من رجال القرن الرابع الميلادي، كان أبًا لاثني عشر راهبًا ببلاد الفرس. في بداية الاضطهاد الذي أثاره الملك سابور الثاني - سنة 340م - اُلقي القبض على هذا الأب ورهبانه، واُقتيدوا مقيدين إلى مدينة إستاخر Istachr، بالقرب من آثار مدينة برسيبولس Persepolis. . بذل الوالي كل الجهد لكي يجحد هؤلاء الرجال مسيحهم، مستخدمًا كل وحشية ضدهم، أما هم فكانوا يشهدون لمسيحهم بفرحٍ وثباتٍ. صدر الأمر بقطع رؤوسهم، فتهللت الجموع الوثنية، وكان الكل يلتف حولهم وهم مقتادين بالعسكر إلى موضع الاستشهاد. وكان في ذلك الوقت أحد الأغنياء وعائلته منطلقين خارج المدينة، فنظر إلى هذا الأب وهو يتقدم ليمسك راهبًا فراهبًا ويذهب بهم بنفسه إلى السياف كمن يقدمه ذبيحة حب لله. رأى الرجل صليبًا بهيًا أشرق على أجساد الشهداء، فالتهبت نفسه شوقًا لمشاركتهم أمجادهم. همس الغني Mazdean في أذنيْ الأب ليمسكه الأخير بيده ويقدمه للسياف، ويعود فيكمل عمله مع بقية الرهبان، وأخيرًا تقدم هو للسياف بفرحٍ. أسرعت زوجة الرجل وأولادها لينالوا هم أيضا نصيبهم مع هذه الجماعة المقدسة.
أحد قديسي القرن الثالث عشر، عاش في وسط الضيق الشديد يحمل إيمانًا حيًا، لا ليدوس على الحيات والعقارب فحسب وإنما ليقدم تعزيات الروح القدس للنفوس المتألمة، هذا وقد وهبه الله صنع الآيات و العجائب. وُلد سنة 1257م من أبوين تقيين، وكان والده يدعي الوجيه مفضل، اتخذته الملكة شجرة الدر كاتمًا لأسرارها. تقبلاه الوالدان كعطية إلهية ثمرة صلوات وأصوام طويلة، لذا ربياه في مخافة الله واهتما بحياته الروحية ودراسته في الكتاب المقدس. توفى والده وبعد عام توفيت والدته، فطمع خاله في الميراث، أما برسوم فلم يدخل مع خاله في خصومة، متذكرًا قول الحكيم: "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح" (جا 1: 2). وإذ حاول بعض أقاربه أن يثيروه ليقاضي خاله رفض تمامًا. حبه للوحدة انطلق خارج الفسطاط ليعيش في مغارة، يحتمل حرّ الصيف وبرد الشتاء، غير مبالٍ بما يصادفه من مخاطر البرية. عاش خمس سنوات في حياة نسكية جادة مع صلوات ومطانيات بلا انقطاع، يرتدي منطقة من جلد الماعز على حقويه، لذا دعي بالعريان. في مغارة أبي سيفين أرشده الله إلى كنيسة الشهيد أبي سيفين "مرقوريوس" بمصر القديمة، إذ كان بها مغارة بجوار الباب البحري، لا تزال إلى يومنا هذا، وكان بها ثعبان ضخم بسببه امتنع الناس من النزول إليها. حاول القديس أن ينزل المغارة فمنعه خدام الكنيسة مظهرين خوفهم عليه، أما هو فبإيمان بسط يديه نحو السماء وصلى، قائلاً: "يا ربي يسوع المسيح ابن الله الحيّ، أنت الذي أعطيتنا السلطان أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو. أنت الذي وهبت الشفاء لشعب إسرائيل الذين لدغتهم الحيات عندما نظروا إلى الحية النحاسية، الآن أنظر أنا إليك يا من عُلقت على الصليب لكي تعطيني قوة أستطيع بها مقاومة هذا الوحش". وإذ رشم نفسه بعلامة الصليب تقدم نحو الثعبان، وهو يقول: "تطأ الأفعى والحيات، وتدوس الأسد والتنين ..." (مز 27: 1) ، فنزع الله من الثعبان طبعه الوحشي، وصار مرافقًا له في المغارة حوالي 20 عامًا. فاحت رائحة المسيح الذكية فيه فجاءت الجموع من كل مدينة تطلب صلواته وبركته. مساندته للمتضايقين في أيامه اجتازت الكنيسة ضيقة شديدة في أواخر سلطنة خليل بن قلاوون، إذ أُغلقت الكنائس في كل القطر ماعدا الإسكندرية، وصدر الأمر بلبس العمائم الزرقاء. أما القديس برسوم فكان مستمرًا على صلواته في الكنيسة، رافضًا لبس العمامة الزرقاء. وشى به البعض لدى الوالي فأمر بجلده وحبسه ثم أطلقه فسكن على سطح الكنيسة يقدم صلوات ومطانيات بدموعٍ لكي يرفع الله غضبه عن شعبه ويغفر لهم خطاياهم ويحنن قلوب المتولين عليهم. وُشى به إلى الوالي مرة أخرى فتعرض للضرب بالسياط والحبس ثم أُفرج عنه ليذهب إلى دير شهران بجهة معصرة حلوان. وهناك عاش في حياة نسكية شديدة، وكانت نعمة الله تسنده، ووهبه الله عطية صنع العجائب. وكان كثير من المتضايقين يأتون إليه ليجدوا فيه راحة سماوية، وبصلاته رفع الله الضيق. في 5 نسيء تنيح القديس وهو في الستين من عمره. مكتبة المحبة: أنبا برسوم العريان، القاهرة 1978.
اسقف نسطوري ( حوالي 420 - 490م)، فتح له الملك الفارس باب قصره، أنشأ مدرسة لاهوتية وبذل كل جهده لنشر النسطورية. وقد حاول أن يجعل من إيبارشية نصيبين إيبارشية مستقلة عن سلوكية ستسيفون
-----------------
برسوما الأب
تحتفل الكنيسة القبطية بعيد نياحة القديس برسوما أب رهبان السريان Barsumas the Syrian في التاسع من شهر أمشير (تنيح عام 458 م). والداه من ساموساط، تنبأ عنه رجل قديس قبل ولادته، قائلاً لوالديه: "سيخرج منكما ثمر صالح، وينتشر ذكره في الأرض". وقد تحقق ذلك، فإنه إذ كبر برسوما قليلاً ترك والديه وقصد نهر الفرات حيث أقام زمانًا عند رجل قديس يُدعى إبراهيم يتتلمذ على يديه. أحب برسوما الوحدة فانفرد في الجبل، واجتمع حوله كثيرون يتتلمذون على يديه. وإذ كان الماء هناك مالحًا صلى إلى الله فصّيره عذبًا . وكان جادًا في نسكياته حتى صار يأكل مرة واحدة في الأسبوع أحيانًا، وقد وهبه الله عطية صنع الآيات. وإذ حدث غلاء في البلاد صلى إلى الله فرفعه. كان معاصرًا للقديس سمعان العمودي، الذي لما علم به زاره وتبارك الاثنان من بعضهما. كان مقاومًا للنسطورية؛ اشترك في مجمع أفسس بدعوة من الملك ثيؤدوسيوس الصغير الذي أكرمه جدًا. عند انعقاد مجمع خلقيدونية المشئوم سنة 451م طلب الملك مرقيان عدم حضوره، ولكنه قاوم أعمال المجمع فتعرض لشدائدٍ كثيرةٍ. قبل نياحته بأربعة أيام أعلمه الملاك بانتقاله، فجمع الكثيرين، وثبتهم على الإيمان المستقيم، ثم باركهم، وعند نياحته ظهر نور قائم على باب قلايته. السنكسار: 9 أمشير.
القديس برسيماس أو برثيماوس St. Barsimaeus هو أسقف الرُها، يعتبر الأسقف الثالث للرها بعد الرسول تداوس. اشتهر هذا الأب بكرازته الناجحة حيث آمن على يديه عدد كبير من الوثنيين قدمهم أيضًا للاستشهاد لينال معهم الإكليل في أيام تراجان.
-----------------
برصنوفيوس الأب
يعطي اليونان كرامة عظيمة للأب برصنوفيوس Barsanuphius ، حتى وضعوا أيقونته بجوار أيقونتي القديسين أنبا آفرام وأنبا أنطونيوس في كنيسة أجيا صوفيا بالقسطنطينية. مصري المولد، عاش في قلاية مجاورة لدير في غزة بفلسطين وذلك في عهد الإمبراطور جوستنيان. قيل أنه لم يكن يلتقي بأحد أو يتصل بإنسان إلا خلال المراسلة، لذا يعتقد اليونان أنه لم يكن يأكل طعامًا أرضيًا. يروي أوغريس أو إيفاجريوس أن أوستاخيوس بطريرك أورشليم شك فيما سمعه عن حياة هذا الناسك فأمر بتحطيم جزء من حائط في القلاية للتأكد من حقيقة حياته، لكن نارًا انطلقت نحو الذين حاولوا إتمام هذا. أيا كان أمر تقشفه فقد كتب هذا المتوحد إلى آخرين ينصحهم بالاعتدال في الأكل والشرب والنوم والملبس بما يناسب حدّ الكفاف. كان يهتم جدًا بالكتابة لفاقدي الرجاء مؤكدًا الالتزام بالرجاء في الله غافر الخطية تنيح حوالي عام 550م. من كلماته كن عبدًا خاصًا لسيدٍ واحدٍ، ولا تكن عبدًا لكثيرين. إن لم يترك التلميذ رغباته خلفه، ويخضع في كل شيء ويتضع، لن يبلغ مدينة السلام. الاتضاع يجعل الإنسان مسكنًا لله هذه السكنى تطرد الأعداء الأشرار مع كافة الأهواء الرديئة، وتحطم الشيطان رئيسها، فيصير الإنسان هيكلاً لله طاهرًا مقدسًا مستنيرًا فرحًا ممتلئًا من كل رائحة طيبة وصلاح وسرور، ويصبح الإنسان لابسًا لله. نعم ويصير إلهًا، لأنه قال: "أنا قلت أنكم آلهة، وبني العلي تدعون"، وحينئذ تنفتح عينا قلبه، وينظر النور الحقيقي، ويفهم أن يقول: إني بالنعمة خلُصتُ بالرب يسوع المسيح. محبة المسيح غربتنا عن البشر والبشريات. مُتْ بالتمام لكي تحيا بالكمال بالمسيح يسوع ربنا. الجلوس في القلاية إنما هو الدخول إلى القلب وتفتيشه، وضبط الفكر من كل شيء رديء، وقطع الهوى.
يسمى أيضًا برشنوفيوس، أو أوسافيوس. راهب عاش في كنيسة آفا مينا بفم الخليج، كان يجاهد في عبادته بمطانيات كثيرة وصلوات متواصلة، يأكل مرة كل يومين. وُشى به لدى القضاة، فاستدعوه وعذبوه وأخيرًا قطعوا رأسه (في القرن السابع)، في 13كيهك.
-------------------
برصنوفيوس الشهيد2
تحتفل الكنيسة بعيد استشهاد القديس برصنوفيوس Barsenuphius أو ورشنوفيوس أو ورشنوفه Warshanoufa أو أورشنوفيوس Ouarshanoufa في 29 من أبيب. اتسم هذا القديس بالعلم مع التقوى والورع فاعتزل في البرية يمارس الحياة النسكية الهادئة، وإذ سمع عنه كثيرون طُلب للأسقفية فلم يقبل إذ كان يخشى الكرامة الزمنية، لذا هرب إلى بلدة كحمون حيث نزل عند سيدة تدعى صوفيا مع ابنيها ادمون وابستيمون Epistemoun، وهي عائلة تقية محبة لله. في الليل ظهر ملاك الرب للقديس وطلب منه أن يمضي إلى الوالي ليعترف بالسيد المسيح، ففرح جدًا، وأخبر الأخين وأمهما بذلك، ثم أراد أن ينطلق فأصر الأخان أن يشاركاه إكليله. انطلق الكل إلى الوالي في بلبيل Balbil حيث اعترف الثلاثة بالإيمان ونالوا عذابات قاسية. من هناك رُحلوا إلى سنهور حيث لحقت بهم الأم صوفيا وأصرت أن تشاركهم عذاباتهم وأكاليلهم. هناك عُذبوا واُلقوا في السجن حيث ظهر لهم ملاك يقويهم. نقلوا إلى صا حيث جُمع المعترفون وقُرأ عليهم منشور دقلديانوس الذي يُلزم المؤمنين بجحد مسيحهم، فغار القديس ورشنوفه واندفع بقوة نحو الوالي وخطف منه المنشور ومزقه. غضب الوالي جدًا وأعد أتونًا ضخمًا ألقي فيه القديس لينال إكليل الاستشهاد في 29 أبيب، بينما استشهد الأخان وأمهما قبله في 10 من شهر أبيب.
جمع الإمبراطور يوليانوس الجاحد في عيد ميلاده أرباب الملاهي العالمية المشهورين، وكان من بينهم ممثل وثني يدعى بروفوريوس أو بورفيروس Porphry، وكان من عادة الوثنيين تقليد المسيحيين كنوعٍ من السخرية، فإذ بلغ تقليد المعمودية بنوع من التهكم رشم على المياه علامة الصليب باسم الآب والإبن والروح القدس ثم غطس فيها، وصعد ليلبس الثياب البيضاء، وكان الكل يضحك ساخرًا؛ ثم وقف بروفوريوس أمام الإمبراطور يشهد أنه مسيحي، فحسب ذلك أحد أدوار التمثيلية، لكنه صار يشدد أنه مسيحي. دُهش الملك وكل الحاضرين، وإذ رآه جادًا في حديثه سأله عن السبب، فأجاب أنه إذ غطس في المياه أبصر نعمة الله حالة على المياه، وأضاء الرب عقله، وأن نورًا كان يشع من المياه. إذ شعر الإمبراطور أن من جاء به ليسخر بالمسيحيين صار كارزًا بالمسيحية على مشهد من العظماء وكل الشعب، صار يتوعد الرجل ويهدده في ثورة عنيفة، أما بروفوريوس ففي أدب حازم تمسك بالإيمان الجديد. بدأ الملك يلاطفه واعدًا إياه بعطايا جزيلة وكرامات فلم يجحد مسيحه، عندئذ أمر بقطع رأسه. السنكسار 18 توت.
---------------------
برفوريوس الشهيد2
يذكر السنكسار (3 برمهات) شهيد آخر يحمل ذات الاسم، غالبًا استشهد في عهد دقلديانوس، كان من كبار أغنياء بانياس محبًا للفقراء، يفتقد المسجونين. إذ رأى الوالي سائرًا أمام بيته أعلن مسيحيته وعرّض نفسه لنوال إكليل الشهادة.
استشهد في أيام الإمبراطور دقلديانوس، فلاح قروي بسيط من قيصرية الكبادوك، استطاع بالإيمان أن يشهد أمام الحكام للسيد المسيح. إذ اشتعلت نيران الاضطهاد أُلقي القبض عليه مع عدد كبير من المسيحيين، وكُبل بالقيود وسيق أمام ولاة. سأله القاضي عن اسمه وعمله ومعتقده، وكان يستخف به، إذ شعر انه رجل أمي لا يدرك في الحياة سوى الثور الذي يسحب المحراث والأرض التي يزرعها. وإذ وجده ثابتًا على الإيمان هدده بالعقوبات فلم يبالِ بتهديداته. احتمل برلعام إهانات وجلدات كثيرة وهو صامت، فمزقوا جسمه بمخالبٍ حديديةٍ وهو ثابت. صاروا يسلخون جسده ويبترون من جسمه دون أن يخور إيمانه، فشعر الحاضرون بالخزي أمامه. أخيرًا أخذوه إلى معبد أوثان، ووضعوا البخور في يديه ومدوا يده على النار حتى تحترق فيسقط منها البخور، فيُحسب في نظرهم أنه قدم بخورًا للآلهة. إلى هذه الدرجة صاروا في ضعف مشتاقين أن ينهار هذا القروي ويعبد الأوثان، أما هو فترك يده لتأكلها النار دون أن يُحركها ليقع البخور منها، فارتاع الكل أمام هذا الثبات الفائق. ما لبث أن سقط الشهيد مغشيًا عليه وقد فارقت نفسه جسده المهشم، لتنطلق في كمال الحرية إلى الفردوس السماوي. تعيد له الكنيسة اليونانية في 19 من شهر نوفمبر.
--------------------
برلعام ويهوشفاط القديسان
أُضيف القديسان برلعام Barlaam ويهوشفاط Josaphat إلى أعمال الشهداء الروماني، غير أن الدارسين الغربيين يتشككون في صدق قصتهما التي جاءت في كتابات الأب يوحنا الدمشقي. جاء في القصة أن القديسين وُلدا في الهند على الحدود بين الهند وبلاد فارس (إيران). كان أبينير Abenner ملكًا في الهند يكره المسيحيين ويضطهدهم، فلما تنبأ له البعض أن ابنه يهوشافاط سيصير مسيحيًا، حبسه منذ طفولته في قصرٍ حتى لا يلتقي بأحدٍ ويتعلم شيئًا عن المسيحية. استطاع الإبن أن يهرب من قصره ويلتقي بمتوحدٍ تظاهر انه تاجر لآلئ ثمينة صار يحدثه عن الإيمان المسيحي حتى اعتنق الإيمان المسيحي. وإذ سمع الملك بذلك حزن للغاية وحاول تحطيم هذا العمل لكنه فيما هو يقاوم إذا به يقبل الإيمان ويتحول إلى الحياة النسكية الجادة في الرب. أقام الملك ابنه شريكًا معه في الحكم لكنه لم يبقَ كثيرًا، إذ ترك العرش وانطلق إلى البرية يعيش مع القديس المتوحد برلعام. هذه القصة غالبًا كتبت لتمجيد الحياة الرهبانية، تشمل ثلاثة أقسام: الجانب القصصي؛ أحاديث تحوي تفاسير للتعليم المسيحي ومقتطفات عن كتّاب مسيحيين أولين؛ دفاع وأمثلة. يُذكر هذان القديسان في 27 نوفمبر.
كان من سبط لاوي وقد نزح كبار عائلته المتقدمين منذ زمن بعيد عن بلاد اليهودية وأقاموا في جزيرة قبرص، وكان اسمه أولاً يوسف فدعاه ربنا له المجد عند انتخابه رسولاص باسم برنابا الذي يترجم في الإنجيل بابن الوعظ. وقد نال نعمة الروح المعزي في علية صهيون مع التلاميذ وبشر معهم وكرز باسم المسيح، وكان له حقل باعه واتى بثمنه ووضعه عند أرجل الرسل (أع4: 36-37)، الذين كانوا يجلونه لكثرة فضائله وحسن أمانته. ولما آمن الرسول بولس بالسيد المسيح قدمه هذا الرسول إلى التلاميذ في أورشليم بعد اعتناقه الإيمان بمدة ثلاث سنين، وحدثهم عن كيفية ظهور السيد المسيح لشاول بالقرب من مدينة دمشق، ثم شهد له أمامهم بغيرته حتى قبلوه في شركتهمن وقال الروح القدس للتلاميذ: "افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع13: 2). وقد طاف الرسولان بولس وبرنابا معًا بلادًا كثيرة يكرزان بالسيد المسيح، ولما دخلا لسترة وأبرأ الرسول بولس الإنسان المقعد ظن أهلها أنهما آلهة وتقدموا لكي يذبحوا لهما، فلم يقبلا مجد الناس بل مزقا ثيابهما معترفين بأنهما بشر تحت الآلام مثلهم. وبعد أن طاف مع بولس الرسول بلادًا كثيرة انفصل الرسولان عن بعضهما، فأخذ الرسول برنابا معه القديس مرقس ومضيا إلى قبرص وبشرا فيها وردا كثيرين من أهلها إلى الإيمان بالسيد المسيح ثم عمداهم، فحنق اليهود وأغروا عليهما الوالي والمشايخ فمسكوا الرسول برنابا وضربوه ضربًا أليمًا ثم رجموه بالحجارة، وبعد ذلك أحرقوا جسده بالنار فتم بذلك جهاده ونال إكليل الشهادة. وبعد انصراف القوم تقدم القديس مرقس وحمل الجسد سالمًا وفه بلفائف ووضعه في مغارة خارج قبرص. أما مرقس الرسول فإنه اتجه إلى الإسكندرية ليكرز بها. السنكسار 21 كيهك.
-------------------
برناباس الأسقف
جاء في السنكسار الذي نشره رينيه باسيه تحت 22 كيهك نياحة القديس برناباس أو الأنبا نابس أسقف عيداب. قصة هذا الأسقف عجيبة وفريدة فقد وُلد في قرية شرقي قفط، وكان منذ صباه محبًا للحياة النسكية الهادئة. انطلق إلى البرية يتتلمذ على أيديّ آباء شيوخ كاملين محبين للجهاد، أحبهم وأحبوه بسبب نموه الدائم. في حوالي الخمسين من عمره سيم أسقفًا على منطقة صحراوية بعيدة جدًا، فكان موطنه قفط لكنه لا يكف عن افتقاد شعبه، يذهب إليهم بالجمال مسافات طويلة، وكأن الله أعطاه سؤل قلبه ليعيش في البرية، إذ بقى في أسقفيته محبًا للوحدة. جاء عنه أن كثير من الأساقفة يجتمعون به كأب لهم يطلبون بركته. وهبه الله صنع العجائب والتنبؤ بأمور مقبلة كثيرة، منها أن إنسانًا شريفًا طرح أناسًا أبرياء في السجن مسيئًا استخدام سلطانه، وإذ سمع القديس جاء إليه ليرده عن قساوة قلبه، أما الشريف فأساء التصرف وافترى على القديس. تألم القديس للموقف، وقال له: "لن تستريح ولن تنال خيرًا قط". انصرف القديس غاضبًا من أجل المظلومين، وفي ظهر ذات اليوم مات الشريف فجأة. بقي في الأسقفية حوالي 50 عامًا يحيا كناسكٍ، مملوء حبًا لكل إنسان، وجهه دائم البشاشة حتي قيل عنه انه لم يلتقِ به إنسان إلا وخرج مملوء فرحًا، بل كمن هو سكران من الفرح، فيه تحقق القول: "صوت الفرح والتهليل في مساكن الأبرار" (مز117: 15).
في القرن التاسع عشر ظهر مخطوطان لرسالة باسم القديس برناباس، تُعتبر إحدى كتابات الآباء الرسوليين، أي من وضع أحد تلاميذ الرسل. قديمًا كان يظن أن كاتبها هو الرسول برنابا، لكن استقر الرأي أنها كتبت بواسطة رجل مسيحي إسكندري ما بين عامي 70، 100م، إذ يتحدث عن خراب الهيكل (سنة 70م) كأمر قد تمّ فعلاً. تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما: 1. الفصول 1 - 17، تعتبر جوهر الرسالة حيث تعالج التحذير من حركة التهود كخطر محدق بالكنيسة، مقدمًا تفسيرًا رمزيًا روحيًا للعهد القديم. انه يعلن تمسكه بالعهد القديم لكن في غير حرفية اليهود القاتلة، إذ يقول عنه: "إنه كتابنا، أما هم ففقدوه إلى الأبد" 6:4،7، وأن الختان لا يتحقق بالممارسة الجسدية بل بختان الروح (4:9)، وأن السبت يعني راحة الله بعد 6000 عامًا حيث يُقام عالم جديد (15)، وأن الله لا يطلب هيكل أورشليم بل هيكل نفوسنا الروحي (16). كما تحدث أيضًا عن لاهوت ابن الله، وفاعلية آلامه غير المحدودة، ودور التجسد في الإعلان عن الله في أفكارنا. 2. الفصول 18 - 21، هذه الفصول الأربعة الختامية تقدم نصائح سلوكية، فتميز بين طريقين، واحد للحياة والآخر للموت، على نمط ما ورد في "الديداكية"، وهي عمل منسوب لعصر الرسل.
استشهد القديس بروبس Probus مع القديسين تاراخيوس واندرونيقوس حوالي سنة 304م، وقد حُفظت لنا أعمال هؤلاء الشهداء الثلاثة مع الحوار الذي دار بينهم وبين مكسيميانوس حين وصل إلى بومبيبوليس Pompeiopolis بكيليكيا Cilicia. أثناء عذاباته سأله مكسيميانوس أن يقبل صداقته فرفض، وعندما سخر به الأخير طالبًا من جالده أن يسأله مع كل جلدة: أين هو معينك؟ أجاب: "إنه يعينني وسيعينني، ولا أبالي بعذاباتك ولن أطيعك".
قيل إن القديسة أوجيني Eugenia ابنة والي مصر، إذ قبلت المسيحية هربت إلى إيطاليا مع اثنين من عبيدها هما بروتاس Protus وهياكنث Hyacinth. وقد استطاعت أوجيني أن تكسب عائلتها وكثيرين آخرين للإيمان، كما قام العبدان بدورٍ إيجابي في الشهادة للسيد المسيح، فكسبا السيدة الرومانية باسيلا، وأخيرًا نال العبدان مع هذه السيدة إكليل الاستشهاد في منتصف القرن الرابع
--------------------
بروتاسيوس وجرفاسيوس الشهيدان
في رسالة بعثها القديس إمبروسيوس أسقف ميلان إلى أخته مارسيلينا وصف لنا الظروف التي عاشها حين اكتشف جسديْ هذين الشهيدين بروتاسيوس وجرفاسيوس Gervase في ميلان. قيل أنهما أخان توأمان، ابني الشهيدين فيتاليس Vitalis وفاليريا Valeria، استشهدا ربما في عهد نيرون بعد استشهاد والديهما بعشرة سنين. استشهادهما إذ ورث الأخان أموالاً كثيرة صارا ينفقان بسخاء على المسيحيين المضطهدين، ثم اختليا في بيتهما يمارسان الحياة التعبدية الملائكية بأصوام وصلوات دائمة، في جو هادئ، كأنهما كانا ينتظران يوم استشهادهما. اجتاز القائد أنسطاسي مدينة ميلان يطلب من الكهنة تقديم ذبائح للآلهة حتى يهبوه الغلبة على الأعداء، فأجابوه إنه يستحيل على الآلهة أن ترضى عنه مادام في المدينة هذان المسيحيان جرفاسيوس وبروتاسيوس يرفضان تقديم العبادة للآلهة. التقى انسطاسي بهما فوجدهما ذا هيبة واتزان ووقار، وكانا طويلين في قامتهما، فسألهما أن يرافقاه إلى المعبد ليشتركا معه في العبادة حتى ينال النصرة، فأجاباه بالنفي، معلنين إيمانهما بالسيد المسيح واهب النصرة الحقيقية. بناء على طلب كهنة الأوثان أمر الوالي بضرب بروتاسيوس بقسوة ووحشية حتى سقط القديس ميتًا تحت الجلدات ليستريح أبديًا في الرب. التفت أنسطاسي إلى أخيه جرفاسيوس وحاول أن يغريه بوعود كثيرة وإذ رفض صار يهدده. لم يبالِ القديس بهذه التهديدات معلنًا أن الموت بالنسبة له هو طريق التمتع بالحياة إلى الأبد. عندئذ أمر الوالي الجلاّد بقطع رأسه، وطرح جثتي الأخين خارج المدينة لتأكلهما وحوش البرية. وفي الليل خرج أحد المؤمنين يدعى فيلبس ونقل الجسدين إلى بيته ووضعهما في مقبرة رخام بعد أن سجل قصة استشهادهما ووضعهما مع الجسدين. قصة اكتشاف الجسدين بقي الجسدين في القبر أكثر من 300 عامًا حتى اكتشفهما القديس إمبروسيوس كما روى بنفسه، إذ قال أنه أتم بناء البازليكا بميلان، وكان يستعد لتدشينها، وكان يبحث عن رفات قديسين يزين بها الكنيسة روحيًا كطلب الشعب. إذ كان يفكر في الأمر، بعد صوم الأربعين، رأى في رقاده شابين يرتديان ثيابًا بيض بشكلٍ عجيبٍ وبهيٍ، كانا كمن يصليان، وإذ تنبه للأمر اختفت الرؤيا. لم يدرك القديس شيئًا من الرؤيا فضاعف صومه وصلواته، وإذ به في الليلة الثالثة يرى الشابين أمامه ومعهما شخص ثالث ظنه الرسول بولس، وكانا الشابان صامتين. أخبره الشخص الثالث عن الشابين انهما الشهيدان بروتاسيوس وجرفاسيوس، وأعلن له عن الموضع الذي فيه رفاتهما. استدعى القديس إمبروسيوس بعض الأساقفة المحيطين بميلان حيث ذهب الكل إلى موضع وحفروا 24 شبرًا في الأرض فوجدوا الرفات المقدسة ومعها السيرة. وقد تمجد الله في ذلك اليوم إذ شُفى كثيرون من المرضى وتحرر كثيرون من الأرواح الشريرة. من بين أعمال الله الفائقة خلال هذه الرفات تفتيح عيني أعمى كان معروفًا لكل أهل المدينة، وقد كان القديس أغسطينوس والكاهن بولينوس مساعد القديس إمبروسيوس حاضرين، وسجلا ذلك في كتاباتهما. يعّيد الغرب بنقل جسديهما في 19 من شهر يونيو.
كان هذا الأب من علماء أثينا، فاجتمع بالقديس بولس الرسول وجرت بينهما مباحثات أدت به إلى أن يؤمن على يده، فعمده وعلمه كل الفرائض المسيحية ورسمه قسًا على تلك المدينة، فكرز ببشرى الخلاص ورد كثيرين إلى معرفة السيد المسيح. وأراد الشعب رسامته أسقفًا فلم يقبل وقال: "ليتني أقدر على القيام بواجبات القسيسية". ولما أكمل سعيه الصالح، انتقل إلى الرب الذي أحبه. السنكسار، 21 برمودة.
---------------------------
بروخورس الرسول
هو أحد السبعين رسولاً الذين دعاهم السيد المسيح وأرسلهم ليكرزوا باسمه وأعطاهم موهبة الشفاء وإخراج الشياطين، ولما كان مع التلاميذ في العلية امتلأ من نعمة الروح القدس المعزي. ثم انتخبه الرسل بين السبعة الشمامسة الذين شهدوا عنهم أنهم مملئون من الروح القدس والحكمة (أع6: 5). ثم صحب الرسول يوحنا وطاف معه مدنًا كثيرة، ووضع يوحنا اليد عليه وأقامه أسقفًا على نيقوميدية من بلاد بيثينيا، فبشر فيها بالسيد المسيح ورد كثيرين من اليونانيين إلى الإيمان وعمدهم وعلمهم حفظ الوصايا. وبعد أن نى لهم كنيسة ورسم لهم شمامسة وقسوسًا خرج إلى البلاد المجاورة لها فبشرها وعمد كثيرين من أهلها كما علم وعمد كثيرين من اليهود، وقد احتمل ضيقات كثيرة بسبب التبشير بالمسيح. ولما أكمل سعيه تنيح بشيخوخة صالحة مرضية للسيد المسيح.
قيل أن هذين القديسين كانا من بين الجند الذين قاموا بحراسة القديسين بطرس وبولس في السجن في أيام نيرون، رأيا عجائب الله فيهما فتأثرا جدًا، وإذ ظنا أن نيرون نسى الرسولين، طلبا منهما أن يتركا السجن بعد أن يعمداهما. قيل إن الله أخرج ماءً بطريقة معجزية داخل السجن وقام القديس بطرس بالعماد. انطلق القديس بطرس من السجن من باب ابيان Appian، وإذ رأى السيد المسيح أمامه، فسأله: "يا رب، أين أنت ذاهب؟"، أجابه: "إلى روما لكي أصلب ثانية". عندئذ عاد بطرس إلى روما، وأُلقي القبض عليه. قيل لبولينوس المسئول عن السجن أن الحارسين قد صارا مسيحيين، فاستدعاهما ووبخهما على غباوتهما ثم هددهما. أما هما فأعلنا بشجاعة تمسكهما بالإيمان المسيحي. ضُرب الشهيدان بحجر على فمهما، فكانا بالأكثر يسبحان الله ويمجدانه. أصدر بولينوس أمره بجلدهما، وبفرح قالا بفم واحد: "إننا نشكر ربنا يسوع". وكانت إنسانة تقية تدعي لوسينا تنظرهما يتعذبان فتشجعهما، أما بولينوس ففقد عينه اليسرى ودخله شيطان ثم مات بعد ثلاثة أيام. أُلقي الجنديان في السجن وكانت لوسينا تخدمهما، وإذ مات بولينوس جاء ابنه بومبينوس Pompinius يعلن في القصر أن هذين الجنديين ساحران، فصدر الأمر بقتلهما بالسيف، ونالا إكليل الشهادة.
وُلد في القسطنطينية حوالي سنة 390م، ونشأ على حياة التقوى، وإذ سيم كاهنًا برز بحياته المقدسة وعلمه ومعرفته فأحبه الشعب. إذ تنيح البطريرك أتيكوس Atticus، انقسم الإكليروس والشعب إلى فريقين، البعض اختار بروكلس ليكون بطريركًا والآخر اختار سيسينيوس Sisinnius، وقد نجح الفريق الثاني فسيم سيسينيوس بطريركًا عام 425م. سيامته أسقفًا إذ عرف سيسينيوس ما لبروكلس Proclus من حياة نقية ومعرفة سامه أسقفًا على مدينة كزيكوس Cyzicus، غير أن شعب هذه المدينة كان يود الاستقلال عن الكرسي القسطنطيني فساموا راهبًا أسقفًا عليهم. تقبل بروكلس الأمر في بساطة قلب، فلم يلجأ إلى البطريرك ولا إلى البلاط لمقاومة الأسقف الدخيل وإنما باتضاع آثر أن يبقى في القسطنطينية من أجل سلام الكنيسة وهدوئها يخدم كأحد الكهنة كما كان من قبل، بل كان يعيش بين الكهنة كأحد الأصاغر يمارس حياة الاتضاع والزهد مع الاهتمام بكلمة الله والوعظ. تنيح البطريرك سيسينيوس، فقام الشعب يطلب بروكلس خلفًا له، لكن الملك ثيؤدوسيوس كان يميل إلى نسطور، فأقيم بطريركًا، الذي صار نكبة لا على كنيسة القسطنطينية فحسب وإنما على المسيحية عامة إذ كان مبتدعًا، أنكر أن القديسة مريم والدة الإله، قائلاً بأنها ولدت الطفل الإنسان يسوع، وأن الأقنوم "ابن الله" حّل على الإنسان يسوع عند عماده وفارقه عند الصلب، وانتهي أمره بحرمانه في مجمع أفسس الذي برز فيه القديس كيرلس الإسكندري، في عام 431م. في ظل هذه الأحداث لمع نجم القديس بروكلس، خاصة في مجمع أفسس، وصار من كبار أساقفة الشرق المعروفين. وإذ حُرم نسطور قام الشعب يطلب بروكلس بطريركًا، فثار البعض متسلحين بالقانون الكنسي الذي يمنع على الأسقف استبدال إيبارشيته أو كرسيه، أما هو فبقلبٍ متضعٍ لم يشته المركز بل كان يمارس عمله ككاهن. سيم مكسميانوس بطريركًا، لكنه لم يدم طويلاً إذ تنيح عام 434 م، فقام الكل يطلب بروكلس بطريركًا، وكان الملك مع الأساقفة والشعب متهللين لهذا الاختيار، وجاءت رسائل التهنئة من البطاركة كيرلس السكندري ويوحنا الأنطاكي وكلستينس الروماني. عمله البطريركي سيم بروكلس في جوٍ من الاضطراب الشديد بسبب بدعة نسطور، فعالج الموقف بروح الغيرة المتقدة والرعاية الحية الواعية مع وداعة واتضاع، فأثمرت خدمته جدًا. استطاع أن يكسب الكهنة والأراخنة بمحبته ووداعته، فكان الكل يشتاق إلى خدمته وطاعته في الرب. استشاره الأساقفة الأرمن بخصوص بعض العبارات التي وردت في كتابات ثيودور الميصي Theodore of Mopsuestia وكان قد مات، فكتب رسالة وضح فيها أخطاءه النسطورية، تعتبر من أشهر كتاباته، موضحًا فيها التجسد الإلهي دون ذكر اسم ثيؤدور، حاثًا إياهم على التمسك بكتابات القديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي إذ كان لهذين الأبوين مكانة خاصة لدى الأرمن. وقد مدح القديس كيرلس الكبير هذه الرسالة، وقال عنها أنها تمثل دستورًا صادقًا لإيمان الكنيسة الجامعة. قام بنقل جسد معلمه القديس يوحنا الذهبي الفم من منفاه في كومانا Comana Pontica إلى كنيسة الرسل بالقسطنطينية، حيث خرجت القسطنطينية تستقبل الرفات المباركة باحتفال رهيب يفوق الوصف. وقد ارتبطت هذه الرفات المقدسة بالحفاظ على القسطنطينية من الزلازل التي هزت البلاد المجاورة بشدة سنة 447م، ذهب ضحيتها آلاف من البشر، كما هربت أعداد بلا حصر إلى البراري وحلت الأوبئة بالبلاد بينما لم تُمس القسطنطينية. إذ حلت هذه الضيقات انطلق البطريرك بأبوته الحانية يقدم كل إمكانيات الكنيسة لحساب هؤلاء المنكوبين، بل وأكثر من الصوم والنسك ليرفع الله غضبه، ولمشاركة المتألمين. ذهب بنفسه مع الإمبراطور ثيؤدوسيوس ورجال الإكليروس إلى البلاد المنكوبة، يخدمون كل إنسانٍ متألمٍ أو محتاجٍ أو لاجئٍ، في حقل أو في البرية. قيل انه إذ كان البطريرك يجول بين المنكوبين تجمعت أعداد كبيرة من الشعب في الحقول، وصار الكل يصرخ، قائلين: "كيرياليسون" بقلوب متألمة. فجأة ارتفع طفل ليختفي وسط السحب وعاد الطفل ووقف عند البطريرك وقال: "رأيت السماء مفتوحة، وملائكة الله يسبحون، قائلين: "قدوس الله، قوس القوي، قدوس الذي لا يموت". فصار الشعب كله يردد هذه التسبحة بروحٍ ملتهبٍ، فرفع الله غضبه عن هذه المناطق. انتقل الطفل في الحال وارتفعت نفسه إلى خالقه. وقد قيل أنه منذ ذلك الوقت دخلت هذه التسبحة في ليتورجيا القداس الإلهي. تنيح البطريرك في نفس العام، 24 أكتوبر 477م. لا تزال بعض عظاته ورسائله موجودة، وهي كتابات مختصرة وحية، تحمل روح البهجة والرجاء. قال عنه القديس كيرلس الكبير: "رجل مملوء تقوى، متمرن بكمال في نظام الكنيسة، وحافظ للقوانين بدقة". تعرف عليه المؤرخ سقراط شخصيًا، وكتب عنه أنه لطيف مع كل أحد، مؤمنًا بأن اللطف يجذب إلى الحق أكثر من الشدة والعنف. Butler’s Lives of Saints, Oct. 24.
يقدم لنا المؤرخ يوسابيوس القيصري الشهيد بروكوبيوس St. Procopius، كأول شهداء فلسطين في عهد الإمبراطور دقلديانوس (حوالي 303م)، في أيام فلافيانوس والي فلسطين. كان بروكوبيوس قارئًا بكنيسة سكيثوبوليس Scythopolis، مواطنًا بأورشليم، عاش منذ صبوته في نقاوةٍ عظيمة ونسك، لا يهتم بما يأكل مكتفيًا أحيانًا بالخبز والماء، أما فكره فيهيم على الدوام في السماويات. بجانب عمله كقارئ كان يفسر العظات السريانية، كما نال موهبة إخراج الشياطين. اُستدعى بواسطة فلافيان تاركًا سكيثوبوليس إلى قيصرية، حيث طُلب منه جحد مسيحه، أما هو ففي جرأة أعلن إيمانه بالله الواحد الحقيقي متمسكًا بمخلصه. أصدر الوالي حكمه بالموت خارج أبواب المدينة. هذا ما رواه يوسابيوس كشاهد عيان لهذا الاضطهاد. غير أنه ظهرت ميامر كثيرة لشهداء يحملون ذات الاسم مما سبب لبسًا بين هؤلاء الشهداء تحت اسم "بروكوبيوس"، من بينهم الشهيد بروكوبيوس أو بروكونوس الذي نذكره في السنكسار المصري (الناشر رينيه باسيه) والذي يُعتقد انه بخلاف هذا الشهيد.
ولد القديس بروكونيوس Proconius بأورشليم من أب مسيحي يدعي خرستوفورس أي "حامل المسيح" وأم وثينة تدعى ثأودوسية. إذ مات والده قدمت زوجته هدية عظيمة للإمبراطور دقلديانوس فعُين ابنها بروكونيوس واليًا على الإسكندرية. بالفعل انطلق الوالي الجديد مع والدته وحاشيته نحو الإسكندرية بعد أن أوصاه الإمبراطور بتعذيب المسيحيين، لكن الله نظر إلى نقاوة قلبه فظهر له في الطريق كما سبق فظهر لشاول الطرسوسي. سمع بروكونيوس صوتًا يناديه باسمه ويذمه على ما أضمره في قلبه، مهددًا إياه بالموت إن عصى أمره، فقال له: "من أنت يا سيدي؟ أسألك أن تظهر ذاتك لي". في الحال ظهر له صليب من نور وسمع صوتًا يقول له: "أنا يسوع ابن الله المصلوب بأورشليم". فخاف بروكونيوس وارتعد، ثم ذهب إلى بيت شان وعمل صليبًا من ذهب على مثال الصليب الذي ظهر له. قوة الصليب انطلق متجهًا نحو الإسكندرية، وفي الطريق هاجمه بعض العربان الوثنيين فغلبهم بالصليب الذي كان معه، عندئذ طلبت منه والدته أن يُقدم ذبيحة كضحية للآلهة التي وهبته النصرة على الأعداء، أما هو فأجابها انه لن يعبد إلا يسوع المسيح الذي عضده بصليبه. إذ سمعت الأم ذلك لم تحتمل كلمات ابنها الوحيد وفضلت موته عن قبوله الإيمان، لذا أسرعت بإبلاغ الملك دقلديانوس تخبره بما حدث. بعث الإمبراطور إلى والي قيصرية فلسطين حيث كان بروكوبيوس لا يزال هناك يسأله أن يتحقق الأمر. عذاباته استدعاه الوالي وتحقق ثبات إيمانه بالسيد المسيح، فصار يضربه بطريقة وحشية حتى صار كميتٍ، ثم زجه في السجن حيث ظهر له السيد المسيح ومعه ملائكة نورانيين وهبه السلام وحلّ رباطاته وشفاه. ظن الوالي أنه لن يبقى حتى الصباح، لكن إذ سأل عنه قيل له أنه داخل السجن بدون القيود الحديدية وبلا جراحات، فدهش واستدعاه، ثم أخذه معه إلى معبد الأصنام ليشترك معه في العبادة، وإذ رأته الجماهير حيًا وبلا جراحات صارت تصرخ: "نحن مسيحيون، نؤمن بإله بروكونيوس"، وكان من بين هؤلاء أميران و12 امرأة وثيؤدوسية والدة القديس، فغضب عليهم الوالي وأمر بقطع رؤوسهم. وهكذا انطلقت الأم التي كانت لا تطيق اسم يسوع المسيح شهيدة من أجله (في 6 أبيب). أُعيد القديس إلى السجن ليستدعيه الوالي بعد ثلاثة أيام طالبًا منه أن يراجع نفسه ويتعقل، وأخيرًا أمر الوالي بضربه بالسيف. مدّ السياف أرشلاوس يده بالسيف ليشق جنبه فيبست يده للحال وسقط ميتًا. عندئذ أمر الوالي بطعنه بالسكاكين ووضع خل في موضع الطعنات وسحبه من قدميه إلى السجن ليبقي هناك ثلاثة أيام. ألقاه في أتون نارٍ والرب حفظه، ثم أمر بقطع رأسه فنال إكليل الشهادة في 14 أبيب.
زوجة مانيوس جلابريو Manius Acilius Glabrio، يتحدث عنه المؤرخان الوثنيان سوتونيوس وكاسياس أن دومتيان قتله بسبب جرائم وتجاديف، الاتهامات التي كانت تُوجه ضد المسيحيين، لذا يظن أن رجلها مات شهيدًا. قيل أنها والدة القديس بيودنس St. Pudens أحد أشراف روما. ترى الكنيسة الرومانية أن القديس بطرس استخدم فيلا القديسة بريسكلا كمركز للعمل الكرازي والرعوي. ( نياحتها حوالي 16 يناير 98م).
-------------------------
بريسكوس الشهيد
حوالي سنة 272م إذ اضطهد الإمبراطور أورليان المسيحيين عانت بلاد الغال ضيقًا شديدًا، خاصة مدينة Besancon. وإذ رأى القديسان بريسكوس Priscux أو بركس Prix وكوتس Cottus أن الضيق حلّ بالمسيحيين تذكرا كلمات السيد المسيح: "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى" (مت 10: 23) ، أخذا معهما جمعًا من المسيحيين وهرب الكل إلى مدينة Auxerre. أراد الله أن يكللَّهم بتاج الاستشهاد فأُلقي القبض عليهم وقُطعت رؤوسهم. وقد اكتشف القديس جرمانيوس في النصف الأول من القرن الخامس رفاتهم.
تذكر الكنيسة الغربية الشهيدين بريموس Primus وفيليكيانوس Felician اللذين استشهدا في 9 يونيو (حوالي عام 297م). أخان من أشراف روما، قبلا المسيحية واعتمدا ليعيشا يخدمان الشهداء والمعترفين، فكانا يفتقدان المسجونين ويرافقانهم في المحاكمة ويقفان معهم أثناء الاستشهاد، لكنهما بالرغم من غيرتهما هربا إلى مدينة أخرى ليعودا بعد سنوات. مارس الأخان الحياة التقوية حتى ذاع صيتهما فثار كهنة الوثنيين وقاموا بهياج معلنين غضب الآلهة على روما بسبب هذين الشيخين، وكان ذلك في عهد الإمبراطورين دقلديانوس ومكسميانوس. وبالفعل أُلقي القبض عليهما وإذ رفضا إنكار إيمانهما تعرضا لعذابات كثيرة وسجنا وكان الله يتمجد فيهما. أرسلهما الملك إلى مدينة نومنتا Nomentum التي تبعد حوالي 12 ميلاً من روما بعد أن شاع الخبر أن السيد المسيح شفاهما من كل جراحاتهما وبدأ بعض الوثنيين يؤمنون. تحّير والي المدينة من تعذيب الشيخين بكل نوع، فقام بتفريقهما حتى لا يشجع أحدهما الآخر وصار يعذب فيليكيانوس البالغ من العمر 90 سنة بصلبه وجلده وسجنه، ثم عاد يطلب أخاه ليخبره بأن فيليكيانوس قد بخّر للآلهة ونال نعم من الملك، فأجابه بريموس بأن ملاكًا أخبره بما احتمله أخوه بفرح، فثار الوالي وعذب القديس بريموس. وإذ رآه يمجد الله بشكر أمر بصب رصاص مغلي في فمه فشربه كماء بارد. استدعى أخاه فيليكيانوس، وأطلق عليهما أسودًا وذئاب جائعة بينما كانت المدينة تنتظر لترى هذا المنظر البشع، لكن المفاجأة المذهلة أنها جاءت تأنس بهما، فصرخ الكثيرون يعلنون إيمانهم بالسيد المسيح. أمر الوالي بقطع رأسيهما وترك جثتيهما للكلاب والطيور الكاسرة، فبقيتا طول الليل بلا أذى، حتى جاء بعض المسيحيين ودفنوهما بإكرام عظيم.
ولد بصعيد مصر من أبوين تقيين، يعملان في الزراعة ورعاية الغنم، اهتما بتربيته الروحية ودراسته في الكتاب المقدس، مع حياة تقوية نسكية. في شبابه كشف له الله برؤيا ما سيحّل بالكنيسة على يديْ دقلديانوس عندما يصير ملكًا. أحبه أسقف بلده أبصاي أو بتولومايس (أبطلمايس)، حاليًا المنشأة بمحافظة أسيوط، فسامه شماسًا، وإذ رأى فيه القلب الأمين في محبته لله والغيور على خلاص كل نفسٍ أوصى بسيامته أسقفًا يخلفه. أسقف أبصاي بعد نياحة الأسقف أجمع الشعب كله مع الكهنة على سيامته، وذهبوا للبابا الذي فرح به وحقق للشعب اشتياقه. بقلبه البسيط المملوء حبًا إلهيًا وغيرة كان الله يهبه إعلانات كثيرة، فقد قيل انه كثيرًا ما كان يشاهد السيد المسيح بمجده وبهائه أثناء ممارسة ليتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي)، وعند صلاة "استدعاء الروح القدس" يشاهده على شكل حمامة بيضاء تشع نورًا على الذبيحة المقدسة وكل المذبح. عُرف بقداسته في الرب، حتى تأهل لرؤية السيد المسيح الذي باركه ووهبه عطية صنع المعجزات، وقد أمد في عمره حتى ظل على الكرسي الأسقفي نحو 80 عامًا. شدائده كرجل الله دخل بوتقة الآلام يشارك مسيحه صليبه، من هذه الآلام مضايقة بعض الهراطقة له ومقاومته. فقد ظهر رجل هرطوقي (غالبًا ما كان أريوسيًا) يقاوم القديس بسادة، فكان القديس ينصحه كثيرًا. وإذ رأى هذا الهرطوقي فرديموس نجاح خدمة القديس وشى به لدى الملك فعزله عن كرسيه ليقيم فرديموس عوضًا عنه. انطلق القديس هاربًا إلى مدينة أسوان ليجتمع بأسقفها الذي أشار إليه أن يذهبا معًا إلى متوحدٍ بجبل أسوان يطلبان مشورته. هناك بقي القديس مع المتوحد ثلاث سنوات حتى مات فرديموس ورجع القديس إلى شعب الله يخدمه. استشهاده بعد زمان تولى دقلديانوس الحكم كما سبق فأعلن الله للقديس في شبابه، وإذ بدأ يضطهد الكنيسة كان القديس بساده مع غلينيكوس يثبتان الشعب على الإيمان وعدم جحد مسيحهم. أرسل أريانا والي أنصنا إلى الأنبا بسادة وغلينيكوس يستدعيهما، فطلب الأسقف يومًا كمهلة له، أقام فيه القداس الإلهي وثّبت الشعب، وانطلق إلى أريانا الذي كان في إحدى جولاته بالصعيد الأقصى. وإذ رأى أريانا مهابته لم يستطع اللقاء معه فأمر بسجنه وتركه بلا طعام مدة عشرة أيام، وإذ أُخرج من السجن طُلب منه جحد مسيحه، ولما رفض تكرر سجنه أكثر من مرة، وكان في كل مرة يخرج من السجن المظلم كمن كان في وليمة، بوجهٍ مشرقٍ ومتهللٍ. حكم عليه الوالي بقطع رأسه، فارتدى ثياب المذبح البيضاء، ولما التقي به شماس يسأله عن سبب ارتدائه هذه الثياب، أجاب: "يا ابني أنا ذاهب إلى حفل عرسي، وقد عشت السنين الطويلة مشتاقًا لهذا اللقاء". وقد نال إكليل الشهادة في 27 كهيك.
استشهد وسط الضيقات التي حلت في عهد الأنبا بنيامين الثاني فى القرن 14. وشى به البعض لدى الوالي، ذلك أن والدته كانت قد جحدت إيمانها بينما بقي هو مع والده. حاول الوالي أن يستميله لكي ينكر إيمانه فرفض، أمر بإلقائه في السجن، وعندئذ ظهرت حمامة بيضاء وقفت على رأسه. أبلغ الحارس ذلك للوالي فاستحضره وهدده بالحرق، أما هو ففي هدوء مع شجاعة قال: "افعل بي ما شئت فإن سلطانك هو على جسدي فقط". أخرجوه إلي الساحة لينال إهانات وشتائم وضربًا من العامة، وكان يحتمل ذلك بصبر وهدوء. أخيرًا نال إكليل الشهادة بقطع رأسه، وقد أجرى الله عجائب من جسده.