الذين آمنوا بذلك في الضلال !!! ومن الذي أضلّ هذه الملايين بهذه الخدعة، هل نقول أنَّه هو الله، ونقول؛ حاشا وكلا وتنزّه الله عن ذلك ؟؟؟!!!!!!! وهل يجرؤ أحد أنْ يقول أنَّ الله هو الذي ألقي شبه المسيح علي غيره وترك الناس تسقط في هذه الضلالة الكبري ؟؟؟ !!! ونقول حاشا لله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ً !!! فهذا لا يتفق مع العقل والمنطق ولا مع قداسة الله وعظمته وجلاله وقدرته الكليّة !!! كما أنَّ هذه النظريّة تصوّر لنا الله بالطريقة التي يتصوّر بها الذين يؤمنون بتعدّد الآلهة آلهتهم الذين يتآمرون ويغشون ويخدعون، فالله، بحسب هذه النظرية يبدو وكأنَّه قد فوجئ باليهود وهم يقبضون علي المسيح وقد عجزت حيلته وقدرته علي إنقاذ مسيحه ولم يستطع أنْ يُنقذه من أيديهم إلا بإلقاء شبهه علي آخر، لكي يُنقذه من أيديهم بهذه الوسيلة مهما كانت نتيجتها !!!!!!!!! ونتيجتها هي إنقاذ شخص واحد، فرد مهما كانت مكانته علي حساب المليارات من البشر ؟؟؟!! وأكرّر حاشا لله من ذلك وتعالى عنه علوًا كبيرًا !!!! كما أن القرآن يقول " وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ " ، فهل من الهدي والنور أنْ يقع كل من يؤمن به، بحسب هذه النظرية في الضلالة ؟؟؟!!! هل يُرسل الله المسيح لهداية البشر ثم ينقذه من اليهود بوسيلة تكون هي السبب في ضلال البشر ؟؟؟!! وهل يتفق الهدى مع الضلال ؟؟؟!!! وهل يتفق هذا مع حبّ الله غير المحدود للبشرية ؟؟؟!!! ونكرّر حاشا لله من ذلك وتعالى عنه علوًا كبيرًا !!!! يقول الكتاب المقدس " مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ. " (أعمال 15/18) ، ويؤكّد لنا الإنجيل بأوجهه الأربعة أنَّ المسيح لم يكنْ يعمل شيئًا بالمصادفة أو حسب الظروف، إنما كان كل ما يعمله مرتبًا ترتيبًا سابقًا قبل خليقة العالم، بحسب ترتيب أزليّ سابق، فعندما كان يقوم بعمل معجزة ما أو يُعَلّم تعليم ما لم يكن بدون ترتيب سابق، لهذا لم يناقض نفسه أبدًا ولم يغيّر كلامه مطلقًا، وعلي سبيل المثال فعندما حضر عرس في قانا الجليل ونفذت الخمر من العرس ، وكانت
العذراء القديسة مريم قد عرفت بالروح القدس أنّه سيصنع لهم معجزة ، " قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». "، ولأنّضه كان يعمل كل شيء في وقته وبحسب ترتيب إلهي دقيق قال لها " لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ "، أي لا يزال علي صنع هذه المعجزة المطلوبة وقت حتي لو كان هذا الوقت مجرّد لحظات، فقالت هي بالروح القدس للخدام " مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ " وفي الوقت المعين ، وبعد الحديث مع العذراء ليس بكثير قال للخدم " امْلأوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأوهَا إِلَى فَوْقُ." (يو2/1-8). وفي قصة إقامة لعازر من الموت، يقول الكتاب " وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً وَهُوَ لِعَازَرُ 000 فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَا سَيِّدُ هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ: «هَذَا الْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللَّهِ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللَّهِ بِهِ». 000 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ. 000 ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِتلاَمِيذِهِ: «لِنَذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً». وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ. " (يو11/1-13) . وقد ترك المسيح لعازر حتى مات وظلّ في القبر أربعة أيّام لكي يُقيمه من الموت بعد أنْ تعفّن جسده وأصبح رميمًا، فيتمجّد من خلال عمله هذا المسيح كابن الله ويتمجد الله في ذاته. وهكذا لا يتم عمل الله بالمصادفة أو بحسب الظروف إنما بترتيب إلهيّ سابق . ولا يمكن بل ومن المستحيل أنْ يكون الله قد رتّب لخديعة البشر وغشّهم وإيقاع مليارات الناس في هذه الضلالة الكبري !!! ونكرّر حاشا لله من ذلك !!!
1 – عدم وضوح معنى الآية : كما سبق أنْ بينّا من عدم وضوح معني قوله " وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ " فقد وُجد هناك أربعة أراء لأربع مجموعات من العلماء المسلمين : 1 – الرأي الأولوالذي يقول بإلقاء شبه المسيح علي آخر، ولكن كيف ومتي ومن هو الشبيه فهذا غير معلوم، وهذا ما يتلخّص في قول الإمام محمد أبو زهرة ( إنَّ القرآن الكريم لم يُبَيّن لنا ماذا كان من عيسي بين صلب الشبيه ووفاة عيسي أو رفعه علي الخلاف في ذلك؟، ولا إلي أين ذهب؟، وليس عندنا مصدر صحيح يُعْتَمَد عليه )، وهذا هو الرأي التقليديّ ورأي الأغلبية . ومن ضمن أصحاب هذا الرأي الذين نقلوا روايات عن جهلاء أهل الكتاب العرب، كما يقول ابن خلدون، أو الذين راحوا يؤلّفون روايات من وحي خيالهم هم !! 2 – الرأي الثانيوالذي يري أنَّ المسيح صُلِبَ فعلاً وإنما قول القرآن جاء من باب مجادلة اليهود والمقصود بها التنقيص من شأنهم، كقول د. عبد المجيد الشرفي " هذا فليس من المستبعد أنْ يكون إنكار قتل اليهود عيسي وصلبه من باب المجادلة المقصود بها التنقيص من شأن المجادلين". 3 – الرأي الثالثوالذي يقول بصلب المسيح فعلاً ولكن بعدم موته علي الصليب، ومن هؤلاء الأستاذ الجوهري فضلاً عمّا يناور ويقول به السيد أحمد ديدات !!
4 – الرأي الرابعوالذي يقول بصلب المسيح كما جاء في الأناجيل ، سواء عن طريق النقل من الإنجيل بأوجهه الأربعة دون تعليق، مثل المؤرّخ الإسلامي اليعقوبي، والأستاذ خالد محمد خالد. وغيرهم. هذا فضلاً عن البيضاوي الذي نقل قول النسطورية: " وقيل صُلِبَ الناسوت ولم يُصْلَبْ اللاهوت " . ولو كان نصّ الآية واضحًا تمامًا لما إختلف المسلمون عبر التاريخ في جزئيّة واحدة حول معني الآية، ولكن اختلاف المفسّرين ، بهذه الصورة دليلُ علي عدم وضوحها، وخاصّة أنّها الآية القرآنيّة الوحيدة التي تكلّمت عن هذا الموضوع، باستثناء آيات الموت والوفاة، وهذا موضوع آخر.
2 – العلماء والمؤرخون المسلمون الذين قالوا بصلب المسيح : ظهر بعض الكتاب والعلماء والمؤرخين المسلمين الذين حاولوا التوفيق بين حقيقة وتاريخية صلب المسيح وتفسيرهم لقوله " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً " (النساء :157) . ولذا فقد قالوا بصلب المسيح ، وفيما يلي أهم من قالوا بذلك : (1) وقال الشيخ احمد بن أبي يعقوب، اليعقوبي، الذي يُعدّ من أقدم مؤرّخي الإسلام والذي قال " ولما طلب اليهود من بيلاطس أنْ يُصْلَبَ المسيح. قال لهم خذوه أنتم واصلبوه أمّا أنا فلا أجد عليه علّة. قالوا قد وجب عليه القتل من أجل أنَّه قال أنَّه ابن الله. ثم أخرجه وقال لهم خذوه أنتم واصلبوه فأخذوا المسيح وحملوه الخشبة التي صُلِبَ عليها " ( تاريخ اليعـقـوبي جـ 1: 64 ). (2) وقال أخوان الصفا من القرن الخامس الهجري (457 – 459): " فلما أراد الله تعالى أن يتوفّاه (أي المسيح) ويرفعه إليه اجتمع معه حواريّوه في بيت المقدس في غرفة واحدة، وقال أني ذاهب إلي أبي وأبيكم وأوصيكم بوصية 00 وأخذ عهدًا
وميثاقًا فمن قبل وصيّتي وأوفى بعهدي كان معي غدًا 000 فقالوا له ما تصديق ما تأمرنا به. قال أنا أوّل من يفعل ذلك. وخرج في الغد وظهر للناس وجعل يدعوهم ويعظهم حتى أُخذ وحُمل إلي ملك إسرائيل فأُمر بصلبه. فصُلِبَ ناسوته (جسده) وسُمِّرَتْ يداه علي خشبتي الصليب وبقي مصلوبًا من صحوة النهار إلي العصر . وطلب الماء فسُقِيَ الخل وطُعِنَ بالحربة ثم دُفِنَ في مكان الخشبة ووُكِّلَ بالقبر أربعون نفرًا. وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه فلمّا رأوا ذلك منه أيقنوا وعلموا أنَّه لم يأمرهم بشيء يخالفهم فيه. ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام في الموضع الذي وعدهم أنْ يتراءى لهم فيه. فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم وفشا الخبر في بني إسرائيل أنَّ المسيح لم يُقْتَل. فنُبِشَ القبر فلم يُوجّد فيه الناسوت "( رسـالة إخوان الصفا جـ 4: 96-97 ). (3) ويقول د. عبد المجيد الشرفي (عميد كلية الآداب بتونس، وله كثير من المقالات التي تتعلق بالعلاقات المسيحيّة – الإسلاميّة ): " وكما نفي القرآن ألوهيّة عيسي وعقيدة الثالوث، فإنَّه نفى في الآية 157 من سورة النساء أنْ يكون اليهود قتلوا عيسي أو صلبوه (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ 000 وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً)، فهل تعني هذه الآية أنَّه قُتل وصُلب، لكن علي غير أيدي اليهود أم أنَّه لم يُقتل ولم يُصلب البتة؟ لا شئ مبدئيًا يمكّننا من ترجيح أحد الاحتمالين إنْ اقتصرنا علي النصّ القرآني وحده، ولم نعتمد السنّة التفسيريّة التي بتّت في اتجاه نفي الصليب جملة في أغلب الأحيان. علي أنَّ هذه الآيات لا يجوز أنْ تُفصل عن الآية 33 من سورة مريم : { وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} ، وكذلك عن الآية 55 من آل عمران : { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ }، وعن الآية 117 من المائدة : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ }، وهي صريحة في أنَّ عيسي يموت ويتوفّي.
فليس من المستبعد أنْ يكون إنكار قتل اليهود عيسي وصلبه من باب المجادلة المقصود بها التنقيص من شأن المجادلين، لا سيّما أنَّ كل الأحداث المتعلّقة بحياة المسيح لم تزلْ منذ القديم محلّ أخذ ورد واختلاف، ولا أحد يستطيع إدعاء اليقين فيها. يُضاف إلي هذا أنَّ إقرار القرآن برفع عيسي في الآية الموالية يتّفق والعقيدة المسيحية في هذا الرفع، بل ويتماشي والعقليّة الشائعة في الحضارات القديمة والمؤمنة بهذه الظاهرة. والأمثلة علي ذلك كثيرة. فهل نحن في حاجة إلي التنقيب عن مصدر العقيدة القرآنيّة المتعلّقة بنهاية حياة المسيح في آراء الفرق الظاهرانية (Docetiste )؟¨، " أليس في منطق الدعوة ذاته ما يفسّر هذا الموقف الواضح في سائر الأنبياء من جهة، والذي يترك الباب مفتوحًا للتأويل واعتماد المعطيات التاريخيّة في أمر من جهة أخري " . ويقول المؤلف أيضًا تحت عنوان : الصلب : " من اليسير أولاً أنْ نسجّل أنِّ هذا الفرض لم يكنْ محلّ عناية كبيرة من قِبَل المفكّرين المسلمين، رغم أنَّه غرض محوريّ في المنظومة اللاهوتيّة المسيحيّة ويحق لنا أنْ نتساءل عن علّة هذا الإعراض النسبيّ، وهل ينمّ عن نوع من الحرج في مواجهة الرواية ذات الصبغة التاريخيّة المتعلّقة بالصليب والسائدة في أوساط النصاري 000 بمجرّد آية قرآنية ؟ أم هل اعتبر المسلمون أنَّ نظريّة الفداء تسقط بطبيعتها إنْ لم ترتكز علي أساس متين بعد النقد الصارم الذي وُجّه إلي عقيدتي التثليث والتجسّد ؟ "( المسيح في كشمير. د. فريز صموئيل ص139-140 ). (4) وقال عبد الرحمن سليم البغدادي الذي كان عراقيًا وُلد وعاش ومات في بغداد (1832 – 1911)، وكان رئيسًا لمحكمتها التجارية وانتخب نائبًا في المجلس العثماني " ( َمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ) لا يُفهم منها أنَّ المسيح لم يمتْ قطّ، بل هو نصّ صريح في أنَّ القتل والصلب لم يقعا علي ذاته من اليهود فقط ". ربما يقصد
إنما صُلب علي أيدي الرومان( المرجع السابق ص 141 ). (5) وقال الأستاذ نبيل الفضل " إنَّ عملية الصلب لا يهمّ أنْ تكون علي عمود رأسي وآخر أفقي كما في الصليب، بل قد تكون علي عمود رأسي فقط. وصلب المسيح ربما كان علي صليب ذي عمودين رأسي وأفقي، أو ربما علي عمود رأسي فقط، فإنْ كان المسيح قد ُصلب علي عمود رأسي فقط، فإن تعبير( صلب المسيح ) يكون تعبيرًا غير كامل. فتعبير صلب يجوز في حالة وجود عمود رأسي وأفقي، فإنْ كان عمود واحد فالأدق أنْ يكون التعبير هو ( تعليق المسيح ) لا ( صلب المسيح ). ورغم أنَّ الحالتين تؤدّيان إلي الوفاة بالاختناق، إلا أنَّ هذا يذكّرنا بقول القرآن ( وَمَا صَلَبُوهُ ) "(" هل بشّر المسيح بمحمد " نبيل فضل. رياض الريس للكتب والنشر. لندن ص 72-73؛ قبر المسيح في كشمير ص 142). (6) وقال المفكر والفيلسوف الدكتور فؤاد حسنين على أستاذ الفلسفة " قتلوه وما قتلوه ، صلبوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. قتلوا الجسد وما قتلوا الكلمة، صلبوا الجسد وصعدت الروح إلي خالقها 000". ثم تحدّث عن محاكمات المسيح وكلماته علي الصليب وإستهزاء اليهود به ثم قال " أسلم يسوع روحه فصعدت إلي ربها راضية مرضية " وتحدّث عن صلب المسيح وموته باستفاضة وكذلك عن دفنه حتى وصل إلي قيامته من الموت فقال " وموت المسيح علي الصليب ليس هو معجزة المسيحيّة. والعكس هو الصحيح أعني قيامة المسيح من بين الموتي " إلي أنْ ختم مقاله بقوله " إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَوَرَافِعُكَ إِلَيَّ 000إلخ "( جريدة أخبار اليوم في 22/4/1970). (7) وكذلك تبني السيد أحمد ديدات وناشر كتبه السيد على الجوهري لقول الفرقة القاديانية التي تعتقد أنّ المسيح صُلِبَ علي الصليب ولكنّه لم يمتْ عليه بل أُغْمَي
عليه وأُنْزِلَ من علي الصليب حّيًا ( أنظر كتاب " صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء " أحمد ديدات ترجمة عـلي الجوهري )!! (8) بل وقال الأمير شكيب أرسلان في كتابه " حاضر العالم ": " قال درنغم ( أحد المستشرقين ): فقول القرآن ( وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) يذكّرنا بأقوال العهد الجديد 000 إننا لو فرضنا وجوب أخذ هذه الآية علي ظاهرها فلا مانع من ذلك حسب عقيدة الكنيسة نفسها، لأنَّ آباء الكنيسة ما زالوا يقولون، إنَّه ليس ابن الله هو الذي صلبه اليهود، وأماتوه علي الصليب، وإنما الطبيعة البشرية في المسيح. وهكذا لا يكون اليهود قتلوا كلمة الله الأبديّة، ولكن يكونون قتلوا الرجل الذي يشبهها، واللحم والدم المتجسّدين في بطن مريم ". " وقال ( المستشرق ) : فلا يكون القرآن فيما قاله بشأن الصلب إلا مؤيدًا عقيدة الكنيسة الكبري، وهي أنَّ في المسيح طبيعتين: إلهيّة وبشريّة، وأنَّ القتل وقع علي الطبيعة البشريّة فقط 00 " . وقال الأمير أرسلان معلقًا " ولا نريد أنْ نفرغ من هذه المسألة بدون أنْ نُعلّق علي بعض الملاحظات علي ما قاله درنغم فيها. فأمّا ذهابه أنّ مراد القرآن بالآية الكريمة : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) إنما هو وقوع القتل علي الجسد فقط، وأنَّ الله بعد ذلك رفعه إليه، (فأن له وجها وجيهاً) لا سيما وأنَّ آية أخرى : " { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } تعزز هذا الرأي "( كتاب " مقدمة في نشأة الكتابات الدفاعية بين الإسلام والمسيحية " حسني يوسف الأطير: ص 25- 28). (9) وقال الإمام محسن فاني في كتابه الدابستاني في القرن التاسع للهجرة " أنه عندما قبض اليهود علي عيسي، بصقوا علي وجهه المبارك ولطموه ثم أنَّ بيلاطس حاكم اليهود جلده حتى أنَّ جسمه من رأسه إليى قدمه صار واحدًا 000 ولما رأي بيلاطس من إصرار اليهود علي صلب عيسي وقتله قال " أني بريء من دم هذا
الرجل وأغسل يدي من دمه " ، " فوضعوا الصليب على كتف عيسى وساقوه للصلب "(عن كتاب " إنجيل برنابا في ضوء العقل والدين " لعوض سمعان ص 110). (10) وقال الكاتب الإسلامي المعروف خالد محمد خالد، بعد أنْ تكلّم في فصل كامل عن محاكمات المسيح: " لقد كان الصليب الكبير الذي أعدّه المجرمون للمسيح يتراءى له دومًا " . " المسيح قد حمل الصليب من أجل السلام " ." الصليب الذي حمله المسيح سيف أراد اليهود أنْ يقضوا علي ابن الإنسان ورائد الحق " . ثم قال " وأريد للمسيح أنْ تنتهي حياته الطاهرة علي صورة تشبه الأحقاد الملتوية، الملتاثة. لخراف إسرائيل الضالة "( كتاب " معًا علي الطريق محمد والمسيح " ص 34 و 181). (11) ونقل الكاتب محمود أبو ريه فقرات كاملة من الإنجيل بأوجهه الأربعة خاصة بكلام المسيح قبل صلبه مباشرة وكلام المسيح وهو معلق على الصليب وعند قيامته . وذلك كحقيقة تاريخية( كتابه " محمد والمسيح أخوان " ص 46). (12) ويرى د. محمد أحمد خلف الله (في كتابه الفن القصصي في القرآن الكريم) أنّ القصة القرآنيّة لم يُقصد بها التاريخ، ولكن العظة والاعتبار ولذلك يُهمل الزمان والمكان، وهي تمثّل الصور الذهنيّة للعقليّة العربيّة في ذلك الوقت ولا يلزم أنْ يكون هذا هو الحق والواقع ومن حقنا أنْ نبحث وندقّق. وهذا هو ما كتبه بالنص: + " يدلنا الاستقراء علي أنَّ ظواهر كثيرة من ظاهرات الحريّة الفنيّة توجد في القرآن الكريم، ونستطيع أنْ نعرض عليك منها في هذا الموقف ما يلي: 1 - إهمال القرآن حين يقصّ لمقومات التاريخ من زمان ومكان 000 " . 2 - اختياره لبعض الأحداث دون البعض، فلم يعنِ القرآن بتصوير الأحداث
الدائرة حول شخص أو الحاصلة في أمة تصويرًا تامًا كاملاً ، وإنما كان يكتفي باختيار ما يساعده علي الوصول إلي أغراضه. 3 - كما لا يهتم بالترتيب الزمني أو الطبيعي في إيراد الأحداث وتصويرها وإنما كان يخالف هذا الترتيب ويتجاوزه . 4 - إسناده بعض الأحداث لأناس بأعينهم في موطن ثم إسناده نفس الأحداث لغير الأشخاص في موطن آخر . 5 - إنطاقه الشخص الواحد في الموقف الواحد عبارات مختلفة حين يكرّر القصة . 6 - وجود مواقف جديدة لم تحدث في سياق القصة التي تصور أحداثًا وقعت انتهت . " القرآن يجري في فنه البياني علي أساس ما كانت تعتقد العرب وتتخيّل، لا علي ما هو الحقيقة العقليّة ولا علي ما هو الواقع العمليّ " . " إنَّ المعاني التاريخية ليست مما بُلّغَ علي أنَّه دين يُتّبَع، وليست من مقاصد القرآن في شئ، ومن هنا أهمل القرآن مقوّمات التاريخ من زمان ومكان وترتيب للأحداث 00 إنَّ قصد القرآن من هذه المعاني إنما هو العظة والعبرة أي في الخروج بها من الدائرة التاريخيّة إلى الدائرة الدينيّة. ومعني ذلك أنَّ المعاني التاريخيّة من حيث هي معانٍ تاريخيّة لا تُعْتَبَر جزءًا من الدين أو عنصرًا من عناصره المكوّنة له. ومعني هذا أيضًا أنَّ قيمتها التاريخيّة ليست مما حماه القرآن الكريم ما دام لم يقصده. " إنَّ ما بالقصص القرآني من مسائل تاريخيّة ليست إلا الصور الذهبيّة لما يعرفه المعاصرون للنبي من التاريخ، وما يعرفه هؤلاء لا يَلْزَم أنْ يكون الحق والواقع، كما لا يُلْزِم القرآن أنْ يُصَحّح هذه المسائل أو يردّها إلي الحق والواقع، لأنَّ القرآن الكريم، كان يجئ في بيانه المعجز علي ما يعتقد العرب، وتعتقد البيئة ويعتقد المخاطبون. ويضيف الكاتب أيضًا :
" إنّ القرآن الكريم لا يطلب الإيمان برأي معين في هذه المسائل التاريخيّة. ومن هنا يُصْبِح من حقّنا أو من حقّ القرآن علينا أنْ نُفْسِح المجال أمام العقل البشريّ ليبحث ويدقّق، وليس عليه بأس في أنْ ينتهي من هذه البحوث إلي ما يُخَالِف هذه المسائل، ولن تكون مخالفة لما أراده الله أو لما قصد إليه القرآن لأنَّ الله لم يردْ تعليمنا التاريخ، ولأنَّ القصص القرآنيّ لم يقصدْ إلا الموعظة والعبرة وما شابههما من مقاصد وأغراض. ونوجز ما سبق فيما يلي: 1 - القصة القرآنية ، قصة لا تتوافر فيها مقومات التاريخ، ولم يكنْ هدفها التاريخ بل العظة والاعتبار. وهي ما يعرفه المعاصرون للنبيّ من تاريخ، ولا يلزم أنْ يكون هذا هو الحق والواقع. 2 - هناك أقوال جاءت علي لسان بعض الأشخاص، لم ينطقوا بها بل القرآن أنطقها علي لسانهم. 3 - القرآن لا يطلب منا الإيمان برأي معين في هذه المسائل التاريخيّة ومن حقّنا أو من حقّ القرآن علينا أنْ نبحث ونفتّش لمعرفة الحدث التاريخيّ كما وقع ومخالفتنا للقصة القرآنيّة لا يمسْ القرآن. وإذا طبّقنا هذه المبادئ علي حادثة صلب المسيح نري: + أنَّ اليهود لم يقولوا أنَّ المسيح هو رسول الله، وإن القول " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ " هو ما يعرفه بعض المعاصرين. + إنّ القرآن لا يطلب منّا الإيمان بعدم قتل وصلب المسيح. إذا رأينا من الكتب المقدّسة أو من التاريخ ما يُؤكّد حقيقة صلب وموت المسيح، فالواجب علينا أو من حق القرآن علينا أنْ نُؤمن بذلك، ولهذا فالمسيح قد صُلِبَ ومات علي الصليب. " إن القرآن لم يقصد إلي التاريخ من حيث هو تاريخ إلا في النادر الذي لا حكم له، وأنَّه علي العكس من ذلك عمد إلي إبهام مقومات التاريخ من زمان ومكان " .
" إنَّ وصف عيسي بأنَّه رسول الله في قول اليهود الذي حكاه عنهم القرآن في قوله تعالي: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ }، لا يمكن أنْ يُفهم علي أنَّه قد صدر حقًا من اليهود، فهم لم ينطقوا بهذا الوصف وإنما القرآن هو الذي أنطقهم به، ذلك لأنَّ وصفه بالرسالة ليس إلا التسليم بأنَّه رسول الله وهم لم يسلّموا بهذا، ولو سلّموا بهذا لأصبحوا مسيحيّين، ولما كان بينهم وبينه أي لون من ألوان العداء، ولما كان قُتل وصُلب. إنَّ اليهود إنما يتهمون عيسي بالكذب، ويُنكرون عليه أنَّه رسول الله، ويذكرونه بالشرّ، ويقولون إنَّه ابن زنا وأنَّ أمه زانية. يقول اليهود كلّ هذا وأكثر منه، ومن هنا لم يستطعْ العقل الإسلاميّ أنْ يُسَلّم بأنَّ وصف عيسي بأنّضه رسول الله قد صدر حقًا من اليهود" . " مصادر القصص القرآني في الغالب هي العقليّة العربيّة، فالقرآن لم يبعدْ عنها إلا القليل النادر، ومن هنا جاءت فكرة الأقدمين القائلة: إن القرآن ليس إلا أساطير الأولين ، وذلك لأنهم نظروا فوجدوا الشخصيات القصصية والأحداث القصصية مما يعرفون "(" الفن القصصي في القرآن " محمد أحمد خلف الله مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم، وكتاب " قبر المسيح في كشمير " د. صموئيل فريز 151-152 ). (13) الأستاذ على الجوهري : والذي ترجم عددًا من كتب السيد أحمد ديدات والتعليق عليها، وكان رأيه في قضية موت المسيح، كما بينّا في الفصل السابق، هو كالآتي : " إذا لم يكن معني قوله سبحانه وتعالي : ولكن شبه لهم هو إلقاء شبه المسيح علي شخص آخر غيره، فما هو معناها؟ هل لها معني آخر؟، وما هو هذا المعني الأخير؟ ثم يركّز بعد ذلك علي القول بعدم موت المسيح علي الصليب وإنزاله من علي الصليب حيًا، مغمي عليه( أنظر تعليقه علي كتاب " أخطر مناظرات العصر، هل مات المسيح علي الصليب")!!! وقد تصوّر بذلك أنَّه حلّ مشكلتين الأولي عدم تاريخيّة ومعقوليّة ومنطقيّة إلقاء شبه المسيح علي آخر ، والثانية هي إبطال عقيدة الفداء بدم المسيح.
1 - هل كان هناك مسيحيون عبر التاريخ القديم القريب من عهد المسيح من أنكر صلب المسيح أم لا ؟ والإجابة هي لا، ولكن كان هناك جماعة وثنيّة تُسمّى بالخياليّة وبالغنوسيّة ويُسمّى أتباعها بالخياليّين والغنوسيّين ويُسمّى فكرها بالخياليّة أو الشبحيّة، قالت أنَّ المسيح كان إلهًا فقط ولم يكن له جسد وطبيعة الإنسان، بل كأن شبحًا وخيالاً، ظهر في هيئة وشبه ومنظر الإنسان ولم يكن له جسد فيزيائي من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ !! ولذا فقد كانت عمليّة صلبه مُجرّد مظهر وشبه، شُبّه للناظرين أنَّه يُصْلَب، صُلِبَ مظهريًا ، بدا وكأنَّه يُصْلَب، عُلِّق علي الصليب وبدا للناظرين أنَّه يُصْلَب !! ودُفِنَ في القبر ولكنه خرج ككائن من نور لأنَّه هو نور وروح محض !!! وعندما خرج من القبر ككائن من نور كانت قدماه علي الأرض ورأسه تخترق السماء !!!! فما هي الغنوسية ، أو الخيالية ؟ ومن هم هؤلاء الغنوسيون ؟ (1) الغنوسية(†)هي حركة وثنيّة مسيحيّة ترجع جذورها إلي ما قبل المسيحيّة بعدة قرون. وكان أتباعها يخلطون بين الفكر الإغريقي - الهيلينتسي - والمصري القديم مع التقاليد الكلدانيّة والبابليّة والفارسيّة (خاصة الزردشتيّة التي أسّسها الحكيم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ (†) وتعني الغـنوسية – Geosticism " حب المعرفـة " ومنها " Genostic " – غـنوسي – محب المعرفة. من كلمة " Gnosis " اليونانية وتعني " المعرفـة " وهي عـبارة عن مدارس وشيع عـديدة تؤمن بمجموعات عـديدة من الآلهة. وكانت أفكارهم ثيوصوفية سرية. ولما ظهرت المسيحية خلط قادة هذه الجماعات بين أفكارهم، وبين بعض الأفكار المسيحية التي تتفق معهم!!
الفارسي ذردشت (630-553 ق م) وكذلك اليهوديّة، خاصة فكر جماعة الأثينيّين (الأتقياء) وما جاء في كتابهم " الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام "، والفلسفات والأسرار والديانات الثيوصوفية(1). وذلك إلي جانب ما سُمّي بالأفلاطونيّة الحديثة، التي كانت منتشرة في دول حوض البحر المتوسط في القرن الأوّل. بل ويرى بعض العلماء أنَّ كلّ أصول الغنوسيّة موجودة عند أفلاطون(2) لذا يقول العلامة ترتليان (نهاية القرن الثاني الميلادي) " أنا آسف من كل قلبي لأنَّ أفلاطون صار منطلق كل الهراطقة "(3) وكانوا ينظرون للمادة علي أنَّها شر ّ! وآمنوا بمجموعة كبيرة من الآلهة، فقالوا أنَّه في البدء كان الإله السامي غير المعروف وغير المدرك الذي هو روح مطلق، ولم تكن هناك المادة، هذا الإله الصالح أخرج، إنبثق منه، أخرج من ذاته، عدد من القوات الروحيّة ذات الأنظمة المختلفة التي أسموها بالأيونات (Aeons)، هذه القوات المنبثقة من الإله السامي كان لها أنظمة مختلفة وأسماء مختلفة وتصنيفات وأوصاف مختلفة(4). وتُكوّن هذه الأيونات مع الإله السامي البليروما (Pleroma)، أو الملء الكامل، دائرة الملء الإلهي. وأنَّ هذا الإله السامي الذي أخرج العالم الروحي من ذاته لم يخلق شيء. ومن هذه الأيونات قام أحدهم ويدعى صوفيا (Sophia)، أي الحكمة الذي بثق، أخرج، من ذاته كائنًا واعيًا هو الذي خلق المادة والعوالم الفيزيقية، وخلق كل شيء علي صورته، هذا الكائن لم يُعرف شيء عن أصوله فتصوّر أنَّه الإله الوحيد والمطلق، ثم إتّخذ الجوهر الإلهي الموجود وشكله في أشكال عديدة ، لذا يدعي
أيضًا بالديمورجس (Demiurgos)، أي نصف الخالق. فالخليقة مكوّنة من نصف روحيّ لا يعرفه هذا الديمورجس، نصف الخالق ولا حكامه(5). ومن هنا فقد آمنوا أنَّ الإنسان مكوّن من عنصرين عنصر إلهي هو المنبثق من الجوهر الإلهي للإله السامي يشيرون إليه رمزيًا بالشرارة الإلهيّة، وعنصر ماديّ طبيعيّ فانيّ. ويقولون أنَّ البشريّة بصفة عامة تجهل الشرارة الإلهيّة التي بداخلها بسبب الإله الخالق الشرير وارخوناته (حكامه). وعند الموت تتحرّر الشرارة الإلهيّة بالمعرفة، ولكن إنْ لم يكن هناك عمل جوهريّ من المعرفة تندفع الروح، أو هذه الشرارة الإلهيّة، عائدة في أجساد أخري داخل الآلام وعبوديّة العالم(6). وأعتقد بعضهم بالثنائية (Dualism) الإلهيّة أي بوجود إلهَين متساويَين في القوة في الكون؛ إله الخير، الذي خلق كل الكائنات الروحيّة السمائيّة، وإله الشرّ الذي خلق العالم وكل الأشياء الماديّة !! وربطوا بين إله الشر وإله العهد القديم!! وقالوا إنَّ المعركة بين الخير والشرّ هي معركة بين مملكة النور ضد مملكة الظلمة!! وأعتقد بعضهم أنَّ إله الخير خلق الروح وقد وضعها إله الشر في مستوي أدني في سجن الجسد الماديّ الشرير. وهكذا فإنَّ هدف البشريّة هو الهروب من سجن الجسد الماديّ الشرير والعودة إلي اللاهوت أو التوحّد مع إله الخير !! ولذا فقد نادوا بوجود مجموعة من التعاليم السريّة الخاصّة جدًا والتي زعموا أنَّ المسيح قد كشفها وعلّمها لتلاميذه ربما لسوء فهمهم لآيات مثل " وَبِأَمْثَالٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ هَذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ حَسْبَمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا. وَبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ. " (مر 4/33-34)، و " لَكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ وَلَكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ الَّذِينَ يُبْطَلُونَ.
بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا " (1كو2/6-7)(7). هذه التعاليم السريّة المزعومة كتبوها في كتب ونسبوها لرسل المسيح وتلاميذه وبعضهم نسب لقادتهم وذلك اعتمادًا علي ما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا " وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ. " (يو20/30-31) و " وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ." (يو21/25)(8). يقول القديس إريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنسا حاليًا) " أولئك الذين يتبعون فالتنتينوس (ق 2م) يستخدمون الإنجيل للقديس يوحنا بوفرة لشرح أفكارهم التي سنبرهن أنّها خاطئة كليّة بواسطة نفس الإنجيل "(9). (2) كما سُمِّيَت هذه الهرطقة أيضًا بالدوسيتية (Docetism)، والتي تعني في اليونانية "Doketai "، من التعبير " dokesis " و " dokeo " والذي يعني " يبدو " ، " يظهر " ، " يُري " ، وتعني الخيالية "phantomism ". فقد آمنوا أنَّ المسيح كان مُجرّد خيال وشبح (phantom)، وأنَّه أحد الآلهة العلويّة وقد نزل علي الأرض في جسد خياليّ وليس فيزيائيّ، ماديّ، حقيقيّ، إنَّه روح إلهيّ ليس له لحم ولا دم ولا عظام، لأنَّه لم يكنْ من الممكن، من وجهة نظرهم، أنْ يتّخذ جسدًا من المادة التي هي شرّ في نظرهم ! لذا قالوا أنَّه نزل في صورة وشبه إنسان وهيئة بشر دون أنْ يكون كذلك، جاء في شكل إنسان دون أنْ يكون له مكوّنات الإنسان من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ، جاء في " شبه جسد " و " هيئة الإنسان "، وقالوا أنَّه لم يكنْ يجوع أو يعطش أو ينام، ولم يكن في حاجة للأكل أو الشرب 000 إلخ
وأنَّه كان يأكل ويشرب وينام متظاهرًا بذلك تحت هيئة بشريّة غير حقيقيّة. وشبّهوا جسده بالنور أو شعاع الشمس، فإنَّ النور وشعاع الشمس يمكن لهما أنْ يخترقا لوحًا من الزجاج دون أنْ يكسرا هذا اللوح " . كان مجرد خيال(10). جاء في أحد كتبهم والذي يُسمّى بـ " أعمال يوحنا "(11)، أنَّ المسيح عندما كان يسير علي الأرض لم يكنْ يترك أثرًا لأقدامه وعندما كان يوحنا يُحاول الإمساك به كانت يده تخترق جسده بلا أي مقاومة حيث لم يكنْ له جسد حقيقيّ. وكانت طبيعة جسده متغيّرة عند اللمس، فتارة يكون لينًا وأخري جامدًا ومرّة يكون خاليًا تمامًا. كان بالنسبة لهم مُجرّد شبح وحياته علي الأرض خيال. وكان يظهر بأشكال متعددة ويغيّر شكله كما يشاء وقتما يشاء !! أي كان روحًا إلهيًا وليس إنسانًا فيزيقيًا (12). + وقال بعضهم أنَّه إتّخذ جسدًا نفسيًا Psychic ، عقليًا ، وليس ماديُا. + وقال بعض آخر أنَّه إتّخذ جسد نجميّ Sidereal . + وقال آخرون أنَّه إتّخذ جسدًا ولكنه لم يُولَد حقيقة من امرأة(13). وجميعهم لم يقبلوا فكرة أنَّه تألّم ومات حقيقة، بل قالوا أنَّه بدا وكأنَّه يتألّم وظهر في الجلجثة كمجرّد رؤيا. وقد أشار إليهم القديس أغناطيوس الإنطاكي (35 - 107) تلميذ القديس بطرس الرسول وحذّر المؤمنين من أفكارهم الوثنيّة قائلا : " إذا كان يسوع المسيح - كما زعم الملحدون الذين بلا إله - لم يتألّم إلاَّ في الظاهر، وهم أنفسهم ليسوا سوي خيالات (بلا وجود حقيقيّ) فلماذا أنا مكبّل بالحديد "(14)، " وهو إنما إحتمل الآلام لأجلنا لكي ننال الخلاص، تألّم حقًا وقام حقًا، وآلامه لم
تكن خيالاً، كما إدّعي بعض غير المؤمنيين، الذين ليسوا سوي خيالات "(15)، " لو أنّ ربنا صنع ما صنعه في الخيال، لا غير، لكانت قيودي أيضًا خيالاً "(16). (4) كما كان لهذه الجماعات، أيضًا، اعتقادات أخري في المسيح، فقالوا أنَّ المسيح الإله نزل علي يسوع الإنسان وقت العماد وفارقه علي الصليب، وقالوا أيضًا أنَّ المسيح الإله والحكمة الإله نزلا علي يسوع واتحدا به وفارقاه أيضًا عند الصليب !! أي أنَّ الذي صُلِبَ، من وجهة نظرهم هو المسيح الإنسان وليس المسيح الإله !!! وفيما يلي أفكار قادتهم : 1 - فالنتينوس (حوالي 137م) : وقوله أنَّ المسيح لم يُوْلَدْ من العذراء ولكن جسده الهوائي مرّ من خلال جسدها العذراوي: وقد ظهر في النصف الأوّل من القرن الثاني ونادى بوجود ثلاثين إلهًا، وقال أنَّ الإله فيتوس ( أي العمق ) ولد ثمانية أيونات، ومنهم وُلد عشرة ومن العشرة وُلد إثنا عشر ذكرًا وأنثى، وولد سيغا ( أي الصمت )، من هذا الإله فيتوس، ومن سيغا وُلد الكلمة، كما قال أنَّ كمال الآلهة هو كائن " أنثي - ذكر " يُدعي الحكمة، وهو المسيح(18)!! وقال أنَّ المسيح لم يتّخذْ جسدًا إنسانيًا حقيقيًا بل إتّخذ هيئة الجسد، مظهر الجسد وهيئة الإنسان لأنَّه لا يمكن أنْ يأخذ جسد من المادة التي هي شرّ بحسب اعتقاده ! إتّخذ جسدًا سمائيًا وأثيريًا، وهو، حسب قوله لم يُولد من العذراء ولكن جسده الهوائيّ مرّ من خلال جسدها العذراوي(19)!! 2 - كيرنثوس وقوله بصلب يسوع الإنسان دون المسيح الإله: وقال كيرنثوس الذي كان معاصرًا للقديس يوحنا الإنجيلي، والذي يقول عنه القديس إريناؤس أنَّه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ (15) رسالته إلي أزمير ( سميرنا ) 2. (16) المرجع السابق 4: 2. (17) القديس كيرلس الأورشليمي " العظات 6: 17-18. (18) تاريخ الفكر المسيحي د. القس حنا الخضري ج1: 207
كان متعلمًا بحكمة المصريّين " أنَّ العالم لم يخلقه الإله السامي، ولكن خلقته قوّة معيّنة منفصلة بعيدًا عنه وعلي مسافة من هذا المبدأ الذي هو سامي علي الكون ومجهول من الذي فوق الكلّ. وقال أنَّ يسوع لم يُولد من عذراء، وإنما وُلد كابن طبيعي ليوسف ومريم بحسب ناموس الميلاد البشريّ وقال أنَّه كان أبرّ وأحكم وأسمي من البشر الآخرين، وعند معموديّته نزل عليه المسيح (الإله) من فوق من الحاكم السامي ونادى بالآب غير المعروف وصنع معجزات. ثم رحل المسيح (الإله) أخيرًا من يسوع وتألّم وقام ثانية، بينما ظلّ المسيح (الإله) غير قابل للألم لأنَّه كان كائنًا روحيًا"(20). أي من، وجهة نظره، أنَّ الذي تألّم علي الصليب هو يسوع المسيح، عيسي، أمّا المسيح الإله فلم يتألّم لأنَّه غير قابل للألم كإله. 3- سترنيوس (Saturnius) وقوله أنَّ المسيح كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان مرئيًا افتراضًا : وقال سترنيوس أنَّ " الآب غير المعروف من الكلّ " خلق الملائكة ورؤساء الملائكة، الذين كانوا من سلالات شريرة وخيرة، وخلق الرياسات والقوات، ثم قام سبعة من رؤساء الملائكة بخلق الكون والبشرية أيضًا. وقال أنَّ إله اليهود هو أحد رؤساء الملائكة السبعة، هؤلاء الذين خلقوا الكون، وكان معاديًا للآب، وقد جاء المسيح المخلّص ليدمّر إله اليهود هذا ويحارب الأرواح التي تؤيّده مستشهدًا بقول القديس يوحنا الرسول بالروح " لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ. " (1يو3/8)، لأنَّه اعتقد أنَّ الشيطان هو إله اليهود، وأنَّ المسيح كان كائنًا روحيًا وقد بدا وكأنَّه إنسان(21). وقال أنَّ " المخلّص كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان مرئيًا افتراضًا، وأنَّه جاء ليدمّر إله اليهود، الذي كان واحدًا من الملائكة، ويخلّص الذين يؤمنون به "(22).
4 - جماعة السزيان أو فايتس وقولهم بصلب يسوع دون المسيح والحكمة: نادت هذه الجماعة في القرن الثاني الميلادي " أنَّ يسوع وُلِدَ من العذراء بعمل الإله يادابوس وكان أحكم وأطهر وأبرّ من كلِّ البشر الآخرين. ثم إتّحد المسيح (الإله) مع الحكمة ونزلا عليه (علي يسوع)، وهكذا تَكَوّن يسوع المسيح. ويؤكّدون أنَّ كثيرين من تلاميذه لم يعرفوا بنزول المسيح عليه. ولكن عندما نزل المسيح علي يسوع بدأ يعمل معجزات ويُشفي ويُعلن الآب غير المعروف ويُعلن نفسه صراحة أنَّه ابن الإنسان الأوّل (الإله)(23). فغضبت القوات و ( الإله يادابوس ) والد يسوع لهذه الأعمال وعملوا علي تحطيمه، وعندما اُقتيد لهذا الغرض ( الصلب ) يقولون أنَّ المسيح نفسه مع الحكمة رحلا منه إلي حيث الأيون غير الفاسد بينما صُلِبَ يسوع. ولكن المسيح لم ينسي يسوعه فأنزل عليه قوّة من فوق فأقامته ثانية في الجسد الذي يدعونه حيوانيّ أو روحانيّ ثمّ أرسل العناصر الدنيويّة ثانية إلي العالم. وعندما رأي تلاميذه أنَّه قام، لم يُدركوا، ولا حتي يسوع نفسه، مَنْ الذي أقامه ثانية من الموت. والخطأ الذي وقع فيه التلاميذ أنَّهم تصوّروا أنَّه قام في جسد ماديّ غير عالمين أنَّ " إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ" (اكو15/50)(24). 5 – ماركيون: وقوله أنَّ المسيح لم يُولد من العذراء ولم يعرف ميلادًا ولا نموًا ولا حتى مظهر هذه الأحداث إنما ظهر بطريقة فجائية وفي هيئة بشرية احتفظ بها بحسب الظاهر إلي موته علي الصليب: وعلّم ماركيون، المولود حوالي سنة 120م ، بوجود إلهَين، الإله العظيم السامي أو الإله المحبّ، وهذا الإله كان غير معروف من العالم ومخفيًا عن عينيه لأنَّه لا صلة له بالعالم وليس هو الخالق له. أمّا الإله الثاني فأقل من الأول درجة وهو إله عادل ولكن سريع الغضب ومنتقم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ (23) الإنسان الأول في عـقيدتهم هو النور الأول في الأعـماق، أبو الكل – الإله.
(24) Iren. B. I. 30:12-13. Robert M. Grant Gnosticism.