والمسيح هو أكثر من أتي بالمعجزات وبالبيّنات بحسب ما ذكر القرآن وهو الذي أنزل الله عليه مائدة من السماء بناء على طلب الحواريين . (6) " لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ " (المائدة: 70). 3 - ولو أراد الله إنقاذ المسيح : فإذا كان قتل الأنبياء جائز وواقع حقيقي بالنسبة لليهود ومعترف به في التوراة والإنجيل والقرآن، فما الذي يمنع قتلهم للمسيح كقوله " الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم " ؟؟!! وهنا تبرز لدينا عدة أسئلة هي : †ماذا كان يحدث لو أراد الله إنقاذ المسيح من القبض عليه وصلبه ؟؟!! †ما هي الوسيلة التي يمكن أن يلجأ إليها في ذلك والتي تتناسب مع عدله وعظمته ؟؟!! †وما هي النتيجة التي تعود على البشرية بعد ذلك؟؟!! ولدينا علي هذه الأسئلة إجابتان إحداهما خارج الكتاب المقدس والتقليد والعقيدة المسيحيّة: 1 – تقول الأولى : أنَّ الله لكي ينقذ المسيح ألقى شبهه علي آخر وجعله يُصلب بدلاً منه فظنّ تلاميذه ورسله وأمّه أنَّ المسيح هو الذي صُلب ، فخّدعوا ولم يعرفوا ولم يقلْ لهم أحد أنَّ الذي صُلب هو غير المسيح، وصاروا في ضلال مبين !!!!! وعلّموا الناس بهذه الخدعة والضلالة التي سقطوا فيها !!!!! وهكذا صار جميع المسيحيين مخدوعين وضالّين ومضلّلين !!!!! ومن ثم كانت النتيجة أنَّ الله أرسل رسولاً لهداية البشر فأنقذه من الموت بطريقة خادعة ضلّلت ملايين المليارات من البشرية ؟؟! وكان عليهم أنْ يُعانوا من نتيجة
إيمانهم هذه، التي لا ذنب لهم فيها، في جهنّم إلي أبد الآبدين، هكذا بدون ذنب ولا جريرة ؟؟؟!!!!! وهنا يقول أحدهم كيف تقولون ذلك علي الله ؟؟!! الله لم يضلّكم بل أنتم من ضللتم أنفسكم !!! ونسأله كيف ؟؟!! هل نحن الذين قلنا بإلقاء شبه المسيح علي آخر ثم قلنا أنَّه هو الذي صُلب ؟؟!! أم أنَّ كرازة تلاميذ المسيح ورسله هي التي بشّرتنا بصلب المسيح وقيامته من الموت ؟؟!! وإذا كان التلاميذ هم الذين بشّرونا بذلك ، فمن الذي أضلّ التلاميذ ؟؟!! وإذا قيل لنا أنَّ التلاميذ ليسوا هم الذين كتبوا الأناجيل، بل كتبها آخرون وهم الذين قالوا بذلك !!! نقول إنَّ كتابة التلاميذ للإنجيل بأوجهه الأربعة وبقيّة أسفار العهد الجديد ثابتة بالدليل والبرهان، ولو افترضنا غير ذلك، نقول ؛ هل أرسل الله المسيح ثم ألقى بشبهه علي آخر وترك الناس تعتقد أنًّ الذي صُلب هو المسيح وراحوا يكتبون الكتب ويُسجّلون فيها ذلك، وترك الله البشريّة تصدّق ما جاء في هذه الكتب، ولم يحاول تصحيح هذا الخطأ المزعوم ؟؟؟!!! وإذا قيل أنَّ القرآن جاء وصحّح هذا الخطأ بقوله " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ " !! نقول أولاً : ما هو الخطأ الذي جاء يصحّحه ؟؟ هل صحّح هذه الضلالة الكبري والغش والخداع المنسوبين لله ؟؟ أم صحّح ما نُسب لله من ضعف وعجز ؟؟؟ أم صحّح ما نُسب لله من عدم تقدير الأمور وجهل بما سيقع في المستقبل ؟؟!! أم صحّح وصف الله بصفات آلهة الأساطير اليونانيّة والرومانيّة والهنديّة والفارسيّة وغيرها ؟؟؟!! وثانيا : أنَّ النصّ كما بيّنا وكما فسّره كل علماء المسلمين غير واضح مما جعلهم يفسّرونه بتفاسير تراوحت بين إلقاء شبه آخر عليه دون الرجوع إلا للنصّ وحده
لعدم وجود أيَّة تفاصيل عن ذلك سواء في القرآن أو في السنة، أو بنقل الروايات الخرافيّة والإسرائيليّات عن جهلاء اليهود والنصاري العرب، وبين القول بحقيقة صلبه كما جاء في الكتاب المقدّس، أو بصلبه وعدم موته علي الصليب، مع اعتراف القائلين بالصلب بعدم معقوليّة ومنطقيّة إلقاء شبهه علي آخر !!! 2 - الإجابة المسيحية : وهي كما أوضح لنا الكتاب المقدس والتاريخ بصفة عامة أنَّ المسيح قبض عليه فعلاً ومات حقًـا وقام حقًـا ، وأنَّه لو أراد الله إنقاذه من الصلب والموت لكان هناك آلاف الوسائل التي كان في إمكانه استخدامها دون اللجوء للطرق التي لا تليق بعظمة الله وجلاله والتي تؤدّي بالبشريّة إلي الضلال. فقد كان في إمكان السيد المسيح، وهو يعلم أنَّ يهوذا ذهب ليُرشد مُسَلّميه إلي مكان اجتماعه، أنْ لا يذهب إلي ذلك المكان بالمرّة أو أنْ يخرج من أورشليم نهائيًا، كما سبق وحدث، كما يقول الكتاب " وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَلِيلِ لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ. " (يو7/1)، لأنَّ ساعته لم تكنْ قد جاءت بعد. كما كان في إمكان الله أنْ يصرف نظر اليهود عن ذلك، كما حدث أكثر من مرة، يقول الكتاب " فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَداً عَلَيْهِ لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ. " (يو7/30)، " هَذَا الْكلاَمُ قَالَهُ يَسُوعُ فِي الْخِزَانَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ. وَلَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ." (يو8/20) . كما كان في إمكانه أن يترك مُسَلّمِيه مُلقين علي الأرض ويذهب مع تلاميذه بسلام. وكان للسيد المسيح مع اليهود عدّة مواقف أثناء خدمته قرّروا فيها إعدامه سواء بقتله أو إلقائه من علي الجبل أو رجمه ومع ذلك نجا منهم بقوة إلهيّة دون اللجوء إلي خديعتهم وخديعة المؤمنين بعد ذلك ومن أهم هذه المواقف ما يلي : 1 - كانت أولي محاولات قتل المسيح وهو طفل عندما قرّر هيرودس قتله فأمر الملاك يوسف النجار خطيب مريم العذراء أنْ يأخذ الطفل وأمّه ويهرب إلي أرض
مصر قائلا " قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ " ففعل يوسف كما أمره الملاك وظل في مصر حتى مات هيرودس (مت 2/7-15) . وهكذا نجا الطفل يسوع من القتل، بحسب ترتيب الله ومشورته الإلهيّة، دون اللجوء إلي أي وسيلة لا تتفق مع جلال الله وعظمته. 2 - وفي مجمع الناصرة وبّخ اليهود علي عدم إيمانهم، يقول الكتاب : " فَامْتَلأَ غَضَباً جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ حِينَ سَمِعُوا هَذَا . فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ. أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى. " (لو4/28-30) !!! لقد قرّروا قتله بإلقائه من علي الجبل وأخذوه إلي هناك وهمّوا بطرحه من علي الجبل ولكنّه بقوّة إلهيّة " جَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى" دون أنْ تستطيع مدينة بأكملها أنْ تمسّه، وذلك دون اللجوء لوسيلة لا تتفق مع جلال الله وعظمته !!! ألم يكن في استطاعته أنْ يفعل ذلك عندما جاءوا للقبض عليه في البستان ؟!! 3 - وفي الهيكل في أورشليم كان يقف ويعلّم جهارًا ومع أنَّه كان هناك أمرًا بالقبض عليه وقتله وكانت الجموع تتساءل أليس هذا هو الذين يطلبون أنْ يقتلوه ؟ " ، ولما طلبوا " أن يمسكوه " يقول الكتاب : " وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَداً عَلَيْهِ لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ. " (يو7/30)، وهنا ألقي الله في قلوبهم أنْ لا يمسكوه لأنَّ الوقت المعيّن من قِبَل الله لذلك لم يكن قد حان بعد. ألم يكن في استطاعة الله أنْ يفعل ذلك ثانية لو أراد إنقاذه من الصلب ؟!! 4 - وفي الهيكل أيضًا قال السيد لليهود : " قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ " ففهموا من كلامه إعلاناً للألوهيّة في ذاته فقرّروا رجمه بتهمة أنَّه جَدَّف علي الله وبالفعل شرعوا في التنفيذ " فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ." وهموا بذلك، ويقول الكتاب :
ويذكر القديس لوقا إبراء أذن ذلك العبد التي قطعها بطرس " وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى.فَقَالَ يَسُوعُ: «دَعُوا إِلَى هَذَا!» وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا. " (لو22/50-51). ويضيف القديس متى " فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ " (مت26/52-53) . وهنا لنا تعليقين :الأول هو أنَّه لو أراد الله إنقاذ المسيح من الموت سواء عن طريق الصليب أو عن طريق أي وسيلة إعدام أخري، كما يقول هو له المجد، لكان الله قد قدم له " أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ " !!! وإذا كانت الكتيبة الرومانية في ذلك الوقت تتكون من 6000 جندي وضابط فكم وكم يكون عدد جيشا كاملاً ؟؟!!! وإذا كان ملاكًا واحدًا قد أهلك من جيش الآشوريين مئة ألف وخمسة وثمانين ألفا في ليلة واحدة (2مل19/35) ، فماذا يفعل " أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ " مع الذين جاءوا للقبض عليه لو أراد الله إنقاذه من أيديهم ؟؟؟!!! والثاني هو قوله " فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟ " (مت26/54) ، أو كما قال ليهوذا " إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. " (مت26/24)، أو كما يقول الكتاب " أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى. " (يو13/1) . هذه بعض المواقف التي تقرّر فيها إعدام المسيح وقتله ومع ذلك نجا منها بقوّة إلهيّة أمام الجميع دون اللجوء إلي الطرق التي لا تتفق مع جلال الله وعدله وعظمته، وبالطبع لو أراد الله إنقاذه من الصلب لكان في إمكانه أنْ يفعل ذلك بإحدي الوسائل والطرق أو غيرها مما يتّفق مع جلال الله وعظمته وبما لا يوقع ملايين
الملايين من البشر علي مر الأجيال فيما لا يتّفق مع قدرة الله وعظمته وجلاله الغير محدود.
4 - إنقاذ أنبياء آخرين من الموت : أهلك اليهود علي مرّ الأجيال الكثير من أنبيائهم حتي أنَّ الرب يسوع المسيح قال لهم: "وَيْلٌ لَكُمْ لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَآبَاؤُكُمْ قَتَلُوهُمْ." (لو11/47)، ومع ذلك شاءت إرادة الله أنْ ينقذ بعض الأنبياء من الموت، منهم من نجا بالطرق العاديّة كالإختفاء من أمام وجه طالبي قتلهم ومنهم بالهرب وترك المكان المطلوبين فيه، كما فعل السيد المسيح نفسه في بعض الأحيان عندما كان يري أنَّ ذلك أفضل مثلما حدث قبل الفصح وبعد أنْ طلب اليونانيّين رؤيته، يقول الكتاب: " تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ. " (يو12/36) ، وكما حدث بعد إشباع الجموع عندما أرادوا " أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكاً انْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ." (يو6/15)، أو عندما " لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ." (يو7/1)، أو عندما ذهب إلي العيد في أورشليم " لاَ ظَاهِراً بَلْ كَأَنَّهُ فِي الْخَفَاءِ." (يو7/10) . كما أنقذ الله بعض الأنبياء إمّا برفعهم إلي السماء جهارًا أمام الجميع أو بانتصارهم علي أعدائهم أو بسحق أعدائهم. وهذه بعض الأمثلة : 1 - يذكر لنا الكتاب أنَّ أخنوخ السابع من آدم كان رجلاً بارًا وسار في طريق الله وكما يذكر القديس يهوذا في رسالته أنَّه تنبّأ عن معاقبة الله للفجار (يه14) ، ويبدو أنَّ الله أراد أنْ ينقذه من هؤلاء الفجار فنقله إليه، إذ يقول الكتاب " وَسَارَ اخْنُوخُ مَعَ اللهِ وَلَمْ يُوجَدْ لانَّ اللهَ اخَذَهُ. " (تك5/24)، لقد نقله الله إليه بمعرفة الجميع دون اللجوء لأي وسيلة لا تتّفق مع عدل الله وجلاله وعظمته. 2 - وعندما أراد فرعون بجيشه أنْ يلحق ببني إسرائيل أثناء خروجهم من مصر ويُهلكهم عند البحر الأحمر أمر الله موسي أنْ يضرب البحر بعصاة فأنشقّ البحر
وصار فيه طريق يابس فسار فيه بنو إسرائيل ولما تعقبهم فرعون بجيشه عاد البحر إلي ما كان عليه وغرق فرعون بجيشه ونجا موسي ومن معه (خر 14/15-29). أفلم يكن الله قادرًا أنْ يفعل مثل ذلك عندما جاءوا للقبض علي المسيح ؟!! 3 - وعندما تآمر قورح بن بصهار مع بعض الشعب ضد موسي وهارون وكان ذلك ضد إرادة الله لذا سحقهم أمام الشعب " انْشَقَّتِ الأَرْضُ التِي تَحْتَهُمْ وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلعَتْهُمْ وَبُيُوتَهُمْ " (عدد 16/1-33). وهكذا أمام الجميع، وكان في إمكان الله أنء يفعل ذلك أو مثله مع أعداء المسيح دون الحاجة للجوء إلي ما لا يتّفق مع جلال الله وعدله وعظمته . 4 - وعندما أراد الملك أخاب أنْ يُهلك إيليّا النبيّ صلّي إيليّا أنء لا تمُطر السموات ثلاث سنين ولما طلبه الملك اختفى وجعل الغربان تعوله (1مل17) . ولما أراد الله أنْ ينقله إلي السماء أخذه في العاصفة إلي السماء أمام تلميذه إليشع وبمعرفة بنو الأنبياء (2مل 11/2)، ولم يكن ذلك خفيًا بل معلومًا للجميع. وبالطبع كان في إمكان الله أنْ يرفع المسيح بمثل هذه الطريقة أمام الجموع، فيتمجّد الله ولا يقع أتباع المسيح في ضلالة كبري، حاشا لله منها !! لو أراد الله إنقاذ المسيح من الصلب والموت لكان أليق بجلاله وعظمته وقدرته الكليّة أنْ يُنقذه بصورة واضحة وجليّة وظاهرة بأنْ يرفعه أمام الجميع كما فعل مع أخنوخ وإيليّا أو أنْ يسحق أعداءه كما فعل مع جيش فرعون ومع قورح ومن تبعه أو أنْ يجتاز في وسطهم ويمشي دون أنْ يمسّوه كما فعل عندما حاولوا إلقائه من علي الجبل وعندما حاولوا رجمه عدة مرات، فيتمجد الله أمام الجميع ولا يقع الشعب في ضلالة كبري. يقول الكتاب : " إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. " (1يو1/5). كما أن " ليْسَ اللهُ إِنْسَاناً فَيَكْذِبَ وَلا ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَل يَقُولُ وَلا يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلمُ وَلا يَفِي؟" (عد23/19) .
كان موضوع صلب المسيح وقيامته بالنسبة للرب يسوع المسيح نفسه ليس مجرد نهاية حياة علي الأرض أو حتي مجرّد استشهاد مثل بقيّة الشهداء، كما أنَّه لم يكن ابن ساعته أو يومه، أو مجرّد حكم بالإعدام تمّ باستخدام وسيلة إعدام هي الصلب، وإنما كما أعلن الرب يسوع نفسه وكما أعلن الوحي الإلهي في العهد الجديد، كان أمرًا محتومًا منذ الأزل، ومعروفًا سابقًا قبل العالم،كقول القديس بطرس بالروح القدس : " دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلَكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، " (ابط1/19-20)، أو كما قال ، لليهود بالروح القدس : " هَذَا (يسوع المسيح) أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. " (أع2/23). ويؤكّد الرب يسوع المسيح أنّه ما جاء، بالدرجة الأولي، إلا لهذا السبب " لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. " (يو3/16-17). وكان يُسَمّي وقت صلبه بالساعة، أي الساعة المعيّنة التي سيتمّ فيها صلبه، وأنَّه ما جاء إلاَّ لأجل هذه الساعة: قال لتلاميذه قبل العشاء الرباني " قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ.... اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ. ...وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ».
قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ. " (يو12/23-32) . وبعد خطابه الوداعي لتلاميذه بعد العشاء قال لهم " لَكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ." (يو16/4). وبعد انتهاء خطابه الوداعي وقبل القبض عليه بلحظات يقول الكتاب " تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً " (يو17/1). 1 – نبواته وإعلاناته عن آلامه وصلبه منذ بداية خدمته : وفيما يلي أهم نبوّات وإعلانات الرب يسوع المسيح عن القبض عليه ومحاكمته وآلامه وصلبه وموته وقيامته : (1) برغم أنَّ الرب يسوع المسيح صنع أمام جموع اليهود معجزات عديدة لا حصر لها إلا أنّهم طلبوا منه آية، معجزة كبري تبرهن علي صحة رسالته !! وقالوا له " يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». فَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ. " (مت12/38-41). وفي إجابته عليهم يقدّم لهم أكبر وأعظم آية وهي موته ودفنه ثلاثة أيام ثم قيامته من الموت التي هي لكل الأجيال وليس فقط لذلك الجيل، كما كانت آية يونان لأهل نينوي، فهو الأعظم " هُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا! ". فمعجزة قيامة المسيح من الموت هي الوحيدة الباقية إلي الأبد. (2) وفى حادثة تطهير الهيكل المذكورة في الإنجيل الذي دونه القديس يوحنا بالروح القدس طلبوا منه أيضا أن يقدم لهم آية تبرهن على سلطانه الذي يعمل به ويتكلم به ، وكانت آيته لهم " انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ " ، ولم يكن
يقصد هيكل سليمان الذي أعاد بناءه هيرودس الكبير ، وكان الهيكل قد أعيد بناؤه حتى وقت المسيح في " ست واربعين سنة " وإنما كان يشير إلى هيكل جسده ؛ " وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ. " (يو2/18-22). وكأنَّه كان يقول لهم: اقتلوا هذا الجسد، جسد المسيح، وسوف يقوم في اليوم الثالث، إذ أنَّ أعظم آياته هي موته وقيامته من الموت في اليوم الثالث. (3) ولما جاء إليه أحد معلمي الناموس وعضو السنهدرين الأعظم ويُدعي نيقوديموس, ليلاً، وعلّمه الرب يسوع معني الولادة الجديدة، أعلن له عن سرّ الفداء الذي لابد أنْ يتمّ بآلامه وموته مصلوبًا وقيامته من الأموات مصوّرًا له عملية الصلب بمثال الحيّة النحاسيّة التي رفعها موسي النبي في البريّة، بناء علي أمر الله، وكلّ من نظر إليها ممن لدغته الحيّات يُشفى " وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. " (يو3/14-15) . (4) وبعد معجزة إشباع خمسة آلاف رجل غير الذين كانوا معهم من نساء وأطفال بخمسة أرغفة وسمكتين نادى أمام كل هذه الجموع قائلاً: " أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. 000 أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ 000 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ000 مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. " (يو6/48-56). والإشارة هنا واضحة إلي آلامه وسفك دمه وتقديم جسده علي الصليب. (5) وفي نواحي قيصرية فيلبس كشف الوحي الإلهي للقديس بطرس الرسول عن حقيقة وشخص الرب يسوع المسيح وهو " الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ" (مت16/16) ،
(13) وبعد دخوله الانتصاري الأخير لأورشليم واحتدام الصراع بينه وبين رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ أعطاهم مَثَل الكرم والكرامين وكشف لهم من خلاله كيف أنَّ الله سلّمهم الكرم ولكنهم لم يعطوه من " ثَمَرِ الْكَرْمِ" فَقَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ أُرْسِلُ ابْنِي الْحَبِيبَ. لَعَلَّهُمْ إِذَا رَأَوْهُ يَهَابُونَ! فَلَمَّا رَآهُ الْكَرَّامُونَ تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ قَائِلِينَ: هَذَا هُوَ الْوَارِثُ. هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ لِكَيْ يَصِيرَ لَنَا الْمِيرَاثُ. فَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. " (لو20/9-16) . وهو هنا يُشير إلي نفسه بالابن الحبيب الذي قتلوه. (14) وفي أورشليم طلب " أُنَاسٌ يُونَانِيُّونَ مِنَ الَّذِينَ صَعِدُوا لِيَسْجُدُوا فِي الْعِيدِ" من فيلبس أنْ يروا يسوع وكانت إجابة الرب يسوع علي هذا الطلب " قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ." ، ثم أضاف " وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ».قَالَ هَذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ. " (يو12/20-33) . والجملة الأخيرة هي تعليق إيضاحي لمعنى كلام المسيح مؤكدًا أنَّ قصده هو الموت معلقًا علي الصليب. (15) وقبل عيد الفصح بيومين قال لتلاميذه " تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ " (مت26/2). هل يُوجد إيضاح أكثر من هذا ؟ بالطبع لا، فالرب يسوع المسيح كان يتطلّع دائمًا لهذه الساعة، ساعة الصلب. 2 - نبوّاته وإعلاناته عن آلامه وصلبه أثناء العشاء الرباني : وفي يوم الخميس قام الرب يسوع المسيح مع تلاميذه بعمل الفصح تمهيدًا لتقديم ذاته في اليوم التالي، الجمعة، في نفس الوقت الذي كان يذبح فيه اليهود خروف الفصح، أي يقدّم ذاته كالفصح الحقيقيّ، الحمل الحقيقيّ، في نفس الوقت الذي يُذبح فيه خروف الفصح الرمزيّ.
-99- فقد ذهب فيه إلى أورشليم في العيد لأجل هذا السبب، يقول الكتاب " وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لاِرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ " (لو9/51). وأثناء تناول الفصح قال لتلاميذه "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي" (يو13/21). وبعد دهشة التلاميذ واستفسارهم أشار إلي يهوذا الاسخريوطي (يو13/26)، وقال " إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ" (مت 26/24ومر21:1414/21)، ثم قال ليهوذا " مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ" (يو13/27). وغمس لقمة وأعطاها له " فَذَاكَ لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً. " (يو13/30)، خرج يهوذا إلي رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ لكي يسلّم لهم يسوع في تلك الليلة لأنَّه يعرف المكان الذي سيجتمع فيه الرب يسوع مع تلاميذه. وبعد خروج يهوذا بدأ الرب يُعدّ للعهد الجديد الذي كان علي وشك أنْ يُعلنه بدمه، وبدأ بمراسم هذا العهد الجديد، وقدّم العشاء الربّاني، الخبز والخمر، أو الجسد والدم الذي كان علي وشك أنْ يُقدّمهما علي الصليب " وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. " (مت26/26-28) ، وهذا الخبز هو الذي سبق أنْ قال عنه " وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ" (يو6/51)، وهذا الدم هو الذي سبق أنْ قال عنه " وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ." (يو6/55)، " مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. " (يو6/56). 3 - نبواته وإعلاناته عن آلامه وصلبه في خطابه الوداعي : وبعد عشاء الفصح والعشاء الرباني خرج الرب يسوع مع تلاميذه متوجهين إلي جبل الزيتون حيث بستان جيسماني وفي الطريق بدأ يكشف لهم ما سيحدث له في تلك الليلة "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ.
فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ." (يو16/19-22) . هذه أهم نبوّات وإعلانات الرب يسوع المسيح عن حتميّة آلامه وصلبه وموته وقيامته من الموت في اليوم الثالث والتي كان يرددها دائمًا منذ بداية خدمته الجهاريّة وحتي القبض عليه، وإنْ كان تكرارها قد إزداد كثيرًا في أيامه الأخيرة، خاصّة في رحلته الأخيرة إلي أورشليم وقبل القبض عليه مباشرة، حتي يكون التلاميذ علي بيّنة لكل ما سيحدث له. فهل يُمكن لأحد بعد ذلك أنْ يدّعِي غير ذلك ؟! أو أنْ يُنكر ما قاله الرب يسوع المسيح عن حتميّة آلامه وصلبه وقيامته ؟! قال الأستاذ خالد محمد خالد " لقد كان الصليب الكبير الذي أعده المجرمون للمسيح يتراءى له دومًا " (معًا على الطريق ص 34،131) . وقال الأستاذ منصور حسين في كتابه دعوة الحق " أن المسيح عليه السلام كان عالماً بأنَّه سيُصلب وبهذا أخبر تلاميذه ". ثم يُفاجئنا بعد ذلك أنَّه غيّر رأيه وتراجع عن قراره وصُلب يهوذا بدلاً منه !!!!!! فهل يحتاج مثل هذا الكلام إلي تعليق ؟! قال الرب يسوع المسيح " اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ." (مر13/31) .
تنبّأ أنبياء العهد القديم ابتداء من إبراهيم إلي ملاخي بكل تفصيلات حياة المسيح وكانت قمّة نبوّاتهم عن صلب المسيح وقيامته. وهذه النبوّات التي سجّلوها بالروح القدس في أسفارهم كان علماء اليهودية يعرفون بعضًا منها ولكن عندما جاء الرب يسوع المسيح كشف عن كل هذه النبوّات وشرحها وفسّر مغزاها لتلاميذه ورسله، كما فسر بعضها أمام الجموع وبصفةٍ خاصّةٍ أمام رؤساء الكهنة والكتبة والفرّيسيون. وقال لهم في أكثر من مناسبة : †" فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. " (يو5/39) . †" أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ" (يو8/56) . †" لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي" (يو5/46) . وفي (متى22/42-45) اتفق المسيح ورؤساء اليهود علي أنَّ داود تنبأ عن المسيح ودعاه " ربه " " قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي" . وأكّد هذه الحقيقة أمام تلاميذه مرّات كثيرة مثل قوله " لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ "(لو22/37). وفي العشاء قال لهم مشيرا إلي يهوذا " أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لَكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ." (يو13/18). وقال ليهوذا محذرًا " إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ" (مت26/24ومر14/21).