سلام ونعمة: هذا هو الجزء الذي كنت أقصد، من رسالة كتبتها قبل عامين تقريبا، وقد رأيت أن أرسله إليك خاتمة لهذا الحوار، لعلك تدرك "الفضاء المسيحي" الذي ننطلق منه ونتحرك فيه عموما، ترى "الخريطة" كلها على نحو أفضل، من ثم تدرك موقعك الحقيقي منها ولماذا، مثل معظم المسلمين، قد لا تفهم حقا ما نقول (بافتراض أنك ترغب حقا بالفهم)!
_________________________
بداية كيف عرف الإنسان الله؟
عرفه لأنه أدرك أن هناك "ذكاء" ما خلف هذا الوجود. هذا الكون الفسيح بكل هذه القوانين المُحكمة والقياسات الدقيقة لا يمكن أن يكون ظهوره هكذا اعتباطيا أو عشوائيا. هناك حتما ذكاء ما هو الذي صنع هذا الكون.
ولكن إذا كان وراء هذا الكون صانع عاقل ذكي، فمعنى ذلك ـ أولا ـ أن لهذا الكون غرض وغاية. لأن "العاقل الذكي" لا يصنع أي شيء عبثا. إذا صنع الإنسان على سبيل المثال مقعدا، فهناك غرض لذلك هو الجلوس عليه. إذا صنع ثوبا، فالغرض هو ارتداؤه. إذا صنع بيتا، فالغرض هو الإقامة فيه، وهكذا. من ثم عندما صنع الله هذا الكون: لابد أن لذلك أيضا غرض وهدف. كذلك عندما صنع الإنسان بوجه خاص، تاج الخليقة، فقد كان لذلك حتما غرض وغاية. ما هو بالتالي غرض الله وغايته من خلق الكون والإنسان؟
هذا العاقل الذكي ـ ثانيا ـ لا يصنع شيئا من مادة أو من طبيعة لا يمكن معها لهذا الشيء أن يقوم بغرضه وغايته. الإنسان مثلا لا يصنع المقعد من قماش، أو الثوب من حديد، أو البيت من ورق. بل لكل مصنوع مادته وطبيعته الخاصة التي تساعده على الوفاء بغرض الصانع وغايته.
يبرز السؤال بالتالي مرة أخرى عن هذا الإنسان: ما هو غرض الله وغايته عندما اختار للإنسان هذه الطبيعة الخاصة، التي تجمع المادي والروحي معا، المنظور وغير المنظور في تكوين واحد؟ ما هو غرض الله وغايته عندما قرر أن يصنع الإنسان على صورته ومثاله؟ ما هو الغرض، علاوة على ذلك، عندما جعل الإنسان هكذا شخصا، أقنوما، يحمل الطبيعة البشرية وبالوقت نفسه يتميّز عنها ـ أيضا على صورته سبحانه؟ ثم أخيرا: كيف تساعدنا هذه الطبيعة الخاصة على تحقيق غرضنا والوفاء بغاية خلقنا نفسه وسر حضورنا هكذا من العدم إلى الوجود؟
. . . . . . . . . . . . . . .
_________________________
هذه ـ أستاذنا الحبيب، هي فقط البدايات والأصول الأولى (الغائبة بالطبع تماما وكليا في الإسلام، ولكن لحسن حظك أننا لسنا في مقام المقارنة هنا، بافتراض أن المقارنة تستقيم أصلا).
أقول: هذه هي فقط البدايات والأصول الأولى لفهم الإيمان المسيحي، وكما ترى فهي واضحة بسيطة منطقية لا يختلف اثنان بشأنها.
فإذا أجبت على هذه الأسئلة المبدئية (لأنك فرضا تريد الفهم) تنتقل بعد ذلك إلى قضية الشر وكيف دخل الشر إلى العالم فأفسد خليقة الله التي أبدع صنعها. (ما هو الشر أصلا؟ لماذا خلق الله ـ أو خلق الإنسان ـ هذا الشر؟ هل للشر ابتداء أي وجود حقيقي، أم ليس هناك شر حقا كما يقول بعض الفلاسفة؟ ماذا قال الآباء المسيحيون عن الشر وكيف فسروا وجوده، إن كان له وجود؟)
بعد ذلك تنتقل إلى المرحلة الثالثة وهنا فقط تسأل أخيرا عن آدم، عما حدث مع آدم، سيان كشخصية تاريخية أو حتى رمزية تعبر عن كل إنسان كما يرى فيلو الإسكندري وغيره. (بداية ما هي الخطيئة؟ لماذا الخطيئة خطيئة أصلا؟ لماذا ينهانا الله ـ من حيث المبدأ ـ عن أي شيء؟ كيف نحل التناقض بين هذا "النهي الإلهي" وادعاء "الإرادة الحرة" عند الإنسان؟ أخيرا ما هي بالضبط خطيئة آدم؟ كيف تطورت بحيث أدت إلى السقوط؟ ما علاقة الخطيئة ـ خطيئة آدم أو أية خطيئة ـ بقضية الشر كما فهمناها بالمرحلة السابقة؟ ما العلاقة، في ضوء كل ما سبق، بين "الخطيئة" و"الشر" و"الموت"، ولماذا ترتبط هذه الثلاثة دائما معا؟)
. . . . . . . . . . . . . . .