..............................
وأما المنتديات ـ سواء "هنا" أو "هناك" ـ فهي مواقع خارج السياق. السياق هو الفيسبوك وتويتر وتيك توك وديسكورد وكورا وغيرها. هذا هو السياق الاجتماعي والثقافي والعقلي العام، الذي يعكس وعي البشر عموما ويعبر عنه. أعضاء هذه المنتديات، النشطاء فيها، هم بالتالي أيضا خارج السياق. إنهم مجموعة خاصة من البشر. لا أقول "شاذة" ولكن فقط "خاصة". لذلك فعددهم قليل جدا. قد نجد بينهم الساذج تماما أو بالعكس العبقري تماما. البسيط تماما أو بالعكس المركب أو حتى المعقد تماما. لكنهم في النهاية جميعا شخصيات "خاصة"، شخصيات "استثنائية"، شخصيات "متطرفة" بلغت الحد الأقصى، سلبا أو إيجابا، وهي بالتالي شخصيات "نادرة" حقا، فريدة جدا يصعب أن تتكرر. وكما على الشبكة كذلك في العالم: معظمهم على الأرجح يعيشون أيضا "خارج السياق"، يعيشون أو على الأقل يفكرون "خارج القطيع".
هكذا يا صديقتي يجدر أن "نرى" هؤلاء حقا، بدءا من "نعومة" حتى "شيري" ومن "كلدانية" حتى "ولاء فاروق". عن نفسي لا أفصل أو أميّز بين "هنا" و"هناك". كل ما أراه هو بالأحرى مجموعة "خاصة" من البشر. مجموعة "متميزة" جدا من الشخصيات. مجموعة رائعة باهرة حقا في تنوعها وعمقها وتركيبها خاصة حين يجتمعون هكذا معا. وراء كل منهم على حدة ـ كل قلب بحد ذاته ـ ما يحتاج أن أتأمله طويلا وأأتعلم منه كثيرا.
هذه بالتالي هي خلفية هذا المشهد يا صديقتي، الإطار الذي أنطلق منه وأكتب إليه ولماذا أعتز كثيرا بهذه المجموعة الرائعة. أنتِ لا تحتاجين أبدا إلى أي تبرير أو حتى تفسير لماذا تشاركين هناك بدلا من هنا أو تكتبين لهذا بدلا من ذاك. المهم حين نشارك هو أن نهتم وأن ننتبه. انتباهنا جزء من إخلاصنا. انتباهنا لا يعني فقط أننا نبذل أنفسنا في الخدمة، بل يعني أولا أننا نرى حقا هؤلاء الذين نخدمهم. لابد أولا أن نراهم وأن نعرفهم، وإلا فكيف نخدمهم؟ فقط حين نراهم سنرى جمالهم وندرك روعتهم. وحين نرى جمالهم وندرك روعتهم سنحبهم. وحين نحبهم سيأتي انتباهنا وإخلاصنا تلقائيا، عفويا دون أي جهد أو قصد من جانبنا. ببساطة لأننا خرجنا أخيرا من سجون أنفسنا وتحررنا، ولو للحظات، وحين تحررنا: رأينا وأحببنا. هكذا ـ خلال تلك اللحظات ـ تشرق أخيرا خدمتنا وتثمر حقا وتنمو.
***
"ثورة يسوع" موضوع رائع بكل ما تعنيه الكلمة، فكرة تستحق كتابا كاملا، وفيه تعب كبير واضح أشكرك كثيرا عليه ربنا يباركك يا أختي الجميلة ويعوض تعبك. معياري على أي حال، في أي موضوع، هو كما ذكرت توا: هل رأيتِ الناس أولا، هؤلاء الذين تكتبين إليهم؟ هل تغرفينهم وتعرفين احتياجهم وتعرفين بالتالي أنهم سيقرأون موضوعك هذا أو حتى يهتمون به؟
بعبارة أخرى: الأفكار الجميلة والموضوعات الهامة كثيرة. لكنها "جميلة" و"هامة" فقط حسب تقديري ومن وجهة نظري. ما زلت بالتالي سجينا لذاتي، حبيسا داخل قوقعة أفكاري ومشاعري، لو أن معياري هو فقط أن الموضوع جميل وهام. بل لابد أن يكون هكذا ـ جميلا هاما ـ من وجهة نظر القارئ أولا ليس من وجهة نظري. موضوعي جميل وهام فقط حين يلبي احتياجا ما داخل القارئ وحين يتواصل مع قلبه. أي ببساطة حين أرى القارئ أولا وأعرفه. هكذا الخدمة كلها يا أختي الغالية. وإلا فنحن ما نزال "جزرا منعزلة"، مغتربين سجناء داخل أنفسنا، أسرى في زنزانة عقولنا، رهنا لأفكارنا ومشاعرنا.
(وهذه بالتالي هي "خدعة" التواصل الاجتماعي ومواقعه. إنها بالعكس تكريس لاغتراب الناس أحدهم عن الآخر وليس أبدا لتواصلهم! في المقابل هذا أيضا أملنا الوحيد، في منتديات كهذه سواء هنا أو هناك، بشرط أن نتحرر نحن أنفسنا أولا. أن نخرج من ذاتيتنا كي نرى الناس حقا فنحبهم. عندئذ سنعرف تلقائيا كيف نتعامل وكيف نسامح وكيف نستجيب وكيف نشارك وبالجملة كيف نتواصل حقا أحدنا مع الآخر. عندئذ يسعد الناس بنا ونسعد بهم، ينهلون من بحورنا وننهل من بحورهم، يحلّقون في سمائنا ونحلّق في سمائهم. وعندئذ ـ وهو الأهم والأروع والغاية كلها ـ نكتشف معا هذه الوحدة التي تجمعنا، ندرك أخيرا أننا في النهاية "واحد" حقا في الرب، لم ولا ولن نكون أبدا هذه الجزر المنعزلة المغتربة كما نتخيل)!
***
نكتفي على أي حال بهذا القدر وعذرا للإطالة، وإن كان بالعمر بقية نسعد ان شاء الله برؤيتكم مرة أخرى في العام الجديد، أو ربما في الكريسماس، حسب تقدير الرب وتدبيره، فكل عام وجميع الأحباء بكل خير. أشكرك يا قطتنا الجميلة ختاما على رسالتك واهتمامك، ومرة أخرى لا داعي أبدا لأي ضيق ولا حاجة لأي اعتذار. نحن أيضا نحبك ونعتز بك جدا يا أختي الغالية، ربما فوق ما تتصورين، وقد كنتِ وما تزالين دائما أميرة المنتدى "البرنسيس" الجميلة لمسة يسوع المباركة ربنا يبارك حياتك ويسعد قلبك. سلام المسيح ليكن دائما معك، أطيب المنى وحتى نلتقي. ♥