وهل هذا يتفق مع العقل والواقع؟؟؟!!! ولو كان صلب المسيح وموته مجرّد اسطورة من الأساطير فهل كان يستشهد جميع تلاميذ المسيح ويُضحّون بحياتهم من اجل أسطورة؟؟!!.
9- وقال آخر: " أخذ جند الرومان يبحثون عن عيسي لتنفيذ الحكم عليه، واخيرًا عرفوا مكانه فأحاطوا به ليقبضوا عليه، وكان من أصحابه رجل منافق يشي به فألقي الله عليه شبه عيسي وصورته فقبض عليه الجنود وإرتجّ عليه وأسكته الله فنفّذ فيه حكم الصلب، أمّا المسيح فقد كتب الله له النجاة من هذه المؤامرة وانسلّ بين المجتمعين، فلم يحس به أحد وترك بني إسرائيل بعد أن يأس من دعوتهم وبعد ان حكموا بإعدامه... ولم تجد المراجع الإسلامية الدقيقة شخص هذا الواشي وربما تأثرت بالمراجع المسيحية فذكرت أنّ الخائن هو يهوذا الإسخريوطي " (د. أحمد شلبي: المسيحية ط6 ص42-43). وقال في طبعة الكتاب الثامنة (ص54-55) متأثرًا بما جاء في إحدي روايات البيضاوي وما جاء في الكتاب المزيّف المدعو زورًا بإنجيل برنابا " أخذ جند الرومان يبحثون عن عيسي لتنفيذ الحكم عليه، كما أوردنا من قبل، وكمّل بقصة خيانة يهوذا ومجيئه مع الجند الرومان للقبض علي المسيح إلي أنْ قال " وتمّ كل شيء علي هذا النمط، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فإنّه عند تقبيل الخائن للمسيح ألقي الله علي الخائن شبه عيسي وملامحه تمامُا، فأصبح الدليل هو المدلول عليه، وأصبح الذي قبّل يحمل جميع ملامح الذي قُبّل، وتقدّم الرومان فقبضوا علي الخائن وارتجّ عليه، أو أسكته الله حتّي تمّ فيه تنفيذ حكم الصلب "!!!.
10- وقال آخر: " تجلذت قدرة الله سبحانه في رفع السيد المسيح إلي السماء معززًا مكرّمًا وإيقاعها بالمجرم الخائن يهوذا لينال عقاب خيانته " (د. عبد الغني عبود " المسيح والمسيحية " ص 189).
11- ونقل محمود شلبي عن عبد الوهاب النجار في كتابه " قصص الأنبياء ": " أمّا خاتمة أمر المسيح... بحسب قصص القفرآن فهي عجيبة وبسيطة .... لا تعقيد فيها ... ذلك أنّ المسيح قد أحرج الكهنة والفرّيسيّين بتعليمه وتجريحه إيّاهم في طريقتهم وخبثهم ... فأخرجهم ذلك إلي الكيد له والتدبير لقتله. " فلما اختمر هذا الأمر في أنفسهم ... شكوا أمره للوالي طبعًا وزينوا له شكواهم بما يستدعي اهتمام الوالي... بأنْ إدّعوا عليه أنّه يقول أنّه ملك اليهود... وأنهم لا يقرّون بملك إلا قيصر رومية، فأرسل الوالي جندًا للقبض علي المسيح عيسي ابن مريم ... فلمّا أتوا ولم يبق إلا القبض عليه، والمسيح قد إهتم لهذا الأمر ... وخشي أنْ ينالوه بالأذي... أنقذه الله من أيديهم ... وطهّره منهم ... وألقي شبهه علي شخص آخر ... عُلم فيما بعد أنّه تلميذه الخائن ... وعرّفته الأناجيل بأنّه يهوذا – كما هو مشهور – وصار بحيث كل من رآه لا يشكّ أنّه يسوع ... فأخذ وصُلب وقُتل ... ونجا المسيح من شرّهم " ( حياة المسيح ص 402-403 ).
وهنا نسأل الناقل والمنقول عنه ونقول لهما؛ هل حقًا ما تقولانه هو ما جاء في القرآن؟؟؟!!! وأين ورد؟؟؟!!! وإذا كنتما قد خلطتما بين ما جاء في الأنجيل ونسبتماه للقرآن، فأين يوجد هذا الكلام في كلا الكتابين؟؟؟!!! وهل يمكنم أن نصدّق أقوالكما بعد ذلك؟؟!!.
12- وهناك نظرية قال بها الشيخ محمد رشيد رضا أسماها بـ " نظريتي في قصّة صلب المسيح وقيامته من الأموات"!! قال فيها بالقبض علي المسيح ثم قال: " ولمّا كان الصباح ساقوه إلي بيلاطس الذي كان يودّ إنقاذه منهم ولكن الظاهر من الأناجيل أنّه لم يفلح فحكم بصلبه فأخذه العسكر إلي السجن حتي يستعدوا للصلب، ففرّ من السجن هاربًا إمّا بمعجزة أو بغير معجزة كما فرّ بعض أتباعه من السجون أيضًا... وربّما ذهب إلي جبل الزيتون ليختفي... وهناك توفاه الله أو رفعه إليه بجسمه، أو بروحه فقط فخرج الحرّاس للبحث عنه. وكان يهوذا مسلّمه مصممًا علي الانتحار ومضي خارجًا ليشنق نفسه في بعض الجبال (متي27/3-20) ندمًا وأسفًا علي ما فعله فلقيه الحرّاس، ونظرًا لما بينه وبين المسيح من الشبه التام فرحوا وظنّوه هو وساقوه إلي السجن متكتمين خبر هروبه من العقاب، ولمّا وجد يهوذا أنّ المقاومة لا تُجدي نفعًا ولمّا طرأ عليه من التهيّج النفساني الشديد واليأس الذين يُصيب عادة المنتحرين قبل الشروع في الانتحار ". ثمّ يُكمّل علي أنّ يهوذا هو الذي صُلب، وقال أنّه لم يكن حاضرًا وقت الصلب إلاَّ بعض النسوة اللواتي لا يُمكنهن من الإمعان والتحديق إلي المصلوب فب مثل هذا الموقف وكذلك لبعد موقفهن عنه، فلذا اعتقدن أنّه هو المسيح!!! ولمّا وجد في وجود العذراء ويوحنا عند الصليب ما يُبطل نظريّته وإدّعاءاته من الأساس قال: " وأمّا دعوي الإنجيل الرابع " (يوحنا19/26) أنّ مريم أم عيسي ويوحنا كانا واقفين عند الصليب فالظاهر أنّها مخترعة " ( الصلب والفداء ص 67 و 68).
ولا نعرف من أين أتي هؤلاء الكتاب بالزعم القائل أنّه كان هناك شبه تام بين يهوذا والمسيح، إلاّ إذا كان من خيالهم لعدم إقتناعهم بنظرية إلقاء شبه المسيح علي غيره!!!
وهكذا يخترعون القصص ويؤلفون الروايات ويضعون النظريات، ويقولون، يبدو والظاهر وربّما... إلخ، في محاولة يائسة لإثبات عدم صلب المسيح. لا لشيء إلاّض لأنّهم لا يملكون سوي نصّ واحد غير واضح يتكلّم بطريقة غير واضحة المفترض أنّه يُناقش حقيقة يؤمن بها ملايين بل مليارات البشر عبر تاريخ البشرية!!! إنهم يؤلفون الروايات ويؤمنون بصحّتها!!!
وهذا يذكّرنا بأسطورة بجمليون، فما هي أسطورة بجمليون؟. تقول الأساطير اليونانية أنّه كان هناك صانع تماثيل يُدعي بجمليون صنع تمثالاً جميلاً لإمرأة جميلة، فأعجب بالتمثال إعجابًا شديدًا، ومن شدّة إعجابه به تمنّي أنْ يصير التمثال إمرأة حقيقية، فاستجابت له الآلهة وتحوّل التمثال إلي إمرأة حقيقية!!!
وهذا ما يفعله كتاب روايات الشبه. فهم ينسجون روايات من وحي خيالهم تقول بلإلقاء شبه المسيح علي آخر ويصدذقونها، برغم أنهم هم مؤلفوها، ولكن نقول لهم أننا نعيش الواقع وليس الأسطورة لذا لن تتحوّل رواياتهم التي ألفوها من وحي خيالهم إلي حقيقة، فلا هم بجمليون وليس لهم آلهة تستجيب لهم فتحوّلها إلي حقيقة كما يتوهّمون!!!.
5- التعليق على هذه النظريات والأقوال: 1- عند النظر إلى هذهالروايات والأقوال يتضح لنا للوهلة الأولى إنها متناقضة ومتعارضة ومتضاربة وأنّه لاأساس لها ولا سند ولا دليل علي صحّتها وأنّها مجرّد أفكار خيالية من تأليف رواتها ووحيخيالهم، وهم لم ينكروا ذلك!! بلّ إنّ كل منهم حاول أنْ يروي رواية، معتمدًا عليخياله بالدرجة الأولي مع محاولة بتر بعض آيات الكتاب المقدس وتأليفهما مع رواياتهمالمزعومة!!! ولا نعرف كيف يستبيحوا لأنفسهم ذلك؟!! إذ لا همّ لهم إلا مجرّد الإيهام بأنّ المسيح لم يصلب
وإنما الذي صلب هو غيره!! بمبدأ الغاية تبرّر الوسيلة!! فالغاية هي محاولة الإيهام بأنّ المسيح لم يُصلب والوسيلة هي تلفيق روايات خياليةوغير واقعية للإيحاء والإيهام بذلك !! مع تغيير وتبديل الحقائق الإنجيلية!!
2- كما أن هذه الروايات قيلت أساسًا لتفسير عبارة " شُبّه لهُمْ " بمفهوم واحد فقط هو نظرية إلقاء شبه المسيح علي آخر دون أي اعتبار لحقائق التاريخ والتقليد المسيحي بالرغم عن صمت الآية عن ذكر أي تفصيلات!!!
3- هذا الصمت وضع هؤلاء الكتاب في حيرة فراحوا يؤلفون ويتخيل كل واحد منهم حسب هواهوحسب ما يتراءى له، ونتيجة لذلك خرج كل واحد منهم بفكرة أو برواية مختلفة تمامًا عنالآخر سواء في مكانها أو زمانها أو أشخاصها، فقد اختلفت هذه الروايات من جهةالشبيه الذي قيل أنّه صُلب بدلاً من المسيح، فقد قال البعض أنّ هذا الشخص لا يعرفهإلا الله " فلنترك المسألة عند هذا الحد " !! وقال البعض الأخر أنّه أحد الذين يحبونالمسيح وقال غيرهم أنّه يهوذا جزاء خيانته أو جزاء شكّه في معلمه أو حباً في معلمه!!! كما اختلفت في كيفية القبض على المصلوب فقالوا أن المسيح ألقى شبهه علي يهوذا أوهرب أو صعد إلي السماء! أو أنّ يهوذا كان شبيهًا بالمسيح لدرجة عدم التفريق بينهما ! أو أنّ اليهود لم يكونوا علي بيّنة من هيئة المسيح أو يهوذا ! أو أنّ ذلك حدث بسببالظلام ... إلخ.
كما أضافت الروايات الأخيرة أنّ المسيح حُكم عليه ولكنه لم يُصلب، بل هرب من السجن!!! أو أنّ قصة الصلب من الأساس ملفقة!! " فالمسألة كلها منتأليف تلاميذه "!! كما اختلفت هذه الروايات أيضاً من جهة الزمان والمكان ودوافعالصلب.
أخيراً يقول لنا الشيخ محمد أبو زهرة " أنّ القرآن الكريم لم يبيّن لناماذا كان
من عيسى بين صلب الشبيه ووفاة عيسى أو رفعه على الخلاف في ذلك، ولا إلي أين ذهب، وليس عندنا مصدر صحيح يُعتمد عليه، فلنترك المسألة: ونكتفي باعتقادنا اعتقادًا جازمًا أنّ المسيح لم يصلب ولكن شبّه لهم " ( محاضرات في النصرانية للشيخ محمدأبو زهرة ص 25)
إنّه لا يوافق علي كل ما روي من روايات ويعتبرها جميعًا منمصادر غير صحيحة، ويعتمد فقط علي اعتقاده بأنّ المسيح لم يُصلب دون الاعتماد على أيرواية لم تذكر في أي مصدر صحيح!!
هذا الرأي هو ما يتفق عليه الغالبية العظمي من المحاورين المسلمين الذين يتحاورون في موضوع صلب المسيح علي شبكة الإنترنت وأغلبهم يرفضون جميع هذه الروايات سواء قديمها أو حديثها لعدم صحتها وإلغائها للعقل والمنطق، ولأنها جميعًا تسقط دائمًا مع الحوار المنطقي الجاد، ويتمسّكون فقط بحرفية آية النساء 157.
1- إشكالات روايات عدم صلب المسيح وإلقاء شبهه علي آخر: لا يقدر أنْ يقول لنا أصحاب نظرية الشبه، كما بيّنا، أنّ آية الشبه ذكرت كيفية إلقاء الشبه ومتي حدثت؟ ومن هو الشبيه؟ ومن هو المُشَبّه به؟. كما يقول الشيخ عبد الرحمن أبوزهرة في كتبه محاضرات في النصرانيّة ص 25: " أنَّ القرآن الكريم لم يُبَينّ لنا ماذا كانمن عيسى بين صلب الشبيه ووفاة عيسي أو رفعه علي الخلاف في ذلك، ولا إلي أين ذهب؟،وليس عندنا مصدر صحيح يُعْتَمَد عليه.
وكما علَق الإمام الفخر الرازي علي ما روي من روايات خياليّة عن الشبه بقوله " اختلفت مذاهب العلماء في هذا الوضع وذكروا وجوهًا ... وهذه الوجوهمتدافعة متعارضة والله أعلم بهذه الأمور " ( التفسير الكبير للرازي جـ 3 : 35).
وقال في تفسير الآية 175 من سورة النساء، مكرّرًا ما قاله الزمخشري في كشافه " الأول: قوله شُبّه مُسْنَد إلي ماذا؟ إنْ جعلته إلي المسيح فهو مُشَبَّه به وليس بمُشَبِّه، وإنْ أسندته إلي المقتول، فالمقتوللم يُجْرَ له ذكر...
والثاني: أنّه إنْ جاز أنّ الله تعالي يُلْقِي شِبْهَه ( أي المسيح ) عليإنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة فإنَّا إذا رأينا زيدًا فلعله ليس بزيدٍ فإنّه ألقي شِبْهزيد عليه. وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك موثوق به، وأيضًا يفضي إلي القدح في التواتر ... وذلك يوجب القدح في جميع الشرائع وليس مُجيب أنْ يُجِيب عنه بأنّ
ذلك مختصّ بزمان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأننا نقول لو صحّ ما ذكرتم فذاك إنّمايُعرف بالدليل والبرهان فمن لم يُعلن ذلك الدليل والبرهان وجب أنْ يشي من المحسوسات ووجب أنْ لا يعتمد علي شيء من الأخبار المتواترة ... وبالجملة ففتح هذا الباب يوجبالطعن في التواتر والطعن فيه يوجب الطعن في نبوّة سائر الأنبياء عليهم الصلاةوالسلام ".
كما أنّ القول بعدم صلب المسيح وإلقاء شبهه علي غيره يوقعنا في جملةمشاكل دينيّة يلخّصها الإمام الفخر الرازي في تفسيره لسورة آل عمران 55 " من مباحثهذه الآية موضع مشكل وهو أنّ نصّ القرآن دال علي أنّه تعالي حين رفعه ألقي شبهه عليغيره ... والأخبار أيضًا واردة بذلك إلا أنّ الروايات اختلفت في ذلك فتارة يُروى أنّ اللهتعالي ألقي شبهه علي بعض الأعداء الذين دلوا اليهود علي مكانه ... وتارة يُروى أنّ رغّب بعض خواص أصحابه في أن يلقي شبهه ( عليه ) حتي يُقتل مكانه. وبالجملة فكيفما كانففي إلقاء شبهه علي غيره إشكالات:
(1) الإشكال الأول: إنّا لو جوَّزنا إلقاء شبهإنسان علي إنسان آخر لزم السفسطة، فإني إذا رأيت ولدي ثم رأيته ثانية فحينئذ أجوّز أنْ يكون هذا الذي رأيته ثانية ليس بولدي بل هو إنسان أُلقي شبَهه عليه، وحينئذيرتفع الأمان علي المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمدًا يأمرهم وينهاهم وجبأنْ لا يعرفوا أنّه محمد، لاحتمال أنّه أُلقي شبهه علي غيره، وذلك يُفضي إلي سقوطالشرائع. وأيضًا فمدار الأمر في الأخبار المتواترة علي أنْ يكون المُخبر الأوّل إنّماأخبر عن المحسوس، فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولي. وبالجملة ففتح هذا الباب أوّله سفسطة وآخره إبطال النبوّات بالكلية.
(2) الإشكالالثاني: وهو أنّ الله تعالي كان قد أمر جبريل عليه السلام بأنْ يكون معه ( مع المسيح ) في أكثر الأحوال، هكذا قاله المفسرون في تفسير قوله ( إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِالْقُدُسِ ).
ثم إنّ طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم منالبشر، فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهود عنه؟وأيضًا أنّه عليه السلام لمّا كانقادرًا علي إحياء الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص، فكيف لم يقدرْ علي إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه بالسوء وعلي إسقامهم وإلقاء الزمانة ( العاهة ) والفلج عليهم حتييصيروا عاجزين عن التعرّض له؟.
(3) الإشكال الثالث: إنّه تعالى كان قادرًا علي تخليصهمن أولئك الأعداء بأنْ يرفعه إلي السماء، فما الفائدة في إلقاء شبْهه علي غيره، وهلفيه إلاَّ إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟.
(4) الإشكال الرابع : إنّه إذا ألقي شبهه علي غيره ثمّ إنّه رُفع بعد ذلك إلي السماء، فالقوم اعتقدوا فيه أنّه عيسيمع أنّه ما كان عيسي، فهذا كان إلقاءً لهم في الجهل والتلبيس. وهذا لا يليق بحكمةالله تعالي.
(5) الإشكال الخامس: إنّ النصاري علي كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربهاوشدّة محبّتهم للمسيح عليه السلام، وغلوّهم في أمره أخبروا أنّهم شاهدوه مقتولاًومصلوبًا، فلو أنكرنا ذلك كان طعنًا فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجبالطعن في نبوّة محمد، ونبوّة عيسى، بل في وجودهما، ووجود سائر الأنبياء عليهمالصلاة والسلام، وكل ذلك باطل.
(6) الإشكال السادس:أنّه بالتواتر أنّ المصلوب بقيحيًا زمانًا طويلاً، فلو لم يكن ذلك عيسي بل كان غيره لأظهر الجزع، ولقال: إني لستبعيسي بل إنّما أنا غيره، ولبالغ في تعريف هذا المعني، ولو ذكر ذلك لاشتهر عندالخلق هذا المعني، فلمّا لم يوجدْ شيء من هذا علمنا أنّ ليس الأمر علي ما ذكرتم. فهذاجملة ما في الموضع من السؤالات ". (التفسير الكبير ج2/466).
وبالرغم من أنه علق على هذه الإشكالات إلا أنّ تعليقة كانغير مقنعًا سواء له أو لغيره، إذ يقول في رد مقتضب:
1- الجواب عن الأول: إنّ كل منأثبت القادر المختار، سلَّم أنّه تعالي قادر علي أنْ يخلق إنسانًا آخر علي صورة زيدمثلاً، ثم إنّ هذا التصوير لا يوجب الشك المذكور، فكذا القول فيما ذكرتم. ونقول هل حدث مثل ذلك في تاريخ البشرية؟؟؟ والإجابة بالقطع كلا!!!.
2- والجوابعن الثاني: إنّ جبريل عليه السلام لو دفع الأعداء عنه أو أقدر الله تعالي عيسى عليهالسلام علي دفع الأعداء عن نفسه لبلغت معجزته إلي حدّ الإلجاء ( أي اضطرار الله إليإجراء تلك المعجزة )، وذلك غير جائز ". ونقول علي العكس لو كان الله قد أنقذه بواسطة ملاك لظهرت عظمته وآمن به اليهود، ونسأل ونقول وهل إلقاء شبهه علي آخر ليس فيإلجاء واضطرار؟؟؟!!!
3- والجواب عن الثالث: فإنَّه تعالي لو رفعه إلي السماء وماألقي شبهه علي الغير لبلغت تلك المعجزة إلي حدّ الإلجاء ( أي اضطرار الله إلى إجراءتلك المعجزة )". والسؤال هنا أيهما أكرم وأليق بجلال الله وعظمته؟ أنْ يرفعهأمام الجميع فتظهر قدرة الله أم يخدعهم ويلقي بشبهه على آخر؟؟؟!!!
4- والجواب عنالرابع: إن تلامذة عيسي كانوا حاضرين، وكانوا عالمين بكيفية الواقعة، وهم كانوايزيلون ذلك التلبيس ". ونقول أنه ولا واحد من تلاميذ المسيح قال بغير صلبالمسيح!!!!!
5- والجواب عن الخامس: إنّ الحاضرين في ذلك الوقت كانوا قليلينودخول الشبهة علي الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلي الجمعالقليل لم يكن مفيدًا للعلم ".
ونقول هل تدخل الشبهة علي أمّه وأخت أمه وتلميذهيوحنا ومن كان معهم من التلاميذ غير المعلنين مثل يوسف الرامي ونيقوديموس، أم علىاليهود الذين كانوا حاضرين الصلب والذين جال يبشّر بينهم يُعلّمهم ويصنع المعجزاتوكانوا يلتفون حوله بعشرات الألوف،أم علي الجنود الرومان الذين كانوا يقومونبعملية الصلب، أم سمعان القيرواني الذي كان يشاركه في حمل الصليب؟؟؟؟!!!!.
6- والجواب عن السادس: إنّ بتقدير أنْ يكون الذي ألقي شبه عيسى عليه السلام عليه كانمسلمًا وقبل ذلك عن عيسي، جائز أنْ يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة تقول كل تفاصيل المحاكمة والصلب أنّ المحاكم والمصلوب كان هو المسيح وهذا مادلل عليه بأقواله وتصرفاته!!!!
ثم يختم بقوله: " وبالجملة فالأسئلة التي ذكروهاأمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه. ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد فيكل ما أخبر عنه، امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنصّ القاطع، واللهوليّ الهداية".
هذا هو تعليق الرازي وتعليقنا عليه.
ولأن هذه الردود غيرمقنعة، حتى له هو نفسه كما هو واضح. لذا فسّر بعض العلماء المسلمين الآية باعتبار أنّها لا تنفي الصلب.
وحقائق التاريخ ، فيقول(4): " أهم الأسئلة فيما يتعلق بمسألة صلب المسيح أو نهاية شأن المسيح مع قومه كما أفضل أنْ أسمّيها هي: ما هو معني الصلب ؟ هل الصلب هو مُجَرّد وضع شخص علي الصليب سواء مات من جرّاء الصلب أوّ لم يمتْ لأي سبب من الأسباب؟ أمّ أنَّ الصلب لا يتمّ إلاَّ إذا مات الشخص المحكوم عليه بالصلب علي الصليب؟ إنَّ تحديد معني الصلب بالإجابة علي هذه الأسئلة الهامة يجعلنا نعرف علي وجه الدقة ما إذا كانوا قد قتلوه وصلبوه، أو أنَّهم (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ) . " جديرٌ بنا أنْ ندقّق في معني الفعل المبني للمجهول (صُلِبَ) . يُقال عن شخص إنَّه صُلب إذا كان مات علي الصليب ويُقال عن شخص إنه ( أُغرِقَ ) إذا كان قد مات إغراقًا تحت الماء ، أمّا إذا كان بعض الناس حاولوا إغراق شخص تحت سطح الماء بهدف قتله ولم يمتْ هذا الشخص تحت الماء لأي سبب فإنَّهم لم يغرقوه. يجوز أنْ يكونوا قد شرعوا في قتله بإغراقه، ولكنهم في حقيقة الأمر (ما قتلوه وما أغرقوه)، حيث أنَّه لم يمتْ تحت سطح الماء من جرّاء إغراقهم له، في محاولتهم قتله تحت سطح الماء. وهكذا لو وُضِعَ شخص علي الصليب ولم يمتْ من جرّاء الصلب لا يجوز أنْ نقول عنه أنَّه صُلِبَ. ربما كان هذا شروعًا في قتله صلبًا، ولكنهم (ما صلبـوه ) ". ولكنّنا نقول لسيادته نتفق معك في الجزء الأول من حديثك أنَّ اليهود دفعوا الرومان لصلب المسيح ليتخلّصوا منه ومن رسالته، أمّا الجزء الثاني فقد تحقّق لا بعدم موته علي الصليب بل بقيامته من الأموات في اليوم الثالث، وفي هذه الحالة يكون قوله " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ " يعني أنَّ قصدهم وخطّتهم في القضاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ (4) أخطر المناظرات، هل مات المسيح عـلي الصليب؟ مناظرة بين داعـية العـصر " أحمد ديدات " والبروفيسير " فلويد كلارك " ص 28-100.
عليه لم ينجحا لأنَّه قام من الأموات وظهر لتلاميذه وأرسلهم للكرازة به في كل العالم. ثمّ يوضّح الأستاذ علي الجوهري رأيه في نظرية إلقاء شبه المسيح علي شخص آخر بقوله : " لأن إلقاء شبه المسيح علي شخص غير المسيح إنما هو نظريّة قال بها المفسرون، إنَّها رأي المفسّرين، ومن المعروف أنَّ المفسّرين يَلْزَم كل منهم أنْ ينظر في تفسير من سبقه من المفسّرين. هذا بطبيعة الحال من ضرورات التصدّي لمحاولة تفسير آيات القرآن الكريم. ونظرية إلقاء الشِبْه غير مستساغة وغير معقولة لأسباب هامة كثيرة: أولاً :لا دليل عليها، ولتكون نظريّة مستساغة ومقبولة ومعقولة يلزم أنْ تتوافر لها أدلّة علي صحّتها. ونظريّة إلقاء شبه المسيح علي شخص غيره لا يُنْهِضْ دليل علي صحّتها، وتُنْهِضْ أدلّة علي عدم صحّتها 000 لقد اضطر المفسّرون المسلمون إلي القول بنظريّة إلقاء الشِبْه إجابة وحيدة لسؤال فرض نفسه هو : إذا كان المسيح ما قتلوه وما صلبوه، فماذا حدث له؟ وكيف نجا من القتل والصلب؟ ويجوز أنْ يُوضع شخص علي الصليب بقصد قتله صلبًا، ولا يكون هذا الشخص قد قُتل أو صُلب إذا لم يمت علي الصليب. ثانياً : لأنَّ إنكار وضع المسيح علي الصليب يتعارض مع شهادة شهود العيان " وشهادة شهود العيان في هذه الجزئيّة بالذات لا تشوبها شائبة تَنَاقض أو خِلاف بين الشهود. كلّ شهودهم مُجْمِعُون عليها000 في مسألة القبض علي المسيح ووضعه علي الصليب يستحيل بحق إهدار شهادة شهود العيان، وكذلك وقائع محاكمة المسيح أمام السنهدرين وأمام الحاكم الرومانيّ بيلاطس. قبضوا عليه، وحاكموه، ووضعوه علي الصليب. وشهد بذلك عشرات بل مئات من شهود العيان، ولا تناقض في شهادة شهود العيان بهذا الصدد يمكن التعويل عليه في رفض محتوى شهادتهم ".
" أليس المطلوب هو إثبات صدق القرآن الكريم فيما أخبر به من أنَّ أعداء المسيح ما قتلوه وما صلبوه؟ يتحقّق المطلوب دون حاجة إلي الاعتماد في ذلك علي التسليم بنظريّة إلقاء الشبه، ودون أنْ نصطدم بضرورة إهدار شهادة الشهود في مسألة يستحيل فيها إهدار شهادة الشهود. ومن المعلوم أنَّه في بعض الحالات يمكن التدليل علي فساد شهادة الشهود، وفي حالات أخري لا يكون هنالك سبيل إلي إهدار شهادة الشهود. والقبض علي المسيح ووضعه علي الصليب من المسائل التي لا يجوز إهدار شهادة الشهود بشأنها - والحق يُقال - بأي حال من الأحوال. إنَّهم مُجْمِعُون عليها، ولا تناقض داخلي بشأنها، والحق يُقال أيضًا ولا ينبغي كمسلمين أنْ نجادل بالباطل أبدًا. إنَّ الله سبحانه وتعالي يأمرنا بذلك. إنَّ الله يأمرنا أنْ نجادل بالتي هي أحسن . والاعتراف بالحقائق، وعدم الجدال بالباطل إنما هما من أهم ركائز الجدل بالتي هي أحسن. هل يجادل بالتي هي أحسن من يُنكر الحقائق ولا يعترف بها ؟" . ويُضيف " لأنَّ التمسّك بالمعني الأوّل من معاني إنتفاء الصلب بإنكار وضع المسيح علي الصليب يُعَرّض مصداقية القرآن الكريم ذاتها للخطر 000 إنَّ مَثَلَ مَن يُعَارضون أنْ يكون أعداء المسيح قد وضعوه فعلاً علي الصليب كَمَثَل شخص حضر حفل زفاف صديق، وأثناء الحفل وقعت حادثة قتل أُتُّهم فيها هذا الشخص وعندما يتمّ سؤال هذا الشخص: هل حضرت حفل زفاف صديقك أم لا؟ يقول لا، أنا لم أحضر حفل زفاف صديقي . وإذا شهد شاهدان علي أنَّه كان يجلس بينهما في ذلك الحفل نجد أنَّ إنكار ذلك الشخص حضوره الحفل يُسِئ إلي موقفه في التحقيق ولا يُفيده " . ثالثاً :إنَّ نظريّة إلقاء الشِبْه وردت في إنجيل برنابا وهذا هو الدليل الثالث علي فسادها وعدم صحتها: " إن الاحتجاج بورود هذه النظريّة في إنجيل برنابا يكشف قبل أي شئ علي أنَّ هذه النظريّة ليست من بنات أفكار أيّ مُفَسّر مسلم ، بل هي
فكرة مسيحيّة 000 وفضلاً عن ذلك نجد أنَّ النصاري لا يعترفون بصحّة إنجيل برنابا كله ، ولن نجد مسيحيا واحداً يعترف بصحّته . سيقول لك علي الفور أنَّه إنجيلٌ مزيفٌ مُنْتَحَل لا صحّة ولا حُجَّة لكلِّ مُحْتَوَاه . إنَّه أبُوكْرِيفَا. ولا يصحّ لنا كمسلمين أنْ نُقيم عقائدنا علي أساس من نصوص إنجيل برنابا الذي لا يَعْتَرِف النصاري به ولا يجوز أنْ نثق بنصّ من نصوص إنجيل برنابا ". رابعاً : " يوجد رابعًا سبب هام وهو عدم قدرة أي مفسّر من القائلين بهذه النظريّة علي تحديد الشخص الذي ألقي الله عليه شبه المسيح عليه السلام. يقول بعضهم - وراجع ما شئت أي تفسير موجز أو مطول - إنَّ الله ألقي شبه سيّدنا عيسي علي يهوذا . ويقول بعضهم : إنَّ الله ألقي شبه سيّدنا عيسي علي شخص يدعي طيطانوس. ويقول بعضهم : إنَّ الله ألقى شبه سيّدنا عيسي علي واحد من أتباعه تطوّع لتحمُّل هذا المصير بدلاً من المسيح بعد أنْ وعده المسيح أنْ تكون له الجنة دون تحديد لهذا الشخص بشيءٍ سوي أنَّه واحد من أتباعه. ويقول بعضهم: إنَّه واحد من حرّاس المسيح. وأنت تعرف يا صاحبي أنَّه يلزم تحديد شخص واحد بعينه ألقي الله عليه شبه سيّدنا عيسي. وعدم تحديد شخص واحد بعينه يفسد هذا الادعاء تمامًا من الناحية الشكليّة البحتة. ولو مات رجل قتيلاً إثر طعنة سكين، ويريد أحد أنْ يُدافع عن أحدِ المتّهمين بأنَّ شخصًا آخر غير المتّهم هو الذي طعنه بالسكين، لوجب عليه أنْ يُحدّد من هو هذا الشخص تحديدًا قاطعًا. ولو تعدّدت الاحتمالات لأفضي ذلك إلي عدم تحديد القاتل وكان ذلك من مصلحة المتهمين جميعًا مهما كان عددهم كبيرًا . ولا ريب أنَّ تضارب آراء المفسّرين علي هذا النحو بصدد رأيهم ونظريتهم القائلة بإلقاء شبه المسيح علي شخص آخر غير المسيح يضعف من نظريّتهم هذه إلي حدِّ الانهيار " .
خامساً : " وخامس الأسباب الدالة علي فساد نظرية إلقاء الشبه هذه هو أنَّ أي مفسّر لا يستطيع أنْ يقول أو يدّعي أنَّه شاهد شبه المسيح يلقيه الله سبحانه وتعالي علي شخص آخر. ولو زعم أحدهم هذا الزعم لكان زعمه باطلاً بطبيعة الحال. ويزداد هذا الزعم ضعفاً وانهياراً لو لم يملكْ من يزعمه أي دليل علي صحته " . سادساً : " ضمائر الغائب الكثيرة الموجودة في الآية الكريمة 000 ما شأن ضمائر الغائب الكثيرة الموجودة بالآية الكريمة ؟ وكيف تدل علي خطأ المفسّرين في القول بنظريّة إلقاء شبه المسيح علي شخص آخر غير المسيح ؟ نعرف جميعًا أنَّ ضمائر الغائب المفرد لا بد من إرجاعها إلي شخص تعود عليه ضمائر الغائب. والمعقوليّة شرط لصحّة إرجاع ضمير الغائب إلي من يُفترض رجوع ضمير الغائب إليه 000 (وقد) اختلف المفسّرون الإسلاميّون بشأنه اختلافًا كبيرًا ولم يُصِبْ أحدهم الرأي الصواب في إرجاع هذه الضمائر إلي من تعود عليه بشكل قاطع حتي الآن، إنَّهم جميعًا يُرَجِّحون إرجاع ضمير الغائب إلي المسيح في قول الله سبحانه وتعالى: "وما قتلوه وما صلبوه صحيح تماماً ولكن الاستمرار في إرجاع ضمير الغائب إلي المسيح في بقيّة الآية الكريمة خطأ وغير مقبول، ويُرْبِك المعني الصحيح للآية الكريمة " . " فإذا وصلنا إلي قول الله سبحانه وتعالى: " وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ". أرجو منك يا صاحبي أنْ نُحَدّد ضمائر الغائب المفردة في هذا الموضع من الآية الكريمة 000 إنَّ ضمائر الغائب المفرد كثيرة في هذا الموضع من الآية الكريمة . قلت : وقد أرجعها المفسّرون المسلمون كلّها إلي المسيح 000 إنَّ ضمائر الغائب المفرد المتكرّرة في هذا الموضع تعود إلي اختلافهم، أي اختلاف أهل الكتاب من اليهود والنصارى في مسألة أنَّ المسيح قد مات علي الصليب أم لم يمت علي الصليب. هذه المسألة اختلفوا فيها ، هذا الشأن " اخْتَلَفُواْ فِيهِ " وبدءاً من ضمير الغائب المفرد الموجود
بآخر حرف الجر هنا تعود الضمائر علي الشأن الذي " اخْتَلَفُواْ فِيهِ " ولا تعود إلي المسيح عليه السلام. هل اختلفوا في أنَّ الشخص الذي حاكموه وقبضوا عليه هو المسيح أو هو شخصٌ آخرٌ؟ هذا احتمال ضعيف جدًا وبالغ الضعف وعديم المعقولية. ويلزم أنْ يكون الرأي السليم سليمًا في نظر كل الناس وليس في نظر المسلمين وحدهم 000 إنَّ أعداء المسيح لو كانوا قد اختلفوا بشأن شخص المسيح وهل هو الشخص الذي حاكموه وقبضوا عليه ووضعوه علي الصليب لكان الأقرب إلي المعقوليّة أنْ يتحروا ويدققوا ويحققوا هذه المسألة كل التحري والتدقيق والتحقيق. وليس من المعقول طبعًا أنْ يكون هدف أعداء المسيح هو قتل المسيح صلبًا ثم يقبلون بسهولة وبساطة وسذاجة أنْ يقتلوا ويصلبوا شخصًا آخر غيره . لو اختلفوا في شخص المسيح لكان الأقرب إلي الصواب والمعقوليّة أنْ يوقفوا إجراءات تنفيذ الحكم ليتحققوا أنَّ شخص الإنسان الذي يقومون بتنفيذ الحكم عليه . وهذا التحقّق سهل ميسور لهم. وليس هناك أسهل من أنْ يحاوروا ويناقشوا الشخص الموجود بين أيديهم ليكتشفوا حقيقته، خصوصًا أنَّ اليهود لم يعمدوا إلي قتل المسيح غيلة، بل إنَّهم استصدروا حكمًا بقتله صلبًا من الحاكم الروماني بيلاطس " . " إنَّ مصلحتهم تفرض عليهم ذلك، إنَّهم يريدون قتل وصلب شخص معيّن وليس قتل وصلب أي شخص آخر غيره " . " يقول الله سبحانه وتعالى : (مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ) وضمير الغائب الملحق بحرف الجر (بِهِ) يجعل المعني – والله أعلم بمراده - هو : " ما لهم بشأن موته أو عدم موته على الصليب من علم " . " قال المفسرون : إنَّ ضمير المفرد الغائب هنا يعود علي المسيح، مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ. هل هذا معقول؟ كيف يكون شهود العيان الموجودين حول الصليب الذي ُصلب عليه المسيح ما لهم بالمسيح من علم؟ هل يكون المفسّرون المسلمون الذين لم تطأ قدم أحدهم في الغالب الأعم مكان الصليب، أعلم بالمسيح، وبما لو كان هو
الشخص الموجود علي الصليب مِنْ مَنْ كانوا شهود عيان لهذا الحدث التاريخي العظيم؟ لقد مضت قرون وقرون بين الزمان الذي وُلد فيه أولئك المفسّرون وبين وقت هذا الحدث العظيم. أمّا عندما يعود ضمير المفرد الغائب في هذا الموضع علي شأن من الشئون هو عدم معرفة أعداء المسيح ما إذا كان المسيح قد مات علي الصليب أمّ أنَّه لم يمتْ علي الصليب، نجد أنَّ المعني يتضح ويستقيم ويُصبح معنًي معقولاً مقبولاً والله أعلم بمراده 000 " . ويعلق الأستاذ الجوهري علي إشكالات الرازي بقوله: " هيا نقتبس سطورًا مما كتبه الإمام الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية الكريمة بدءاً من صفحة (515) بالجزء الخامس من طبعة دار الغد العربي بالقاهرة في تفسيره مفاتيح الغيب ، يقول الإمام الفخر الرازي ما نصّه: " وفي الآية سؤالان: السؤال الأول : قوله تعالى : (شُبِّهَ ) مُسند إلي ماذا ؟ إنْ جعلته مسندًا إلي المسيح، فهو مُشَبَّّه به وليس بمُشَبِّه، وإنْ نسبته إلي المقتول فالمقتول لم يُجْرَ له ذكر " . ويضيف " إنَّ الإمام الرازي قد استهل تفسيره للآية الكريمة ببحث الإسناد في قوله تعالى : (شُبِّهَ) وتساءل: مُسند إلي ماذا؟ ولتكون فكرة الإسناد واضحة يا صاحبي دعني أنشّط ذاكرتك لتفهم بوضوح المقصود بالإسناد الذي يُشير إليه الإمام الرازي. لو قلت : (ضرب عمرو زيدًا) فالضرب مُسند وعمرو مسند إليه ولما كان فعل (شُبِّهَ) في الآية في صيغة المبني للمجهول ، وحسب نظرية إلقاء الشبه التي سبق أنْ أشرنا إليها وإلي فسادها لا بد من وجود الحيرة وعدم القدرة علي الفهم 000 والسؤال بصيغة أخري يمكن أن يُصاغ هكذا : " إذا كان أعداء المسيح حول الصليب، قد شُبِّهَ لهم، فماذا شُبِّهَ لهم بالضبط ؟ هل شُبِّهَ لهم أنهم قتلوا شبيه المسيح علي الصليب ، وبذلك يكون الأمر قد اختلط عليهم مرّتين لا مرّة واحدة، اختلط عليهم الأمر في المرة الأولى إذ خُيِّل إليهم وظنّوا أنَّ الله قد ألقى شبه المسيح علي غيره ، وخُيِّل إليهم في المرة الثانية وظنّوا واحتاروا ولم يستطيعوا أنْ يقطعوا برأي فيما كانوا قد قتلوا شبيه المسيح أم قتلوا المسيح ؟".
ثم يقول " والقول بنظرية إلقاء شبه المسيح علي غيره لا يثبت لتمحيص بيننا كمسلمين، ولا يثبت لجدل بيننا وبين خصوم الإسلام " . وبعد أنْ يفنّد علي الجوهري نظرية إلقاء شبه المسيح علي شخص آخر يذكر ما يُؤمن به هو: " إذا لم يكن معني قوله سبحانه وتعالى : ولكن شُبِّهَ لَهُمْ هو إلقاء شبه المسيح علي شخصٍ آخر غيره، فما هو معناها ؟ هل لها معنى آخر؟، وما هو هذا المعنى الأخير ؟ نعم معناها هو : ولكن اختلط الأمر عليه، اختلط عليهم ما إذا كان المسيح قد مات علي الصليب فينزلونه ويدفنونه أم أنَّه لم يمتْ علي الصليب. لقد اختلفوا بهذا الشأن فعلاً " . وهكذا يتضح لنا أنَّ نص سورة النساء غير الواضح في مسألة صلب المسيح أوقع الجميع في حيرة مما جعل البعض يعتمد علي الخرافات، أو ما يُسَمَّي بالإسرائيليات، والبعض الآخر يؤلّف روايات من وحي خياله، والبعض يصرّ علي الإيمان بالنصّ كما هو ولكنّه يُفسّره هو أيضًا فيقول أنَّه ينفي الصلب عن المسيح، والبعض يحاول أنْ يوفّق بين النصّ وبين المنطق والعقل والتواتر والحدث التاريخيّ لصلب المسيح والمسجّل في كل كتب التاريخ والتي لا تقول شيء مطلقًا بل ولا تعرف شيء مطلقًا عن نظريّة الشبه !!!!!
3 – إلقاء شبه المسيح على آخر يوقع البشرية في ضلالة كبرى : إنَّ القول بإلقاء شبه المسيح علي آخر وصلبه بدلاً عنه واعتقاد كل من اليهود والرومان وتلاميذ المسيح ورسله وأمّه العذراء القدّيسة مريم بأنَّ الذي صُلِبَ هو المسيح ثم كرّزوا في العالم أجمع بأنَّ الذي صُلِبَ هو المسيح وآمن الملايين، بل المليارات، عبر التاريخ أنَّ المسيح هو الذي صُلِبَ، في حين أنَّ الذي صُلِبَ، حسب نظرية الشبه، هو آخر غير المسيح فماذا تكون النتيجة ؟؟!! والإجابة هي ضلالة كبري لا مثيل لها في تاريخ الكون !!!!
فقد اعتقد اليهود أنَّهم قتلوا المسيح، وهذا ما شهد به القرآن " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ 000"، وشاع ذلك بين الأمم ، وهذا ما حدث أيضًا وسجّله المؤرّخون، ولكن الأهم والأخطر هو أنَّ تلاميذ المسيح ورسله الذين أعدّهم للكرازة بإنجيله في العالم كله، قد شاهدوا المصلوب وآمنوا أنَّه المسيح وبشّروا في كل مكان أنَّ الذي صُلِبَ هو المسيح !!! بل وجمعوا الإنجيل، بالروح القدس، ودوّنوا فيه حادثة الصلب تفصيليًا لدرجة أنَّها تكوّن ثلث الإنجيل، بل وهي محور كرازة الرسل " نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً " (1كو1/23)، وبسبب كرازتهم وبشارتهم بالمسيح مصلوبا آمن الملايين ، بل والمليارات منذ القرن الأول وحتي الآن، بل وقد يصل الذين يؤمنون بذلك منذ القرن الأول وحتى نهاية العالم مليارات المليارات، ولو افترضنا صحّة نظرية إلقاء شبه المسيح علي آخر تكون هذه المليارات من البشر قد آمنت بخدعة وضلالة كبري !!! والسؤال هنا هو من الذي أوقع هذه المليارات في هذه الخدعة وهذه الضلالة الكبري ؟؟؟!!! وبمعني آخر؛ من هو الذي خدع البشريّة وأوقعها في هذه الضلالة الكبري، المزعومة ؟؟!! ولو سرنا مع أصحاب نظرية الشبه فستكون النتيجة مريعة وغير منطقيّة وغير معقولة، فلو افترضنا، معهم، أنَّ الذي ألقي شبه المسيح علي آخر هو الله !! فستكون النتيجة، بحسب هذه النظرية، أنَّ الله هو الذي خدع البشرية وأوقعها في هذه الضلالة الكبري، فهل يقبل العقل ذلك ؟؟!! وحاشا لله من ذلك وتعالي عنه علوًا كبيرًا!! فهذا يعني عدّة أمور لا يقبلها عقل ولا منطق ؛ وهي أنَّها تنسب لله الجهل والعجز والخداع والغش وعدم تقدير الأمور، بل والظلم 000 إلخ . وحاشا لله من ذلك وتعالي عنه فلم يكن الله في حاجة إلي مثل هذه الوسيلة التي لا تعني إلا الغش والتضليل والخداع، لأنَّه لو فرضنا صحّة هذه النظرية فماذا كانت النتيجة، نقول هي سقوط الملايين بل والمليارات عبر مئات وآلاف السنين من