موضوع بدون ردود

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


21- الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد



الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد بعيدًا عن الروح. فكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يعتبر فضيلة علي الإطلاق. فما هو عمل الجسد في الصوم؟ وما هو عمل الروح؟ الصوم الحقيقي هو عمل روحي داخل القلب أولًا.


St-Takla.org Image: Ancient icon of the Ladder of Divine Ascent, the Heaven's Ladder
صورة: أيقونة أثرية بعنوان سلم السماء، أو السلم إلى الله
وعمل الجسد في الصوم، هو تمهيد لعمل الروح أو هو تعبير عن مشاعر الروح.
الروح تسمو فوق مستوي المادة و الطعام، وفوق مستوي الجسد معها في موكب نصرتها، وفي رغباتها الروحية. ويعبر الجسد عن هذا بممارسة الصوم.
إن قصرنا تعريفنا للصوم علي إنه إذلال للجسد بالجوع و الأمتناع عما يشتهي، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته، وتركنا عمله الإيجابي الروحي.
الصوم ليس جوعًا للجسد، بل هو غذاء للروح.
ليس الصوم تعذيبًا للجسد، أو استشهادًا للجسد، أو صليبًا له، كما يظن البعض، إنما الصوم هو تسامي الجسد ليصل إلي المستوي الذي يتعاون فيه مع الروح.
ونحن في الصوم لا نقصد أن نعذب الجسد، إنما نقصد ألا نسلك حسب الجسد، فيكون الصائم إنسانًا روحيًا وليس إنسانًا جسدانيًا. الصوم هو روح زاهده، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع، بل الجسد الزاهد.
وليس الصوم هو جوع الجسد، إنما بالأكثر هو تسامي الجسد وطهارة الجسد ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل، بل الذي يتخلص من شهوة الكل (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ويفقد الأكل قيمته في نظره.. الصوم فترة ترفع فيها الروح، وتجذب الجسد معها.
تخلصه من أعماله وأثقاله، وتجذبه معها إلي فوق، لكي يعمل معها الرب بلا عائق. والجسد الروحي يكون سعيدًا بهذا.
الصوم هو فترة روحية، يقضيها الجسد و الروح معًا في عمل روحي. يشترك الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح.
يشترك معها في الصلاة و التأمل و التسبيح و العشرة الإلهية.
نصلي ليس فقط بجسد صائم، أنما أيضا بنفس صائمة.
بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات، وبروح صائمة عن محبة العالم، فهي ميتة عنه، وكلها حياة مع الله، تتغذي به وبمحبته.
الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي. هو الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه، بقلبه وروحه وفكره وحواسه وعواطفه.
الصوم هو تعبير الجسد عن زهده في المادة و الماديات، واشتياقه إلي الحياة مع الله. وهذا الزهد دليل علي اشتراك الجسد في عمل الروح، وفي صفاتها الروحية وبه يصبح الجسد روحيًا في منهجه، وتكون له صورة الروح.
في الصوم لا يهتم الإنسان بما للجسد به أيضًا في حالته الروحية.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


22- لا تهتموا بما للجسد



في حديث الرب عن الغذاء الروحي، نسمعه يقول:
إعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية (يو 6: 27). وبعد هذا يحدثهم عن الخبز النازل من السماء، الخبز الحقيقي، خبز الله، خبز الحياة (يو 6: 32 - 35). إنه هنا يوجه إلي الروح وغذائها ويقود تفكيرنا في اتجاه روحي، حتى لا ننشغل بالجسد وطعامه. وحينما ذكر عبارة " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (مت 4: 4). إنما أراد بهذا أنه ينبغي للإنسان ألا يحيا جسدانيًا يعتمد علي الخبز كطعام له، ناسيًا الروح وطعامها. وعن طعام الروح هذا قال لتلاميذه " لي طعام لآكل لستم تعرفونه" (يو 4: 32). وهنا يخطر علي فكرنا سؤال هو:


St-Takla.org Image: Saint Paul painting by Rambrandt
صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس بولس الرسول، رسم الفنان رامبران
هل كان المسيح علي الجبل صائمًا أو يتغذي.
والجواب هو: كان صائمًا من جهة الجسد. وكان يتغذي من جهة الروح. كان له طعام آخر لا يعرفه الناس. وبهذا الطعام استطاعت الروح أن تحمل الجسد الصائم طوال الأربعين يومًا، التي لم يهتم فيها الرب بطعام الجسد، أو ترك الجسد يتغذي بطعام الروح... إنه يعطينا درسًا أن نهتم بما للروح، وليس بما للجسد. وفي هذا المجال نضع أمامنا كلام الوحي الإلهي علي فم معلمنا القديس بولس الرسول إذ:
بشرح موضوع الاهتمام بما للجسد وما للروح.
فيقول " أذن لا شي من الدينونة الآن علي الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وهذا ما نريد أن نسلك فيه في الصوم وفي كل حياتنا. ويتابع الرسول شرحه فيقول (فإن الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين هم حسب الروح، فبما للروح يهتمون" (رو 8: 5).
فهل أنت تهتم بما للروح أم بما للجسد؟
هل يهمك نموك الروحي، أم رفاهية بصحة الروح، فسيمنحك الرب صحة الجسد أيضًا في فترة الصوم كما شرحنا قبلًا ولكن الخطورة في الاهتمام بالجسد هي تلك العبارات الصعبة:
"لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ.. لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 6، 7). مَنْ يستطيع أن يحتمل هذا الكلام، ويظل سالكًا حسب الجسد؟! هوذا الرسول يقول أيضًا "فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 8). "فَإِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَدِ. لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 12، 13). حسن قول الرسول هذا. فنحن في الصوم لا نميت الجسد، إنما نميت أعمال الجسد، نميتها بالروح لنحيا. نحن لا نعذب الجسد، أنما لا نسلك حسب الجسد.. لا نعطي للجسد نعطي للجسد شهوات ورغبات، إنما نعطيه تساميًا، وارتفاعًا عن المادة، وتسليم ذاته لروح. لأن الرسول يقول: "ولكن اهتمامًا الجسد هو حياة وسلام" (رو 8: 6). هذا هو الصوم. لذلك أمام عبارات الرسول نسأل:
هل أنت في الصوم تهتم بما للروح؟
هذا ما نود إن نخصص له الفصول المقبلة، لكي يكون صومنا روحانيًا ومقبولًا أمام الله. ولكي لا نركز إهتمامًا في الجانب الجسدي من الصوم، ونغفل العمل الروحي، ولكي نفهم الصوم بطريقة روحية، ويكون لنا فيه منهج روحي لنفعنا.. وإن كان الصوم ليس هو مجرد جوع للجسد، إنما هو بالأحرى غذاء للروح. فلنبحث عن أغذية الروح فما هي؟ وهل تنالها الصوم أم لا؟
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


الفصل الثالث: قدِّسوا صومًا
23- معنى عبارة "قدسوا صومًا"





قال الرب علي لسان يوئيل النبي "قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف" (يوئيل 1:14، 2:15). فما معني تقديسنا للصوم؟ وكيف يكون؟
كلمه "تقديس" كانت في أصلها اليوناني تعني التخصيص.
فلما قال الرب لموسى " قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم.. إنه لي" (خر 13: 2). كان يعني خصص لي هؤلاء الأبكار، فلا يصيرون لغرض آخ: أبكار الناس كانوا يتفرغون لخدمة الرب قبل اختيار هرون وأولاده. وأبكار البهائم كانت تقدم ذبائح.. والثياب المقدسة هي المخصصة للرب لخدمه الكهنوت. وفي هذا قال الرب لموسى النبي " فيصنعون ثيابًا مقدسة لهرون أخيك ولبنية، ليكهن لي "(خر 28: 5). أواني المذبح هي أوان مقدسة للرب، لأنها مخصصة لخدمته، لا يمكن أن تستخدم في غرض آخر. وتقديس بيت للرب معناها تخصيص بيت للرب، فلا يمكن أن يستخدم في أي غرض آخر سوي عبادة الرب " بيتي بيت الصلاة يدعي" (مت 21: 13). ولعل البعض يسأل: ما معني قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم أقدس انا ذاتي.." (يو 17: 19)؟ معناها قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم، أي لأجل الكنيسة، لأني جئت لأقدس هؤلاء..


Image: "Sanctity Fasting" (Joel 1:14; 2:15), ArabicBible verse
صورة: كلمة آية "قَدِّسُوا صَوْمًا" (سفر يوئيل 1: 14؛ 2: 15)
وبهذه تكون المقدسات هي المخصصات للرب.
أي أنها أشياء للرب وحده وليس لغيره، هي مخصصه للرب، مثل البكور مثلًا. وفي هذا يقول الرب علي لسان حزقيال النبي "هناك أطلب تقدماتكم وباكورات جزاكم مع جميع مقدساتكم" (حز 20: 40). ويقول عن بكور كل شجرة مثمرة " وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدسًا لتمجيد الرب" (لا 19: 24) أي يكون ثمرها مخصصًا للرب، يعطي لكهنة الرب (حز 44: 30). والموال التي تدخل إلي خزانه الرب في الهيكل، قيل عنها " تكون قدسًا للرب، وتدخل في خزانه الرب "(يش 6: 19). أي تخصص للرب.
وبنفس المعني كان تقديس الأيام أي تكون مخصصه للرب.
فعبارة " أذكر يوم السبت لتقدسه" (خر 20: 8) أي تخصص هذا اليوم للرب " لا تعمل فيه عملًا ما " إنه للرب. وبنفس المعني تقديس كل مواسم الرب، كل أعياده. تقام فيها محافل مقدسة، وتخصص تلك الأيام للرب. لا تعمل فيها أي عمل (لا 23: 7، 8، 21، 25، 31، 36).
وهكذا تقدس الصوم معناه تخصيصه للرب.
تكون أيام الصوم مقدسه، أي مخصصة للرب. هي أيام ليست من نصيب العالم، ولكنها نصيب الرب، قدس للرب. ولهذا وضح الوحي الإلهي هذا المعني بقوله " قدسوا صومًا نادوا باعتكاف". لأن الاعتكاف يليق بسبب أعمالك الرسمية. أعتكف ما تستطيعه من الوقت لكي تتفرغ للرب (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وإن ضاق وقتك علي الرغم منك، فهناك معني آخر للتخصيص:
علي الأقل: خصص هدف الصوم للرب.
وهكذا يكون صومًا مقدسًا أي مخصصًا للرب في هدفه، وفي سلوكه. بهذا ندخل في المعني المتداول لكلمة مقدس، أي طاهر، لأنه للرب.. فهل هدف صومك هو الرب.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


24- ما هو هدف صومك؟!



لماذا نصوم؟ ما و هدفنا من الصوم؟ لأنه بناء علي هدف الإنسان، تتحدد وسيلته. وأيضًا بناء علي الهدف تكون النتيجة.
هل نحن نصوم، لمجرد أن الطقس هكذا؟
لمجرد أنه ورد في القطمارس، أو التقويم (النتيجة)، أن الصوم قد بدأ، أو قد أعلنت الكنيسة هذا الأمر؟ إذن فالعامل الفلبي الجواني غير متكامل.. طبعًا طاعة الكنيسة آمر لازم، وطاعة الوصية أمر لازم. ولكننا حينما نطيع الوصية، ينبغي أن نطيعها في روحانية وليس في سطحية.. وان كانت الكنيسة قد رتبت لنا هذا الصوم، فقد رتبته من أجل العمق الروحي الذي فيه. فما هو هذا العمق الروحي؟؟ وما هدفنا من الصوم؟
هل هدفنا هو مجرد حرمان الجسد وإذلاله
في الواقع إن الحرمان الجسد ليس فضيلة في ذاته، إنما هو مجرد وسيلة لفضيلة وهي أن تأخذ الروح مجالها. فهل نقتصر علي الوسيلة، أم ندخل في الهدف منها وهو إعطاء الروح مجالها؟… ما أكثر الأهداف الخاطئة التي تقف أمام الإنسان في صومه!


St-Takla.org Image: Jesus Christ Pantokrator, Coptic icon at St. Makarios Monastery, Egypt
صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية تصور المسيح الضابط الكل، دير القديس مكاريوس، مصر
فقد يصوم البعض لمجرد أن يرضي عن نفسه.
لكي يشعر أنه إنسان بار، يسلك في الوسائط الروحية، ولا يقصر في آيه وصية… أو قد يصوم لكي ينال مديحًا لكي ينال مديحًا من الناس في صومه، أو في درجة صومه.. وهكذا يدخل في مجال المجد الباطل، أي يدخل في خطية! ما هو إذن الهدف السليم من الصوم؟
الهدف السليم أننا نصوم من أجل محبتنا لله.
من أجل محبتنا، نريد أن تكون أرواحنا ملتصقة بالله. ولا نشاء أن تكون أجسادنا عائقًا في طريق الروح. لذلك نخضعها بالصوم لكي تتمشي مع الروح في عملها. وهكذا نود في الصوم، أن نرتفع عن المستوي المادي وعن المستوي الجسداني، لكي نحيا في الروح، ولكي تكون هناك فرصه لأرواحنا البشرية أن تشترك في العمل مع روح الله، وان تتمتع بمحبة الله وبعشرته (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). حقًا ان التمتع بمحبة الله وحلاوة عشرته، من المفروض أن يكون أسلوب الحياة كلها. ولكن لا ننسي أننا ننال ذلك بصورة مركزه في الصوم، فيها عمق أكثر، وحرص أكثر، كتدريب وكتمهيد لكي تكون هذه المتعة بالله هي أسلوب الحياة كلها.
فنحن نصوم لأن الصوم يقربنا إلي الله.
الصوم فيه اعتكاف، والاعتكاف فرصة للصلاة والقراءة الروحية والتأمل. والصوم يساعد علي السهر وعلي المطانيات. والسهر والمطانيات مجال للصلاة. والصوم فيه ضبط للإرادة وانتصار علي الرغبات. وهذا يساعد علي التوبة التي هي الطريق إلي الله وإلي الصلح معه. ونحن نصوم وفي صومنا تتغذي علي كل كلمة تخرج من فم الله (مت 4). إذن من اجل محبة الله وعشرته، نحن نصوم. نصوم، لأن الصوم يساعد علي الزهد في العالميات والموت عن الماديات. وهذا يقوينا علي الاستعداد للأبدي والالتصاق بالله. إن كان الصوم إذن هو أيام مخصصه لله وحده، وإن كنا نصوم من اجل الله ومحبته، فإن سؤالًا يطرح نفسه علينا وهو:
هل هناك اصوام غير مخصصه لله؟
نعم، قد توجد أصوام للبعض لا نصيب لله فيا. كإنسان يصوم ولا نصيب لله في حياته علي الرغم من صومه! يصوم وهو كما هو، بكل أخطائه، لم يتغير فيه شئ! أو يصوم كعادة، أو خوفًا من الإحراج لأجل سمعته كخادم. أو أن صيامه مجرد صوم جسداني كله علاقة بالجسد، ولا دخل للروح فيه! أو هو صوم لمجرد إظهار المهارة، والقدرة علي الأمتناع عن الطعام. أو قد يكون صومًا عن الطعام، وفي نفس الوقت يمتع نفسه بشهوات أخري لا يقوي علي الأمتناع عنها..!
يظن البعض أن الصوم مجرد علاقة بين الإنسان وبين الطعام، دون أن يكون الله طرفًا ثالثًا فيها.
كل اهتماماته في صومه هي هذه: ما هي فترة الانقطاع؟ متي يأكل؟ وكيف ينمو في أطاله فترة إنقطاعه؟ وماذا يأكل؟ وكيف يمنع نفسه عن أصناف معينه من الطعام؟ وكيف يطوي أيامًا..؟ كأن الصوم بين طرفين هو و الطعام، أو هو والجسد! دون أن يكون الله طرفًا في هذا الصوم بأيه صورة من الصور!! أحقًا هذا صوم؟! إن الصوم ليس هو مجرد تعامل مع الجسد بل هو تعامل مع الله. والصوم الذي لا يكون الله فيه، ليس هو صومًا علي الأطلاق.
نحن من أجل الله نأكل، ومن أجله نصوم.
من اجل الله نأكل، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله، وأن يكون أمينًا في واجباته تجاه الناس. ونحن من أجل الله نجوع لكي نخضع الجسد فلا يخطئ إلي الله. ولكن يكون الجسد تحت سيطرتنا، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد، لكي لا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدتنا في تصرفاتنا. وإنما نسلك حسب الروح وليس حسب الجسد، من أجل محبتنا لله، وحفاظًا علي شركتنا مع روحه القدوس. أما في غير ذلك فيكون الصوم مرفوضًا من الله.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


25- أصوام باطلة ومرفوضة



ليس كل صوم مقبولًا من الله. فهناك أصوام باطلة، لا تعتبر بالحقيقة أصوامأ، وهي مرفوضة من الله. وقد قدم لنا الكتاب أمثلة من هذه الأصوام المرفوضة.
1- منها الصوم الذي لكسب مديح الناس.
الصوم المكشوف الظاهر، الذي يشاء أن يكون مكشوفًا لكي يراه الناس ويمتدحوه. وعن هذا الصوم قال السيد الرب في عظته علي الجبل: " ومتي صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتي صمت، فادهن رأسك واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائمًا بل لأبيك الذي في الخطاء. فأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية "(مت 6: 16-18) هذا الصوم الذي لمديح الناس، ليس لأجل الله، ولا نصيب لله فيه. لذلك هو صوم باطل.


St-Takla.org Image: Too much self love? Pride
صورة في موقع الأنبا تكلا: حب الأنا، الذات، محبة الذات، كبرياء
2- وصوم الفريسي الذي وقف مثال آخر لصوم غير مقبول.
هذا الفريسي الذي وقف أمام الله يتباهي بفضائله ويقول " أصوم يومين في الأسبوع وأعشر جميع أموالي". وفي نفس الوقت كان يدين العشار قائلًا عن نفسه " لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناه ولا مثل هذا العشار". لذلك لم يخرج من الهيكل مبررًا، مثلما خرج العشار المنسحق القلب (لو 18: 9-14). وهذا المثل يرينا ان الصوم الذي لا يمتزج بالتواضع والانسحاق هو صوم مرفوض من الله لأن صاحبه يظن في نفسه أنه بار، ويحتقر الآخرين (لو 18: 9).
3- الصوم الذي هدفه خاطئ، صوم غير مقبول.
ومن أمثله هذا الصوم أولئك اليهود الذين صنعوا اتفاقًا فيما بينهم " وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتى يقتلوا بولس. وكان الذين صنعوا هذا التحالف نحو الأربعين " أع 23: 12، 13). وطبعًا كان صومهم هذا خطية بل لا نستطيع أن نسميه صومًا بالمعني الروحي.
4- صوم الشعب الخاطئ أيام ارمياء النبي.
هؤلاء لم يقبل الرب صومهم بل قال عنهم لأرميا النبي " لا تصل لأجل هذا الشعب للخير حين يصومون لا أسمع صراخهم. وحين يصعدون محرقه وتقدمه لا أقبلهم . بل بالسيف والجوع والوبأ أنا أفنيهم" (أر 14: 11، 12) (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). هؤلاء لم يقبل الرب أصوامهم ولا صلواتهم ولا محرقاتهم، لأنهم كانوا يعيشون في الشر، وقلوبهم لم تكن طاهرة قدامه..
أذن الصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول.
فالله يريد القلب النقي، أكثر مما يريد الجسد الجائع. والإنسان الذي يصوم فمه عن الطعام، ولا يصوم قلبه عن الخطايا، ولا يصوم لسانه عن الأباطيل، فصوم هذا الإنسان باطل، حتى إن يسلم جسده ليحترق فلا ينتفع شيئًا (1 كو 13: 3)
5- والصوم العيد عن الرحمة و الصدقة، غير مقبول.
وقد شرح الرب هذا الأمر لإشعياء النبي، فقال له "يقولون لماذا صمنا ولم تنظر؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟.. ها إنكم للخصومة و لنزاع تصومون.. أمثل هذا يكون صوم اختاره.. هل تسمي هذا صومًا ويومًا مقبولًا للرب؟! أليس هذا صومًا أختاره: حل قيود الشر، فَك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحرارًا.. أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلي بيتك.." (أش 58: 3- 7). فالذي يصوم، حتى ولو كان صومًا بتذللك بالمسوح و الرماد، يحني فيه كالأسلة رأسه، هو صوم غير مقبول، أ لم يكن ممتزجًا بأعمال الرحمة وبنقاوة القلب...
6- والصوم الذي ليس لأجل الله، صوم باطل.
فقد يصوم إنسان، لأن الأطباء أمروه بهذا. وقد يصوم آخر من أجل رشاقة جسده وحسن منظرة وكلاهما ليس من أجل الله، ولا ينتفع روحيًا بصومه. وقد يصوم إنسان ثالث، بأسلوب إضراب عن الطعام، وليس بهدف روحي، ولا من أجل الله.. كما يمتنع رابع عن الطعام حزنًا أو يأسًا، ولا نستطيع أن نعتبر أحدًا من هؤلاء صائمًا بالحقيقة. نعود ونقول: كل صوم ليس هو من أجل الله، وليس هو بسبب روحي، لا يمكن أن نعتبره صومًا علي الإطلاق، ولا يقبله الله.
فما هو الصوم الروحي المقبول أمام الله؟
هو الصوم الذي تكون فيه علاقة عميقة مع الله. الصوم الذي تشعر فيه بالله في حياتك، هو الفترة المقدسة التي تشعر أن الله يملكها، وأنها مخصصة كلها لله، وان وجود الله ظاهرًا جدًا خلالها في كل تصرفاتك، وعلاقتك بالله تزداد وتنمو في كل يوم من أيام الصوم، بمتعة روحية تشتهي بسببها أن يطول صومك ولا ينتهي. لعل هذا يجعلنا نفحص سؤال هامًا وهو: ما علاقة الله بصومك؟!
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


26- ما علاقة الله بصومك؟!



ما الذي آخذه الله من صومك؟ وما الذي أخذته أنت من الله؟ ماذا أعطيت الله في صومك، وماذا أعطاك؟ هل كان صومك فتره غير عادية في حياتك؟ أيامًا مقدسة شعرت فيها بيقظة روحية تدعوك أن تذوق وتنظر ما أطيب الرب؟ هل اختبرت فيها كيف تسلك حسب الروح وليس حسب الجسد؟
ليس الصوم هو تغيير طعام بطعام.
وليس هو امتناع فتره معينة عن الطعام.. كل هذه مجرد وسائل، ولكنها ليست هي جوهر الصوم. فجوهر الصوم هو انطلاق الروح من مطالب هذا الجسد، لكي يسمو الجسد معها، ويرتفع الإنسان بعيدًا عن ثقل المادة، متجهين معًا في اتجاه واحد هو محبة الله، والتمتع بعشرته. هذا هو الصوم المقدس، أي المخصص لله. ثلاثة أشياء لابد أن تخصصها لله في صومك، إن أردت ان تقدس هذا الصوم لله.
في الصوم تخصص القلب و الفكر والإرادة لله.


St-Takla.org Image: From the contemporary Coptic art: Christ the Pantocrator
صورة في موقع الأنبا تكلا: صورة من الفن القبطي المعاصر: المسيح ضابط الكل
فلا يكون كل صومك هو انشغال بالأكل والشرب. وإنما امتناعك عن الأكل والشرب، وضبطك فيما تآكل وتشرب، إنما هو تدريب لهذه الإرادة كيف تقوي، ولا تكون قاصرة علي موضوع الطعام فحسب، وإنما إرادتك التي نجحت في السيطرة علي الطعام، تقدم ذاتها لله في كل شيء.
فلا تريد إلا ما يريده الله..
وهذه هي الحكمة من الصوم. أن منع النفس عن الكل، يمتد إلي أن يصير منعًا عامًا عن كل ما يغضب الله.. فلا يكفي أن تمنع نفسك عن الأطعمة الحيوانية، أو عن الكل عمومًا، وتبقي بلا ضابط في خطايا معينة (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)! إنما في صومك قدم إرادتك لله في كل تصرفاتك وقل له " لتكن لا إرادتي بل إرادتك".
إبحث إذن أين تشرد إرادتك بعيدا عن الله.
وركز علي هذه النقطة بالذات لكي تنجح فيها، وتقدم لله إرادة صالحة ترضيه وهذا التدريب الذي تسلك فيه أثناء الصوم، سوف يصحبك بعده أيضًا. لأنه من غير المعقول أن تضبط نفسك في البعد عن خطايا معينه أثناء الصوم، ثم تبيح هذا الأمر لنفسك عندما ينتهي الصوم! وإلا فما الذي تكون قد استفدته من صومك؟!
أحرص أن يكون الصوم قد غير فيك شيئًا.
لا تأخذ من الصوم مجرد تغيير الطعام، إنما تغيير الحياة إلي أفضل.. تغيير النقائص التي فيك، والضعفات التي تحسها في علاقتك مع الله و الناس. لأنه ماذا تستفيد أن قهرت نفسك خلال خمسة وخمسين يومًا في الصوم الكبير، وخرجت من الصوم كما كنت تمامًا قبله، دون أن تكون علاقة حب مع الله، وعلاقة حب مع الله، وعلاقة ثابت فيه؟!
تأمل كم صومًا مر عليك، وأنت كما!
كم هي الأصوام، التي صمتها، منذ أن عرفت الله حتى الآن؟ كم سنة مرت عليك، وفي كل سنة عدد من الأصوام، مع أربعاء وجمعة في كل أسبوع. تأمل لو كنت في كل صوم منها تنجح إرادتك، ولو في الانتصار علي نقطة ضعف معينه حتى تصطلح مع الله فيها وتذوق حلاوة مشيئته.. تري لو سلكت هكذا، كم كنت تري حصاد حياتك وفيرًا في الروحيات، وكم كانت علاقتك بالله تزيد وتتعمق...
لا تأخذ من الصوم شكلياته، بل ادخل إلي العمق.
فليس الصوم مجرد شكليات ورسميات، ولا هو مجرد فروض أو طقوس، إنما هو نعمة أعطت لنا من الله، ونظمتها الكنيسة لخيرنا الروحي. لأجل تنشيط أرواحنا، وتذكيرنا بالمثالية التي ينبغي أن نسلك فيها، وتدريبنا علي " القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب "(عب 12: 14).
الصوم إذن فترة مقدسة مثالية غير عادية.
يحتاج إلي تدبير روحي من نوع خاص يتفق مع قدسيتها. حالمًا يبدأ الصوم نشعر أننا دخلنا في حياة لها سموها، وفي أيام غير عادية نتدرب فيها علي حياة الكمال. ولذلك لا يجوز أن تمر علينا شأنها كباقي الأيام... إنها صفحة جديدة في علاقتنا مع الله، ندخلها بشعور جديد وبروح جديدة.. حقًا إن كل أيام حياتنا ينبغي أن تكون مقدسة. ولكن فترة الصوم هي أيام مقدسة غير عادية. وإن سلكنا فيها حسنًا، سنصل غلي قدسية الحياة كلها.. إنها فتره نتفرغ فيها لله علي قدر إمكاننا، ونعمق علاقتنا به.
هل سمعتم عن الصوم الذي يخرج الشياطين؟
وكيف قال الرب عن الشياطين " هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم (مت 17: 21). فأي صوم هذا الذي لا تستطيع الشياطين أن تحتمله فتخرج؟ أهو مجرد الامتناع عن الطعام؟ كلا بلا شك. بل إنها العلاقة القوية التي تربط الصائم بالله، هذه التي لا يحتملها الشيطان.. الدالة التي بين الإنسان والله، دالة الحب وصلة الروح التي حرم منها الشيطان، ما ان يراها حتى يتعب ويذهب.. القلب الملتصق بالله في الصوم، هذا يراه الشيطان فيهرب.
فهل قلبك ملتصق بالله في الصوم؟
هل تعطيه قلبك كما تعطيه إرادتك؟ وهل تشعر بحبه أثناء الصوم؟ هل هذا الحب طابع واضح في صلواتك وتاملاتك أثناء الصوم؟ وهل من أجل محبته نسيت طعامك وشرابك، ولم تعد تهتم بشيء من هذا؟
وكأنك تقول لجسدك أثناء صومك:
أنا لست متفرغًا لك الآن. أكلت أو لم تأكل، هذا موضوع لم يعد يشغلني أو يهمني... " لكل شيء تحت السموات وقت". وليس هذا هو وقتك.. أنا الآن مشغول بعمل روحي مع الله. فتعال اشترك معنا، أن أردت أن يكون لك كيان في هذا الصوم. أما الطعام فليس الان مجاله. طعامي الآن هو كل كلمة تخرج من فم الله. هذه هي مشاعر من يقول في صومه مع القديس يوحنا الرائي:
كنت في الروح في يوم الرب (رؤ 1: 10).
ولا شك أن يوم الصوم هو يوم للرب. فهل انت " في الروح " أثناء صومك؟ هل نسيت جسدك تمامًا بكل ماله من رغبات ومطالب واحتياجات، وفضلت أن تحيا في الروح خلال فترة الصوم؟ ليس للجسد عندك سوي الضروريات التي لا قيام له بدونها.. وكأنك تقول مع بولس الرسول " في الجسد أم خارج الجسد، ليست أعلم. الله يعلم "(2كو 12: 3).
هل يكون فكرك منشغلًا بالله في صومك؟
في أثناء القداس الإلهي ينادي الأب الكاهن قائلًا " أين هي عقولكم "؟ ويجيب الشعب " هي عند الرب". وانا اريد ان أسأل نفس السؤال أثناء الصوم " أين هي عقولكم "؟ أتستطيع ان تجيب " هي عند الرب "؟ أليس الصوم فترة مقدسة لله، مخصصة له، يجب فيها ان ينشغل الفكر بالله وحده؟ افحص يا أخي نفسك، وأبحث عن أفكارك اين هي أثناء الصوم.
هل مشاغل الدنيا تملأ فكرك أثناء الصوم؟
فأنت في دوامه العمل، وفي دوامة الأخبار، وفي دوامة الأحاديث مع الناس، لا تجد وقتًا لله تعطيه فيه فكرك! وربما تصوم حتى الغروب، وفكرك ليس مع الله، قد أرهقه الجولان في الأرض و التمشي فيها..! وربما تفكر في التافهات، وتتكلم عن التافهات، والله ليس علي فكرك، ولا تذكره إلا حينما تجلس لتآكل، فنصلي قبل الأكل، وتذكر الله وتذكر انك كنت صائمًا! هل هذا صوم روحي يريح ضميرك؟! ليتك إذن تذكر قول داود النبي:
جعلت الرب أمامي في كل حين.
هو أمامي في كل عمل أعمله، وفي كل كلمة أقولها.إنه شاهد علي كل شيء. وأيضًا جعلته أمامي لأنه هدفي الذي لا أريد أن اتحول عنه لحظه واحدة وهو امامي لأنني من أجله وحده أصوم لكي لا أنشغل عنه بل اجعله أمامي كل حين.. أن كنت في الأيام العادية، ينبغي أن تضع الله أمامك في كل حين، فكم بالأكثر في فترات الصوم التي هي مخصصة لله ومقدسة له؟
إن كان الله ليس علي فكرك، فلست صائمًا.
يوم الصوم الذي لا تفكر فيه في الله، اشطبه من أيام صومك، إنه لا يمكن أن يدخل تحت عنوان "قدسوا صومًا".. ولكن لعل البعض يسأل: كيف يمكنني تنفيذ هذا الأمر، وأنا أعيش في العالم، ولي مسئوليات كثيرة ينبغي أن أفكر فيها؟
إذن احفظ التوازن، وأمامك ثلاث قواعد:
1- لا تجعل مسئولياتك تطغي، بحيث تستقطب كل أفكارك، ولا تبقي في ذهنك موضعًا لله.. أجعل لمسئولياتك حدودًا، وأعط لربك مجالًا.
2- كل فكر لا يرضي الله إبعده عنك، فهو لا يتفق مع المجال القدسي الذي تعيش فيه. وكما يقول القديس بولس الرسول " مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح "(2 كو 10: 5). لذلك لا تنجس صومك بفكر خاطئ. فالفكر الذي يطيع المسيح استبقه معك، والذي لا يطيع اطرده عنك.
3- إشرك الله معك في أفكارك، وفي أهداف أفكارك. وقل:
أنا من أجل الله أفكر في هذا الموضوع.
أنت تفكر في مسئولياتك. حسنًا تفعل. ولكن لا تجعلها منفصلة عن الله. الله هو الذي أعطاك هذه المسئوليات. وأنت من أجل تفكر فيها. ولا يكون فكرك فيها منفصلًا عن الله.. من أجل الله تفكر في شئون عملك. ومن أجله تفكر في دروسك ومذكراتك. ومن اجله تفكر في خدمتك وفي مسئوليتك العائلية. بشرط أن هذا التفكير كله لا يبعدك عن الله الذي هو الأصل والأساس. فكر في مسئولياتك العائلية. بشرط أن هذا التفكير كله لا يبعد عن الله الذي هو الأصل والأساس. فكر في مسئولياتك. وقل للرب أثناء ذلك:
إشترك في العمل مع عبيدك.
طالب مثلًا يذاكر أثناء الصيام. والله يشترك معه. هو يذاكر والله يعطيه الفهم، ويثبت المعلومات في ذهنة وفي ذاكرته. وهذا التلميذ يقول للرب " أنا يا رب لا أستطيع أن أفهم من ذاتي. أنت تجلس معي وتفهمني،و أشكرك بعد ذلك لأنك كنت معي.. وأنا أذاكر يا رب، ليس من اجل العلم، ولا من أجل مستقبلي، إنما من أجلك أنت، لكي يعرف الكل أن أولادك ناجحون، وأن كل عمل يقومون به يكونون أمناء فيه، ويكون الرب معهم ويأخذ بيدهم، فيحبك الناس بسببهم..." تقول لله: من أجلك آكل، ومن أجلك أصوم.
من أجلك آكل، لكي آخذ قوة أقف بها في الصلاة، وأسهر بها في التأمل، وأخدم بها أولادك، ويأخذ بها الناس فكرة أن أولادك أمناء في عملهم وأنا اصوم، لكي يمكن لروحي أن تلتصق بك دون عائق من الجسد. هكذا تكون في الصوم مع الله في كل عمل تعمله.
وتدخل في شركة مع المسيح الذي صام.
تشترك معه في الصوم، علي قدر ما تستطيع طبيعتك الضعيفة أن تحتمل. هو صام عنك، فعلي الأقل تصوم عن نفسك. وهو قد رفض هذا الخبز المادي، وأنت تشترك معه في رفض هذا الطعام البائد. وهو كان يتغذي بحبه للآب وعشرته معه، وأنت أيضًا تكون كذلك. وهو انتصر علي الشيطان أثناء صومه، وأنت تطلب إليه ان يقودك في موكب نصرته..
وبهذا يكون الصوم فترة غذاء روحي لك.
أخطر ما يتعب البعض في الصوم، أن يكون الجسد لا يتغذي و الروح أيضًا لا تتغذي وهذا الوضع يجعل الصوم فترة حرمان أو تعذيب، وليس هذا هو المعني الروحي للصوم. بل إن هذا الحرمان يعطي صورة قاتمه للصوم، إذ يقتصر علي حرمان الجسد (سلبيًا) ويترك غذاء الروح من الناحية الإيجابية.
وغذاء الروح معروف وهو:
الصلاة، والتأمل، وقراءة الكتاب المقدس، وكل القراءات الروحية كأقوال الآباء وسير القديسين، والألحان والتسابيح، والإجتماعات والأحاديث الروحية و المطانيات،… وما أشبه. وغذاء الروح يشمل أيضًا المشاعر الروحية، ومحبة الله التي تتغذي بها الروح وكل أخبار الأبدية..
والروح إذا تغذي، تستطيع أن تحمل الجسد.
وهذا نراه واضحًا جدًا في أسبوع الآلام، إذ تكون درجة النسك فيه شديدة وفترة الإنقطاع طويلة. ولكن الجسد يحتمل دون تعب، بسبب الغذاء التي تأخذه الروح خلال هذا الأسبوع من ذكريات آلام المسيح، ومن القراءات والألحان والطقوس الخاصة بالبصخة، وتركيز العقل في الرب وآلامه.. وكثيرًا ما يقرأ الإنسان، ويشبع بالقراءة ولذتها، ويحين موعد الطعام، فلا يجد رغبة في أن يكمل القراءة. لأن الروح تغذت فحملت الجسد فلم يشعر بجوع.. إذن اعط الروح غذاءها أثنا الصوم. وكن واتقًا إن غذاء الروح سيعطي الجسد قوة يحتمل بها الصوم. كما أن صوم الجسد يعطي عمل الروح قوة إذ يكون عملا روحيًا بزهد الجسد وزهد الفكر. ولذلك نجد:
صلوات الصوم اعمق، وقداسات الصوم أعمق.
هي صلوات خارجة من جسد صائم قد أسلم قيادته للروح. وهي صلوات خارجه من قلب صائم عن الماديات، ومن روح صائمه عن كل شهوة عالمية. لذلك تكون صلاة قوية. كصلوات الليل ونصف الليل التي يصليها الإنسان بجسد خفيف بعيد عن الأكل. آباؤنا في أصوامهم كانوا يهتمون بعمل الروح. فماذا عن أكلهم؟
كانوا أيضًا في تناول الطعام يهتمون بعمل الروح.
وذلك انهم كانوا يكلفون واحدا منهم يقرأ لهم شيئًا من سير القديسين وأقوال الآباء أثناء تناولهم للطعام، حتى لا ينشغلون بالأكل المادي ولا يتفرغون له، وحتي يكون لهم غذاؤهم الروحي أيضًا أثناء تناولهم غذاء الجسد. وهكذا تعودوا عدم التفرغ لعمل الجسد، وتعودوا سيطرة الروح علي كل عمل من أعمال الجسد. هناك وصايا تامر بالصوم. ولكن آباءنا لم يصوموا بسبب المر.
لم يصوموا طاعة و للوصية، إنما محبة للوصية.
الطاعة درجة المبتدئين. ولكن الحب هو درجة الناضجين و الكاملين. وآباؤنا لم يكن الصوم بالنسبة إليهم أمرًا ولا فرضًا ولا طقسًا، إنما كان لذة روحية، وجدوا فيها شبعًا، ووجدوا فيها راحة نفوسهم وأجسادهم.
وفي الصوم لم يقف آباؤنا عند حدود طاعة الوصية، وإنما دخلوا في روحانية الوصية..
وروحانية الوصية الخاصة بالصوم هو لخيرنا، ولولا ذلك ما أمرنا الله بالصوم وبالإضافة إلي ما قلناه، سنشرح هذا الأمر بالتفصيل بمشيئة الرب في الفصل المقبل الخاص (بالفضائل المصاحبة للصوم). أما ألان فسنتحدث عن أقدس أصوام السنة وهو الصوم الكبير.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


27- الصوم الكبير


الصوم الكبير عبارة عن ثلاثة أصوام:
الأربعين المقدسة في الوسط. يسبقها أسبوع أما أن نعتبره تمهيديًا للأربعين المقدسة، أو تعويضيًا عن أيام السبوت التي لا يجوز فيها الانقطاع عن الطعام. يعقب ذلك أسبوع الآلام. وكان في بداية العصر الرسولي صومًا قائمًا بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير.
والصوم الكبير أقدس أصوام السنة.
وأيامه هي أقدس أيام السنة، ويمكن أن نقول عنه إنه صوم سيدي، لأن سيدنا يسوع المسيح قد صامه. وهو صوم من الدرجة الأولي، إن قسمت أصوام الكنيسة إلي درجات.


St-Takla.org Image: The Great Lent
صورة في موقع الأنبا تكلا: الصوم الكبير
هو فترة تخزين روحي للعام كله.
فالذي لا يستفيد روحيًا من الصوم الكبير، من الصعب أن يستفيد من أيام أخري أقل روحانية. والذي يقضي أيام الصوم الكبير باستهانة، من الصعب عليه يدقق في باقي أيام السنة. حاول أن تستفيد من هذا الصوم في ألحانه وقراءاته وطقوسه وروحياته الخاصة وقداساته التي تقام بعد الظهر.
كان الآباء يتخذون الصوم الكبير مجالًا للوعظ.
لأن الناس يكونون خلاله في حالة روحية مستعدة لقبول الكلمة. حقًا عن الوعظ مرتب في كل أيام السنة. ولكن عظات الصوم الكبير لها عمق أكثر. وهكذا فإن كثيرًا من كتب القديس يوحنا ذهبي الفم، كانت عظات له ألقاها في الصوم الكبير، وكذلك كثير من كتب القديس أوغسطينوس. بل أن الكنيسة كانت تجعل أيام الصوم الكبير فترة لإعداد المقبلين للإيمان.
فتعدهم بالوعظ في الصوم الكبير ليتقبلوا نعمة المعمودية.
فكانت تقام فصول للموعوظين خلال هذا الصوم تلقي فيها عليهم عظات لتعليمهم قواعد الإيمان وتثبيتهم فيها. وهكذا ينالون العماد في يوم أحد التناصير، لكي يعيدوا مع المؤمنين الأحد التالي أحد الشعانين ويشتركون معهم في صلوات البصخة وأفراح عيد القيامة (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومن أمثلة ذلك عظات القديس كيرلس الأورشليمي إعداد الموعوظين للإيمان بشرحه لهم قانون الإيمان في أيام الصوم الكبير.
ولاهتمام الكنيسة بالصوم الكبير جعلت له طقسًا خاصًا.
فله ألحان خاصة، فترة إنقطاع أكبر. وله قراءات خاصة، ومردات خاصة، وطقس خاص في رفع بخور باكر، ومطانيات خاصة في القداس قبل تحليل الخدام نقول فيها (اكلينومين تاغوناطا). ولهذا يوجد للصوم الكبير قطمارس خاص. كما انه تقرأ فيه قراءات من العهد القديم. وهكذا يكون له جو روحي خاص.
وقد عَيّنت الكنيسة له أسبوعًا تمهيديًا يسبقه. حتى لا يدخل الناس إلي الأربعين المقدسة مباشرة بدون استعداد. وإنما هذا الأسبوع السابق، يمهد الناس للدخول في هذا الصوم المقدس، وفي نفس الوقت يعوض عن إفطارنا في السبوت التي لا يجوز الانقطاع فيها.
بل الكنيسة مهدت له أيضا بصوم يونان.
فصوم يونان، أو صوم نينوي يسبق الصوم الكبير بأسبوعين، ويكون بنفس الطقس تقريبًا وبنفس الألحان، حتى يتنبه الناس لقدوم الصوم الكبير ويستعدون له بالتوبة التي هي جوهر صوم نينوي. وكما اهتمت الكنيسة بإعداد أولادها للصوم الكبير، هكذا ينبغي علينا نحن أيضا أن نلاقيه بنفس الاهتمام.
وإن كان السيد المسيح قد صار هذا الصوم عنا،
وهو في غير حاجة إلي الصوم، فكم ينبغي أن نصوم نحن في مسيس الحاجة إلي الصوم لكي نكمل كل بر، كما فعل المسيح. ومن اهتمام الكنيسة بهذا الصوم أنها أسمته الصوم الكبير
فهو الصوم الكبير في مدته، والكبير في قدسيته.
إنه أكبر الأصوام في مدته التي هي خمسة وخمسون يومًا. وهو أكبرها في قدسيته، لأنه صوم المسيح له المجد مع تذكارًا لآلامه المقدسة. لذلك فالخطية في الصوم الكبير أكثر بشاعة.
حقًا إن الخطية هي الخطية. ولكنها أكثر بشاعة في الصوم الكبير مما في باقي الأيام العادية. لأنّ الذي يخطئ في الصوم عمومًا، وفي الصوم الكبير خصوصًا، هو في الواقع يرتكب خطية مزدوجة: بشاعة الخطية ذاتها، يضاف إليها الاستهانة بقدسية هذه الأيام. إذن هما خطيئتان وليس واحدة.
والاستهانة بقدسية الأيام، دليل علي قساوة القلب.
فالقلب الذي لا يتأثر بروحانية هذه الأيام المقدسة، لا شك أنه من الناحية الروحية قلب قاس يخطئ في الصوم، ينطبق عليه قول السيد المسيح "إن كان النور الذي فيك ظلامًا، فالظلام كم يكون" (مت 6:23). أي إن كانت هذه الأيام المقدسة المنيرة فترة للظلام، فالأيام العادية كم تكون؟!
وقد اهتم الآباء الرهبان القديسون بالصوم الكبير.
حياتهم كلها كانت صومًا. ولكن أيام الصوم الكبير كانت لها قدسية خاصة في الأجيال الأولي، حيث كانوا يخرجون من الأديرة في الأربعين المقدسة ويتوحدون في الجبال. ولعلنا نجد مثالًا لهذا في قصة القديس زوسيما القس ولقائه بالقديسة مريم القبطية التائبة. وهكذا كان أيضًا نفس الاهتمام في رهبنة القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، وفي كثير أثيوبيا.
فلنهتم نحن أيضًا بهذه الأيام المقدسة.
أن كنا لا نستطيع أن نطوي الأيام كما كان يفعل السيد المسيح له المجد فعلي الأقل فلنسلك بالزهد الممكن، وبالنسك الذي نستطيع أن نحتمله. وأن كنا لا نستطيع أن ننتهر الشيطان ونهزمه بقوة كما فعل الرب، فعلي الأقل فلنستعد لمقاومته. ولنذكر ما قاله القديس بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيين معاتبًا "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). مفروض إذن أن يجاهد الإنسان حتى الدم في مقاومة الخطية. إن كانت ثلاثة أيام صامتها أستير وشعبها، وكان لها مفعولها القوي؛ فكم بالأولى خمسة وخمسون؟
هنا وأقول لنفسنا في عتاب:
كم "صوم كبير" مَرَّ علينا في حياتنا، بكل ما في الصوم الكبير من روحيات؟ لو كنا نجني فائدة روحية في كل صوم، فما حصاد هذه السنين كلها في أصوامها الكبيرة التي صمناها، وباقي الأصوام الأخرى أيضًا؟ إن المسألة تحتاج إلي جدية في الصوم، وإلي روحانية في الصوم، ولا نأخذ الأمر في روتينية أو بلا مبالاة.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
الفصل الرابع: فضائل ومشاعر مُصاحِبةٌ للصوم
28- الصوم مصحوب بفضائل



إن الذين يصومون ولا يستفيدون من صومهم، لابد أنهم صاموا بطريقة خاطئة، فالعيب لم يكن في الصوم، وإنما كان في الطريقة. وهؤلاء أما أنهم صاموا بطريقة جسدانية، ولم يهتموا بالفضائل المصاحبة للصوم أو أنهم اتخذوا الصوم غاية في ذاتها، بينما هو مجرد وسيلة توصل إلي غاية. والغاية هي إعطاء الفرصة للروح.

إن الصوم هو فترة روحيات مركزة.

فترة حب لله، والتصاق به. وبسبب هذا الحب ارتفع الصائم عن مستوي الجسد الجسدانيات.

هو ارتفاع عن الأرضيات ليتذوق الإنسان السمائيات. إنه فتره مشاعر مقدسة نحو الله. علي الأقل فيها الشعور بالوجود مع الله والدالة بالوجود مع الله والدالة معه. وهو فترة جهاد روحي: جهاد مع النفس، ومع الله، وجهاد ضد الشيطان.

St-Takla.org Image: WWJD What would Jesus do? Carrying the Cross and serving others صورة: ماذا كان سيفعل المسيح في موقف كهذا؟ - حمل الصليب و خدمة الآخرين

St-Takla.org Image: WWJD What would Jesus do? Carrying the Cross and serving others

صورة في موقع الأنبا تكلا: ماذا كان سيفعل المسيح في موقف كهذا؟ - حمل الصليب و خدمة الآخرين

أيام الصوم هي أيام للطاقة الروحية وفترة تخزين. فمن عُمْق الروحيات التي يحصل عليها في الصوم، يأخذ الصائم طاقة روحية تسنده في أيام الإفطار. فالذي يكون أمينًا لروحياته في الصوم الكبير مثلًا، يحصل علي خزين روحي يقويه أيام الخمسين حيث لا صوم ولا مطانيات.. ولكي يكون صوم الإنسان روحيًا، عليه بالملاحظات الآتية:

1- يكون الصوم روحانيًا في هدفه ودوافعه:

لا يكون اضطرارًا، أو لكسب المديح، أو بسبب عادة. إنما يصوم لأجل محبة الله، ارتفاعًا عن الماديات والجسدانيات لتأخذ الروح فرصتها.

2- يكون الصوم فترة للتوبة ونقاوة القلب:

يحرص فيه الصائم علي حياة مقدسة مقبولة أمام الله. فيها الاعتراف وتبكيت النفس، وفيها التناول من الأسرار المقدسة..

3- يكون الصوم فترة غذاء روحي ببرنامج روحي قوي:

ويهتم فيه بكل الوسائط الروحية. ولا يركز حول أمور الجسد في الصوم، أنما علي أمور الروح. وأضعًا أمامه باستمرار ليس مجرد نوعية الطعام الصيامي، وإنما علي أمور الروح. واضعًا أمامه باستمرار ليس مجرد نوعية الصيامي، وأنما قدسية أيام الصوم وما يليق بها، لكي تقوي روحه فيها (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. الصوم يوصل إلي قوة الروح. وقوة الروح تساعد علي الصوم.

وفي الصوم فضائل يرتبط بعضها بالبعض الآخر.

الصوم يساعد علي السهر لخفة الجسد. والسهر يساعد علي القراءة والصلاة. والقراءة الروحية أيضًا تساعد علي الصلاة. والعمل الروحي في مجموعة يحفظ الإنسان الروحي ساهرًا. القراءة مصدر للتأمل، والتأمل يقوي الصلاة. والصلاة أيضًا مصدر للتأمل..

والصوم يرتبط بالميطانيات. والمطانيات تساعد علي التواضع وانسحاق علي الواضع وأنسحاق القلب كما ان انسحاق الجسد بالصوم يوصل إلي إنسحاق الروح.

كما يرتبط الصوم بفضائل تتعلق بغرض الصوم.

فهناك صوم غرضه الاستعداد للخدمة، كصوم الرسل. وصوم غرضه التوبة كصوم نينوي. وصوم غرضه إنقاذ الشعب، كصوم استير.. وهناك من يصوم لأجل غيره، وفي ذلك حب وبذل ومشاركة. وكلها أصوام ممزوجة بفضائل خاصة. ليتنا نتذكر في صومنا أن السيد المسيح صام وهو ممتلئ بالروح. أما نحن فعلي الأقل فلنصم لكي نمتلئ بالروح.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


29- الصوم تصحبه التوبة



الصوم أيام مقدسة، يحياها الإنسان في قداسة.
لابد أن يكون فيها الفكر مقدسًا. والقلب مقدسًا، والجسد أيضًا مقدسًا.الصوم فترة تريد فيها ان تقترب إلي الله، بينما الخطية تبعدك عنه. لذلك يجب أن تبتعد عن الخطية بالتوبة، لتستطيع الالتصاق بالله. في الصوم، يصوم الجسد عن الطعام، وتصوم الروح عن كل شهوة ارضية، وكل رغبة عالمية، وتصوم عن الملاذ الخاصة بالجسد. وهكذا تقترب إلي الله بالتوبة. فاسأل نفسك: هل أنت كذلك؟
بدون التوبة يرفض الله صومك ولا يقبله. وبهذا تكون لا ربحت سماءًا ولا أرضًا. وتكون قد عذبت نفسك بلا فائدة.. فإن أردت ان يقبل الله صومك، راجع نفسك في كل خطاياك، وأرجع عنها.. لقد أعطانا الله درسًا، حينما تقدم التوبة قبل صومه. وكان ذلك رمزًا.
خذ مثالًا واضحًا من صوم نينوي.


St-Takla.org Image: Pride and meekness, repentance
صورة في موقع الأنبا تكلا: الكبرياء و تواضع، التوبة
قال عنها الكتاب في صومهم إنهم رجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم (يون3: 8)
:8). ولهذا السبب لم يشأ الرب أن يهلكهم " لما رأي أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة" (يون 3:10). ولم يقل لما رأي مسوحهم وصومهم، بل رأي توبتهم هذه التي كانت هي العنصر الأساسي في صومهم.
وفي سفر يوئيل نري مثالًا للتوبة المصاحبة للصوم.
حيث قال الرب للشعب علي لسان نبيه "أرجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح.. مزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وأرجعوا إلي الرب إلهكم لأنه رؤوف.." (يوئيل 2: 12، 13). واضح هنا أن الصوم مصحوب بالتوبة و البكاء. إذن ليس هو مجرد امتناع عن العام (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. إنه مشاعر قلب من الداخل نحو الله.
وفي صوم دانيال النبي، قدم توبة الشعب كله.
لقد صام، واعترف للرب قائلًا " أخطأنا وأثمنا، وعلمنا الشر وحدنا عن وصاياك.. لك يا سيد البر، أما لنا فخزي الوجوه.. يا سيد لنا خزي الوجوه، لملوكنا ولرؤسنا ولآبائنا أخطأنا إليك "(دا 9: 5-8).
إذن اصطلح مع الله في صومك..
لا تقل " إلي متي يا رب تنساني؟ إلي الانقضاء؟ حتى متي أحجب وجهي عنك " طهروا إذن نفوسكم وقدسوها، واستعدوا للقاء هذه الأيام، استعدوا بإسكان الله في قلوبكم، وليس بمجرد الامتناع عن الطعام.
إن كنت في خطية، إصطلح مع الله. وان كنت مصطلحا معه، عمق محبتك له.
وأن أبطلت الخطية في الصوم، إستمر في أبطالها بعده
فليست التوبة قاصرة علي الصوم فقط، وإنما هي تليق بالصوم ويتدرب الإنسان عليها، فيتنقي قلبه، يحفظ بهذا النقاء كمنهج حياة.
وفي ذلك كله، أعدد نفسك للجهاد ضد الشيطان.
قال يشوع بن سيراخ "يا بني ان اقبلت لخدمة الرب الاله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة".. (سفر يشوع بن سيراخ 2: 1)
إن الشيطان إذ يري صومك وتوبتك، يحسد عملك الروحي، فيحاربك ليفقدك ثمرة عملك، ويلتمس الحيل إسقاطك لك " لن أتركك حتى تكمل كل بر".. تذكر إذن قول القديس بطرس الرسول " قاوموه راسخين في الإيمان" (2بط 5: 9).
الصوم إذن فترة حروب روحية كما حدث للسيد له المجد (مت 4). وهي أيضًا فترة إنتصار لمن يشترك مع المسيح في صومه.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


30- الصوم تصحبه الصلاة والعبادة



الصوم بدون صلاة يكون مجرد عمل جسداني.
وهكذا يفقد طابعة الروحي ويفقد فائدته الروحية.. وليس الصوم هو الاكتفاء بمنع الجسد عن الطعام، فهذه ناحية سلبيه. أما الناحية الإيجابية فتظهر في إعطاء الروح غذاءها. الذين يصمون، وليس في أصوامهم أي عمل روحي، لا صلاة، ولا تأمل، ولا قراءات روحية، ولا ألحان ولا تراتيل، ولا مطانيات، هؤلاء تكون أصوامهم ثقلًا عليهم، وبلا فائدة. ما الفرق بين هؤلاء وأصوام البوذيين و الهندوس. وأين شركة الروح القدس في الصوم؟! الصوم فرصة للصلاة، لأن صلاة واحدة تصليها في صومك، هي أعمق من مائة صلاة وانت ممتلئ بالطعام وصوتك يهز الجبل!
الكنيسة تعلمنا باستمرار ارتباط الصلاة بالصوم.
وفي قسمة الصوم الكبير في القداس الإلهي تتكرر عبارة "بالصلاة و الصوم". والسيد المسيح لما تكلم عن إخراج الشياطين، قال "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة و الصوم" وهكذا قرن الصوم بالصلاة.
والأصوام المشهورة في الكتاب، مرتبطة أيضًا بالصلاة.


St-Takla.org Image: The Praying Hands, painting by Albret Durar
صورة في موقع الأنبا تكلا: اليدين المصليتين - الفنان ألبرت دورار
ففي صوم نحميا يقول "فلما سمعت هذا الكلام، جلست وبكيت، ونحت أيامًا، وصمت وصليت.. وقل " أيها الرب إله السماء.. لتكن أذنك مصغية وعيناك مفتوحتين، لتسمع صلاة عبدك الذي يصلي إليك الآن نهارا وليلًا.." (نح 1: 4-6) وبدأ يعترف بخطايا الشعب، طالبًا الرحمة وتَدَخُّل الرب.. وصوم عزرا أيضًا كان مصحوبًا بالصلاة والصراع مع الله، بقوله: "أمل أذنك يا إلهي واسمع. أفتح عينيك وانظر خرابنا و المدينة التي دعي أسمك عليها لأنه ليس لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أمام وجهك، بل لأجل نفسك يا إلهي، لأن أسمك دعي علي مدينتك وعلي شعبك "(دا 9: 18،19). وصوم نينوى كانوا فيه " يصرخون إلي الله بشدة" (يون 3:8).
فاصرخوا إلي الرب خلال صومكم، وارفعوا إليه قلوبًا منسحقة.
وثقوا ان الله يستجيب لصومك وصراخكم، وينتهر الرياح والأمواج، فيهدأ البحر. حقًا ما أعمق الصلوات، إن كانت في أيام مقدسة، ومن قلوب متذللة أمام الله بالصوم، ومتنقية بالتوبة، وكم يكون عمقها إن كانت مصحوبة أيضًا بقداسات وتناول (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. درب نفسك في الصوم علي محبة الصلاة والصراع مع الله. وقد كتبنا لك في الفصل الخامس مجموعة تدريبات عن الصلاة.
والمهم في صلاتك أن تعطي الله قلبك وفكرك.
ولا تحاول أن تريح ضميرك بشكليات، بمجموعة من التلاوات لا عمق فيها وليست حاجة من القلب، ثم تقول "أنا صمت وصليت"! فالرب يعاتب قائلًا "هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مر 7: 6). إن الصلاة صلة، فاشعر أثناء صلاتك وصومك، أنك في صله مع الله. وغن كان تقديس الصوم معناه تخصيصه للرب:
فهل فترة صومك خصصتها للصلاة وللعمل الروحي؟
هل هي فترة صلاة وتأملات وقراءات روحية، وتخزين روحي، وتفرغ لله وعشرته؟ وهل صلواتك فيها أضعاف صلواتك في الأيام العادية. وأن لم تخصص فيها أكبر وقت لله، فهل خصصت له مشاعرك وعواطفك؟
إن الصوم المصحوب بعشرة الله، يتحول إلي متعة روحية.
وفي هذه المتعة، يحاول الصائم أن يكثر من صومه، ويصبح الطعام ثقلًا عليه، لأنه يرجعه إلي استعمال الجسد الذي استراح منه إلي حين طوال ساعات انقطاعه.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


31- الصوم مصحوب بالتذلُّل والبكاء



الصوم فترة تنسحق فيها الروح أمام الله، بالتوبة والدموع وانكسار القلب واتضاعه، فتعرف الذات ضعفها، أنها تراب ورماد، وتلجأ إلي القوة العليا.
حينما ينسحق الجسد بالجوع، تنسحق الروح أيضًا وفي انسحاقها، وتنحني النفس أمام الله خاشعة ذليلة معترفة بخطاياها وتذلل النفس يحنن قلب الله وقلوب السمائيين جميعًا. والإنسان في اتضاعه وشعوره بضعفه، يشعر أيضًا بزهد في كل شيء، ولا يتعلق قلبه بآيه شهوة فيكلم الله بعمق.
والكتاب المقدس يقدم أمثلة عديدة عن التذلل في الصوم:
لأن الله لا يحتمل أن يري مذله أبنائه أمامه. واكثر الأمثلة في سفر القضاة التي رأي فيها الله مذله شعبة فنزل وخلصهم (قض 2)، " في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم" (أش 63:9). بتذللهم وانسحاقهم يتضرعون. وقريب هو الرب من المتضعين، ومنسحقو القلوب هو يخلصهم..


St-Takla.org Image: Orthodox Coptic monk performing prostration
صورة: راهب قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يقوم بعمل ميطانية أو سجود
الصوم الذي آمر به يوئيل النبي، مثال واضح.
قال: " تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة.. أدخلوا، بيتوا بالمسوح يا خدام إلهي... قدسوا صوما، نادوا باعتكاف "(يوئيل 1: 13، 14). " الآن - يقول الرب - أرجعوا إلي الرب إلهكم.. قدسوا صومًا نادوا باعتكاف.. ليخرج العريس من مخدعه و العروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق و المذبح ويقولوا: أشفق يا رب علي شعبك، ولا تسلم ميراثك للعار، حتى تجعلهم الأمم مثلًا. لماذا يقولون بين الشعوب: أين إلههم؟" (يوئيل 2: 12-17).
إننا نري هنا صورة تفصيلية للصوم المتكامل.
الصوم، ومعه التوبة (الرجوع إلي الله)، ومعه الصلاة، والتذلل والبكاء و النوح والبعد عن الجسدانيات، ومعه أيضا الاعتكاف والمسوح... هذا هو الصوم في كل عناصره، وليس مجرد الامتناع عن الطعام.
مثال آخر، هو صوم أهل نينوي.
صاموا، حتى الأطفال و الرضع، لم يذوقوا ولم يأكلوا شيئًا (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ولكنهم لم يكتفوا بهذا، بل تذللوا أمام الله في المسوح والرماد. حتى الملك نفسه، خلع تاجه وملابسه
الملكية. ولم يجلس علي عرشه، بل جلس معهم علي المسوح والرماد.. وصرخ الكل إلي الله بشدة (يون 3).
كذلك أيضًا صوم نحميا، وصوم عزرا.
قال عزار الكاتب والكاهن " ناديت هناك بصوم علي نهر أهوا، لكي نتذلل أمام إلهنا، لنطلب منه طريقًا مستقيمة لنا ولأطفالنا.. فصمنا وطلبنا ذلك من الله فاستجاب (عز 8: 21،23). وكذلك نحميا أيضًا يقول:" بكيت ونحت أيامًا، وصمت وصليت "(نح 1:4). هذا عن نفسه، أما عن الشعب، فيقول إنهم: إجتمعوا بالصوم، وعليهم مسوح وتراب، وانفصلوا عن الزيجات الخاطئة، ووقفوا واعترافوا بخطاياهم وذنوب آبائهم. وأقاموا في مكانهم، وقرأوا في شريعة الرب إلههم (نح 9:1-3). أليس هذا أيضًا صومًا متكاملًا: بالصلاة، والبكاء والنوح، وقراءة الكتاب، والتوبة والاعتراف في المسوح و التراب.. إذن ليس هو مجرد امتناع عن الطعام..
وبنفس الوضع كان أيضًا صوم دانيال النبي.
يقول " فوجهت وجهي إلي الله السيد، طالبًا بالصلاة و التضرعات، بالصوم و المسح والرماد. وصليت إلي الرب إلهي واعترفت.. أخطأنا وأثمنا وعلمنا ¸الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك.." (دا9:3-5). وفي صوم آخر يقول " أنا دانيال. كنت نائحًا ثلاثة أسابيع أيام. لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر، ولم أدهن.."(دا 10: 2، 3). إنها نفس عناصر الصوم التي وردت في الأصوام السابقة.. حقًا، هذا هو الصوم الذي قال عنه داود النبي:
" كان لباسي مسحًا. أذللت بالصوم نفسي "(مز 35:17).
ولا شك أن النوح يوقف كل شهوة للجسد، ويبعد كل رغبة في الطعام. كما أنه بالإتضاع تفتح أبواب السماء.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


32- الصوم يصحبه الاعتكاف والصمت





St-Takla.org Image: A Coptic Orthodox monk sitting in his cell, reading and praying
صورة في موقع الأنبا تكلا: راهب قبطي أرثوذكسي يقرأ في قلايته ويصلي
لقد تكررت هذه العبارة مرتين في سفر يوئيل النبي "قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف" (يوئيل 1: 14،2:15).
نادوا باعتكاف، لكي تجدوا وقتًا للعمل الروحي.
في الاعتكاف تصمت، ولا تجد من تكلمه، فتكلم الله. ولكن لا تعتكف مع الخطية، أو مع طياشة الأفكار.. وتعتكف أيضًا حتى لا يظهر صومك للناس بل لأبيك الذي يري في الخفاء. والمعروف أن الصائم في نسكه وجوعه، قد يكون في حالة من الضعف، لا تساعده علي بذل مجهود، فالاعتكاف بالنسبة إليه أليق. في صومه، روحه مشغولة بالعمل الجواني مع الله، لذلك فالكلام يعطله عن الصلاة والهذيذ والتأمل، والمقابلات والزيارات تمنع تفرغه لله، وربما توقعه في أخطاء.
السيد المسيح في صومه، كان معتكفًا علي الجبل.
في خلوة مع الله الآب، وتفرغ للتأمل..
وهكذا أيضًا كانت أصوام آبائنا في البرية..أما أنت، فعلي قدر إمكانياتك أعتكف.. وإذا اضطررت لخلطة، ليكن ذلك في حدود الضرورة، وتخلص من الوقت الضائع، ومن كل كلمة زائدة. وهذا يذكرنا بصوم آخر هو: صوم اللسان والفكر والقلب.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


33- صوم اللسان والفكر والقلب



قال مار اسحق:" صوم اللسان خير من صوم الفم. وصوم القلب عن الشهوات خير من صوم الاثنين " أي خير من صوم اللسان ومن صوم الفم كليهما. كثيرون يهتمون فقط بصوم الفم عن الطعام. وهؤلاء وبخهم الرب بقوله " ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان" (مت 15: 11). وهكذا أرانا أن الكلام الخاطئ نجاسة. وايضًا قال معلمنا يعقوب الرسول عن اللسان إنه " يدنس الجسد كله "(يع3:6). فهل لسانك صائم مع صوم جسدك؟ وهل قلبك صائم عن الشهوات.


St-Takla.org Image: The tongue, talkative person
صورة في موقع الأنبا تكلا: لسان، شخص ثرثار
إن القلب الصائم يستطيع ان يصوم اللسان معه.
لأنه " من فيض القلب يتكلم الفم "(مت 12: 34) (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وكما قال الرب أيضًا " وأما ما يخرج من الفم، فمن القلب يصدر "(مت 15: 18). وكذلك لأن " الرجل الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح. والرجل الشرير من كنز قلبه الشرير تخرج الشرور "(مت 12: 35). لذلك إن كان قلبك صائمًا عن الخطية، فسيكون لسانك صائمًا عن كل كلمة بطالة.
والذي يصوم قلبه، يمكنه أن جسده أيضا.
أذن المهم هو صوم القلب و الفكر عن كل رغبة خاطئة. أما صوم الجسد فهو أقل شيء. وأحرص إذن في صومك أن تضبط لسانك، وكما تمنع فمك عن الطعام، إمنعه عن الكلام الردئ. وسيطر علي أفكارك، واضبط نفسك.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


34- الصوم يصحبه ضبط النفس





St-Takla.org Image: Balance logo clipart
صورة في موقع الأنبا تكلا: توازن كليبارت
جميل أن تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة، سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشياطين. فالذي يملك روحه خير ممن يملك مدينة) (ام 16: 32).
أمسك إذن زمام إرادتك في يدك.
في صوم الجسد تشمل كل فكر، وكل رغبة بطالة، وكل تصرف خاطئ، وكل شهوة للجسد. أما الذي يملك إرادتك في الطعام فقط، وينغلب من باقي شهواته، فصومه جسداني. والذي لا يستطيع أن يضبط نفسه في صوم الجسد، فبالتالي سوف لا يستطيع ان يضبط نفسه في الأفكار والشهوات والتصرفات.
أما ضبطك لشهواتك فدليل علي الزهد ومحبة الله.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


35- الصوم يصحبه قهر الجسد





St-Takla.org Image: Daniel in the lion's den by Gustave Dore, from Dore's Bible Illustrations
صورة في موقع الأنبا تكلا: دانيال النبي في جب الأسود للفنان جوستاف دوريه، من صور لوحات الكتاب المقدس
تقول للجسد في الصوم: أرفع يدك عن الروح، واطلقها من روابطك، لتتمتع بالله. وأنت تصوم لكي تنفك من رباطات الجسد. وشهوة الأكل هي إحدى هذه الرباطات. وهناك رباطات أخري كالشهوات الجسدية. وهكذا في الصوم، يكون قهر الجسد أيضا بالبعد عن العلاقات الزوجية، ولكن يكون ذلك باتفاق (1كو 7:5). وكما يقول يوئيل النبي في الصوم " ليخرج العريس من خدره، والعرس من حجلتها" (يؤئيل 2: 16). وكما قيل عن داريوس الملك، لما ألقي دانيال في الجب إنه " بات صائمًا، ولم يؤت قدامه بسراريه "(دا 6: 18). حتى مجرد زينة الجسد.. قال دانيال النبي في صومه " ولم أدهن "(دا 10: 3). وقال عن شهوة الطعام " ولم آكل طعامًا شهيًا".
قهر الجسد ليس هدفًا في ذاته، بل وسيلة للروح.
إن ضبط الجسد لازم حتى لا ينحرف فيهلك الروح معه (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وفي ذلك ما أخطر قول الرسول " أقمع جسدي وأستعبده. حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا "(1كو 9:27). فحينما يكون الجسد مقهورًا، تمسك الروح بدفة الموقف وتدبير العمل. والجسد حينئذ لا يقاومها، بل يشترك معها ويخضع لقيادتها. أضبط إذن جسدك، وأبعده عن كل المتع والترفيهات والشهوات، بحكمة.
ولا يكفي فقط أن تصوم، بل تنتصر علي شهوة الأكل.
وهذا يقودنا في الصوم إلي فضيلة أخري هي الزهد.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


36- الصوم يصحبه الزهد



قد يمتنع الإنسان عن الطعام، ولكنه يشتهيه. لذلك فليس السمو في الأمتناع عن الطعام، إنما في الزهد فيه. الارتفاع عن مستوي الأكل، يوصل إلي الزهد فيه، وإلي النسك فيه، وبالتالي إلي فضيلة التجرد. ولكن ماذا إن لم يستطع أن يصل إلي الزهد و التجرد؟
إن لم يمكنك التجرد و الزهد، فعلي الأقل أترك من أجل الله شيئًا.
كان المطلوب من آدم وحواء، أن يتركا من أجل الله ثمرة واحدة من الثمار. والمعروف أن ترك الطعام أو نوع منه، ليس إلا تدريبًا لترك كل شيء لأجل الله.. وأنت ماذا تريد في الصوم أن تترك لجل الله، لأجل محبته وحفظ وصاياه؟ ان الله ليس محتاجًا إلي تركك شيئًا. ولكنك بهذا تدل علي ان محبتك لله قد صارت اعمق، وقد عملية. ومن أجل محبته أصبحت تضحي برغباتك.




37- الصوم تصحبه الصدقة





St-Takla.org Image: Poor people, photo from St-Takla.org 's journey to Ethiopia, 2008 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008
صورة في موقع الأنبا تكلا: بعض الفقراء، من صور رحلة موقع الأنبا تكلاهيمانوت للحبشة، 2008 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا، إبريل - يونيو 2008
فالذي يشعر في الصوم بالجوع، يشفق علي الجوعانين. وبهذه الرحمة يقبل الله صومه، وكما قال "طوبي للرحماء فإنهم يرحمون"(مت 5: 7). والكنيسة من اهتمامها بالصدقة، ترتل في الصوم الكبير ترنيمة "طوبي للرحماء علي المساكين".
ومن اهتمام الرب بالصدقة، قال في نبوة إشعياء.
"أليس هذا صومًا أختاره: حل قيود الشر.. إطلاق المسحوقين أحرارًا.. أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلي بيتك. إذا رأيت عريانًا أن تكسوه، وأن لا تتغاضي عن لحمك" (أش 58: 7).
وفي عصر الشهداء و المعترفين، كانت الكنيسة تقول هذا التعليم:
أن لم تجد ما تعطيه لهؤلاء، فصم وقدم لهم طعامك.
أي أنك لا تصوم، وتوفر الطعام لك. وإنما تصوم وتقدم للمساكين الطعام الذي وفرته. ولهذا اعتادت كثير من الكنائس في أيام الصوم، أن تقيم موائد للفقراء تسميها أغابي. ولكي لا يحرج الفقراء إن أكلوا وحدهم، يأكل الشعب كله معًا.




38- الصوم تصحبه الميطانيات





St-Takla.org Image: Orthodox Coptic monk performing prostration
صورة: راهب قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يقوم بعمل ميطانية أو سجود
المطانيات هي السجود المتوالي، مصحوبًا بصلوات قصيرة.
والكنيسة تربط المطانيات بالصوم الانقطاعي. فالأيام التي لا يجوز فيها الصوم الانقطاعي. مثل الأعياد والسبوت والآحاد والخماسين - لا تجوز فيها أيضًا المطانيات، سواء من الناحية الروحية أو الجسدية. لذلك يحسن أن تكون المطانيات في الصباح المبكر، أو في أي موعد أثناء الانقطاع قبل تناول الطعام.
يمكن أن تكون المطانيات تذللًا أمام الله.
أي أنه مع كل مطانية، يبكت الإنسان نفسه أمام الله علي خطية ما، ويطلب مغفرتها: أنا يا رب أخطأت في كذا، فاغفر لي. أنال نجست هيكلك فاغفر لي. أغفر لي أنا الكسلان، أنا المتهاون، أنا الذي.. ويمكن أن تكون المطانيات مصحوبة بصلوات شكر أو تسبيح.
ويمكن القيام بتمهيد روحي قبل المطانيات.
كمحاسبة للنفس، أو أية قراءة روحية تشعل الحرارة في القلب.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


الفصل الخامس: تداريب أثناء الصوم
39- ما هي تداريب الصوم؟







St-Takla.org Image: Running, Exercise logo
صورة في موقع الأنبا تكلا: لوجو تدريب، عدو، جري
مادام الصوم فترة روحية مقدسة، يهدف فيه الصائم إلي نموه الروحي، أذن يليق أن يضع أمامه بعض التداريب روحية، لكي يحول بها هذه الرغبات الروحية إلي حياة عملية. فما هي هذه التداريب؟
تختلف التداريب الروحية من شخص إلي أخر.
وذلك بحسب احتياج كل إنسان. سواء كانت هذه التداريب تشمل مقاومة نقط ضعف معينه في حياة الصائم، أو تشمل فضائل معينة تنقصه، أو اشتياقات روحية تجول في قلبه.
وهكذا تختلف في الشخص الواحد حسب احتياجه.
فما يحتاج إليه إنسان في وقت، غير ما يحتاجه في وقت آخر (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وذلك حسب حروبه من جهة، وحسب درجة نموه من جهة أخري. المهم أن توجد التداريب، حتى يشعر الصائم أنه يضع هدفا خاصًا أمامه أثناء الصوم يحاسب نفسه عليه، ويتابع تنفيذه، وحتي بنتيجة واضحة من صومه بالإضافة إلي الفضائل العامة للصوم.
وما سنتحدث عنه الآن، هو مجرد أمثلة.
وليضع كل إنسان ما يناسبه من تداريب أثناء صومه. وليكن ذلك تحت إشراف أب اعترافه بقدر الإمكان.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


40- تداريب وقت الصوم خاصة بالصوم




St-Takla.org Image: Self discipline
صورة في موقع الأنبا تكلا: ضبط الذات
والغرض منها ان يكون الصوم سليمًا، ناميًا في نوعيته.
ومنها تداريب خاصة بضبط النفس:
وقد تشمل منع الصائم لنفسه من أكل أصناف معينة يشتهيها. سواء كلن ذلك منعًا كليًا طوال فترة الصوم، أو منعًا جزئيًا خلال فترة محددة أو يوم معين. أو كان ذلك المنع عن طريق الإقلال من الكمية، أو عدم طلب صنف معين بالذات. وقد تشمل تداريب ضبط النفس: فترة الإنقطاع وتحديدها و النمو فيها. والبعض يلجأ إلي نظام التدريج حتى خلال الصوم الواحد. فالصوم الكبير يشمل ثمانية أسابيع، قد يتدرج الصائم أثناءها في درجة نسكه وانقطاعه عن الطعام. ويشمل ضبط النفس يوم الرفاع، يوم العيد أيضًا، فلا يكون الأكل فيهما علي مستوي التسيب بلا ضابط. كذلك ضبط النفس يشمل أيضًا عنصر الجوع.
وقد يكون التداريب خاصة بالفضائل المصاحبة للصوم.
وبهذا تشمل النواحي الروحية في الصوم كضبط النفس عمومًا خارج نطاق الأكل، والسيطرة علي الجسد عمومًا، والامتناع عن كل شهواته الجسدية، وكل الترفيهات الخاصة بالحواس. وتداريب السهر، وتدريب البعد عن الكماليات. وكذلك التداريب الخاصة بما في الصوم تذلل وانسحاق أمام الله، وما فيه أيضًا من زهد، يتسع نطاقه بالتدريج.




41- تداريب الصوم الخاصة بالتوبة



لأن الصوم هو بلا شك فترة توبة. وتداريب التوبة كثيرة نذكر منها:
التركيز علي نقطة الضعف أو الخطية المحبوبة.
وكل إنسان يعرف تمامًا ما هي الخطية التي يضعف أمامها، ويتكرر سقوطه فيها، وتتكرر في غالبية اعترافاته. فليتخذ هذه الخطايا مجالًا للتداريب علي تركها أثناء الصوم. وهكذا يكون صومًا مقدسًا حقًا.
وقد يتدرب الصائم علي ترك عادة ما.
مثل مدمن التدخين الذي يتدرب في الصوم علي ترك التدخين. أو المدمن مشروبًا معينًا، أصبح عادة مسيطرة لا يستطيع تركها، كمن يدمن شرب الشاي و القهوة مثلًا. أو الذي يصبح التفرج علي التلفزيون عادة عنده تضيع وقته وتؤثر علي قيامه بمسؤلياته. كل ذلك وأمثاله تكون فترة الصوم تدريبًا علي تركه.
وقد يتدرب علي تركه خطية كالغضب أو الإدانة.


St-Takla.org Image: The woman who sinned and Jesus
صورة في موقع الأنبا تكلا: المرأة الخاطئة التائبة مع المسيح
وهي من الخطايا المشهورة التي يقع فيها كثيرون. وربما تشمل التداريب مجموعة من خطايا اللسان تعود الإنسان السقوط فيها، فيدرب نفسه في الصوم علي التخلص منها واحدة فواحدة.
وما أسهل أن يضع أمامه آيات خاصة بالخطية.
فمثلًا يذكر نفسه كلما وقع في خطية النرفزة يقول الكتاب " لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله "(يع 1:2). ويكرر هذه الآية بكثرة كل يوم، وبخاصة في المواقف التي يحاربه الغضب فيها. ويبكت نفسه قائلًا ماذا أستفيد من صومي، إن أن كنت فيه أغضب ولا أصنع بر الله؟! أو أن كان واقعًا في أية خطية من خطايا اللسان، يضع أمامه قول الكتاب " كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس، سوف يعطون عنها حسابًا يوم الدين" (مت 12: 36) (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ويقول لنفسه في عتاب: ماذا أستفيد إن صمت صومًا فيه كل ضبط النفس، ثم لم أضبط لساني وقلت لأخي يا أحمق، وأصبحت بذلك مستحقًا لنار جهنم (مت 5: 22).
وكلما تجوع وتشتهي الأكل، بكت نفسك.
وقل لها: حينما تتركن هذه الخطية، سوف أسمح لك بالأكل. هوذا الكتاب يقول " إن الذي لا يعمل لا يأكل " (2تس 3:10). وأنت لم تعملي عمل التوبة اللائق بالصوم، أو اللائق بقلب هو مسكن الله. وبخ نفسك وقل لها: ما فائدة امتناعي عن الأكل، أن كنت لم أمتنع بعد عن هذه الخطية التي تفصلني عن الله، ولا تنفعني صومي كله.
خذ نقطة الضعف التي فيك، واجعلها موضوع صلواتك وجهادك خلال هذا الصوم.
ركز عليها التركيز كله، من جهة الحرص و التدقيق، ومن جهة مقاومة هذه الخطية. واسكب نفسك أمام الله، وقل له: نجني يا رب من هذه الخطية. أنا معترف بأنني ضعيف في هذه النقطة بالذات، ولن أنتصر عليها بدون معونة منك أنت. إرحم يا رب ضعفي وعجزي. لأ أريد أن أنتهي من هذا الصوم، قبل أنت تنتهي هذه الخطية من حياتي. أجمع آيات الكتاب الخاصة وضعها أمامك، لتتلوها باستمرار. لتكن فترة الصوم هذه هي فترة صراع لك مع الله، لتنال منه قوة تنتصر بها علي خطاياك. درب نفسك خلال الصوم علي هذا الصراع. وقل: مادام الصوم يخرج الشياطين حسب قول الرب، فليته يخرج مني خطاياي مادام هو مع الصلاة يخرج الشياطين.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


42- تداريب الصوم من جهة الاعتكاف والصمت



يقول الكتاب " قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف "(يوئيل 1:14). ضع هذه الآية أمامك ودرب نفسك علي الاعتكاف.
والمقصود بالاعتكاف، أنه اعتكاف مع الله.
لأن هناك من يعتكفون في بيوتهم، دون أي عمل روحي، بل قد يعتكفون مع الراديو أو التلفزيون أو المجلات، أو في أحاديث مع أهل البيت..! أو يعتكفون مع الأفكار الخاطئة، ليس هذه هو الاعتكاف. إنما الاعتكاف يكون من أجل عمل روحي تعمله في مخدعك عليك مع الله. تعتكف مع الكتاب، مع سير القديسين، مع المطانيات، مع الصلاة.
إن كان لك برنامج روحي، ستحب الاعتكاف.


St-Takla.org Image: Candle - Silence
صورة في موقع الأنبا تكلا: شمعة - هدوء و صمت
وإن استفدت فائدة روحية من اعتكافك، ستستمر في هذا الاعتكاف، وتشعر أنه بركة لك من الله. لذلك اجلس إلي نفسك. وضع هذا البرنامج، واعتكف لأجل تنفيذه. وحاول أن تستغني عن صداقاتك وترفيهاتك خلال هذه الفترة، التي سيكون فيها الله هو صديقك الحقيقي (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). درب نفسك أنك تستغني عن الحكايات والدردشة والكلام الذي لا يفيد، وحينئذ ستقدر أن تعتكف وتعمل مع الله. وإن لم تستطيع أن تعتكف طول الصوم، فهناك حلول أسهل:
أستخدم تدريب "بعض الأيام المغلقة".
أي حدد لنفسك أياما معينة لا تخرج فيها من بيتك، وتكون قد نظمت مشغولياتك وزياراتك، بحيث تعتكف في هذه الأيام المغلقة. ويمكن أن تبدأ بيوم واحد مغلق في الأسبوع، ثم يومين، ثم تنمو أكثر.. ولكن ماذا تفعل إن لم تستطيع أن تغلق علي نفسك مع الله؟
إن لم تستطيعوا أن تغلقوا أبوابكم خلال الصوم، فعلي الأقل أغلِقوا أفواهكم عن الكلام الباطل.
فحديثنا مع الناس، ما أسهل أن يعطل حديثنا مع الله. وكما قال أحد الآباء "الإنسان الكثير الكلام، اعلم أنه فارغ من الداخل"… أي فارغ من العمل الروحي داخل القلب، فلا صلاة ولا تأمل ولا تلاوات روحية.. إن تدريب الخلوة والاعتكاف، سيساعدكم علي الصمت. والصمت سيخلصكم من أخطاء اللسان، كما أنه يعطيكم فرصة للعمل الداخلي، عمل الروح.. ولكن ماذا إذن، أن كان الصائم لا يستطيع الاعتكاف الكامل، ولا الأيام المغلقة، ماذا يفعل؟ هناك تدريب آخر هو:
divider-3.jpg
تدريب مقاومة الوقت الضائع:
هناك إنسان مشكلته الأولي ضياع وقته. وقته تافه في عينيه. يضيع أوقاته دون أن يستفيد. هذه هي خطيته الأولي. ونتيجة لإضاعة الوقت، لا صلاة، ولا قراءة،ولا أي فكر روحي. ونتيجة لهذا أيضًا: الفتور الروحي، وربما الوقوع في الخطية. هذا يقول لنفسه: أريد خلال الصوم أن أدرب نفسي علي مقاومة الوقت الضائع، وعلي الاستفادة من وقتي. وكيف ذلك؟ توفر الوقت الضائع في الكلام مع الناس، والوقت الضائع في المقابلات والزيارات، وفي المناقشات التي لا تفيد، والوقت الضائع في قراءة الجرائد والمجلات و التعليق علي ما فيها. وكذلك الضائع في الاستماع إلي الراديو و التلفزيون، وفي سائر الترفيهات التي يمكن الاستغناء عنها، وتحويل وقتها إلي عمل روحي مع الله كل إنسان يعرف أين يضيع وقته. ويعرف بالتالي كيف يمكن أن ينقذ هذا الوقت كجزء من حياته، ويستفيد به. ليكن هذا تدريبًا لنا خلال الصوم بإذن الله.. وهذا التدريب يساعدنا علي تدريب آخر هو: صوم اللسان.
قال ماراسحق "صوم اللسان خير من صوم الفم". إن عرفت هذا درب نفسك علي الصمت علي قدر إمكانك. وإن لم تستطيع، استخدم هذه التداريب الثلاثة:
أ‌- عدم البدء بالحديث إلا لضرورة.
ب‌- الإجابة المختصرة.
ج- إشغل فكرك بعمل روحي، يساعدك علي الصمت.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


43- تداريب الانسحاق والتذلُّل وقت الصوم





St-Takla.org Image: Jesus with the woman who repented
صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع مع المرأة التائبة
أيام الصوم هي أيام انسحاق وتذلل أمام الله، لذلك درب نفسك علي ذلك حتى تصل نفسك إلي التراب والرماد. وذلك عن طريق التداريب الآتية:
أ‌- أبعد عن محبة المديح، وعن كلام الافتخار ومديح النفس.
ب‌- أستخدم كلام الانسحاق في صلواتك، مثل ترديدك لمزمور:
"يا رب لا تبكتني بغضبك، ولا تؤدبني بسخطك "(مز 6).
ج- إذا جعت، أو جلست لتأكل، قبل لنفسك "أنا لا أستحق الطعام بسبب خطاياي، لأني فعلت كذا كذا.. أنا لست أصوم عن قداسة، وإنما عن مذلة داخل نفسي".
حقًا، مهما وضعوا أمامه من مشتهيات، لا يجد رغبة في الأكل. وأن ضغط عليه الجوع، يقول لنفسه:
تب أولًا، حينئذ يمكنك أن تأكل.. وان وجد نفسه ما يزال في خطأ، يبكت ذاته قائلًا: هل هذا هو الصوم مقبول أمام الله؟!
هل هذا تقديس للصوم؟!
د- أيام الصوم فرصة صالحة للاعتراف وتبكيت الذات أمام الله، وأمام أب الاعتراف. وداخل نفسك.
إنها فترة صراحة مع النفس، ومحاسبة للنفس، وتوبيخ وتأديب لها. أحرص فيها أن تجلب اللوم علي ذاتك. وأهرب من كل تبرير للنفس في أية خطية، مهما سهلت التبريرات.
ه - أدخل في تداريب الاتضاع، وهي كثيرة جدًا..
 
أعلى