الشهيدة السابقة تمتعت بإكليلها في عهد نيرون الظالم، أما هذه فنالته في عهد داكيوس (ديسيوس)حوالي عام 250م، تحتفل الكنيسة القبطية بعيدها في أول بابه. هي ابنة أبوين مسيحيين بروما، ربياها على مخافة الله، وكان قلبها ملتهبًا بحب الله، تشتاق إلى الحياة البتولية الملائكية منذ صغرها. وبالفعل التحقت بأحد بيوت العذراى بروما. كانت تمارس الحياة النسكية بحزم، حتى صارت تأكل مرة كل يومين، وفي الصوم الكبير لا تأكل سوى يومي السبت والأحد. إذ كانت رئيسة البيت تذهب لتشترك في أحد الأعياد أخذت معها العذراء أنستاسية. رأتا الجند يعذبون بعض المسيحيين، فتوقفت العذراء أنستاسية لتوبخهم على ظلمهم وقسوة قلوبهم. قبض عليها الجند، وحملوها إلى الوالي حيث اعترفت أمامه أنها مسيحية. فعذبها عذابًا شديدًا، ثم صلبها وأشعل النيران تحتها، وإذ لم تنثن عن إيمانها أمر بقطع رأسها، ففرحت وتهللت، وأخذت تصلي لتحني رأسها أمام السيف وتنال إكليل الشهادة.
سيامته بطريركًا بعد نياحة البابا دميانوس توجهت الأنظار إلى كاهن كنيسة الإنجيليين الأربعة بالإسكندرية القمص أنسطاسيوس، ابن أحد أشراف مدينة الإسكندرية الذي تعلم بمدرسة الإسكندرية واشتغل قاضيًا في القصر، وقد عرف بتقواه وورعه مع غزارة علمه. أجمع الشعب الإكليروس على سيامته بطريركًا، عام 598م (314ش). أعماله الرعوية كان الإمبراطور فوقا بالقسطنطينية يتسم بالعنف والبطش أكثر من غيره، فقد حَرَّم على البطاركة الأرثوذكس دخول الإسكندرية، تاركًا للملكيين (المعينين من قبل الإمبراطور) أن يغتصبوا أغلب كنائس المدينة العظمى، وكانت لهم سلطة مدنية وسياسية أكثر منها دينية. أما البابا أنسطاسيوس فبسبب شرف نسبه لم يجسر الولاة على منعه من دخول المدينة، فكان بحكمة وجرأة يتحرك داخل الإسكندرية وخارجها، وقد استرد ما استولى عليه الملكيون ورمّم بعضها إذ كان قد تخرب بسبب الاضطرابات التي يثيرها الملكيون. هذا وقد قام ببناء كنائس جديدة، واهتم بسيامة عدد كبير من الكهنة في مناطق متفرقة. اضطهاده كان أولوجيوس البطريرك الملكي شريرًا، رأى التفاف الشعب كله حول بطريركه، كما لاحظ احترام الوالي له، فأرسل إلى الإمبراطور فوقا - مغتصب العرش - يقول له إن الأنبا أنسطاسيوس قد جمع الشعب في كنيسة القديس يوحنا المعمدان، وأعلن حرمانه لمجمع خلقدونية ولكل مناصريه بما فيهم أولوجيوس والإمبراطور، فلما سمع فوقا ذلك كتب لوالي الإسكندرية يسأله اغتصاب بعض الكنائس وأوانيها من أنسطاسيوس وتسليمها لأولوجيوس، فاستولى الوالي على كنيسة القديسين قزمان ودميان وأمهما واخوتهما بالقوة، إذ خرج على رأس كتيبة من الجند ومعه أولوجيوس، الأمر الذي أثار الشعب وقد استشهد عدد ليس بقليل من المؤمنين، ولم يسمحوا للجند أن يصلوا إلى باباهم. وإذ صار الموقف يتأزم يومًا بعد يوم انسحب البابا إلى برية شيهيت حزين القلب، يقضي أيامه ولياليه في الأصوام والصلوات بدموع لتتدخل العناية الإلهية. وقد تدخلت عناية الله إذ قام موريس على أخيه فوقا وقتله وجلس على العرش. في أيامه افتتح كسرى ملك الفرس بلاد الشام ووصل إلى حدود مصر يهددها ويتوعدها، وكان كثيرون من مسيحي سوريا قد هربوا إلى مصر ملتجئين إليها من ظلم الفرس، فكان البابا أنسطاسيوس يبذل كل الجهد ليخفف آلام هؤلاء اللاجئين ويسندهم. وهنا لا ننكر موقف البطريرك الملكي يوحنا الملقب بالرحيم، الذي كان قد جاء بعد ثيؤدورس خلف أوليجوس، إذ كان يحمل لطفًا ورقة فقد بذل كل جهده للعطاء لهؤلاء اللاجئين، كما قدم عونًا للبابا أنسطاسيوس لهذا الهدف عينه، إذ كانت الكنيسة الملكية أكثر غنى من الكنيسة القبطية لأنها مستندة إلى السلطة الزمنية ومستولية على كل الممتلكات والإيرادات. استقبل البابا أنسطاسيوس البطريرك الإنطاكي بحب شديد وإكرام بالإسكندرية واستضافه شهرًا، وكان قد كتب البابا للبطريرك عند سيامة الأخير رسالة غاية في اللطف والحكمة لتعود الشركة بين الكرسيين، بعد أن كان البطريرك بطرس السابق لأثناسيوس قد أثار شقاقًا. كتب البابا اثني عشر كتابًا عن الإيمان المستقيم في مدة جلوسه على الكرسي البالغة اثنتي عشرة سنة. تنيح في 22 من شهر كيهك.
هو تلميذ القديس بولس الرسول. كان مملوكًا لرجل من رومية اسمه فليمون الذي كان قد آمن على يد القديس بولس لدى سماعه بتبشيره في رومية، وحدث أن سافر فليمون من رومية لأعمال خاصة فاستصحب أنسيمُس ضمن غلمانه وهناك أغوى الشيطان أنسيمُس فسرق بعض مال سيده وهرب إلى رومية. واتفق بالإرادة الإلهية أن حضر أنسيمُس تعليم القديس بولس الرسول فحفظه في قلبه وآمن على يديه وامتلأ قلبه بالنعمة وخوف الله، فتذكر ما سرقه من سيده ومن غيره، ولم يبقَ معه منه شيء يعيده إلى أربابه. فحزن وأعلم الرسول بولس بذلك، فطمأنه وكتب رسالة إلى سيده فليمون أعلمه فيها أن أنسيمُس قد أصبح تلميذًا للمسيح وابنًا لبولس بالبشرى ويوصيه أن يترفق به ولا يؤاخذه، بل يحسب ما خسره كأنه على الرسول. فلما أوصل أنسيمُس الرسالة إلى سيده فليمون فرح بإيمانه وتوبته وعامله كتوصية الرسول، وزاد على ذلك بأن قدَّم له مالاً آخر فلم يقبل قائلاً أنا استغنيت بالمسيح، ثم ودعه وعاد إلى رومية. واستمر خادمًا للقديس بولس إلى حين شهادته واستحق أن يُقدَّم كاهنًا. وبعد استشهاد القديس بولس قبض عليه حاكم رومية ونفاه إلى إحدى الجزائر فمكث هناك يعلِّم ويعمِّد أهل الجزيرة، ولما حضر الحاكم إلى تلك الجزيرة ووجده يرشد الناس إلى الإيمان بالسيد المسيح ضربه ضربًا موجعًا ثم كسر ساقيه فتنيح بسلام. السنكسار، 21 أمشير
من رجال القرن الثامن عشر. عُرف بابو طاقية لأن والده كان يشتغل بتجارة الطواقي، أو لأنه زار نابليون في أواخر 1799م، وكان في حاجة إلى مال، نزع المعلم أنطون طاقيته من فوق رأسه وملأها له مالاً، فارتفع في عيني نابليون، وعيّنه في وظائف كبيرة، وإذ كان مترفقًا بالمصريين على وجه العموم في جمع الضرائب قبض عليه الفرنسيون وسجنوه في القلعة، حتى قام بدفع ما تأخر على البلاد، فدفعه من ماله الخاص. لما ترك الفرنسيون مصر قبض عليه محمد علي وقتله مع اثنين من كبار الأقباط، هما المعلم إبراهيم زيدان والمعلم عبد اللَّه بركات، في 8 بؤونه 1518ش (سنة 1802م)، وقام ببيع ممتلكاتهم في مزاد علني. في سنة 1853م سافر حفيده إلى باريس، وهو المعلم إبراهيم عوض، يطلب من نابليون الثالث المال الذي دفعه جده لنابليون الأول، فرد عليه بأن ما دفعه أبو طاقية إنما هو ضريبة قدمها عن الأقباط، ولم يعطه سوى نفقات سفره.
------------------
انطونيوس الشهيد
كثيرًا ما يحدث لبس بين الشهداء الحاملين لهذا الاسم "أنطونيوس"، يذكر منهم شهيدين: الشهيد أنطونيوس السوري هو بنّاء حجارة سرياني، اتسم بالغيرة الشديدة ضد عبادة الأوثان. عاش كمتوحد لمدة عامين، في نهايتهما عاد إلى مدينته وإذ وجد الناس يعبدون الآلهة الباطلة ذهب إلى هيكل وثن وصار يحطم الأصنام، فطرد من المدينة وذهب إلى Apamaea. أوكل إليه أسقف المدينة بناء كنيسة، فثار عليه الوثنيون وقتلوه، وكان قد بلغ حوالي العشرين من عمره. الشهيد أنطونيوس البباوي القديس أنطونيوس أو "أندونا"، ولد بيا - بصعيد مصر- من أبوين صالحين رحومين. سمع عن عذابات الشهداء فذهب إلى إريانا والي أنصنا، واعترف أمامه بالسيد المسيح، فأمر برميه بالنشاب (الرماح)، وإذ لم يناله أذى، خشيّ أن يؤمن المشاهدون بمسيحه، فقيّده وأرسله إلى أرمانيوس والي الإسكندرية مع أبيماخوس وشهيدين آخرين، فسجن أرمانيوس الثلاثة وصلب أنطونيوس منكس الرأس، وإذ لم يصبه أذى، صار يعذبه فكان يتمجد الله فيه. أرسله إلى والي الفرما حيث سجنه فالتقى مع القديس مينا وفرحا ببعضهما البعض. قام والي الفرما بتمشيط جسم القديس أنطونيوس بأمشاط حديدية، كما وضعه في خلقين ثم قطع رأسه في شهر أبيب، فنال إكليل الاستشهاد.
يعتبره العالم "أب الأسرة الرهبانية" ومؤسس الحركة الرهبانية في العالم كله بالرغم من وجود حركات رهبانية سابقة له. وُلد القديس في بلدة قمن العروس التابعة لبني سويف حوالي عام 251م من والدين غنيين. مات والده فوقف أمام الجثمان يتأمل زوال هذا العالم، فالتهب قلبه نحو الأبدية. وفي عام 269م إذ دخل ذات يوم الكنيسة سمع الإنجيل يقول: "إن أردت أن تكون كاملاً اذهب وبع كل مالك ووزعه على الفقراء، وتعال اتبعني" فشعر أنها رسالة شخصية تمس حياته. عاد إلى أخته الشابة ديوس يعلن لها رغبته في بيع نصيبه وتوزيعه على الفقراء ليتفرغ للعبادة بزهد، فأصرت ألا يتركها حتى يسلمها لبيت العذارى بالإسكندرية. سكن الشاب أنطونيوس بجوار النيل، وكان يقضي كل وقته في الصلوات بنسك شديد، لكن إذ هاجمته أفكار الملل والضجر صار يصرخ إلى الله، فظهر له ملاك على شكل إنسان يلبس رداءً طويلاً متوشحًا بزنار صليب مثل الإسكيم وعلى رأسه قلنسوة، وكان يجلس يضفر الخوص. قام الملاك ليصلي ثم عاد للعمل وتكرر الأمر. وفي النهاية، قال الملاك له: "اعمل هذا وأنت تستريح. صار هذا الزي هو زي الرهبنة، وأصبح العمل اليدوي من أساسيات الحياة الرهبانية حتى لا يسقط الراهب في الملل. في أحد الأيام نزلت سيدة إلى النهر لتغسل رجليها هي وجواريها، وإذ حَول القديس نظره عنهن منتظرًا خروجهن بدأن في الاستحمام. ولما عاتبها على هذا التصرف، أجابته: "لو كنت راهبًا لسكنت البرية الداخلية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان". وإذ سمع القديس هذه الكلمات قال في نفسه: "إنه صوت ملاك الرب يوبخني"، وفي الحال ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية، وكان ذلك حوالي عام 285م. استقر القديس في هذه البرية، وسكن في مغارة على جبل القلزم شمال غربي البحر الأحمر، يمارس حياة الوحدة. هناك حاربته الشياطين علانية تارة على شكل نساء وأخرى على شكل وحوش مرعبة. حوالي عام 305م اضطر أن يكسر خلوته ليلتقي بتلاميذ جاءوا إليه يشتاقون إلى التدرب على يديه، فكان يعينهم ويرشدهم، وإن كان قد عاد إلى وحدته مرة أخرى. إن كان هذا العظيم بين القديسين هو مؤسس نظام الرهبنة (الوحدة)، فإن حياته تكشف عن مفهوم الرهبنة المسيحية، خاصة نظام الوحدة: أولاً: خرج للرهبنة بلا هدف كهنوتي، وكانت حركته شعبية لا كهنوتية، لا يطلب التدخل في التنظيم الكنسي، وحتى حينما أرسل إليه الإمبراطور قسطنطين يطلب بركته أرجأ الرد عليه، ولما سأله تلاميذه عن السبب؟ أجاب أنه مشغول بالرد على رسالة الله ملك الملوك، وبعد إلحاح بعث بالرد من أجل سلام الكنيسة. ثانيًا: حبه الشديد للوحدة لم يغلق قلبه نحو الجماعة المقدسة، بل كان في عزلته يؤمن بعضويته الكنسية. لذلك عندما استدعى الأمر نزل إلى البابا أثناسيوس الرسولي (الذي تتلمذ على يدي القديس أنطونيوس)، وبدخوله الإسكندرية ارتجت المدينة، وخرج الكل متهللين لأن رجل الله قادم، وبالفعل عاد كثير من الأريوسيين إلى الكنيسة. مرة أخرى نزل إلى الإسكندرية يسند المعترفين في السجون ويرافقهم حتى ساحة الاستشهاد. ثالثًا: مع محبته الشديدة للوحدة تلمذ القديس مقاريوس الكبير الذي أسس نظام الجماعات، كما فرح جدًا بأخبار باخوميوس مؤسس نظام الشركة ومدحه... هكذا لم يحمل روح التعصب لنظام معين! رابعًا: عزلته لم تكن ضيقًا وتبرمًا، لذا كان الكل يدهش لبشاشته وتهليله الداخلي، وقد اتسم بصحة جيدة حتى يوم نياحته وكان قد بلغ المائة وخمسة عامًا. خامسًا: قيل أنه كان أميًا لا يعرف القراءة والكتابة، لكنه كان يفحم الفلاسفة اليونان ببساطة قلبه، وقد جذب بعضهم إلى الإيمان. وعندما سأله بعضهم كيف يتعزى وسط الجبال بدون كتاب، قال لهم إن الله يعزيه خلال العقل الذي يسبق الكتابة. قيل إنه سُئل عن عبارة في سفر العبرانيين، فاتجه ببصره نحو البرية، ثم رفع صوته وقال: اللَّهم أرسل موسى يفسر لي معنى هذه الآية، وفي الحال سُمع صوت يتحدث معه، وكما يقول الأب أمونيوس إنهم سمعوا الصوت ولم يفهموه. من كلماته: حياتنا وموتنا هما مع قريبنا، فإن ربحنا قريبنا نربح الله، وإن أعثرنا قريبنا نخطئ ضد المسيح. أحزن البعض أجسادهم بالنسك، وبسبب عدم التمييز فهم بعيدون عن الله. يأتي وقت فيه يصاب البشر بالجنون، فإن رأوا إنسانًا غير مجنون، يهاجمونه، قائلين: أنت مجنون، إنك لست مثلنا. الطاعة مع الزهد يهبان البشر سلطانًا على وحوش البرية. سيرة الأنبا أنطونيوس بقلم القديس أثناسيوس (ترجمة القمص مرقس داود).
استشهدا في القرن الثالث. في سبسطية احتمل الطبيب أنطيخوس Antichus الاستشهاد بفرح، في عهد الملك أدريان، فقد سلم رقبته للسياف سيرياس Cyriac فصار الدم ينزف بفيض. تأثر السياف بمحبة الشهيد وفرحه، وقبِل الإيمان بمسيحه ليسلم نفسه أيضًا للاستشهاد بفرح.
--------------------
انقراطيس الشهيدة
استشهدت في عهد الإمبراطور دقلديانوس، حوالي عام 304م (16 ابريل)، بواسطة الوالي داسيان (داكيان). كان الشاعر الأسباني برودنتيوس يفتخر بأن مدينة ساراجوسًا قدمت للفردوس عددًا من الشهداء، لم تقدمه أي مدينة أسبانية أخرى. وقد ذكر في قصيدة شعرية أحداث استشهاد القديس أوبثاتيوس، وسبعين آخرين شهدوا للسيد المسيح في يوم واحد، ذكرهم بأسمائهم من بينهم الشهيدة أنقراطس التي دعاها "الفتاة المتقدة"، "ذات الروح الفائق"، هذه التي تعرضت للعذابات الشديدة من تجريح في جسدها وتكسير لعظامها ونزع لأظافرها وبتر لثدييها وفتح لبطنها وسحب أحشائها وكبدها، وأخيرًا أُلقيت بهذه البشاعة في السجن وقطعت رأسها لتنال إكليل الاستشهاد.
نشأته وُلد في بلاد الغال (فرنسا)، من عائلة شريفة غنية وثنية، فنال قسطًا وافرًا من الثقافة. أُعجب منذ صباه بالإيمان المسيحي، فدخل في صفوف الموعوظين يستمع كلمات الوعظ، فكان والداه حزينين. إذ نال سر العماد، وشعر والداه أنه ينفق الكثير مما يناله على الفقراء والمحتاجين، أرادا استمالته للوثنية خلال الإغراء، فكانا يقدمان له الثياب الفاخرة ، ويصحبه والده إلى الولائم العالمية والملاهي، أما هو فقد أدرك الحيلة، وفي هدوء كان يقمع جسده ويستعبده خلال الأصوام والصلوات والسهر مختليًا مع عريس نفسه. بهذا لم يخلص فقط من الفخاخ التي كان العدو ينصبها له خلال والديه، وإنما استطاع أيضًا أن يجتذب أخاه فيننسيوس، لينفردا معا في منزل خارج المدينة يمارسون الحياة التقوية النسكية. هروبه من المجد الزمني اجتذبت سيرة الأخين كثير من أهل المدينة، فشعرا بأن المجد الأرضي يلاحقهما، لذا قررا أن يوزعا أموالهما على المحتاجين ويهربا إلى البرية. استشارا الشيخ كابرازيوس الذي كان في موضع أبيهما الروحي فاستحسن رأيهما. انطلق الأخان إلى مرسيليا ليبحرا إلى موضع بعيد بالشرق، وهناك ذاع صيتهما بالأكثر. إذ تنيح فيننسيوس بمدينة ميطون ببلاد الشرق عاد أنوراتوس مع بعض أصدقائه إلى مرسيليا بفرنسا، ومنها إلى حيث قطن على شاطئ البحر. فإذ سمع عنه المؤمنون صاروا يلتفون حوله يطلبون صلواته إرشاداته. خشيّ الأسقف لئلا يترك القديس إيبارشيته، إذ كان يعلم أنه يهرب من المجد الزمني، لذلك سأله إن كان يذهب إلى جزيرة مهجورة تتبع إيبارشيته تدعى ليرين، كان الناس يحسبونها أرضًا ملعونة فهجرها الكل وامتلأت بالأفاعي. في جزيرة ليرين تحولت الجزيرة المهجورة إلى مركز روحي قوي، فقد التف الكثيرون حول القديس يتتلمذون على يديه، ورُسم كاهنًا. بني كنيسة وديرًا لرهبانه الذين تزايدوا جدًا. أسقف آرلي بفرنسا إذ رقد أسقف آرلي اتفقت آراء الإكليروس والشعب على سيامة أنوراتوس أسقفًا عليهم، وكان ذلك عام 426م، بعد أن قضى حوالي 35 عامً بالجزيرة أبًا لكثيرين. اهتم بالفقراء فتحول مسكنه إلى ملجأ لكل محتاج، كما درب شعبه على حب العبادة بروح التقوى. وإذ جاء أقرباؤه يلتفّون حوله عاملهم كغرباء، قائلاً إن إحسان الأسقف لأقربائه هو سرقة لحق الكنيسة والفقراء. إذ حل به مرض شديد شعر أن نهاية أيامه على الأرض قد اقتربت، فصار يحث الأغنياء والمكرمين ألا تبهرهم الكرامة الزمنية ،بل يذكروا غربتهم على الأرض، حاثًا إياهم على الاهتمام بالفقراء، وأخيرًا تنيح عام 429م. تُعيِّد له الكنيسة اليونانية في التاسع عشر من شهر يناير.
وُلد هذا القديس في تورونا Torona بشمال إيطاليا. كان قلبه ملتهبًا بمحبة الله، قدم أمام القضاء متهمًا بالمسيحية، وإذ طُلب منه إنكار الإيمان رفض بقوة. سقط تحت العذابات، وأخيرًا حُكم عليه بالموت بشده على قائمة ليحرق حيًا. بالليل رأى والده في حلم يطلب منه أن ينطلق إلى روما ليجد هناك نجاة، وبالفعل استيقظ ليجد الحراس نيامًا بطريقة غير طبيعية، فهرب بسهولة. في روما التقى بالأسقف القديس ميلياديس. قام الأسقف سيلفستر بسيامته شماسًا، وفي أيام قسطنطين الإمبراطور سيم أسقفًا على تورونا فاهتم بنشر الإيمان بين الوثنيين، وتحويل المعابد الوثنية إلى كنائس بعد أن فرغت من العابدين كما أقام كنائس جديدة.
----------------------
انوسنت الأول
القديس أنوسنت أسقف (بابا) روما، وقد تنيح في 12 مارس 417م. ولد في البانو Albano بالقرب من روما، خلف القديس أناستاسيوس على كرسي روما حوالي عام 401م، وقد أظهر في سنوات أسقفيته الـ 16 حيويّة في العمل، وإن كنا لا نعرف الكثير عن حياته الشخصية. كان في روما حين حاصرها ألارك الغوصي في بدء عام 408م، وقد شاهد شعبه وهو يهلك جوعًا، والجثث الملقاة في الطرق أدت إلى انتشار الوباء. باطلاً جاهد مجلس الشيوخ أن يُقيم معاهدة مقبولة، فقد احتقر ألارك مرسليهم. في 24 أغسطس 410م سقطت روما بواسطة الغنوصيين، وكان القديس في ذلك الوقت في زافينا، وكان يسعى وراء الإمبراطور هونوريوس ليرسل عونًا للمدينة، ويقيم سلامًا مع الغازين بشرائهم بالمال، ولكن إذ فُتحت روما لهم وتحطمت، تركا الغزاة بعد 6 أيام خرابًا وانطلق ألارك ورجاله إلى الجنوب ليغزوا المدن الغنية الحصينة، فعاد القديس يرثي مدينته بمرارة. في عهده دخلت شمال غرب أفريقيا في صراع مع أتباع بيلاجيوس، الذي أراد تأكيد الحرية الإنسانية بطريقة مبالغ فيها، فتجاهل عمل النعمة الإلهية وأنكرها، كما أنكر الخطية الأصلية. وقد جاء رد الفعل في مقاومة القديس أغسطينوس لهم، في تأكيد عمل النعمة بقوة، حتى كاد أن يتجاهل الحرية الإنسانية، وقد كتب أساقفة شمال غرب أفريقيا للأسقف كي يستدعي بيلاجيوس ويحرمه.
هو أول أسقف رسمه القديس مرقس الرسول، والبابا الثاني لكرسي الإسكندرية. كان ابنًا لوالدين وثنيين، وكان يعمل إسكافيًا. وإذ دخل القديس مرقس الإسكندرية وجال في شوارعها تهرأ حذاؤه، فأعطاه لأنيانوس ليصلحه. وإذ كان يغرز فيه المخرز نفذ إلى الجهة الأخرى وجرحه، وصرخ من الألم باليونانية: "إيسثيؤس" أي "يا الله الواحد". للحال أمسك القديس مرقس ترابًا من الأرض وتفل عليه ثم وضعه على الجرح وشفاه باسم السيد المسيح. تعجب أنيانوس من ذلك فبدأ القديس مرقس يبشره بالإله الواحد، فآمن هو وأهل بيته، وتعمدوا باسم الثالوث القدوس والابن والروح القدس. فتح أنيانوس بيته ليضم فيه المؤمنين، وكان ملازمًا تعليم الرسول مرقس. وإذ عزم الرسول أن ينطلق إلى الخمس مدن الغربية أقامه أسقفًا على الإسكندرية عام 64م، فظل يبشر أهلها ويعمدهم سرًا. تحول بيته إلى كنيسة، وبقيّ يخدم حوالي 22 سنة ثم تنيح بسلام في 20 هاتور من سنة 86م، صلاته تكون معنا، آمين.
--------------------
انيستوس أسقف روما
القديس أنيستوس Anicetus St. سرياني الجنس، صار أسقفًا على روما بعد القديس بيوس، حوالي عام 157م، في نهاية حكم الإمبراطور أنطونيوس بيوس. اهتم بمقاومة الهرطقات خاصة التي أثارها فالنتين ومرقيون. التقى به القديس بوليكربس أسقف سميرنا، وتناقشا معًا حول الهرطقات والإيمان المستقيم، كما اجتمعا معًا بسبب تحديد موعد الفصح المسيحي (عيد القيامة المجيد)، وكما يقول يوسابيوس المؤرخ إنهما اختلفا في الرأي لكن دون أن يفقدا رباط الحب بينهما. قيل إنه استشهد أو على الأقل تنيح على أثر العذابات والآلام التي احتملها.
الشهيدة أنيسيا Anysia St. فتاة مسيحية من تسالونيكي، مات والداها وتركا لها ميراثًا ضخمًا، فصادقت الفقراء والمساكين كأحباء تهتم بهم وتسندهم. في حوالي عام 304م إذ كانت الفتاة منطلقة إلى الكنيسة التقى بها أحد الجنود عند بوابة كاسندرا، وإذ أوقفها وصار يسألها عن اسمها وإلى أين هي ذاهبة، أجابته بشجاعة إنها مسيحية ذاهبة للشركة في الصلاة والعبادة. حاول أن يحثها أن تذهب معه تعبد الإله "الشمس" فرفضت، وإذ أمسك بالحجاب ينزعه عن وجهها عاملته بحزم، فاستل سيفه وضربها به في جنبها وتركها في الطريق تسلم الروح بعد ساعات قليلة. أقام أهل تسالونيكي كنيسة تذكارًا لها، ويحتفلون بتذكارها في الثلاثين من ديسمبر. بلا شك أن "أنيسياس أو أنيسيوس Anysius, Anysias" أسقف تسالونيك الذي تنيح حوالي عام 410م أخذ هذا الاسم عند عماده خلال ظروف استشهادها.
في عام 383م ذهب القديسان بولينوس أسقف نولا وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص إلى تسالونيك حيث كان الأسقف انسخوليوس Anascholius قد تنيح حديثًا، وقد اختير تلميذه أنيسيوس خلفًا له عام 383م. وكما سبق فقلنا غالبًا ما أخذ هذا الاسم عند عماده تذكارًا لاستشهاد القديسة أنيسيا. وقد كتب إليه القديس إمبروسيوس قائلاً له إنه سمع عن غيرته الروحية، راجيًا أن يكون خير خلف للأنبا أسخوليوس، متشبهًا بإليشع كخلف لإيليا النبي. المذبحة المحزنة لا يستطيع أحد أن يصور الحزن الذي ملك على قلب هذا الأسقف بسبب المذبحة التي حدثت في تسالونيك، بناء على أمر الإمبراطور ثيؤدوسيوس. أما سبب هذه المذبحة فهو أن بوثيرك Botheric قائد الفرق الملكية في المنطقة والمقيم في تسالونيك، ألقى في السجن سائق المركبة التي تستخدم في الساحة إذ ضُبط محاولاً ارتكاب جريمة مشينة. وإذ حلّ عيد كبير توسلت الجماهير لدى القائد أن يطلق الرجل من أجل العيد، فيفرح الكل ببهجة الموكب، لكن القائد أصر على عدم إخراجه من السجن، وإذ صارت الجماهير تصرخ مطالبة بخروجه استخدم القائد التصلف، ففقدت الجماهير وعيها وأخذت تلقيه هو وبعض رجاله بالحجارة حتى ماتوا. سمع الإمبراطور ثيؤدوسيوس فاغتاظ جدًا، وأمر بأن يجتمع شعب تسالونيك، في الساحة، وصدرت الأوامر للجند ألا يتوقفوا عن القتل حتى يُقتل سبعة آلف نسمة، وكان الجند ينفّذون الأمر بوحشية وعنف. قيل إن أحد التجار كان قد أخذ أولاده إلى المحفل، وصار يتوسل إلى الجند أنه بريء وأن يتركوه من أجل أولاده فأجابوه أنه لا استثناء لأحد، مهما يكن الأمر. قيل أيضًا إن عبدًا رأى سيده في خطر فتقدم أمامه ليقبل ضربة السيف في صدره وينقذه. لام روفينوس كبير العاملين في القصر موقف ثيؤدسيوس هذا بكونه عملاً بربريًا غير لائق، كما سبب هذا الحدث متاعب بين القديس إمبروسيوس والإمبراطور، ولم يسترح الأول حتى قدم الأخير توبة علنية حتى لا يتكرر الأمر. مجمع كابيوا Capua الاقليمي انعقد تحت رئاسة هذا الأب عام 391م لإدانة بونوسيوس Bonosus أسقف سرديكا، الذي أنكر دوام بتولية القديسة مريم، وادعى أنها أنجبت يعقوب وغيره، وقد حكموا بفرزه. صداقته لذهبي الفم قام أيضًا بدور إيجابي في الدفاع عن القديس يوحنا الذهبي الفم، حيث اضطر إلى الذهاب إلى القسطنطينية للدفاع عنه. وقد تنيح عام 410م (30 ديسمبر).
احتلت قصة أهل مغارة أفسس أو ما يسميهم السريان "أهل الكهف" مركزًا خاصًا لدى مؤرخي السريان وأدبائهم، سجلها الكثيرون نثرًا، كما كتبها مار يعقوب السروجي (521م) في قصيدة على الوزن السباعي تقع في أربعة وسبعين بيتًا. ولا يزال بعض السواح إذ يزورون آثار أفسس القديمة، يقصدون بجوار هيكل أرطاميس وكاتدرائية مار يوحنا زيارة كهوف أهل الكهف. في أيام داكيوس إذ تولى داكيوس (ديسيوس) الحكم سنة 250م أثار الاضطهاد ضد المسحيين، وقد زار أفسس وطلب من أشرافها أن يقدموا الذبائح للأوثان، مستخدمًا كل وسائل العنف، حتى سلم الآباء أبنائهم للقتل، وتحاشى الأصدقاء لقاء أصدقائهم لشدة الضيق، إذ كان يُقتل حتى الوثنيين إن لم يدلوا على أماكن المسيحيين، فتحولت المدينة كلها إلى حالة من الرعب. وشى البعض لديه بأن جماعة من الشبان في القصر لا يطيعون أمره، هم مكسيمليانوس ويمليخا ومرتيلوس وديونيسيوس ويؤانس وسرافيون وقسطنطينوس وأنطونيوس. أحضرهم الإمبراطور وسألهم أن يذبحوا للأوثان وإذ رفضوا جردهم من رتبهم وأعطاهم فرصة للتفكير. قام الشبان بتوزيع أموالهم على الفقراء، وانطلقوا سرًا إلى كهف كبير في جبل أنجيلوسOchlon يمارسون العبادة منتظرين لقاءهم الثاني مع الإمبراطور عند عودته، إذ ترك المدينة إلى حين، وكان معهم بعض الدراهم. كان يمليخا يرتدي ثوبًا باليًا، ينزل من حين إلى آخر إلى المدينة ليشتري ما هو ضروري لهم. عاد يمليخا بعد فترة يؤكد لزملائه مدى ما وصلت إليه المدينة من اضطراب بعودة الإمبراطور إليها. استدعى الإمبراطور آباء هؤلاء الشبان وهددهم بالموت، فقالوا له إن الشبان قد سلبوا مالهم وبددوه على الفقراء وأنهم مختفون في كهف في الجبل لا يعرفون إن كانوا أحياء أم أمواتًا. عندئذ أخلى سبيلهم، وأمر أن يُسد باب الكهف بحجارة ليصير لهم قبرًا وهم أحياء. وإذ كان أنتودورس وآوبوس وكيلا الملك مسيحيين مؤمنين سرًا، تشاورا معًا، وكتبا إيمان هؤلاء الشبان على صحائف توضع داخل صندوق نحاس يُختم ويترك عند مدخل الكهف إكرامًا لأجساد القديسين. في أيام ثيؤدوسيوس بن أركاديوس بقيّ الحال هكذا وقد رقد الرجال وصاروا أشبه بمن هم نعاس حتى ملك ثيؤدوسيوس الصغير سنة 408م، وكان رجلاً ورعًا تقيًا. وإذ ظهرت في أيامه بدعة تنكر قيامة الأجساد، اضطرب الملك نفسه وتشكك، فلبس المسوح وافترش الرماد خفية يصرخ إلى الله طالبًا أن ينزع عنه هذه الوساوس. إذ كان راعِ للغنم يود بناء حظيرة بجوار الكهف بدأ رجاله يقلعون الحجارة فنزعوا حجارة باب الكهف، وإذا بالفتية في اليوم التالي يقومون بأمر إلهي لرسالة خاصة، قاموا كمن كانوا في نوم ليلة واحدة. نزل يمليخا إلى المدينة ومعه بعض الفضة ليشتري بعض الضروريات، وكم كانت دهشة إذ رأى علامة الصليب منحوتة على باب المدينة، وقد تغيرت كل ملامح المدينة تمامًا، حتى اختلط الأمر عليه هل كان هو في حلم أم في حقيقة. فقرر أن يشتري خبزًا وينطلق إلى اخوته يتباحث معهم في الأمر. وإذ قدم بعض الدراهم للخباز دهش الرجل إذ وجدها ليست العملة السائدة في أيامه، وظنه أنه وجد كنزًا يرجع إلى أيام داكيوس (ديسيوس). اجتمعت الناس حوله تسأله عن الكنز الملوكي الذي وجده، فكان يشخص إليهم مندهشًا، فحسبوه يخفي الكنز. رآه الكل شابًا غريبًا، فسألوه عن أصله وجنسه، فأجابهم أنه من المدينة وأخبرهم عن أسماء والديه واخوته وعشيرته، وأنه كان يعمل في القصر فحسبوه مجنونًا. هاجت المدينة كلها، وإذ سمع الأسقف ماريس استدعاه، وكان يمليخا يظن أنه سُيقدم لداكيوس ليقتل، وكم كانت دهشته إذ وجد نفسه في كاتدرائية أمام أسقف، وكان قد حضر الوالي أنتوباطس، فأخذ الشاب يروي لهما قصته مع زملائه الشبان، فلم يصدقا شيئًا. عند الكهف انطلق يميلخا ومعه الأسقف وكبار القوم إلى الكهف للتأكد من صدق قوله، وهناك إذ دخلوا الكهف وجدوا الصندوق النحاس وقرأوا الصحائف التي به وتحققوا من الأمر. سمع الملك بذلك فأسرع بالحضور، وجاء يتحقق الأمر وهو يشكر الله الذي أكَد له القيامة عمليًا، وإذ التقى بهم سجد أمامهم وعانقهم وبكى، ثم جلس على التراب فرحًا. أكد له مكسيملياس أن الله قد سمح لهم بذلك من أجل إيمان الكنيسة، ثم رقد الشبان ودفنوا في مواضعهم بعد أن بسط الملك حلته الملوكية على أجسادهم وهو يبكي. أراد الإمبراطور أن يقيم لهم توابيت ذهبية، فظهر له المعترفون في حلم، قائلين له: "إن أجسادنا قد بُعثت من تراب، ولم تبعث من ذهب أو فضة، فدعونا على التراب في نفس موضعنا من الكهف ذاته، لأن الله سيبعثنا من هناك". تُعيِّد لهم الكنيسة السريانية في 24 من شهر تشرين الأول. مار أغناطيوس زكا الأول عيواص: رائحة المسيح الذكية، 1984م، ص 13-33.
لا نعرف الكثير عن حياة هذا الأسقف الذي حسبه القديس أوغسطينوس زينة الكنيسة الجامعة من أجل حياته الفاضلة، وضمه مع القديسين كبريانوس وهيلاري أسقف بواتييه. هو أسقف مدينة Milevis بنوميديا، في شمال أفريقيا، في القرن الرابع. إذ قام الدوناتست في شمال أفر يقيا وولاية صغيرة بإيطاليا يعلنون انقسامهم عن الكنيسة الجامعة، حاسبين أنهم كنيسة الله الواحدة المقدسة، وكل ماعداهم يجب إعادة عماده لينضم إليهم بكونهم قديسين، وقد قام بارمنيان Parmenian أسقف قرطاجنة، بنشر مقال عن مبادئهم، فكان أوبتاتيوس Optatius هو أول كاتب يفند أخطاءهم، حوالي عام 370م، ثم عاد فأضاف إليه أجزاء أخرى عند مراجعته للمقال بعد 15 عامًا. كتب مقاله بغيرة متقدة بطريقة روحية بناءة. في مقاله أكد جامعية الكنيسة في العالم، وانشقاق الدوناتست عن الكنيسة المقدسة. كما تحدث عن علاقة الكنيسة بالدولة، قائلاً إن الكنيسة في الدولة، وليست الدولة في الكنيسة (وإن كان قد انحاز إلى كرسي روما لتبعيته له). تحدث أيضًا عن الخطية الأصلية وضرورة التجديد بالمعمودية، ووصف طقوس القداس الإلهي متحدثًا عنه كذبيحة حقيقية، وعن التوبة وتكريم رفات القدسيين. قام القديس أوغسطينوس بتطوير المقال في تفنيده حجج الدوناتست.
---------------------
اوبليوس الشهيد
استشهد الشهيد أوبليوس St. Euphius في عهد الإمبراطور دقلديانوس في 12 أغسطس 304م،
ذهب إلى فرنسا مع القديس دينيس ليمارسا العمل الكرازي، وإذ أقام في Saintes كأسقف عليها (في القرن الثالث)، ربح كثيرًا من الوثنيين، فطُرد من المدينة، واضطر أن يُقيم في كهف في صخرة مجاورة مكرسًا حياته للعبادة وإرشاد من يقدم إليه. على يديه آمنت اوستلا Eustella ابنة الحاكم الروماني، وإذ اكتشف والدها ذلك ذبحه، وقامت الابنة بدفنه في كهفه (بتلر: 30 ابريل).
-----------------------
اوتيموس الشهيد
ولد هذا القديس بفوة، وإذ فاحت رائحة تقواه في الرب واستقامة حياته سيم قسًا على بلده، فكان يرعى شعب الله ويهتم بتعليمهم وتثبيتهم على الإيمان خاصة وقت الضيق. سمع عنه إريانا والي أنصنا فاستدعاه، وعرض عليه العبادة للأوثان، فلم يذعن لأمره، وإذ عذبه كثيرًا كان الرب يسنده ويقويه. أمر الوالي بحرقه حيًا فنال إكليل الشهادة في 3 بشنس.
جاء في "أعمال الشهداء" الروماني واليوناني أن أوجرفايوس Eugraphius كان خادمًا لشريف بالإسكندرية يُدعى "مينا"، سمع أنه قبل الإيمان المسيحي سرًا وأنه يضم كثير من الوثنيين للإيمان المسيحي، فأرسل إليه أحد كبار رجاله يُدعى هيرموجينس، وإذ تحقق الأمر قدم مينا للمحاكمة، فصار يتكلم أربع ساعات متصلة اجتذبت قلوب الكثيرين. هيرموجينس أمر بثقب قدميه وسحبه منهما، وقطع لسانه، وفقأ عينيه، وإلقائه في السجن. وإذ رآه قد شُفيّ تمامًا آمن وبعض جنوده بالسيد المسيح، وتقدم الكل معًا للاستشهاد، مينا وخادمه وهيرموجنيس وبعض جنوده، وكان ذلك على ما يظن في 10 ديسمبر 308م.
--------------------
اوجين القديس
كلمة "أوجين" أو "أوكين" أو "أفكين" مشتقة من "أفشين" أو "أوشية" وتعني "صلاة". نشأته وُلد القديس أوكين بالقلزم قرب البحر الأحمر، وكان معاصرًا للقديس أنبا أنطونيوس، كان عمله استخراج اللآلئ الثمينة من قاع البحر، وبيعها ليتصدق بأغلب أثمانها على الفقراء. رهبنته عاش يمارس مهنته حوالي 25 عامًا، مارس فيها أعمال محبة ورحمة للفقراء، وإنقاذ السفن بما لديه من خبرة ومهارة في أعمال البحر، بعدها اشتاق إلى الحياة الرهبانية، فجاء إلى أحد أديرة القديس باخوميوس بالصعيد، وأقام بالدير أيامًا قليلة، ثم عاد إلى بلده بالقلزم، ومنها إلى الميصة (ما بين النهرين) ومعه سبعون رجلاً يتتلمذون على يديه. سكن القديس في مغارة قرب مدينة نصيبين، وحوله سكن تلاميذه، ثم أنشأ في نفس الموضع ديرًا أقام فيه مدة 30 عامًا في عبادات حارة وأعمال روحية، فتكاثر عدد تلاميذه حتى بلغوا 350 راهبًا، وكان القديس يعلمهم من الكتب المقدسة ونواميس الرهبنة وحياة الجهاد والعبادة. تعرف مار أوكين على القديس يعقوب الذي صار فيما بعد أسقفًا على نصيبين، وقد تنبأ له بذلك وكان الأخير يستشيره في أمور الإيبارشية. ذاع صيته جدًا ووهبه الله موهبة شفاء المرضى، حتى آمن كثير من الوثنيين على يديه بسبب هذه المعجزات. رقد في الرب وهو شيخ، وقد رأى تلميذه ملاكًا حضر لأخذ روحه. وقد دُفن بديره بمدينة نصيبين، ومازال دير مار أوكين (أو مار أوجين) موجودًا في سفح جبل الأزل المطل على نصيبين، التابع لكنيسة السريان الأرثوذكس. بركة صلواته تمون معنا آمين.
قيل إن أوجينيا أو أوجني هي عذراء رومانية جاءت مع والدها فيليب ووالدتها وأخواتها إلى الإسكندرية، حيث عمل والدها كقاضِ للمدينة من قبل الإمبراطور. إذ تلقت الفتاة تعليمها الفلسفي والأدبي على أيدي فلاسفة إسكندريين مؤمنين، رأت فيهم صورة حية للإيمان المسيحي، فأحبت السيد المسيح واعتمدت سرًا، وإذ سمعت عن العذارى والمتبتلين اشتهت هذه الحياة لتكريس كل قلبها وطاقاتها للعبادة الروحية. خرجت من القصر مع اثنين من الخدم مسيحيين يدعيان بروتس وهيسينس مختفية في زي رجل وانطلقت خارج المدينة تلتقي ببعض النساك كانوا يعيشون في أكواخ منفردة، حيث تتلمذت على يدي أحدهم على أنها شاب خصي محب لله. قيل إن امرأة شريرة اتهمتها بالزنا معها، فاُلقيّ القبض عليها ومثلت أمام والدها القاضي ليحكُم عليها بالموت، وكانت في صراع بين قبولها للموت بفرح وبين خلاص والدها، وقد فضلت الأمر الأخير، فالتقت به على انفراد وكشفت له أمرها، ففرح بها فرحًا شديدًا، وأخذها معه إلى البيت معلنًا إيمانه بالسيد المسيح. قيل إن والدها اعتزل عمله وكَرس حياته للعبادة والخدمة فصار أسقفًا (حسب النص اللاتيني)، وقد استشهد أثناء ممارسته للقداس الإلهي. انطلقت أوجينيا مع والدتها كلوديا وأخواتها إلى روما، وكانوا عاملين في كرم الرب، وسرَ قبول كثير من الوثنيين للإيمان، وقد انتهت حياتهم بالاستشهاد. دُفنت الشهيدة البتول أوجينيا في مقابر Apronian في الطريق لاتينا، بعد ذلك أُقيمت كنيسة باسمها تجددت في القرن الثامن.
يذكر "أعمال الشهداء الروماني" مجموعة من الشهداء الأرمن، غالبًا استشهدوا في عهد الإمبراطور دقلديانوس (13 ديسمبر). في مقدمة هذه المجموعة القديس أوستراتيوس الذي يقدم لنا حوارًا هامًا مع القضاة بخصوص الإيمان المسيحي، مناقشًا عبارات من أفلاطون ومن الأشعار اليونانية. تحمّل هذا القديس الأرمني مع خادمه أوجينيوس وصديقه مارداريوس وأوكسنتيوس عذابات كثيرة من أجل الإيمان، وقد تأثر بهم أحد الجنود يُدعى أورستس الذي آمن واستشهد معهم أيضًا بحرقهم أحياء. أجسادهم نقلت إلى روما، ودفنت في كنيسة القديس أبوليناريس.
------------------
اوخيريوس الأسقف
تنيح عام 449م (16 نوفمبر)، ويعتبر من أشهر رجال كنيسة ليون بفرنسا وأساقفتها بعد القديس إيريناؤس. وُلد في بلاد الغال من أسرة شريفة، وتزوج "غالة" التي أنجبت سالونيوس وفبرانيوس اللذين تَرهبا بدير ليرنز Lerins، وصارا أسقفين. أوخيروس نفسه بعد فترة انسحب إلى ليرنز، وقد دعاه القديس يوحنا كاسيان هو وهونوراتوس - أب دير ليرنز - مثلين لهذا الدير، ونموذجين هامّين للحياة الرهبانية. إذ اشتاق لحياة الوحدة انطلق القديس إلى جزيرة مجاورة، تُدعى حاليًا "سانت مرجريت"، حيث كتب هناك كتابه عن "حياة الوحدة"، يمتدح فيه هذه الحياة، كل من يقرأه يلتهب قلبه بزهد العالم والانطلاق للتكريس لحساب ملكوت الله، مشبهًا الحياة الزمنية كالبرق الذي يضيء، لكن إلى لحظات ليختفي ويتلاشى!. يقول كاسيان عنه أنه أشرق كنجم لامع في العالم بكمال فضيلته، وكنموذج حيَ للتدبير الرهباني بحياته العملية. أخيرًا، أُلزم بترك خلوته إلى ليون، ربما عام 434م، فيظهر كراعِ أمين، متضع في قلبه، غني في فضائله، قوي في عظاته، صاحب معرفة روحية عميقة. بنى كنائس كثيرة ومراكز روحية في ليون أيام أسقفيته. وسط كتاباته توجد رسالة هامة تعتبر مستندًا تاريخيًا لقصة القديس موريس والكتيبة الطيبية.
الأب أور هور غير الأب بيئور، ولا يقِلّ عنه في الشهرة. أحد رهبان نتريا، كان يعيش مع الأب تادرس "ثيودور" تلميذ القديس أمون، غالبًا في قلاية مشتركة، ذكره المؤرخ بالاديوس بعد القديس أمون مباشرة. ولا نعرف كثيرًا عن حياته وإنما وردت بعض أقوال له في الأبوفثجماتا (كتابات وأقوال للآباء الرهبان)، ونجد الأب شيشوي Sisoes كثيرًا ما يسأله كتلميذ يسأل أباه الروحي. تنيح حوالي عام 390م بعد زيارة الراهبة ميلانيا (373-374م) لنتريا، ربما قُبيل مجيء القديس بالاديوس 390م، أو عند مجيئه، إذ قال: "على هذا الجبل – نتريا - عاش راهب اسمه أور، شهدت جماعة الاخوة كلها بفضيلته العظمى، خاصة ميلانيا تلك التي هي [ رجل الله الأنثىFemale man of god ]، والتي جاءت قبلي إلى الجبل. إنني لم أر أور حيًا قط، لكن قيل عنه إنه لم يكذب قط، لم يلعن قط، لم يتكلم إلا عن اضطرار". كما جاء عنه: اعتادوا أن يحكوا لنا عن الأب أور والأب تادرس أنهما إذ كانا يبنيان قلاية من الطين، قال أحدهما: لو جاء اللَّه يفتقدنا الآن، ماذا نفعل؟ وبدموع تركا الطين، ومضى كل واحد منهما إلى قلايته. قال الأب أور لتلميذ بولس: "انتبه يا ولدي ألاّ تأتي بكلام غريب إلى هذه القلاية". توسل الأب شيشوي إلى الأب أور قائلاً: "قُل لي كلمة يا أبتِ". قال له: "وهل تثق بي؟" قال: "نعم". قال له: "اذهب واعمل ما تراني أعمله أنا". فقال له: "وماذا أرى فيه يا أبتِ". قال له الشيخ: "إن فكري دون جميع الناس". قال الأب أور: "الاتضاع هو إكليل الراهب". وقال أيضًا: "في كل تجربة لا تلم أحدًا، بل نفسك فقط، قائلاً: "إن هذه أصابتني بسبب خطاياي".
يرى البعض أنه أول أسقف سيم في الصعيد. كان عالمًا في الفلك بمدينة أخميم، لاحظ ما طرأ على الطبيعة في وقت الصلب، فصار يدرس هذه الظاهرة مثل ديوناسيوس الأريوباغي، فآمن بأن الطبيعة تشهد لربها. التقى بإنيانوس أسقف الإسكندرية الذي سامه القديس مرقس الرسول، فتحقق من صدق دراسته، واعتنق المسيحية، وصار يكرز بها بين الوثنيين، فسامه إنيانوس كأول أسقف على أخميم.
---------------------
اوربان الأسقف الشهيد
روماني المولد، سيم أسقفًا (بابا) على روما بعد القديس كالكستوس الأول، عام 223م. في عهد الإمبراطور الكسندروس وأمه ماميا، كانت الكنيسة بوجه عام تتمتع براحة، لكن بعض الحكام والولاة كانوا يمارسون الاضطهاد ضد المسيحيين. استٌدعيَ الأسقف مع كاهنين وثلاثة شمامسة، وكان الجميع مختفيًا في سرداب، ووقفوا أمام والي المدينة ترسوس الماخوسي، ووجهت إلى الأسقف عدة اتهامات باطلة. ضُرب وألقي في السجن، فحوّل السجان أنولينوس إلى الإيمان، ثم حُكم عليه بقطع رأسه في 25 مايو 230م.