صديقي الجميل الأخ الحبيب عبود عساف أشرقت الأنوار! قلوبنا معك وصلاواتنا لأجلك ربنا يزيح عنك كل همومك ويفرح قلبك ويبارك حياتك.
سأعطيك طريقة بسيطة وسريعة كي تتجنب ـ قدر الإمكان ـ الوقوع بهذه الحالات النفسية السيئة. نعم، تمر بنا جميعا للأسف أحداث كثيرة ـ بحياتنا الشخصية أو حتى بحياة الآخرين والعالم عموما ـ تكون نتيجتها أن تمتلئ قلوبنا حقا بالحزن والأسى، أو بالانكسار والضعف، أو بالمرارة والغضب. أما الطريقة التي أدعوك إليها فهي أن تقف للحظة واحدة فقط في كل مرة تواجهك هذه الأحداث ـ قبل أن تجرفك المشاعر السلبية ـ وأن تسأل نفسك سؤالا بسيطا:
Yes or No
«Yes» أو «نعم»: معناها ببساطة أنك تقبل هذا الذي يحدث، مهما كان سلبيا أو كريها.
وأما «No» أو «لا»: فمعناها بالعكس: أنك ترفض هذا الذي يحدث وتعترض عليه.
المشكلة هي أننا نقول "No" دائما، طوال الوقت، بل نعيش حتى تلقائيا ـ أوتوماتيكيا دون تفكير ـ في حالة الرفض والاعتراض والمقاومة لما يحدث (ما دمنا نراه سلبيا). لكن هذه "المقاومة" من ناحية أخرى هي نفسها "المعاناة" التي نشعر بها. كما كنت أقول دائما: ليس سبب المعاناة هو ما يحدث بحياتنا، سبب المعاناة هو بالأحرى "رفضنا" و"اعتراضنا" و"مقاومتنا" لما يحدث بحياتنا!
بعبارة أخرى: المعاناة والألم عموما هما تعبير عن "علاقتنا" بالحياة. إذا كانت علاقتنا بالحياة سلبية رافضة فهذه تحديدا هي المعاناة وهذا تحديدا هو سبب المعاناة. إنها "علاقتنا" مع الحياة وليست الحياة نفسها أبدا أو ما تلقيه الحياة بطريقنا. نحن لا نرفض أحداث الحياة أو أي شيء نواجههه بالحياة لأنه حقا كريه أو سيّء في ذاته، بل العكس تماما هو الصحيح: الأحداث والأشياء كريهة سيّئة لأننا ببساطة نرفضها!
هذا على أي حال ـ باختصار شديد ـ هو التفسير وراء هذه الطريقة التي أقترحها. فقط التقط اللحظة مبكرا ـ قبل أن تنجرف كالعادة بمشاعرك السلبية ـ واسأل نفسك: Yes or No؟ هل "أقبل" ما يحدث، أم "أرفض" ما يحدث؟ هل أختار لنفسي وضعية "القبول" داخليا، ومن ثم السلام والمحبة والحكمة، أم أختار "المقاومة" والرفض، من ثم المعاناة والضيق والألم ناهيك عن تشوش الرؤية؟
وبالطبع فإن هذا "القبول" الداخلي لا يعني أبدا قبول الظلم مثلا أو أي خطأ عموما، سيان وقع علينا أو على غيرنا. إن ما يعنينا هنا ليس "الأحداث الخارجية" بالعالم نفسه (السردية أو "القصة" التي سوف تحكيها "الأنا" كي تبرر غضبها مثلا! هذه القصة كلها هراء يا صديقي)! ما يعنينا هو بالأحرى "الأحداث الداخلية" بعقولنا نفسها أولا وبقلوبنا! ما يعنينا هو ما يجري حقا داخلنا، هو أمراضنا أو "أهواؤنا" بالتعبير المسيحي، هو "البرمجة" الداخلية التي نعاني ونتألم بسببها.
هذا القبول الداخلي بالتالي يشبه ـ على الأقل ـ إقرارا مبدئيا بالمشيئة الإلهية في حياتنا، مع التسليم الكامل لها دون مقاومة، وهو نفسه ما سوف يساعدنا بعد ذلك ـ بحكمة واستنارة ونعمة من الله ـ على رفع الظلم مثلا أو تصحيح الخطأ الذي نرغب بتصحيحه. تذكر أن فاقد الشيء لا يعطيه. شتان بين شخص يحاول رفع الظلم مثلا أو إقرار العدل أو نشر السلام والمحبة بينما هو نفسه حزين يشعر بالمرارة وربما حتى بالنقمة والغضب المكتوم، وبين شخص آخر يفعل ذلك وهو بالعكس هادئ ساكن يمتلئ قلبه بسلام الله ونعمته، يستنير في كل ما يفكر أو يقول بحكمته، ويسترشد في كل خطاه بإرشاده ومشيئته.
وعليه تذكر في الختام أن تقول «Yes» دائما. «Yes» أمام كل ما يحدث. «Yes» أمام كل ما تسمع. «Yes» أمام كل ما يصيبك. «Yes»: أي نعم، أقبل وأوافق وأرضى يارب بكل مشيئتك. على الأقل توقف للحظة واسأل نفسك السؤال ـ Yes or No ـ لأنك حين تتوقف هكذا وتسأل بوعي هذا السؤال ـ قبل أن تنجرف أوتوماتيكيا كالعادة بمشاعرك السلبية ـ فإنك عندئذ تسترد على الأقل بعضا من "حريتك" السليبة، حرية النعمة والمجد والصورة الإلهية الأولى، حرية أولاد الله التي تسلبها منهم الخطئية ويحاول الشيطان أن يستعبدها دائما.
***
ساعدني يارب اتغير وابعد عن كل الاشياء الغلط وما اعملها طول حياتي
حتى هذا نفسه يحتاج القبول أولا! ربما تقوم بهذه "الأشياء الغلط" طوال حياتك لأنك لم تحاول تجاوزها أبدا بالطريقة الصحيحة! حسن أنك تدرك أخطاءك وتعترف بها، هذه بحد ذاتها درجة متقدمة من "الوعي" النفسي والروحي. لكننا نحتاج بعد ذلك أن "نقبل" هذه الذات الخاطئة أيضا ـ بكل أخطائها، بكل شرورها، حتى بكل قبحها ـ لا أن نتوارى منها خجلا أو "نهرب" منها سريعا نحو "مثاليات" و"قيم عليا" لا توجد إلا فقط بعقولنا!
على أي حال أطلت كثيرا وأكتفي من ثم بهذا القدر. إذا كنتَ مهتما بهذا الجزء الأخير فسوف أكتب إليك المزيد حوله بمشيئة الرب، ولا يبق في الختام سوى أن أرسل إليك عاطر التحية والسلام (كذلك لأميرتنا الكلدانية والست نعومة وسائر الأحباء). مرة أخرى قلوبنا معك وصلاواتنا لأجلك دائما، مع أطيب المنى وحتى نلتقي.