د.محمد العريان يكتب لـ«هافنجتون بوست»: الإخوان هدَّدوا النسيج الاجتماعى ووضعوا البلد على شفا حرب أهلية
محمد العريان
- محمود حسام
نشر: 8/7/2013 4:16 ص – تحديث 8/7/2013 4:16 ص
بعد مرور أسبوع تقريبًا على الثورة الشعبية الأخيرة فى مصر، التى ظهرت رسميًّا على شاشات التليفزيون فى أنحاء العالم فى 30 يونيو مع خروج الملايين إلى الشوارع للتعبير عن إحباطهم وسعيهم للتغيير، تسابق المعلِّقون فى محاولة الوصول إلى الحقائق على الأرض، وقد ظهر عديد من المسائل المحيِّرة والصادمة.
والآراء المتضاربة حول ما يحدث تؤجج الخلافات والمصادمات داخل مصر، وتثير مناقشات ومخاوف قوية فى الخارج. كما أنها تؤثر كذلك على إطار المفاوضات المستقبلية وجهود المصالحة الوطنية المهمة. وفضلا عن هذا، فقد يكون هناك تبعات يمكن أن تؤثر على تدفق الأموال على مصر.
الارتباك والمخاوف تزداد حدتها مع صور الخسائر المأساوية فى الأرواح والعنف فى الشوارع الذى يهيمن على الأخبار، وفى واقع سريع التقلب والتغير فإن الغضب هائل، وهناك مخاوف جدية من أن يُساء فهم الوضع.
ومن المهم أن نكون واضحين بشأن بعض الأمور التى حدثت فى البلد فى السابق، وهنا أربعة عوامل قد تكون ذات صلة قوية بما يحدث فى مصر الآن.
أولًا: ثورة مصر غير المكتملة: الثورة الشعبية الأولى التى أطاحت بحسنى مبارك قبل عامين ونصف، ثبت عدم اكتمالها بما يكفى لوضع مصر بقوة على مسار يحقق أهداف الثورة المشروعة وهى «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية».
حاولت الأحزاب السياسية أن تنظم نفسها، ولم يكن أمام كثير منها وقت وقدرة تنظيمية، فقد كانوا يبدؤون من الصفر. وترتيب الأعمدة الأساسية لعملية انتقال ديمقراطى ناجحة، وهو دستور قوى وانتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة، أسيئت إدارته.
وبعض جنرالات الجيش أعطوا الانطباع بأنهم من الممكن أن يكونوا مهتمين بما هو أكثر من مجرد الحكم الانتقالى. وعلى هذا النحو، أدَّت المرحلة الأولى تحت قيادة المجلس العسكرى، وإن كانت تبعث على التفاؤل فى البداية، أدت إلى الإحباط.
ثانيًا: أوضاع فوضية فى البداية: كان الغضب من المؤسسات والنظام الاقتصادى هو المحرك لثورة يناير 2011، فقد كانت هذه المؤسسات خاضعة لحفنة ممن يتمتعون بامتيازات، بدلا من أن تخدم البلد ككل. وهذه مشكلات طويلة الأمد وراسخة، وكان من المحتوم أن تجد مصر الجديدة نفسها مرتبكة أمام كل التحديات الناجمة عن ذلك، سواء فى الماضى أو فى الحاضر أو فى المستقبل. الحلول القوية لهذه التحديات موجودة بالتفصيل، وهى حلول مركَّبة وتتطلب تركيزا على مدار عدة سنوات، ومعرفة متخصصة ويد تدير. تصبح الأمور أكثر تداخلا فى السياق العالمى المضطرب الذى يتضمن أزمة ديون وركود فى أوروبا ونمو متواضع واستقطاب سياسى غير معهود فى الولايات المتحدة.
ثالثا: زيادة حدة الصعوبات: تسببت الإدارة الاقتصادية والسياسية المتواضعة لمرسى وكذلك استحواذه على السلطة بخاصة بعد استيلائه فى نوفمبر الماضى على صلاحيات قانونية إضافية، تسببت فى تعقيد التحديات التى تواجهها مصر فى رحلتها الصعبة نحو نظام ديمقراطى فعَّال وقابل للاستمرار. كما أن سوء الإدارة هذا ضاعف الإحباط لدى معظم المواطنين، فقد أصبح النظام الأمنى الداخلى مشكلة مستمرة، والشعور بعدم الأمان الشخصى بلغ فى معظم الأحيان مستويات لا تُطاق. وبعد أن انتظر المصريون كل هذه المدة والنضال الصعب من أجل الثورة، لم يكن لدى الغالبية الكاسحة من المصريين استعداد لأن يقفوا مكتوفى الأيدى وهم يرون مستقبل بلادهم الواعد يتبخر سريعًا.
رابعًا: الرقابة والتوازنات الضعيفة بين المؤسسات والرغبة المحدودة لدى الرئاسة فى تصحيح المسار، فالديمقراطيات الناضجة لديها آلية راسخة لتعرُّف المشكلات والتغيرات ذات الصلة فى الوقت المناسب، لكن عملية الانتقال السياسى الناشئة وغير المكتملة فى مصر كانت تفتقر إلى هذا الأمر. كانت النتيجة فى الانسداد السياسى الذى ظهر الأسبوع الماضى، بين انتفاضة شعبية سلمية ورئيس منتخب ديمقراطيًّا لكنه يتشبث بالسلطة رغم تآكل شعبيته بشكل واضح.
ومع شعور كل طرف بأنه يملك الشرعية، لم يكن أى منهما مستعدًّا للتراجع، بل حقيقة الأمر أن كِلَيهما زاد التحدى بالتصريحات القوية. تسبب كل هذا فى تحجيم الأفق أمام تصحيح المسار أو المصالحة الوطنية، وأدى إلى مزيج قابل للانفجار، مع احتمال مرعب بأن تتحول المواجهات فى الشارع إلى صراع أهلى على نطاق أوسع.
هذه العوامل الأربعة وضعت العملية السياسية بعيدًا تمامًا عن متناول أى مبادرة، فقد وضعت ضغوطًا هائلة على النسيج المجتمعى، ووضعت أصدقاء البلد وحلفاءه أمام أمور مزعجة، هى تحديدًا:
أن مرسى فقد الدعم الشعبى والشرعية تمامًا، لكنه رفض أن يتنازل عن السلطة أو يدعو إلى انتخابات مبكرة، والملايين من المصريين فى الشوارع فقدوا كل ما لديهم من صبر وثقة مما جعل المسار نحو انتخابات وفقا لما هو مقرر لها بعد 3 سنوات مسارًا شديد التقلب والخطورة. الحركة المناهضة لمرسى لم تكن الوحيدة الموجودة فى الشارع، فأنصار الرئيس «المعزول» كانوا موجودين أيضًا، مما يزيد من احتمالية وقوع خسائر بشرية كبيرة، كما أن الاقتصاد يعانى بالفعل وكان على شفا الانهيار، مما يهدِّد البلد بزيادة حجم البطالة على ما هو عليه، وزيادة التضخم وانتشار الفقر وأزمة الاحتياطى النقدى واندلاع أعمال تخريب واسعة. ولم يكن يتصور أى طرف خارجى أن يلعب دور الوسيط بنجاح، بل كان هناك جانب سلبى لأى شىء يمكن تفسيره على أنه تدخُّل خارجى. وهنا كان الجيش المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على لعب دور الحكم، لكن بعد أن انكوى الجيش بنار المرحلة الانتقالية الأولى، فإن جنرالاته كانوا مترددين فى التدخل لعدة أسباب، من بينها احتمال وقوع اضطرابات داخلية، كما أدركوا خطورة إساءة تفسير دوافعهم.
ذهب البعض، ومن بينهم عديد من المراقبين فى الخارج، إلى وصف ما حدث بأنه «انقلاب»، لكن تدخل الجيش جاء بدعم أغلبية المصريين إن لم يكن جميعهم، كما حظى بدعم كل ألوان الطيف السياسى تقريبا عدا الإخوان. لهذا أيضا يتذمر كثير من المصريين بصوت مرتفع عندما يسمعون أى إشارة إلى ما حدث على أنه «انقلاب».
بالنسبة إلى جموع المصريين، كان تدخُّل الجيش ضروريًّا لتقليل خطر وقوع خسائر بشرية كبيرة وعنف مدمِّر، وكان مطلوبًا لإعطاء الوقت للبلد للمّ الشمل ووضع الأساس لمستقبل أفضل.
لكن لا يكُن لديكم أى شك، فالمصريون شعب شديد الواقعية. لقد تغلبوا على الخوف الذى سجنهم طويلًا، لكنهم لم يصلوا بعدُ إلى معادلة وطنية جديدة. هم متيقظون جدًّا للتغلب على الاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية وعدم الكفاءة الاقتصادية، وهؤلاء لن يترددوا فى العودة إلى الشوارع بالملايين لو كان لدى الجيش أى طموحات تتجاوز مساعدتهم على أن يضغطوا معًا على زر إعادة البدء للثورة وأهدافها المشروعة.