضيّ، لأنَّ ممالك الأرض تفنى وتزول.
وهل يمكن لمن يحوط الأرض بجناحيه أن ينشد ملجأ في عش مهجور؟! أم هل يرتفع الحيّ ويتشرّف بواسطة لابسيّ الأكفان؟!
وتستطيع أن تتحقق من مُلك المسيح الروحيّ، من قول الملاك للعذراء مريم عندما بشرها " وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ " (لو33:2)، فلو كان المُلك أرضيّ ما كان قد قال إلى الأبد.
إنَّ مملكة المسيح ليست من هذه الأرض، وعرشه لم يُبنَ على جماجم الموتى، ولهذا لم يقد ثورة ضد الامبراطور والامبراطورية، وعلى الذين يُطيعونه أن يُطيعوا قيصر ويُعطوه الجزية، ولهذا عندما شفى عبد قائد المئة (مت5:8-12)، لم يجعل شرط الشفاء أن يستقيل من وظيفته في الجيش الرومانيّ.
التأمّل في الموكب المهيب
والاحتفال البهيج والجماهير المحتشدة لاستقبال المسيح فترتقي عقولنا إلى يسوع الذي أحبَّنا، ونتأمّل في تواضعه الفريد، فيسوع الذي ضرب لنا أروع الأمثلة عن التواضع والفقر الاختياريّ، بحقارة محل ميلاده في المذود، وعيشة الفقر التى عاشها وهو العظيم المالك كل شيء، ودخول أورشليم متواضعاً على أتان.. وحفّز بذلك المساكين على الصبر محتملين ذلهم، والأغنياء على النزول إلى مستوى الفقراء ومواستهم!
والحق إنَّ كثيرين يقبلون الله المحبة الذي يُطعم الفقراء ويشفي المرضى.. ولكنهم يتعثرن في فهم الله المتواضع، فقد رسخ في أذهانهم فكرة الله القوي الجبَّار.. ولكننا نتساءل:
هل التواضع فضيلة أم رذيلة؟ أعتقد لو أننا رأينا ملكاً أرضياً ينحني ويُقيم ساقطاً من على الأرض، لتسابقت صحف العالم على نشر هذه الصورة، لَعَلَّ جميع الرؤساء والملوك يتشبَّهون به، إذن فالتواضع فضيلة، فلماذا نمدحها في البشر ونرفضها في الله؟!
الاستعداد الروحيّ لاستقبال ملك الملوك
ولأنَّ المسيح قد جاء ليملك على قلوبنا مُلكاً روحياً، فهو لهذا لا يريد سوى قلبك ليسكن فيه، إذن مهما أعطيت الله بدون قلب نقيّ فلن يقبله ولن يرضى به.
وأعتقد أنَّ الحكيم هو من يترك أمجاد العالم الفانيّ ويملأ بالإيمان قلبه، ويُقبل إلى يسوع ليتجند في جيشه الروحانيّ ويحتمي تحت راية صليبه، ويأخذ صورته ويرفعها عالياً، لكي يعلم الجميع أنَّه من أتباع المسيح الذين مَلكْ عليهم.
فيجب أن نستعد لاستقباله بقلوب طاهرة قدَّستها التوبة، فالله لا يسكن في قلب دنسته الخطية، لأنَّ الله نور ونار والخطية ظلام وبرد.. فهل يمكن أن تقوم شركة بين النور والظلمة؟! أعتقد أنَّ لا يلتقي بالظلام إلاَّ لكي يبدده، وهل يمكن للحياة والموت أن يلتقيان معاً؟! بدون توبة لا حياة، ولا أمل فى حياة، ولا نمو أو إخضرار إنَّما يعم القحط كل قلوبنا، هذا ما قاله رب المجد يسوع: " إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ " (لو13: 3).
اكتساب مفاهيم جديدة
فالمسيح الوديع الذي يدعو زكريا النبيّ ابنة صهيون، أن تتطلّع إليه متواضعاً ووديعاً ليملأ حياتها ببهجة النصرة هو الذي أمسك سوطاً وطهّر الهيكل وطرد الباعة والمشترين وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام (مت12:21)، ولم يدع أحد يجتاز بمتاع (مر16:11).
وقد أعلن لنا المسيح بهذا العمل سلطانه، حتى إنَّ الفريسيين سألوه: " بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هَذَا وَمَنْ أَعْطَاكَ هَذَا السُّلْطَانَ؟ " كان جواب المسيح: " وَأَنَا أَيْضاً أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً فَإِنْ قُلْتُمْ لِي عَنْهَا أَقُولُ لَكُمْ أَنَا أَيْضاً بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هَذَا: مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا مِنْ أَيْنَ كَانَتْ؟ مِنَ السَّمَاءِ أَمْ مِنَ النَّاسِ؟ " (مت24:21– 27).
ويربط القديس أُمبروسيوس بين تطهير الهيكل، والتطهير من الخطية، والشكلية، والعبودية المرُة للشر... فيقول: إنَّ الله لا يريد أن يكون هيكله موضعاً للتجارة لأنَّ هيكله مقدس، مؤكداً على خدمة الكهنوت أنَّها لا تتم بالاتجار بالدين بل بالبذل الإرادي مجاناً... فالتجارة تشير إلى روح العالم (مغارة لصوص)، والتطهير يتم بالتوبة والاعتراف والحل والتناول من خلال خدمة الكهنوت... والتطهير له بعد الصلوات والعبادات لتقديس الهيكل.
حيث نسير مع الرب خطوة خطوة فى رحلة آلامــــــــــه , ونصرخ بكل خلجات قلوبنا مع الكنيسة فى تسبحتها لفاديها أثناء هذا الأسبوع _ وهى التسبحة التى يُسبح بها السمائيون ( رؤ 5 : 11, 12) _ ونقول : لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين ... فإن كنت محتقر ومخذول من الناس , رجل أوجاع ومختبر الحزن " (إش 53 : 3).
فإنك أنت عمانوئيل إلهنا وملكنا , لك المجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين.
+ يا أحبائى ... ليتنا ننتظم على جميع صلوات الكنيسة هذا الأسبوع , ولا نسمح لأنفسنا أن نتأخر ولو لدقائق قليلة .. لئلا يفوتنا مشهد من مشاهد أحداث هذا الأسبوع المجيد ...
ليتنا أثناء الصلوات : نصلى بالروح من أعماق قلوب تائبة صادقة خاشعة..
ليتنا أثناء القراءات : نركز بأذهاننا ونتأمل فى كل كلمة بل وما بين الكلمات والسطور ..
ليتنا أثناء الألحان : نحلق بأرواحنا فى محبة إلهنا وفادينا , الذى جاز كل هذه الآلام (حباً ) عنا , ونتأمل بعمق فى أحداث هذا الأسبوع ...
عن كتاب
كيف نقضى أسبوع الآلام ؟
لنيافة الأنبا يوأنس
الأسقف العام.
يقول أحد الآباء الرهبان : أتيت إلى الرب إلهى فى الصباح الباكر .. وسجدت أمامه .. ونظر إلىّ بعينيه الحانيتين الشافييتين .. ثم إحتضننى .. وبعد ذلك نظر إلى شجرة التين , وهو يقول لى : أنظر يا (فلان) إلى هذه الشجرة , فعندما رأيتها عن بُعد مورقة , جئت إليها لعلى أجد فيها ثمراً , ولكنى لم أجد إلا ورقاً (مر 11: 13) .. فأجبت إلهى الحبيب القدوس قائلاً :
لعل هذه الشجرة ترمز إلى حياتى فى كثير من الأقوات .. إذ أبدو وكأنى مثمر , ولكنى خاو من ثمر الروح , بل وقلبى يمتلئ من خطايا كثيرة .. وها أنت أيها الحبيب القدوس ستجوز آلاماً كثيرة عن خطاياى هذه وخطايا إخوتى بنى البشر .. هنا وصمت الحبيب القدوس .. ثم نظر إلىّ بعينيه الحانيتين , وكأن ينبوع من الحب والحنان قد احتوانى .. فصرت أصيح من أعماق قلبى - بتوبة صادقة - مع جمهور المصلين :
" لك القوة والمجد والبركة والعزة فى حياتى إلى الأبد آمين يا عمانوئيل إلهنا وملكنا ".
عن كتاب
كيف نقضى أسبوع الآلام ؟
لنيافة الأنبا يوأنس
الأسقف العام.
نلتقى بالرب يوم الثلاثاء , وهو يُعِّلم فى الهيكل ..
يقول ذلك الأب الراهب : كنت أجلس عند قدمى السيد يوم الثلاثاء فى الهيكل وهو يُعلِّم رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب بأمثال عن نهاية العالم والدينونة العتيدة أن تكون .. وتأمَّلت كثيراً فى تلك الساعة العتيدة ومصيرى الأبدى .. وأثناء عودتنا إلى بيت عنيا فى المساء , تقدمت لأسير بجانب مُخلصى الصالح , وتحدثت معه فى الأمثال التى ذكرها عن الدينونة العتيدة ..
وقال لى الرب بحنانه الفائق :
تأمَّل كثيراً يا حبيبى (فلان) إن أيامك القصيرة جداً على الأرض ترسم بدقة أبديتك الطويلة جداً ..
عن كتاب
كيف نقضى أسبوع الآلام ؟
لنيافة الأنبا يوأنس
الأسقف العام.
نلتقى بالرب يوم الأربعاء . فى خلوته ببيت عنيــــــــــا..
+ يقول أيضاً ذلك الأب الراهب فى مذكراته : وكانت الساعة السادسة مساء والهدوء يخيم على المكان .. وكان السيد جالساً بمفرده ينظر إلى بعيد فتقدمت إليه , وسجدت له .. وإذ به يحتضنى بوجهه الحانى المملوء حباً وحناناً..
+ سألت إلهى القدوس : لماذا لم تذهب للهيكل اليوم أيها القدوس ؟ .. أجابنى - له المجد - بقوله :
ألم تقرأ فى العهد القديم أن الخروف يكون تحت الحفظ أربعة أيام , ويستريح فى اليوم السابق لذبحه .. فها أنا أقضى هذا اليوم فى صمت وإختلاء لأعد نفسى للذبح عنك وعن إخوتك بنى البشر ..
حينئذ جاشت مشاعرى وتأثرت للغاية..
+ واستطردالحبيب القدوس فى حديثه قائلاً :
وفى خلوتى كنت أنظر إلى أبى السماوى .. إلى سماء مجدى .. وأتأمل فى قول إشعياء النبى :
" والرب وضع عليه إثم جميعنا .. أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن " (إش 53 : 6, 10) .. حينئذ ترنمت بكل خلجاتى بتسبحة البصخة " لك القوة والمجد والبركة ... " ولكن دموعى أعاقت كلماتى .. فرّبت الحبيبالقدوس على كتفى بحنانه الفائق , وقال لى :
هيا بنا إلى بيت سمعان الأبرص , فستأتى إمرأة مُحبَّة وستسكب طيب محبتها على رأسى لتُطيِّيب قلبى .
عن كتاب كيف نقضى أسبوع الآلام ؟ لنيافة الأنبا يوأنس الأسقف العام.
نلتقى بالرب يوم خميس العهد , وهو يغسل أرجل تلاميذه القديسين ..
يقول ذلك الأب الراهب فى مذكراته : أتيت إلى الحبيب القدوس فى العِلِّية .. وسجدت أمامه .. وكم فرح إلهى الحبيب القدوس عندما رآنى .. ثم إحتضنى .. قلت لإلهى : ماذا ستصنع الآن أيها القدوس .. قال لى : سأغسل أرجل تلاميذى ثم أغسل رِجلك وأرجل أخوتك أيضاً ..
هنا إنزعجت للغاية ,وانتابنى قشعريرة .. كيف هذا أيها القدوس .. كيف هذا ؟؟!! .. ابتسم الحبيب القدوس فى هيبة وهدوء , وقال : سوف ترى ..
" قام (السيد) عن العشاء , وخلع ثيابه , وأخذ يغسل أرجل منديلاً واتزر به . ثم صب ماءً فى مغسل , وابتدأ يغسل أرجل تلاميذه ويمسحها بالمنديل التى كان مُتزراً به " (يو 13 : 4, 5).
" فجاء الى سمعان بطرس ليغسل رجليه . فقال له بطرس :
يارب , أتغسل رجلىَّ ! أجاب يسوع وقال له : إن الذى أصنعه أنا لا تعرفه أنت الآن . ولكنك ستعرفه بعد ذلك . قال له بطرس : لن تغسل رجلىَّ أبداً !
أجاب يسوع : الحق الحق أقول لك : إن لم أغسل رجليْك فليس لكَ معى نصيب .
قال له سمعان بطرس : يارب , ليس رجلىَّ فقط بل ويدىَّ أيضاً ورأسى " (يو 13 : 6 - 9).
ثم نظر إلىَّ رب المجد بوجهه المضئ , وقال لى : تعال يا (فلان ) .. تعال تقدم لأغسل رجليك .. تسمَّرت مكانى , وكنت أود أن أقول ما قاله من قبلى أبى القديس بطرس الرسول , ولكنى تقدَّمت ويُغيظنى خجلى ودموعى , وابتدأ الرب إلهى القدوس يغسل رجلىَّ ويمسحهما بالمنشفة التى كان متزراً بها .. كانت لحظات رهيبة للغاية , ومبهجة وعجيبة للغاية .. وكأن ينبوع الطهر والطهارة قد غمرنى تماماً.. ولعل هذا هو قول رب المجد لمعلمنا بطرس الرسول : " الذى قد اغتسل .. هو طاهر كله " (يو 13 : 10).
وبعد ذلك أخذ الرب ثيابه , وإتكأ , وابتدأ يتحدث مع تلاميذه ( وكنت جالساً معهم ) , وقال : " أتفهمون ما قد صنعته بكم ؟ أنتم تدعوننى المعلم والرب , وحسناً تقولون , لأنى أنا هو . فإن كنت وأنا ربكم ومعلمكم قد غسلت أرجلكم , فأنتم أيضاً يجب أن يغسل بعضكم أرجُل بعض .
لأن ما صنعته لكم هو مثال , حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً بعضكم ببعض . الحق الحق أقول لكم : ليس عبد أعظم من سيده , ولا رسول أعظم من مُرسِلِهِ . فإن عملتم هذا فطوباكم إن عملتموه " (يو 13 : 12 - 17).
عن كتاب كيف نقضى أسبوع الآلام ؟ لنيافة الأنبا يوأنس الأسقف العام.
تأمل
بجلدته شُفيتم
"الذي حَمَل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة ... الذي بجلدته شُفيتم"
(1بط 2: 24 )
الرسول بطرس وهو يقتبس من أقوال النبي إشعياء، نراه يسترسل قليلاً في موضوع تلك الآلام التي وقعت على الرب نيابة عنا، فيسرد أوجهاً مختلفة من آلام المسيح في تلك الساعات المظلمة حتى تضطرم فينا حرارة التعبد، ونحن نقرأ عن ذاك الذي حمل في جسده خطايانا على الخشبة، فيقول "المسيح .. تألم لأجلنا ... الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر، الذي .. إذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم (أمره) لمن يقضى بعدل. الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة... الذي بجلدته شُفيتم".
فتلك الضربات الشافية لنا، جاءت على المسيح الخاضع الوديع من يد ذاك الذي يقضى بعدل، جاءت على "الذي لم يفعل خطية".
يا لظلمة الجلجثة!
ظلمة موحشة في رابعة النهار. إن عين الإيمان تخترق تلك الظلمة الكثيفة التي غطت الأرض من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة. وبالكاد نستطيع أن نرى تلك الضربات الشديدة الـمُبرحة غير المنظورة والفائقة الإدراك.
إن عصا التأديب النازلة على "شخص آخر" هي التي استطاعت أن تأتى لنا بالشفاء. فبدون الصليب وضرباته، ما كان يمكن أن يكون هناك بلسم من جلعاد للمجروحين. إنه عندما قُطعت شجرة اللعنة، شجرة الجلجثة، وطـُرحت في مياه مارة، حينئذ فقط صارت المياه عذبة وصالحة لإطفاء عطش الخطاة التائبين وإنعاش قلوب القديسين المثقلين.
وهكذا يصل إلينا صوت المتألم المضروب قائلاً لنا "أنا الرب شافيك" (خر 15: 26 ) . والذي جُرح لأجل معاصينا هو الذي "يجبر كسر شعبه ويشفى رض ضربه" (خر 15: 26 ، 57: 17، 18).
إن كل بركة لنا تفيض من ذلك المتألم القدوس على خشبة لعنة الجلجثة. وبضرباته شُفينا، وشجرة الموت تصبح شجرة حياة في وسط فردوس الله - هي المسيح نفسه وبأكلنا منه لن نجوع أبداً.
ولما تمموا كل ما كُتب عنه، أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبرٍ. ولكن الله أقامه من الأموات ( أع 13: 29 ،30)
إن قيامة المسيح من بين الأموات حقيقة جوهرية في المسيحية، إذا أُنكرت ذهب الإيمان كله وبطُل من أساسه. وبدون قيامة المسيح تتجرد المسيحية من كل امتيازاتها وبركاتها. فالإيمان المسيحي يقود النفس ليس إلى أسفل صليب فارغ خالٍ، ولكنه يقودني إلى قدمي المخلص المُقام والمرتفع. إن المسيح ليس على الصليب الآن وليس هو في القبر. أين هو؟ إنه مُقام، هو مخلصي المُقام والمنتصر على الموت والقبر.
وإننا لا نستغرب ما أحدثه الشيطان من ضجة في سفر الأعمال (ص4) عندما بشّر الرسل وعلَّموا الناس الحق، لأنهم بماذا بشّروا؟ "في يسوع بالقيامة من الأموات" ( أع 4: 2 ). فلو كانوا قد بشروا بيسوع كمَنْ عاش على الأرض فقط، لمَا اهتم الشيطان بالأمر لأنه مات، ولكن الرسل نادوا بأن الله قد أقامه من الأموات. لقد واجه الموت، ولم يكن للموت عليه حق، وأباده، وهو الآن حي مُقام من الأموات بالبر عن يمين الله، وهو الحياة والبر والقداسة والفداء لكل نفس تؤمن به. ولذلك لا عجب أن الشيطان حاول في ذلك اليوم أن يضع الرسل في السجن، لأن القيامة التي كانوا ينادون بها هي البرهان القاطع على أن المسيح قد هزمه وألغى قوة الموت. وإذ أُزيل الموت، الذي هو أجرة لخطية الإنسان، برهنت قيامة المسيح على أن الخطية قد أُزيلت.
ونحن نذكر أنه في صباح القيامة نزل ملاك ودحرج الحجر عن قبر المسيح، ولماذا؟
ليس لكي يسهّل للمسيح الخروج من القبر، حاشا.
فالمسيح كان قد قام فعلاً من قبل وغادر القبر والحجر عليه. إذاً لماذا دحرج الملاك الحجر؟
لكي يمكنني أنا أن أنظر داخل القبر وأراه فارغاً، فأهتف قائلاً: هللويا؛ إن مخلصي الذي اجتاز الموت لأجل خطاياي قد خرج منه.
وهكذا يمكنني أن أتحوّل عن القبر الفارغ لكي أتطلع كمؤمن إلى مجد الله، وهناك عالياً أعلى من أولئك الملائكة الذين لم يُخطئوا قط، أرى هناك "إنساناً" لأجلي.
هو مخلصي الذي ذهب إلى الموت لأجل خطاياي ومات موتي، وهو الآن مُقام من الأموات وأنا مُقام معه ومقبول فيه، لذلك يمكنني الآن أن أرنم: