رد على بعض التساؤلات :
هذا الرد مأخوذ عن كتاب "شبهات وهمية شيطانية حول الكتاب المقدس"
قال المعترض: »بمقارنة نسب المسيح الذي في إنجيل متى بالبيان الذي في إنجيل لوقا، نجد ستة اختلافات: (1) يقول متى إن يوسف ابن يعقوب، ويقول لوقا إنّه ابن هالي. (2) يقول متى إنّ المسيح من ذرية سليمان بن داود، ويقول لوقا إنه من أولاد ناثان بن داود. (3) يقول متى إن آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل ملوك ومشهورون، ويقول لوقا إنهم ليسوا ملوكاً ولا مشهورين ما عدا داود وناثان. (4) يقول متى إنّ شألتئيل ابن يكنيا، ويقول لوقا إنه ابن نيري. (5) يقول متى إنّ ابن زربابل هو أبيهود، ويقول لوقا إنه ريسا. (6) يقول متى إن من داود إلى المسيح 26 جيلاً، ويقول لوقا إنها 41 جيلاً«.
وللرد نقول: (1) لما ذكر متى سلسلة نسب المسيح ذكرها بطريقة تنازلية من إبراهيم إلى يوسف خطيب العذراء مريم، فقال إبراهيم ولد إسحاق، وإسحاق ولد يعقوب.. إلخ. ولكن لوقا ذكر نسب المسيح بطريقة تصاعدية، أي من المسيح إلى الله ذاته.
(2) تكلم متى على الأولاد الحقيقيين، أي الذين تناسلوا من آبائهم مباشرة، وعلى الأولاد الغير الحقيقيين، أي الذين نُسبوا إلى الآباء بواسطة أحد الأقرباء أو الأنسباء. وإن كانت عبارة لوقا عمومية، يصح إطلاقها على الأولاد الحقيقيين. ومما يدل على ذلك قوله: »ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يُظن ابن يوسف ابن هالي بن متثات«. وبما أن العبرانيين لا يُدخلون النساء في جداول نسبهم، فإذا انتهت العائلة بامرأة أدخلوا قرينها في النسب، واعتبروه ابن والد قرينته (أي ابناً لحميه). وعلى هذا كان المسيح حسب هذه العادة المرعيَّة المتَّبعة ابن يوسف، كما كان ابن هالي. وإذا قيل: لماذا قال متى إن يوسف ابن يعقوب، وقال لوقا إنه ابن هالي؟ قلنا إن البشير متى نظر إلى والده الحقيقي، فقال إنه ابن يعقوب. ونظر لوقا إلى إنه الابن الشرعي لهالي ووارثه الحقيقي، بالمصاهرة.
فمريم ابنة هالي، ويوسف هو ابن يعقوب. ولما لم يكن لهالي ابن، نُسب إليه يوسف. ويوسف ومريم من عائلة واحدة، فإن كلاً منهما تناسل من زربابل. فيوسف من أبيهود ابنه الأكبر كما في متى 1:13، ومريم من ذرية ريسا ابنه الأصغر كما في لوقا 3:27.
(3) ردّاً على الاعتراض الثاني والرابع نقول إن لوقا ومتى قالا إن المسيح تناسل من شألتئيل وزربابل، وهما كما لا يخفى تناسلا من سليمان مباشرة. ومع أن لوقا قال إن شألتئيل كان ابن نيري الذي تناسل من ناثان أخ سليمان الأكبر (كما في 1أخبار 3:5) فالمراد بذلك أنه تزوج ابنة ناثان. وبما أن نيري مات بلا عقب من الذكور، اتحد فرعا عائلة ناثان وعائلة سليمان في شخص زربابل، لما تزوَّج شألتئيل رئيس عائلة سليمان الشرعية بابنة نيري، الذي كان رئيس عائلة ناثان. فمتّى الإنجيلي ذكر أب شألتئيل الحقيقي وهو يكنيا، ولوقا ذكر والده الشرعي بالمصاهرة وهو نيري.
(4) ورداً على الاعتراض الخامس، أن متى يقول إن ابن زربابل هو أبيهود، بينما يقول لوقا إنه ريسا. نقول: يُعلم من 1أخبار 3 ومن لوقا أيضاً أن ابن زربابل هو رفايا، ولكنه سُمّي في لوقا باسم ريسا. ويجوز أنه يحمل اسمين. وذكر متى أبيهود وهو المعروف في أخبار الأيام بعوبديا، وفي لوقا بيهوذا. والمشابهة قوية بين هذه الأسماء في الأصل العبري.
(5) وبما أن متى كتب إنجيله لليهود، جرى في النسب على الطريقة التي كانت مشهورة عندهم. وبما أن لوقا البشير كتب إنجيله لليونان جرى في النسب على المصطلح عليه عندهم.
(6) كان اليهود يحافظون على جداول نسبهم بغاية الدقة والضبط، وكان العلماء والمحقِّقون يظنون في مبدأ الأمر أنه يوجد تناقض بين إنجيلي متى و لوقا في نسب المسيح، ولكن ظهر أنه لا يوجد تناقض ولا اختلاف، بل أن هذه هي الطريقة المتَّبعة عند الأمة اليهودية، وأن بعض الأمم المجاورة لها نسجت على منوالها في تحرير النسب.. فإذا لم ينجب الزوج وزوجته نسلاً، تبنَّيا ابناً أو ابنة. وإذا لم ينجب الوالدان ولداً، وكانت لهما ابنة زوّجاها لرجلٍ اتخذاه لهما ولداً، وتبنّيا أيضاً أولاد ابنتهما. ومما يوضح ما تقدم أنه لما لم يكن لسارة ابن، أعطت هاجر لرجلها فأنجبت هاجر ولداً تبنّته سارة، كذلك فعلت راحيل وليئة، فإنهما حصلتا على أولاد بأن أعطت كلٌّ منهما جاريتها لرجلها.
ومن الأمثلة الواردة في الكتب المقدسة الدالة على تبنّي الأب لأولاد ابنته ما ورد في 1أخبار 2:21 أن ماكير (المكني بأبي جلعاد) أعطى ابنته لحصرون، فتزوَّجها وهو ابن ستين سنة، فولدت له سجوب. وسجوب ولد يائير، وكان له 23 مدينة في أرض جلعاد. ولا شك أن هذه الأرض كانت مِلك ماكير، فإنه كان متشوِّقاً لأن يكون له ابن وارث. وحصل يائير على جملة مدن، فصارت أملاكه ستين مدينة. وعوضاً عن درج ذرّية يائير في عشيرة يهوذا لتناسلهم من حصرون، قيل عنهم إنهم أولاد ماكير أبي جلعاد.. ويؤخذ من سفر العدد 32:41 أن يائير هذا الذي كان في الواقع ابن سجوب بن حصرون بن يهوذا يُسَّمى في سفر العدد يائير بن منسى ، لأن جدّه الذي كان تبنّاه كان ماكير بن منسى، فورث عقاراته.. وكذلك ورد في 1أخبار 2:34 أن شيشان من سبط يهوذا، إذ لم يكن له بنون بل بنات أعطى ابنته ليرحع عبده المصري (ولابد أنه أعتقه) فأنجب عتاي. غير أن هذه الذرية لم تُنسب إلى يرحع المصري، بل إلى شيشان وصارت إسرائيلية وليست مصرية، وأخذت مكان شيشان في النسب والامتيازات.. وكذلك ورد في أستير 2:7 أن مردخاي اتخذ أستير لنفسه ابنة وقت سبي بني إسرائيل. ولو كان لمردخاي عقارات وأملاك لتبنّى ابناً عوضاً عنها.. واتَّخذت ابنة فرعون موسى ابناً لها (خروج 2:10).. وورد في سفر راعوث 4:17 أنه وُلد ابن لنعمي، مع أنه كان في الحقيقة ابن راعوث من بوعز. وكان بوعز أبوه من أقرباء نعمي الأبعدين، فإن نعمي كانت زوجة أبيمالك، وكان بوعز ذا قرابة بعيدة له.. ونقرأ عن حيرام البارع في الصناعة أنه كان ابن أرملة من سبط نفتالي (1ملوك 7:14) ولكن ورد في 2أخبار 2:14 أنه ابن امرأة من سبط دان