كأس الألم في حياة العذراء
بقلم المتنيح الانبا غريغوريوس
العذراء اختيرت لتكون الخادمة الأولى لسر التجسد، ولكى تكون السماء الثانية الملكة أم الملك،هل كان هذا الاختيار اعتباطا أو نوعا من المنحة التى لا أساس لها غير أن الله أمر فصار؟...لا...ليست هذه سياسة الله أبدا، أبدا، إذا كان المخرج لرواية قبل أن يسند الدور لهذا الإنسان أو ذلك ليقوم به، لابد أن يكون أولا مطمئنا إلى كفاءة هذا الإ نسان، بالدور قبل أن يسند إليه الدور.فكيف يسند الرب هذا الدور لمريم إلا وهو يعلم أن مريم يمكنها أن تقوم بهذا الدور، فليس الموضوع اعتباطا ولا هو من قبيل الأمر، ولا لأن مريم يمكن أن تقوم بدور كان يمكن أن تقوم به أى امرأة أخرى، لا...لو لم تكن مريم مستحقة لهذا الشرف لما أسند الرب إليها هذا، خصوصا وأن دور مريم ليس مجرد امرأة حملت وو لدت، إنما امرأة من شبابها اصطبغت بالألم وشربت من
الكأس التى شربها المسيح،
شربت الألم، ليس فقط فى طفولتها اليتيمة وما عانته، وما لم تره ربما طفلة
أخرى، انفردت مريم منذ طفولتها بالم
اليتم، ولكن ليس اليتم وحده، إنما عندما
اختيرت وظهرلها الملاك وبشرها بالحمل
الالهي منذ هذه اللحظة ايضا بدأت مريم
تعانى، عانت الشكوك فى طهارتها وعفتها،
حتى يوسف الذى يعرف طهارتها اضطر
أن يشك فيها، لأنها بعد أن ظهر لها الملاك
وبشرها، وبعد ان حملت ذهبت إلى بيت
أليصابات وقضت هناك ثلاثة شهور،
وحضرت ميلاد يوحنا، لأنه فى هذا الو قت
كان الشهر السادس لاليصابات وعندما
رجعت إلى بيتها فى الناصرة وراى يوسف
علامات الحمل، كرجل وكإنسان شك فيها
من أين هذا الحمل؟ فهو يعرف جيدا أن
هذا الحمل ليس منه، ولولا كما يقول
الإنجيل ان الرجل كان بارا لما قرر فى
نفسه أن يطلق سراحها سرا حتى لا
يفضح أمرها، لأن الشريعة كانت تبيح له
فى هذه الحالة ان يجمع عليها شيوخ
المدينة وأن يقضى عليها بالرجم، لأنها
وقعت فى هذا الخطر المحظور، لكنه لأنه
كان بارا لم يرد أن يفضحها فأراد ان
يخلى سبيلها سرا، هذا يعتبر فضيلة فيه،
لكن بالنسبة لمريم هذه الإنسانة
الطاهرة النقية التى يعلم الله طهارتها، كيف
كان وضعها من الداخل وهى تحس انها
متهمة ومتهمة من أقرب الناس إليها، هنا
بدأت حلقة جديدة من حلقات الآلام فى
حياة مريم، الاتهامات والظنون والشكوك،
وليس هناك أمر عند بنت عفيفة طاهرة بكر
من ان تتهم فى طهارتها، هذا هو سلاحها
، هذا هو راسمالها، هذا هومجدها، ليس
هناك أبدا شئ يجرحها أكثر مما يجرحها
شرفها الذى مس، والذى حدث يجعل كل
إنسان له عقل يكون معذورا أن يتهمها.
وظلت مريم فى وضع الاتهام كل أيام حياتها، وربما إلى اليوم يصب عليها اليهود الاتهامات يتهمونها فى طهارتها، وأقل ما فيها ما كان يقوله بعض اليهود عن المسيح، ها نحن عارفون بأبيه وأمه وكأن يوسف هو أبو المسيح، هذا هو أقل ما يمكن ان يكون من اتهام يصيبها بالالم. أن يعتبر ميلاد المسيح من يوسف وأنها تزوجت، وهى لم تتزوج ولكن هذا أقل ما فى القضية من اتهام. إنما مريم عاشت كل ايام حياتها فى هذا الاتهام.من الذى يصدق؟ وبعد ذلك عاشت مريم تعانى مع المسيح، حينما جاء ميعادها لتلد، كان أوغسطس قيصر اصدر أمرا أن يكتتب كل المسكونة، كل واحد يذهب إلى مدينته التى ولد فيها لكى يكتتب، لكى يسجل اسمه فى البلد التى هي مسقط راسه، ومريم كانت
من بيت لحم ومن بيت داود، ويحدث أن مريم فى الوقت الذى فيه ستلد المسيح، تضطر على الرغم منها ان تركب حمارا وأن تسير من الناصرة إلى بيت لحم، وياليتها وجدت هناك مكانا، وهى فى هذه
اللحظات الصعبة الحرجة لم تجد مكانا في الخان، لم يجدوا فى الخان مكانا فاستضافها الحيوان وولد المسيح فى مذود البقر، لماذا هذا كله؟ لماذا لم يتأخي اوغسطس قيصر فى الميعاد؟ لو كان أحد فينا لتذمر، لماذا لا يأتى الاكتتاب إلا فى الوقت الذى فيه مريم كمل زمانها لتلد؟ لكى تتعذب أكثر وتتالم أكثر؟ لماذا لم يتدخل الله ليسهل مهمتها !!هذه مهمته هو، لكن لكى تعرفوا أن الله لا يحابى كما نحن فتصور، ليس لأن الشخص مع الله ودائما يتعبد ويصوم تكون كل حياته سهلة، الله يعطينا مثلا ونموذجا، لايوجد إنسانة ممكن أن تكون فى وضع مريم، ومع ذلك سمح الله بأن تعانى مريم هذه المعاناة وهذا ايضا لخيرها الأبدى، لكى تصطبغ بصبغة الألم وتشرب من الكأس، وتعانى مع المسيح فتكون مشاركة له، مشاركة مع المسيح فى
الامه، ولدت مريم وظهر النجم لمجوس وقادهم إلى أورشليم ثم اختفى ليذهبوا ويوقظوا اليهود الذين لا يدرون بولادة المسيح وكأن اختفاء النجم مقصودا ليعرف الملك وكل الشعب وترتبك المدينة كلها من سؤال المجوس، اين هو المولود ملك اليهود اننا اتينا لنسجد له؟ هيرودس الرجل السفاح الذى قتل أمه وأخته، هل يقبل أن يولد من يأخذ منه الملك جمع هيرودس رؤساء الكهنة وسألهم أين ولد المسيح، قالوا له فى بيت لحم، الإجابة كانت جاهزة بحسب تعاليم الكتاب المقدس لأنه هكذا مكتوب أما انت يا بيت لحم إفراته وأنت صغيرة ان تكونى بين الوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطا على إسرائيل ( ميخا ه:2) فقال هيرودس للمجوس، اذهبوا ابحثوا عنه بالتدقيق فى
بيت لحم، ومتى رايتموه تعالوا وقولوا لى لكى انا ايضا أذهب واسجد له، قال هذا عن خبث، فخرج المجوس من إورشليم فظهر النجم، ففرحوا فرحا عظيما، وسار النجم حتى وصلوا حيث كان الصبى، وبعد ان قدم المجوس هداياهم أوحى إليهم فى حلم، أن لا يرجعوا إلى هيرودس.بل يذهبوا إلى بلادهم من طريق اخر. وفعلا اطاعوا ما أوحى به إليهم ورجعوا إلى بلادهم. وهذا يدل على أن الناس غير المسيحيين وغير المتدينين بديانة إلهية ممكن أن يكون لهم نوع من الوحى، وهيرودس استمر ينتظر وعندما لم يعد المجوس استشاط غضبا . وأمر بأن يقتل الأطفال من ابن سنتين فأقل. يارب ما هو ذنب الأطفال الأ برياء 144 الفا يقتلوا بسبب المسيح؟ . لماذا لم يقود النجم المجوس على بيت لحم مباشرة حيث المسيح؟. . .ثم يظهر الملاك ليوسف ويقول له خذ الصبى وأمه واهرب إلى أرض مصر وكن هناك حتى اقول لك، وخرجت الصبية مريم ولم تكن وصلت إلى سن 4ا سنة، خرجت فى جنح الظلام هى ويوسف هربا من هيرودس، وتصور شعور الإنسان وحالته النفسية من الداخل عندما يكون فى حالة هرب.
المعاناة النفسية التى عانتها نتيجة المطاردة، لأن هيروس ارسل عشرة جواسيس وراءهم ليمسك المسيح ويقبض عليه ويقتله. وفى الطريق كانت العذراء معها الذهب الذى قدمه المجوس والمعاناة من قطاع الطرق واللصوص، وقابلهم اثنان من اللصوص رأيا الذهب فسال لعابهما لكى يأخذاه، وفعلا هجما على مريم الصبية الصغيرة على الحمار، ومعها الطفل الاله يسوع، ولحكمته لم يحمها المسيح ولم يدفع عنها شرا ، وأخذ اللصان الذهب وايضا ما امكن من هدايا المجوس للمسيح، قال احد اللصين إلى الآخر، نحن بلغنا من القسوة ومن الجفاء وعدم الضمير، انه لم يكفنا ما صنعناه وسرقناه، فنهجم على هذه الصبية الصغيرة وعلى طفلها ، وكان يوسف رجلا عجوزا ، ليس فى قدرته أن يدفع لصين اقوياء، فطلب احدهما من الآخر أن يرد الذهب للعذراء، واختلفا الاثنان معا وتغلب واحد على الآخر وردا الذهب للعذراء، وسيدنا له المجد نظر للعذراء وأخبرها ان هذين اللصين سيصلبان واحد عن يمينه والآخر عن يساره، وصاحب القلب الرحيم هو الذى سيعلن توبته على الصليب، ويقول: اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك. فالعذراء لم يكن طريقها سهلا، ثم دخلوا ارض مصر وكلما ذهبوا إلى منطقة تتحطم الأوثان كما قال إشعياء النبى فيقوم كهنة الأوثان والشعب يضربونهم ويطردونهم من المكان فيذهبوا إلى مكان اخر فيحدث ما حدث فى الأول وتتحطم الأوثان ويطردوا منها وبهذا انتقل المسيح والعذراء مريم فى كل أرض مصر فى محطات مختلفة، كل هذا نتيجة الطرد من مكان إلى اخر فكان هذا بركة لبلادنا ، اتخذ المسيح شر هيرودس تبريرا لأن يدخل بلادنا وان يباركها واتخذ شر الكهنة الوثنيين الذين كانوا يطردونهم من مكان إلى مكان، ويضربونهم تبريرا بأن ينتقل من محطة إلى محطة فى كل ارض مصر، العذراء كانت تهان وتطرد وتضرب والمسيح لا يدافع عنها ، ليس لأنها معه يعفيها من الآلام. . .لا. ..لأنه أيضا يريد ان يعطيها الأجر والأجر يعطى علي قدر التعب، فتركها لتساهم معه، وتحمله على كتفيها وتسير به من مكان إلى أخر، تصوروا شعور الإنسان المطرود والمضطهد والمذل، تصوروا شعور بنت فى سن 4ا سنة كم عانت حتى وصلت إلى جبل قسقام الذي قام عليه فيما بعد دير المحرق، واقاموا فى غرفة هناك هى التى أصبحت هيكل الكنيسة الأثرية، اطول مدة ممكنة وهى ستة شهور وعشرة ايام، وهناك راى يوسف حلما أن الملاك جبرائيل يخبره ان يرجع إلى أرض فلسطين لأنه قد مات الذين كانوا يبتغون قتل الصبى، اربع سنين قضتها العائلة المقدسة فى مصر، لما لم يقض
الله على هيرودس من أول لحظة، ومن قبل ان يقتل الأطفال، هذا هو تفكيرنا باستمرار، فلان متعب، سئ، قاسى، نطلب أن الله يميته ، هذه ليست سياسة الله، لو كانت هذه سياسة الله، كان من مثل هيرودس بلعته الأرض من زمن طويل، وكان مات فى اللحظة التى حاول فيها أن يمس المسيح بأذى، بل الرب تركه، ولم يتدخل الله ليقتلة، لأن الله أب يعطى فرصة للإنسان لعله يتوب، الله لما حكم على الفلسطينيين ان بنى إسرائيل يخرجون، من أرض مصر، وكانوا يتدرون ان يصلوا لأرض الميعاد فى يومين فقط، وفعلأ اثنين من أرض مصر بعد أن عبروا البحر الأحمر استطاعوا أن يصلوا الأرض التى وعدهم بها الله فى يومين فقط، ولكن بنى إسرائيل استمروا أربعين سنة فى سيناء، لماذا؟ يقول لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملا، يعطى فرصة للاموريين وهم الفلسطينيون أربعين سنة أخرى، لأنه إله وأب وخالق، كلنا خليقته، لا يريد أن يفنى الفلسطينيون بل يعطيهم فرصة أربعين سنة لعلهم يتوبوا . هذه سياسة الله، وفى نفس الوقت يؤدب بنى إسرائيل فى أرض سيناء ويربيهم تربية معينة ويهذبهم لكى يصلحوا لأن يدخلوا أرض كنعان، العذراء عانت كثيرا من منزل إلى منزل، فى منطقة المطرية تطرق الأبواب تطلب ان تاكل من اجل الطفل، ولكن الشيطان يسبقها إلى هناك ويقفلوا الأبواب فى وجهها، ولا يوجد أى مصدر اخر للأكل هذا هو الذل الذى لاقته مريم. لو أحد منا عاش هذا الذل لصرخ لماذا يارب كل ذلك؟ أنت تستطيع أن تنهى هذا كله، كان من الممكن أن لا تكون هذه الرحلة وتقضى على هيرودس، هذه ليست سياسة الله، وفى مرة مريم طرقت الباب فأجابتها السيدة أنا عجنت العجين وسأخبز، فقالت لها مريم هل تسمحى لى أن أساعدك حتى لا اكل خبز الكسل، فوافقت السيدة وقد تكون سيدة عجوزا، فأخذت العذراء قماط السيد المسيح ولفته على المجور وبدأت تقطع العجين الذى ملا الدور الأرضى وابتدات تملا الدور الأعلى، والعجين لايريد ان ينتهى، صاحبة البيت قالت لها يا سيدتي هذا الخبز كله ماذا اعمل به؟انا أعيش هنا لوحدى، يكفى هذا، فرفعت العذراء القماط فجف المجور، واصبح هذا الشارع بسبب هذه السيدة التى فتحت الباب امام العذراء يسمى شارع البركة فى المطرية.
أريد أن ترجع افكاركم للخلف وترى ماذا حدث للعذراء من متاعب، فتتحملوا المتاعب ولا يظن احد انه ما دام يصلى ويصوم لاتقف العقبات أمامه، لأن هذه المعاناة سيكون لها أجر، وسيكون عنها جزاء لأنه بقدر التعب يكون الجزاء.
انظروا بعد ذلك حياة إلمسيح كلها، يوسف كان رجلا عجوزا ومات، مات عندما كان سيدنا سنه 16 سنة فى الجسد، وعاشت العذراء منفردة، وبدأ المسيح له المجد يعمل نجارا، خصوصا بعد أن مات يوسف حتى سن الثلاثين، وكان عمله هذا شرفا للعمل ولو ننتقل بسرعة إلى الأسبوع الأخير، إلى الالام والى الصلب، انظروا قلب الأم عندما المسيح يسلمه الخائن يهوذا وهو أحد تلاميذه، وكل التلاميذ الآخرين أيضا يهربون، إذا كانت امرأة بيلاطس عندما رأت حلما أرسلت إلى بيلاطس وهو فى عمله وقالت له: إياك وهذا البار فإنى تعزبت كثيرا فى حلم من أجله، امرأة بيلاطس تعزبت كثيرا فماذا كان حال العذراء مريم؟! وماذا كانت فيه من الالم والحزن الذى يقطع قلبها، هى أم وليس لها غير المسيح من الناحية الجسدية أو من الناحية الروحية، لا يوجد غيره، ما هو شعورها؟ ماهو حا لها ؟ ومقدار ما عانته بعد الحكم عليه، وما عانته فى طريق الصليب حتى وقفت تحت الصليب؟ ونظرت له ونظر إليها وسلمها إلى يوحنا وأخذها يوحنا إلى بيته.
أنا رايت صورة فى فينيسيا لفنان من القرن الثالث عشر اعتقد أنها أجمل
صورة رأيتها فى حياتى، صورة المسيح فى القبر والعذراء واقفة، وكيف نجح الفنان فى أن يصور العذراء فى أصعب حالات الالم وأصعب لحظة من لحظات الحياة، ليس فقط لأنه ابنها، بل وحيدها وعائلها، ماهو مصيرها بعد صلب المسيح؟ وماذا سوف تعانى من اضطهاد ومتاعب من اليهود الذين يصبون عليها جام الغضب والاضطهاد والآلام. ضع أى واحد منا فى هذا الموقف، فالفنان نجح نجاحا ممتازا بأن يصور العذراء والألم على وجهها وعينيها تأكلت من البكاء، ووضعها شئ صعب جدا، انا وقفت أمام الصورة حوالى ثلث ساعة وكان ممكن لولا الاستعجال أن استمر ساعة وساعتين أمام هذه الصورة.
كيف نجح المصور والفنان فى القرن الثالث عشر، أن يصور العذراء فى أصعب فترة فى حياة الأم الوحيدة المنفردة التى يموت ابنها ووحيدها وعائلها؟ وماذا هيكون مصيرها من بعده وهى بنت يافعة؟. لم تكن مريم فى هذا الوقت أكثر من 47 سنة او 48 سنة لذلك قال سمعان
الشيخ وأنت أيضا يجوز فى نفسك سيف ، أى سيف سوف يطعنك فى قلبك من الداخل؟ طبعا هنا يشير إلى سيف الالم.
الخلاصة لماذا ترك المسيح العذراء ولم يتدخل ليخففالامها ؟ ليس فقط ليعطيها الأجر الذى هى تستحقه ولكن ليقدم فيها نموذجا للفضيلة، ونموذجا للإنسان الذى يتعب من اجل المسيح. كما أمهل الله أيوب ليقدم فى أيوب نموذجا للصبر.كل الناس الآن يقولون صبر أيوب. أيوب صار مثلا للصبر فى العالم كله وفي التاريخ كله، لأن أيوب كان فعلا مملوءا بالفضيلة ولكن كانت الفضيلة غير ظاهرة.فهذه فرصة لإظهار فضيلة أيوب. فضيلة استمساكه وايمانه وتدينه وتعبده للإله واحتماله.
فالمسيح ترك الظروف كلها تأتى ضد العذراء، ولم يتدخل للتخفيف عنها، لكي تعانى معه وهذا له جزاؤه، ولكن أيضا لإظهار فضيلة مريم، هل سمع أحد كلمة قالتها مريم فى كل التاريخ لا فى الإنجيل ولا غير الإنجيل، لم ينسب إلى مريم فى كل هذه الظروف خطأ، او أنها شتمت شتيمة أوتضايقت، امرأة أيوب قالت له . بارك ربك ومت، فأجابها تتكلمين كلاما كإحدى الجاهلات، الخير من الله نقبل والشر لا نقبل!! مريم هل حدث منها شئ
فى كل هذا؟ ابدا كانت صامتة متحملة لأنها جعلت نصيبها من نصيب الرب. الكأس الذى اشربها أنا شربتها مريم معه والصبغة التى اصطبغ بها ، مريم اصطبغت بها معه، لم تفترق عنه. ولذلك يا أولادنا دائما العذراء مع المسيح، فى تقليد الكنيسة خصوصا كنيستنا القبطية والأرثوذكسية بصفة عامة، لا يمكن أن نصور العذراء وحدها، اقول هذا الكلام
لأنه يوجد بعض الصور، العذراء بمفرده،
فى الفن القبطى لم يحدث أبدا أن العذراء تكون لوحدها ابدا العذراء لا تنفصل عن السيد المسيح، مصيرها مصيره فارتبطت
به فلا انفصال باستمرار على ذراعها الشمال لكى تكون هى على اليمين، لكن الوضع الأفضل ان يكون المسيح فى حجرها أنت الذى فى حجرك الملائكة لماذا؟ لتكون هى بالنسبة له المركبة وهو جالس عليها. أنت الجالس فوق الكار وبيم جلس على مريم فكانت مريم هى المركبة الشاروبيمية هذا هو الوضع المفضل، دائما
فى كنيستنا العذراء تضي المسيح على حجرها لكى تكون هى بالنسبة له مركبة.
فلا انفصال ابدا بين العذراء والمسيح، وارتبطت به وارتبط به مصيرها، لذلك حتى جسدها أخذه وهذا ما نحتفل به فى اليوم السادس عشر من مسرى. نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم جميعا الآن وكل
أوان والى دهر الدهور أمين.
كأس الألم في حياة العذراء
بقلم المتنيح الانبا غريغوريوس
العذراء اختيرت لتكون الخادمة الأولى لسر التجسد، ولكى تكون السماء الثانية الملكة أم الملك،هل كان هذا الاختيار اعتباطا أو نوعا من المنحة التى لا أساس لها غير أن الله أمر فصار؟...لا...ليست هذه سياسة الله أبدا، أبدا، إذا كان المخرج لرواية قبل أن يسند الدور لهذا الإنسان أو ذلك ليقوم به، لابد أن يكون أولا مطمئنا إلى كفاءة هذا الإ نسان، بالدور قبل أن يسند إليه الدور.فكيف يسند الرب هذا الدور لمريم إلا وهو يعلم أن مريم يمكنها أن تقوم بهذا الدور، فليس الموضوع اعتباطا ولا هو من قبيل الأمر، ولا لأن مريم يمكن أن تقوم بدور كان يمكن أن تقوم به أى امرأة أخرى، لا...لو لم تكن مريم مستحقة لهذا الشرف لما أسند الرب إليها هذا، خصوصا وأن دور مريم ليس مجرد امرأة حملت وو لدت، إنما امرأة من شبابها اصطبغت بالألم وشربت من
الكأس التى شربها المسيح،
شربت الألم، ليس فقط فى طفولتها اليتيمة وما عانته، وما لم تره ربما طفلة
أخرى، انفردت مريم منذ طفولتها بالم
اليتم، ولكن ليس اليتم وحده، إنما عندما
اختيرت وظهرلها الملاك وبشرها بالحمل
الالهي منذ هذه اللحظة ايضا بدأت مريم
تعانى، عانت الشكوك فى طهارتها وعفتها،
حتى يوسف الذى يعرف طهارتها اضطر
أن يشك فيها، لأنها بعد أن ظهر لها الملاك
وبشرها، وبعد ان حملت ذهبت إلى بيت
أليصابات وقضت هناك ثلاثة شهور،
وحضرت ميلاد يوحنا، لأنه فى هذا الو قت
كان الشهر السادس لاليصابات وعندما
رجعت إلى بيتها فى الناصرة وراى يوسف
علامات الحمل، كرجل وكإنسان شك فيها
من أين هذا الحمل؟ فهو يعرف جيدا أن
هذا الحمل ليس منه، ولولا كما يقول
الإنجيل ان الرجل كان بارا لما قرر فى
نفسه أن يطلق سراحها سرا حتى لا
يفضح أمرها، لأن الشريعة كانت تبيح له
فى هذه الحالة ان يجمع عليها شيوخ
المدينة وأن يقضى عليها بالرجم، لأنها
وقعت فى هذا الخطر المحظور، لكنه لأنه
كان بارا لم يرد أن يفضحها فأراد ان
يخلى سبيلها سرا، هذا يعتبر فضيلة فيه،
لكن بالنسبة لمريم هذه الإنسانة
الطاهرة النقية التى يعلم الله طهارتها، كيف
كان وضعها من الداخل وهى تحس انها
متهمة ومتهمة من أقرب الناس إليها، هنا
بدأت حلقة جديدة من حلقات الآلام فى
حياة مريم، الاتهامات والظنون والشكوك،
وليس هناك أمر عند بنت عفيفة طاهرة بكر
من ان تتهم فى طهارتها، هذا هو سلاحها
، هذا هو راسمالها، هذا هومجدها، ليس
هناك أبدا شئ يجرحها أكثر مما يجرحها
شرفها الذى مس، والذى حدث يجعل كل
إنسان له عقل يكون معذورا أن يتهمها.
وظلت مريم فى وضع الاتهام كل أيام حياتها، وربما إلى اليوم يصب عليها اليهود الاتهامات يتهمونها فى طهارتها، وأقل ما فيها ما كان يقوله بعض اليهود عن المسيح، ها نحن عارفون بأبيه وأمه وكأن يوسف هو أبو المسيح، هذا هو أقل ما يمكن ان يكون من اتهام يصيبها بالالم. أن يعتبر ميلاد المسيح من يوسف وأنها تزوجت، وهى لم تتزوج ولكن هذا أقل ما فى القضية من اتهام. إنما مريم عاشت كل ايام حياتها فى هذا الاتهام.من الذى يصدق؟ وبعد ذلك عاشت مريم تعانى مع المسيح، حينما جاء ميعادها لتلد، كان أوغسطس قيصر اصدر أمرا أن يكتتب كل المسكونة، كل واحد يذهب إلى مدينته التى ولد فيها لكى يكتتب، لكى يسجل اسمه فى البلد التى هي مسقط راسه، ومريم كانت
من بيت لحم ومن بيت داود، ويحدث أن مريم فى الوقت الذى فيه ستلد المسيح، تضطر على الرغم منها ان تركب حمارا وأن تسير من الناصرة إلى بيت لحم، وياليتها وجدت هناك مكانا، وهى فى هذه
اللحظات الصعبة الحرجة لم تجد مكانا في الخان، لم يجدوا فى الخان مكانا فاستضافها الحيوان وولد المسيح فى مذود البقر، لماذا هذا كله؟ لماذا لم يتأخي اوغسطس قيصر فى الميعاد؟ لو كان أحد فينا لتذمر، لماذا لا يأتى الاكتتاب إلا فى الوقت الذى فيه مريم كمل زمانها لتلد؟ لكى تتعذب أكثر وتتالم أكثر؟ لماذا لم يتدخل الله ليسهل مهمتها !!هذه مهمته هو، لكن لكى تعرفوا أن الله لا يحابى كما نحن فتصور، ليس لأن الشخص مع الله ودائما يتعبد ويصوم تكون كل حياته سهلة، الله يعطينا مثلا ونموذجا، لايوجد إنسانة ممكن أن تكون فى وضع مريم، ومع ذلك سمح الله بأن تعانى مريم هذه المعاناة وهذا ايضا لخيرها الأبدى، لكى تصطبغ بصبغة الألم وتشرب من الكأس، وتعانى مع المسيح فتكون مشاركة له، مشاركة مع المسيح فى
الامه، ولدت مريم وظهر النجم لمجوس وقادهم إلى أورشليم ثم اختفى ليذهبوا ويوقظوا اليهود الذين لا يدرون بولادة المسيح وكأن اختفاء النجم مقصودا ليعرف الملك وكل الشعب وترتبك المدينة كلها من سؤال المجوس، اين هو المولود ملك اليهود اننا اتينا لنسجد له؟ هيرودس الرجل السفاح الذى قتل أمه وأخته، هل يقبل أن يولد من يأخذ منه الملك جمع هيرودس رؤساء الكهنة وسألهم أين ولد المسيح، قالوا له فى بيت لحم، الإجابة كانت جاهزة بحسب تعاليم الكتاب المقدس لأنه هكذا مكتوب أما انت يا بيت لحم إفراته وأنت صغيرة ان تكونى بين الوف يهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطا على إسرائيل ( ميخا ه:2) فقال هيرودس للمجوس، اذهبوا ابحثوا عنه بالتدقيق فى
بيت لحم، ومتى رايتموه تعالوا وقولوا لى لكى انا ايضا أذهب واسجد له، قال هذا عن خبث، فخرج المجوس من إورشليم فظهر النجم، ففرحوا فرحا عظيما، وسار النجم حتى وصلوا حيث كان الصبى، وبعد ان قدم المجوس هداياهم أوحى إليهم فى حلم، أن لا يرجعوا إلى هيرودس.بل يذهبوا إلى بلادهم من طريق اخر. وفعلا اطاعوا ما أوحى به إليهم ورجعوا إلى بلادهم. وهذا يدل على أن الناس غير المسيحيين وغير المتدينين بديانة إلهية ممكن أن يكون لهم نوع من الوحى، وهيرودس استمر ينتظر وعندما لم يعد المجوس استشاط غضبا . وأمر بأن يقتل الأطفال من ابن سنتين فأقل. يارب ما هو ذنب الأطفال الأ برياء 144 الفا يقتلوا بسبب المسيح؟ . لماذا لم يقود النجم المجوس على بيت لحم مباشرة حيث المسيح؟. . .ثم يظهر الملاك ليوسف ويقول له خذ الصبى وأمه واهرب إلى أرض مصر وكن هناك حتى اقول لك، وخرجت الصبية مريم ولم تكن وصلت إلى سن 4ا سنة، خرجت فى جنح الظلام هى ويوسف هربا من هيرودس، وتصور شعور الإنسان وحالته النفسية من الداخل عندما يكون فى حالة هرب.
المعاناة النفسية التى عانتها نتيجة المطاردة، لأن هيروس ارسل عشرة جواسيس وراءهم ليمسك المسيح ويقبض عليه ويقتله. وفى الطريق كانت العذراء معها الذهب الذى قدمه المجوس والمعاناة من قطاع الطرق واللصوص، وقابلهم اثنان من اللصوص رأيا الذهب فسال لعابهما لكى يأخذاه، وفعلا هجما على مريم الصبية الصغيرة على الحمار، ومعها الطفل الاله يسوع، ولحكمته لم يحمها المسيح ولم يدفع عنها شرا ، وأخذ اللصان الذهب وايضا ما امكن من هدايا المجوس للمسيح، قال احد اللصين إلى الآخر، نحن بلغنا من القسوة ومن الجفاء وعدم الضمير، انه لم يكفنا ما صنعناه وسرقناه، فنهجم على هذه الصبية الصغيرة وعلى طفلها ، وكان يوسف رجلا عجوزا ، ليس فى قدرته أن يدفع لصين اقوياء، فطلب احدهما من الآخر أن يرد الذهب للعذراء، واختلفا الاثنان معا وتغلب واحد على الآخر وردا الذهب للعذراء، وسيدنا له المجد نظر للعذراء وأخبرها ان هذين اللصين سيصلبان واحد عن يمينه والآخر عن يساره، وصاحب القلب الرحيم هو الذى سيعلن توبته على الصليب، ويقول: اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك. فالعذراء لم يكن طريقها سهلا، ثم دخلوا ارض مصر وكلما ذهبوا إلى منطقة تتحطم الأوثان كما قال إشعياء النبى فيقوم كهنة الأوثان والشعب يضربونهم ويطردونهم من المكان فيذهبوا إلى مكان اخر فيحدث ما حدث فى الأول وتتحطم الأوثان ويطردوا منها وبهذا انتقل المسيح والعذراء مريم فى كل أرض مصر فى محطات مختلفة، كل هذا نتيجة الطرد من مكان إلى اخر فكان هذا بركة لبلادنا ، اتخذ المسيح شر هيرودس تبريرا لأن يدخل بلادنا وان يباركها واتخذ شر الكهنة الوثنيين الذين كانوا يطردونهم من مكان إلى مكان، ويضربونهم تبريرا بأن ينتقل من محطة إلى محطة فى كل ارض مصر، العذراء كانت تهان وتطرد وتضرب والمسيح لا يدافع عنها ، ليس لأنها معه يعفيها من الآلام. . .لا. ..لأنه أيضا يريد ان يعطيها الأجر والأجر يعطى علي قدر التعب، فتركها لتساهم معه، وتحمله على كتفيها وتسير به من مكان إلى أخر، تصوروا شعور الإنسان المطرود والمضطهد والمذل، تصوروا شعور بنت فى سن 4ا سنة كم عانت حتى وصلت إلى جبل قسقام الذي قام عليه فيما بعد دير المحرق، واقاموا فى غرفة هناك هى التى أصبحت هيكل الكنيسة الأثرية، اطول مدة ممكنة وهى ستة شهور وعشرة ايام، وهناك راى يوسف حلما أن الملاك جبرائيل يخبره ان يرجع إلى أرض فلسطين لأنه قد مات الذين كانوا يبتغون قتل الصبى، اربع سنين قضتها العائلة المقدسة فى مصر، لما لم يقض
الله على هيرودس من أول لحظة، ومن قبل ان يقتل الأطفال، هذا هو تفكيرنا باستمرار، فلان متعب، سئ، قاسى، نطلب أن الله يميته ، هذه ليست سياسة الله، لو كانت هذه سياسة الله، كان من مثل هيرودس بلعته الأرض من زمن طويل، وكان مات فى اللحظة التى حاول فيها أن يمس المسيح بأذى، بل الرب تركه، ولم يتدخل الله ليقتلة، لأن الله أب يعطى فرصة للإنسان لعله يتوب، الله لما حكم على الفلسطينيين ان بنى إسرائيل يخرجون، من أرض مصر، وكانوا يتدرون ان يصلوا لأرض الميعاد فى يومين فقط، وفعلأ اثنين من أرض مصر بعد أن عبروا البحر الأحمر استطاعوا أن يصلوا الأرض التى وعدهم بها الله فى يومين فقط، ولكن بنى إسرائيل استمروا أربعين سنة فى سيناء، لماذا؟ يقول لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملا، يعطى فرصة للاموريين وهم الفلسطينيون أربعين سنة أخرى، لأنه إله وأب وخالق، كلنا خليقته، لا يريد أن يفنى الفلسطينيون بل يعطيهم فرصة أربعين سنة لعلهم يتوبوا . هذه سياسة الله، وفى نفس الوقت يؤدب بنى إسرائيل فى أرض سيناء ويربيهم تربية معينة ويهذبهم لكى يصلحوا لأن يدخلوا أرض كنعان، العذراء عانت كثيرا من منزل إلى منزل، فى منطقة المطرية تطرق الأبواب تطلب ان تاكل من اجل الطفل، ولكن الشيطان يسبقها إلى هناك ويقفلوا الأبواب فى وجهها، ولا يوجد أى مصدر اخر للأكل هذا هو الذل الذى لاقته مريم. لو أحد منا عاش هذا الذل لصرخ لماذا يارب كل ذلك؟ أنت تستطيع أن تنهى هذا كله، كان من الممكن أن لا تكون هذه الرحلة وتقضى على هيرودس، هذه ليست سياسة الله، وفى مرة مريم طرقت الباب فأجابتها السيدة أنا عجنت العجين وسأخبز، فقالت لها مريم هل تسمحى لى أن أساعدك حتى لا اكل خبز الكسل، فوافقت السيدة وقد تكون سيدة عجوزا، فأخذت العذراء قماط السيد المسيح ولفته على المجور وبدأت تقطع العجين الذى ملا الدور الأرضى وابتدات تملا الدور الأعلى، والعجين لايريد ان ينتهى، صاحبة البيت قالت لها يا سيدتي هذا الخبز كله ماذا اعمل به؟انا أعيش هنا لوحدى، يكفى هذا، فرفعت العذراء القماط فجف المجور، واصبح هذا الشارع بسبب هذه السيدة التى فتحت الباب امام العذراء يسمى شارع البركة فى المطرية.
أريد أن ترجع افكاركم للخلف وترى ماذا حدث للعذراء من متاعب، فتتحملوا المتاعب ولا يظن احد انه ما دام يصلى ويصوم لاتقف العقبات أمامه، لأن هذه المعاناة سيكون لها أجر، وسيكون عنها جزاء لأنه بقدر التعب يكون الجزاء.
انظروا بعد ذلك حياة إلمسيح كلها، يوسف كان رجلا عجوزا ومات، مات عندما كان سيدنا سنه 16 سنة فى الجسد، وعاشت العذراء منفردة، وبدأ المسيح له المجد يعمل نجارا، خصوصا بعد أن مات يوسف حتى سن الثلاثين، وكان عمله هذا شرفا للعمل ولو ننتقل بسرعة إلى الأسبوع الأخير، إلى الالام والى الصلب، انظروا قلب الأم عندما المسيح يسلمه الخائن يهوذا وهو أحد تلاميذه، وكل التلاميذ الآخرين أيضا يهربون، إذا كانت امرأة بيلاطس عندما رأت حلما أرسلت إلى بيلاطس وهو فى عمله وقالت له: إياك وهذا البار فإنى تعزبت كثيرا فى حلم من أجله، امرأة بيلاطس تعزبت كثيرا فماذا كان حال العذراء مريم؟! وماذا كانت فيه من الالم والحزن الذى يقطع قلبها، هى أم وليس لها غير المسيح من الناحية الجسدية أو من الناحية الروحية، لا يوجد غيره، ما هو شعورها؟ ماهو حا لها ؟ ومقدار ما عانته بعد الحكم عليه، وما عانته فى طريق الصليب حتى وقفت تحت الصليب؟ ونظرت له ونظر إليها وسلمها إلى يوحنا وأخذها يوحنا إلى بيته.
أنا رايت صورة فى فينيسيا لفنان من القرن الثالث عشر اعتقد أنها أجمل
صورة رأيتها فى حياتى، صورة المسيح فى القبر والعذراء واقفة، وكيف نجح الفنان فى أن يصور العذراء فى أصعب حالات الالم وأصعب لحظة من لحظات الحياة، ليس فقط لأنه ابنها، بل وحيدها وعائلها، ماهو مصيرها بعد صلب المسيح؟ وماذا سوف تعانى من اضطهاد ومتاعب من اليهود الذين يصبون عليها جام الغضب والاضطهاد والآلام. ضع أى واحد منا فى هذا الموقف، فالفنان نجح نجاحا ممتازا بأن يصور العذراء والألم على وجهها وعينيها تأكلت من البكاء، ووضعها شئ صعب جدا، انا وقفت أمام الصورة حوالى ثلث ساعة وكان ممكن لولا الاستعجال أن استمر ساعة وساعتين أمام هذه الصورة.
كيف نجح المصور والفنان فى القرن الثالث عشر، أن يصور العذراء فى أصعب فترة فى حياة الأم الوحيدة المنفردة التى يموت ابنها ووحيدها وعائلها؟ وماذا هيكون مصيرها من بعده وهى بنت يافعة؟. لم تكن مريم فى هذا الوقت أكثر من 47 سنة او 48 سنة لذلك قال سمعان
الشيخ وأنت أيضا يجوز فى نفسك سيف ، أى سيف سوف يطعنك فى قلبك من الداخل؟ طبعا هنا يشير إلى سيف الالم.
الخلاصة لماذا ترك المسيح العذراء ولم يتدخل ليخففالامها ؟ ليس فقط ليعطيها الأجر الذى هى تستحقه ولكن ليقدم فيها نموذجا للفضيلة، ونموذجا للإنسان الذى يتعب من اجل المسيح. كما أمهل الله أيوب ليقدم فى أيوب نموذجا للصبر.كل الناس الآن يقولون صبر أيوب. أيوب صار مثلا للصبر فى العالم كله وفي التاريخ كله، لأن أيوب كان فعلا مملوءا بالفضيلة ولكن كانت الفضيلة غير ظاهرة.فهذه فرصة لإظهار فضيلة أيوب. فضيلة استمساكه وايمانه وتدينه وتعبده للإله واحتماله.
فالمسيح ترك الظروف كلها تأتى ضد العذراء، ولم يتدخل للتخفيف عنها، لكي تعانى معه وهذا له جزاؤه، ولكن أيضا لإظهار فضيلة مريم، هل سمع أحد كلمة قالتها مريم فى كل التاريخ لا فى الإنجيل ولا غير الإنجيل، لم ينسب إلى مريم فى كل هذه الظروف خطأ، او أنها شتمت شتيمة أوتضايقت، امرأة أيوب قالت له . بارك ربك ومت، فأجابها تتكلمين كلاما كإحدى الجاهلات، الخير من الله نقبل والشر لا نقبل!! مريم هل حدث منها شئ
فى كل هذا؟ ابدا كانت صامتة متحملة لأنها جعلت نصيبها من نصيب الرب. الكأس الذى اشربها أنا شربتها مريم معه والصبغة التى اصطبغ بها ، مريم اصطبغت بها معه، لم تفترق عنه. ولذلك يا أولادنا دائما العذراء مع المسيح، فى تقليد الكنيسة خصوصا كنيستنا القبطية والأرثوذكسية بصفة عامة، لا يمكن أن نصور العذراء وحدها، اقول هذا الكلام
لأنه يوجد بعض الصور، العذراء بمفرده،
فى الفن القبطى لم يحدث أبدا أن العذراء تكون لوحدها ابدا العذراء لا تنفصل عن السيد المسيح، مصيرها مصيره فارتبطت
به فلا انفصال باستمرار على ذراعها الشمال لكى تكون هى على اليمين، لكن الوضع الأفضل ان يكون المسيح فى حجرها أنت الذى فى حجرك الملائكة لماذا؟ لتكون هى بالنسبة له المركبة وهو جالس عليها. أنت الجالس فوق الكار وبيم جلس على مريم فكانت مريم هى المركبة الشاروبيمية هذا هو الوضع المفضل، دائما
فى كنيستنا العذراء تضي المسيح على حجرها لكى تكون هى بالنسبة له مركبة.
فلا انفصال ابدا بين العذراء والمسيح، وارتبطت به وارتبط به مصيرها، لذلك حتى جسدها أخذه وهذا ما نحتفل به فى اليوم السادس عشر من مسرى. نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم جميعا الآن وكل
أوان والى دهر الدهور أمين.
ولا يظن أن اعتراضها على الملاك بقولها كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلا دليل على الشك أو نقص الإيمان، بل إن هذا التساؤل كان نتيجة لعزيمتها الصادقة على حياة البتولية والعفاف، فلما بشرها الملاك بالحبل لم تستطع أن توفق بين الحبل وبين عزيمتها على البتولية فكان سؤالها سؤال من يريد الفهم، لاسؤال المعترض الشاك...فلما طمأنها الملاك أن الحبل سيتم مع احتفاظها ببتوليتها اقتنعت وقالت: هوذا أنا أمة الرب...ليكن لى كقولك .
أجل عظيم هو إيمان العذراء، فإن زكريا مع أنه رئيس كهنة لكنه شك فى ميلاد يوحنا...ولم يكن لزكريا هذه الميزة وحدها، وهى أنه رئيس كهنة قد درس الناموس، بل وأن حادثته لم تكن الأولى فى نوعها، فقد حبلت سارة بإسحق وهى عاقر وقد تجاوزت السن...أما العذراء فلم يسبقها فى مسألتها سابق، فهى أول عذراء تحبل دون أن تعرف رجلا...كما أن زكريا رجل شيخ وله من كبر سنه وكثرة خبرته وطول مدة عشرته لله، ما كان يجعله يؤمن ويصدق بإتمام الوعد له بالإنجاب...ولكن العذراء مع أنها لم تتجاوز بعد منتصف الحلقة الثانية من العمر، قد آمنت وصدقت ولذلك نطق الروح القدس على فم اليصابات عند استقبالها قائلا: فطوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب (لوا: 45 ). إذن لقد شعرت أليصابات بإلهام الروح القدس بالفارق بين إيمان زوجها وإيمان العذراء...ولذلك طوبتها وعظمتها لأنها أعنت بهذا السر العظيم ولم تشك مع أنه سر يحيى العقول والألباب.
ومن هنا نفهم لماذا غضب الملاك على زكريا وضربه بالخرس حتى يوم ميلاد يوحنا، ولكنه أجاب العذراء عن سؤالها بكل لطف ودعة.
فهل نتعلم من سيدتنا أن نثق بمواعيد الله وأنه مهما وعد فهو قادر على أن يتممه؟؟ يجب أن يكون لنا إيمان بالله، ومهما صعب علينا
أن نفهم لا نتأخي عن أن نؤمن وبالإيمان نفهم،،(عب 11 : 3 ):هناك حقائق كثيرة فى الديانة المسيحية لا نستطيع أن ندركها ولا بعض الإدراك، كسر التثليث والتوحيد، وسر التجسد ، والأسرار السبعة، ولذلك سميت أسرارا لأنها خفية ولا نستطيع أن ندركها بعقولنا ولكن مع عدم قدرتنا على إدراكها نؤمن بها مصدقين عالمين أن الذى وعد هو صادق وأمين.وإن كنا غير أمناء يبقى 0 أمينا إلى الأبد لايقدر أن ينكر
نفسة
إن وقفت أمام جرن المعمودية، فإنى بعينى الظاهرة أرى ما ء، وأما بعين الإيمان فأرى الروح القدس قد طهر المعتمد من خطاياه وغسله من آثامه وخلع منه طبيعته الآدمية وألبسه طبيعة آدم الثانى. وهكذا أنظر بحسب الظاهر فإذ على المذبح خبز وخمر ولكنى رغم الحواس الظاهرة أؤمن أنهما جسد الرب ودمه. فالإيمان ينبغى أن يكون عميقا ويجب أن يتعدى الحواس الظاهرة إلى القلب فنخضع العقل للإيمان لأنه بدون الإيمان لا يمكن إرضاءه .
جهادها، لنتمثل بها ولنتعلم منها كيف تكون حياة السائرين فى طريق السماء، هى نموذج من النماذج بشرية من بين شعبنا، من بين الناس لا من بين الملائكة إنما من بيننا، هذه العذراء فخر جنسنا نحن نكرمها ليس فقط لأنها العذراء والدة الإله، ولأنها الملكة أم الملك، ليس لهذا فقط، إنما نريد أن نعكس القضية، لولا أن مريم قديسة طاهرة لما استحقت هذا الشرف أن تصبح الملكة أم الملك.
اسمعوا الملاك عندما جاءها من السماء يقول لها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة قبل أن يعطيها البشرى، قبل أن تحمل المسيح فى أحشائها هى ممتلئة نعمة، هى ممتلئة نعمة قبل أن تقبل المسيح فى أحشائها،ففضائل مريم المتمثلة فى حياتها، من حيث أنها قديسة فى ذاتها، وهذه القداسة هى التى رشحتها وأهلتها أن تصبح الملكة أم الملك، وليس لأنها كانت الملكة نحن نكرمها وإن كان هذا جميلا بأن نكرمها لأن إكرام الأم إكرام للابن، ولكن لأن مريم فى ذاتها كانت فاضلة وقديسة وطاهرة، وجاء الملاك يحييها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة فى اللغة القبطية معناها مشحونة، ممتلئة نعمة، ممتلئة فضيلة ممتلئة تقوى، ممتلئة قداسة، ممتلئة نقاء ممتلئة أهلية بأن تعمل النعمة فيها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، الله لا يكون مع أحد إلا إذا كان هذا الأحد مع الله.
عندما ذهبت العذراء إلى أليصابات، يقول الإنجيل امتلات أليصابات من نعمة الروح القدس، وقالت لها مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك، منذ سمعت صوت سلامك ارتكض الجنين بابتهاج فى بطنى، وطوبى للتى أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب.
لاحظوا أن أليصابات امرأة رئيس الكهنة، المرأة العجوز التى لها وقارها واحترامها على الأقل من جهة سنها تحيى صبية فى الثالثة عشرة من عمرها بهذه التحية، وتختمها بالقول طوبى ما أسعدك ، طوبى كلمة سريانية دخلت إلى اللغة العربية، معناها الغبطة والسعادة ، ما أسعدك يا مريم، طوبى للتى أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب. إذن مريم صبية مؤمنة، وإيمانها يستحق أن يشاد به، وأليصابات طوبتها لأنها رأت أن زوجها لم يؤمن إيمان هذه الفتاة الصبية
زوجها وهو رئيس الكهئة اعترض الملاك قائلا: كيف يكون لى ولد، وأنا رجل شيخ وامرائى متقدمة فى أيامها، على الرغم من أن هذه القصة ليست جديدة فى تاريخ الإنسانية فسبقتها على الأقل قصة إبراهيم وسارة وهو كمعلم وكرئيس الكهنة كان يمكن أن يسترجع بذاكرته هذه القصة فلا يتعجب من بشرى الملاك له، أما مريم فعلى الرغم من أن قصتها غير مسبوق لها، ولم تحدث فى تاريخ الإنسانية أمنت ولم تشك وهى صبية، وهذا يدل على أن فى مريم فضيلة الإيمان وفضيلة التصديق وهذا لا يتم ولا يكون إلا فى إنسان ارتبط وتوثق فى قول الإله وصار شاخصا فى الله.
كثير من الناس يشتكون من الشك، فأحيانا واحد يرى رؤيا أو
حلمأ وبعد ذلك ينساه ويعود يشك، أو يرى نموذجأ عمليا فى حياته ومع ذلك يعود ويشك.
إنما هذه الصبية استحقت أن تطوبها أليصابات بالروح القدس، وهذا تنفيذ وتتميم وتحقيق لما أنبات به العذراء نفسهإ،حينما قالت تعظم نفسى الرب، تبتهج روحى بالله مخلصى لأنا نظر إلى تواضع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى . لم تقل ذلك بنوع من الفخر، وإنما بروح التواضع لأنها أكملت تقول القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتواضعين، أشبع الجياع خيرات ومسرف الأغنياء فارغين .
إذن مريم تقف أمامنا معلمة للفضيلة، معلمة فى فضيلة الإيمان وتصديق القلب، الذى لا يكون بهذه الدرجة إلا إذا توثقت العلاقة بين الإنسان وبين الله. وهذه حالة لا تستهين بها، لأنه لا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا الإيمان إلا إذا كان فعلا قد توثقف علاقته بالله ووصل إلى خبرات الآباء الروحانيين.
الكتاب المقدس يقول عن إبراهيم آمن إبراهيم فحسب له إيمانه برا إبراهيم يأتى له الأمر من عند الله يا إبراهيم أخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك يقول الرسول بولس خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتى ، تصوروا من منا يعمل ذلك؟! لم يسأل الله إلى أين أذهب؟ حتى ليعرف أن يجيب على من يسأله من زوجته وأقربائه وأصدقائه إلى أين تذهب؟ فخرج وهو لا يعلم إلى أين،
مادام الله قال له أن يخرج فخرج
ولا يحتاج بعد ذلك إلى شئ، هنا درجة الإيمان فى الأبرار والقديسين هذه نتيجة خبرات عميقة ليست سهلة أبدا، فى التجربة العملية ليست سهلة أبدا،ضع نفسك فى نفس الموضع ماذا كان سيحدث، كيف تخرج وأنت لا تعلم إلى أين تذهب؟ ثم انظر بعد ذلك الله أعطى إبراهيم ابنا، هذا الذى وعده به وهو إسحق، وأصبح سنه حوالى 17 سنة أى شاب ويأتى الأمر لإبراهيم: يا إبراهيم خذ ابنك وحيدك حبيبك يعنى أنا عارف أنه وحيدك وحبيبك، ولا يوجد غيره، يغلق عليه الباب، حتى لا يقول له هذا وحيدى يارب، خذ ابنك وحيدك حبيبك الذى تحبه إسحق وقدمه لى محرقة على أحد الجبال الذى أعلمك به أيضا لم يقل له أين الجبل؟ كان عنده ألف حجة أنه يقول أخرج أذهب إلى أين؟ مرة أخرى خرج إبراهيم وهو لا يعلم إلى أين يمضى، يقول الكتاب: قام إبراهيم باكرا انظر كلمة باكرا الإنسان منا عندما يذهب إلى مكان غير مستريح إليه يتلكأ لكن إبراهيم يقوم باكرا، وأسرج دابته وأخذ ابنه وأخذ الحطب وأخذ النار ومشى ثلاثة أيام لأن الجبل الذى أعطاه العلامة له ليقدم عليه ابنه إسحق محرقة كان هو جبل الموريا الذى قام عليه هيكل سليمان، وفى تقليد الكنيسة اليهودية والمسيحية أن إبراهيم بعد أن سار ثلاثة أيام كما قال الكتاب فى سفر التكوين، رأى على هذا الجبل صليبا من نور فأدرك أن هذا هو الجبل المقصود، لأن هناك جبالأ كثيرة، لكن ابنه سأله سؤالأ يفطر القلب قال له ها هو
الحطب والنار، أين الخروف الذى تقدمه للمحرقة يا أبى؟لكن إبراهيم يجيب عليه وهو رجل شيخ، على الأقل 117 أو 118 سنة فى هذا الوقت، إن الله الذى أمرنا أن نقدم له ذبيحة هو الذى يرى حملا للمحرقة يا ابنى، ثم وضع الحطب على ابنه إسحق وصعدا إلى الجبل، ثم كان لابد له أن يواجه إسحق بعد أن بنى المذبح، ووضع الحطب على المذبح، وأمسك باسحق ووضعه على المذبح بعد أن ربطه، فأطاع إسحق أباه، وهذه فضيلة من فضائل إسحق، كان ممكن أن يرفض ويقاوم ويهرب ويدافع لأن هذه مسألة حياة أو موت.
ثم أمسك إبراهيم السكين ورفع يده ليذبحه ، وفى هذه اللحظة ناداه الله، إبراهيم إبراهيم ارفع يدك ولا تمس فتاك بسوء إنى قد رأيت محبتك فى، لم تمنع ابنك وحيدك الذى تحبه إسحق لذلك بالبركة أباركك.. كان هذا امتحانا ونجح إبراهيم فى هذا الامتحان، كان هذا الموضوع مشكلة فى عقل إبراهيم كيف أن الله قال له بإسحق يدعى لك نسل ثم يقول له قدمه لى محرقة أين الوعد، بولس الرسول حل المشكلة قال:لأن إبراهيم كان يؤمن بالقيامة من بين الأموات. يا جمال ويا روعة إبراهيم، فى هذا الوقت لم ير شئ اسمه قيامة!! ولم يكن هناك كتب مقدسة وقتها!! ولاعقيدة كهذه؟ من أين عرف القيامة من بين الأموات !!إيمان إبراهيم بوعد الله بأنه بإسحق يكون له نسل، وإسحق سيذبح، والوعد لابد أن يتم إذن لابد
أن يقوم من بين الأموات، هذه الثقة بالله ولدت الإيمان الذى بلا فحص ، وهذا 00 ما نقوله فى القداس الكرلسي ! وهذا الإيمان يغير فحص دفعه أن يؤمن بالقيامة من بين الأموات، ولم تكن هذه عقيدة مقررة ولم تحدث من قبل، الله لا يكذب، ومادام قال بإسحق يدعى لك نسل، وإسحق سيموت، إذن لابد أن يقوم من بين الأموات، المسألة ليست سهلة، هذا ليس مجرد كلام ولكنها خبرة روحية ليس من السهل أن يصل إليها الإنسان، إلا مع طول العشرة المقدسة.
لذلك مريم وهى صبية سنها 13 سنة كيف تلد، كيف أمنت، كيف صدقت الملاك وهو يقول لها ها أنت ستحبلين وتلدين ابنا، لم تشك بل صدقت، ولذلك أليصابات بالروح القدس طوبتها وقالت طوبى، طوبى لك
يامن أمنت، بأن يتم ما قيل لها من قبل الرب، ماذا تعنى آمنت؟ تعنى لم تكونى مترددة ولكن تصديق مطلق كامل بلا شك، بدون تردد، صبية سنها 13 سنة من أين أتاها هذا الإيمان، لولا أنها فعلا كانت معجونة ومشحونة بالعلاقة السرية بينها وبين الله، من غير الممكن عقلية فى هذا السن تصل لهذه المرحلة التى فيها، لم تنطق أليصابات، ولكن الروح القدس هو الذى نطق، الروح القدس هو الذى طوبها طوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب فطوبتها على إيمانها، ماهو الإيمان؟ الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى .
فلم يحدث فى التاريخ أبدا أن عذراء تحبل وتلد، ومع ذلك وهى بنت صبية، كونها تؤمن وتصدق فقد فاق إيمانها إيمان رئيس الكهنة، ولذلك أليصابات طوبتها، طوبى للتى آمنت لك الطوبى، لك الغبطة، لك السعادة، لك الكرامة لأنك صدقت بشارة الملاك، وقلت هو ذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك وطبعا لو لم تقل العذراء هذه الجملة ما كان حدث الحلول فى أحشائها، لأن الله فى عطاياه لا يجبر الإنسان عليها، فإن هى قبلت يتم الحمل، وإن لم تقبل هذا الكلام لا يتم الحمل، عطايا الله لا يغصب عليها أبدا، ولذلك قالت هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك بعد ذلك انصرف من عندها الملاك لأنها قبلت وهذا القبول يدل على صحة إيمانها
العذراء مريم تقف أمامنا معلم وهى صبية بكل هذا القدر الوافر من الإيمان، الذى جعل أليصابات تطوبها لأنها آمنت بما لم تؤمن هى به مع أنها امرأة رئيس الكهنة، وبالرغم من أن موضوع أليصابات كان له سابقة، أما موضوع العذراء فلم يحدث من قبل. أليصابات خجلت من نفسها أمام هذه الصبية الصغيرة مع أن قصتها لم يسبق لها فى التاريخ، لم يحدث أن عذراء تحبل وتلد.
إذن مريم كانت فتاة تتميز بدرجة عالية من الإيمان، ما كان يمكن لمريم أن تقبل بشارة الملاك بهذه البساطة مالم يكن لها إيمان لا يحده عقل، عندما اعترضت لم تعترض من جهة إيمانية، اعترضت من جهة معقولة كيف يكون لى هذا وأنا لا أعرف...لكنها لم تشك فى قدرة الله، ولذلك لم يعاقبها الملاك كما عاقب زكريا بل حياها وقال لها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، .
أذن هذه فضيلة أخرى من فضائل مريم، ينبغى أن نبرزها فى الكنيسة، فضيلآ الإيمان،التصديق، التسليم القلبى، الثقة والإيقان بأمور لاترى.
مريم لم تعظ ولكنها تقف أمامنا واعظة صامتة تعلمنا كيف يكون الإيمان،كيف يكون التصديق كيف يكون التسليم، كيف تكون الثقة والإيقان بأمور لاترى.
وليست أليصابات وحدها هى التى طوبتها، صرخت مرة امرأة من الجمع وقالت لها: طوبى للبطن الذى حملك وللثديين الذين رضعتهما. فقال لها:بالأحرى طوبي للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه، إن كرامة أمى مريم ليست فقط فى أنها حملت، ولكن لأنها أولا سمعت كلام الله وحفظته، لم تكن مجرد وعاء حملت، لكنها حملت لأنها كانت مستحقة لأنها سمعت كلمة الله وحفظتها منذ طفولتها، ماضيها معروف قبل أن تحمل بالمسيح، ماض نقى، إنسانة لله، كلها لله.
مريم بسيرتها وصمتها وسكونها وايمانها تقف أمامنا الآن معلمة لا بالكلام ولا بالوعظ ولا بالإرشاد ولا بالشرح ولا بالتفسير، إنما فى شخصها نموذج ساحق للفضيلة، للإيمان، للصمت، لكل الفضائل، لخدمة الملائكة، للبتولية الدائمة والعفة الكاملة. شفاعتها فلتشملنا جميعا، ولإلهنا الإكرام والمجد إلى الأبد آمين
ولا يظن أن اعتراضها على الملاك بقولها كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلا دليل على الشك أو نقص الإيمان، بل إن هذا التساؤل كان نتيجة لعزيمتها الصادقة على حياة البتولية والعفاف، فلما بشرها الملاك بالحبل لم تستطع أن توفق بين الحبل وبين عزيمتها على البتولية فكان سؤالها سؤال من يريد الفهم، لاسؤال المعترض الشاك...فلما طمأنها الملاك أن الحبل سيتم مع احتفاظها ببتوليتها اقتنعت وقالت: هوذا أنا أمة الرب...ليكن لى كقولك .
أجل عظيم هو إيمان العذراء، فإن زكريا مع أنه رئيس كهنة لكنه شك فى ميلاد يوحنا...ولم يكن لزكريا هذه الميزة وحدها، وهى أنه رئيس كهنة قد درس الناموس، بل وأن حادثته لم تكن الأولى فى نوعها، فقد حبلت سارة بإسحق وهى عاقر وقد تجاوزت السن...أما العذراء فلم يسبقها فى مسألتها سابق، فهى أول عذراء تحبل دون أن تعرف رجلا...كما أن زكريا رجل شيخ وله من كبر سنه وكثرة خبرته وطول مدة عشرته لله، ما كان يجعله يؤمن ويصدق بإتمام الوعد له بالإنجاب...ولكن العذراء مع أنها لم تتجاوز بعد منتصف الحلقة الثانية من العمر، قد آمنت وصدقت ولذلك نطق الروح القدس على فم اليصابات عند استقبالها قائلا: فطوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب (لوا: 45 ). إذن لقد شعرت أليصابات بإلهام الروح القدس بالفارق بين إيمان زوجها وإيمان العذراء...ولذلك طوبتها وعظمتها لأنها أعنت بهذا السر العظيم ولم تشك مع أنه سر يحيى العقول والألباب.
ومن هنا نفهم لماذا غضب الملاك على زكريا وضربه بالخرس حتى يوم ميلاد يوحنا، ولكنه أجاب العذراء عن سؤالها بكل لطف ودعة.
فهل نتعلم من سيدتنا أن نثق بمواعيد الله وأنه مهما وعد فهو قادر على أن يتممه؟؟ يجب أن يكون لنا إيمان بالله، ومهما صعب علينا
أن نفهم لا نتأخي عن أن نؤمن وبالإيمان نفهم،،(عب 11 : 3 ):هناك حقائق كثيرة فى الديانة المسيحية لا نستطيع أن ندركها ولا بعض الإدراك، كسر التثليث والتوحيد، وسر التجسد ، والأسرار السبعة، ولذلك سميت أسرارا لأنها خفية ولا نستطيع أن ندركها بعقولنا ولكن مع عدم قدرتنا على إدراكها نؤمن بها مصدقين عالمين أن الذى وعد هو صادق وأمين.وإن كنا غير أمناء يبقى 0 أمينا إلى الأبد لايقدر أن ينكر
نفسة
إن وقفت أمام جرن المعمودية، فإنى بعينى الظاهرة أرى ما ء، وأما بعين الإيمان فأرى الروح القدس قد طهر المعتمد من خطاياه وغسله من آثامه وخلع منه طبيعته الآدمية وألبسه طبيعة آدم الثانى. وهكذا أنظر بحسب الظاهر فإذ على المذبح خبز وخمر ولكنى رغم الحواس الظاهرة أؤمن أنهما جسد الرب ودمه. فالإيمان ينبغى أن يكون عميقا ويجب أن يتعدى الحواس الظاهرة إلى القلب فنخضع العقل للإيمان لأنه بدون الإيمان لا يمكن إرضاءه .
جهادها، لنتمثل بها ولنتعلم منها كيف تكون حياة السائرين فى طريق السماء، هى نموذج من النماذج بشرية من بين شعبنا، من بين الناس لا من بين الملائكة إنما من بيننا، هذه العذراء فخر جنسنا نحن نكرمها ليس فقط لأنها العذراء والدة الإله، ولأنها الملكة أم الملك، ليس لهذا فقط، إنما نريد أن نعكس القضية، لولا أن مريم قديسة طاهرة لما استحقت هذا الشرف أن تصبح الملكة أم الملك.
اسمعوا الملاك عندما جاءها من السماء يقول لها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة قبل أن يعطيها البشرى، قبل أن تحمل المسيح فى أحشائها هى ممتلئة نعمة، هى ممتلئة نعمة قبل أن تقبل المسيح فى أحشائها،ففضائل مريم المتمثلة فى حياتها، من حيث أنها قديسة فى ذاتها، وهذه القداسة هى التى رشحتها وأهلتها أن تصبح الملكة أم الملك، وليس لأنها كانت الملكة نحن نكرمها وإن كان هذا جميلا بأن نكرمها لأن إكرام الأم إكرام للابن، ولكن لأن مريم فى ذاتها كانت فاضلة وقديسة وطاهرة، وجاء الملاك يحييها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة فى اللغة القبطية معناها مشحونة، ممتلئة نعمة، ممتلئة فضيلة ممتلئة تقوى، ممتلئة قداسة، ممتلئة نقاء ممتلئة أهلية بأن تعمل النعمة فيها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، الله لا يكون مع أحد إلا إذا كان هذا الأحد مع الله.
عندما ذهبت العذراء إلى أليصابات، يقول الإنجيل امتلات أليصابات من نعمة الروح القدس، وقالت لها مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك، منذ سمعت صوت سلامك ارتكض الجنين بابتهاج فى بطنى، وطوبى للتى أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب.
لاحظوا أن أليصابات امرأة رئيس الكهنة، المرأة العجوز التى لها وقارها واحترامها على الأقل من جهة سنها تحيى صبية فى الثالثة عشرة من عمرها بهذه التحية، وتختمها بالقول طوبى ما أسعدك ، طوبى كلمة سريانية دخلت إلى اللغة العربية، معناها الغبطة والسعادة ، ما أسعدك يا مريم، طوبى للتى أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب. إذن مريم صبية مؤمنة، وإيمانها يستحق أن يشاد به، وأليصابات طوبتها لأنها رأت أن زوجها لم يؤمن إيمان هذه الفتاة الصبية
زوجها وهو رئيس الكهئة اعترض الملاك قائلا: كيف يكون لى ولد، وأنا رجل شيخ وامرائى متقدمة فى أيامها، على الرغم من أن هذه القصة ليست جديدة فى تاريخ الإنسانية فسبقتها على الأقل قصة إبراهيم وسارة وهو كمعلم وكرئيس الكهنة كان يمكن أن يسترجع بذاكرته هذه القصة فلا يتعجب من بشرى الملاك له، أما مريم فعلى الرغم من أن قصتها غير مسبوق لها، ولم تحدث فى تاريخ الإنسانية أمنت ولم تشك وهى صبية، وهذا يدل على أن فى مريم فضيلة الإيمان وفضيلة التصديق وهذا لا يتم ولا يكون إلا فى إنسان ارتبط وتوثق فى قول الإله وصار شاخصا فى الله.
كثير من الناس يشتكون من الشك، فأحيانا واحد يرى رؤيا أو
حلمأ وبعد ذلك ينساه ويعود يشك، أو يرى نموذجأ عمليا فى حياته ومع ذلك يعود ويشك.
إنما هذه الصبية استحقت أن تطوبها أليصابات بالروح القدس، وهذا تنفيذ وتتميم وتحقيق لما أنبات به العذراء نفسهإ،حينما قالت تعظم نفسى الرب، تبتهج روحى بالله مخلصى لأنا نظر إلى تواضع أمته فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى . لم تقل ذلك بنوع من الفخر، وإنما بروح التواضع لأنها أكملت تقول القدير صنع بى عظائم واسمه قدوس أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتواضعين، أشبع الجياع خيرات ومسرف الأغنياء فارغين .
إذن مريم تقف أمامنا معلمة للفضيلة، معلمة فى فضيلة الإيمان وتصديق القلب، الذى لا يكون بهذه الدرجة إلا إذا توثقت العلاقة بين الإنسان وبين الله. وهذه حالة لا تستهين بها، لأنه لا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا الإيمان إلا إذا كان فعلا قد توثقف علاقته بالله ووصل إلى خبرات الآباء الروحانيين.
الكتاب المقدس يقول عن إبراهيم آمن إبراهيم فحسب له إيمانه برا إبراهيم يأتى له الأمر من عند الله يا إبراهيم أخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك يقول الرسول بولس خرج وهو لا يعلم إلى أين يأتى ، تصوروا من منا يعمل ذلك؟! لم يسأل الله إلى أين أذهب؟ حتى ليعرف أن يجيب على من يسأله من زوجته وأقربائه وأصدقائه إلى أين تذهب؟ فخرج وهو لا يعلم إلى أين،
مادام الله قال له أن يخرج فخرج
ولا يحتاج بعد ذلك إلى شئ، هنا درجة الإيمان فى الأبرار والقديسين هذه نتيجة خبرات عميقة ليست سهلة أبدا، فى التجربة العملية ليست سهلة أبدا،ضع نفسك فى نفس الموضع ماذا كان سيحدث، كيف تخرج وأنت لا تعلم إلى أين تذهب؟ ثم انظر بعد ذلك الله أعطى إبراهيم ابنا، هذا الذى وعده به وهو إسحق، وأصبح سنه حوالى 17 سنة أى شاب ويأتى الأمر لإبراهيم: يا إبراهيم خذ ابنك وحيدك حبيبك يعنى أنا عارف أنه وحيدك وحبيبك، ولا يوجد غيره، يغلق عليه الباب، حتى لا يقول له هذا وحيدى يارب، خذ ابنك وحيدك حبيبك الذى تحبه إسحق وقدمه لى محرقة على أحد الجبال الذى أعلمك به أيضا لم يقل له أين الجبل؟ كان عنده ألف حجة أنه يقول أخرج أذهب إلى أين؟ مرة أخرى خرج إبراهيم وهو لا يعلم إلى أين يمضى، يقول الكتاب: قام إبراهيم باكرا انظر كلمة باكرا الإنسان منا عندما يذهب إلى مكان غير مستريح إليه يتلكأ لكن إبراهيم يقوم باكرا، وأسرج دابته وأخذ ابنه وأخذ الحطب وأخذ النار ومشى ثلاثة أيام لأن الجبل الذى أعطاه العلامة له ليقدم عليه ابنه إسحق محرقة كان هو جبل الموريا الذى قام عليه هيكل سليمان، وفى تقليد الكنيسة اليهودية والمسيحية أن إبراهيم بعد أن سار ثلاثة أيام كما قال الكتاب فى سفر التكوين، رأى على هذا الجبل صليبا من نور فأدرك أن هذا هو الجبل المقصود، لأن هناك جبالأ كثيرة، لكن ابنه سأله سؤالأ يفطر القلب قال له ها هو
الحطب والنار، أين الخروف الذى تقدمه للمحرقة يا أبى؟لكن إبراهيم يجيب عليه وهو رجل شيخ، على الأقل 117 أو 118 سنة فى هذا الوقت، إن الله الذى أمرنا أن نقدم له ذبيحة هو الذى يرى حملا للمحرقة يا ابنى، ثم وضع الحطب على ابنه إسحق وصعدا إلى الجبل، ثم كان لابد له أن يواجه إسحق بعد أن بنى المذبح، ووضع الحطب على المذبح، وأمسك باسحق ووضعه على المذبح بعد أن ربطه، فأطاع إسحق أباه، وهذه فضيلة من فضائل إسحق، كان ممكن أن يرفض ويقاوم ويهرب ويدافع لأن هذه مسألة حياة أو موت.
ثم أمسك إبراهيم السكين ورفع يده ليذبحه ، وفى هذه اللحظة ناداه الله، إبراهيم إبراهيم ارفع يدك ولا تمس فتاك بسوء إنى قد رأيت محبتك فى، لم تمنع ابنك وحيدك الذى تحبه إسحق لذلك بالبركة أباركك.. كان هذا امتحانا ونجح إبراهيم فى هذا الامتحان، كان هذا الموضوع مشكلة فى عقل إبراهيم كيف أن الله قال له بإسحق يدعى لك نسل ثم يقول له قدمه لى محرقة أين الوعد، بولس الرسول حل المشكلة قال:لأن إبراهيم كان يؤمن بالقيامة من بين الأموات. يا جمال ويا روعة إبراهيم، فى هذا الوقت لم ير شئ اسمه قيامة!! ولم يكن هناك كتب مقدسة وقتها!! ولاعقيدة كهذه؟ من أين عرف القيامة من بين الأموات !!إيمان إبراهيم بوعد الله بأنه بإسحق يكون له نسل، وإسحق سيذبح، والوعد لابد أن يتم إذن لابد
أن يقوم من بين الأموات، هذه الثقة بالله ولدت الإيمان الذى بلا فحص ، وهذا 00 ما نقوله فى القداس الكرلسي ! وهذا الإيمان يغير فحص دفعه أن يؤمن بالقيامة من بين الأموات، ولم تكن هذه عقيدة مقررة ولم تحدث من قبل، الله لا يكذب، ومادام قال بإسحق يدعى لك نسل، وإسحق سيموت، إذن لابد أن يقوم من بين الأموات، المسألة ليست سهلة، هذا ليس مجرد كلام ولكنها خبرة روحية ليس من السهل أن يصل إليها الإنسان، إلا مع طول العشرة المقدسة.
لذلك مريم وهى صبية سنها 13 سنة كيف تلد، كيف أمنت، كيف صدقت الملاك وهو يقول لها ها أنت ستحبلين وتلدين ابنا، لم تشك بل صدقت، ولذلك أليصابات بالروح القدس طوبتها وقالت طوبى، طوبى لك
يامن أمنت، بأن يتم ما قيل لها من قبل الرب، ماذا تعنى آمنت؟ تعنى لم تكونى مترددة ولكن تصديق مطلق كامل بلا شك، بدون تردد، صبية سنها 13 سنة من أين أتاها هذا الإيمان، لولا أنها فعلا كانت معجونة ومشحونة بالعلاقة السرية بينها وبين الله، من غير الممكن عقلية فى هذا السن تصل لهذه المرحلة التى فيها، لم تنطق أليصابات، ولكن الروح القدس هو الذى نطق، الروح القدس هو الذى طوبها طوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب فطوبتها على إيمانها، ماهو الإيمان؟ الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى .
فلم يحدث فى التاريخ أبدا أن عذراء تحبل وتلد، ومع ذلك وهى بنت صبية، كونها تؤمن وتصدق فقد فاق إيمانها إيمان رئيس الكهنة، ولذلك أليصابات طوبتها، طوبى للتى آمنت لك الطوبى، لك الغبطة، لك السعادة، لك الكرامة لأنك صدقت بشارة الملاك، وقلت هو ذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك وطبعا لو لم تقل العذراء هذه الجملة ما كان حدث الحلول فى أحشائها، لأن الله فى عطاياه لا يجبر الإنسان عليها، فإن هى قبلت يتم الحمل، وإن لم تقبل هذا الكلام لا يتم الحمل، عطايا الله لا يغصب عليها أبدا، ولذلك قالت هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك بعد ذلك انصرف من عندها الملاك لأنها قبلت وهذا القبول يدل على صحة إيمانها
العذراء مريم تقف أمامنا معلم وهى صبية بكل هذا القدر الوافر من الإيمان، الذى جعل أليصابات تطوبها لأنها آمنت بما لم تؤمن هى به مع أنها امرأة رئيس الكهنة، وبالرغم من أن موضوع أليصابات كان له سابقة، أما موضوع العذراء فلم يحدث من قبل. أليصابات خجلت من نفسها أمام هذه الصبية الصغيرة مع أن قصتها لم يسبق لها فى التاريخ، لم يحدث أن عذراء تحبل وتلد.
إذن مريم كانت فتاة تتميز بدرجة عالية من الإيمان، ما كان يمكن لمريم أن تقبل بشارة الملاك بهذه البساطة مالم يكن لها إيمان لا يحده عقل، عندما اعترضت لم تعترض من جهة إيمانية، اعترضت من جهة معقولة كيف يكون لى هذا وأنا لا أعرف...لكنها لم تشك فى قدرة الله، ولذلك لم يعاقبها الملاك كما عاقب زكريا بل حياها وقال لها سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، .
أذن هذه فضيلة أخرى من فضائل مريم، ينبغى أن نبرزها فى الكنيسة، فضيلآ الإيمان،التصديق، التسليم القلبى، الثقة والإيقان بأمور لاترى.
مريم لم تعظ ولكنها تقف أمامنا واعظة صامتة تعلمنا كيف يكون الإيمان،كيف يكون التصديق كيف يكون التسليم، كيف تكون الثقة والإيقان بأمور لاترى.
وليست أليصابات وحدها هى التى طوبتها، صرخت مرة امرأة من الجمع وقالت لها: طوبى للبطن الذى حملك وللثديين الذين رضعتهما. فقال لها:بالأحرى طوبي للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه، إن كرامة أمى مريم ليست فقط فى أنها حملت، ولكن لأنها أولا سمعت كلام الله وحفظته، لم تكن مجرد وعاء حملت، لكنها حملت لأنها كانت مستحقة لأنها سمعت كلمة الله وحفظتها منذ طفولتها، ماضيها معروف قبل أن تحمل بالمسيح، ماض نقى، إنسانة لله، كلها لله.
مريم بسيرتها وصمتها وسكونها وايمانها تقف أمامنا الآن معلمة لا بالكلام ولا بالوعظ ولا بالإرشاد ولا بالشرح ولا بالتفسير، إنما فى شخصها نموذج ساحق للفضيلة، للإيمان، للصمت، لكل الفضائل، لخدمة الملائكة، للبتولية الدائمة والعفة الكاملة. شفاعتها فلتشملنا جميعا، ولإلهنا الإكرام والمجد إلى الأبد آمين
مريم أو بحر المر
وكانت واقفات عند صليب يسوع: أمه... (يو19: 25)
من بين النساء الأربع اللائى كن عند الصليب كانت ثلاثة منهن باسم مريم. ويُقال إن مريم بالعبري هي كلمة من مقطعين: المقطع الأول بمعنى مُر، والمقطع الثاني « يم » بمعنى بحر. فمريم تعني، كما يرى البعض، « بحر المر ». وهؤلاء المريمات كن يتجرعن المرار والعلقم في أفظع صوره، إلا أن المرار الذي كانت فيه أم يسوع كان أشد أنواع المرار، وذلك لأربعة أسباب:
أولاً: إنَّ أي أم ترجو أن ابنها هو الذي يواريها التراب. لكن أية كلمات تصف لنا حزن أم الرب وهي تنظر إلى ابنها يموت مُعلَّقاً على صليب! إن يسوع لم يكن مجرّدَ ابنٍ وفيّ، بل كان هو كمال الكمال في كل شيء. وتلك التي كانت تفخر بأنها أمه، كيف لا يخترق السيف أحشاءها (لو2: 35) وهي تراه يموت أمام عينيها؟
ثانياً: لقد كانت أمه، قبل أي شخص آخر، تعرف حقيقة أصله ومقدار عظمته، طبقاً لما قاله لها الملاك جبرائيل يوم أن بشّرها بولادته. أمّا الآن فلها أن تتساءَل بقلبها الكئيب، وهي تشاهد شمسه تغيب: أين تلك العظمة المُتنبَأ عنها؟ وأين ذلك العرش وذلك الملكوت؟ أ يكون الملاك قد خدعها؟ لقد زاد من قسوة الحزن على موت ابن بار، أنها كانت تحت وقع أمل ينهار، والجُرح عميق، والسيف بتّار!
ثالثاً: لكن حُزن قلبها المكلوم قد تضاعف لأنه كان يموت ميتةً كهذه. يموت مصلوباً على خشبة، أي يموت موت اللعنة، ويُحصَى مع أثمة. ويُعيَّر من القادة والعامة بأشنع العبارات في مسمعه ومسمعها أيضاً.
وأما رابعاً: فهي تراه يموت وتعجز عن مواساته!
إن المطوّبة مريم على مثال ابنها البار، هي أيضاً مُختبرة الحَزَن. ومع أنها كانت تُعاني هذا الشَجَن المُذيب، فمع هذا لا نراها في حُزن هستيري ولا في نوبات تشنّج: لا نقرأ عن لطماتها ولا عن صرخاتها، ولا نقرأ أنها كانت منهارة، بل كانت تعاني حزن روحها العميق في صمت!
ماذا لو كانت هربت لكي لا ترى هذا المنظر؟ ماذا لو سقطت مغشيّاً عليها؟ يقيناً كنا سنلتمس لها المعاذير والأسباب القوية. لكنها إذ رأت أنها لا تستطيع أن تخفف من آلامه، فإنها على الأقل لا تزيدها إذا رآها منهارة، لذا نقرأ أنها كانت واقفة!
تعود هذه الأيقونة إلى زمن الملك ثاوفيلس المحارب للأيقونات في القرن التاسع. هذا اضطهد المؤمنين بعنف، فكان يرسل الجنود إلى المدن والقرى ليفتشوا الكنائس والمنازل وينزعوا الأيقونات المقدسة ويحرقوها بالنار. وكان في مدينة نيقية أرملة تقية وغنية جداً، عندها ابن وحيد. ابتنت هذه الأرملة كنيسة بالقرب من منزلها ووضعت هذه الأيقونة فيها. وصلت حملة الإضطهاد إلى مدينة نيقية. وجاء جند إلى بيت الأرملة وإذ شاهدوا الأيقونة فرحوا جداً وحاولوا ابتزاز الأموال منها وإلا يعرضونها للتعذيب ويتلفون الأيقونة. طلبت الأرملة مهلة إلى اليوم التالي فوافق الجنود وانصرفوا من منزلها. للتو دخلت الكنيسة مع ابنها وبدأت تتضرّع بخشوع ودموع لوالدة الإله لتخرجها من المأزق. ثم نهضت وأخذت الأيقونة وانطلقت مع ابنها إلى الشاطئ، هناك صلّت ثانية متوسّلة إلى السيدة العذراء كي تنجيهم من الجنود الكفرة وأن تحفظ الأيقونة سالمة. ثم رمت الأيقونة في البحر، فسارت مستوية على وجه البحر باتجاه الغرب. عادت الأرملة إلى منزلها ممجدة الله، وطلبت من ابنها أن يسافر بعيداً عن مدينته هرباً من الجنود أما هي فستبقى لأنها مستعدة أن تتحمل العذاب من أجل المسيح. ودّع بعضهما البعض وافترقا. انطلق الشاب إلى مدينة تسالونيكي ومن هناك اتجه إلى جبل آثوس حيث ترّهب في المكان الذي سوف يشاد فيه لاحقاً دير الإيفيرون، هناك عاش بتقوى وأمانة للرب يسوع. أثناء حياته قصَّ خبر هذه الأيقونة على أحد إخوته الرهبان، ودوّنت هذه الحادثة. وبعد مرور زمن، عام 1004 م، يوم الثلاثاء من الأسبوع العظيم، كان بعض الرهبان من دير الإيفيرون جالسين على شاطئ البحر، فجأة، ظهر لهم عمود نار في البحر. شيئاً فشيئاً تبين أن هذا العمود الناري كان مرتفعاً من أيقونة مستوية على سطح البحر. في الوقت عينه ظهرت السيدة العذراء لراهب ناسك اسمه جبرائيل (يعيّد له في 13 أيار) وأعلنت له سرّ هذه الأيقونة وطلبت منه أن ينزل إلى البحر مع الرهبان ليأخذها ويحتفظوا بها في الدير. أخبر الراهب رئيس الدير بأمر تلك الرؤيا. ثم ذهب مع باقي الأخوة إلى شاطئ البحر رافعين الصلوات والابتهالات. هناك نزل الناسك إلى الماء وأخذ الأيقونة بذراعيه ومشى على سطح البحر كأنه على اليابسة واتجه إلى هيكل كنيسة الدير الكبرى.
الأيقونة مستوية على سطح المياه
في صباح اليوم التالي وقبل صلاة السحر، دخل الراهب المسؤول عن خدمة الكنيسة فلم يجد فيها الأيقونة المقدسة، وبعد تفتيش طويل وجدها الرهبان على الحائط فوق باب الدير، فنقلوها إلى مكانها الأول. تكررت هذه الحادثة عدة مرات إلى أن ظهرت السيدة العذراء لجبرائيل الراهب وأعلنت له عن رغبتها في بقاء أيقونتها فوق الباب قائلة له: "إنني لا أرغب في أن تحرسوني أنتم، بل أنا أريد أن أكون الحارسة لكم". فلما سمع الأخوة من جبرائيل خبر هذه الرؤيا، شيدوا كنيسة قرب باب الدير وأقاموا فيها الأيقونة المقدسة العجائبية. ولذلك سمّيت "العذراء البوابة".
بربروس أما المعجزات والأشفية التي تمت بهذه الأيقونة فلا تحصى. وخير دليل على ذلك هو أثر الجرح على ذقن والدة الإله في الأيقونة. أما قصة هذا الجرح فهي كالتالي: اتفق في أحد الأيام مجموعة من اللصوص البرابرة لغزو الجبل المقدس والاستيلاء على كنوزه. وصلوا إلى دير إيفيرون. استولوا على كنوزه وقتلوا عدداً كبيراً من الرهبان. وإذ كان زعيمهم ممتلئاً من الشر، اتجه إلى هذه الأيقونة ونظر باستهزاء قائلاً: "ألستم تكرمون هذه المرأة مع ولدها فلماذا لم تتدخل لمساعدتكم". وأخذ رمحه ورمى به تلك الأيقونة، فأصاب ذقن السيدة العذراء. للحال ظهرت معجزة الله بأن خرج الدم من الأيقونة المرسومة على الخشب. عندما رأى ذلك البربري خاف خوفاً عظيماً وآمن بقدرة السيد المسيح وأمه، فأعاد كل ما سرق من الدير وأخرج من جيبه ديناراً عربياً ووضعه أمام الأيقونة وهو موجود حتى الآن، وطلب من الرهبان الباقين أن يقبلوا توبته، فقبلوها بفرح. وبعد أن أبدى توبة حقيقية، إقتبل المعمودية المقدسة وتوشح بالإسكيم الرهباني. وعندما أرادوا تسميته، قال لهم: "أنا بربري وأرجو أن يبقى اسمي بربري، لأنه لا يليق بي أن آخذ اسم أحد القديسين". فكان اسمه بربروس. وسار في حياته الرهبانية بجد وتعب وأصبح فيما بعد قديساً من قديسي الكنيسة .
في روسيا عام 1651، وقع الدير في ضيقة مالية، وابتدأ الرهبان يتضرعون لوالدة الإله لكي تساعدهم على الإستمرار. فظهرت لأحد الرهبان وقالت له:"إذا أنتم اهتممتم بخلاص نفوسكم فأنا أهتم بأموركم المادية". وكانت ابنة القيصر في روسيا مشلولة من وسطها إلى أسفل والأطباء قد اتفقوا أنه لا يمكن شفاؤها وأنها ستبقى كذلك طيلة حياتها. هذه الأميرة ظهرت لها والدة الإله وقالت لها أنها ستشفيها إذا أحضرت أيقونتها بورتايتيسا من دير الإيفيرون في جبل آثوس. في اليوم التالي بعث القيصر الروسي وفداً إلى القسطنطينية بغية الحصول على الإيقونة. أُعلم الدير بطلب القيصر ولكن الرهبان خافوا أنه إذا ما بعثوا بالأيقونة إلى روسيا فلن تعود. اجتمع شيوخ الدير وقرروا أن يرسلوا نسخة عن الأيقونة. جرى تقديس المياه وغُطِّست الخشبة التي سيرسم عليها بالمياه المقدّسة. ثم طحنت بعض من رفات القدّيسن ومزجت مع الألوان التي سوف ترسم بها الأيقونة. أما راسم الأيقونات فصام مدة رسمه للأيقونة فكان لا يأكل إلا يومي السبت والأحد. انتهى رسم الأيقونة فبُعثت إلى روسية مع عدد من رهبان الدير. وفي 13 تشرين الأول وصلت إلى روسيا حيث استقبلها القيصر الروسي وزوجته مع عدد من الإكليروس والشعب وكانوا صائمين في انتظارها. في هذه الأثناء بقيت الأميرة في القصر، وطلبت أن ترى والدتها فقالت لها المربية أنها ذهبت لإحضار الإيقونة التي سوف تشفيها. فوثبت الأميرة بغضب وتأفف من سريرها وارتدت ملابسها وذهبت مسرعة إلى حيث كان والداها يستقبلان الأيقونة وعاتبتهما قائلة:"تذهبون لاستقبال والدة الإله التي سوف تشفيني من دوني؟!". في كل هذا لم تدرك الأميرة أنها قد شفيت إلى أن وصلت إلى مكان الاستقبال حيث تفاجأ بها والداها والحضور ومجّدوا الله ووالدة الإله على هذه الإعجوبة. إثر ذلك قدم القيصر دير القدّيس نيقولاوس في العاصمة الروسية لدير الإيفيرون وهبات ثمينة أخرى. تُحفظ صورة هذه الأيقونة حالياً في كنيسة القيامة في موسكو.
القدّيس جبرائيل يحمل الأيقونة ماشياً على المياه
القنديل يوجد قنديل زيت مضاء أمام أيقونة البوابة. هذا القنديل كثيراً ما يأخذ بالتأرجح يميناً وشمالاً في الأعياد والإحتفالات. في التقليد هذه الظاهرة تدل على أن والدة الإله موجودة معهم وأنها تحضنهم كما تحضن الأم أولادها: تبارك السائرين بتقوى وتحثّ المتونين على أن يتوبوا إذ إنها لا تستطيع أن تخلص نفساً غير مكترثة بخلاصها. في أحيان أخرى يتحرك هذا القنديل بشكل مستمر لعدة أيام متتالية دونما أن يكون هناك إحتفال أو عيد. في التقليد هذه الحركة تدل على أنه سوف تحصل كارثة في العالم: زلزال، حرب، وباء، مجاعة… بإعلانها هذا تطلب والدة الإله من الرهبان صلاة أكثر وتوبة. ذات مرة ارتأى المسؤول عن إشعال القنديل أن هذه الحركة إنما هي ناتجة عن تيار هواء. فأخذ القنديل ووضع فيه رمل لكي يثقّله. وفي موعد إفتقاد القنديل أتى هذا الراهب إلى الكنيسة فوجد القنديل قد سقط على الأرض بطريقة مستوية _ رغم أن القائمة على شكل كوز– وما زال مضاءً كأن شيئاً لم يكن. فهرع الراهب إلى أبيه الروحي ليعترف بخطيئته وبعد ذلك أفرغ القنديل من الرمل وشكر والدة الإله على صنيعها الذي شدّد إيمانه.
العامل الفقير وفي رواية أخرى عن أيقونة البورتايتيسا يُحكى أنه أتى عامل فقير جائع وقرع باب الدير طلباً لبعض الطعام. فرفض بواب الدير أن يعطيه شيئاً. غادر العامل الدير باتجاه كارييس حزيناً مفتكراً بحاله، وفي الطريق جلس ليستريح قليلاً. هناك جاءته امرأة مع طفل على ذراعها. هذه سألته عن سبب تعاسته فأخبرها عن حاله. فقالت له أن لا يهتم ببواب الدير لأنها هي المسؤولة عن بوابة الدير. وطلبت منه أن يذهب إلى الدير مجدداً ويطلب خبزاً باسمها "بورتايتيسا" وإذا ما رفض الراهب، عندئذ يعرض عليه قطع نقود سوف تعطيه إياها. وللحال ناولته ثلاث قطع نقدية. لم يدرك العامل أن من أتى إليه كانت والدة الإله، وذهب كما أمرته وقرع باب الدير. عندما فتح البواب طلب منه العامل خبزاً باسم "البورتايتيسا" وإذ رفض، قدّم له القطع النقدية. نظر البواب القطع النقدية باندهاش واعتراه الخوف ثم دخل إلى الدير وقرع الناقوس. ولدى اجتماع الرهبان أراهم القطع النقدية التي لم تكن إلا القطع النقدية المعلقة على غطاء أيقونة البوابة قد أخذتها والدة الإله لتعين هذا الفقير وتنبه الرهبان إلى ضرورة التصدّق على المحتاجين. ومنذ ذلك الحين يُعرف دير الإيفيرون بإحسانه وسخائه الكبيرين.
أيقونة البورتايتيسا مع الغلاف المذهب والمرصع بالجواهر الثمينة
أيقونة البوابة حامية جبل آثوس ومن أهم ما يُعرف عن هذه الأيقونة أنه لمّا قامت الحرب بين روسيا وتركيا ثارت في الجبل الاضطرابات والمخاوف حتى إن كثيراً من الرهبان تركوا الأديرة وهربوا. فكانت النتيجة أنه بعد أن كان عدد الرهبان أربعين ألفاً أصبح في القرن التاسع عشر حوالي الألف. وهؤلاء أيضاً أرادوا الفرار والهرب لأنهم قالوا إن السيدة العذراء لم تعد تهتم بالجبل أو بحديقتها (لأن الجبل يسمى حديقة العذراء) .ولكن السيدة العذراء ظهرت لكثير من الآباء وسكان البراري وقالت لهم : "لماذا تخافون هذا الخوف الشديد؟ إن هذه الأخطار ستمضي وسيعود الجبل يحفل أخبركم بأن ما دامت أيقونتي البوابة في الجبل المقدس في دير الايفيرون فلا تخافوا شيئاً وعيشوا في صوامعكم، ولكن عندما أختفي من الدير فليأخذ كل منكم أغراضه ويذهب حيث يشاء ". وهذا التقليد مستمر، في الجبل، بتفقد هذه الأيقونة. وكل عام في يوم الثلاثاء من أسبوع التجديدات و15 آب – عيد رقاد والدة الإله - يقوم عدد كبير من الرهبان من كل أديار الجبل المقدس بزياح عظيم لها ويوضع عليها غطاء مذهب ومرصّع بالجواهر الثمينة كان قد قدمه لها القيصر الروسي. يعيّد لهذه الإيقونة أيضاً في 12 شباط و13 تشرين الأول. ويُعرف عن عذراء البوابة أنها تمنع الكثير من ذوي النفوس الغير النقية من دخول الدير بطريقة أو بأخرى ومنهم من يموت على باب الدير إذ تكون نفوسهم ملتوية تماماً.
وردَ في سنكسار أوَّل شهر تشرين الأوَّل الذي فيه نعيِّد للقديس رومانوس المرنِّم, أنَّ هذا القديس كان من مدينة حمص فارتَحَلَ من بلدته وذهب إلى القسطنطينية حيث أقام بديرٍ ما لسيدتنا الفائقة القداسة مدعوّ بدير كيروس, وكان يذهب من قلايته إلى هيكل الدائمة البتوليَّة الذي في فلاشرنيس ويمضي الليل في الصلوات لأنَّه كان تقيَّاً جدَّاً وفاضلاً, وكان على الخصوص يسهر الليالي في جميع الأعياد السيَّديّة مواظباً على التَّرنيم في الكنيسة, فنظراً لتقواه ظهرت له السيَّدة مرة على هذه الصِّفة وهي أنَّه لما سهر ليلة عيد ميلاد المسيح في هيكل فلاشرنيس نام قليلاً من التَّعب, وحينئذٍ رأى الفائقة القداسة في الرؤيا بأنَّها كانت حاملةً مجلَّداً -أعني كتاباً- وأنَّها قالت له افتح فمك لتأكل هذه النِّعمة التي أنا أعطيك إياها, فظهر له بأنَّه فتح فاهُ وابتلَعَها. ثمَّ عندما حان لاح الصَّباح صعدَ على المنبر وابتدأ بقنداق العيد بتقوى عظيمة وهو "اليوم البتول تلدُ الفائق الجوهر.....", وكان يرتّله بتلحين وحلاوة هذا مقدارها, حتى اتَّضحَ جليَّاً بأنَّ هذه النِّعمة المُعطاة له كانت من السماء حقَّاً, وتعجَّبَ الجميع. وقد ألَّف لا هذا القنداق فقط بل سائر قناديق أعياد المخلّص والفائقة القداسة أيضاً وجميع القديسين, إذ ألَّف ما ينوف على الألف قنداق وكثيراً منها ترتِّلها كنيستنا بمدار السنة, فهذه النِّعمة قد استحقَّها هذا القدّيس العجائبي من والدة الإله لأنَّه كان يتَّقيها كثيراً ويوقِّرها لذلك تمجَّد منها في هذا العالم الوقتي وفي الحياة السماوية المغبوطة مَتَّعَ الله بها جميع المسيحيين بشفاعات السيدة الطاهرة. آمين.
في شابٍّ قَتَلَهُ اليهود وأقامَتْهُ السَّيدة(من كتاب خلاص الخطأة)
رُوي أنَّ شابَّاً ذا نغمةٍ شجيَّةٍ كانَ يُرتِّلُ في الكنيسةِ ترنيمةً تنتهي بعبارة "فليخزَ اليهودُ المنافقون", فاتفقَ ذات يوم أنَّ بعضاً من اليهودِ سمعوا هذه التَّرنيمة فحنقوا على الشابِّ وأضمَروا عليه السوء, فاستدعوه يوماً بالمَكرِ والاحتيال وأخذوه إلى كرمٍ وقتلوه وطرحوه في مكانٍ خفيٍّ لا يُعرف وانصرفوا. حينئذٍ حضرت إليه السيدة ذات الاقتدار وأقامته وقالت له: كُن كما كنتَ مرتلاً وأنشد تسابيح لمجد الله ولمنفعةِ المؤمنين, ولا تخشَ. فسجدَ لها الشابُّ وذهبَ فأخبرَ بما جرى لهُ, وكان يرتِّلُ في الكنيسة كجاري عادته, فلمَّا أبصرهُ اليهودُ حيَّاً سألوهُ كيف عاش مع أنَّهم قتلوه, فقصَّ لهم كيف ظهرت السيدة له وانتشلته من الموت, فحينئذٍ آمنَ هؤلاء اليهود هم وأقرباؤهم واعتمدوا باسم الآب والابنِ والرُّوحِ القدس, وصاروا من زمرة المؤمنين الأتقياء الورعين.
العذراء الشافية من السرطان أو "ملكة الكل" (Pandanassa)
في يوم من الأيام أتى شاب إلى الكنيسة لتكريم أيقونة والدة الإله. وإذ اقترب منها، أخذ وجه العذراء القدّيسة، فجأة، باللمعان وقوة غير منظورة طرحته أرضاً. فلمّا عاد إلى نفسه، اعترف أنه كان يحيا بعيداً عن الله وبأنه يتعاطى الشعوذة. وإثر التدخّل العجائبي لوالدة الإله، غيّر الشاب مسلك حياته وغدا مسيحيّاً تقيّاً. هذه الإيقونة مُجّدت، أيضاً، من خلال عدة أشفية لمرض السرطان المنتشر بكثرة في أيامنا هذه. لهذا كُتب مديح لهذه الأيقونة سنة 1996، ودُوّنت أشفية كثيرة من خلال تلاوة هذا المديح بتواتر. نسخة من هذه الأيقونة رُسمت بدمج الألوان مع الماء المقدّس وبُعثت إلى روسيا حيث جرت بها عدة أشفية.
عام 1833 م، عندما كان الأتراك يحتلّون الجبل المقدّس. تجرأ جندي وأطلق النار على أيقونة والدة الإله الحائطية التي فوق باب مدخل الدير فأصاب يدها اليمنى؛ وأصيب هو بالجنون فشنق نفسه في شجرة زيتون مقابل مدخل الدير. هذا الجندي كان ابن أخ قائد الفرقة المحتلّة، فأصبح الدير في خطر إلا أن رفيق هذا الجندي شهد ما حصل ونقل الخبر للقائد الذي شعر بأن هذا فيه تدّخل إلهي ورفض أن يدفن جسد الجندي.
الأيقونة قيِّمة على مخزن السوائل (الزيت والنبيذ) (docheion) في الدير ويحكى في صددها هذه الأعجوبة: عندما كان المغبوط جنّاديوس مسؤولاً عن مخزن السوائل في دير الفاتوبيذي، ذهب، ذات مرة، إلى رئيس الدير وأعلمه أن مخزون الزيت نفذ ويجب الإمساك عن تسليم الزيت والإحتفاظ بما تبقى للحاجات في الكنيسة. أجابه رئيس الدير أن لا يقلق بهذا الشأن ويستمر في تسليم الزيت بحرّية لمن يطلب. ففي يوم من الأيام دخل المغبوط جنّاديوس ليسحب آخر كمية من الزيت وإذ به يجد أن الجرة قد امتلأت وفاض منها الزيت وسال حتى وصل إلى باب المخزن. تفوح من الأيقونة رائحة طيب زكية وهي معروفة أيضاً بعذراء (Docheiarissa).
أعجوبة صارت مع راهب في دير مار سابا المتقدس – فلسطين (من كتاب خلاص الخطأة)
كان في زمان القديس سابا رهبان كثيرون في حظيرة وكانوا يمضون أوقاتهم بالأصوام والصلوات والأشغال الشاقّة فذهب إلى هناك إنسان من الأغنياء وأعيان القوم وطلب أن يترهب فقبله القديس بفرح وبما أن هذا الإنسان لم يكن معتاداً على الأتعاب الشاقّة كان البار يرفق به ولم يلزمه في خدمة الرهبان الشاقة لأنهم كانوا يشتغلون في عمل الأرض ويتممون أشغالاً أخرى من الصباح إلى الساعة التاسعة من النهار وعند ذلك كانوا يأتون إلى الحظيرة ويقيمون الصلاة وبعد ذلك كانوا يتناولون الطعام بأجمعهم فكانوا على هذه الصورة يأكلون مرة في اليوم وأما ذاك المبتدئ فلعدم استطاعته القيام بالأشغال الشاقّة أمره القديس أن يلازم الزهد حسب استطاعته ضمن الدير ويلبث صائماً حتى المساء ليتناول الطعام مع بقية الأخوة, إلا أن المبتدئ لم يستطع أن يقوم بحفظ هذه الوصية بل كان يأكل في مخدعه سرّاً, وكانت أقاربه تأتيه ببعض الأطعمة وكان القديس يعلم بذلك إلا أنه لم يكن يجزره ويوبخه مراعاة لضعفه ولرغد العيش الذي كان معتاداً عليه في ما سلف وكان يصلي إلى الله من أجل أصلاحه وثباته في العيشة النسكية. فلما أقبل عيد نياح سيدتنا والدة الإله الواقع في 15 آب رأى المبتدئ رؤية في الكنيسة وهي: أنه عندما كانت الرهبان تتناول الأسرار ظهر له أن الرهبان كانوا يتناولون الأسرار بحضور السيدة, وكان ملاك يمسح وجه كل منهم بالمنديل, وأنه لما اقترب لمناولة الأسرار منع من قبل السيدة التي قالت له أنهُ لا يستحق أيضاً أن يُمسح بالمنديل الذي به يُمسح عرق الذين يتعبون في خدمة ديرهم المقدس. فلما سمع هذا الكلام ارتاع خوفاً فذهب واخبر القديس سابا بما رأى وهو في حال الاختطاف فقال له القديس أن هذه الرؤيا هي لمنفعتك يا بني وأن السيدة ترغب أن تلازم أنت العيشة النسكية كالواجب بدون ملل, وإّذا تصرفت أنت بمقتضى إشارتها تصير أهلاً لمناولة الأسرار المقدسة مع سائر إخوتك يوم عيد رقادها وفي بقية الأعياد السيدية والمختصة بوالدة الإله. فاَّثر هذا الكلام في الشاب تأثيراً بليغاً وأخذ من ذلك الحين يصلي ويمارس الأشغال الشاقّة التي هي علاج فعال ضدّ الأهواء البشرية والشهوات البدنية وهكذا أكمل حياته بالطاعة والتقوى إلى أن انتقل من هذا العالم الزائل إلى عالم البقاء وأحصي مع الأبرار والصديقين الذين لهم ملكوت السماء متـّع الله به كل المؤمنين.
أيقونة الييرونديسا – رئيسة الدير (عن عائلة الثالوث القدوس) الأيقونة موجودة في دير الباندوكراتور (الضابط الكل) في الجبل المقدّس آثوس
تُظهر هذه الأيقونة والدة الإله واقفة وجهها مستدير قليلاً إلى الجهة الشمالية مع إنحناءة طفيفة في وضع ترجٍ وصلاة. طولها حولي 1.96 متر وعرضها 0.76 متر. يقال عن الأيقونة إنه ذات مرّة طلبت والدة الإله من خلالها من الكاهن أن يُسرع في إنهاء القدّاس الإلهي حتى يتمكن رئيس الدير من المشاركة في القدسات قبل رقاده الذي كان وشيكاً. على الغلاف الفضي الذي يغطي الأيقونة منقوشة جرّة. هذه الجرّة تذكّر بعجيبة الزيت التي أجرتها والدة الإله. فقد حدث أن نفذ الزيت من الدير فتضرّع رئيس الدير لوالدة الإله أمام هذه الأيقونة لتعينهم. بعد ذلك بقليل نزل الرئيس إلى مخزن الدير فوجد الأجرار كلّها قد فاض منها الزيت. وفي حادثة أخرى، أيام غزو القراصنة المسلمين للجبل، حاول أحدهم تحطيم هذه الأيقونة ليوقد ناراً بهدف إشعال غليونه. وما إن فكّر بالأمر وحمل الأيقونة حتى أصيب بالعمى. من شدّة الخوف والرعدة، أمسك رفاقه بالأيقونة ورموها في بئر قريب. فلمّا دنت ساعة رقاد هذا المسلم الذي عمي عانى آلاماً كثيرة ولم يجد راحة فطلب من أفراد عائلته الذهاب إلى الجبل حتى لو بعد رقاده وسحب الأيقونة من البئر لأنه لن يستريح أو تستريح روحه قبل ذلك. انطلقت العائلة إلى الجبل واستردوا الأيقونة من البئر وأعادوها للدير. وهذا بعد 80 سنة من وقوع الحادثة. الأيقونة موضوعة على منصّة قرب مكان جوقة الشمال في كاثوليكون الدير. في شكلها الحالي أضيفت لمسات جديدة على الرسم الأساسي للأيقونة.
نرى في هذه الإيقونة والدة الإله حاملة الطفل يسوع على ذراعها الأيمن، وجهه ملتصق بوجهها وهي تقبله على خده. طول الإيقونة 1.26 متراً وعرضها 0.87 متراً. في وضعها الحالي هي مغلفة بغطاء فضي مزخرف. وهي موضوعة في كاثوليكون الكنيسة على قائمة مقابل الجهة الشمالية من الإيقونسطاس.
تعود هذه الإيقونة إلى أيام الملك ثاوفيلوس المحارب للإيقونات على مثال إيقونة عذراء البوابة Portaitissa التي في دير الإيفيرون. في ذلك الزمان كان سيناتور في القصر الملكي اسمه سمعان على صلة وطيدة بالملك. هذا كان متزوجاً من امرأة فاضلة ورعة تقية اسمها فكتوريا، تكرّم الإيقونات وتحتفظ بهذه الإيقونة سراً في بيتها. عرف سمعان رجلها بوجود الإيقونة فطلبها منها ليحرقها خوفاً من كشف أمرها للملك وجنوده، فيقع تحت اللوم والتوبيخ. فضّلت فكتوريا أن تلقي بها في البحر على أن تسلّمها لمحاربي الإيقونات وهكذا فعلت. بعد مدة ظهرت هذه الإيقونة في البحر قرب جبل آثوس مقابل دير فيلوثيو. قبلها الرهبان باحتفال كبير ووضعوها في الكاثوليكون. أما المكان قرب الشاطئ الذي وجدت فيه الإيقونة فأطلق عليه الرهبان اسم "الماء المقدس". يقوم الرهبان بزياح كبير كل عام يوم اثنين الفصح من الدير إلى هذا المكان حاملين هذه الإيقونة المقدسة .
لقد أظهرت السيدة العذراء بواسطة إيقونتها عجائب كثيرة. من هذه العجائب أنه في أحد الأيام أتى زائر إلى الدير ودخل الكنيسة، وبعد سجوده للإيقونة المقدسة، رأى ما عليها من الجواهر والقطع الذهبية، فغرّه الشيطان وسرق من أمام الإيقونة بعضاً من هذه القطع وفرّ بها هارباً. دخل مركباً وانطلق في البحر. بعد إقلاع المركب وسيره مسافة قليلة، توقف! لم يتمكن قائد المركب أن يحرّكه رغم كل محاولاته. شعر رهبان الدير بسرقة القطع الذهبية من أمام الإيقونة وأخذوا يفتشون عن السارق، لكنهم لم يعثروا على أحد. ثم لاحظ الرهبان وجود المركب في وسط البحر ساكناً في مكانه، فذهب بعضٌ منهم للمساعدة. لما وصلوا إلى المركب، اعترف السارق بما فعل، وردّ القطع المسروقة، للوقت تحرّك المركب وسار بلا مانع وكأن شيئاً لم يكن. عاد الرهبان بقاربهم إلى الدير فرحين يمجّدون الله ويغبطون والدة الإله التي أظهرت قوتها بنوع عجيب. عجيبة أخرى من عجائب هذه الإيقونة تروي أن أحد الزوار جاء إلى الدير، وطلب من الرهبان أن يقصّوا له عجائب العذراء القبلة الحلوة، فقصّها له أحد الرهبان بكل بساطة، لكن الزائر اعتبرها خرافات وحكايات مؤلفة. بعد قليل صعد هذا الزائر إلى مكان مرتفع من الدير، فسقط من فوق إلى أسفل، في هذه اللحظة شعر أن هذا قصاص له بسبب قلة إيمانه، فصرخ للحال: "يا والدة الإله أعينيني". فسقط على الأرض ولم يصبه أدنى أذى، ثم أسرع للاعتراف بما حدث له.
سيدتنا أم النعم، السريعة الاستجابة، العجائبية، (بحمدون) وهي نسخة عن الأيقونة التي صورها القديس لوقا الإنجيلي في حياة السيدة العذراء. وهي من روائع الفنّ في القرن الخامس وقد ظهرت على شاطئ البحر بالقرب من كورينثوس سنة 1147م وفي سنة 1554م نقلت إلى إنطاكية وسنة 1857م نقلها غبطة البطريرك أيروثيوس إلى بحمدون. وهي التي صلى أمامها غبطة البطريرك غريغوريوس الرابع يوم مرضه المشهور في عينيه وظهرت له يومئذٍ وشفته من هذا المرض الوبيل.
تمجدت هذه الأيقونة العجائبية منذ القرن الخامس بوفرة عجائبها. فهي من أشهر أيقونات والدة الإله العجائبية في الشرق. لأنها كانت الطبيب الشافي في الأمراض الصعبة والأدواء الوافدة. والمعزية الحنون للحزانى. والمساعدة القوية للمجاهدين في سبيل الإيمان القويم. والنصيرة السريعة في الدواهي والملمات. والصائنة لطهارة العائلات. والغنى للفقراء. والقوة للضعفاء. والفرح للمغمومين. والمعتنية بالأطفال. والهادية للجهلاء والضالين. والرجاء للبائسين. والأم الرءوف لجميع الملتجئين إليها عن إيمان. فبالصلاة الحارة أمامها لأم الإله أَبصر العميان وسمع الصمّ ونطق البكم واستقام الحدب وقفز العرج وشفي المصدورون والمشلولون وجميع المصابين بأنواع الحميات وتشويهات الأعضاء البدنية. عرف أهالي بلدة بحمدون قوة أم الإله فعظموها وكرموا أيقونتها المقدسة بتشييدهم لها كنيسة عظيمة بفخامة بنيانها وجمال قدسيّاتها وغنى أوانيها وأثاثها ووفرة تقادمهم لها وعلى الأخص بمواظبتهم على الصلاة أمامها بالورع والتقوى والاحترام اللائق ببيوت الله على العموم. إن هذه الأيقونة العجائبية إنما هي نسخة طبق الأصل عن الأيقونة (الراحمة) التي صورها القديس لوقا الإنجيلي في السنة الخامسة عشرة بعد صعود الربّ وعُرفت فيما بعد (باوديغيتريا) أي القائدة. وتُذكر في صلاة (الباراكليسي) الابتهال هكذا: (لتصمت شفاه الذين لا يسجدون لأيقونتك المقدسة قائدة العميان التي صورها لوقا الإنجيلي الكلي الطهر). وهي من بدائع فنّ التصوير في القرن الخامس. وقد نقلت إلى إنطاكية سنة (1554م). ومنها استجلبها سنة (1858م) إلى بحمدون المثلث الرحمات البطريرك الإنطاكي إيروثيوس ووصفها لأهلها كما يلي:
المجد لله دائماً
برحمة الله تعالى
بطريرك إنطاكية وسائر المشرق
ايروثيوس
أيها الأبناء الروحيون الأحباء بالرب أهالي قرية بحمدون داموا مباركين. غب إهدائهم الأدعية الحبرية والبركات الأبوية. إن ما شاهدناه من تقوى لفيفكم بأم عيننا يدفعنا إلى أن نمجد الله ونشكره من كل قلبنا على إيمانكم وتقواكم ونرنم مع النبي والملك داود: (لقد عظم الرب الصنيع معنا وصرنا فرحين. ما أعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت.).- إن عمل الله الذي أجراه اليوم في هذه القرية الصغيرة بواسطة أيقونة أمه الكلية القداسة يلزمنا أن ننزل على رجائكم ملبين نداء تقواكم وتعلقكم بالسيدة الكلية القداسة أم الإله شفيعة الجنس البشري ومباركين لفيفكم وواهبينكم الأيقونة التي صنعت وتصنع العجائب العظيمة دوماً لأن الكتابة التي على الرق البرغاموسي الملتصق بها يوضح أنها من تزويق الجيل الخامس ونسخة طبق الأصل عن أيقونة سيدتنا والدة الإله التي صورت بيد القديس لوقا الإنجيلي البشير بإلهام من الله وهي المسماة أوذيغيتريا (القائدة) والتي طُرحت في البحر خوفاً من أن ينالها تحقيرٌ من قبل الملوك محاربي الأيقونات. وبهذا العمل سلّمت إلى يد العناية الإلهية التي حفظتها. وبعد سنوات عديدة أظهرتها محمولة على أيدي الملائكة القديسين محفوظة من عطب الماء فوق أمواج البحر بالقرب من كورينثوس يوم عيد البشارة سنة 1147م كما حُفِظَ الثلاثة الفتية القديسون من النار في أتون بابل حيث تمجدت بعجائب لا تحصى وإحسانات لا تعد لتؤكد عناية أم الإله بأبنائها الذين على الأرض. ثمَّ نقلت على يد المتوحّد بوليكربس إلى مدينة الله إنطاكية قاعدة كرسينا البطريركي الإنطاكي سنة 1554م. وهناك أفاضت نعماً وعجائب لا تعد حيث اكتسبت اسم أم النّعم بالنسبة إلى النعم الغزيرة والبركات الوافرة التي أغدقتها على شعبنا المجاهد لأجل إيمانه فكانت مفرجة ضيقاته ومقوّية إيمانه. ونحن عندما سمعنا بالمعجزات التي تمت بواسطتها تحركنا بالروح شوقاً إلى مشاهدتها وطلبناها لتكون مساعدة لنا في عملنا الرسولي بعد أن قدَّمنا صلوات لله من أجل هذا العمل وتوسلنا إليها أن ترافقنا في تفقد شعبنا فألهمتنا بوحي علوي إرادتها المقدسة فأوفدنا رسولنا البطريركي ولدنا الأرشمندريت أيروثيوس وجلبها لنا بالإكرام اللائق وكأنها بهذا العمل اختارتنا ليحصل لنا الشرف الأكبر لنجلبها ونرافقها إلى هذه البلدة العزيزة الوادعة حيث تستقرّ فيها إلى الأبد متخذة منها ناصرة جديدة وعرشاً جديداً ومملكة جديدة تشع منها نِعَمُ الأشفية الوافرة والبركات العديدة عليكم وعلى كل ملتجئ إلى حمايتها بإيمان. فنوصيكم بِطَرس بركتنا هذا ولنسلكم من بعدكم بإكرامها الإكرام الوافر إذ هي الأم العطوف على الجنس البشري والالتجاء إليها دوماً فهي خير معين بعد الله والشفيعة الحارة التي لا ترد لها طلبه لدى ابنها الإلهي. فلترافقنا بنعمتها ولتستقر عندكم بأيقونتها الصانعة العجائب. وختاماً نسأل الله تعالى الذي ألهم الرسول لوقا تصويراته المنتخبة والمصطفاة بين سائر البشر أن يبارك عليكم وعلى حريمكم وأولادكم وفي منازلكم وأرزاقكم وأعمال يديكم ونعمته تعالى فلتكن معكم إلى الأبد آمين. في 2 تموز سنة 1857م إن المثلث الرحمات البطريرك إياروثيوس يريد أن يشير إلى ما يتواتر عنه في التقليد القومي في بحمدون بقوله: (إن عمل الله الذي أجراه اليوم في هذه القرية الصغيرة بواسطة أيقونة أمه الكلية القداسة...) ألا وهو أنه لما بلغ بحمدون لم يستقبله إلا بضعة رجال فتعجب من ذلك لِمَا كان يعلم من تقوى أهلها وسأل عن السبب فأجيب: إن هذه البلدة داء وافداً أَلا وهو الهواء الأصفر المخيف وقد توفي فيه بعض وبعض آخر على وشك الوفاة. فالناس يتجنبون في مثل هذه الحالة مخالطة بعضهم بعضاً خوفاً من انتشار الداء المرعب فضلاً عن الحزن المالئ القلوب والكمد المستولي على النفوس. حينئذ هدأ البطريرك اضطرابهم وسكّن روعهم بنصائحه الحكيمة وإرشاداته الأبوية وانتدبهم لإقامة صلاة ابتهال معه أمام هذه الأيقونة العجائبية فلبوا الدعوة الأبوية. وبعد الصلاة حمل البطريرك الأيقونة وزار بها بيوت المصابين بالداء المخيف وباركهم بها فقبّلوها بكل ورع وتقوى وهم واثقون بقوتها العجيبة فشفوا لساعتهم. وكذلك زار بيوت المتوفين ساكباً بلسم العزاء السماوي على قلوب عيالهم. وهكذا كفَّ البلاء عن البلدة. وإجابة لإلحاح الأهالي وبكائهم أمام البطريرك وهبهم الأيقونة لتكون الواقية لهم من كل ضرر ورزية. ومن ذلك الحين لم تُمنَ بحمدون بداء وافد بل أصبحت محط رحال المصطافين من الوطنيين والأجانب وكفى بذلك شاهداً محطة بحمدون التي لم يكن فيها منذ خمسين سنة إلا خان يأوي إليه المسافرون وقد أضحت الآن أشهى مصطاف لظرافة منازلها ومواتاتها لهناء السكنى وراحة المعيشة. *وفي إبان ثورة سنة (1860م) هاجم الثائرون وعددهم نحو خمسة آلاف رجل من بلدة بحمدون فلاقاهم الآهلون بعد أن اجتمعوا في الكنيسة وسألوا بالصلاة والابتهال خاشعين معونة الحامية العزيزة التي لا تحارب وردوهم عنها دون يضروا بها. وقد شهد الثائرون بأنهم رأوا امرأة في حلة ذهبية تتقدم جماهير الآهلين. *وفي سنة (1912م) لما دُعي البطريرك الإنطاكي القديس غريغوريوس حداد الرابع ليترأس حفلات يوبيل الثلاثمائة سنة لتملك بيت رومانوف في الروسية جاء بحمدون وأراد أن يأخذ هذه الأيقونة معه ليقدمها هدية للإمبراطور الحسن العبادة نقولا الثاني فأخذها وعوّض عنها بأيقونة بديعة التصوير من جبل أثوس المقدس كلَّفته مئة ليرة فرنسية ذهباً لتوضع في مكانها. واتفق أنه لما وصل إلى دمشق جاءها الأرشمندريت فيليمون حداد ليتداوى من مرض النوم ونزل في دار البطريركية في المقصورة التي كانت فيها الأيقونة. فابتهل أمامها إلى والدة الإله فظهرت له ليلاً وقالت: (كن معافىً) فشفي لساعته. وفي الغد التمس من البطريرك أن يهبه إياها فأجاب التماسه لأنه كان يعزه لصحة إيمانه وصدق تقواه فأخذها إلى قريته الخيام في منطقة مرجعيون وأقامها في الكنيسة. وخلفه الخوري نقولا طعمة في خدمة الكنيسة واتفق له أن أخبر أرشمندريت مطرانية بيروت (مطران لبنان الحالي) عن عجائبها المتتالية وأنه سمع منها صوتاً قائلاً: (أريد أن أكون في مثواي في بحمدون) فالتمسها سيادة الأرشمندريت إيليا من مطران الأبرشية يومئذ السيد ثيوذوسيوس أبي رجيلي فسمح له لقاء نسخة عنها طبق الأصل وحلة كهنوتية لكنيسة قرية الخيام. ونقلها ارشمندريت إيليا في 26 نيسان إلى دير العذارى في بيروت. *واتفق أن جاءت يومئذ الحاجة مريم السمرا رئيسة دير صيدنايا إلى بيروت لتعمل عملية جراحية في المرارة بواسطة طبيبها النطاسي الماهر المرحوم أسعد عفيش في مستشفى القديس جاورجيوس تنظيفاً لها من الحصى. فلما عرفت بوجود الأيقونة في دير سيدة الأشرفية سألت أن يؤتى بها من الحصى. فلما عرفت بوجود الأيقونة في دير سيدة الأشرفية سألت أن يؤتى بها إلى غرفتها فأجيبت إلى سؤالها. وفي الليل صلت أمامها راكعة بكل ورع وخشوع وملتمسة الشفاء من دائها فسقط للحال من مرارتها اثنتان وعشرون حصاة فاستغنت عن العملية الجراحية المخطرة وعادت إلى ديرها معافاة سليمة ترنم لأم الإله: (لا يسارع أحد إليك ويرجع من لدنك خازياً أيتها البتول النقية أم الإله بل يسأل النعمة فيحرز الموهبة بحسب ما يوافق طلبته).
*وفي بيروت لجأت إليها السيدة لورنس طراد بعد أن أعيا داؤها أمهر الأطباء مبتهلة بإيمان حارٍّ فظهرت لها أمُّ الإله ومنّت عليها بالبرء من دائها المميت.
*وفيها أيضاً أنعمت العذراء بواسطة أيقونتها هذه العجائبية على السيد جورج ابن المرحوم ناصيف الريس بالشفاء لما لم تفده العملية الجراحية في جوفه فراح يكثر من المبرات شكراً لها على أنعامها العظيم. واستصنع لها حلّة فضية نادرة المثال بديعة الصنعة. *وفيها أيضاً جادت العذراء بواسطة أيقونتها على السيدة لبيبة كرم بالبرء من داء السرطان في معدتها بعد أن أخفقت معالجتها بالكهرباء وجميع الطرق الفنية.
*وظهرت العذراء مريم للمرحوم ناصيف كرم والد نيافة السيد إيليا كرم مطران لبنان وشفته من داء الفالج بعد أن عالجه سنة تقريباً. وكان ظهورها له في الخامس والعشرين من آذار يوم بشارة رئيس الملائكة لها بالنعمة الشاملة العالم كله.
*وفي اليوم الثامن من آذار مرض المثلث الرحمات المطران جراسموس مسرة بالتهاب الرئتين وجزم أطباء بيروت باستحالة شفائه فاستحضروها ملتجأ إلى معونتها عن إيمان حار فشفي ساعة دخولها إلى غرفته. *وحدث لأسعد حنا الهبر صهر الدكتور بشارة اندراوس في طريقه إلى بغداد أن كان قدامه خمسون سيارة غارقة في وحل البادية ولا نستطيع التقدم. حينئذ أقام صورة هذه الأيقونة العجائبية على مقدم سيارته واستدعى معونة والدة الإله فجرت سيارته في الحال فصفق له السائقون وتبعوهُ فرحين معظمين العذراء.
*وفي ثامن نيسان عام (1938م) جزمت جمعية الأطباء بعدم شفاء الدكتور فؤاد سعد من دائه العياء فاستقدم أهله هذه الأيقونة العجائبية فصلى أمامها السيد إيليا كرم مطران لبنان صلاة الابتهال وما انتهى من صلاة عند سرير المريض المدنف حتى سقطت حرارته وتكلم مخبراً عن أن راهبة بيضاء ظهرت له في الرؤيا وسقته دنًّ ماء فعاد إلى الحياة.
**واشتد داء امرأة الدكتور توفيق كرم من بلدة حامات وفي 25 أيار ساءت حالها جداً في الجامعة الأمريكية حتى أوعزت إدارة مستشفاها بنقلها منه ولكن لم تبطئ أن فارقت الحياة وهُيّئَ لها التابوت إلا أن والدتها أصّرت على عدم نقلها عن سريرها حتى تستحضر الأيقونة العجائبية المقدسة. فلما وضع سيادة مطران لبنان السيد إيليا كرم هذه الأيقونة على صدر الميتة أمام أطباء المستشفى عادت إلى الحياة فبارك الجميع الله الفاعل العجائب بواسطة أيقونة أمه الفائقة القداسة. **إن امرأة خير الحداد من بلدة دوما لما لم يهبها الله ثمرة بطنها ذهبت مرتين إلى أوربا رجاء أن تحصل على منيتها بالوسائط الطبية. ولكن لما خاب رجاؤها استحضرت هذه الأيقونة المقدسة فصلى أمامها في منزلها نيافة مطران لبنان السيد إيليا كرم. وما انقضت على تلك الصلاة الإبتهالية تسعة أشهر حتى رزقت المرأة ولداً. †وبعد أن صار الأرشمندريت إيليا كرم مطراناً للبنان نقلها إلى بحمدون. وفي يوم أحد القديس الرسول توما احتفل فيها بالقداس الإلهي واجتمع إليه الآهلون يهنئون بسيامته مطراناً قائلين: أنت يا سيدنا أعدت الأيقونة إلى بحمدون فأنت أحق منا بها. ولكن لما كان سيادته يعرف شدة تعلقهم بها ولا سيما بعد غيابها الطويل عنهم لم يرد أن يحرمهم إياها فشكرهم وعاد فقدمها لهم. فهي الآن في الكنيسة التي شيدها لشرفها في بحمدون لا تزال تفيض النعم والبركات والأشفية لكل ملتجئ إليها عن إيمان. †وفي اليوم الثامن من أيلول سنة (1928م) أطلق عليها البطريرك القديس غريغوريوس الرابع في احتفال حافل في كنيسة بحمدون اسم (السريعة الإجابة) مضافاً إلى اسم (أم النعم) بمناسبة ظهورها له في اليوم السابع من شهر آب في تلك السنة وشفائها لعينيه من المياه السوداء. †وبسخاء نيافة السيد إيليا مطران لبنان الجزيل الاحترام تعد هذه الأيقونة من أشهر أيقونات العذراء مريم الفائقة القداسة لكثرة ما ينفقه على طبع مئات الألوف من صورها وتوزيعها مجاناً في العالم المسيحي كله أجمع. ولو أردنا استقصاء جميع ما يرد علينا من أخبار معجزاتها يوميّاً لامتدَّ بنا نَفَس الكلام إلى ما لا نهاية له. ††† ومن خطاب البطريرك القديس غريوريوس الإنطاكي الرابع الذي ألقاه عقب أن منت عليه العذراء بشفاء عينيه بواسطة أيقونتها هذه البحمدونية العجائبية يوم وقف في كرسيه في كنيسة بحمدون يسمع القداس الإلهي تتألق أهميتها وتستبين قوتها وهذا نصه: (منذ سبعين سنة وقف سَلفنا المثلث الرحمات البطريرك الإنطاكي إياروثيوس على هذه الكرسي. نعم وقف على كرسي كنيسة بحمدون هذه دَهِشاً متعجباً وممجداً الله لِما شاهده من العظائم وسمع عن المعجزات الفائضة بسخاء من الينبوع الدائم التسلسل. من المعين الفياض. من النهر المروي الخليقة بأسرها. من عين الحنان والشفقة. من القلب المفعم رحمة وعطفاً. من المحبة المتجسمة التي أودعها الضابط الخليقة كلها قلب الأم البتول التي اصطفاها على نساء العالمين واصطفاها أماً لابنه مخلص العالم كله أجمع. نعم أننا بعد سبعين سنة مرت على وقفة سَلَفنا المغبوط الذكر نقف نحن أيضاً على ذات الكرسي في هذه الكنيسة المقدسة توخّياً للغاية الحميدة ذاتها أي لنمجد الله ونذيع شكرنا على إحسانات من هي أكرم من الشيروبيم وأرفع مجداً بلا قياس من السيرافيم. على نعم ابنه الأب وأم الابن وعروس الروح القدس شريكتنا في طبيعتنا البشرية والمهتمة بنا اهتمام الأم الحنون بأولادها والملطفة آلامنا والمضمدة جراحاتنا بلطافة محبتها وطيب عَرْفِ حنانها وإخلاص عواطف قلبها. – نعم نقف اليوم على هذه الكرسي الشريف لنعلن بحمدنا وامتناننا لتلك لأم السماوية التي عودتنا على إحسانها وإغداق نعمتها علينا. عودتنا على سؤالنا لها ونيلنا من لدنها كلُّ سؤل وبغية. ومشتهى ومنية. عودتنا على الآخذ من ذخائر رحمتها بدون حساب وكنوز شفقتها الشاملة الجميع. نقف موقف الشاكرين الفرحين لأن الآخذ من يد الأم الروحية السماوية يمتاز بما لا يقاس عن الأخذ من يد الأم الأرضية الجسدية. فتلك تعطي السماويات وهذه تعطي الأرضيات. وشتان ما بين الباقيات والفانيات. تلك تعطي كلَّ ما تسأل. لأن كل كنوز السماء والأرض متوفرة لها. وهذه تكاد لا تحصّل في غالب الأحيان ما هو ضروري لقوام الحياة. وشتان ما بين الغني المنعِم والمعوِز المعدَم. تلك تعطي أولادها ولا تمنن عليهم بل تكتنفهم وتضمهم إلى صدرها مبتسمة باشة فرحة كما قال القديس بولس الرسول: (إن الله يحب المعطي الباش). تعطي دون أن تُشعر بمذلة السائل وفي الوقت عينه تُشرك بملذة المعطي. تعطي بلا ضجة ولا افتخار بل برصانة وتؤدة ورزانة كأنها تودع أولادها أمانة لا تستردها ما داموا يحسنون استعمالها ويقتربون بها من الله عزَّ وجل. فهي أمُّ الخليقة كلها. أمُّ الأجيال جميعهم. أمُّ النعم السريعة الإجابة لكل ملتجئ إليها عن إيمان ومحبة. نقف فيكم اليوم أيها الأبناء الأحباء بالرب لا لنعظ صفاء محبتكم ونقاء عاطفتكم بل لنقف مع رجل الله ابن العذراء خزانة الروح القدس. معلم الكنيسة وبلبلها الغريد. جندي البتول الذي أبلى في نضاله عن تكريم أيقونتها المقدسة بلاء حسناً وكابد أضرار المكايد والرزايا العالمية وطنيّنا القديس يوحنا الدمشقي وندعوكم لتكرموا بأهلية وجدارة سيدتنا والدة الإله بترنيمكم أمام أيقونتها المقدسة نشيدهُ المشهور لها يوم شفت يده المقطوعة فأعادتها إلى حالتها الطبيعة وهو: (إنَّ البرايا بأسرها: محافلَ الملائكة وأجناسَ البشر تفرح بك يا ممتلئة نعمة. أيتها الهيكل المتقدس والفردوس الناطق فخر البتولية مريم التي تجسد منها الإله وصار طفلاً وهو إلهنا قبل الدهور لأنه صنع مستودعكِ عرشاً وجعل بطنك أرحب من السموات. لذلك يا ممتلئة نعمة تفرح بك البرايا كلها وتمجدك). ونحن وإن تكن حقارتنا غير جديدة بالتشبه بفخر الكنيسة القديس العظيم يوحنا الدمشقي. فالتشبه مع ذلك بالكرام فلاح. والله يكمّل قوتنا في الضعف بشفاعة أمه الفائقة البركات والقداسة. فيقبل أصواتنا في امتداحها وأن تكن غير شجية كصوت وطنيّنا القديس يوحنا كما يقبل معانينا وأن تكن غير الماسية كمعانيه ولا سيما إذا صدرت عن نفوس مؤمنة وقلوب مخلصة. ألا تذكرون أن الكنيسة تمدحها قائلة: (إن الألسنة بأسرها تتحير كيف تمدحك بحسب الواجب وكلَّ عقل وإن كان فائقاً العالم فإنه ينذهل في تسبيحك يا والدة الإله. لكن بما أنك صالحة تقبلي إيماننا لأنك عرفت شوقنا الإلهي فإذ أنت نصيرة المسيحيين فإياك نعظم). ولا غروَ في ذلك. لأنه أَنى لعقولنا الأرضية أن تستوفي مدح الأسرار الإلهية التي تمت بالعذراء مريم والقواتُ السماوية أنفسهم لا يدركونها؟ ومع ذلك لما كانت هذه الأم العذراء قد رضيت بأن تصرح في تسبحتها النبوية قائلة: (تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلى تواضع أمته فها من الآن تبارك لي جميع الأجيال...) فهي تقبل منا المديح والشكران بمقدار ما أولانا الله من فضله. وما كلف الله نفساً فوق طاقتها ولا تجود يد إلا بما يجد. فيا والدة الإله الأم الحنون! يا أم النعم السريعة الإجابة! يا رجاء العالمين بعد الله وشفيعة الخاطئين التائبين أمام عرشه الإلهي وهادية الضالين إلى نور المعرفة الحقيقية معرفة ابنك ربنا وإلهنا يسوع المسيح شعاع الآب ورسم جوهره الإلهي الذي نعاين به النور. لا تهملينا في الضيقات ومصاعب هذه الحياة ورزاياها.
أيقونة العذراء الطاهرة موجودة في دير تجلي الرب برام الله، وقد رسمت عام 1992 للخلاص من قبل راسم الأيقونات الارثوذكسي المحلّي جبرائيل جايلمنتيان. هذه الأيقونة عجائبيّة وقد تمّ شفاء الكثيرين بمجرّد مسحهم بالميرون (الزيت المقدس) الذي تذرفه الأيقونة.
في صباح 17\6 الموافق 4\6 يولياني (شرقي) عام 1998، دخل إلى الكنيسة الكاهن نيقولا عقل ليشعل القناديل كالعادة، فوجد برواز الأيقونة الطاهرة الزجاجي ساقطاً على الأرض ومحطّماً (مع العلم أن معظم أيقونات الكنيسة مغطّاة بالزجاج خوفاً من التلف). ارتبك الكاهن وذهب مسرعاً ليبلغ الأرشمندريت ميليتيوس بصل وهو رئيس دير تجلي الرب منذ عام 1997. كلا الكاهنين ظنا أن سبب سقوط الزجاج هو تصادم القنديل الذي أمام الأيقونة بالزجاج بفعل الرياح الشديدة التي أتت من نافذة مفتوحة. لكن سرعان ما لاحظوا أن القنديل ما زال مضاءاً من اليوم السابق مما يدل على أن السبب لم يكن الريح. فتركا الموقع دون أن يفعلا شيئاً وكانت تغمرهما الدهشة والحيرة.
بعد ساعات، طلب من الكاهن جريس مرزوقة دخول الكنيسة وإزالة الزجاج المكسور عن الأرض. وأثناء قيامه بعمل التنظيف جرحت يده وصرخ طالباً المساعدة، فأتاه الأرشمندريت ميلاتيوس مسرعاً، وعندما رأى أن يده تنزف بشدة، ذهب ليأتي ببعض القطن والكحول ليطبب جراح الكاهن الآخر. والدهشة كانت عندما عاد الأرشمندريت ميلاتيوس حاملاً القطن والكحول فوجد أن الأب جريس مندهشاً وساجداً ومصلّياً، ونزيف الدم قد توقّف وإلتأم الجرح وكأنّه لم يكن جرحاً. وأنّ لا أثر لوجود الدم.
بعد هذا الإرتباك، وعندما تأملا في الأيقونة بدقّة، لاحظوا أن على الأيقونة خطوط سيلان من "الميرون" وكانت العذراء في الأيقونة تذرف الدمع.
وما زالت الأيقونة تذرف الدمع إلى يومنا هذا. ويجمع الدمع "الميرون" ليدهن به المؤمنين المستمدّين الشفاء والأدعية.