أهلا من جديد أستاذنا الحبيب. الآن فقط أدركت أخيرا لماذا كان الأحباء في مجال اللاهوت الدفاعي يغضبون أحيانا، "يخرجون عن شعورهم" حقا كما يُقال وربما يلجأون حتى إلى إهانة الطرف الآخر وإهدار كرامته تماما! كنت ألومهم كثيرا على هذا، وأما الآن فقد عذرتهم أخيرا! 
لك يا صديقي في ذمتي ـ وللقارئ الكريم ـ تفسير أو تصحيح واحد، كتبته بالفعل في المرة السابقة ثم حذفته: طلبا للاختصار من ناحية، ولأن ما أراه منك في كل مرة هو فقط "عك في عك" بكل الأحوال كما ذكرت سابقا. أو بعبارة أخرى: "سدّيت نفسي" عن أي شرح لأي شيء من أي نوع! 
______________________________
طبيعة ادم صارت سقيمة ومات موتا روحيا
انت بتقول ان طبيعة البشر أصبحت سقيمة!!
ثم تنكر كلامك
انت اللى قلت طبيعة الإنسان باظت
وانتم الذين قلتم لا يمكن إصلاح فساد الطبيعة الإنسانية الا بالخطة اللى هيا..كذا وكذا.......الخ
مع انه لا يوجد اى اثر لهذه العقائد قبل عصر نيقية
والمراجع والنت قدامك..
نعم، طبيعة "سقيمة"، "مريضة" روحيا، ومرضها هو تحديدا "نزوعها نحو الخطيئة". مشكلة الإنسان إذاً ـ الخطيئة التي ورثها من آدم، على الأقل عند الشرقيين ـ هي هذا النزوع الخاطئ في طبيعته، وهذا هو "مرضه" الروحي الذي يحتاج بالأحرى شفاءً لا عقوبة. لذلك يقول ذهبي الفم في عبارته الشهيرة إن "الكنيسة مستشفى لا محكمة"، وكان فكر الآباء عموما حول الخطيئة والسقوط والخلاص يدور عادة في هذا الإطار ويتشكل وفق ثنائية المرض مقابل الشفاء. (الكنيسة مثلا مستشفى، الخطاة هم المرضى، الأهواء هي الأسقام، إلخ. حتى الطريق الروحي يبدو كبرنامج علاجيّ يتقدم في مراحل وخطوات متتابعة، بالضبط كأي برنامج طبيّ غايته أن يصل بالمريض إلى الشفاء).
يتردد هذا الفهم وهذه الصورة نفسها بالمجامع المقدسة أيضا، كالمجمع المسكوني السادس على سبيل المثال حيث يقول (قانون 102): «يجب على أولئك الذين نالوا من الله القدرة على الحل والربط، أن ينظروا إلى نوعية الخطيئة واستعداد الخاطئ للتوبة، وأن يستخدموا الدواء المناسب للمرض، لئلا يفشل في شفاء المريض إذا لم يكن حكيما في كل من هذه النواحي. ذلك أن مرض الخطيئة ليس بسيطًا، بل هو متنوع متعدد الأشكال، ويُنبت العديد من الفروع الضارة التي ينتشر منها الكثير من الشر، ويستمر حتى يتم إيقافه بقدرة الطبيب».
ويتأسس ذلك كله بالطبع على الكتاب نفسه حيث وردت هذه الصورة مرارا، لعل أشهرها قول السيد المسيح: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى» (مت 12:9)، كذلك عبارته الشهيرة أيضا: «ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاك». (مت 9: 22). (فإذا تعمقنا بالدراسة قليلا وتتبعنا الفعل اليوناني "sozo" كما يتردد عبر الكتاب، بمعنى "يشفي"، سنجد أنه يأتي هو نفسه بمعنى "يخلّص" أيضا، وكأن "الشفاء" هو "الخلاص" لا فرق، لكن ذلك على أي حال موضوع آخر).
***
أما قولك إن "الإنسان فسد ولا يمكن إصلاحه"، هكذا بهذه الصياغة، فما يتبادر منه إلى الذهن ـ على الأقل هذا ما تبادر لذهني ـ هو تحديدا ما يسمى بـ"الحرم الكليّ" أو "الحرم التام" (Total Deprivation): وهي بدعة ـ أو عقيدة حتى لا يغضب أحد منا ـ جاء بها لوثر وكالفن تحديدا ويؤمن بها بالتالي بعض الأحباء. تذهب هذه العقيدة إلى أن خطيئة آدم سببت "فسادا كاملا" للطبيعة البشرية، أحدثت "تشوّها تاما وكليا بلغ حتى أعمق أعماق الإنسان"!
فهذا تحديدا ما تبادر لذهني، ولذلك قلت ساعتها أن الكاثوليك بالعكس يقرّون صراحة أن طبيعة الإنسان لم تتغير أبدا. سقط الإنسان ـ حسب هذه المدرسة ـ لأنه فقد "نعمة" الله نتيجة المعصية. سقط الإنسان من ثم بطبيعة لم تتغير، ولكن ـ لأنه فقد نعمة الله ـ سيطر فيه المبدأ أو الجانب الحسي الجسداني على الجانب الروحي، وهكذا تعمّق سقوطه وانحط إلى ما صار عليه. (لعل هذا يفسر لماذا نجد في الثقافة الغربية أحيانا، خاصة بالقرون الوسطى، ذلك "العداء" ضد الجنس، وكأن "الجنس" و"الخطيئة" مترادفان، أو كأن الجنس ضد "الروحيات" عموما). أما الأرثوذكس فلديهم ترتيب مختلف أو حتى معكوس لما حدث، وحتى كلمة "النعمة" نفسها تحمل معنى مختلفا عن المعنى الغربي، ولكن هذا على أي حال أيضا موضوع آخر.
***
أما "الفساد" فهو مفهوم أساسي بالطبع، نعرفه أيضا في الشرق ونقرّ به، ولكن ليس بهذه الصيغة اللوثرية أو الكالفينية، بل في نفس الإطار الذي ذكرته حول سُقم الطبيعة ومرضها وضعفها وحتى موتها وتحللها. (هناك تحديدا معنيان لكلمة "الفساد" عند الآباء، شاركنا السيد المسيح في أحدهما ولكن لم يشاركنا بالأخر: الفساد بالمعنى الأول "phthora" يشمل كل أنواع المعاناة كالجوع ـ العطش ـ التعب ـ القابلية للطعن ـ للجراح ـ للموت ـ إلخ. هذا ما تنازل السيد المسيح ثانية ـ بعد أن تنازل أولا بالتجسد ـ وقبِل أن يشاركنا فيه جميعا، رغم كونه بلا خطيئة ولم يكن من ثم لطبيعته الإنسانية أن تعاني أيّا من هذا أبدا. أما الفساد بالمعنى الثاني "diaphthora" فهو يشير إلى التحلل التام للجسد الإنساني بعد الموت ورجوعه إلى عناصره الأولى).
مع ذلك فعندك حق طبعا، كان يجدر الشرح قليلا تجنبا للخلط، ولكن السياق لم يكن يسمح أبدا بذلك. كنت أكتب بالفعل رسالة أخرى، أيضا لأجلك، وكنت ألتقط فقط بشكل سريع ومختصر بعض أقوالك هنا وهناك كشواهد سريعة "للعك" الذي كنت أتحدث عنه.