يا صباح الأنوار يا ست نعومة الجميلة، يجعل نهارك أبيض ونادي كما يقول أهل المحروسة.
أشكرك من جديد على هداياكِ هدايا المحبة التي لا تنتهي ربنا يباركك ولا يحرمنا أبدا من طلّتك الحلوة ولمساتك الفنية البديعة. أشكر أيضا الإدارة مرة أخرى لاهتمامهم وتعبهم، لأنه لولا هذه الإشعارات ما عرفت أبدا بوصول هذه الرسالة الجميلة. ولكن لا داعي أبدا يا أمي لهذا التعب كل مرة، لكل هذه الأوسمة والنياشين والدروع والتيجان. تكفيني فقط أبسط كلمات الافتقاد أو مجرد السؤال كي أحضر بكل امتنان لأسعد وأتبارك بزيارتك، أو على الأقل لألقي التحية والسلام، ما شاء الرب فتوفر الوقت وسمحت الظروف عموما بذلك.
***
وأما لمسة يسوع فأول ما قلت في نفسي حين رأيت رسائلها الأخيرة: «سي لطفي؟ إزيك يا سي لطفي!» نعم، لا أملك أمام هذه التقلبات المفاجئة سوى أن أتذكر عبارة الفنان "حسن أتلة" الشهيرة: «ساعة تروح وساعة تيجي»! 
يعني انتي راضية عني أخيرا؟ خلاص سامحتيني؟ حكمتك يا رب!
طيب مش كنتي تشرحي لي أولا لماذا هذا التجاهل التام لرسالتي الأخيرة ولزيارتي عموما، رغم أن حضوري كان خصيصا لأجلك واستجابة لإحدى رسائلك؟ وللا هو مفيش أي مشكلة أصلا والحكاية ببساطة إنها فعلا «ساعة تروح وساعة تيجي»؟
على أي حال ليست هناك في النهاية أي أزمة بالطبع بسبب ما حدث، ليس لديّ أي ضيق مثلا أو إنكار أو حتى اعتراض، لأن القلب الذي يُحزنه التجاهل والإساءة هو نفسه الذي يُسعده المديح والكرامة ويبحث بالتالي عنهما. فقط كنت أتمنى أن أعرف ما هي مشكلتك "أنتِ" شخصيا، ما هو هذا "الخطأ" أو "التجاوز" الذي رأيتِ برسالتي، بحيث نتجنب ذلك ببساطة مستقبلا.
(غضبنا وضيقنا للتجاهل والإساءة، وبالمقابل سعادتنا بالمديح وسعينا للكرامة، كل ذلك مجرد عرض واحد فقظ من أعراض المحنة أو "المأزق الوجودي" الذي نعيشه جميعا، بدرجة أو بأخرى، نظرا للخلط الذي أصاب عقل الإنسان بعد السقوط كما أشرت بالمرة السابقة. لو أننا بالعكس عرفنا حقا أنفسنا، عرفنا هويّتنا وحقيقتنا، رأينا شموس الجمال التي تتلألأ داخلنا وأدركنا بحور المحبة والفرح والسلام التي تفيض كل لحظة بقلوبنا، ما استطاع شيء بكل هذا الوجود أن يزعجنا أبدا، ناهيك عن أن يُحزننا أو يُغضبنا! تلك ببساطة "صورة الله" فينا، التي لا حد لجمالها ولا انتهاء لروعتها، والتي استبدلناها بـ"صورة الإنسان" فبدأت من ثم المأساة وظهر كل هذا الشر وهذه الأحزان والدموع، حتى بلغنا أخيرا حد الجنون والعبث كما نشهد اليوم بعالمنا)!
***
ختاما أفتقد معكم بالطبع كل الغائبين، الأم الغالية أمة وأستاذنا الكبير ناجح، كما لاحظت أيضا غياب أستاذنا الجميل سام صاحب تلك الكتابات الروحية الرائعة، والذي هو ربما "آخر الرجال المحترمين" كما يقول عنوان الفيلم الشهير. على أي حال هذه طبعا مجرد عينة، ولو أنني كتبت الأسماء جميعا ـ التي أتذكرها فقط ـ لاحتاج ذلك بحد ذاته إلى رسالة أخرى مطوّلة. نصلي ختاما لأجل الجميع لعلهم بكل خير وفي أسعد الأحوال دائما. مشكلني فقط هي أن بعض هؤلاء ـ أو ربما معظمهم ـ غاب عنا نظرا لمظلمة أو سوء فهم أو حتى خلاف في الرؤية، خاصة مع الإشراف أو الإدارة. لهؤلاء بالتالي أقول: لا تضحوا أيها الأحباء بالنفيس لأجل الرخيص! ما يجمعنا هنا هو الله وكلمة الله ونعمته، وليس انتماؤنا شخصيا لأي موقف أو رأي أو فكرة، وليس حتى "قصتنا" أو سيرتنا الذاتية برمتها، بكل ما فيها من ضيقات وجروح وانكسارات وتعديات وأخطاء ومظالم. تلك تحديدا ـ قصتنا الشخصية ـ هي ببساطة ما يحجب عنا الرؤية والإدراك ويحول بيننا وبين "قصتنا الحقيقية". ليس أجمل هنا من كلمات الأب "بيير دي شاردان" ـ أحد آبائنا الجيزويت الكبار ـ حين قال في عبارة شهيرة:
نحن لسنا كائنات إنسانية تعيش خبرة روحية. نحن كائنات روحية تعيش خبرة إنسانية.
We are not human beings having a spiritual experience
We are spiritual beings having a human experience
***
أشكرك مرة أخرى يا ست نعومة قمرتنا الجميلة ربنا يباركك ويبارك حياتك ويسعد كل أيامك. وأما اللي "ساعة تروح وساعة وتيجي" فربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم.
أشكرك يا أختي الغالية أيضا لكل كلماتك ورسائلك الطيبة وأمتن كثيرا لها ربنا يباركك ويفرح دايما قلبك. عذرا للإطالة مع تحياتي ومحبتي وحتى نلتقي. ♥