شُبهات وهميَّة حول الكتاب المقدس - الدكتور القس منيس عبد النور

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول نبوَّة حجي
اعتراض على حجي 1:2 - من أوقف العمل في بناء الهيكل؟
انظر تعليقنا على عزرا 4:23
اعتراض على حجي 1:15 - موعد بناء الهيكل
انظر تعليقنا على عزرا 3:8-13
قال المعترض: «ورد في حجي 2:7 «وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً. قال رب الجنود». فما هو المراد «بمشتهى كل الأمم«؟ أليس هو الشخص المحمود؟».
وللرد نقول: ليس كل ما يُتصرف من كلمة «حَمَد« يشير إلى شخص، فقد وردت الكلمة عينها «حمداه« في نبوَّة دانيال 11:37 بمعنى «شهوة النساء« وجاءت في حزقيال 24:16 «شهوة عينيك« إشارة إلى زوجة حزقيال. وعليه فلا دليل منطقي يترتَّب على كلمة يُشتَق منها ألفاظ ذات معانٍ مختلفة.
والمحتَمل أن معنى«مشتهى« إما أن يكون (1) الذهب والفضة المذكورة في عدد 8، أو (2) اختيار كل الأمم الذي يدعوه الرسول بولس «اختيار النعمة« (رومية 11:5) الذين منهم تألفت الكنيسة المسيحية، أو (3) المسيح نفسه الذي جاء إلى هيكله، ومن أورشليم أفاض على كل الأمم سلاماً بواسطة ذبيحة نفسه التي قدمها كفارة عن خطايا العالم (حجي 2:9 وملاخي 3:3 ومتى 12:6 و41 و42 ولوقا 24:36 ويوحنا 14:27 و16:33 و20:19 و21 و26).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول نبوَّة زكريا
قال المعترض: «ما جاء في زكريا 11:12 و13 قال عنه البشير متى في أصحاح 27:9 إنه من كتابة إرميا. وهذا خطأ».
وللرد نقول: (1) كان بنو إسرائيل يقسمون العهد القديم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: القسم الأول شريعة موسى ويسمونه «الشريعة». والقسم الثاني يسمونه «الأنبياء« وأوله نبوَّة إرميا. والقسم الثالث المزامير ويسمونه «المزامير». وهذا ما نجده في لوقا 24:44 في قول المسيح: «لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى، والأنبياء، والمزامير». ولما كانت نبوَّة زكريا ضمن كتاب «الأنبياء« الذي أوله إرميا، فقد نسب البشير متى نبوَّة زكريا إلى النبي إرميا، باعتبار أنها جزء منه.
(2) يشير البشير متى إلى نبوَّة تنبّأ بها النبيان إرميا وزكريا، فأوردها مشيراً إلى مصدر واحد هو إرميا. فقد اشترى إرميا حقلاً ومنه حقل الفخاري (إرميا 19 و32) ويذكر زكريا الثلاثين من الفضة وإلقاءها. وقد صار الوادي المذكور في إرميا مقبرة للغرباء كما قال البشير متى في أصحاح 27 من بشارته.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول نبوَّة ملاخي
قال المعترض: «جاء في ملاخي 1:2 و3 «أحببت يعقوب وأبغضت عيسو، وجعلت جباله خراباً«. فهل يكره الله؟ ولماذا يحب يعقوب ويبغض أخاه عيسو؟«.
وللرد نقول: (1) ليس وجه العجب أن الله أبغض عيسو، بل أنه أحب يعقوب! إن ما يذهلنا هو محبة الله للخاطئ الذي لا يستحق إلا الهلاك والموت، ولكنه لا يستحق أية محبة. ومحبة الله للخاطئ هي من نعمته وحدها، بلا استحقاق في الخاطئ. لقد كان عيسو مستحقاً للعقوبة الإلهية، ولم يكن يعقوب مستحقاً للنعمة الإلهية.
(2) كلمة «أبغضت« في الكتاب المقدس لا تعني الكراهية كما نفهمها اليوم، بل المقصود بها «محبة أقل». فإذا تأملنا القرينة وجدنا البغضة والمحبة لا يختصان بشخص يعقوب وعيسو، بل بالبلاد التي سكنها نسلهما، فقد كان نصيب يعقوب أرضاً خصبة، ونصيب عيسو صحراء قاحلة. وإذا قرأنا تثنية 21:5 وجدنا محبة الله لسبط لاوي أكثر لأنه اختارهم ليخدموه. ولا يعني هذا بغضة (بمعنى كراهية) لسائر الأسباط، بل يعني محبة أكثر لسبط لاوي. وجاء في أمثال 13:24 «من يمنع عصاه يمقت ابنه، ومن أحبه يطلب له التأديب». وهذا يعني أن الأب المحب هو الذي يربي ولده، أما من «يحبه أقل« فهو الذي يترك له الحبل على الغارب!
(3) ندرك من العهد الجديد أن الله يحب الخاطئ، لكنه يكره أفعاله، فقد قال الله في رؤيا 2:6 إنه يكره أعمال النُّقولاويين، لكنه يحب النُّقُولاويين أنفسهم، ويريد توبتهم، »وهو لا يشاء أن يهلك أُناسٌ، بل أن يُقبِل الجميع إلى التوبة« (2بطرس 3:9).
قال المعترض: «جاء في ملاخي 3:1 «هأنذا أرسل ملاكي فيهيّئ الطريق أمامي« وفي متى 11:1 «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيّئ الطريق قدَّامك». وهذا يبرهن أن تلاعباً جرى في النص».
وللرد نقول: كلمة »أمامي« في العبرية هي «ليفاناي« وأمامك هي «لفنيخا« بفارق حرف الخاء. وهناك قراءة تقول «أمامي« في ملاخي وقراءة أخرى تقول «أمامك». والمعنى أن الرسول الذي سيسبق المسيح سيهيئ ويجهز الطريق أمامه، سواء كان المتكلم هو الله الآب (كما يقول متى) أو كان المسيح نفسه هو المتكلم (كما في ملاخي). وعدم تغيير هذا الحرف الواحد، يدل على أمانة النسّاخ، فلم يكن خافياً على ناسخ إنجيل متى ما جاء في نبوَّة ملاخي.
قال المعترض: «جاء في ملاخي 4:5 و6 «هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب العظيم والمخوف، فيردّ قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم». وقد أيّد متى 11:14 أن هذه نبوَّة عن يوحنا المعمدان. غير أن يوحنا المعمدان نفسه قال في يوحنا 1:21 إنه ليس النبي إيليا».
وللرد نقول: لم يكن يوحنا المعمدان هو النبي إيليا بنفسه، لكنه تقدم أمام المسيح «بروح إيليا وقوته« كما جاء في لوقا 1:17، وذلك ليرد قلوب الآباء والعصاة إلى فكر الأبرار، لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً. فالمقصود في نبوَّة ملاخي رجلاً يشبه إيليا هو يوحنا المعمدان. ووجه الشبه بين إيليا ويوحنا هو الغيرة والشجاعة، وتوبيخ الخطاة والشرفاء والأدنياء، وهداية الضالين إلى سبل الحق. وهذا تفسير السيد المسيح، فقال عن يوحنا إنه إيليا، لأنه يحمل روحه وقوته ووظيفته. أما يوحنا فأنكر أنه إيليا حقيقة، وتواضعاً منه لم يقل إنه يحمل روح إيليا وقوته. فجاء مَدْح يوحنا من المسيح، ولم يمدح يوحنا نفسه.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهمية حول إنجيل متى
قال المعترض: »كُتب إنجيل متى باللغة العبرانية، وفُقد بسبب تحريف الفرق المسيحية. والموجود الآن ترجمته، ولا نعلم اسم مترجمه«.
وللرد نقول: ليس هناك ما يعيب إنجيل متى لو أنه كُتب أولاً بالعبرية ثم تُرجم لليونانية، فالكتب المقدسة الموحى بها من الله لا تضيع معانيها ولا طلاوتها إذا تُرجمت إلى اللغات الأخرى. ولو سلّمنا جدلاً أن هذا الإنجيل كُتب باللغة العبرية لقلنا إن الرسول كتبه باللغة اليونانية أيضاً، فكان موجوداً باللغتين اليونانية والعبرية معاً.
والأغلب أن فكرة كتابة متى لإنجيله باللغة العبرية جاءت نتيجة ما اقتبسه المؤرخ يوسابيوس عن بابياس أسقف هيرابوليس سنة 116م قال: »كتب متى إنجيله باللغة العبرية، وكان إنجيل متى متداولاً بين الناس باللغة اليونانية«.
ولكننا نعتقد أنه كُتب باللغة اليونانية للأسباب التالية:
(1) لأنها اللغة المتداولة والمعروفة في عصر المسيح ورسله. ولما كانت غاية الله إعلان مشيئته، أوحى بها باللغة المتداولة. وقد كتب جميع الرسل الأناجيل والرسائل باللغة اليونانية.
(2) كان متى يعرف اليونانية، فقد شغل وظيفة عشار قبل اتِّباعه للمسيح، وما كان يمكن أن يؤدي واجبات وظيفته لدى الرومان بدون معرفتها.
(3) من يتتبَّع العبارات التي استشهد بها متى مِنْ كتب العهد القديم يجدها مأخوذة من الترجمة السبعينية (وهي الترجمة من العبرية إلى اليونانية)، وفيها اختلاف في اللفظ (لا في المعنى) عن الأصل العبري. فلو كان متّى كتَب أصلاً باللغة العبرية لَجاَءَت الآيات الواردة فيه كما جاءت حرفياً في التوراة العبرية.
(4) يوجد توافق في كثير من عبارات إنجيل متى وعبارات باقي الأناجيل. ولو جاء بغير هذه اللغة لما وُجد هذا التوافق.
(5) قال إيريناوس (سنة 178م) إن متى نشر إنجيلاً بين العبرانيين بلغتهم، مما يعني أنه زيادة على إنجيله باللغة اليونانية، نشره بالعبرية لفائدة الناطقين بها. وقال أوريجانوس (سنة 230م): »بلغني من التقاليد المأثورة عن الأربعة الأناجيل التي تتمسك بها كل الكنائس تحت السماء، أن الإنجيل الأول وحيٌ لمتّى الذي كان عشاراً وبعد ذلك صار رسولاً ليسوع المسيح، الذي نشره للمؤمنين في اليهودية بأحرف عبرية«. فهذه الشهادة تدل على أن إنجيله كان باللغة اليونانية لفائدة جميع المسيحيين، ثم نشره بالعبرية لفائدة اليهود.
قال المعترض: »لا يوجد سندٌ متَّصل لإنجيل متى«.
وللرد نقول: أشار برنابا (الذي كان رفيقاً لبولس) إلى إنجيل متى في رسالته سبع مرات، واستشهد به أغناطيوس سنة 107م في رسائله سبع مرات، فذكر حَبَل العذراء مريم، وظهور النجم الذي أعلن تجسُّد المسيح. وكان إغناطيوس معاصراً للرسل، وعاش بعد يوحنا الرسول نحو سبع سنين، فشهادته من أقوى البيانات على صحة إنجيل متى. واستشهد بوليكاربوس (تلميذ يوحنا الرسول) بهذا الإنجيل في رسالته خمس مرات، وكان هذا الإنجيل منتشراً في زمن بابياس (أسقف هيرابوليس) الذي شاهد يوحنا الرسول. كما شهد كثير من العلماء المسيحيين الذين نبغوا في القرن الأول بأن هذا الإنجيل هو لمتى، واستشهدوا بأقواله الإلهية.
وفي القرن الثاني ألّف تتيانوس كتاب »اتفاق الأناجيل الأربعة« وتكلم عنه هيجسيبوس (من علماء المسيحية النابغين في سنة 173م)، وكتب تاريخاً عن الكنيسة ذكر فيه ما فعله هيرودس حسب ما ورد في إنجيل متى، وكثيراً ما استشهد به جستن الشهيد (الذي نبغ في سنة 140م)، وذكر في مؤلفاته الآيات التي استشهد بها متى من نبوات إشعياء وميخا وإرميا. وقِسْ على ذلك مؤلفات إيريناوس وأثيناغورس وثاوفيلس الأنطاكي وأكليمندس الإسكندري الذي نبغ في سنة 164م وغيرهم.
وفي القرن الثالث تكلم عليه ترتليان وأمونيوس مؤلف »اتفاق البشيرين« ويوليوس وأوريجانوس واستشهدوا بأقواله.. وفي القرن الرابع اشتبه فستوس في نسبة هذا الإنجيل لمتَّى بسبب القول: »وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنساناً عند مكان الجباية اسمه متى، فقال له: اتبعني. فقام وتبعه« (متى 9:9). فقال فستوس: »كان يجب أن يكون الكلام بصيغة المتكلم«. ونسي أن هذه الطريقة كانت جارية عند القدماء. فموسى كان يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب، وكذا المسيح ورسله، وزينوفون وقيصر ويوسيفوس في مؤلفاتهم، ولم يشكّ أحدٌ في أن هذه الكتب هي كتبهم. وفي القرن الرابع زاد هذا الإنجيل انتشاراً في أنحاء الدنيا.
قال المعترض: »قال نورتون إن الأصحاحين 1 و2 من إنجيل متى ليسا منه«
وللرد نقول: أنكر الذين لا يؤمنون أن المسيح وُلد من مريم العذراء بطريقة معجزية هذين الأصحاحين، لأنهما يشتملان على نسَب المسيح حسب الجسد، واتخاذه الجسد من مريم العذراء بطريقة معجزية. وإليك الأدلة التي تبرهن ارتباط الأصحاحين الأوَّلين من متى بباقي الإنجيل:
(1) يدل أول أصحاح 3 على أنه ليس بدء كلام، بل هو متصل بكلام سابق. كما أن متى استشهد في أصحاحي 1و 2 بالنبوات، وهو أسلوبه المعهود. فإذا قيل إن إنجيله خالٍ من نسَب المسيح كان ذلك نقصاً، لأنه كتب للمسيحيين من أصل يهودي، وكلام الله منزّه عن النقص.
(2) جاء أصحاحا 1 و2 في جميع النسخ القديمة بدون استثناء.
(3) تكلم علماء الدين الأقدمون عن هذين الأصحاحين، فتكلم أكليمندس الإسكندري (سنة 194م) عن نسَب المسيح المذكور في متى 1 ولوقا 3. واقتبس هيجسيبوس (سنة 173م) عبارة من يوسابيوس إن الإمبراطور دومتيان فتش عن ذرية داود، فأُحضر أمامه اثنان منهم. ثم قال المؤرخ: »لأنه (دومتيان) خاف من مجيء المسيح كما خاف هيرودس قبله«. وهذا ما جاء في متى 2. وذكر يوستين الشهيد (سنة 140م) كل الحوادث المذكورة في هذين الأصحاحين، بل ذكر ذات عبارات البشير. وقال إغناطيوس (سنة 107م) في رسالته إلى أهل أفسس: »وُلد المسيح بمعجزة من مريم العذراء«. وذكر ظهور النجم الذي دلَّ على مولده. ولا يخفى أن إغناطيوس تُوفي بعد البشير يوحنا بست سنين، فشهادته لها منزلة رفيعة عند العلماء. وهناك شهادات إيريناوس وباقي الآباء الذين أتوا بعد ذلك. كما أن هناك شهادات أعداء المسيحية، ومنهم الإمبراطور يوليان الذي كان في منتصف القرن الرابع، وبوقيري الذي كان في القرن الثالث. ومع أن مؤلفاتهم فُقدت، إلا أن أئمة الدين المسيحي ذكروا اعتراضاتهم في أثناء الرد عليها، وأشاروا إلى ميلاد المسيح كما هو مذكور في متى 1 و2، وبرهنوا صحة كل حادثة ذُكرت في هذين الأصحاحين.
شبهات وهمية على سلسلة نسب المسيح
متى 1:1-17
قبل أن نورد سلسلة اعتراضات المعترضين على سلسلة نسب المسيح، نقدم الملاحظات العامة التالية:
أولاً: انظر تعليقنا على لوقا 3:23-38
(1) كان اليهود مولعين بسلسلة أنسابهم ولعاً كبيراً، ليثبتوا أنهم من شعب الله المختار، فيكون لهم الحق في وراثة الأرض. وكان لا بد للكاهن أن يبرهن أنه من سبط لاوي قبل أن يتولى وظيفة الكهنوت. وبلغ من شدة تدقيقهم أنهم احتفظوا بسلسلة كاملة مكتوبة لأنسابهم، ورفضوا كل من لم يجدوا اسمه مكتوباً فيها (عزرا 2:62). ومن هذا يتضح أنه لو كان هناك أي خطأ في سلسلة نسب المسيح كما ذكرها متى ولوقا، لهاجمها اليهود منذ القرن المسيحي الأول، لأن المسيحيين لم يكتفوا بأن ينسبوا للمسيح كهنوتاً، ولا منحوه أرضاً، لكنهم قالوا إنه المسيح مخلِّص العالم المنتظَر. ولو كان هناك أي خطأ في سلسلة نسب المسيح لهبَّ اليهود لكشفه فوراً. وهذه النقطة من أقوى البراهين على أن سلسلة نسب المسيح في متى ولوقا، كما هي عندنا، صحيحة تماماً. فالصَّمت عن المهاجمة دليل الصحّة.
(2) هناك حقيقة تحيّر القارئ اليوم، ولكنها كانت عادية للغاية عند اليهود، وهي أن الشخص الواحد كان يمكن أن يحمل اسم أبوين، وينتمي إلى سبطين، أحدهما بالميلاد الطبيعي، والثاني بالمصاهرة. فقد كان اليهود أحياناً ينسبون الرجل لوالد زوجته. ونجد هذا في أماكن كثيرة في العهد القديم، فيقول: »ومن بني الكهنة، بنو حبايا، بنو هقّوص، بنو برزلاي الذي أخذ امرأة من بنات برزلاّي الجلعادي، وتسمَّى باسمهم« (عزرا 2:61 قارن نحميا 7:63). وحدث الأمر نفسه مع يائير بن حصرون الذي تزوج من ابنة ماكير أحد رؤساء منسّى، فسمُّوه يائير بن منسّى (1أخبار 2:21 و22 و7:14 قارن العدد 32:40). وقارئ اليوم يتحيَّر في ذلك، ولكن قارئ التوراة من اليهود لم يكن يجد في ذلك ما يحيّر، لأنه يعرف عادات قومه. وعلى المعترض اليوم أن يدرس ويتروَّى قبل أن يهاجم ويعترض.
(3) رجع البشير متى بتسلسل المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وقسم سلسلة النسب إلى ثلاثة أقسام، يحتوي كل قسم منها على 14 اسماً. والأقسام الثلاثة هي للآباء، ثم الملوك، ثم نسل الملوك. واعتبر البشير متى أن داود واحد من الآباء، كما اعتبره واحداً من الملوك. ونسَبَ متى المسيح إلى إبراهيم، لأنه كتب إنجيله لليهود.
أما البشير لوقا فقد رجع بتسلسل المسيح إلى العذراء مريم، وقال إن يوسف هو ابن هالي، والد مريم (لوقا 3:23). فأطلق على يوسف اسم والد زوجته. ونسَبَ لوقا المسيح إلى آدم، فالله. وقال لوقا إن المسيح على »ما كان يُظنّ« ابن يوسف خطيب مريم العذراء.
(4) لم تكن هناك مشكلة بالمرة للمؤرخ اليهودي أن يُسقط بعض الأسماء من سلسلة النسب، دون أن يمسّ الإغفال تسلسُل النسَب. لذلك أسقط متى أسماء ثلاثة ملوك من سلسلة نسبه، بين يورام وعزيا، هم أخزيا ويوآش وأمصيا، وهكذا فعل عزرا في سفره (عزرا 7:1-5). .
(5) سلسلة النسَب كما نراها في متى ولوقا تخدم الهدف الذي لأجله كُتب الإنجيلان، فهي ترينا أن المسيح هو نسل المرأة، الموعود به في تكوين 3:15، وهو يحوي أسماء: ثامار الفلسطينية، وراحاب الأمورية، وراعوث الموآبية، ومريم العذراء اليهودية. فالمسيح »ابن الإنسان« و»نسل المرأة« ينتمي للبشر جميعاً، وهو مخلّص الجميع. ومن جدود المسيح ملوكٌ ورعاة غنم وساكنو خيام، فهو »ابن آدم« الذي يريد الجميع يخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبِلون.
قال المعترض: »ورد في متى 1:11 »ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبي بابل«. في هذه الآية ثلاث مشاكل: (1) لم يكن يوشيا أب يكنيا، بل كان جدّه (كما في 1أخبار 3:15 و16) وأولاد يوشيا هم يوحنان ويهوياقيم وصدقيا وشلوم، وابنا يهوياقيم يكنيا وصدقيا. (2) لم يكن ليكنيا إخوة، أو بالحري لم تُذكر له إخوة. (3) مات يوشيا قبل سبي بابل بعشرين سنة، فلا يمكن أن يكون يكنيا وإخوته قد وُلدوا عند سبي بابل«.
وللرد نقول: تزول كل هذه المشاكل بالقراءة التي وُجدت في نُسخ كثيرة بخط اليد، وهي قراءة باللغة اليونانية تقول: »ويوشيا ولد يهوياقيم (أو يواقيم). ويواقيم ولد يكنيا (انظر قراءات كريسباغ)، فإن يوشيا كان أبا يهوياقيم (الذي يُسمَّى أيضاً ألياقيم ويواقيم). وإخوته يوحانان وصدقيا وشلوم (1أخبار 3:15). ويواقيم كان أبا يكنيا عند سبي بابل الأول، لأن بني إسرائيل سُبُوا ثلاث مرات إلى بابل: أول سبي في السنة الرابعة من حكم يواقيم بن يوشيا في سنة 589 ق.م عندما استولى نبوخذنصر على أورشليم وسبى كثيرين وأتى بهم إلى بابل. وحدث السبي الثاني في عهد يكنيا بن يواقيم، فانه بعد أن حكم ثلاثة أشهر سُبي سنة 579 وحُمل إلى بابل مع كثير من وجهاء إسرائيل. وحدث السبي الثالث في حكم صدقيا سنة 586 ق.م. ولهذا يجب قراءة الآية 11 هكذا: »يوشيا ولد يواقيم وإخوته، ويواقيم ولد يكنيا عند سبي بابل الأول، ويكنيا ولد شألتئيل بعد سبي بابل«. والقرينة الدالة على صحة القراءة المتقدمة المذكورة قول متى »14 جيلاً«. فإنه لا يصح أن يذكر 41 جيلاً ويقول إنها 42. وهاك جدولاً ببيان الأربعة عشر جيلاً أو الاثنين والأربعين جيلاً :



ولعل القارئ الكريم يرى أن استشكال المعنى على المعترض سببه التقديم والتأخير.
ويمكن أن نقول إن البشير متى حذف يهوياقيم لأنه كان آلة في يد ملك مصر (كما في 2أخبار 36:4) ولأنه مثل يوآش لم يُدفَن في قبور الملوك بل سُحِب كحمار وطُرح بعيداً عن أسوار أورشليم (إرميا 22:19 و36:30). ويجوز أن نقول إن يوشيا ولد يكنيا لأنه جدُّه.
قال المعترض: »الزمان من يهوذا إلى سلمون قريب من 300 سنة، ومن سلمون إلى داود 400 سنة. وكتب متى في الزمان الأول سبعة أجيال، وفي الزمان الثاني خمسة أجيال. وهذا غلط بداهة، لأن أعمار الذين كانوا في الزمان الأول كانت أطول من أعمار الذين كانوا في الزمان الثاني«.
وللرد نقول: تواريخ الدول والأمم تكذِّب دعوى المعترض، فقد وضع قانوناً يخالف الحقيقة والواقع، وعليه أن يعرف أن أعمار الناس بعد الطوفان هي مثل أعمارهم الآن، بل ربما كانت أعمارهم الآن أطول بالنسبة إلى تقدم العلوم الطبية.
قال المعترض: »الأجيال في القسم الثاني من الأقسام الثلاثة التي ذكرها متى هي 18 لا 14 ، كما يظهر من 1أخبار 3. وورد في متى 1:8 أن يورام ولد عزيا، فإن عزيا ليس ابن يورام، ولكنه ابن أخزيا بن يوآش بن أمصيا، والثلاثة كانوا من الملوك المشهورين وأحوالهم مذكورة في 2ملوك 8 و12 و14، 2أخبار 22 و24 و25، ولا سبب لإسقاط هذه الأجيال سوى الخطأ«.
وللرد نقول: (1) يجوز أن البشير اختصر في الأنساب لتكون أعلق بالأذهان، كما أسقط عزرا الكاتب ستة أجيال وهو يسرد نسَب نفسه ليبرهن على أنه من نسل هارون (عزرا 7:1-5 بالمقارنة مع 1أخبار 6:3-15)، لأنه قصد أن يختصر ويسرع في الوصول إلى المطلوب.
(2) يجوز أنه لم يذكرهم لأن يوآش كان شريراً ولم يُدفن في قبور الملوك (2أخبار 24:25)، ومات الاثنان الآخران مقتولين. هذا مع ملاحظة خطية جدّهم يورام لأنه أنجبهم من عائلة أخآب الوثنية.
ويتضح من كل ما تقدم أن حذف أسماء الملوك الثلاثة يتناسب مع قداسة الله وحكمته الفائقة. فعلينا أن نبحث في الأشياء التي نجهلها بالتواضع، ولا نتكبر ونكذّب الوحي الإلهي، ونسدّ آذاننا عن سماع الحق.
قال المعترض: »ورد في متى 1:12 أن زربابل ابن شألتئيل. فهذا خطأ، لأنه ابن فدايا، وابن أخ شألتئيل، كما جاء في 1أخبار 3:17 و19«.
وللرد نقول: ورد في عزرا 3:2 و5:2 ونحميا 12:1 وحجي 1:1 أن زربابل هو ابن شألتئيل. وكذلك قال يوسيفوس. ولا تناقض بين هذا وما جاء في 1أخبار 3:19 من أن زربابل هو ابن فدايا لأن اليهود كانوا ينسبون الحفيد إلى جدّه، كما ورد في تكوين 29:25 أن لابان هو ابن ناحور، مع أنه ابن بتوئيل بن ناحور (تكوين 24:47).
فإذا فُهم من 1أخبار 3:17 و19 أن شألتئيل وفدايا أخوان، فيكون زربابل حسب الشريعة اللاوية ابن أحدهما الطبيعي، وابن الآخر بالمصاهرة، حسب العادات اليهودية.
قال المعترض: »ورد في متى 1:13 أن أبيهود ابن زربابل، وهو خطأ لأن زربابل كان له خمسة بنين كما في 1أخبار 3:19 ، وليس فيهم أحد يحمل هذا الاسم«.
وللرد نقول: يجوز أن أبيهود كان يحمل أكثر من اسم، لأن اليهود، مثلهم مثل العرب، كانوا يسمّون الشخص بأكثر من اسم. وقد انتشرت هذه العادة بين اليهود بصورة أكبر وقت السبي، بدليل ما ورد في دانيال 1:6 و7. (قارن بين 2صموئيل 3:3 و1أخبار 3:1). وذكر البشير متى النسب من زربابل إلى المسيح من الجداول المحفوظة عند اليهود.
وقد كان اليهود حريصين على حفظ جداول أنسابهم بالدقة الكبرى لأن مصلحتهم كانت تستلزم ذلك. وكانت السجلات محفوظة في أورشليم. وكان الكهنة بعد كل حرب يجدّدون جداول أنسابهم ليحققوا مَن مِن نساء الكهنة سُبيت، ومَن منهنَّ لا تليق أن تكون زوجة للكاهن. وقال يوسيفوس إنه كانت توجد جداول بأنساب اليهود مدة ألفي سنة وحُفظت إلى أن أُخربت مدينة أورشليم، وكان بعض الأمراء في السبي يذكرون أن نسَبهم يتصل إلى داود، وكان البعض يبرهنون على أن نسَبهم يتصل بصموئيل النبي. ويرجع حرص اليهود على حفظ أنسابهم لتباهيهم بأصلهم، وحفظاً لحقوقهم في تقسيم الأراضي، وللمحافظة على وظائفهم. قال يوسيفوس في أوائل تاريخه إنه وجد نسبه في السجلات العمومية المحفوظة عند الأمة اليهودية، فكم بالحري يكون حرص اليهود على المحافظة على السجلات العمومية بحفظ أنساب ملوكهم، وقد كان المسيح من نسل الملوك. فلو خالف البشير متى سجلات اليهود عن ملوكهم لتعرَّضوا له بالرد، ولكن لم يعترض أحد عليه لأنه ذكر الحقائق.
قال المعترض: »جاء في متى 1:16 »يعقوب ولد يوسف رجل مريم، التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح«. ويطلق اسم المسيح على كل حاكم يهودي، صالحاً كان أو فاجراً. ورد في مزمور 18:50 »الصانع رحمةً لمسيحه، لداود ونسله إلى الأبد«. وأطلق مزمور 132:10 لفظة المسيح على داود، وهو من الأنبياء والملوك الصالحين. وورد في 1صموئيل 24:6 قول داود في حق شاول: »حاشا لي من قِبَل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي بمسيح الرب، فأمدّ يدي إليه، لأنه مسيح الرب هو« وكذلك ورد في 1صموئيل 24:10 وفي 1صموئيل 26 وفي 2صموئيل 1:14. وأُطلقت كلمة »مسيح« في إشعياء 45:1 على الملوك والوثنيين »هكذا يقول الرب لمسيحه« الذي هو كورش الذي أعاد اليهود لبلادهم بعد السبي«.
وللرد نقول: كلمة »المسيح« هي فعيل بمعنى مفعول، يعني ممسوح. وكان الإسرائيليون يمسحون أنبياءهم لتكريسهم وتخصيصهم لعملهم الذي هو دعوة الناس إلى الحق (1ملوك 19:16) فكانوا يُسمُّون مسحاء (1أخبار 16:22 ومزمور 105:15).. وكانوا يمسحون الكهنة من أولاد هارون، بل هارون ذاته (خروج 40:15 وعدد 3:3) ثم اقتصروا على مسح رؤساء الكهنة (خروج 29:29 ولاويين 16:32).. وكانوا يمسحون الملوك لأنهم أولياء الأمور، والملك هو خليفة الله في أرضه، ويُفترض فيه أن يكون صالحاً وعادلاً، لكنه ككل البشر، قد يكون صالحاً وقد يكون شريراً (1صموئيل 9:16 و10:1 و1ملوك 1:34 و39) وقد مُسح داود ملكاً ثلاث مرات، وسُمي كورش الفارسي »مسيح الرب« لأنه أعاد اليهود من السبي.. وكانت أواني الهيكل تُمسح بزيت لتكريسها لخدمة الله (خروج 30:26-28). ومَسَح يعقوب العمود في بيت إيل (تكوين 31:13).
فمن هنا يتضح جواز إطلاق »مسيح الرب« على الملك، لأن الكتاب المقدس يعلّمنا أن تخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، حتى أن من يقاوم الملك يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة (انظر رومية 13:1-8).
وقد سُمِّي يسوع بالمسيح لأنه مُسح بالروح القدس (لوقا 4:18 ويوحنا 1:32 و33 وأعمال 4:27 و10:38)، وهو في هذا يتشابه في اللقب مع غيره. غير أنه سُمِّي بالمسيا الموعود به، وهو لقب لا يشاركه فيه أحد من المخلوقات. وللتوضيح نقول إن ألقاب »عظيم وعادل وعالِم« تُطلَق على الله، ويجوز إطلاقها على من اتّصف بصفة العظمة والعدالة والعلِم من المخلوقات. ولكن متى أُطلقت على الله كان لها معنى آخر. فكذلك لقب »المسيح« يجوز إطلاقه على الأنبياء والكهنة والملوك والقضاة، لأنهم مُسحوا بالزيت علامة تكريسهم للخدمة. ولكن متى أُطلقت على المسيح أفادت معنى آخر، هو أنه الكلمة الأزلي الذي تجسَّد ومُسح بالروح القدس، وعمل المعجزات الباهرة، وتألم وصُلب وقُبر، وقام، وصعد إلى السماء. ولا يصحّ إطلاق »المسيح« بهذا المعنى على غيره، لأنه خاص به وحده. واليوم عندما نسمع هذا اللقب ينصرف الذهن إلى هذا الشخص العظيم وحده.
قال المعترض: »ورد في متى 1:17 »فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود 14 جيلاً. ومن سبي بابل إلى المسيح 14 جيلاً«. ويُعلم منها أن بيان نسب المسيح يشتمل على ثلاثة أقسام، كل قسم منها يشتمل على 14 جيلاً، وهو غلط، لأن القسم الأول ينتهي بداود، وإذا كان داود داخلاً في هذا القسم يكون خارجاً من القسم الثاني، ويبدأ القسم الثالث من سليمان، وينتهي بيكنيا. وإذا دخل يكنيا في هذا القسم الثالث كان خارجاً من القسم الثالث. ويبدأ القسم الثالث من شألتئيل وينتهي بالمسيح، وفي هذا القسم لا يوجد إلا 13 جيلاً«.
وللرد نقول: نرجو أن يراجع القارئ تعليقنا على متى 1:11.
قال المعترض: »جاء في متى 1:19 أن يوسف أراد تخلية مريم سراً بسبب حبَلها، حتى كلَّمه الملاك في متى 1:20 مع أن الملاك كان قد أعلن لمريم قبل ذلك أنها ستحبل (لوقا 1:26 و27). فيكون أن هذين النصَّين متناقضان«.
وللرد نقول: النصَّان صحيحان. ظهر الملاك لمريم، ثم ظهر ليوسف. ولم تكن مريم قد أخبرت يوسف بإعلان الملاك لها، لأنها كانت تعلم أن كلماتها وحدها لن تقنع يوسف بأن حَبَلها هو من الروح القدس. ثم أنها كانت تعرف أنها بريئة، وأن الله قد شرَّفها أن تكون أم المخلّص. فلتنتظر حتى تعلن السماء براءتها ليوسف ولغيره.
قال المعترض: »ورد في متى 1:22 و23 »وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا«. وهو مُقتَبس من إشعياء 7:14» يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل«. ويقول علماء اليهود إن المقصود هنا هو النبي إشعياء.. وكلمة »العذراء« التي ترجمها متَّى هي في الأصل العبري »عَلْماه« مؤنث علم، ومعناها »المرأة الشابة، سواء كانت عذراء أو كانت غير عذراء«. وجاءت في سفر الأمثال 30 بمعنى »المرأة الشابة التي تزوجت«. فيكون تفسير متَّى وترجمته لكلمة »علماه« خطأ«.
وللرد نقول: لما كان اليهود غير مؤمنين بأن يسوع ابن مريم هو المسيح المخلِّص الآتي، كلمة الله الأزلي المتجسِّد، حاولوا تفسير نبوَّة إشعياء وغيرها من النبوات لكي لا تصدق عليه، رغم وضوحها.
والادعاء بأن المسيح لم يولد من عذراء يقدِّمه اليهودي، أو الكافر، لأنهما لا يعترفان بولادة المسيح من عذراء. أما من يعتقدون بولادة المسيح من عذراء فيرفضون كلام المعترض. والحقيقة هي أن كلمة »علماه« تعني الشابة المتزوجة حديثاً وتعني أيضاً العذراء التي لم تتزوج. ويقول النص إن الله يعطي شعبه آية هي أن »علماه« تحبل. ولا آية في أن تحبل شابة متزوجة حديثاً، لكن الآية هي أن العذراء تحبل! وهذه هو المقصود من نبوَّة إشعياء.
قال المعترض: »لم يطلق يوسف ومريم على المسيح اسم عمانوئيل، بل سمياه يسوع. وهذا بخلاف قول متى في 1:22 و23. وكان الملاك قد قال ليوسف في الرؤيا: »وتدعو اسمه يسوع« وقال الملاك للعذراء: »ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع«. ولم يدّع المسيح في أي وقت أن اسمه »عمانوئيل«..
وللرد نقول: معنى الاسم عمانوئيل »الله معنا«. وقال متى البشير، بوحي الروح القدس، إن المراد به هو المسيح، وهو لا شك يدل عليه دلالة المطابقة، لأن اللفظ موافق للمعنى، فقد اتَّخذ الكلمة الأزلي طبيعتنا وصار إنساناً. »في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله ... والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيدٍ من الآب، مملوءاً نعمة وحقاً« (يوحنا 1:1 و14). قال الرسول (1تيموثاوس 3:16): »عظيم هو سرّ التقوى: الله ظهر في الجسد«. وقد أعلن المسيح هذا في جميع تعاليمه، فقال في يوحنا 5:17-24 إنه معادل لله في أعماله وقوته وقدرته وذاته، وأوضح أزليته في يوحنا 8:25، وقال إن الآب فيه وهو في الآب (يوحنا 10:38). فالكلمة الأزلي، المسيح، اتخذ الجسد. وبعبارة أخرى إنه »عمانوئيل« أي »الله معنا«.
وقد تنبأ النبي إشعياء بهذه النبوَّة قبل مولد المسيح بنحو 740 سنة. وتوجد نبوات تختص بالمسيح حرفياً، كما توجد حوادث كثيرة تنبئ عن شخصه وعن عمله. فلما سرد متى تاريخ المسيح ذكر تتميم النبوات التي وردت عنه، فذكر أولاً نسبه الشرعي من داود وإبراهيم، ثم ذكر أنه كان لا بد أن يولد من عذراء حسب نبوَّة إشعياء، وفي بيت لحم اليهودية حسب نبوَّة ميخا. ثم استشهد بنبوَّة إرميا القائلة إن راحيل تبكي على أولادها في الرامة، وإنه سيُدعى من مصر حسب نبوَّة هوشع، ويسكن في الناصرة ليتم ما قيل إنه سيُدعى ناصرياً. ولقد أصاب البشير في تطبيق هذه النبوات على المسيح، فإن الروح القدس الذي أوحى بها في العهد القديم، هو الذي أوحى بتفسيرها في العهد الجديد.
قال المعترض: »الذي يقارن متى 2 بلوقا 2 يجد اختلافاً: إذ يقول متى إن أبوي المسيح بعد ولادته كانا يقيمان في بيت لحم، ويُفهم أن هذه الإقامة كانت لمدة تقرب من سنتين، ثم ذهبا إلى مصر وأقاما فيها إلى موت هيرودس، ثم ذهبا وأقاما في الناصرة. ويقول لوقا إن أبوي المسيح ذهبا إلى أورشليم بعد تمام مدة نفاس مريم، ولما قدَّما الذبيحة رجعا إلي الناصرة وأقاما فيها، وكانا يذهبان منها إلى أورشليم في أيام العيد. ولما كان عمر المسيح 12 سنة أقام ثلاثة أيام في أورشليم بدون إطلاع أبويه. وعليه فلا سبيل لمجيء المجوس إلى بيت لحم. ولو أنهم جاءوا فسيجيئون للناصرة. وكذا لا سبيل إلى سفر أبويه إلى مصر، لأن يوسف لم يسافر من أرض اليهودية إلى مصر ولا إلى غيرها«.
وللرد نقول: (1) التناقض هو اختلاف قضيتين، بحيث يقتضي صدق إحداهما كذب الأخرى، كقولنا »زيد إنسان« ثم قولنا »زيد ليس إنساناً«. أما ما ذكره المعترض فلا اختلاف ولا تناقض بين قول البشيرين متى ولوقا. فعدم ذِكْر لوقا سَفَر يوسف إلى مصر لا يدل على أنه لم يسافر إليها. غاية الأمر أنه اقتصر على ذكر شيء دون آخر. ويتحقق التناقض إذا قال أحد البشيرين إن المسيح سافر إلى مصر وقال الآخر إنه لم يسافر إليها. ولو اتفق البشيران في الكليات والجزئيات لاتّهمهما الملحدون بالتواطؤ، ولكن تنوُّع طريقة كل واحد في التعبير عن الحوادث التي شاهدها تدل على صدقهم.
وإليك ترتيب حوادث ولادة المسيح: (أ) سفر يوسف ومريم من الناصرة إلى بيت لحم، (ب) ولادة يسوع، (ج) تقديمه في الهيكل، (د) زيارة المجوس، (هـ) الهروب إلى مصر، (و) ثم عودتهم إلى الناصرة وإقامتهم فيها.
(2) لو كان الكاتب واحداً وحصل منه اختلاف في سرد القصة بتقديم أو تأخير أو حذف أو زيادة، لكان يُؤاخذ على عمله، ونتَّهمه بالتحريف والتناقض. وكتاب الله منزّه عن ذلك. أما ونحن نقرأ ذات القصة يرويها متى ولوقا، فإننا نتوقع أن نجدها كما جاءت في الإنجيل. وهذا دليل صدقها. فالذي يطالع متى 2 ولوقا 2 يرى الفحوى واحداً. فإذا رأى اثنان من الأنبياء شيئاً واحداً، لابد أن يحدث تنوّع في طرق التعبير. كما أنه إذا ذكر مؤرخان أو أكثر بعض الوقائع أو الحوادث حصل تنوُّع من نقص أو زيادة، أو تقديم أو تأخير أو إسهاب أو إيجاز. والذي نعتقده أن الله ألهم الرسل تدوين أقوال المسيح وأعماله وعصمهم عن الخطأ، وكان الواحد منهم بمنزلة قلم في يد الروح القدس، ولو أن الروح القدس لم يبتلع شخصيتهما.
قال المعترض: »يُعلم من كلام متى أن سكان أورشليم وهيرودس لم يعرفوا بولادة المسيح قبل مجيء المجوس. ويُعلم من كلام لوقا أنه لما ذهب والدا المسيح إلى أورشليم بعد التطهير لتقديم الذبيحة، أُوحي إلى الرجل التقي سمعان أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب، فأتى مقوداً بالروح القدس إلى الهيكل وحمل الصبي وقال: »أطلِق عبدك بسلام لأن عينيّ أبصرتا خلاصك، نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل«. وحنة النبية التقية وقفت تسبِّح الرب وتكلمت مع جميع المنتظرين فداءً في أورشليم. فلو كان هيرودس وسكان أورشليم معاندين للمسيح لما أخبر سمعان وحنة النبية بهذا الخبر«.
وللرد نقول: قال متى إنه لما أتى المجوس إلى أورشليم استفهموا عن ملك اليهود الذي وُلد حديثاً، فلما سمع هيرودس اضطرب وجميع أورشليم معه، وهو أمر طبيعي لأنه خاف على ضياع ملكه. فقول المعترض إنه لا يصح أن يكون هو ورجال دولته وأعيان مملكته معاندين هو خلاف المعهود في طباع البشر. فلا عجب إذا فزع لأنه ظن أن المسيح أتى ليأخذ مملكته. وأما النبي التقي سمعان فقد أوحى إليه الله عن ميلاد المسيح، وكذلك أوحى لحنَّة النبية. ولم يذكر الإنجيل أن حنة أشاعت هذا الخبر، بل قال إنها وقفت تسبِّح الله، وتكلَّمت مع الأتقياء المنتظرين فداءً في أورشليم. وهو لا يستلزم أن الملك سمع بهذا الخبر.
فإذا قصد المعترض أن الله أوحى إلى الملك وجميع أورشليم كذلك، لزم أن يكون جميع الناس أنبياء، وهو غير معقول. ولو سلّمنا له بأن خبر افتقاد الله لشعبه شاع في الهيكل، فلا يلزم من هذا أن الملك ورجال دولته كانوا عارفين به. ولو عرفوا به لما التفتوا إليه، لأنه كان أمراً دينياً لا يهم أرباب السياسة. ولكن لما أتى المجوس وقالوا إنه وُلد ملك، اضطرب هيرودس وجزع.
قال المعترض: »وردت في متى 2:1-10 قصة مجيء المجوس إلى أورشليم يرشدهم نجم المسيح في المشرق، حتى جاء ووقف فوق الصبي. وهذا غلط، لأن حركات السبع السيارة، وكذا الحركة الصادقة لبعض ذوات الأذناب هي من المغرب إلى المشرق، فعلى هاتين الصورتين يظهر كذبها، لأن بيت لحم تقع جنوب أورشليم. نعم إن دائرة حركة بعض ذوات الأذناب تميل من الشمال إلى الجنوب ميلاً ما، لكن هذه الحركة أبطأ من حركة الأرض، فلا يمكن أن تُحَسَّ إلا بعد مدة، وفي المسافة القليلة لا تحس بالقدر المعتدّ به، بل مَشْي الإنسان يكون أسرع كثيراً من حركته. فلا مجال لهذا الاحتمال. ولأنه خلاف علم الضوء أن يرى وقوف الكوكب أولاً ثم يقف المتحرك، بل يقف المتحرك أولا ثم يُرى وقوفه«.
وللرد نقول: بما أن الإنجيل قال إن المجوس جاءوا من المشرق، فلا تكون أورشليم شمالهم ولا جنوبهم.
ثم أن هؤلاء المجوس كانوا حكماء يرصدون النجوم والكواكب، وكان اليهود يعتقدون بوجود أنبياء في مملكة سبا، من ذرية إبراهيم من زوجته قطورة، وقيل إن أصلهم من اليهود، وقيل غير ذلك. وقد كان بلعام من جبال المشرق (عدد 22:5 و23:7). فظهور أمثال المجوس من المشرق ليس بأمر غريب، وقد أقام الله كورش وأثنى عليه (إشعياء 41:2 و46:11).
أما قوله »نجمه« فليس معناه الكواكب السيارة كما توهَّم المعترض، بل هي حادثة جوية ذات أنوار ساطعة. فإذا ثبت أن المجوس كانوا من اليهود المغتربين في الشتات، فلابد أنهم عرفوا بعض النبوات المختصة بالمسيح، ولا بدّ أنهم اعتقدوا أن هذا الحادث الفلكي هو الكوكب الذي ذكره بلعام في سفر العدد 24:17. وإذا كانوا من غير اليهود، فلا بدّ أنهم عرفوا من اليهود وقت الشتات، شيئاً عن الفادي المنتظر، فإن اليهود كانوا يعرفون قرب مجيء المسيح (دانيال 9:25-27) وكانوا يعتقدون أنه سيجيء ملكاً ينقذهم من عبودية الرومان. فلا عجب إذا انتشر هذا في كثير من الممالك، ولا سيما أن كثيرين من اليهود كانوا ساكنين في مصر وروما واليونان، وتوجّه كثير منهم إلى بلاد الشرق، وكانوا يحملون كتبهم المقدسة معهم حيثما توجَّهوا. وقال سويتون (أحد مؤرخي روما): »كان من المقرر في أذهان سكان الشرق أنه لابدّ من ظهور واحد من اليهودية تكون مملكته عمومية، وأن ذلك كان قَدَراً مقضياً به«. وقال تاسيتوس (وهو من مؤرخي روما أيضاً): »وكان كثيرون يعتقدون أنه ورد في كتب كهنتهم القديمة أنه سينتصر الشرق، ويخرج واحد من اليهودية ويملك الدنيا«. وذكر يوسيفوس وفيلو (وهما من مؤرخي اليهود) أن الناس كانوا ينتظرون مجيء منقذ عظيم وملك كريم. وذُكر في كتب الفرس عن زرادشت أنه سيأتي ثلاثة منقذين، اثنان من الأنبياء، أما الثالث وهو زفس، فهو أعظم من الاثنين، ويهزم أهريمان، ويقيم الموتى. فلذلك أتى المجوس إلى أورشليم، وبالاستفهام من أئمة الدين استدلوا أنه يولد في بيت لحم اليهودية، فتوجَّهوا إليها وقدموا له الهدايا التي لا تليق إلا بالملوك (تكوين 43:11 ومزمور 72:15 و 1ملوك 10:2 و11).
وقال الفلكي كبلر إنه في ذلك الوقت حصل اقتران بين المشترى وزُحل، وحصلت حادثة فلكية. ثم أيَّد ذلك العلامة أدلر من علماء برلين. وقد كشفت الدراسات الفلكية الحديثة خطأ المعترض.
قال المعترض: »متى 2:6 تخالف ميخا 5:2. تقول آية إنجيل متى إن رؤساء اليهود قالوا إن المسيح يولد في بيت لحم اليهودية، واستشهدوا بأقوال النبوَّة: »وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لَسْتِ الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل«. ويقول ميخا: »أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلّطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل«.
وللرد نقول: بيت لحم يهوذا هي نفسها بيت لحم اليهودية (متى 2:1) والتي تقع في نصيب سبط يهوذا فسُمِّيت »بيت لحم يهوذا« ، وتحمل أيضاً اسم »بيت لحم أفراتة«. وقد استخدم متى الاسم الأكثر شهرة في زمنه ليسهِّل على قارئه فهم نبوة ميخا.
قال المعترض: »جاء في متى 2:15 إن لجوء المسيح إلى مصر هروباً من تهديد هيرودس كان تحقيقاً لنبوَّة هوشع 11:1 »مِن مصر دعوتُ ابني«. ولكن هذه النبوَّة تعود على بني إسرائيل، لا على المسيح«.
وللرد نقول: اعتبر الله بني إسرائيل ابنه، فقد أمر موسى أن يقول لفرعون: »إسرائيل ابني البكر.. أَطلِق ابني ليعبدني، فأبيتَ أن تطلقه. ها أنا أقتل ابنك البكر« (خروج 4:22 و23). وقد جاءت نبوة هوشع أولاً إشارة إلى بني إسرائيل، وثانياً إشارة رمزية للمسيح ابن الله.
قال المعترض: »ورد في متى 2:17 و18 »حينئذ تمّ ما قيل في إرميا النبي القائل: صوتٌ سُمع في الرامة، نوحٌ وبكاءٌ وعويلٌ كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين«. وهذا تحريف من الإنجيل، لأن هذا الاقتباس من إرميا 31:15. ومَنْ طالع الآيات التي قبله وبعده في نبوَّة إرميا يرى أنه لا يتحدث عن حادثة هيرودس، بل عن حادثة بختنصر التي وقعت في عهد إرميا، عندما قُتل ألوف من بني إسرائيل، وأُسر ألوف منهم، وسُبُوا إلى بابل. ولما كان فيهم كثير من آل راحيل تألمت روحها في عالم البرزخ، فوعد الله أن يُرجع أولادها من أرض العدو إلى تخومهم«.
وللرد نقول: عبّر البشير متى عن قتل الأطفال في بيت لحم بأقوال إرميا النبي، وكان قصد إرميا النبي في الأصل أن يُعرِب عن التوجّع لما حصل لبني إسرائيل من القتل والسبي، فإنه لما استولى نبوخذنصَّر على أورشليم قتل وجهاءها وأعيانها، وقلع عين ملكها بعد أن قتل ابنيه أمامه، وجمع الأسرى في الرامة ومنهم إرميا النبي. وكان الجميع مكبّلين بالأغلال والسلاسل. ولما سُبُوا من الأوطان وكانوا مزمعين على السفر الأليم، أخذ النبي يعبِّر عن حزنه على هذه الحالة، ويبكي ويستبكي. ولا شك أن قول النبي إرميا تحقق وتمّ في هذه الحادثة المحزنة أيضاً. ولا يخفى أن راحيل كانت قد ماتت قبل السبي بمئات السنين، فكان من البلاغة أن ينسِبَ النبي إليها البكاء والنحيب على أولادها وقت السبي، كما نسَب إليها البشير متى البكاء على أولادها وقت حادثة بيت لحم، فإن ذبح أطفال بيت لحم هو بمنزلة ذبح أولادها، لأنها مدفونة هناك (تكوين 35:19)، كما أن سكان بيت لحم من ذرية زوجها وأختها، فهم بمنزلة أولادها. وعبارة متى تقول: »راحيل تبكي على أولادها« وهي جملة خبرية لفظاً، أُريد بها إنشاء التحسُّر على ذبح الأطفال. وهذا معهود في اللغة العربية وغيرها، فيجوز للإنسان أن يندب بهذه الصورة، حتى يدعو الشاعر الشجر للبكاء:
أيا شجر الخابور ما لك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريق؟
فكيف لا يجوز نداء الأم لتبكي على أولادها؟
أما قول المعترض إن الأموات يعرفون حال أهلهم وهم في عالم البرزخ فباطل، لأن المسيحية لا تؤمن بوجود برزخ.
قال المعترض: »جاء في متى 2:19 أن هيرودس الملك مات لما كان المسيح طفلاً في مصر، بينما يؤكد لوقا 23:8 أن هيرودس كان حيّاً بعد ذلك بأكثر من 30 سنة، وأن المسيح مثُل أمامه للمحاكمة. فكيف تنكرون هذا التناقض؟«.
وللرد نقول: لو رجع المعترض إلى لوقا 3:1 لاستراح من الاعتراض! فإن هيرودس الذي مات أثناء طفولة المسيح هو هيرودس الكبير، الذي حكم فلسطين بتفويض من الرومان. ولما مات انقسمت مملكته إلى أربعة أقسام، فحكم ابنه هيرودس أنتيباس على الجليل (لوقا 3:1) وهو المعروف برئيس الرُّبع (متى 14:1). وهذا هو هيرودس الذي حاكم المسيح (لوقا 23:6 و7 - قارن لوقا 3:1). وهو نفسه هيرودس الذي يتحدث عنه سفر الأعمال 4:27.. ولكن هناك هيرودس آخر، هو هيرودس أغريباس المذكور في أعمال 12 و23، ذكره المؤرخان يوسيفوس اليهودي وتاسيتوس الروماني. ولا يصعب على المعترض أن يدرك أن عدة أشخاص يمكن أن يحملوا نفس الاسم، خصوصاً وأن الحفيد يحمل اسم جده.


 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 2:23 أن المسيح أتى وسكن في الناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيُدعَى ناصرياً . وهذا غلط، ولا يوجد في كتاب من كتب الأنبياء. وينكر اليهود هذا الخبر أشد الإنكار، ويعتقدون أنه لم يقم نبي من الجليل فضلاً عن عدم قيامه من الناصرة كما في يوحنا 7:52. وقال الكاثوليك إن اليهود ضيَّعوا هذه الكتب قصداً، وقال فم الذهب إن اليهود ضيَّعوا كتباً من غفلتهم ولعدم ديانتهم ومزقوا بعضاً وأحرقوا البعض الآخر«.
وللرد نقول: (1) لم يخصّ البشير متّى بالذكر نبياً بعينه في 1:22 و2:15 و17 بل قال »بالأنبياء« بصيغة الجمع. وقال العلامة إيرونيموس: »نقل متى البشير أقوال الأنبياء بالمعنى فقط« . فإن كلمة الناصري تفيد الاحتقار، وكان الإسرائيليون (في الجنوب) يزدرون بالجليليين (في الشمال) عموماً، وبالناصريين خصوصاً. وكانت كلمة »ناصري« كلمة احتقار تُطلق على الدنيء، وكان اليهود يسمّون اللص الشقي »ابن ناصر«. واستعمل مؤرخو اليهود هذه اللفظة في المسيح، فقال المؤرخ اليهودي» آبار بينال« إن القرن الصغير (دانيال 7:8) هو ابن ناصر، يعني يسوع الناصري. وكثيراً ما أطلق اليهود وأعداء المسيحيين لقب »ناصري« على المسيح ازدراءً به وتهكماً عليه، فكانت إقامته في الناصرة من أسباب ازدراء أهل وطنه به ورفضهم إياه. فلما قال فيلبس لنثنائيل: »وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة« أجابه نثنائيل: »أَمِنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟« (يوحنا 1:46). ولما دافع نيقوديموس (أحد شيوخ اليهود) عن يسوع، قال له أعضاء مجلسهم الأكبر: »فتش وانظر، إنه لم يقم نبي من الجليل« (يوحنا 7:52). وبما أن الأنبياء تنبأوا في محال كثيرة (مزمور 22:6 و59:9 و10 وإشعياء 52 و53 وزكريا 11:12 و13) أن المسيا يُحتقر ويُرفض ويُزدرى به، كانت نبواتهم هذه بمثابة قولهم إنه »ناصري«. وعلى هذا لما قام المسيح في الناصرة قال إن نبوات الأنبياء قد تحقَّقت (لوقا 4:21). فكما أن النسب يكون للشرف، كذلك يكون للضِّعة، بالنسبة إلى رفعة أو ضعة البلاد التي يُنسب إليها الإنسان. وقولنا ناصري هو بمنزلة قولنا إنه محتقَر »كعِرْقٍ من أرضٍ يابسة، لا صورة له ولا جمال« (إشعياء 53:2).
أما قول فم الذهب إن اليهود ضيَّعوا كتبهم لمعاكسة المسيحيين، وإنهم مزقوا بعضها وأحرقوا بعضها فهو افتراء محض، فكتبهم التي يتعبَّدون بتلاوتها لغاية الآن تشهد للمسيح، وتوضّح صفاته وكمالاته وآلامه موته وصلبه وعمل الفداء العجيب. بل إنها أوضحت بالدقة وقت تجسّده ومكانه، بحيث لو لم يكن الإنجيل بيننا لعرفنا فحواه من التوراة. فلو مزقوا شيئاً أو أحرقوه لظهر اختلاف بين الإنجيل والتوراة، مع أنه لا يوجد أدنى اختلاف في التعاليم الجوهرية. والفرق بين اليهود والمسيحيين هو أن اليهود لا يزالون ينتظرون مجيء المسيح، أما المسيحيون فيعتقدون أنه أتى.
(2) ويجوز أن متى نقل أقوال الأنبياء بالمعنى. وقوله »ناصري«»أصول الفقه«، فيجوز نقل الأحاديث بطرق كثيرة فيجوز (أ) أن يُروى الحديث بلفظه، (ب) يجوز أن يُروى بغير لفظه، (ج) يحذف الراوي بعض لفظ الخبر، (د) أن يزيد الراوي على ما سمعه، (هـ) أن يحتمل الخبر معنيين متنافيين، فاقتصر الراوي على إحداهما، (و) أن يكون الخبر ظاهراً في شيء فيحمله الراوي على غير ظاهره، إما بصرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه، أو بأن يصرفه عن الوجوب إلى الندب، أو من التحريم إلى الكراهة. فمتى نقل بالمعنى أقوال الأنبياء وهو جائز. يشتمل على معانٍ كثيرة. والنقل بالمعنى جائز كما قرروه في
قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 3:1 »وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية« مع أنه في آخر أصحاح 2 ذكر حكم أرخيلاوس لليهود بعد موت أبيه، وانصراف يوسف مع مريم والمسيح إلى نواحي الجليل وإقامته في ناصرة. فيكون المشار إليه بكلمة »تلك« هذه كل ما ذكرناه، ويكون معنى الآية: »لما حكم أرخيلاوس، وانصرف يوسف النجار إلى نواحي الجليل، جاء يوحنا المعمدان«. وهذا غلط لأن وعظ يوحنا كان بعد 28 سنة من الأمور المذكورة«.
وللرد نقول: (1) يعود اسم الإشارة »تلك« إلى أقرب مذكور. ولكن تعسُّف المعترض جعله يعود إلى أبعد مذكور. والمتبادر إلى الذهن هو أن مراد البشير بقوله »تلك الأيام« هو أيام سكن المسيح في الناصرة وهو أقرب مذكور، لأنه قال: »وأتى وسكن في مدينة يُقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيُدعى ناصرياً« ثم قال: »وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان«.
(2) الكلام مُسَاق على يوسف وسكن المسيح في الناصرة، لأنه هو المقصود بالذات. وإنما ذكر أرخيلاوس ليوضح بدء إقامة المسيح في الناصرة، وأنه أقام فيها سنين عديدة.
قال المعترض: »جاء في متى 3:2 »توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات« وهي كلمات يوحنا المعمدان وكررها المسيح (متى 4:17). فما هو المقصود بملكوت السموات هذا؟« (انظر متى 13:31 و32).
وللرد نقول: ملكوت السموات أو ملكوت الله هو مُلك الله على قلوب البشر عندما يدخل المسيح القلب، فهو »ملك الملوك ورب الأرباب«»إن كنت أنا بروح الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله«»المساكين بالروح« (متى 5:3) لا المتكبرين ولا عظماء هذا الدهر. ولا يقدر أحد أن يدخل هذا الملكوت ما لم يولد من جديد ولادة روحية (يوحنا 3:3 و5) والمؤمنون مدعوون ليرثوا هذا الملكوت بعد قيامتهم (متى 25:34). ومن المستحيل أن يدخل إليه الأشرار (1كورنثوس 6:9 و10 وغلاطية 5:20 و21 وأفسس 5:5). (رؤيا 19:16)، وقد خصَّص المسيح مكانةً كبرى في كرازته لملكوت الله، وكانت المعجزات المصاحبة لكرازته علامات على قيام الملكوت، كما أنها إشارات إلى مدلول الملكوت، لأن بمجيء المسيح ينقضي تسلُّط إبليس والخطية والموت على البشر، وقد قال في متى 12:28 وقال إن هذا الملكوت يبدأ في حياته، ثم يمتد بعد موته وقيامته، ويكمل بعد مجيئه ثانية ليدين المسكونة بالعدل ويحكم بالحق والإنصاف (دانيال 7:13 و14 ورؤيا 11:15). وأما في الوقت الحاضر فملكوت الله آخذ في الامتداد يومياً بواسطة الكرازة بالإنجيل ودعوة الناس للدخول فيه (متى 28:8-20). ويأتي ملكوت الله حينما تُوجَّه كلمة الله للبشر، فهو يشبه البذرة التي تُلقى في الأرض فتنمو, ولما كان تواجد ملكوت الله على الأرض متوقِّفٌ على قبول الناس لكلمة الله فهو حقيقة واقعة غير منظورة. ليس ملكوت السموات مثل ممالك العالم (يوحنا 18:36) وهو لا يأتي بأبَّهة عالمية (لوقا 17:20) وأعضاؤه هم
قال المعترض: »ورد في متى 3:14 أن المسيح أتى إلى يوحنا ليعتمد منه، فمنعه يوحنا قائلاً: »أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ!« ثم اعتمد المسيح وصعد من الماء، فنزل عليه الروح مثل حمامة. وورد في يوحنا 1:33 »وأنا لم أكن أعرفه« (وعرفتُه بنزول الروح مثل حمامةٍ ونارٍ). وفي متى 11:3 لما سمع يوحنا بأعمال المسيح أرسل اثنين من تلاميذه يسألونه: »أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟«. في الأول عرف يوحنا قبل نزول الروح، وفي الثاني عرفه بعد نزول الروح، وفي الثالث لم يعرفه بعد نزول الروح«.
وللرد نقول: قول يوحنا »لم أكن أعرفه« معناه أنه لم يكن يعرفه قبل نزول الروح القدس، أي قبل سماع الصوت من السماء »هذا هو ابني الحبيب«. وكل إنسان له أحوال، فله حالة قبل المعرفة وحالة بعدها، بعد أن تكون قد ظهرت له الأدلة بصحة الدين. وكذلك للأنبياء حالات قبل الوحي والإلهام، وبعد ذلك. فالله المعلم الحقيقي أوحى إلى يوحنا بأن المسيح هو الموعود به. وشرح المعمدان لنا حاله قبل هذه المعرفة بقوله »وأنا لم أكن أعرفه«. ثم شرحها بعد معرفته، فقال: »أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ«.
وإذ تقرر ذلك فلا تناقض، فإنه يلزم في التناقض اتحاد الزمان والمكان. ولا اتحاد هنا في الزمان.
أما إرسال يوحنا التلميذين إلى المسيح فليريا الحقائق بنفسيهما، ليصدّقا بالعيان، ولاسيما إن يوحنا كان مسجوناً وقتئذ ولم تتيسّر له مشاهدة المعجزات الباهرة التي صنعها المسيح، فلذا قال لهما المسيح: »اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران: العُمي يبصرون، والعرج يمشون، والبُرْص يُطهَّرون، والصمّ يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يُبشَّرون«. فيصدقون بعد رؤية المعجزات الباهرة.
قال المعترض: »جاء في متى 3:15 قول المسيح للمعمدان بخصوص معمودية المسيح »اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر«. وهذا يعني أن بعض الفرائض الدينية لا فائدة منها ولا معنى روحي لها«.
وللرد نقول: (1) كان الغرض من معمودية يوحنا المعمدان إعلان توبة قومية يشترك فيها بنو إسرائيل كلهم، للدخول في حياة جديدة، وبدء ملكوت جديد. وقد رأى المسيح أن يعتمد من يوحنا، لا لأنه خاطئ يتوب، لكن لأنه يمثّل الأمة التي يريد لها التوبة. فهو ابن الإنسان الذي يريد أن يخلّصنا، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان أطاع الفريضة.
وعند مراجعة تاريخ بني إسرائيل نرى أن الأتقياء الصالحين اشتركوا مع الخطاة الضالين في أوقات التذلل والتوبة القومية. هكذا فعل دانيال بالرغم من شدة صلاحه (دانيال 9:4). ولما رأى المسيح أن معمودية يوحنا فرضٌ يهودي في عصره لم يختلف عن قومه في هذا الواجب، ليشجع التائبين، وكأنه يقول: لا أعفي نفسي من القيام بكل ما يطلبه الله من بني إسرائيل في الواجبات العمومية.
(2) وكان الغرض من معمودية المسيح هو افتتاح خدمة المسيح رسمياً. ولم يكن قبول المسيح المعمودية على شواطئ الأردن أصعب من قبوله فداءنا على الصليب. لقد شارك المسيح الناس في ممارسة فريضة دينية هامة. والفرائض الدينية رموز لمعاني روحية، مطلوب تطبيقها.
قال المعترض: »اختلف البشيرون في رواية خبر الصوت الذي سُمع من السماء وقت نزول الروح القدس على المسيح، فقال متى 3:17 »هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت«. وقال مرقس 1:11 »أنت ابني الحبيب الذي به سُررت« وقال لوقا 3:22 »أنت ابني الحبيب الذي بك سُررت«.
وللرد نقول: لا يجرؤ أحد على القول إن جوهر العبارتين مختلف، لأن المعنى المقصود فيها كلها واحد. ولا ننكر وجود اختلاف في الأسلوب. فبحسب مرقس جاء الكلام موجَّهاً إلى المسيح. ولكن حسب متى جاءت العبارة مقولة عنه. ونرجّح أن مرقس أورد نص كلام الآب كما هو، أما متى فقد جاء بخلاصته. وللإيضاح نضرب مثلاً: فلنتصوَّر أن عدداً من الناخبين أجمعوا على انتخاب ممثل لهم، فدوَّن أحدهم في محضر الجلسة: »أجمع الناخبون على انتخاب فلان، وصاحوا مشيرين إليه: أنت هو الرجل الجدير بالثقة«. وجاء آخر بخلاصة المحضر نفسه فقال: »حاز فلان ثقة جميع الناخبين، وقالوا عنه: هذا هو الرجل الجدير بالثقة« . فهل يمكن في حال كهذه اتّهام التقريرين بالتناقض؟
قال المعترض: »ورد في متى 4:5 »ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل« وفي آية 8 ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً« وفي آية 12 » وانصرف المسيح إلى الجليل« وفي آية 13 »وترك الناصرة وأتى فسكن في كفرناحوم التي عند البحر«. وورد في لوقا 4:5 »ثم أصعده إبليس إلى جبل عال« وفي آية 9 »ثم جاء به إلى أورشليم وأقامه على جناح الهيكل« وفي آية 14 »ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل« وفي آية 15 »وكان يعلّم في مجامعهم« وفي آية 16 »وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربّى«. وهذه تناقضات عديدة«.
وللرد نقول: أخذ المعترض شطراً من بعض آيات، وترك باقي الكلام الذي يقول إنه توجَّه إلى كفرناحوم. ففي لوقا 4:31 ذكر أن المسيح انحدر إلى كفرناحوم، وعليه فلا يوجد أدنى تناقض ولا اختلاف، فإن متى ولوقا قالا إن المسيح توجَّه إلى الجليل، ثم ترك الناصرة لما رفضته، ثم أتى إلى كفرناحوم.
أما من جهة تجربة المسيح فهي: (1) طلب إبليس منه أن يحوِّل الحجارة إلى خبز (2) طلب منه أن يطرح نفسه من جناح الهيكل (3) طلب إبليس من المسيح أن يسجد له. وقد ذكر متى التجارب بحسب ترتيبها الزمني، أما لوقا فراعى ترتيبها المكاني، فذكر التجربتين اللتين حصلتا في البريّة أولاً، وهما طلب تحويل الحجارة خبزاً، وطلب السجود للمجرّب.
قال المعترض: »من قارن بين متى 4:18-22 ومرقس 1:16-20 ويوحنا 1:35-46 وجد ثلاثة اختلافات في دعوة التلاميذ: (1) قال متى ومرقس إن المسيح دعا بطرس وأندراوس ويوحنا عند بحر الجليل فتبعوه، أما يوحنا فقال إن المسيح رأى غير هؤلاء عند عبر الأردن، (2) ويُفهم من متى ومرقس أنه رأى أولاً بطرس وأندراوس على بحر الجليل، وبعد قليل لقي يعقوب ويوحنا على هذا البحر. وقال يوحنا إن يوحنا وأندراوس لقياه أولاً بقرب عبر الأردن، ثم قاد أندراوس أخاه بطرس للمسيح. وفي الغد لما أراد المسيح التوجُّه إلى الجليل رأى فيلبس، ثم جاء نثنائيل بهداية فيلبس، ولم يذكر يعقوب. (3) وذكر متى ومرقس أنه لما لقي المسيح التلاميذ كانوا يشتغلون بإلقاء الشبكة وبإصلاحها، ويوحنا لم يذكر الشبكة بل ذكر أن يوحنا وأندراوس سمعا وصف المسيح ليوحنا وجاءا للمسيح، ثم جاء بطرس بهداية أخيه«.
وللرد نقول: ذكر يوحنا في إنجيله أول مقابلة بين المسيح للتلاميذ، أما مرقس ولوقا فذكرا حادثة جاءت بعد ذلك هي دعوة المسيح للتلاميذ ليكونوا رسلاً. والدليل على ذلك: (1) اختلاف المكان، فيوحنا ذكر ما حدث في بيت عبرا في عبر الأردن، أما متى ومرقس فذكرا ما كان عند بحر الجليل.
(2) مما يدل على أن هذه أول مرة سمعوا فيها المسيح قول يوحنا: »وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه، فنظر إلى يسوع.. فتبعا يسوع«.
(3) مما يدل على أنها غير الدعوة الرسولية قول يوحنا في آية 39 إنهما مكثا عنده ذلك اليوم، يعني أنهما عادا ثانية إلى أشغالهما الاعتيادية.
(4) الدعوة المذكورة في متى ومرقس هي الدعوة الرسولية، والدليل على ذلك قول المسيح لهما: »هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس«.
(5) يسلم المعترض أن يوحنا قال إنه لما كلمهم لم يكونوا مشتغلين بشباكهم. والذي حدث هو أن متى ومرقس ذكرا دعوة المسيح للرسل ليكونوا رسلاً لتعليم الناس، أما يوحنا فذكر أول اجتماعه ببعضهم في مكان غير المكان الذي دعاهم فيه المسيح.. فلا يوجد تناقض، لأنه يلزم من التناقض اتحاد الزمان والمكان وغيره.
قال المعترض: »يقول متى 5:1 و2 إن المسيح ألقى موعظته الأولى من على جبل، بينما يقول لوقا 6:17 و20 إنها أُلقيت في سهلٍ«.
وللرد نقول: هاتان عظتان أُلقيتا في مناسبتين مختلفتين، ولو أن بعض أفكارهما متشابهة. ولم يقُل متى إن هذه هي موعظة المسيح الأولى، ولا يمكن أن يجزم أحدٌ بأن أيّاً منهما هي العظة الأولى.
قال المعترض: »كيف يقول المسيح »طوبى للحزانى« (متى 5:4) بينما يطالب بولس المؤمنين بالفرح في فيلبي 4:4؟ «.
وللرد نقول: طوبى لمن يحزن على خطاياه، فينال الفرح الناتج عن الغفران الذي يهبه الله للتائبين. نبدأ بالحزن الذي يتبعه الفرح.
قال المعترض: »ورد في متى 5:9 »طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون« وورد في متى 10:34 »ما جئتُ لألقي سلاماً بل سيفاً«. فبين الآيتين تناقض«.
وللرد نقول: انظر تعليقنا على متى 10:34
قال المعترض: »جاء في متى 5:16 »فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات«. ولكن جاء في متى 6:1 »احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات«. وهذا يعني أن المسيح يقول في موعظة واحدة إنه يجب أن يضيء نورنا حتى يرى الناس أعمالنا الحسنة. ويقول أيضاً إنه يجب علينا أن نعمل الصالحات سراً حتى لا يرانا الناس. فكيف يمكننا التوفيق بين هذين القولين؟«.
وللرد نقول: ما جاء في متى 5:16 وما قبله تحريض لتلاميذ المسيح على الأعمال الصالحة، ليكونوا جاهزين لخدمة الله والناس، لأنهم ملح الأرض ونور العالم. فالمواهب المعطاة لهم يجب استثمارها وعدم إهمالها. فبصفتهم ملحاً كانت لهم قوة الشفاء والتطهير، وبصفتهم نوراً وجب عليهم أن يكونوا قادة ومرشدين. وفي متى 6:1 يشير المسيح إلى الباعث الذي منه يجب أن تصدر الأعمال الصالحة. فيعلِّمنا أن أعمالنا لكي تكون مرضيَّة عند الله ينبغي أن يكون الباعث عليها روح التواضع والإخلاص، لا روح العُجْب وحب الظهور. ويجب أن يكون الغرض الموضوع أمامنا مجد الله وخير الآخرين. وفي متى 5:16 يقول المسيح: اعملوا أعمالاً صالحة حتى يراها الناس فيتمجد اسم أبيكم السماوي الإله العظيم، وفي متى 6:1 يقول: لا تعملوا الأعمال الصالحة وغرض قلوبكم اكتساب مدح الناس، إذ في حالة كهذه تضيع قيمتها أمام الله.
فالمسيح في إحدى الآيتين يدلّنا على الأعمال الصالحة، وفي الأخرى يحذرنا من إتيان الأعمال الصالحة عن باعث سيء.
قال المعترض: »جاء في متى 5:17-19 »لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل«. ولكن جاء في غلاطية 4:10 و11 »أتحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين؟ أخاف عليكم أن أكون قد تعبْتُ فيكم عبثاً«. فيقول بولس إن الناموس الخاص بحفظ الأيام والشهور والأوقات والسنين لا علاقة له بَعْد بالمؤمنين، والمسيح يقول: »لا يسقط حرف واحد من الناموس«..
وللرد نقول: أمدَّنا الكتاب المقدس بالمعلومات اللازمة لملاشاة الصعوبة الظاهرية، فيعلّمنا أن لله ناموساً صالحاً مقدساً ثابتاً إلى الأبد، هو الناموس الأخلاقي. فقول المسيح: »لا تسقط نقطة واحدة أو حرف واحد من الناموس« قُصد به الناموس الأخلاقي. كما أن بولس نفسه يثبت في رسالة غلاطية أن ناموس الله الأخلاقي لا يُنقَض. وعلى القارئ أن يدرس غلاطية 5:19-21 ليرى أنه لا يمكن أن يُستفاد من كلام بولس بُطلان التمييز بين الخير والشر (قابل رومية 3:31). هذا الناموس يديننا لأننا لم نحفظه. وليس معنى خلاصنا أن الناموس قد أصبح ميتاً لكوننا في عهد النعمة، فإن المسيح نائبنا قد وفّى مطالب الناموس إلى التمام.. ولا يفوتنا أن بعض النواميس الواردة في العهد القديم كان المقصود بها شعب إسرائيل دون سواهم، وكانت ثابتة في تدبير العهد القديم فقط. ونجد في أسفار العهد القديم إشارات ومواعيد تثبت هذه الحقيقة (انظر إرميا 31:31-34). وقد أورد كتَبَةُ العهد الجديد فصولاً عديدة تفيد هذه الحقيقة المجيدة وهي تحريرنا من عبودية الناموس الطقسي (قابل أعمال 15:7-11 وكولوسي 2:16 و17 وأفسس 2:15).
وتتَّفق سلسلة الآيات هذه مع ما جاء في رسالة غلاطية حيث يوبخ بولس المؤمنين المتزعزعين على تمسّكهم بالفروض القديمة التي تقضي بضرورة حفظ الأيام والشهور والأوقات والسنين. فما يُستفاد من تعليم بولس هو أن تلك الفرائض كان يجب حفظها طالما كان الناموس المختصّ بها سارياً، أي في العهد القديم. ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه (غلاطية 4:4) وإذ ذاك بَطُل عهد الناموس الطقسي، وتوقَّفت الفرائض الطقسية التي أعطاها الله بواسطة موسى. فالكتاب بجملته يفيد ويؤكد أن الناموس الطقسي كان سارياً إلى وقت مجيء المسيح فقط. إن الفصلين صادقان. فبولس يتكلم عن الناموس الطقسي، والمسيح يشير إلى الناموس الأخلاقي.
قال المعترض: »أعلن المسيح في متى 5:17 أنه لم يأتِ لينقض الناموس بل ليكمله. ولكن يناقض هذا قول العبرانيين 7:18 »فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها«..
وللرد نقول: تقدم الموعظة على الجبل (التي اقتبس المعترض منها متى 5:17) مثلاً بعد آخر يبرهن أن المسيح أكمل الناموس والأنبياء ولم ينقضهما. ولا زلنا نحن المسيحيين نحترمهما ونقرأهما في عبادتنا بالكنائس.
أما ما جاء في العبرانيين 7:18 فيتحدث عن أحد أجزاء الشريعة التي بطلت بعد تحقيق الغرض منها، مثل الذبائح التي طالبت شريعة موسى بها، وكانت تشير إلى حاجة البشر لذبيحة المسيح الكفارية. فلما تمَّت ذبيحة الصليب لم تعد هناك حاجة للذبائح التي طالبت شريعة موسى بها.
لقد كانت أجزاء الشريعة التي بطلت مثل الشيك على البنك، تبطل قيمته بعد صرف المبلغ من البنك. ونحن لا نقول إن البنك ألغى الشيك، بل أكرمه بأن دفع قيمته.
ولم يكن ناموس موسى للعالم كله، ولكنه كان عهداً بين الله وبني إسرائيل. أما ما به من مبادئ فأزلي دائم. فالمبادئ دائمة، لكن تفاصيلها تناسب عصرها وظروفها.
قال المعترض: »جاء في متى 5:22 »من قال لأخيه: رقا، يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم«. ولكن المسيح قال للفريسيين إنهم حمقى (متى 23:17) وقالها بولس لأهل كورنثوس (1كورنثوس 15:36) ولأهل غلاطية (3:1)«.
وللرد نقول: ليس المهم في الكلمة التي تُقال، بل في روح قولها. والذي ينهانا المسيح عنه هو قولة الغضب لإذلال الناس والسخرية منهم والإقلال من شأنهم. ولكن كلمة التوبيخ الذي يريد الصالح العام، بدافع الرغبة في الإصلاح، هي كلمة لازمة. كان المسيح وبولس يصفان مستمعيهما، لا بهدف تفشيلهم، بل لإبعادهم عن تصرفات الحماقة.
قال المعترض: »جاء في متى 5:39 »وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدّك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً« ولكن جاء في لوقا 22:36 »فأقول لكم الآن: من له كيس فليأخذه، ومذود كذلك. ومن ليس له فليبِع ثوبه ويشتري سيفاً«. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: من يدَّعي وجود تناقض بين هاتين الآيتين يعوزه الفهم الروحي. في متى 5:39 يقول المسيح ما معناه: »إذا وقع عليك اعتداء فتحمَّلْهُ بكل صبر، ولا تقابلْهُ بالنقمة«. هذه العبارة المقتبسة من موعظة الجبل تسبق مباشرة أمر المسيح لتلاميذه بمحبة الأعداء. فبقوله: لا تقاوموا الشر، يشير إلى إحدى الطرق التي بها نُظهر المحبة للأعداء. فإذا وقع علينا ظلم يجب أن نقابله بالمحبة لا بالنقمة. فبدلاً من أن نسيء إلى من يعتدي علينا يجب أن نخدمه بحسب حاجته، إظهاراً للمحبة.
وهنا يسأل سائل إذا سطا على بيتنا لصّ، ألا يجوز أن نستغيث برجال الشرطة، أم هل نترك أمتعتنا للنهب؟ وردّاً على هذا نقول: في مثل هذه الأحوال يجب أن ننقاد بروح المحبة والرأفة، لا بروح الحقد والانتقام. إذا أضرم عدو ناراً في بيتنا مثلاً، فمحبتنا لذوينا توجب علينا إخماد النار. وعملٌ كهذا تقضي به حتى محبتنا لأعدائنا، لأننا إن قصرنا في إخماد النار يزداد الشر الذي قصده العدو. والخلاصة أن المسيح يقصد تعليم هذا المبدأ »اغلب الشر بالخير« (رومية 12:21). وعلى هذا فإن محبتنا لِلّص تجعلنا نوقفه عن السرقة، ومحبتنا للكاذب تجعلنا نوقفه عن الكذب، ومحبتنا للدكتاتور تجعلنا نوقفه عن دكتاتوريته.. كما أن محبتنا للشخص المسروق تجعلنا نحميه من أن يسرقه اللصوص، ومحبتنا للمخدوع تجعلنا نحميه من الذي يكذب عليه، ومحبتنا للمظلوم تجعلنا نحميه من الذي يظلمه. والمحبة إيجابية فعّالة.
نحتاج إذاً إلى روح تمييز لنعرف كيف لا نقاوم الشر، وكيف نقاوم الشر. فإن الطريقة التي بها نظهر المحبة للأعداء يكون الحكم فيها بحسب الظرف الواقع.
قال المعترض: »في متى 5:48 يطالبنا المسيح أن نكون كاملين. وهكذا يطالب الرسول بولس المؤمنين في فيلبي 3:15. ولكن بولس في فيلبي 3:11 و12 يقول إنه لم يصل للكمال«.
وللرد نقول: الكمال المطلوب هو كمال النيّة في طاعة الله، إذ يريد الإنسان بكل قلبه وإرادته أن يطيع. والكمال الذي لا يبلغه الإنسان هو كمال النضوج المسيحي، فكلما بلغ درجة من الكمال وجد درجة أعلى لم يبلغها بعد. فعلينا بكل النيّة أن نسعى وراء الكمال، عالمين أننا لم نبلغ القمة بعد، فنظل طول عمرنا نتقدم للأمام.
قال المعترض: »جاء في متى 6:7 و8 »حينما تصلّون لا تكرّروا الكلام باطلاً كالأمم، فإنهم يظنّون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم. فلا تتشبَّهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه«. ولكن جاء في متى 18:1 »ينبغي أن يُصلّى كل حين ولا يُملّ«. يقول أحد الفصلين صلوا بالإيجاز، ويقول الآخر: صلوا على الدوام وبلا انقطاع«.
وللرد نقول: بقليل من التأمل نكتشف أنه لا تناقض بين القولين، فمتى يتكلم عن صلاة ظاهرية قاصرة على مجرد كلام. وقد زعم الأمم أن قيمة الصلاة في عدد كلماتها وكثرتها، ولذا كانوا يكررون أقوالاً وعبارات كثيرة بطريقة ميكانيكية دون أن تعبّر أقوالهم عن معانٍ في قلوبهم، فوبَّخ المسيح مثل هذه الصلاة.
ولكن توجد صلاة مستمرة مقبولة عند الله ومرضيّة أمامه، هي صراخ القلب إليه باشتياق وإخلاص. وصاحب هذه الصلاة لا يفشل ولا يمل ولا يتوقَّف إذا أبطأ الرب في الإجابة. على أن المؤمن عند عدم استجابة صلاته سريعاً معرَّض لخطر الشك في استماع الله له فيكفّ عن الصلاة. ولذا يحثّنا المسيح في لوقا 18:5-7 على الاستمرار في الصلاة حتى ولو ظهر كأن أبواب السماء موصدة في وجوهنا. والخلاصة أن المسيح يوبخ صلاة الأمم المطوَّلة المجرَّدة من المعنى وما يشابهها. ويحضّ على اللجاجة في الصلاة الصادرة من قلب واثق مخلص.
وجاء في 1تسالونيكي 5:17 »صلّوا بلا انقطاع« بمعنى أن تكون حياة المؤمن كلها حياة صلاة، وأُنساً دائماً بالله. وقد يظهر هذا الأمر مناقضاً لتعليم المسيح عن بطلان كثرة الكلام (متى 6:7)، ولكن المتأمِّل يرى أن المسيح يعلّمنا أنه من الخطأ أن نظن أن كثرة الكلام تزيد الله علماً باحتياجاتنا، لأنه يعرفها كلها قبل أن نعرفها نحن. ولكن في 1تسالونيكي 5:17 يتكلم بولس عن حالة القلب، فيحضّنا أن نحيا دائماً في جوّ الصلاة، فنفتكر عن الله وننشغل به كما يفعل الطفل من جهة أبويه. فيجب أن نرغب على الدوام في بَسْط كل مسائلنا ومشاكلنا أمامه، والانقياد على الدوام بكلمته وروحه.
هذان الفصلان لا يتضمَّنان أقوالاً متناقضة، بل يؤيدان حقيقتين مهمتين: أولاهما أن الصلاة يجب أن لا تكون ميكانيكية على أساس الظن أن فاعليتها تتوقف على كثرة الكلام. والثانية أن حياة المسيحي يجب أن تكون حياة صلاة غير منقطعة وأنساً دائماً بالله.
قال المعترض: »ورد في متى 6:13 »ولا تُدْخلنا في تجربة لكن نجِّنا من الشرير، لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين«. وقد أُضيفت جملة »لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد« في ما بعد، ولا توجد في التراجم اللاتينية ولا في غيرها«.
وللرد نقول: هذه الجملة تسبيحة وتمجيد لله، وهي ثابتة في نسخ عديدة قديمة. ومما يدل على إنها أصلية وليست ملحقة: (1) كان اليهود يختمون صلواتهم بجملة تسبيحات تشبه الصلاة الربانية. قال آدم كلارك: »ثبت عندي أنها أصلية لقدمها«. (2) لأنها ثابتة في نسخ عديدة.
قال المعترض: »ورد في متى 6:18 »فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية«. قال آدم كلارك إن كلمة »علانية« زائدة، وإن كرسباخ ووتستين وبنجل أسقطوها من النص«.
وللرد نقول: تكلم المسيح في أول متى 6 عن الصَّدقة والصلاة والصوم، وقال: »متى صنعت صدَقةً فلا تصوِّتْ قدامك بالبوق« إلى أن قال »فلا تعرِّفْ شمالك ما تفعل يمينك«. ثم قال في آية 4 »لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية«. ثم تكلم عن الصلاة فقال في آية 6 »ومتى صليت فادخُل إلى مخدعك واغلق بابك وصلّ إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية«. ثم تكلم عن الصوم وقال في آيتي 17 و18 »وأما أنت فمتى صُمْت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية«. فترى أن الحديث كله جرى على نسق واحد. ولو حُذفت كلمة »علانية« من العبارة الثالثة لدلَّت عليها العبارتان السابقتان. فسياق الكلام يستلزم وجودها لفظاً أو تقديراً. ولا ننكر أن هذه اللفظة المذكورة في آية 18 لم تثبت في بعض النسخ، ولكنها ثبتت في غيرها، وسياق الكلام يدل عليها.
قال المعترض: »جاء في متى 6:31 »فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس؟« ولكن جاء في 2تسالونيكي 3:12 »فمثل هؤلاء نوصيهم ونعظهم بربنا يسوع المسيح أن يشتغلوا بهدوء ويأكلوا خبز أنفسهم«. يظهر هنا كأن المسيح يعلّم عدم التدبير، بينما بولس يلوم على هذا«.
وللرد نقول: لم يقصد المسيح في متى 6:31-34 أن يعلّمنا الكسل والإهمال والإسراف، وإنما يوصينا أن لا نشغل قلوبنا بهموم هذه الحياة. وهذا ما نستفيده من آيات كثيرة في العهدين القديم والجديد، فيقول مزمور 127:2 »باطلٌ هو لكم أن تبكروا إلى القيام، مؤخّرين الجلوس، آكلين خبز الأتعاب. لكنه يعطي حبيبه نوماً«. ويقول مزمور 55:22 »ألقِ على الرب همّك فهو يعولك. لا يدع الصديق يتزعزع إلى الأبد«. ونقرأ في فيلبي 4:6 »لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلَم طلباتكم لدى الله«.
ثم إن 2تسالونيكي 3:12 لا يعلّم الطمع أو البُخل أو اشتهاء الأشياء الأرضية، بل يحرّض المؤمنين على الاجتهاد في العمل حتى لا يفتقروا فيصبحون عالةً على الآخرين. فنرى أن هاتين الآيتين تتكلمان عن وجهين لموضوع واحد. فالمسيح ينهى عن اشتهاء الأشياء الأرضية والسعي وراءها، وبولس ينهى عن التقاعد والكسل.
ونجد توحيداً لهاتين الوجهتين في تعليم بولس في 1كورنثوس 7:29-31. فعلى المؤمنين أن يعملوا باجتهاد دون أن يكونوا مستعبَدين لأشغالهم. وعلى كل مؤمن أن يتمم عمله بحسب الدعوة التي تلقّاها من الله، ذاكراً أن وطنه في السموات (انظر فيلبي 3:20 و21). فعلينا إذن أن نعمل لاكتساب معيشتنا، وأن نتذكر في الوقت نفسه أن الله يمدّنا بكل ما نحتاج إليه.
قال المعترض: »ورد في متى 7:14 »ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه«. وورد في 11:29 و30 »احملوا نيري عليكم وتعلَّموا منّي، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم، لأن نيري هيِّن وحملي خفيف«. وفي هذا تناقض«.
وللرد نقول: المسيحية منزَّهة عن الفرائض الثقيلة لأنها ديانة روحية لا تقوم بالأعمال الخارجية، غير أنها تعلِّم المؤمن أن يترك الخطية والشرور، التي هي سبب البلايا. فهي صعبة بالنظر إلى قداستها التي تطالب المؤمن بها أن يصلب الجسد وشهواته. ومع ذلك فهي سهلة لأن الباعث الأصلي والعامل الحقيقي فيها هو المحبة. فإذا وُجدت المحبة في المسيحي رأى لذةً في طاعة الأوامر وترك الخطايا بسهولة، وهان على المحب كل شيء . فنير المسيح هيّن وخفيف، وهذا لا ينافي أن الطريق المؤدي إلى الحياة هو صعب وكرب، ولاسيما على الذين فضّلوا محبة العالم وانغمسوا في الرذائل.
اعتراض على متى 8 - متى هاج البحر؟
انظر تعليقنا على مرقس 4:35-41
قال المعترض: »جاء في متى 8:4 أن المسيح قال لأبرصٍ شفاه »انظر أن لا تقول لأحد« وجاء في متى 16:20 عن المسيح »حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحدٍ إنه يسوع المسيح«. وتكرر الأمر بإخفاء الحديث في متى 17:9 ومرقس 7:36 و8:30 و9:9 ولوقا 5:14 و8:56 و9:21. وهذا يتناقض مع وصية المسيح الأخيرة في متى 28:19 » اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم«.
وللرد نقول: الأمر النهائي للمسيح كان إعلان رسالة الإنجيل للعالم كله. وقبل الصليب أمر المسيح أحياناً بإعلان أخبار معجزاته وتعاليمه، كما قال للمجنون الذي شفاه: »اذهب إلى بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك« (مرقس 5:19). ولكنه في مرات أخرى، أمر بعدم الإعلان أو أمر بتأجيله لحكمة عنده، كما قال مرة لبعض تلاميذه عن حادثة التجلي: »لا تُعلِموا أحداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات« (متى 17:9 - قارن مرقس 9:9). لقد كان الناس يتبعونه بحماس كقائد سياسي، فطلب منهم مرات عدم الإعلان حتى يتمم خدمته في هدوء، كما يشرح لنا البشير في مرقس 7:36 »فأوصاهم أن لا يقولوا لأحد، ولكن على قدر ما أوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيراً«. وقد اضطرته حماسة الجماهير أن يعتزل في البراري (لوقا 5:14-16)، لأنه لم يكن المحرر السياسي لليهود، بل المخلِّص الروحي للعالم كله.
قال المعترض: »يقول متى 8:5-13 إن قائد المئة جاء إلى المسيح بنفسه، بينما يذكر لوقا 7:1-10 أنه أرسل شيوخ اليهود يحملون رسالته للمسيح. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: لا تناقض، فقد طلب قائد المئة طلبته من المسيح بواسطة شيوخ اليهود. وقد يكون أنه جاء للمسيح بنفسه بعد أن أرسل شيوخ اليهود، فلما أبطأوا عليه توجَّه بذاته. واقتصر البشير متى على ذكر طلب قائد المئة لأنه الطالب الحقيقي، أما لوقا فذكر مساعي أئمة اليهود، لأنهم أول من فاتح المسيح في شفاء الغلام. ومن الأمور القانونية المقرّرة أن ما يفعله الإنسان بواسطة غيره يُنسب إليه فعله، لأنه يكون السبب فيه، وما يعمله الوكيل يُنسب إلى موكله. كما أن تلاميذ المسيح عمَّدوا الناس، وعُزي العماد للمسيح (يوحنا 4:1).
قال المعترض: قال المسيح: »للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار. وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه« (متى 8:20)، فوصف نفسه بأنه »ابن الإنسان«. وقد جاء هذا اللقب عنه في إنجيل متى 30 مرة، وفي مرقس 15 مرة، وفي لوقا 25 مرة، وفي يوحنا 12 مرة.. وهذا يعني أنه كان إنساناً عادياً، وليس هو الله«.
وللرد نقول: وصف المسيح نفسه بأنه ابن الإنسان، ليس لأنه كان إنساناً عادياً، لكن لأنه اتَّخذ جسد إنسان لما وُلد من العذراء القديسة مريم. وكان في هذا الجسد رفيقاً للإنسان ومحباً ومعلّماً له، كما سيكون فيما بعد ملكاً على الإنسان. ومما يدل على أن ابن الإنسان هو ابن الله الأزلي، أنه عُرف بهذا اللقب من قبل ميلاده. فقد ظهر لدانيال النبي في هيئة ابن الإنسان سنة 500 ق.م. فقال دانيال: »كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان، أتى وجاء إلى قديم الأيام، فقرَّبوه قدامه، فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض« (دانيال 7:13 و14).
قال دانيال النبي عن المسيح إنه »ابن إنسان«، ولم يقل إنه »ابن الإنسان« (بأل التعريف)، لأنه لم ينظر إلى المسيح في علاقته مع الناس، بل من حيث المظهر العام الذي كان يبدو به في الرؤيا، والذي كان عتيداً أن يبدو به بالتجسد، في يوم من الأيام.. أما »قديم الأيام«»قديم الأيام« للتمييز بين »الابن« في ناسوته الحادث، والله أو اللاهوت في أزليته التي لا بدء لها. وهذه نبوَّة عن مجيء المسيح في آخر الدهور، لتسلُّم زمام المُلك في العالم. ومن البديهي أنه وحده هو الذي يحقّ له أن يقوم بهذه المهمّة، لأن الذي خلق البشر وصنع لهم خلاصاً من خطاياهم، هو الذي يتولى المُلك عليهم ومحاسبتهم على أعمالهم. ومن البديهي أيضاً أنه سيقوم بهذه المهمّة، بوصفه ابن الإنسان الظاهر في الجسد، لأنه بهذا الوصف هو القائم بإتمام مشيئة الله بين الناس، ولأن محاسبة الله (في جوهره غير المدرَك) للناس، تكون موضع اعتراض منهم، لأنه سبحانه (من هذه الناحية) لم يشاركهم في طبيعتهم البشرية التي يتعرضون بسببها للخطأ، لكن لا يكون هناك اعتراض إذا قام بهذه المهمة الله المتأنس أو ابن الإنسان. وقد أشار له المجد إلى هذه الحقيقة فقال: »لأن الآب لا يدين أحداً، بل قد أعطى كل الدينونة للابن، وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً، لأنه ابن الإنسان« (يوحنا 5:22 و27). فهو الله في أزليته، وابن الإنسان هو أقنوم الابن في المركز الناسوتي الذي كان عتيداً أن يأخذه، وهذا هو مركزه أن يُقال عنه إنه اقترب إلى
وقد أطلق المسيح على نفسه لقب »ابن الإنسان« بمعنى »ابن الله« مرات متعددة أمام رؤساء اليهود الذين اجتمعوا لمحاكمته، فقال لهم: »مِنَ الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء« (متى 26:64) مشيراً بذلك إلى أنه المقصود بابن الإنسان الذي تتعبد له كل الشعوب، والذي تنبأ عنه دانيال النبي من قبل. ومما يدل على أن رؤساء الكهنة فهموا قَصْد المسيح من إطلاق لقب »ابن الإنسان« على نفسه، أنهم عندما سمعوا قوله هذا، مزَّق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً: »قد جدّف«. وهذا دليل واضح على أن المراد بـ »ابن الإنسان« هو »ابن الله« بعينه.
ويُقصد بالاصطلاح »ابن الله« الله مُعَلناً في كمال ذاته وصفاته. والاصطلاح »ابن الإنسان« يراد به الإنسان معلَناً في كمال الصفات التي خلقه الله بها أولاً. وبما أن الإنسان خُلق في أول الأمر على صورة الله، لذلك فإن »ابن الإنسان« أو »الإنسان الكامل« أو »المسيح« يكون هو صورة الله في الإنسان، أو هو الله ظاهراً في الإنسان، لأن صورة الله ليست في الواقع سوى ذاته، إذ أنه ليست له صورة بعيداً عنها. وقد تبدو هذه الحقيقة غريبة في نظر بعض الناس، لكنها تتفق مع الحق الإلهي كل الاتفاق. ويُراد بالاصطلاح »ابن الله«»أقنوم الابن« في علاقته مع الله أو اللاهوت، كما يُراد بالاصطلاح »ابن الإنسان« »أقنوم الابن« في علاقته مع الإنسان. فإذا ذكرنا أن الإنسان في نظرنا ليس هو الهيكل البشري الخارجي، بل هو مجموعة صفات الإنسانية السامية (لأننا نقول عمَّن تتوافر فيه هذه الصفات إنه »إنسان« أو »الإنسان«، وعمَّن لا تتوافر فيه هذه الصفات إنه »ليس إنساناً«)، اتضح لنا أن الشخص الجدير بأن يُدعى »الإنسان« أو الإنسان الكامل، أو »ابن الإنسان« ، هو المسيح وحده، وذلك للأسباب الآتية:
(1) لم يُولد المسيح بالتناسل الطبيعي مثل الناس، بل وُلد من عذراء، فلا يصحّ أن يُقال عنه إنه »ابن آدم« مثل أحد الناس. فإذا أردنا أن نسند شخصه من جهة الناسوت إلى بشر كابن، فإنه لا يُدعى »ابن آدم« بل »ابن مريم« أو »نسل المرأة« (تكوين 3:15).
( 2) لا يُقصد بكلمة »الإنسان« الرجل وحده، بل يُقصد بها الرجل والمرأة على السواء، لأنها تدل على الإنسان عامة. فتسمية المسيح بـ »ابن الإنسان« لا يُفهم منها أنه »ابن آدم« بل أنه ابن الإنسان عامة، أو ابن الإنسانية وممثّلها، بوصفه المتأنس منها لكي يأخذ بناصرها.
(3) كما أن هناك أبناء كثيرين لله، ولكن المسيح وحده هو »ابن الله«، هناك أبناء كثيرون للناس، لكن المسيح وحده هو »ابن الإنسان«. ولذلك هو وحده أطلق هذا اللقب على نفسه. وتدل كل القرائن على أنه قصد به »المعلِن لله« أو »الله معلَناً«. لأنه أعلن أنه بوصفه ابن الإنسان يغفر الخطايا (مرقس 2:7) ويمنح الخلاص والسلام (لوقا 7:50) ويعطي الأموات بالخطية حياة روحية أبدية (يوحنا 5:25) ويجازي كل واحد حسب أعماله (متى 16:27) وغير ذلك من الأعمال التي لا يقوم بها إلا الله. ومما يثبت صدق هذه الحقيقة أن اليهود استنتجوا من كلام المسيح أن للقب »ابن الإنسان« معنى غير المعنى الذي يتبادر إلى الذهن، فسألوه مرة في حيرة: »من هو هذا ابن الإنسان ؟« (يوحنا 12:34). وما كان للحيرة أن تجد مجالاً إلى نفوسهم، لو كانوا قد علموا أن »ابن الإنسان« هو بعينه »ابن الله«. فهو رب السبت أيضاً (مرقس 2:28).
قال المعترض: »في إنجيل متى 8:18-22 طلب كاتبٌ أن يتبع المسيح، واستأذن رجل آخر لدفن أبيه، ثم جاء ذكر معجزات باهرة أخرى، ثم قصة التجلي في أصحاح 17. أما لوقا فذكر الطلب والاستئذان في أصحاح 9 بعد قصة التجلي«.
وللرد نقول: راعى كل من متى ولوقا ترتيباً في ذكر معجزات المسيح وتعليمه حسب ما ساقه إليهما الروح القدس، فراعى أحدهما الزمان، وراعى الآخر المكان كما يُعلم من سياق الكلام. ولو أن أحدهما أثبت شيئاً ونفاه الآخر لقلنا إن هناك تناقضاً.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
قال المعترض: »جاء في متى 8 أولاً شفاء الأبرص بعد الموعظة على الجبل، ثم شفاء عبد قائد المئة بعد دخوله كفرناحوم، ثم شفاء حماة بطرس. ولكن لوقا (في أصحاح 4) ذكر أولاً شفاء حماة بطرس، ثم في لوقا 5 شفاء الأبرص، ثم في لوقا 7 شفاء عبد قائد المئة. فأحد البيانين غلط«.
وللرد نقول: لو ذكر لوقا الآيات في أصحاح واحد لكان الاعتراض عليه في محلِّه، ولكنه ذكرها في أصحاحات متنوعة لمناسبات مختلفة. ولا يخفى أن بعض الرسل كان يراعي في سرد معجزات المسيح الترتيب التاريخي، والآخر يراعي المكان، والآخر مناسبات الأقوال، بما لا يخرج عن التوافق والتطابق. وكان البعض يراعي نتائج المعجزة وتأثيرها على السامعين وما ترتَّب عليها من هداية الأنفس، فيقدمها على غيرها من المعجزات.
قال المعترض: »ورد في متى 8:28 أنه لما جاء المسيح إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور، وورد في مرقس 5:2 ولوقا 8:27 أنه استقبله من القبور إنسان به روح نجس. مجنون واحد أو اثنان؟ «.
وللرد نقول: اقتصر مرقس ولوقا على ذكر المجنون الذي كان أشد هياجاً وعربدة، والذي كان من الأمم، لأن غايتهما كانت إفادة الأمم، فذكرا لهم الشخص الذي كانوا يعرفونه، وصرفا النظر عن اليهودي. ولنفرض أن شخصين توجها إلى مستشفى الأمراض العقلية، وبعد خروجهما شرحا ما شاهداه (وعلى منوال متى ولوقا) اقتصر أحدهما على ذكر مجنون واحد وصرف النظر عن الآخر، بينما ذكر الراوي الثاني الاثنين. فهل يجوز أن نقول إن كلامهما متناقض؟ كلا! لكن لو قال أحدهما إنه لم يكن هناك غير مجنون واحد لكان تناقضاً.
قال المعترض: »جاء في متى 8:31 و32 أن المسيح أهلك قطيع خنازير سمح للشيطان بدخوله، فاندفع إلى البحر ومات. لماذا يؤذي المسيح أصحاب الخنازير بإهلاك الثروة الحيوانية؟«.
وللرد نقول: (1) للمسيح الحق أن يستخدم الوسائل الرمزية لإعلان حقه. لقد لعن شجرة تين فيبست (متى 21:20) ليدين النفاق. وهنا أدان النجاسة. فقد اعتبر الناس في ذلك العصر الخنازير رمزاً للشهوات والفساد، كما نعتبر الثعلب في زمننا رمزاً للمكر والخداع. وقد نظر اليهود للخنازير نظرة احتقار، بسبب الضرر الصحي لأكل لحومها، والضرر الطقسي حسب شريعة موسى، ثم لشراستها، وكانوا يشّبهون السكير المتمرّغ في الوحل بالخنزير القذر.
(2) لم يهلك المسيح الخنازير، بل الخنازير لما وجدت نفسها تحت سلطة الشياطين اندفعت للهلاك تحت تأثير الفزع والخوف، فأهلكت نفسها.
قال المعترض: »نقرأ في متى 9 قصة المجنون الأخرس، وفي متى 10 إعطاء المسيح تلاميذه قدرة على إخراج الشياطين وشفاء المرضى وإرسالهم، ثم ذكر آيات أخرى، وذكر قصة التجلي في أصحاح 17 . وكتب لوقا أولاً في أصحاح 9 إعطاء المسيح لتلاميذه قدرة على المعجزات، ثم قصة التجلي. وفي هذا الأصحاح وفي أصحاح 10 وأول أصحاح 11 ذكر معجزات أخرى، ثم ذكر معجزة المجنون الأخرس«.
وللرد نقول: راعى أحد البشيرين المعجزات التي صنعها المسيح لليهود، فذكرها أولاً، وأخّر الأقوال التعليمية عنها كما فعل متى. والآخر قدم التعاليم والخطابات الإلهية على المعجزات. وبصرف النظر عن ذلك، فالمسيح صنع معجزات كثيرة قبل التجلي وبعده، وأخرج شياطين من أكثر من مجنون أخرس.
قال المعترض: »ورد في متى 9:9 أن الذي دعاه المسيح عند مكان الجباية هو متى، وورد في مرقس 2:14 أن اسمه لاوي بن حلفَى، وورد في لوقا 5:27 أن اسمه لاوي«.
وللرد نقول: (1) تدل القرائن التي ذكرها كل منهم على أن الشخص واحد، فكل منهم ذكر وظيفته، وقال إنه كان جالساً عند مكان الجباية، وإن المسيح دعاه ليتبعه، واختاره ليكون من التلاميذ فترك كل شيء وتبعه.
(2) كثيراً ما يُسمى الشخص باسمين، فبطرس يُسمَّى سمعان ويُسمَّى صفا. وقد غيَّر شاول الطرسوسي اسمه إلى بولس عندما صار مسيحياً. والمعهود بيننا أنه إذا انتقل الإنسان من حالة إلى أخرى غيّر اسمه إشارة إلى رفض الحالة السابقة.
(3) اقتصر بعض التلاميذ على ذكر اسمه بدون ذكر اسم أبيه، اكتفاءً بذكر صناعته وظروفه الخصوصية، وهي هنا قوله إنه كان جالساً عند الجباية. ثم أن حلفى أبا يعقوب هو غير والد لاوي.
اعتراض على متى 9:13 - »إلى التوبة«
انظر تعليقنا على مرقس 2:17
قال المعترض: »بين متى 9:18 ومرقس 5:23 في قصة ابنة الرئيس اختلاف، فالأول قال إن الرئيس قال للمسيح ابنتي ماتت، والثاني قال إنها على آخر نَسَمة«.
وللرد نقول: قال إنجيل متى إن يايرس قال للمسيح إنها ماتت. ولكن إنجيل مرقس يقول إن يايرس قال: »ابنتي الصغيرة على آخر نسمة«. ويصف إنجيل لوقا حالتها بأنها كانت في حال الموت (لوقا 8:42). والحقيقة هي أنه عندما ترك يايرس بيته كانت على وشك الموت، وعندما وصل إلى المكان الذي كان المسيح فيه لم يكن يدري إن كانت ابنته حية أو ماتت. فوصفها مرة بأنها ماتت ومرة أخرى بأنها على وشك الموت، فقال: »ابنتي الصغيرة على آخر نسمة. ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتُشفى فتحيا«. وكلمة »لتشفى« لأنها مريضة، وكلمة »لتحيا« لأنها ماتت. فالرجل لم يكن متأكداً من حالة ابنته، فتحدث مرة عن خطورة حالتها وطلب شفاءها، ومرة أخرى تحدث عن موتها.
قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 10:2-4 »وأما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي: الأول سمعان الذي يُقال له بطرس وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه. فيلبّس وبرثلماوس. توما ومتى العشار. يعقوب بن حلفى ولباوس الملقب تداوس. سمعان القانوي ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه«. ولو صحّ أن المسيح هو خاتمة الأنبياء والمرسلين فلا يكون تلاميذه أنبياء. ويعتبر المسيحيون تلاميذ المسيح أفضل من موسى وسائر أنبياء بني إسرائيل، مع أن يهوذا الإسخريوطي الخائن كان واحداً من هؤلاء، ويُقال إنه ممتلئ بالروح القدس!«.
وللرد نقول: تحققت كل نبوات الأنبياء الذين تنبأوا عن مولد المسيح وزمانه ومكانه وأعماله ومعجزاته وآلامه وصلبه وقيامته وصعوده. وتمَّت كل نبوَّاتهم بظهور المسيح الذي اتَّخذ التلاميذ رسلاً له، لينشروا بشرى الخلاص، فكانوا نوراً للناس، والمسيح قال لهم: »مَنْ قبِلَكم فقد قَبِلَني، ومَنْ رفضكم فقد رفضني«. وبذلك خُتمت النبوَّة، ولم يأتِ نبي بعد المسيح ورسله. بل إن المسيح حذر تلاميذه ممن يدَّعي النبوَّة والرسالة بعده، وقال لهم يأتي بعدي الأنبياء الكذبة (انظر متى 24:11).
أما كلام المعترض عن يهوذا الإسخريوطي فمردود عليه بأن وجود منافق وسط الأبرار لا يقدح في صلاحهم، والمسيح كان يعرف حقيقة يهوذا، ولكنه قال عن الحنطة والزوان: »دعوهما ينميان كلاهما معاً إلى الحصاد«، (متى 13:30) فيجمع الزوان للنار ويُدخِل الحنطة في المخازن. فكذلك الحال مع كنيسة الله، ففي أعضائها الصالح والطالح إلى أن يأتي اليوم الأخير. ومع ذلك فلما أظهر يهوذا الخيانة نخسه ضميره على خيانته، وتأكد أنه أسلم القدوس لأجل الأثمة، فلم يسعه سوى الانتحار.
قال المعترض: »الذي يراجع متى 10:2-4 ومرقس 3:16 ولوقا 6:13-16 يجد أنهم اتفقوا في أسماء 11 من التلاميذ، هم بطرس وأندراوس ويعقوب بن زبدي ويوحنا وفيلبس وبرثولماوس وتوما ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان ويهوذا الإسخريوطي، واختلفوا في اسم الثاني عشر. قال متى »لباوس الملقب تداوس« وقال مرقس »تداوس« وقال لوقا »يهوذا أخو يعقوب«.
وللرد نقول: ذكر متى لباوس وسمعان القانوي، ولكن لوقا أورد بدلاً من هذين يهوذا أخا يعقوب وسمعان الغيور. على أن سمعان الغيور هو نفسه سمعان القانوي. وكلمة »قانوي« هي اللفظة العبرانية لكلمة »غيور«. وإذ ذاك تزول أول عقدة.
ولابد أن يكون لباوس هو يهوذا أخا يعقوب، إذ يظهر أنه كان له أكثر من اسم واحد. فعلاوة على اسم يهوذا الذي كان يُعرف به وقتئذ، كان يُطلق عليه أحياناً اسم لباوس وتداوس، ومعناهما واحد. وكانت العادة في ذلك العصر تسمية الشخص باسمين، كما نرى في مسألة بطرس، فاسمه الأصلي سمعان، ودعاه المسيح صفا وبطرس.
قال المعترض: »ورد في متى 10:5 و6 أن المسيح أوصى تلاميذه الاثني عشر أن يبشّروا خراف بيت إسرائيل الضالة. وفي متى 15:24 قال: »لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة«. مع أن المسيح قال في مرقس 16:15 »اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها«. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: القانون الذي وضعه المسيح لرسله هو أن يكرزوا أولاً لبني إسرائيل، وبعدها يكرزون للجميع. ويعلّمنا كتاب الله أن واجبنا الأول هو العناية بأهل بيت الإيمان أولاً، ثم التبشير لغيرهم. فلا تناقض، وإنما فيه تقديم بيت إسرائيل على غيرهم. كما أن التلاميذ كانوا في رحلة تبشيرية تدريبية، فكان من الحكمة إرسالهم إلى من يعرفون لغتهم وعاداتهم ويتفقون معهم في معتقداتهم. وعلى هذا كان البدء في خدمتهم بين اليهود، الذين يَسْهل على التلاميذ الاتصال بهم. ولما أكمل تلاميذ المسيح تدريبهم كلَّفهم المسيح بالمهمة الكاملة وهي تبشير العالم أجمع.
وهناك حكمة أن نبدأ بمن نعرفه، ولكننا لا نتوقَّف عنده، بل نمتد منه إلى من لا نعرفه، ولذلك كانت نصيحة المسيح لتلاميذه قبل صعوده: »ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً، في أورشليم، وفي كل اليهودية، والسامرة، وإلى أقصى الأرض« (أعمال 1:8).
لا تناقض بين الأمرين، بل الثاني مبنيّ على الأول ويكمله. نبدأ ببني إسرائيل المعروفين، ونكمل الكرازة للأمم غير المعروفين.
قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 10:10 ولوقا 9:3 أن المسيح منع تلاميذه عن أخذ العصا، وجاء في مرقس 6:8 أنه سمح لهم بأخذ العصا«.
وللرد نقول: لنورد عبارة البشير متى من عدد 9 ليظهر المعنى. قال: »9 لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم 10 ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا«. أما عبارة إنجيل مرقس من عدد 8 فتقول: »وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط، لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المنطقة، بل يكونوا مشدودين بنعال ولا يلبسوا ثوبين«.
والصعوبة التي تظهر عند مقابلة هذين الفصلين هي أن المسيح حسب ما جاء في متى منع التلاميذ من أخذ عصا، بينما الوارد في مرقس يفيد أنه أذن لهم بأخذ العصا. ويقول متى إنه أوصاهم أن لا يأخذوا أحذية، بينما في مرقس سمح لهم أن يلبسوا أحذية. على أن التوفيق بين هاتين العبارتين يأتي من مقابلة النهيين المستعملين فيهما. فالنهي الوارد في متى هو قوله »لا تقتنوا« أما النهي الوارد في مرقس فهو أن »لا يحملوا«»اذهبوا كما أنتم بما معكم الآن. إن كانت معكم عصا فخذوها«. ولكنه لم يسمح لهم بشراء عصا أخرى. وكانوا أيضاً لابسين أحذية فأمرهم أن يكتفوا بها ولا يشتروا غيرها. من هنا نرى أن الفصلين لا يتناقضان، بل يوضح أحدهما الآخر. مما يعني أن المسيح في إنجيل متى ينهاهم عن شراء أشياء جديدة، أما في مرقس فيريهم ما يجب أن يأخذوه معهم في سفرهم. فكأنه بحسب الوارد في مرقس يقول لهم:
قال المعترض: »ورد قول المسيح في متى 10:19 و20 »فمتى أسلموكم، فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم«. وورد في لوقا 12:11 و12 »ومتى قدموكم إلى المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تحتجون أو بما تقولون، لأن الروح القدس يعلّمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه«. وكذلك ورد هذا القول في مرقس 13:11. فالمسيح وعد لمريديه أن الشيء الذي يقولونه عند الحكام يكون بإلهام الروح القدس، وهذا غلط. فورد في سفر الأعمال 23:1-5 »فتفرَّس بولس في المجمع وقال أيها الرجال الإخوة، إني بكل ضمير صالح قد عشتُ لله إلى هذا اليوم«. فأمر حنانيا رئيس الكهنة الواقفين عنده أن يضربوه على فمه، حينئذ قال له بولس: »سيضربك الله أيها الحائط المبيض. أفأنت جالس تحكم عليّ حسب الناموس، وأنت تأمر بضربي مخالفاً للناموس؟« فقال الواقفون: أتشتم رئيس كهنة الله؟ فقال بولس: لم أكن أعرف أيها الإخوة أنه رئيس كهنة، لأنه مكتوب: رئيس شعبك لا تقل فيه سوءاً«.. فلو كان القول المذكور صادقاً لما غلط الرسول بولس. فغلط بولس دليل على عدم صدق القول المذكور. هل يغلط الروح القدس؟«.
وللرد نقول: الذي يدرس تاريخ الرسل يظهر له أنهم جعلوا كل اعتمادهم على الله في وقت الاضطهاد. ولم يكن الرسل أثرياء ولا أقوياء، وإنما كان الروح القدس يؤازرهم، فكانت أسلحتهم روحية، وهي الحث على التوبة والإيمان والمحبة، وكان الروح القدس ينطق على ألسنتهم ويعمل فيهم، ويقويهم، وهو الذي أنجحهم وجرَّأهم على الوقوف أمام الملوك، وقوَّاهم على احتمال الشدائد والضيقات، »فذهبوا فرِحين من أمام المجمع لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل اسمه« (أعمال 5:41).
قال المعترض: »جاء في متى 10:23 »ومتى طردوكم من هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى، فإني الحق أقول لكم: لا تكمّلوا مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان«. قال المسيح هذا لتلاميذه وهو يرسلهم للكرازة للمدن الإسرائيلية. ولكن هذا منقوض بقول المسيح في متى 24:14 »ويُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادةً لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهى«.
وللرد نقول: هناك عدة تفسيرات لما يظهر أنه تناقض:
(1) قصد المسيح في متى 10:23 أنه في هروب التلاميذ من مدينة إلى أخرى لا يكونون قد زاروا كل مدن إسرائيل حتى تخرب أورشليم ويبطل النظام اليهودي، فيكون المسيح قد عاقب المدينة التي صلبته.
(2) مجيء ابن الإنسان في متى 10:23 له عدة معانٍ، فقد يعني انتصار قضية المسيح، وقد يعني خراب أورشليم، أو حلول الروح القدس يوم الخمسين، أو تثبيت دعائم كنيسته ونظامه في العالم.
(3) قصد المسيح أنهم قبل أن يزوروا كل مدن إسرائيل كارزين بالإنجيل يقوم المسيح من قبره، ويأتي إلى تلاميذه بالسلام والفرح.
قال المعترض: »جاء في متى 10:34 أن المسيح قال: »لا تظنّوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً«. وجاء في لوقا 12:51 أن المسيح قال: »أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض؟ كلا أقول لكم بل انقساماً، لأنه يكون من الآن خمسة في بيت منقسمين، ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة«. وهذا يتناقض مع قوله: »سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم« (يوحنا 14:27).
وللرد نقول: لم تكن الانقسامات هدف المسيح، لكنها كانت النتيجة الواقعية التي أعقبت ظهوره بين البشر. وبما أن إرادة الله الصالحة كانت تعمل في عالم مختل النظام، وكانت ضد إرادة الإنسان الشرير، فقد كانت النتيجة الحتميّة لذلك حدوث التفرقة والانقسام. وعندما آمن البعض بالمسيح رفضهم أفراد عائلتهم، فنشأ الانقسام عن ذلك. وحيثما كرز المسيحيون بأخبار إنجيله المفرحة قامت الاضطهادات ضدهم، فإن المسيح أرسلهم كحملان وسط ذئاب.
ومن يتبع المسيح لا يسير وراء العالم، وهذا يعني أنه سيعادي من يرفضون المسيح. لقد أبغض الخطاة المسيح، ولابد أنهم يبغضون تلاميذ المسيح، فإن صاحب العين المريضة يكره النور. إنهم الذئاب الذين يريدون هلاك الغنم! والسيف المقصود هنا هو سيف المسيح على الشيطان، أو سيف الاضطهاد من أعداء المسيح يهاجم تلاميذ المسيح. على أن أولاد الله يجدون سلام الله الكامل وسط اضطهاد الأعداء يوحنا 14:27 و16:33).
اعتراض على متى 11:3 - أم ننتظر آخر؟
انظر تعليقنا على متى 3:14
قال المعترض: »ورد في متى 11:10 وفي مرقس 1:2 وفي لوقا 7:27 »أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك«»هأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي«. فقوله »أمام وجهك« لا يوجد في كلام ملاخي. وجاء الاقتباس في ملاخي بضمير المتكلم، بينما في الأناجيل بصيغة المخاطب«. وهو مقتبَسٌ من ملاخي 3:1
وللرد نقول: نقل البشيرون الاقتباس من النبي ملاخي بالمعنى لا بحصر اللفظ، فقد قصد النبي ملاخي أن الله سيرسل أمام المسيح من يهيئ الطريق. والبشيرون مساوون لدرجة النبي ملاخي في الوحي وإعلان معاني كلام الله. (انظر تعليقنا على متى 2:23).
اعتراض على متى 11:14 - إيليا المزمع أن يأتي
انظر تعليقنا على متى 17:11 ولوقا 1:17 ويوحنا 1:20
اعتراض على متى 11:18 - لا يأكل ولا يشرب
انظر تعليقنا على مرقس 1:6
اعتراض على متى 11:29 و30 - الحمل كَرْبٌ أم خفيف؟
انظر تعليقنا على متى 7:14
اعتراض على متى 12:3 - داود وحده؟
انظر تعليقنا على مرقس 2:25 و26
قال المعترض: »يوجد تناقض بين قول المسيح في متى 12:4 إنه يمكث في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وبين الوقت الذي مرَّ بين موته وقيامته، فقد صُلب المسيح بعد ظهر يوم الجمعة وقام صباح الأحد. فإذا حسبنا مدة بقاء جسده في القبر نحكم بوجوده في القبر ساعات قليلة من بعد ظهر الجمعة، ثم السبت التالي بليلته، ثم جزءاً من يوم الأحد ما بين غروب الشمس يوم السبت وبدء يوم القيامة. وعلى هذا يكون جسد المسيح قد بقي في القبر جزءاً من يوم الجمعة، وكل يوم السبت، وجزءاً من يوم الأحد، وليس ثلاثة أيام وثلاث ليال«.
وللرد نقول: ونحن نرد على هذا الاعتراض يجب أن نأخذ في اعتبارنا ثلاثة أمور: (أ) كان اليهود يعتبرون بدء اليوم من غروب الشمس. (ب) وكانوا يعتبرون الجزء من النهار نهاراً كاملاً والجزء من الليل ليلاً كاملاً، فقد قال التلمود (أقدس الكتب عند اليهود بعد كتاب الله): »إضافة ساعة إلى يوم تُحسَب يوماً آخر، وإضافة يوم إلى سنة يُحسَب سنة أخرى«. (ج) وكان معنى اليوم عندهم هو المساء والصباح، أو الليل والنهار.
فإذا أخذنا هذه النقاط الثلاث في الاعتبار وجدنا أن مقدار الزمان المعبَّر عنه هنا بثلاثة أيام وثلاث ليال هو في الحقيقة يوماً كاملاً، وجزءاً من يومين آخرين، وليلتين كاملتين. هكذا سُمِّي في أستير 4:16 بثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، حيث يقول: »لا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلاً ونهاراً« ثم ورد في أستير 5:1 »وفي اليوم الثالث وقفت أستير في دار بيت الملك الداخلية« وحصل الفرج في هذا اليوم. ومع ذلك فقيل عن هذه المدة ثلاثة أيام.
وورد في 1صموئيل 30:2 »لأنه لم يأكل خبزاً ولا شرب ماء في ثلاثة أيام وثلاث ليال«. والحقيقة هي أن المدة لم تكن ثلاثة أيام بل أقل من ذلك، فإنه في اليوم الثالث أكل. وكذلك ورد في 2أخبار 10:5 »ارجعوا إليّ بعد ثلاثة أيام« ثم أورد في آية 12 »فجاء الشعب إلى يربعام في اليوم الثالث«. فلم تمض ثلاثة أيام كاملة بل مضى جزء منها. وفهم السامعون قصده. وأُطلِق في تكوين 42:17 و18 »ثلاثة أيام« على جزءٍ صغيرٍ منها، لأن يوسف كلّم إخوته في أواخر اليوم الأول، واعتُبر يوماً كاملاً، ثم مضى يوم واحد، وكلمهم في اليوم الذي بعده، فاعتبروا ذلك ثلاثة أيام. وإذا توفي إنسان قبل غروب الشمس بنصف ساعة حُسب له هذا اليوم كاملاً، مع أنه يكون قد مضى النهار بتمامه ولم يبق منه سوى نصف ساعة فقط.
قال المعترض: »جاء في متى 12:31 و32 »لذلك أقول لكم كل خطية وتجديف يُغفَر للناس. وأما من قال كلمةً على الروح القدس فلن يُغفر له، لا في هذا العالم، ولا في الآتي«. ولكن جاء في أعمال 13:39 »وبهذا يتبرَّر كل من يؤمن مِنْ كل ما لم تقدروا أن تتبرروا منه بناموس موسى«. فالمسيح يتكلم عن وجود خطية لا غفران لها، مع ورود فصول شتى في الكتاب تُثبت المعنى المتضمَّن في أعمال 13:39 إن كل الذين يؤمنون بالمسيح ينالون مغفرة لكل خطاياهم«.
وللرد نقول: وعد الإنجيل بوجود غفران لجميع الخطايا وعد شامل بحيث لا يمكن استثناء خطية واحدة، فالشرط المقدَّم هو هذا: »آمِن بالمسيح تنل غفراناً لكل خطاياك بلا استثناء«.
غير أن خطية التجديف على الروح القدس، والتي لا غفران لها، هي التي تجعل صاحبها يرفض الإيمان بالمسيح ويصرُّ على عدم قبول خلاصه. ولا يخفى أن الروح القدس هو الأقنوم الإلهي الذي يُجري فينا التجديد، فمن يجدّف عليه لا يُفسح المجال لعمله فيه. فلا يمكن إذاً أن يؤمن بالمسيح، وبالتالي لا يمكن أن ينال غفراناً لخطاياه. والمسيح يقول: احذر من مقاومة ذلك الأقنوم الذي يسعى في تجديدك، لأنك إذا لم تتجدد بالروح القدس لا تنال غفراناً لخطاياك. وفي هذه الحال لا يمكن أن تتوب. وبغير التوبة لا تكون مغفرة.
فنرى مما تقدم أن الآيتين غير متناقضتين، فالمعنى المتضمَّن في متى 12:31 و32 لا ينفي أن كل من آمن بالمسيح يجد مغفرة تامة شاملة لكل خطاياه.
ويوضِّح مرقس 3:22-30 معنى خطية التجديف على الروح القدس، عندما نسَب أعداء المسيح القوة العجيبة المجيدة التي طرد بها المسيح الشياطين إلى قوة الشيطان، مع أن ضمائرهم كانت مقتنعةٌ أنها من عند الله. فقال المسيح عنهم إنهم يجدفون على الروح القدس، وإن هذا المجدِّف ليس له مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبدية. هذه العبارة إذا ترجمناها حرفياً من الأصل اليوناني يكون نصُّها: »مقيَّد بخطيةٍ أبدية«. وهذه الخطية تمنع التوبة والإيمان بالمسيح.
وكل من يتوب عن خطاياه ويلتجئ إلى المسيح ملتمساً المغفرة، لا يمكن أن يكون قد وقع في خطية التجديف على الروح القدس، إذ قال المسيح في يوحنا 6:37 »من يُقبِل إليَّ لا أخرجه خارجاً«.
قال المعترض: »ورد في متى 12:35 »الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يُخرج الصالحات«. فقال المفسِّر المسيحي هورن إن كلمة »القلب« غير موجودة في النسخ القديمة، وإنها مأخوذة من لوقا 6:45«.
وللرد نقول: قارن علماء المسيحيين مئات من نسخ الإنجيل بعضها ببعض، فوجدوا كلمة »القلب« مدوَّنة في كثير من هذه النسخ. ولكن ذهب بعضهم إلى أنها وردت تفسيراً للكنز، فإن كنز الإنسان هو قلبه، وعلى هذا تكون من المدرج الذي يراد به التفسير لا غير. وعلى كل حال فهي قراءة صحيحة.
قال المعترض: »جاء في متى 12:38 و39 أن الكتبة والفريسيين طلبوا أن يروا من المسيح آية، فأجاب إن آيتهم آية يونان النبي. ولكن في مرقس 8:11 و12 نرى أن المسيح قال: »لن يُعطى هذا الجيل آية«.
وللرد نقول: قصد المسيح بآية يونان النبي قيامته من بين الأموات، وهي آية لم يعطها لهم فور طلبهم لها. وعلى هذا فلا تناقض هناك. لن يُعطوا آية فورية، ولكنهم سيُعطون معجزة القيامة في وقت لاحق. ولم يكن المسيح يُجري المعجزات لتسلية الناس (لوقا 23:8) ولم يكن يلقي دُرره أمام الخنازير. ولكنه أجرى المعجزات ليؤمن من يرونها بصدق إرساليته (يوحنا 20:31) وكانت قيامته أعظم معجزاته (أعمال 2:22-32).
اعتراض على متى 12:39 و40 - ثلاثة أيام وثلاث ليال؟
انظر تعليقنا على متى 12:4
قال المعترض: »جاء في متى 13:32 أن حبة الخردل »أصغر جميع البذور. ولكن متى نمَت فهي أكبر البقول وتصير شجرة، حتى أن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها«. ولكن هناك بذوراً أصغر منها، كما أنها لا تصير شجرة«.
وللرد نقول: لم يقصد المسيح كل البذور في العالم، بل البذور التي كان الفلاح يزرعها في حقله في فلسطين في القرن المسيحي الأول، وهو ما قاله في آية 31 »أخذها إنسان وزرعها في حقله«. وتنمو بعض أشجار الخردل إلى ارتفاع ثلاثة أو أربعة أمتار، فتبني الطيور أعشاشها فيها، وتأكل بذورها السوداء التي تحبها.
قال المعترض: »جاء في متى 13:34 »وبدون مثل لم يكن يكلمهم«. ولكنه في الموعظة على الجبل ذكر مثلاً واحداً هو بناء بيت على الصخر أو على الرمل (متى 7:24-27)«.
وللرد نقول: قصد البشير متى أنه عندما ألقى المسيح موعظته الواردة في متى 13 كان كل وعظه بالأمثال، ولكن هذا لم يكن الحال في كل مواعظه. ومما يبرهن ردَّنا أن أول آية 34 يقول: »هذا كله كلَّم به يسوع الجموع بأمثال«.. كما أن المسيح هدَّف الموعظة على الجبل لتلاميذه الذين قرروا أن يتبعوه، بينما كان حديثه بالأمثال في متى 13 للجموع (متى 5:1 و2 ولوقا 6:20). صحيح أن بعض الجموع سمعوا موعظة الجبل، لكن المستمعين الذين وُجِّهت إليهم كانوا من الأتباع المخلصين للمسيح.
ويقول الرسول يوحنا (يوحنا 21:25) إن المسيح فعل أشياء كثيرة لم تُدوَّن لكثرتها، وربما لم تُكتب بعض أمثاله.
قال المعترض: »يُعلَم من متى 15:22 أن المرأة التي استغاثت بالمسيح لشفاء ابنتها كانت كنعانية، وفي إنجيل مرقس 7:26 إنها كانت أممية، وجنسها فينيقية سورية- فما هي جنسيتها؟«.
وللرد نقول: كانت البلاد التي تشتمل على صور وصيدا في يد الكنعانيين، وكانت تسمى كنعان، لأن الفينيقيين تناسلوا من الكنعانيين. وكانت البلاد التي تشتمل على صور تُسمى فينيقية أو فينيقية سورية، ثم استولى عليها إسكندر ذو القرنين، فصارت تابعة لليونان. وكانت تلك المدن في عصر المسيح يونانية، وكانت تلك المرأة أممية تحت حكومة اليونان ولغتها يونانية، فكانت فينيقية سورية مولداً، وأصلها من ذرّية الكنعانيين.
قال المعترض: »في متى 15:24 طلب التلاميذ من المسيح أن يصرف المرأة الكنعانية التي كانت تطلب منه شفاء ابنتها، فقال لهم: »لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة«. وهذا يعني أن رسالة المسيح خاصة باليهود«.
وللرد نقول: رسالة المسيح هي للعالم كله، بحسب قوله: »هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية« (يوحنا 3:16)، وقوله: »لي خرافٌ أُخَر ليست من هذه الحظيرة« (يوحنا 10:16)، وقوله: »وأنا إن ارتفعتُ عن الأرض أجذب إليَّ الجميع« (يوحنا 12:32). أما إجابته على التلاميذ فأشار بها إلى خدمته الشخصية وهو على الأرض في الجسد، يعظ ويُجري المعجزات، ولا صلة لها بالمرة إلى عمله الفدائي والشفاعي.. ومع هذا فنجده يرحِّب بالناس جميعاً، أفراداً وجماعات. فقد التقى مرة في حديث فردي مع رجل دين يهودي اسمه نيقوديموس، وكلَّمه عن الولادة الجديدة، كما التقى في حديث فردي مع امرأة سامرية ساقطة، وقدَّم لها ماء الحياة (يوحنا أصحاحا 3 و4). وشفى يهوداً ووثنيين. ومن الوثنيين خادم قائد المئة (متى 8) وابن رجل البلاط الملكي (يوحنا 4)، وابنة المرأة الكنعانية (متى 15).
اعتراض على متى 15:30 - مبالغة؟
انظر تعليقنا على مرقس 7:32
اعتراض على متى 16:6-12 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
قال المعترض: »عندما سأل المسيح تلاميذه عمَّن يقولون إنه هو، يقول متى 16:16 إن بطرس أجاب: »أنت هو المسيح ابن الله الحي«. ولكن في مرقس 8:29 نجد إجابة بطرس »أنت المسيح«»مسيح الله«. وهذا تناقض«. ويقول لوقا 9:20 إن إجابة بطرس كانت
وللرد نقول: الأغلب أن ردَّ الرسول بطرس كان باللغة الأرامية، فنقله البشيرون إلى اللغة اليونانية، لغة الأناجيل، فجاءت ترجماتهم للنص الأصلي مختلفة في الكلمات، متَّفقة في المعنى. ولم يكن البشيرون ينشئون الحقائق والاقتباسات، بل كانوا يقدمونها. والأغلب أن متى أورد عبارة المسيح بالنص، وهي »أنت هو المسيح ابن الله الحي«. وأوردها مرقس »أنت المسيح (ابن الله الحي)« وأوردها لوقا »(أنت) المسيح (ابن) الله (الحي)«.
انظر تعليقنا على متى 2:23
قال المعترض: »ورد في متى 16:18 و19 »أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات، وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات« ولكن في آية 23 قال له المسيح: »اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس«. ومَنْ كان بهذه الصفات لا يكون مالكاً لمفاتيح السموات«.
وللرد نقول: (1) عيّن المسيح رسله ليكونوا دعاةً وهداةً، وخوّلهم قوّةً على عمل المعجزات الباهرة، من شفاء المرضى وإقامة الموتى، وأمرهم أن يبشروا الناس ويهدوهم إلى الحياة الأبدية، وأن يقبلوا في الكنيسة المنظورة من يرون قبوله مناسباً، وأن يرفضوا من يستوجب الرفض. ولما كان بطرس وغيره من الرسل سبباً في هداية النفوس، قال له: »أعطيك مفاتيح ملكوت السموات« (أي الكنيسة). وهي استعارة لطيفة. فإنه لما كانت الضلالة من أعظم العوائق للناس عن الانضمام إلى الكنيسة، وكان التعليم والإرشاد أعظم واسطة في الهداية والدخول في السماء، كان أول من قام بذلك بطرس الرسول، فإنه أول من كرز لليهود حتى آمن على يده ثلاثة آلاف نفس في يوم واحد، فقال المسيح له: »أعطيك مفاتيح ملكوت السماوات«.
(2) التعبير »أعطيك مفاتيح« مأخوذٌ عن عادة لليهود، فإذا نبغ أحد رجالهم في العلم أعطوه مفتاح خزانة الكتب في الهيكل، ولوح كتابة، تصريحاً له ليعلّم، ويفسر الكتب المقدسة، ويفتي. فاستعار المسيح المفاتيح إشارة إلى أن بطرس سيكون من أعظم المعلمين الذين يُهتدى بهم. وكان المفتاح عند اليونان علامة الرتبة الكهنوتية، فكان الكاهن يعلق مفتاحاً على كتفه. وإعطاء الإنسان المفتاح علامة على أن المعطي يثق في الشخص الذي أعطاه هذا المفتاح. وقد ورد في إشعياء 22:22 »وأجعل مفتاح بيت داود على كتفه، فيفتح وليس من يغلق، ويغلق وليس من يفتح«. فإعطاء بطرس مفتاح ملكوت السموات هو تخويله سلطة لتوطيدها وحفظها. وقد تم هذا كما نقرأ في سفر أعمال الرسل.
(3) لا يخفى أن الهادي الحقيقي هو الله، وإنما جُعل الأنبياء والرسل واسطة في الهداية. ومن كان في يده مفاتيح شيء مخزون سهُل عليه الوصول إليه. والله هو الفتاح العليم، الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده. وقول الإنجيل »ملكوت السموات« أي الكنيسة، وقوله »لن تقوى عليها أبواب الجحيم« أي لا يقدر أحد أن يمسها بضرر، لأن الله يكلأها بعنايته.
(4) أما توبيخ المسيح لبطرس بقوله: »يا شيطان« فيعني وسوسة الشيطان في تلك اللحظة. وكان المسيح وقتها يتكلم عن وجوب موته، فقال له بطرس: »حاشاك يا رب« وهو لا يعلم أن خلاص البشر متوقّف على صلبه وموته، فكانت مقاومة بطرس لإعلان المسيح وسوسة من الشيطان الذي يرفض الصليب.. وكلنا يعلم أن بطرس من كبار الرسل، لكنه إنسان قابل للسقوط، إلا في التعليم والإلهام، ولا سيما بعد حلول الروح القدس.
اعتراض على متى 16:20 - نعلن أو لا نعلن عن المسيح
انظر تعليقنا على متى 8:4
قال المعترض: »ورد في متى 16:27 و28 »فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله. الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته«. ولكن كل القائمين هناك وقتها ذاقوا الموت، ومضى على ذلك نحو ألفي سنة دون أن يرى أحدٌ منهم ابن الله آتياً في ملكوته في مجد أبيه مع الملائكة«.
وللرد نقول: استُعملت عبارة »مجيء ابن الإنسان« في الكتب المقدسة بمعنى حقيقي ومعنى مجازي، فتُطلق حقيقةً على أول مجيء المسيح الكلمة الأزلي بالجسد (1يوحنا 5:20 و2يوحنا 7). واستُعملت بالمعنى الحقيقي عن مجيئه في اليوم الأخير فيبعث الموتى من القبور ويدين العالم بالبر (أعمال 1:11 و3:20 و21 و1تسالونيكي 4:15 و2تيموثاوس 4:1).
ولكن هناك معنى مجازي هو: (1) الكرازة بالإنجيل، فيُقال إن ابن الإنسان أتى (يوحنا 15:22 وأفسس 2:17). (2) وهو تأييد الكنيسة أو ملكوت الله بقوة في العالم (متى 16:28). (3) وهو منح المؤمنين الروح القدس (يوحنا 14:18 و23 و28). (4) وهو عقاب الأشرار الذين يرفضون الإنجيل (2تسالونيكي 2:8) (5) وهو انتقال المؤمنين من هذا العالم بالموت تمهيداً لدينونة اليوم الأخير (متى 24:42). فمعنى القول »سوف يأتي ابن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته« هو يوم الدينونة، »وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله«. ولكنه يعني أيضاً تحقيق وعد المسيح أن الكنيسة التي تبدأ ضعيفة مثل حبة الخردل تصير شجرة عظيمة تتآوى طيور السماء في أغصانها. وقد رأى تلاميذ المسيح الكنيسة زاهرة، وشاهد جميع الرسل امتدادها وانتشارها في يوم الخمسين، لما انضم إلى عضويتها جملة ألوف. وليس ذلك فقط، بل إن بعض الرسل ولا سيما يوحنا رأى ما حلّ بالأمة اليهودية من البلاء والشتات في الدنيا، ورأى خراب أورشليم وهيكلها العظيم (تتميماً لنبوَّة المسيح التي أعلنها قبل أربعين سنة)، وشاهدوا أيضاً انتشار المسيحية في آسيا وروما وبلاد اليونان وفي أشهر ممالك ذلك العصر، فلم يذوقوا الموت حتى رأوا اتساع مملكة المسيح الروحية فإنه ملك روحي يملك على الأفئدة بالمحبة.
وقد عبّر المسيح عن الكنيسة بملكوت الله أو ملكوت السموات، إشارة إلى ما ورد في نبوَّة دانيال 7:13 و14 »وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام فقرَّبوه قدامه، فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعَّبد له كل الشعوب والأمم والألسنة«. ومجيئه الثاني ليدين العالم.
قال المعترض: »جاء في متى 17:1 »وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين«. والمقصود ستة أيام بعد إعلان المسيح عن موته. وكذلك قال البشير مرقس. أما لوقا 9:28 فيقول: »وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام أخذ بطرس..«. وفي هذا تناقض«.
وللرد نقول: يحدد متى ومرقس المدة بالضبط، أما لوقا فيقول »نحو ثمانية أيام« لأنه أضاف إلى الأيام الستة اليوم الذي كان المسيح يتكلم فيه، ويوم التجلي نفسه.
اعتراض على متى 17:9 - نعلن أو لا نعلن عن المسيح
انظر تعليقنا على متى 8:4
قال المعترض: »قال المسيح: »إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء««. (متى 17:11). إلى من تشير هذه النبوَّة؟
وللرد نقول: تشير هذه النبوَّة إلى يوحنا المعمدان، وهو واضح من الآية التالية (متى 17:12) والتي تقول: »إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن الإنسان أيضاً سوف يتألم منهم. حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان«. نعم إن يوحنا غير إيليا في شخصه، فلما سُئل يوحنا إن كان هو إيليا، أجاب: »لست أنا«. وإنما كان يوحنا سابِقَ المسيح الذي يُعِدّ الطريق أمامه »بروح إيليا وقوته« (لوقا 1:19) كما أنبأ جبرائيل أباه زكريا (لوقا 1:17). وكما تنبأ ملاخي أيضاً (ملاخي 4:5) كان يوحنا المعمدان إيليا النبي لأن كليهما عاشا بكيفية واحدة، وكانت لكليهما كرازة نارية (قابل 3:4 مع 1ملوك 17:1-6).
انظر تعليقنا على لوقا 1:17 ويوحنا 1:21
اعتراض على متى 18:1 - نصلي كثيراً أم قليلاً؟
انظر تعليقنا على متى 6:7 و8
قال المعترض: »يُفهَم من متى 19:1 أن المسيح ارتحل من أريحا وجاء إلى أورشليم، ويُعلم من يوحنا 12:1 أنه ارتحل من أفرايم وجاء إلى قرية بيت عنيا، وبات فيها، ثم جاء إلى أورشليم«.
وللرد نقول: الآيات الواردة في متى 19:1 و20:17 و29 و21:1 ويوحنا 10:40 و11:17 و54 و12:1 تشير إلى سفرياتٍ قام بها المسيح في أوقات مختلفة، فإنه لما سافر من الجليل توجّه إلى أورشليم وحضر عيد المظال، ثم سافر إلى بيرية بعد الأردن، ومنها سافر إلى بيت عنيا فأقام لعازر من الموت، ثم توجَّه إلى أورشليم على طريق أريحا فشفى الأعميين، ثم زار زكا، وتوجّه إلى بيت عنيا قبل عيد الفصح بستة أيام. فبعض الآيات المذكورة تشير إلى بعض السفريات، والبعض الآخر تشير إلى باقي سفرياته.
قال المعترض: »قال المسيح في متى 19:17 لأحد الشباب: »لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحدٌ صالحاً إلا واحد وهو الله«. وهذا يعني أن المسيح ليس هو الله«.
وللرد نقول: قول المسيح: »لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله« لا ينفي الصلاح أو اللاهوت عن نفسه، فقد خاطب الشاب على أساس اعتقاده فيه، لأنه لم يكن يعتقد أن المسيح هو الله، بل كان يعتقد أنه أحد معلمي الدين (الذين اعتاد اليهود أن يُسندوا إليهم الصلاح والفضيلة جزافاً). فانتهز المسيح هذه الفرصة، كما انتهز غيرها، وأجاب سائله بالإجابة التي تصحّح اعتقاده في هؤلاء المعلّمين. وكأنه يقول له: إن كنت تظن أني مجرد معلّم، فاعلم أنه ليس هناك معلم صالح على الإطلاق، لأن جميع الناس خطاة بأفعالهم، كما أنهم خطاة بطبيعتهم وأفكارهم. فليس هناك كائن يستحق أن يُقال عنه إنه صالح سوى الله وحده. أما إن كنت تعرف أني الله الذي ظهر في الجسد فإنك تكون قد قلتَ الصواب. والمسيح صالح في ذاته كل الصلاح، وقال عن نفسه: »أنا هو الراعي الصالح« (يوحنا 10:11)، كما شهد بذلك تلاميذه الذين عاشوا معه وعرفوه. فقال بطرس عنه إنه: »لم يفعل خطية، ولا وُجد في فمه مكر« (1بطرس 2:22). وقال كاتب رسالة العبرانيين عنه إنه »قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات« (عبرانيين 7:26). ولم يجد فيه أعداؤه علّة واحدة، فعندما سألهم مرة: »من منكم يبكتني على خطية؟« (يوحنا 8:46) لم يستطع واحد منهم أن يذكر له خطية واحدة.
قال المعترض: »قال المسيح لشاب غني: »إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا.. إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبِعْ أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني« (متى 19:17 و21). ألا يعني هذا أننا نحصل على الخلاص بالأعمال الصالحة وليس بالإيمان بالمسيح؟.. وهل يعني هذا أن كل غني يجب أن يبيع أملاكه قبل أن يكون مستحقاً لاتّباع المسيح؟«
وللرد نقول: (1) لو أن المعترض استمر في قراءة متى 19 لوجد أن الشاب الغني الذي وُجِّهت إليه هذه الكلمات قال إنه حفظ الوصايا، ولكنه لم يحصل على الخلاص. وقال المسيح تعليقاً على ذلك: »مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله« (آية 24). وبهذا أعلن المسيح للشاب الغني أنه لم يحفظ حتى الوصية الأولى التي تقول: »لا يكن لك آلهة أخرى أمامي« (خروج 20:3)، لأنه فضَّل أمواله على الله، فاعتبره عابد وثن.. وأوضح المسيح له أهمية الإيمان به، عندما طلب منه أن يتبعه. ولا يقدر أحد أن يتبع المسيح إلا إذا وضع ثقته فيه، ووقتها فقط يقدر أن يطيع وصايا الله.
(2) والمسيح كطبيب للنفوس يعرف المرض الروحي الذي يصيب النفس البشرية. فعندما رأى الشاب الغني عرف أن ما يعطله عن دخول ملكوت الله هو حبُّه الزائد للمال. ولذلك قدّم له نصيحته أن يبيع كل ما يملكه ويعطيه للفقراء. ولم يقدم المسيح هذه النصيحة لكل من جاء إليه. فالنصيحة ببيع ما يملك الإنسان ليعطيه للفقراء هي نصيحة للشاب الغني وحده، بسبب حالته الروحية الخاصة. ليس الغِنَى عيباً، فقد كان إبراهيم خليل الله غنياً، وهكذا كان فليمون الذي كتب له بولس رسالته، لكن العيب هو في موقف الإنسان من الغِنى، فهو الذي يجلب على الإنسان الشر أو يمنحه الخير، فليست حياة الإنسان من أمواله (لوقا 12:15).
انظر تعليقنا على يعقوب 2:14-26.
قال المعترض: »جاء في متى 19:28 »أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر«. ولكن يهوذا، أحد الاثني عشر هلك، إذ مضى وخنق نفسه كما جاء في متى 27:5«.
وللرد نقول: الاثنا عشر المقصودون هم الذين تبعوا المسيح في التجديد، أي عند انتهاء مدة تجسُّده وتواضعه وارتفاعه إلى مجده. ولم يكن يهوذا واحداً منهم. وقد اختارت الكنيسة متِّياس بديلاً ليهوذا، وهكذا أخذ وظيفة يهوذا شخصٌ آخر (أعمال 1:15-26)، وبقي عدد التلاميذ اثنا عشر.
قال المعترض: »ورد في متى 20:1-16 مَثَل صاحب الكرم الذي خرج خمس مرات ليجد فعلةً يرسلهم للعمل في كرمه. فمن هم هؤلاء الفعلة؟«.
وللرد نقول: الفعلة هم الخدام العاملون في خدمة الله، كما قيل عن بولس وأبلّوس: »من هو بولس ومن هو أبلّوس؟ بل خادمان آمنتُم بواسطتهما.. أنا غرستُ وأبلوس سقى.. والغارس والساقي هما واحد، ولكن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه«»المساء« (آية 8) وهو الوقت المذكور في متى 19:28 أي وقت »التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده«. فالمساء هو آخر الدهور الذي فيه يأتي المسيح على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ليدين الأرض (متى 24:30 و31 ورؤيا 1:7 و20:11-15). وتظهر صحة تفسيرنا لكلمة »المساء« من مقدمة المثَل وخاتمته، لأنه يبدأ بتعليل السبب الذي من أجله يكون الأولون آخِرين والآخِرون أولين، وينتهي بهذه النتيجة. والآن نحن أقرب إلى المساء« وكادت تغرب شمس دهرنا الحاضر، وينتظر جميع المؤمنين مجيء المسيح ثانيةً، ويتوقَّعون حدوثه سريعاً، ليملك ويدين الأحياء والأموات (2تيموثاوس 4:1). (1كورنثوس 3:5-8).. والفعلة في المثل أخذوا أجرهم في »
قال المعترض: »في مثَل صاحب الكرم الذي استأجر فعلة لكرمه (متى 20:1-14) أعطى ديناراً للكل، سواء الذين اشتغلوا من أول النهار، أو الذين جاءوا في الساعة الحادية عشرة. فهل أجر الكل سيتساوى في الملكوت؟ وأليس هذا ظلماً؟« .
وللرد نقول: لا يمكن أن يكون الله ظالماً، فقد قيل إنه »يجازي كل واحد بحسب أعماله« (متى 16:27). ووردت نفس هذه العبارة في مزمور 62:12 ورومية 2:5-7. وقال السيد المسيح »ها أنا آتي سريعاً لأجازي كل واحد كما يكون عمله« (رؤيا 22:12). وتختلف مكافئات الناس بحسب اختلاف أعمالهم »إنْ خيراً أو شراً«»حسب ما هو مكتوب في سفر أعمالهم« (رؤيا 20:12). الأبرار يختلفون في المكافأة، والأشرار يختلفون في العقوبة، فقد قيل عن الأبرار: »لأن نجماً يمتاز عن نجمٍ في المجد« (1كورنثوس 15:41). وأما عن الأشرار فقد قال الرب عن المدينة التي رفضت كلمة الله: »ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً مما لتلك المدينة« (متى 10:15). إذن هناك حالة أكثر احتمالاً من حالة أخرى من جهة العقوبة. وقال الرب لبيلاطس: »الذي أسلمني إليك له خطية أعظم« (يوحنا 19:11). فاختلاف العقوبة والثواب، أمر يناسب العدل الإلهي. (جامعة 12:14)
أما القول إن الكل أخذوا ديناراً، بالتساوي، فمعناه أنهم يتساوون في دخول الملكوت، وليس في الدرجة. الكل يدخل الملكوت، حتى الذي تاب في آخر لحظة من حياته مثل اللص التائب (لوقا 23:43). ولكن داخل الملكوت ينال كل واحد حسب عمله. الذي أعطى مائة ضعف، والذي أعطى ستين ضعفاً، والذي أعطى ثلاثين ضعفاً، كل واحد حسب عمله (متى 13:8).
قال المعترض: »ورد في متى 20:20 أن أم ابني زبدي طلبت من المسيح أن يُجلس ابنيها واحداً عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته، ولكن مرقس 10:35 يقول إن ابني زبدي هما اللذان طلبا هذا الطلب«.
وللرد نقول: معروفٌ أن من يفعل شيئاً بواسطة غيره يُنسَب الفعل له. لقد طلب الابنان هذا الطلب بواسطة والدتهما، فنُسِب الطلب إليهما.. ويُحتمل أن والدتهما طلبت هذا الطلب أولاً، ومن شدة تشوّقهما للحصول عليه أعاداهُ ثانيةً بنفسيهما، فذكر متى طلب الوالدة، وذكر مرقس طلبهما.
انظر تعليقنا على متى 27:5
قال المعترض: »ورد في متى 20:22 و23 قول المسيح »لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟ قالا له: نستطيع. فقال لهما: أما كأسي فتشربانها، وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان«.. وقال آدم كلارك إن القول »بالصبغة التي أصطبغ بها تصطبغان« أُضيف على النص في ما بعد، ولذلك أسقطها كريسباخ من المتن«.
وللرد نقول: الذي قاله آدم كلارك إن القواعد التي وضعها المحققون للقراءات الصحيحة لا تدل على وجود هذه الكلمات، ولكن المحققين أثبتوها لوجودها في نسخ كثيرة. وهي عبارة مرادفة للعبارة التي قبلها وهي قوله: »أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا؟« فإنها مثل قوله »وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها«. وكان اليهود يمارسون الصبغة أو العماد في البرد القارس وكانوا يتركون المعمَّد في الماء مدة، رمزاً إلى أقصى موت. وكانت كلمة »الكأس« تدل على المصائب. فمن هنا ترى أن معنى الكأس والصبغة واحد، فهي تفسير المرادف، وقد نبَّه آدم كلارك أن معنى العبارتين واحد.
قال المعترض: »ورد في متى 20:30 أن أعميين كانا جالسين عند أريحا ففتح المسيح أعينهما، ولكن مرقس 10:46 ولوقا 18:35 يقولان إن المسيح وجد أعمى واحداً اسمه بارتيماوس ففتح عينيه. ويقول متى ومرقس إن المسيح شفى الأعمى خارج أريحا، بينما يقول لوقا إنه شفاه عندما اقترب من أريحا«.
وللرد نقول: العبارات الواردة في البشائر الثلاث عن شفاء المسيح أعميي أريحا في سفرته الأخيرة إلى أورشليم تبدو لأول وهلة أنها غير متفقة في بعض التفاصيل. فبحسب ما جاء في متى شفى المسيح الأعميين عند خروجه من المدينة، أما مرقس فيذكر أعمى واحداً اسمه بارتيماوس، ويقول أيضاً إن المسيح شفاه وهو خارج من المدينة. أما لوقا فيروي أن المعجزة حصلت عند اقتراب المسيح من المدينة. وهو أيضاً يتكلم عن شفاء أعمى واحد. ولكن الحقيقة أنه لا تناقض ولا اختلاف، فقول متى بشفاء أعميين، بينما مرقس ولوقا يقولان بشفاء أعمى واحد، لا ينشئ صعوبة في القضية، فهما قولان غير متناقضين، كما تقول: »اليوم نزل بَرَد« ثم تقول: »اليوم نزل مطر وبَرَد«. فقد نزل المطر والبرَد، ولكنك ذكرت أحدهما مرة، ثم ذكرتهما معاً مرة أخرى. كل ما في الأمر أن إحدى العبارتين أوفى من الأخرى. فيتضح إذن أن المسيح شفى في أريحا أعميين على الأقل، ذكر مرقس منهما اسم الأعمى الذي يتكلم عن شفائه، الأمر الذي يحمل على الاستنتاج أن بارتيماوس هذا عاش جملة سنين بعد شفائه وكان معروفاً للمسيحيين الأُوَل، ولذا كان ذكر اسمه أمراً طبيعياً.
ولكن كيف يمكننا التوفيق بين قول لوقا إن المعجزة حصلت عند اقتراب المسيح من المدينة، وقول متى ومرقس إنها حصلت عند خروجه منها؟
من المحتمل أن يكون المسيح شفى ثلاثة عميان في أريحا، فشفى أعمى واحداً عند اقترابه منها، ثم شفى أعميين آخرين عند خروجه. ويكون أن لوقا أورد معجزة غير التي كتب عنها متى ومرقس، ويكون قد شفى ثلاثة عميان في أريحا. وقد جاء في يوحنا 20:30 أن المسيح عمل معجزات لم تُدوَّن.
ويوجد حل آخر قد حاز قبولاً لدى كثيرين - لوقا 18:35 يقول »لما اقترب من أريحا كان أعمى جالساً على الطريق يستعطي« فيُرجَّح أن بارتيماوس هو الذي كان جالساً يستعطي. فرواية لوقا لا تفيد حتماً أن المعجزة تمت قبل دخول المسيح المدينة. فلو لم يكن لدينا إلا ما جاء في لوقا، لَجازَ لنا أن نستنتج هكذا. أما وقد جاء في متى ومرقس ما يُظهر أن المعجزة تمت عند خروج المسيح من المدينة، فعلينا إذن أن ننظر في القضية نظراً دقيقاً، فنرى أن رواية لوقا لا تنفي إمكانية حصول الشفاء بعد دخول المسيح المدينة أو عند خروجه منها، لأن لوقا يفيد فقط أن الأعمى كان جالساً يستعطي عندما اقترب المسيح من المدينة، ولا يقول صريحاً إن الشفاء تم في تلك اللحظة عينها، أي قبل دخول المسيح المدينة. نعم إن لوقا يذكر الشفاء قبل أن يذكر اجتياز المسيح إلى أريحا وخروجه منها. وهو إذ يذكر اسم الأعمى يشير إلى شفائه، مع أن هذا حصل بعد حين (أي عند خروج المسيح من المدينة) . فمن المحتمل أن بارتيماوس اجتاز مع الجمع إلى أريحا عند دخول المسيح إليها، ثم انضم إليه أعمى آخر وصرخا معاً إلى المسيح. وكثيراً ما نجد في الكتب التاريخية حوادث يسبق ترتيب تفصيلاتها موضعه الأصلي، كما نرى في هذه القضية. ويؤيد هذا ما جاء في لوقا 3:19-23 حيث نرى أن لوقا يتكلم عن سَجْن يوحنا ثم يتكلم بعد هذا على معمودية المسيح التي حصلت قبل سجن يوحنا.
وأمامنا حل آخر أتى به بعض مشاهير المفسرين - وهو أن متى أورد خلاصة ما حصل في أريحا. وبدلاً من أن يقول إن المسيح شفى أعمى عند دخوله إلى المدينة، وشفى أعمى آخر عند خروجه منها، اقتصر على ذكر شفاء أعميين كانا جالسَيْن على جانب الطريق، لأنه لم ير لزوم إيراد زمان ومكان المعجزة بالتفصيل. وهذا الحل يلاشي التناقض الظاهري.
قال المعترض: »ورد في متى 21:2 أن المسيح أرسل تلميذين إلى القرية ليأتيا بأتان وجحش وركب عليهما، وورد في الأناجيل الثلاثة الأخرى أنهما أتيا بالجحش وركب عليه«.
وللرد نقول: (1) قال البشير متى إن المسيح قال »اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطاً وجحشاً معها، فحُلاّهما وأْتياني بهما«. فيمكن أنهما أتيا بالجحش وأمه، وركب هو على كلٍّ منهما بالتناوب، وتمت بذلك نبوَّة زكريا 9:9 التي تقول إن المسيح سيأتي جالساً على أتان.
(2) في اللغة قد يُثنَّى الضمير، ويعود على أحد المذكورَيْن.
قال المعترض: »ورد في متى 21:19 و20 أن المسيح نظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط، فقال لها: لا يكن منك ثمرٌ بعد إلى الأبد. فيبست التينة في الحال. فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين: كيف يبست التينة في الحال؟«. وورد في مرقس 11:13-15 »فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئاً. فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً، لأنه لم يكن وقت التين. فأجاب يسوع وقال لها: لا يأكل أحد منك ثمراً بعد إلى الأبد. وكان تلاميذه يسمعون، وجاءوا إلى أورشليم«. وفي آية 20 و21 »وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول، فتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر، التينة التي لعنتها قد يبست«.. فهناك اختلاف بين رواية متى ومرقس. ثم أنه ليس للمسيح حق أن يأكل من شجرة التين من غير إذن مالكها، ولم يكن من المعقول أنه لعنها فجلب الضرر على مالكها، ومن الغريب أن يغضب عليها لأنه لم يكن وقت إثمار التين. ثم إنه لو كان إلهاً كما يدّعي المسيحيون لَعَرف أنها غير مثمرة«.
وللرد نقول: (1) لم تكن هذه الشجرة ملكاً خاصاً لأحد، بل كانت لعموم الناس، فكان مباحاً لأبناء السبيل أن يأكلوا منها بلا مانع، وكان للمسيح الحق أن يأكل منها حسب نصوص الشريعة اليهودية (تثنية 23:25). انظر تعليقنا على مرقس 2:23.
(2) وجود الورق الأخضر عليها علامة على وجود باكورة ثمر التين، فإن التين في أرض فلسطين يثمر عند ظهور الورق، وأحياناً تطلع الثمار قبل النضج العام بأيام كثيرة، وهو المعروف عند العامة في الشام بالديفور. والقول: »ولم يكن وقت التين« يعني أنه ليس وقت جَنْيه العمومي، ولو أنه كان وقت باكورة التين.
(3) هذه التينة مثل المرائي الذي يتظاهر بالتقوى وهو مجرَّد منها، فعليه علامات القداسة وقلبه ملآن بالنجاسة. وهي تشير إلى الأمة اليهودية التي خصّها الله بالنواميس والشرائع والأنبياء، ومع ذلك كانت مجرّدة من الإيمان والمحبة والتواضع، ورفضت المسيح ولم تذعن لأوامره، ولم تأت بثمر. وارتكنت على أنها شعب الله. فلهذا قال المسيح للشجرة: »لا يكن فيك ثمر« ليعلّم الناس أن الأهم هو الثمر.
(4) لَعْن التينة نبوَّة على مستقبل الأمة اليهودية، وإنذار للناس في كل عصر بأنهم إن لم يأتوا بأثمار القداسة والتقوى، حلّت بهم دينونة الله العادلة. والقول »يبست في الحال« إشارة إلى خراب مدينة أورشليم وعقاب الأمة اليهودية، وقد كانت آيات المسيح كلها مبنية على الرحمة، ولكنه علّم تلاميذه أنه شديد العقاب، وإن كان رحيماً.
(5) لم يكن المسيح جاهلاً بأمر هذه الشجرة، فهو الذي يعرف خفايا كل إنسان، حتى أخبر السامرية مثلاً بكل ما فعلت. ولكنه تصرّف بهذه الكيفية ليعرّف الرسل بالعقاب الذي يحل بالمنافقين، وفي نفس الوقت يحل بالتينة التي أظهرت بأوراقها الخضراء أنها تحمل باكورة التين دون أن تحمله فعلاً.
قال المعترض: »ماذا قصد المسيح بمثل الكرامين الأردياء الذي ورد في متى 21:33-44 ومرقس 12:1-11 ولوقا 20:9-18؟«.
وللرد نقول: الكرم هو ملكوت الله، ورب البيت هو الله، وابنه هو الكلمة الأزلي المتأنس، وقد تكلَّم عن نفسه متنبئاً بأن اليهود سيقتلونه. ومادام المسيح قائل هذه الأقوال يكون هو ابن الله، وأنه مات عن خطايا العالم. وبعد إرسال الابن لم يُرسَل رسولٌ آخر. كان الرسول الأخير هو الابن، فليس من المعقول أنه بعد ما أرسل الابن يرجع فيرسل العبيد.
وفي رواية مثَل الكرامين الأردياء اقتبس المسيح القول النبوي »الحجر الذي رفضه البناؤون« (مزمور 118:21 و22) وقال بطرس إن صاحب سفر المزامير قصد بالحجر الذي رفضه البناؤون المسيح نفسه، حيث يقول عن المسيح: »هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية« (أعمال 4:10 و11 و1بطرس 2:4-8). وعليه فالبناؤون كانوا يهود عصره.
وقال المسيح المثل خطاباً لليهود »ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمّة تعمل أثماره« (متى 21:43). ويبيِّن العهد الجديد أن الله يُعطي الملكوت للذين يؤمنون بالمسيح إيماناً حقيقياً، فهم جنسٌ مختار وكهنوتٌ ملوكي، وأمّةٌ مقدسة وشعب اقتناء »لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب. الذين قبلاً لم تكونوا شعباً وأما الآن فأنتم شعب الله. الذين كنتم غير مرحومين وأما الآن فمرحومون« (1بطرس 2:9 و10). ومقاومة المسيح وعدم الرضوخ له يسبِّبان غضب الله وحلول نقمته على أعدائه. وقد تم شيء من ذلك عند خراب أورشليم وتمثيل الرومان باليهود تمثيلاً فظيعاً (سنة 70 م) بعد صلب المسيح بنحو أربعين سنة.
قال المعترض: »ورد في متى 21:40 و41 بعد رواية مثل غارس الكرم »فمتى جاء صاحب الكرم، ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟ قالوا له: أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً ردياً، ويسلّم الكرم إلى كرامين آخرين، يعطونه الأثمار في أوقاتها« وفي لوقا 20:15 و16 بعد رواية المثل قال: »فماذا يفعل بهم صاحب الكرم؟ يأتي ويهلك هؤلاء الكرامين، ويعطي الكرم لآخرين. فلما سمعوا قالوا: »حاشا«. ففي العبارتين اختلاف، لأن الأولى تقول إنهم قالوا إنه يهلكهم، والثانية تقول إنهم أنكروا ذلك«.
وللرد نقول: أوضح المسيح أن الكرامين الأردياء استوجبوا دينونة الله العادلة، لأنهم جلدوا ورجموا عبيد صاحب الكرم لما طالبهم بالأثمار. وأخيراً أرسل ابنه فقتلوه. فالبشير متى قال إن أئمة الأمة اليهودية شهدوا على أنفسهم أنهم استوجبوا العقاب لعنادهم وقتلهم الأنبياء، ورفضهم الكلمة الأزلية، ابنه الحبيب، مع أنهم كان يجب أن يأتوا بأثمار القداسة، لأن الله خصّهم بمراحمه وفضّلهم على العالمين. فلما أورد المسيح لهم المقدمات المنطقية، لم يسعهم سوى التسليم بصدق النتيجة. ففي متى ذكر كلامهم، وهو النتيجة الطبيعية لذات المقدمات. أما البشير لوقا فذكر النتيجة مع المقدمات، وهو المعروف في المنطق بمتصل النتائج، وسُمي بذلك لوصل نتائجه بمقدماته. وفي الحالتين سلَّم أئمة اليهود بهذه النتيجة الطبيعية. وفي لوقا قال »فلما سمعوا (أي لما فهموا) أن هذا الكلام عليهم، قالوا:حاشا«. والنفي هنا لا ينصبّ على النتيجة، وحاولوا تبرئة أنفسهم مما نُسب إليهم من قتل الأنبياء ورفضهم.

 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
قال المعترض: »جاء في متى 22:21 »أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر، وما لله لله« وهذا فصلٌ بين الحياة والدين«.
وللرد نقول: كان يجب على المعترض أن يدرس المناسبة التي قال فيها المسيح هذا القول الحكيم البليغ الذي خرج مثلاً. فقد جاء بعض الهيرودسيين، وهم حزب سياسي يريدون تتويج هيرودس ملكاً على البلاد بدلاً من الوالي الروماني، وسألوا المسيح إن كانوا يدفعون الجزية لقيصر أو لا يدفعونها. وقصدهم الإيقاع به. فإن قال بدفعها خسر احترام الشعب.. وإن قال بعدم الدفع وقع تحت عقاب بيلاطس الوالي. فقال لهم: »لماذا تجرِّبونني يا مراؤون؟« ثم طلب أن يرى ديناراً. وكان الدينار يحمل صورة قيصر، مما يدلُّ على أنهم يقرّون بسلطانه. وكان رجال الدين اليهود يقولون: »إذا راجت نقود ملك في بلاد، اعترف سكانها بأن ذلك الملك ملكهم«. فأجاب المسيح أن »ما لقيصر لقيصر، وما لله لله« لا فصلاً للدين عن الحياة، لكن قياماً بالواجب من نحو الدولة بدفع الضرائب، وتقديم الولاء لله بعبادته حقَّ العبادة. وهكذا يعطي المؤمن كل ذي حق حقه، فإن لله عليه حقه، وللوطن عليه حقه.
اعتراض على متى 23:17 - من قال: يا غبي
انظر تعليقنا على متى 5:22
قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 24:2 قول المسيح: »الحق أقول لكم، إنه لا يُترك ههنا حجرٌ على حجرٍ لا يُنقَض« . غير أن عمر بن الخطاب بنى المسجد مكان هيكل سليمان، فيكون كلام الإنجيل غلطاً. وبما أنه مذكور في مرقس 13:2 ولوقا 21:6 فيكون ثلاثة أغلاط، باعتبار الأناجيل الثلاثة«.
وللرد نقول: تنبأ المسيح عن خراب الهيكل لما كانت الأحوال حسنة، ولم يكن هناك ما يدل على الخراب. وكان الهيكل فخر الأمة الإسرائيلية، ومع ذلك تمّ ما أنبأ به المسيح بعد أربعين سنة، عندما استولى الجيش الروماني على أورشليم سنة 70م. وقد ذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي خراب أورشليم بالتفصيل التام، وكان الرومان قد أسروه وبقي معهم وقت الحصار. وبما أنه كان يهودياً، بل من كهنة اليهود، كان طبعاً لا يروي شيئاً من شأنه تأييد نبوات المسيح، وقال: »لما استولى عساكر روما على المدينة، أصدر تيطس أمراً بأن يخربوها كلها، ماعدا ثلاثة أبراج. أما باقي السور فهُدم تماماً من جدرانه، بحيث لم يبق منه أثر يدل على أنه كان مسكوناً«. وقال مايمونيدس (مؤرخ يهودي) إن »أحد ضباط جيش تيطس حرث أساس الهيكل«. وكان ذلك بعناية إلهية، فإن تيطس كان يتمنى بقاء الهيكل، وكثيراً ما أرسل يوسيفوس إلى اليهود لإغرائهم على الاستسلام لحفظ المدينة والهيكل. غير أن المسيح كان قد تنبأ عن خراب الهيكل، وكان ذلك قضاءً مقضيّاً. واليهود أنفسهم أحرقوا أولاً أروقة الهيكل، ثم قذف أحد عساكر روما من تلقاء ذاته شعلة نار في المنفذ الذهبي، فاشتعلت النيران، فأصدر تيطس أمراً بإطفاء النيران، ولكن لم يلتفت أحد إلى أوامره من شدة الاضطراب، فهجم العساكر على الهيكل، ولم يثنهم وعد ولا وعيد، فإن مقتهم لليهود حملهم على التخريب. وقال يوسيفوس: »أُحرق الهيكل على غير رغبة القيصر«.
لقد تمَّت نبوَّة المسيح بنوع غريب، وداس الوثنيون أورشليم، وستظل إلى أن يتم وقتهم. وقد صرح يوليان المرتد إمبراطور روما لليهود ببناء مدينتهم وهيكلهم، بل حثَّهم على ذلك، ووعدهم بالعودة إلى وطنهم العزيز، بهدف تكذيب ما ورد في الإنجيل، فإنه كان ارتد وصار من ألدّ أعداء المسيحية. وشرع اليهود في وضع أساس الهيكل، ولكنهم لم يكملوا العمل بالرغم من مساعدة يوليان لهم. وقال أحد المؤرخين الوثنيين إن ناراً مخيفة انبعثت من الأرض وأحرقت العمال، وتعذَّر عليهم الدنوّ من الأساسات، وأضربوا عن العمل. وسواء حصلت هذه المعجزة أو لم تحصل، فالنتيجة واحدة، وهي أنه لم يُبْن الهيكل، وتمت نبوَّة المسيح. لقد أُقيم مبنى بالقرب منه، لكن الهيكل نفسه لم يُبنَ.
قال المعترض: »عمل المسيح المعجزات لا يدل على نبوَّته فضلاً عن ألوهيته، فقد جاء في متى 24:24 قول المسيح »سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آياتٍ عظيمة وعجائب، حتى يُضِلّوا لو أمكن المختارين أيضاً« وورد في 2تسالونيكي 2:9 »الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة«.
وللرد نقول: لم تكن المعجزات هي الدليل الوحيد على ألوهية المسيح، فقد شهد لذلك الآب (يوحنا 5:37) والمعمدان (يوحنا 5:33) والكتب المقدسة (يوحنا 5:39)، كما شهدت له معجزاته الخارقة للعادة، الداعية إلى الخير والسعادة، المقرونة بدعوى النبوَّة. ويلزم أن تكون المعجزة الصحيحة ظاهرة للعيان، بحيث لا يختلف فيها اثنان. فإذا قال أحدٌ إن ملاكاً أتاه، أو أنه صعد إلى السماء فلا تُقبل دعواه، لأنه ربما كان ذلك من الخيالات التي كثيراً ما تطرأ على الإنسان في المنام. أما فتح أعين العميان وإحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه أمام الجماهير الكثيرة من الأعداء والأصدقاء، فهي المعجزة لأنها خارقة للقوانين الطبيعية. ويلزم أن تكون المعجزة نافعة ومفيدة، فكلام الحصى والرمان والعنب وأكفة الباب وحيطان البيت والشجرة ليست بمعجزة، فإنه لا فائدة للإنسان منها.
ويلزم في المعجزة الإجماع والتواتر، وقد توفرت شروط صحة المعجزة في آيات المسيح، فأتى بالأمور الخارقة للعادة، فكان يأتي إليه الكثيرون من الوجهاء والعظماء ويستغيثون بكرمه ليشفي أولادهم من الأمراض أو يقيم أحباءهم من الموت.
غير أن الشيطان يخدع الناس بمعجزات، وقد حذر المسيح رسله من الأنبياء الكذبة الذين يأتونهم بالحيل. وقد ظهروا فعلاً، فقال يوسيفوس: »ظهر كثيرون ممن ادّعوا الوحي الإلهي وأضلوا كثيرين، وقادوهم إلى البراري، وادعوا أن الله سيعتقهم من نير روما، وإن نبياً كاذباً أغرى نحو ثلاثين ألفاً فخرجوا معه إلى البرية فقتلهم الوالي فيلكس. وبعد صلب المسيح ظهر سيمون الساحر، وأغرى سكان السامرة بأنه قوة الله العليا، وادّعى أنه ابن الله. كما ظهر دوسيثوس السامري وادعى أنه هو المسيح الذي تنبأ عنه موسى. وظهر بعد صلب المسيح باثنتي عشرة سنة نبي كاذب اسمه نادوس أغرى كثيرين أن يأخذوا ثيابهم ويقتفوا أثره إلى نهر الأردن بدعوى أنه سيفلقه ليعبروا منه، وقال يوسيفوس إنه أضل كثيرين، وتم بذلك قول المسيح. ثم ظهر بعد ذلك بسنين قليلة أنبياء كذبة كثيرون في عهد نيرون، وكان لا يمضي يوم بدون أن يقتل الحكام واحداً منهم« (تاريخ يوسيفوس الكتاب 20 فصل 4 و7).
وقول المسيح إن المضلين يدّعون بعمل آيات كذبة، هو كما فعل سحرة المصريين. وكل من يفهم ويدرك يمكنه أن يميّز بين المعجزات الصادقة من الكاذبة، فالمعجزات هي من أقوى الأدلة على صدق النبوَّة، وإنما الواجب الاحتراس من الكذبة الذين يحتالون بالخداع لإضلال الناس.
قال المعترض: »جاء في متى 24:34 عن علامات نهاية الزمان قول المسيح: »الحق أقول لكم: لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله«. وقد مضى ذلك الجيل، ومضت أجيال عديدة، ولم ينته العالم«.
وللرد نقول: تحدث المسيح في متى 24 ومرقس 13 عن أمرين: خراب أورشليم، ونهاية العالم. وليس عن نهاية العالم فقط. وقوله: »لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله« قُصد به تحقيق نبوّته عن خراب أورشليم. وقد تم ذلك فعلاً سنة 70م وتشتت اليهود في أرجاء الأرض. ولم يكن ذلك الجيل قد مضى بعد.
ومن نبوات المسيح في هذا الأصحاح عن خراب أورشليم وليس عن نهاية العالم، قوله: »فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس (ليفهم القارئ) فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال، والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً.. وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام. وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت« (متى 24:15-20).
ومن أقواله في تلك المناسبة، التي تمت أيضاً في ذلك الجيل: »يسلّمونكم إلى ضيق، ويقتلونكم. وتكونون مُبْغَضين من جميع الأمم لأجل اسمي. وحينئذ يعثر كثيرون ويسلّمون بعضهم بعضاً«»حينئذ يكون اثنان في الحقل، يُؤخذ الواحد ويُترك الآخر. اثنتان تطحنان على الرحى، تؤخذ الواحدة وتُترك الأخرى« (متى 24:24 و41). (متى 24:9 و10). وأيضاً قوله:
إذن لا نأخذ الأصحاح كله على نهاية العالم. وعبارة »مجيء ابن الإنسان« تعني مجيئه الثاني في نهاية الزمان، كما تعني مجيئه بالنسبة لحياة أي إنسان. كما قال: »طوبى لأولئك العبيد، الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين. كونوا أنتم مستعدين، لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا« (لوقا 12:37-43). وقوله أيضاً لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً« (مرقس 13:36).
اعتراض على متى 24:36 - عِلم الساعة
انظر تعليقنا على لوقا 21:33 و34
قال المعترض: »من طالع قصة المرأة التي أفرغت قارورة الطيب على المسيح في متى 26:7-13 ومرقس 14:3-9 ويوحنا 12:3-8 وجد فيها اختلافات: (1) صرّح مرقس أن هذا الأمر كان قبل الفصح بيومين، وقال يوحنا كان قبل الفصح بستة أيام. (2) جعل متى ومرقس الحادثة في بيت سمعان الأبرص، وجعلها يوحنا في بيت مريم. (3) قال متى ومرقس إنها سكبت الطيب على رأس المسيح، وقال يوحنا إنها سكبته على قدميه. (4) وقال مرقس إن الذين اعترضوا كانوا من الحاضرين، وقال متى إن التلاميذ هم الذين اعترضوا، وقال يوحنا إن يهوذا كان المعترض. (5) قال متى إن ثمن الطيب كثير، وقال مرقس إنه اكثر من 300 دينار، وقال يوحنا إنه 300 دينار«.
وللرد نقول: (1) لم يقل متى ولا مرقس إن هذه الحادثة حصلت قبل الفصح بيومين ولا بستة أيام، وإنما قالا إنه قبل الفصح بيومين عقد أئمة اليهود مجلساً للتشاور في كيفية قتل المسيح، ثم ذكرا قصة سكب قارورة الطيب. وتوصّلا بها إلى ذكر يهوذا الإسخريوطي، لأنه يُحتمل أن سكب قارورة الطيب كان من الأسباب التي حملته على خيانة سيده. وكذلك لا يُفهَم من عبارة يوحنا أنه قبل الفصح بستة أيام حصلت هذه الحادثة، بل قال »قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا فصنعوا له وليمة عشاء«. مما يعني أنه أتى إلى بيت عنيا قبل الفصح بستة أيام، ولكن الوليمة أُقيمت بعد أن أقام هناك أياماً.
(2) لم يقل يوحنا إن الوليمة كانت في بيت مريم، بل قال: »فصنعوا له هناك عشاء«. وقوله »وأخذت مريم« يدل على أنه لم يكن في بيتها. وقوله إن لعازر كان حاضراً في هذه الوليمة، يدل على أنه لم يكن في بيته. وقوله »مرثا كانت تخدم« يدل على أنه لم يكن في بيتها. فيتعيَّن أنه كان في بيت سمعان الأبرص.
(3) كانت عادة اليهود أن يسكبوا الطيب على الرأس أو الشعر، فاقتصر متى ومرقس على ذكر هذه العادة. أما يوحنا الرسول فضرب عنها صفحاً اعتماداً على شهرتها ومعرفة الناس لها، وذكر مسح القدمين لغرابته، ودلالته على تواضعها، وعلى منزلة المسيح الرفيعة عندها. فبعد أن دهنت رأسه دهنت قدميه ومسحتهما بشعرها.
(4) قول مرقس »أناساً من الحاضرين« يشمل التلاميذ، ومن ضمنهم يهوذا. وحينئذ لا تناقض مطلقاً. ولا مانع من أن يكون بعض التلاميذ اشتركوا مع يهوذا في التذمر على المرأة عن خلوص نية، وظنوا أنها أتت شيئاً غير مناسب. أما تذمر يهوذا فكان عن سوء نية، لأن الكتاب المقدس يقول إنه كان سارقاً.
(5) ثمن الطيب تقديري، فالبشير متى قال إن ثمنه كثير، لأن 300 ديناراً هو أجر عامل لمدة سنة. وقال مرقس إن ثمنه أكثر من 300 دينار، لأن الأسعار غير محدَّدة، ويمكن أن يباع الشيء بأثمان مختلفة حسب قانون العرض والطلب. أما يوحنا فاقتبس نص كلمات يهوذا الإسخريوطي.
قال المعترض: »جاء في متى 26:21-25 قول المسيح لتلاميذه »إن واحداً منكم يسلّمني، فحزنوا جداً وابتدأ كل واحد منهم يقول: هل أنا هو يا رب؟ فأجاب: الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمّني.. فسأل: هل أنا هو يا سيدي؟ قال له: أنت قلت«. ولكن يوحنا 13:21-27 يورد قول المسيح بطريقة مختلفة، إذ يقول: »إن واحداً منكم يسلمني، فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون فيمن قال عنه.. فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له: يا سيد من هو؟ أجاب يسوع: هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا«.
وللرد نقول: لا نرى تناقضاً بين الروايتين، فهما تذكران قول المسيح »إن واحداً منكم يسلمّني«، ويُفهم من الروايتين أن التلاميذ انذهلوا وتحيّروا، وأخذوا يتساءلون عن الشخص الذي يتجاسر على ذلك. وكلاهما تقولان إن يهوذا هو الذي أضمر له السوء. فلما استفهم أحد التلاميذ من المسيح عن الشخص الذي قصد أنه سيسلّمه قال (بحيث لم يسمعه سوى السائل): »الذي أغمس اللقمة وأعطيه«. ثم غمس اللقمة وأعطاها ليهوذا. وهذا لا يناقض ما ذكره البشير متى من أن يهوذا سأل المسيح بعد ذلك عن مسلّمه، فأجابه: »أنت هو«.
اعتراض على متى 26:28 - كأس واحد أم كأسان
انظر تعليقنا على لوقا 22:17
قال المعترض: »ورد في متى 26:48-50 أن يهوذا كان قال لليهود: الذي أُقَبِّله هو هو أمسكوه. فتقدم وقال: السلام يا سيدي. وقبّله. فأمسكوه. ولكن ورد في يوحنا: »وكان يهوذا مسلّمه يعرف الموضع، لأن يسوع اجتمع هناك كثيراً مع تلاميذه. فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو. وكان يهوذا مسلّمه أيضاً واقفاً معهم. فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. فسألهم أيضاً: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري. أجاب يسوع: قد قلت لكم إني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون«. وبين القصتين تناقض«.
وللرد نقول: لا نرى تناقضاً فالروايتان تتفقان. فالبشير يوحنا لم يذكر تقبيل يهوذا لسيده، اعتماداً على فهم القارئ، لأن الإسخريوطي، باعتباره تلميذاً للمسيح كان لابد أن يقبِّله وهو يسلّم عليه، فهذا هو الاحترام الواجب على التلميذ نحو أستاذه. ولما قبّله سألهم المسيح: من تطلبون؟ فوقعت هيبة قداسته وحقه وعدالته في نفوسهم، وسقطوا على الأرض.
وقال المسيح للذين جاءوا ليقبضوا عليه: أنا هو، حتى لا يمسّوا تلاميذه بضرر. ولا يوجد اختلاف في رواية هذه الأخبار المهمة. نعم يكون هناك تناقض لو قال أحدهم إن يهوذا قبّل المسيح، بينما قال الآخر إنه لم يقبّله. أو لو قال أحدهما إنهم سقطوا خوفاً من أن يُنزِل ناراً من السماء تهلكهم، وقال الآخر إن هذا لم يحدث. ومن هذا يتضح أن أقوال البشيرين تكمل بعضها بعضاً، ولا تناقض بعضها بعضاً.
قال المعترض: »ورد في متى 26:64 »من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء«. وهذا غلط لأن اليهود لم يروه قط جالساً عن يمين القوة ولا آتياً على سحاب السماء، لا قبل موته ولا بعده«.
وللرد نقول: (1) قول المسيح »من الآن« يعني منذ وقت موته وقيامته، فسيجلس عن يمين القوة في الأعالي، كما رأى استفانوس الشهيد المسيحي الأول »مجد الله، ويسوع قائماً عن يمين الله« (أعمال 7:55). وهي رؤية مُتاحة لكل من يؤمن، أما من لا يؤمنون فيُقال عنهم: »مبصرين لا يبصرون.. لأن قلب هذا الشعب قد غلُظ« (متى 13:13-15).
(2) وقول المسيح هذا إعلان منه عن ذاته: من هو، وعن مجيئه ثانيةً ديّاناً للأحياء والأموات. وهو مُقتبس من نبوات دانيال 7:13 و14 »كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرَّبوه قدامه، فأُعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض«. وعندما سأل رئيس الكهنة المسيح إن كان هو المسيح، أجابه بالإيجاب، وأوضح أنه هو المقصود بنبوات دانيال التي تشير إلى مجيء المسيح في ملكوته. وكان المسيح قد أطلق عبارات هذه النبوَّة على نفسه قبل التجلي (متى 16:28)، ثم أطلقها على نفسه مرة أخرى لما تنبأ عن خراب أورشليم، فقال إن »ابن الإنسان يأتي على سحاب السماء بقوة ومجد كثير« (متى 24:30). وأطلقها على نفسه مرة ثالثة في متى 26:64 أثناء محاكمته، وكأنه يقول: مع أني الآن في أعينكم محتقر ومُهان، ولم تصدقوني لما قلت إني المسيا، إلا أن دعواي صحيحة، لأنها مبنيّة على أساسٍ حقيقي. والدليل على ذلك أنكم ستبصرون ابن الإنسان (أي المسيا) آتياً، ولكن ليس بالكيفية التي انتظرتم بها مجيئه، بل يأتي في سحاب السماء ديّاناً لكم. وقد فهم اليهود ما قصده المسيح، فاستشاطوا غيظاً، حتى مزَّق رئيس الكهنة ثيابه وقال: »قد جدّف! ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه«.
وقد تحققت نبوَّة المسيح في خراب أورشليم، كما ستتحقق وقت مجيئه ثانيةً، وسيبصر الجميع عظمته، كما قيل في الرؤيا 1:7 »هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين، والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض«.
قال المعترض: »اختلف الإنجيليون الأربعة في إنكار بطرس عدة اختلافات:
ورد في إنجيل متى 26:69-75 »أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار، فجاءت إليه جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع قائلاً: لست أدري ما تقولين. ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى، فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضاً بقَسَم إني لستُ أعرف الرجل. وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس: حقاً أنت أيضاً منهم، فإن لغتك تظهرك. فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف الرجل. وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له: إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات«.
وورد في مرقس 14:66-72 »وبينما كان بطرس في الدار أسفل، جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة. فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت: وأنت كنت مع يسوع الناصري. فأنكر قائلاً: لست أدري ولا أفهم ما تقولين. وخرج خارجاً إلى الدهليز فصاح الديك، فرأته الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين إن هذا منهم، فأنكر أيضاً. وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس: حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً، ولغتك تشبه لغتهم. فابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه. وصاح الديك ثانية، فتذكر بطرس القول الذي قاله يسوع: »إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات«.
وورد في لوقا 22:54-61 »وأما بطرس فتبعه من بعيد. ولما أضرموا ناراً في وسط الدار وجلسوا معاً، جلس بطرس بينهم، فرأته جارية جالسة عند النار، فتفرست فيه وقالت: وهذا كان معه، فأنكره قائلاً: لست أعرفه يا امرأة. وبعد قليل رآه آخر وقال: وأنت منهم. فقال بطرس: يا إنسان! لست أنا. ولما مضى نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلاً: بالحق إن هذا أيضاً كان معه، لأنه جليلي أيضاً. فقال بطرس يا إنسان! لست أعرف ما تقول، وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك، فالتفت الرب ونظر إلى بطرس، فتذكر بطرس كلام الرب: كيف قال له: »إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات«.
وورد في يوحنا 18:16 و17 »أما بطرس فكان واقفاً خارجاً، فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفاً عند رئيس الكهنة وكلم البوَّابة فأدخل بطرس. فقالت الجارية البوَّابة لبطرس: ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الإنسان؟ قال ذاك: »لست أنا«. وفي آية 25 وسمعان بطرس كان يصطلي، فقالوا له: »ألست أنت أيضاً من تلاميذه؟« فأنكر ذاك وقال: »لست أنا« . فقال واحد من عبيد رئيس الكهنة: »أما رأيتُك أنا معه في البستان؟« فأنكر بطرس أيضاً. وللوقت صاح الديك«.
وهذه الاختلافات هي:
(1) يُفهم من رواية متى ومرقس أن جاريتين والرجال القيام كلَّموا بطرس، أما لوقا فقال إنهم جارية واحدة ورجلان.
(2) كان بطرس وقت سؤال الجارية في ساحة الدار حسب رواية متى، وفي وسط الدار على رواية لوقا، وأسفل الدار على رواية مرقس، وداخل الدار على رواية يوحنا.
(3) اختلفوا في الأسئلة الموجَّهة لبطرس.
(4) كان صياح الديك بعد إنكار بطرس ثلاث مرات على رواية متى ولوقا ويوحنا، وكان صياحه مرة بعد إنكار بطرس الأول، ومرة أخرى بعد إنكاره مرتين، على رواية مرقس.
(5) قال متى ولوقا إن المسيح قال: »قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات«. وقال مرقس إنه قال: »قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات«.
(6) جواب بطرس للجارية حسب رواية متى »لست أدري ما تقولين« وعلى رواية يوحنا أجاب بالسلب فقط، وعلى رواية مرقس »لست أدري ما تقولين« وعلى رواية لوقا »لست أعرف يا امرأة«
وللرد نقول: (1) اتفق الإنجيليون على عدد مرات إنكار بطرس لسيده، وأجمعوا على أن إنكاره كان قبل أن يصيح الديك. وتمت بذلك نبوَّة المسيح أن بطرس سينكره ثلاث مرات، وقبل صياح الديك.
لقد قال المسيح العبارتين - قال إن بطرس سينكره قبل أن يصيح ديك، وإنه ينكره قبل أن يصيح الديك مرتين. وذكر متى إحدى العبارتين، وذكر مرقس العبارة الأخرى. ومما يجدر ذكره أن لوقا ويوحنا أوردا قول المسيح بنفس الصيغة الواردة في متى. وقبل الجزم بأن أحد البشيرين يناقض البقية يجب أن نأتي بالدليل على أن المسيح لم يقل هذه العبارة إلا مرة واحدة، وإلا فلا تناقض.
فيصح أن نتصور ما يأتي: أنذر المسيح بطرس أنه قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات.. ولما كان بطرس سريع التأثر ثار لما سمع هذا، وكأنه يقول: هل أنا أنكر سيدي؟ إن هذا مُحال! »ولو اضطُررت أن أموت لا أنكرك«. وعندئذ كرر المسيح الإنذار، وأضاف تفصيلاً آخر بقوله: يا بطرس، قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات. ويترجح جداً أنه قد تُبودلت عبارات كثيرة بين بطرس وسيده بصدد هذه النقطة الخطيرة. ولا شك أن المسيح قال لبطرس نفس العبارة الواردة في متى ولوقا ويوحنا، والعبارة الواردة في مرقس أيضاً.
ولنورد حلاً آخر، وهو أن متى ولوقا ويوحنا أوردوا إعلان المسيح لبطرس أنه سينكره بصيغة عامة، أما مرقس (فكما هي عادته) أورد العبارة بالتدقيق. وكما نراه في روايات أخرى يورد تفصيلات دقيقة لا نراها في بقية البشائر، هكذا هنا أيضاً أورد كلمة دقيقة لم يوردها غيره. وعلاوة على هذا يجب أن نتذكر أن بشارة مرقس (كما يفيد التقليد) كُتبت تحت إشراف بطرس. ولذا نرى فيها أسلوب بطرس ولهجته. فلا نستغرب عندما نجد أن العبارة المقولة لبطرس واردة في هذه البشارة بدقة أكثر من سواها.
(2) اقتصر لوقا البشير على ذكر المرة التي أنكر فيها بطرس سيده صراحة وبشدة، لأنها كانت أهم من المرة الأولى. وهذا لا ينافي أن جاريتين سألتاه مرتين. أما متى ومرقس فذكرا الحالتين. وعليه فلا اختلاف، فإن الاختلاف لا يتحقق إلا إذا نفى الواحد ما أثبته الآخر. وهنا اقتصر لوقا على ذكر الأهم، وأما الآخرون فذكروا كل شيء بالتفصيل.
(3) قال لوقا إن رجلين سألاه عن نسبته إلى سيده، وقال متى ومرقس إن الرجال سألوه، فعبارتهما تتضمن أن رجلين سألاه نيابةً عن باقي الجمهور، فلا نتصوَّر أن كل الحاضرين سألوا بطرس مرة واحدة.
(4) قال متى: إنه كان خارجاً في الدار، وقال مرقس: في الدار أسفل، وقال لوقا: في وسط الدار، وقال يوحنا: إنه كان واقفاً عند الباب خارجاً، فخرج التلميذ وكلَّم البوَّابة فأدخل بطرس (آية 16). فلا يوجد اختلاف. بطرس كان حسب قول متى خارجاً في الدار، أي ليس في الدار الأعلى الذي كان فيه المسيح والمجلس. ومما يدل على أنه كان في صحن الدار قول متى إنه لما ضايق اليهود بطرس خرج إلى الدهليز، مما يدل على أنه كان في الدار. ولم يقل البشير إن بطرس كان خارج الدار، بل »خارجاً في الدار« أي خارج المخادع. وبما أنه كان في المحل التحتاني (أي صحن الدار) فيصح أن يُطلق عليه أسفل الدار. ولا يخفى أن معنى صحن الدار هو أسفله، وهو لا ينافي أنه كان جالساً في وسطه يستدفئ. وقصد الرسل أنه لم يكن في الدور الأعلى المرتفع الذي كان فيه المجلس، بل كان في مكان الخدم وهو الصحيح.
(5) من تأمل الأسئلة الموجَّهة لبطرس وجدها واحدة، ففي متى قالت الجارية: »وأنت كنت مع يسوع الجليلي«. ثم قالت أخرى: »وهذا كان مع يسوع الناصري«. وقال القيام (أي الحراس): »أنت أيضاً منهم فإن لغتك تظهرك«. هذه هي رواية متى.
أما مرقس فذكر أن الجارية قالت: »أنت كنت مع يسوع الناصري«. ثم رأته ثانية وقالت للحاضرين: »إن هذا منهم«. وقال الحاضرون لبطرس: »حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً ولغتك تشبه لغتهم«. وقِس على ذلك ما ورد في إنجيل لوقا ويوحنا، فإنه لا يختلف عن ذلك في شيء ما.
(6) أنكر بطرس المسيح ثلاث مرات قبل صياح الديك، غير أن بعضهم ذكر أن الديك صاح مرتين واقتصر البعض الآخر على ذكر صياح الديك مرة، وسبب ذلك هو أن الديوك عادةً تصيح مرتين، عند قدوم الصبح وعند طلوع النهار. وبما أنه يندر من يسمع صياحه أول مرة، لم يذكره بعض البشيرين. والمهم هو الصياح الثاني وقد ذكره جميع البشيرين، وهذا لا ينافي أنه صاح قبلها.
(7) إجابات بطرس واضحة متشابهة لا فرق بينها. وبما أن كثيرين من الخدم والحاضرين أخذوا يعنفونه ويضايقونه، فزع وتلعثم في الكلام، وهو يبرئ نفسه بأساليب متنوعة في الوضوح والخفاء. فتارة ينكر، وأخرى يحلف ليتخلّص من ظلم اليهود. وكان ينتقل من مكان لآخر ليواري نفسه ويتخلص من مأزقه.
(8) وهكذا يتضح عدم وجود اختلاف في أقوال البشيرين، فكل واحد منهم ذكر أقوال الوحي الإلهي بحسب روحه ونَفَسه، فإن الوحي لا يبتلع شخصية الإنسان. فالله يوحي للنبي أو الرسول المعاني والأحكام، ويكون في يد الله بمنزلة القلم في يد الكاتب، فتُحفظ شخصيته، ويظهر في كتابته ما اختص به من القوى العقلية وطرق الفكر والتصوّر. وهذا هو سبب تنوّع طرق تعبير الأنبياء. وكلامنا هنا هو عن الأنبياء أو الرسل بصيغة الجمع. أما إذا اختلف رسول أو نبي في أقواله وعباراته، فهذا هو الذي يُؤاخذ عليه، لأنه ناقض نفسه بنفسه.
قال المعترض: »يُفهَم من إنجيل متى 27:3 أن رؤساء الكهنة اشتروا الحقل بالثلاثين من الفضة التي ردَّها يهوذا، ولكن أعمال الرسل 1:18 يقول إن يهوذا كان اشترى الحقل بها، وقيل: »وهذا معلوم في جميع سكان أورشليم «.
وللرد نقول: يقول أعمال 1:18 عن يهوذا »هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم«. فنسب كاتب »الأعمال« له الاقتناء لأنه كان السبب فيه. وكثيراً ما يُنسب إلى الإنسان الفعل لأنه السبب فيه، كما يُنسَب إلى الملك بناء القصر مع أنه ليس هو الباني حقيقة، ولكنه يأمر به.
قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 27:3 أنه حُكم على المسيح وأنه دين، وهو غلط، لأن رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب دفعوه إلى بيلاطس البنطي«.
وللرد نقول: من طالع الأصحاح الذي قبله رأى أن الكهنة والشيوخ والرؤساء والمجمع أتوا بشهادات زور على المسيح، حتى مزّق رئيس الكهنة ثيابه، وادّعى على المسيح أنه مجدِّف، فبصقوا في وجهه ولكموه ولطموه، وحكموا عليه بالموت (متى 26:67). فهم الذين حكموا عليه حتى تعذّر على الوالي إطلاق سبيله بعد ذلك، مع أنه كان يميل إلى إطلاقه، فوافقهم حسماً للدسائس والفتن، وطمعاً في محبتهم له.
قال المعترض: »جاء في متى 27:3 أن يهوذا ردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ في الهيكل، وهو غلط لأنهم كانوا في هذا الوقت عند بيلاطس يشتكون على المسيح«.
وللرد نقول: قيل في متى 27:5 عن يهوذا »فطرح الفضة في الهيكل وانصرف« أي أنه دفعها في خزينة الهيكل باسم أئمة الدين، سواء كانوا حاضرين أم غائبين.. والشيء الطبيعي أن يتصرف يهوذا بسرعة وتلقائية. ولو أنه انتظر عودة المسؤولين لما انتحر، لأنه كان سيفكر في رحمة الله التي تغفر للتائبين مهما كانت خطاياهم.
قال المعترض: »جاء في متى 27:5 »أن يهوذا انتحر صباح الليلة التي أسلم فيها المسيح. وغير معقول أن يندم على فعله في هذه المدة القليلة ويخنق نفسه، لأنه كان عالماً قبل التسليم أن اليهود يقتلونه«.
وللرد نقول: لو قال الكتاب المقدس إنه لبث أسبوعاً يتحسر على غدره وخيانته، لاستبعدنا انتحاره، ولكنه لما رأى أنه خان سيده الذي لم ير منه مدة معاشرته سوى اللطف والمحبة والرحمة والإحسان والسماحة والآيات الباهرة، انتحر من شدة تحسّره ونخسات الضمير.
قال المعترض: »ورد في إنجيل متى 27:5 أن يهوذا الاسخريوطي »مضى وخنق نفسه« ولكن ورد في أعمال 1:18 »وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها«.
وللرد نقول: ذكر البشير متى خبر انتحار يهوذا دون أن يخوض في تفاصيل، فقال إنه شنق نفسه. أما كاتب أعمال الرسل فذكر تفصيلات الانتحار، وقال إنه علق نفسه وشنقها على طرف هوة في وادي هنوم، فانقطع الحبل به فسقط.
قال المعترض: »ورد في متى 27:9 »حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل: وأخذوا الثلاثين من الفضة، ثمن المثمَّن الذي ثمَّنوه من بني إسرائيل. ولم يقُل إرميا هذه العبارة، بل قالها النبي زكريافي أصحاح 11:13«.
وللرد نقول: (1) قسم علماء اليهود القدماء الكتب المقدسة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول شريعة موسى، وكانوا يسمونه »الشريعة«. والقسم الثاني »المزامير«، والقسم الثالث »الأنبياء«»إرميا«، من إطلاق اسم سفر من الجزء على الكل. وسبب تسمية قسم الأنبياء »إرميا« أن نبوَّة إرميا كانت أول كتب الأنبياء، وجاءت النبوات بالترتيب التالي: إرميا، ثم حزقيال، ثم إشعياء، ثم نبوات الأنبياء الصغار الإثني عشر. فقول متى: »تمّ ما قيل بإرميا النبي« يشمل زكريا. ويُسَمونه
(2) قال البعض إن إرميا هو الذي تكلم بهذه الكلمات، وإن زكريا نقل عنه. فاستشهاد البشير متى بإرميا هو في محله على أي حالة كانت. ومعنى عبارة زكريا هو أن الله أمره أن يتوجَّه إلى اليهود بشيراً ونذيراً، فنبذوا كلامه وازدروا به. وطلب منهم أن يعطوه ثمنه أي قيمة أتعابه، أو يلبوا دعوته، ولكنهم ازدروا به وبوظيفته وبالله الذي أرسله بأن أعطوه ثلاثين من الفضة، وهي ثمن عبد. فأمره الله أن يلقي هذا الثمن إلى الفخاري. وعلى هذا المثال سلكوا مع المسيح، فإنه لما أتى رفضوه وازدروا به، بأن ثمَّنوه بثمن عبد، فألقى هذا الثمن في الهيكل. وأخذه الكهنة واشتروا به حقل الفخاري وهو لا قيمة له، وهذا يدل على استخفافهم به ورفضهم دعوته.
قال المعترض: »يُفهم من كلام متى ومرقس أن الذين استهزأوا بالمسيح وألبسوه اللباس كانوا جند بيلاطس لا هيرودس، ويُعلم من كلام لوقا خلاف ذلك. وورد في متى 27:27 و28 أن عسكر الوالي ألبسوه رداءً قرمزياً، وفي مرقس 15:16 و17 ألبسه العسكر أرجواناً، وفي لوقا 23:11 فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأوا به، وألبسه لباساً لامعاً ورده إلى بيلاطس«.
وللرد نقول: احتقره عساكر بيلاطس، وكذلك احتقره هيرودس وعساكره، لأن المسيح رفض طلب هيرودس أن يجري معجزة أمامه. واقتصر البشير لوقا على ذكر ما حصل له من الازدراء. ولا تناقض بين أقوال البشيرين، فلم يقل أحدهم إن المسيح أُهين بينما قال الآخر إنه أُكرم، فقد أجمعوا على حصول الإهانة له. وما قالوه يكمل بعضه بعضاً ولكنه لا يتناقض.
قال المعترض: »ورد في متى 27:34 »أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب، ولما ذاق لم يرد أن يشرب«. وورد في آية 48 »ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه«. وورد في مرقس 15:23 »وأعطوه خمراً ممزوجاً بمرٍّ ليشرب فلم يقبل«. وورد في آية 36 »فركض واحد وملأ إسفنجة خلاً وجعلها على قصبة وسقاه«، وفي لوقا 23:36 »والجند استهزأوا به، وهم يأتون ويقدمون له خلاً« وفي يوحنا 19:28-30 أن المسيح قال: »أنا عطشان، وكان إناءٌ موضوعاً مملوءاً خلاً، فملأوا إسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه، فلما أخذ يسوع الخل قال قد أُكمل. وهذه الآيات تناقض بعضها بعضاً«.
وللرد نقول: قُدِّم الخل للمسيح مرتين. في الأولى قدموه له ممزوجاً بمر، لأنهم اعتادوا أن يقدموا للمحكوم عليه بالإعدام خلاً ممزوجاً بمُر ليغيّبه عن الوعي. فرفض المسيح ذلك، لأنه أتى ليتألم ويحمل في جسده العقاب الذي كنا نستحقّه بسبب خطايانا، ثم لأنه أراد أن يكون في كمال الوعي وهو ينطق كلماته على الصليب. وبعد إكماله هذا كله عطش من شدة الألم على الصليب، فأعطوه خلاً من مشروب العساكر، فشربه.
قال المعترض: »ورد في متى 27:35 »ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها، لكي يتم ما قيل بالنبي »اقتسموا ثيابي وعلى لباسي ألقوا قرعة«. وقال المفسر المسيحي آدم كلارك إن القول »لكي يتم ما قيل بالنبي: اقتسموا ثيابي وعلى لباسي ألقوا قرعة« يجب حذفها لأنها ليست في المتن، وهي مأخوذة من إنجيل يوحنا 19:24«.
وللرد نقول: لم توجد هذه العبارة في بعض النسخ القديمة، لكنها موجودة في النسخ المعتبرة والقراءات الصحيحة، وقد جاءت كنبوَّة في مزمور 22:18. وحتى لو قلنا إنها لم تكن موجودة في الأصل، فهي من المدرج الجائز الذي قُصد به التفسير، وقد جاءت في إنجيل يوحنا، وتحققت فعلاً وقت الصليب، وتمم العسكر ما تنبأ به النبي داود عن المسيح قبل مجيئه بألف سنة.
قال المعترض: »العنوان الذي كتبه بيلاطس ووضعه على الصليب في الأناجيل الأربعة مختلف، ففي متى 27:37 »يسوع ملك اليهود« وفي مرقس 15:26 »ملك اليهود« وفي لوقا 23:38 »هذا هو ملك اليهود« وفي يوحنا 19:19 »يسوع الناصري ملك اليهود«. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: ذكر جميع البشيرين عنوان »ملك اليهود«، لأنه هو موضوع اتهام اليهود الذين اتخذوه حجَّة في صلب. أما كونه ناصرياً، أو أنه سُمي »يسوع« أي المخلص، فلم يتخذوه سبباً في صلب المسيح.
وكان أول من أثار هذا الاعتراض أحد الملاحدة الأمريكيين، واسمه توماس بين، وهو مؤلف كتاب »حقوق الإنسان«. فردّ عليه أحد العلماء قائلاً: »إن الخلاف الموجود في الأناجيل لفظي، ناشئ عن كتابة هذا العنوان بالعبرية واليونانية واللاتينية. ومع أن معناها واحد إلا أن الترجمة لا تسلم من الاختلاف اللفظي. فإذا فرضنا أن المقادير قضت عليك بأن يشنقك »روبسبير« وكتب فوق المشنقة باللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية »توماس بين الأمريكي مؤلف حقوق الإنسان«. وشاهد أربعة أشخاص تنفيذ الحكم بالإعدام، ورووا هذه الحادثة، وكتبوا ملخص تاريخك بعد وفاتك بعشرين سنة، فقال أحدهم إن توماس شُنق، وكان عنوان المشنقة »هذا هو توماس بين مؤلف حقوق الإنسان« وقال الثاني كان عنوانها »مؤلف حقوق الإنسان« وقال الثالث كان عنوانها »هذا هو مؤلف حقوق الإنسان« وقال الرابع كان عنوانها »توماس بين الأمريكي مؤلف حقوق الإنسان« فهل يرتاب أحد في صحة تأليفهم لتاريخك؟ لا نظن ذلك. فكذلك الحال هنا فإن الله يخاطبنا حسب الطرق المصطلح عليها بين الناس«.
قال المعترض: »قال متى 27:44 ومرقس 15:32 إن اللصين اللذين صُلبا معه كانا يعيّرانه، وقال لوقا إن أحدهما عيّره وأما الآخر فزجر رفيقه وقال ليسوع: »اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك«. فقال له يسوع: »إنك اليوم تكون معي في الفردوس««. (لوقا 23:42 و43) وهذا تناقض
وللرد نقول: اشترك اللصان أول الأمر في التعيير، ولكن لما اقتنع أحدهما بما رآه في يسوع المسيح من الوداعة والحلم، وتذكر ما صنعه من المعجزات الباهرة، اعترف بذنبه وأقرّ بقوة المسيح.. وقال بعض العلماء: »اشتهر في اللغة العبرية إقامة الجمع مقام المفرد، وجرى البشير متى على هذه الطريقة، فقال في موضع آخر كما هو مكتوب في الأنبياء، وهو يقصد نبياً واحداً«.
قال المعترض: »ورد في متى 27:46 »ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: إيلي، إيلي، لما شبقتني، أي إلهي إلهي، لماذا تركتني؟« وفي مرقس 15:34 »إلُوي إلوي لما شبقتني، الذي تفسيره: إلهي إلهي لماذا تركتني؟« وفي لوقا 23:46 »ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: »يا أبتاه، في ديك أستودع روحي«. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: صرخ المسيح على الصليب مرتين. الأولى كان صراخ التوجُّع من آلام الصلب، والثانية كان صراخ تسليم الروح. في المرة الأولى اقتبس مطلع مزمور 22 »إلهي إلهي لماذا تركتني؟«»لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها، ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شُفينا«. وصار ذبيحة عن خطايانا كما في غلاطية 3:13 وفي 2كورنثوس 5:21 »لأنه (الله) جعل الذي لم يعرف خطية خطيةً لأجلنا (أي ذبيحة خطية) لنصير نحن برّ الله فيه«. فشدة آلام المسيح ناشئة عن وضع خطايانا عليه، فهذا هو صراخ التوجّع، وقد ذكره متى ومرقس، بل قالا أيضاً إنه صرخ مرة ثانية وأسلم الروح. أما لوقا فذكر توجّعه وتألمه (وهو لا ينافي أنه صرخ في أثناء ذلك) ثم قال لوقا إنه قبل أن أسلم الروح صرخ قائلاً: »في يديك أستودع روحي«. لأنه كان إنساناً مثلنا في كل شيء، ماعدا الخطية. فلما جلدوه وضربوه واستهزأوا به وعيّروه، تألم من ذلك كإنسان. ومما زاد توجّعه وتألمه أنه حمل خطايانا على جسده. قال إشعياء النبي في 53:4 و5
انظر تعليقنا على يوحنا 20:17
قال المعترض: »جاء في متى 27:48 »وللوقت ركض واحدٌ منهم وأخذ إسفنجةً وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه« وهذا يعني أن المسيح لم يمُت، ولكنه بسبب الخل أُغمي عليه فقط، وأفاق في قبره. فقال المسيحيون إنه مات وقام!«.
وللرد نقول: رفض المسيح الخل الممزوج بالمر، والذي يمكن أن يغيِّب الإنسان عن الوعي (انظر تعليقنا أعلاه على متى 27:34). ولكنه قبِل أن يشرب الخل فقط ليروي عطشه. وصاحب نظرية الإغماء ملحدٌ اسمه فنتوريني نشر نظريته منذ قرنين.
ومن الأدلة على أن المسيح قد مات فعلاً، ولم يُغمَ عليه، كما قال المعترض:
(1) عرف يوسف الرامي أن المسيح قد مات، فذهب يوسف الرامي إلى بيلاطس يطلب دفن الجسد تكريماً له. وجاء زميله نيقوديموس بمئة منا (درهم) من مزيج المر والعود لتكفين الجسد. ولو لم يتأكدا من موته ما قاما بما قاما به (متى 27:57-61 ويوحنا 19:38-42).
(2) قبل الوالي بيلاطس طلب يوسف الرامي بتسليم جسد المسيح ليدفنه بعد أن تأكد من قائد المئة أن المسيح قد مات فعلاً (مرقس 15:44 و45). وتقرير قائد المئة بمثابة تقرير طبيب الصحة عندنا اليوم، وهو الذي يكتب شهادات الوفاة. وكان جنود الرومان متمرِّسين في عملية الصلب، وكانوا يكسرون ساقي المصلوب ليعجِّلوا بموته. ولكنهم لما جاءوا ليكسروا ساقي المسيح وجدوه قد مات (يوحنا 19:33). وليس للجنود ولا لقائد المئة مصلحة في كتابة تقرير كاذب يوقع بهم الأذى لو ظهر كذبه، خصوصاً وشيوخ اليهود كانوا يريدون أن يتأكدوا أنه قد مات حقاً.
(3) كان جسد المسيح ملفوفاً بقماش الكتان، وحوله الأطياب، موضوعاً في قبر على بابه حجر ضخم وعليه الختم الروماني، يحرسه الجنود لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه. فلو لم يكن المسيح قد مات على الصليب لاختنق ومات في قبره الذي بقي فيه من مساء يوم الجمعة إلى صباح يوم الأحد (يوحنا 19:39 و40 ومتى 27:60). فالذي حدث أنه مات فعلاً.
(4) الآلام التي قاساها المسيح كان لا بد تميته، فقد قُبِض عليه في منتصف الليل، وعومل معاملة وحشية في دار رئيس الكهنة، ثم في دار ولاية بيلاطس، ثم سيق إلى قصر هيرودس وأُعيد منه إلى قصر بيلاطس، ثم جُلد، وحمل صليبه إلى مكان الصلب وسقط تحته، ثم دُقَّت المسامير في يديه ورجليه وغُرس الشوك في جبينه، وقاسى من العطش والحمى، وبقي معلَّقاً على الصليب يدمي مدة ست ساعات، ثم طعنه جندي بالحربة في جنبه. فكيف يبقى بعد كل هذا على قيد الحياة؟
(5) تحدَّثت نبوات التوراة عن موت المسيا مخلِّص العالم، فأعلن داود هذا قبل الصَّلب بألف سنة (مزمور 22:16)، وتنبأ به إشعياء قبل الصلب بسبعمئة سنة (إشعياء 53:5-10)، وأوضحه النبي زكريا قبل الصلب بخمسمئة سنة (زكريا 12:10). وأعلن المسيح مراراً أنه سيموت (راجع متى 12:40 و17:22 و23، ومرقس 8:31 و9:31 و10:33، ويوحنا 2:19-21 و10:10 و11). ثم صرخ قائلاً: »يا أبتاه، في يديك أستودع روحي« ولما قال هذا أسلم الروح« (لوقا 23:46 - راجع يوحنا 19:30 و47-49). وقد سمع صرخة موته كل الواقفين حول الصليب.. وتنبأ المسيح أيضاً بقيامته، وواضح أنه لا يقوم من الموت إلا الذي يموت (راجع مزمور 16:10 وإشعياء 26:19 ودانيال 12:2 ومتى 12:40 و17:22 و23 ويوحنا 2:19-21).
قال المعترض: »ورد في متى 27:51-53 »وإذا حجاب الهيكل قد انشقّ إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين«. وقال نورتن إن هذه الحكاية كاذبة، والغالب أنها كانت رائجة بين اليهود بعد ما صارت أورشليم خراباً. فلعل أحداً كتبها في حاشية النسخة العبرية لإنجيل متى، وأدخلها الكاتب في المتن. فلو حدثت هذه فعلاً لآمن كثيرٌ من الرومان واليهود«.
وللرد نقول: وردت هذه الأقوال في متن جميع النسخ القديمة، فإنكارها إنكارٌ للحقائق الثابتة بالإجماع والتواتر والأسانيد الثابتة الصحيحة. ولا نتعجب إذا لم يصدق الكفرة هذه الأقوال لأنهم يرفضون المعجزات عموماً. ولكننا نتعجب من الأمة اليهودية التي قاومت المسيح وكفرت به رغم ما أجراه بينهم من معجزات.
لو كان عمل المعجزات والآيات كافياً وحده في هداية الأنفس إلى الحق، لاهتدى فرعون وقومه إلى الحق وآمنوا بالإله الحي بسبب معجزات النبي موسى. ومع أن بني إسرائيل رأوا قوة الله القاهرة، إلا أنهم تركوه واتخذوا العجل إلهاً لهم. ومع أن المسيح كان يفتح أعين العميان ويشفي الأكمه ويقيم الموتى، إلا أن اليهود رفضوه وصلبوه. وواضحٌ أن إقامة الموتى وفتح أعين العميان وشفاء المرضى بمجرد كلمة واحدة، وتسكين العواصف وغيرها من الآيات البينات، هي أعظم من انشقاق حجاب الهيكل وتشقيق الصخور وقيام الموتى من القبور. فالمعجزات ليست هي الواسطة الوحيدة في هداية الناس. ومع هذا فإن احتمال إيمان كثيرين من اليهود والرومان بالمسيح، بعد انشقاق حجاب الهيكل قائم، لا يقدر أحدٌ أن ينكره.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
اعتراضات على قصة القيامة
متى 28:1-15 ومرقس 16:1-11 ولوقا 24:1-12 ويوحنا 20:1-18
اعترض المعترض على قصة القيامة، وقال إنها وردت مختلطة متناقضة في روايات البشيرين الأربعة.
وللرد نقول: لا توجد قضية أشار إليها الملحدون لإثبات التناقض في الإنجيل أكثر من قضية قيامة المسيح بحسب الوارد عنها في البشائر الأربع:
ولكي ننفي هذه الشبهة نقول أولاً إنه لم ترد في أية بشارة على حِدة خلاصةٌ شاملة لكل الحقائق المختصّة بقضية القيامة. فمتَّى يقول إن مريم المجدلية جاءت مع المريمات الأخريات إلى قبر المسيح في صباح ذلك اليوم العظيم. ومرقس يذكر بهذا الصدد مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة. ولوقا أورد أسماء مريم المجدلية ويونّا ومريم أم يعقوب. أما يوحنا فلا يذكر بهذا الصدد إلا اسم مريم المجدلية فقط. وليس في هذا تناقض، فالبشائر الأربع متفقة في إيراد اسم المجدلية. ثم إن مرقس ولوقا أوردا اسم مريم أم يعقوب التي يشير إليها متى بمريم الأخرى (متى 27:56)، بمعنى أن اسم مريم هذه قد ورد في ثلاث بشائر. إذاً يوجد اتفاق تام بين كل ما جاء في البشائر عن النساء اللاتي أتين إلى القبر. صحيحٌ أن مرقس انفرد بذكر سالومة بينهن، كما انفرد لوقا بذكر يونّا، ولكن هذا لا يدل على أن مرقس ولوقا متناقضان. كل ما في الأمر أن قول هذا يكمل قول ذاك. فسالومة كانت بين النساء في ذلك الصباح كما كانت يونّا أيضاً. ومع أن يوحنا لا يذكر إلا مريم المجدلية، إلا أنه يشير في كلامه إلى مصاحبة بعض رفيقات لها، إذ يقول إنها »لما وجدت القبر فارغاً ركضت إلى بطرس ويوحنا وقالت لهما: أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه«»لسنا نعلم« بصيغة الجمع يبيّن أنها لم تذهب وحدها. (يوحنا 20:2). فقولها:
وقد قال البعض بوجود تناقض بين يوحنا ومرقس في تعيين وقت ذهاب النساء إلى القبر. فمرقس يقول إنهن أتين عند طلوع الشمس، بينما يقول يوحنا إن مريم المجدلية جاءت إلى القبر والظلام باقٍ. ولكن لا تناقض بينهما، لأن يوحنا يتكلم عن وقت بدء السير إلى القبر، بينما مرقس يشير إلى وقت الوصول إليه. وبديهي أنه كان لا بد لأولئك النساء من قطع مسافة قبل الوصول إلى القبر، سواء كنَّ مقيمات في أورشليم أو في بيت عنيا التي تبعُد عنها قليلاً. فعندما بدأنَ في السير كان الظلام باقياً، ولكن عند وصولهن إلى القبر الواقع شمال أورشليم كانت الشمس على وشك الطلوع.
على أن النقطة التي كثُر فيها البحث أكثر من سواها هي الإشارة إلى الملاكين اللذين ظهرا للنساء وأخبراهنَّ عن القيامة. فمتى ومرقس يقولان إن ملاكاً واحداً كلّم النساء، بينما لوقا ويوحنا يذكران ملاكين كانا عند القبر وزفَّا بشارة القيامة إلى أولئك النساء. فيقول الملحدون إن هذا تناقض ظاهر. ولكن القارئ المدقق يرى خطأ قولهم هذا. فلم يقُل متى ومرقس إنه لم يكن عند القبر إلا ملاك واحد. وإشارتهما إلى ملاك واحد لا تمنع إمكانية وجود ملاكين أو أكثر عند القبر. ولنتأمل فيما حدث عند ميلاد المسيح، إذ ظهر ملاك واحد للرعاة. وفي الحال ظهر معه جمهور من الجند السماوي. وربما كان سبب ذكر متى ملاكاً واحداً أن »ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه« (متى 28:2). فهو يخص بالإشارة هذا الملاك، وهو الذي كلم النساء. ولما كانت مأمورية الملاك هذه على جانب عظيم من الأهمية، ذكر متى هذا الملاك فقط، دون أن يعلّق أهمية على وجود سواه من الملائكة عند القبر. كما أن عدم إشارة مرقس إلى وجود ملاك آخر قد يكون راجعاً إلى اهتمامه بالملاك الذي حمل بشرى قيامة المسيح. ولعل ما كان مهماً في نظره هو أن النساء لم يتلقَّيْن هذه البشرى من أحد الرسل، بل من ملاك مرسَل من الله. فسواء كان عند القبر ملاك واحد أو ملاكان، هذا أمر ثانوي. ولا يخفى أن عدم الإشارة إلى وجود شخص ما في ظرف معيَّن لا ينفي وجوده. فلنفرض مثلاً أنك قد حظيت بالمثول بين يدي رئيس الدولة، وكان رئيس الوزراء ساعتئذ حاضراً. وعند رجوعك إلى البيت قد تقول لأهلك: رأيت رئيس الدولة، وقال لي كذا وكذا. وبعد قليل قد تقابل صديقاً لك وتقول له: رأيت هذا الصباح رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وقالا لي كذا وكذا. وإذا قابلت صديقاً آخر تقول له: اُتيحت لي رؤية رئيس الدولة ورئيس الوزراء هذا الصباح، فقال لي رئيس الدولة كذا وكذا. فهل يجرؤ أحدٌ على اتّهامك بالتناقض في هذه الأقوال الثلاثة؟
وعليه يجب أن نعامل الكتاب المقدس عند الحكم على ما جاء به بمبدأ العدل الذي نطلبه لأنفسنا، فنجده خالياً من كل تناقض. فمن المحتمل في قضية القيامة أن أحد الملاكين هو الذي نطق بالبشارة. ومن المحتمل أيضاً أن الثاني كان يردّد كلام الأول تأييداً له. وكيفما كانت الحال، فالبشيرون لهم الحق أن يشيروا إلى أحدهما أو كليهما معاً.
ثم يوجد في موضوع القيامة نقطة أخرى قيل بوجود تناقض فيها، وهي قول يوحنا إن المسيح ظهر لمريم المجدلية عند القبر بعد رجوعها من عند بطرس ويوحنا، اللذين أخبرتهما بعدم وجود جسد المسيح. بينما متى يقول إن المسيح ظهر للنساء وهنَّ عائدات من القبر إلى الرسل حاملات بشرى القيامة من الملاك. ولا حاجة إلى الاسترسال في شرح نقطة ظاهرة كهذه، فعند رجوع مريم من القبر لتخبر التلاميذ بعدم وجود جسد الرب، دخلت باقي النساء القبر حيث رأين الملاكين اللذين أسمعاهنَّ بشرى القيامة. وفيما هن راكضات إلى التلاميذ بهذه البشرى رجعت مريم إلى القبر، وهناك ظهر لها الرب المقام.
قال المعترض: »يُعلم من إنجيل متى 28:1-7 أن مريم المجدلية ومريم الأخرى لما وصلتا إلى القبر نزل ملاك الرب ودحرج الحجر عن القبر وجلس عليه، وقال: »لا تخافا أنتما.. اذهبا سريعاً قولا لتلاميذه«. وفي مرقس 16:1-5 إنهما وسالومة لما وصلن إلى القبر »رأين أن الحجر قد دُحرج« ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين. وفي لوقا 24:1-4 إنهن لما وصلن وجدن الحجر مدحرجاً، فدخلن ولم يجدن جسد المسيح، فصرن محتارات، فإذا رجلان واقفا بهنّ بثياب برّاقة. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: تفيد عبارة متى أن الملاك كان قد دحرج الحجر قبل مجيء مريم المجدلية ومريم الأخرى، فإنهما لما أتتا إلى القبر حدثت زلزلة عظيمة، لأن ملاك الرب كان قد نزل من السماء ودحرج الحجر عن الباب، فجزع الحراس. وهذا مثل ما ورد في مرقس ولوقا.. أما من جهة النساء فذكر لوقا أنه أتت نساء أخريات. واقتصر بعض البشيرين على ذكر بعضهنَّ لشهرتهنّ، مثل مريم المجدلية لأنها كانت أول من بادر بتبليغ الرسل.
أما اقتصار البعض على ذكر ملاك واحد دون الآخر فلأنه هو الذي خاطبهم وكلمهم، إذ لا يُعقل أن يتكلم الملاكان في آن واحد ذات الكلام عينه.
أما قول بعض البشيرين إنه رجل لابس ثياباً بيضاء، وفي محل آخر يقول إنه ملاك، قلنا إن الملاك يتشكل بشكل الإنسان. والملائكة هم أجساد لطيفة قادرة على التشكّل بصور مختلفة، فرآهم الرسل كذلك.
قال المعترض: »هناك تناقض بين متى 28:8 ومرقس 16:8. يقول متى 28:8 إن النسوة خرجن من القبر بسرعة ليخبرن التلاميذ، بينما يقول مرقس 16:8 إن النسوة هربن خائفات، ولم يقلن لأحدٍ شيئاً«.
وللرد نقول: يصف مرقس مشاعر النسوة وهن راجعات من القبر، فلم يتوقفن عند بيوت الأصدقاء لإفادتهم بما رأين وسمعن، لأنهن كنّ خائفات. ولا يقول مرقس إن النسوة لم يخبرن التلاميذ، بل يقول (مرقس 16:7) إن الملاك أمرهنّ بإخبار التلاميذ وبطرس أن المسيح سبقهم إلى الجليل. ولو لم تخبر النسوة التلاميذ ببشارة الملاك لكان هذا عصياناً منهن، وهذا غير معقول، فالنسوة كنّ طائعات محبّات للمسيح وللتلاميذ، ولا بد أنهن أبلغن رسالة الملاك.
قال المعترض: »ورد في متى 28:9 و10 أن الملاك لما أخبر المرأتين أنه قد قام من الأموات، ورجعتا، لاقاهما المسيح في الطريق وسلم عليهما، وقال: »اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني«. ويُعلم من لوقا 24:9-11 أنهن لما سمعن من الرجلين رجعن وأخبرن الأحد عشر وسائر التلاميذ بهذا كله، فلم يصدقوهن. وقال يوحنا 20:14 إن المسيح لقي مريم عند القبر، وهذا تناقض«.
وللرد نقول: واضحٌ أن المسيح لاقاهنَّ لما تركن القبر المرة الثانية، فإنهن أتين أول مرة، ثم بادرن وأخبرن التلاميذ، ثم عُدْن ثانية. فالمسيح ظهر أولاً لمريم المجدلية لما كانت وحدها (يوحنا 20:14) ثم ظهر لباقي النساء كما قال متى.
قال المعترض: »جاء في متى 28:10 و16 و17»فقال لهما يسوع لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرونني.. وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع. ولما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكّوا«.. ولكن جاء في يوحنا 20:19»ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم: سلام لكم« وهذا تناقض«.
وللرد نقول: تتحدث هذه الآيات عن ظهور المسيح لتلاميذه بعد قيامته. والنقطة الوحيدة التي قد يجد فيها القارئ صعوبةً هي عدم إشارة متى إلى ظهور الرب للتلاميذ في أورشليم. ولكن متى لم ينفِ هذه الحقيقة، ولو أننا لا نعلم سبب إغفاله ذكر ظهور الرب في أورشليم بعد قيامته. ولكن واضح تماماً أنه لا تناقض من هذا القبيل بينه وبين يوحنا. كل ما في الأمر أن رواية يوحنا أوفى من روايته.
قال المعترض: »جاء في متى 28:19 »عمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس« ولم يقل إنهم إله واحد«.
وللرد نقول: واضح أن الأقانيم الثلاثة واحد، فإن المسيح يقول »عمدوهم باسم« لا »بأسماء«. أما أن الله واحد فهذا واضح في كل الكتاب، فقد قال المسيح إن أول الوصايا هي »الرب إلهنا رب واحد« (مرقس 12:29)، وقال الرسول يعقوب: »أنت تؤمن أن الله واحد. حسناً تفعل« (يعقوب 2:19).
اعتراض على متى 28:19 - نعلن، أو لا نعلن عن المسيح
انظر تعليقنا على متى 8:4
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهمية حول إنجيل مرقس
قال المعترض: »قال إيريناوس إن مرقس، تلميذ بطرس وكاتب سيرته، كتب بعد موت بطرس وبولس الأشياء التي وعظ بها بطرس«. وقال لاردنر: »أظن أن مرقس لم يكتب إنجيله قبل سنة 63«. وهو مثل ما قال إيريناوس. وقال باسينج موافقاً لإيريناوس إن مرقس كتب إنجيله في سنة 66، فثبت أن مرقس لم يكتب الإنجيل الذي يحمل اسمه. أما القول إن بطرس كتب هذا الإنجيل فضعيفٌ لا يُعتدّ به«.
وللرد نقول: أجمعت التقاليد الصحيحة على أن مرقس البشير كان تلميذ بطرس وكاتب سيرته، ويقول الإنجيل إنه كانت توجد علاقة وثيقة بين الرسول بطرس وبين عائلة البشير مرقس، حتى أنه لما أطلق ملاك الله بطرس من السجن توجَّه إلى بيت مريم أم مرقس، حيث كان الرسل مجتمعين في بيتها يرفعون الصلوات لله (أعمال 12:12). قال بابياس: »كتب مرقس البشير سيرة بطرس الرسول، وسجَّل ما سمعه منه عند إلقاء عظاته، بدون مراعاة زمن حصول الحوادث في تاريخ المسيح. ولكنه أخذ عن بطرس الأقوال التي يلقيها حسب مقتضيات الأحوال«. وذكر يوسابيوس في تاريخه الكنسي شهادة إيريناوس بهذا الصدد، وكذلك شهادة أكليمندس أسقف الإسكندرية وشهادة أوريجانوس. ويوجد غير هذا شهادات ترتليان وإيرونيموس (جيروم). ومع أنه يوجد بعض اختلاف في أمور جزئية، إلا أن أولئك الأفاضل أجمعوا على أمرين: (1) إن مرقس كان رفيق بطرس، وبينهما علاقة خصوصية (2) وإن مرقس هو الذي كتب هذا الإنجيل بإلهام الروح القدس.
وقد أجمع المؤرخون القدماء أن مرقس كتب إنجيله في روما بين سنة 56 و65م، وأنه كتب سيرة بطرس الرسول ونقل أقواله، وأن بطرس أملاه عليه. ومع هذا قال البعض إنه دوّنه بعد وفاة بطرس. وعلى كل حال فإن مرقس كان بشيراً ملهماً بالروح القدس. ويُفهم من أقوال الإنجيل أنه كُتب بعد تشتت الرسل بين الأمم، فإنه قال في أصحاح 16:20 »إنهم كرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم ويثبّت الكلام بالآيات التابعة«. ولا يخفى أن الرسل لم يتركوا منطقة اليهودية قبل سنة 50م، فالأرجح أن تاريخ كتابته هو بين سنة 60 ، 63م، فيكون بطرس الرسول اطلع عليه.
وقال كثيرون من قدماء المؤرخين إن بطرس كان يكرز في روما، فطلب المسيحيون من مرقس أن يدوِّن كرازته، ففعل ذلك وسلّمه لهم. ومن الأدلة الداخلية المؤيدة أنه كُتب باطلاع بطرس، هو أننا نجد فيه تواضع بطرس، فأوضح ضعفه البشري وسقوطه، وغضَّ الطرف عن مناقبه، وإذا تكلم عن مرتبته لم يجعل لها أهمية.
اعتراض على مرقس 1:2 - ضمير المتكلم أم ضمير المخاطب؟
انظر تعليقنا على متى 11:10
قال المعترض: »ورد في مرقس 1:6 أن يوحنا كان يأكل جراداً وعسلاً برياً، وورد في متى 11:18 أنه كان لا يأكل ولا يشرب. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: لا يوجد تناقض، فقد عاش يوحنا حياة التقشّف والزُّهد، حتى قال المسيح عنه: »ماذا خرجتم لتنظروا؟ أإنساناً لابساً ثياباً ناعمة؟« (لوقا 7:24). وكان طعام يوحنا الجراد والعسل البري، وهذا ليس أكلاً وشُرباً اعتياديين، فصحَّ أن يُطلق عليه أنه »لا يأكل ولا يشرب« دون أن نفسّر هذا حرفياً.
قال المعترض: »يقول المعمدان عن المسيح: »يأتي بعدي من هو أقوى منّي، الذي لستُ أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه««. (مرقس 1:7). ولما كان الإنجيل كلام المسيح، فيجب أن تكون هذه الآية من كلام المسيح. ويكون المسيح قد أنبأ بمجيء نبي بعده أفضل منه بكثير
وللرد نقول: تقول آية 6 إن صاحب هذه الكلمات هو يوحنا المعمدان لا المسيح. وقال المعمدان في يوحنا 1:26-34 إن الآتي بعده هو المسيح، »وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم. هذا هو الذي قلتُ عنه يأتي بعدي، رجلٌ صار قدامي، لأنه كان قبلي« (يوحنا 1:29 و30 انظر متى 3:11-14 ولوقا 3:16 و17).
فإذا قيل إن المسيح كان معاصراً ليوحنا، فلا يصح أن يقول عنه إنه يأتي بعده، نقول: وإن كان معاصراً له، إلا أن المسيح لم يبدأ خدمته إلا بعد سَجْن يوحنا وانتهاء خدمته، لأن هيرودس ملك اليهود أمر بقطع رأسه (مرقس 1:14 ومتى 4:12 و17).
اعتراض على مرقس 1:11 - كلمات الصوت السماوي
انظر تعليقنا على متى 3:17
قال المعترض: »جاء في مرقس 1:12 و13 »وللوقت أخرجه الروح إلى البرية. وكان هناك في البرية أربعين يوماً يُجرَّب من الشيطان. وكان مع الوحوش وصارت الملائكة تخدمه«. وهذا يعني أن المسيح صرف في البرية أربعين يوماً بعد معموديته. لكن جاء في يوحنا 2:1 و2 »وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أمّ يسوع هناك. ودُعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس«. وهذا يعني أن المسيح ذهب مباشرة بعد معموديته إلى قانا الجليل«.
وللرد نقول: المراد باليوم الثالث في يوحنا 2:1 هو بعد رجوع المسيح إلى الجليل، لا اليوم الثالث بعد المعمودية، ولم يقُل يوحنا إن المسيح رجع إلى الجليل فوراً بعد المعمودية، إذ يقول في يوحنا 1:43 »وفي الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل«. فواضح إذن أن اليوم الثالث هذا لا دَخْل له بالمعمودية. ولا ننكر أن بشارة يوحنا لا تذكر تجربة المسيح، وهذا بحسب ما يقتضيه الغرض من هذه البشارة، وهو تكميل ما لم تذكره البشائر الأخرى، ففي بشارة يوحنا كثير من الحوادث وأقوال المسيح التي لم ترد في غيرها. فمعمودية المسيح وتجربته كانت قبل الحوادث المشار إليها في يوحنا 1:29 وما بعده.
قال المعترض: »جاء في مرقس 1:14 »وبعد ما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله«. وجاء في يوحنا 3:22-24 »وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية، ومكث معهم هناك وكان يعمد، وكان يوحنا أيضاً يعمد في عين نون بقرب ساليم، لأنه كان هناك مياه كثيرة، وكانوا يأتون ويعتمدون. لأن يوحنا لم يكن قد أُلقي بعد في السجن«. مرقس يضع بدء خدمة يسوع بعد سجن يوحنا المعمدان، بينما يوحنا يضعها قبل ذلك«.
وللرد نقول: لا يتعرض مرقس للكلام على أعمال المسيح قبل سجن يوحنا. ولكنه في الوقت نفسه لا ينفي بتاتاً أن يسوع كرز وعلّم كثيراً قبل تلك الحادثة. فمرقس بقوله في 1:14 »بعد ما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل« لا ينفي أن يسوع كان في الجليل قبل ذلك وكان يعلِّم هناك. ولا شك أن خدمة المسيح الجهارية لم تبدأ إلا بعد أن أُرغم يوحنا بوضعه في السجن على الانسحاب من ميدان العمل، ويترجح أنه بسبب هذا لا يشير البتة أحد البشيرين الثلاثة الأُول إلى شيء من أعمال وأقوال يسوع قبل سَجْن يوحنا. وبشارة يوحنا كُتبت بعد البشائر الأخرى بزمن، بغرض تكميل بقية البشائر، ولهذا ذكرت الحوادث والأقوال التي لم ترد في سواها. فما نراه وارداً في يوحنا لا يناقض البشائر الأخرى بل يكملها.
إن الادّعاء بوجود تناقض في هذه القضية يستلزم الإتيان بعبارة من متى أو مرقس أو لوقا تفيد أن المسيح لم يكرز قبل سَجْن يوحنا. ولكن لا نجد مثل هذه العبارة.
اعتراض على مرقس 1:16-20 - دعوة بطرس
انظر تعليقنا على متى 4:18-22
قال المعترض: »يتضح من مرقس 1:21 و29 أن بطرس كان يسكن في كفرناحوم، لكن يوحنا 1:44 يقول إنه كان يسكن في بيت صيدا«.
وللرد نقول: كان بطرس وأخوه من بيت صيدا، بلدهم الأصلية، لكنهما غيّرا محل سكنهما إلى كفرناحوم بعد ذلك.
قال المعترض: »ورد في مرقس 2:17 »قال لهم يسوع: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة«. وورد كذلك في متى 9:13 : »لأني لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاةً إلى التوبة«. فقال آدم كلارك إن بعضهم ذهب إلى أن القول »إلى التوبة« أُضيف في ما بعد«.
وللرد نقول: جاءت »إلى التوبة« في نسخ كثيرة معتبرة، وأيّدها كثيرون من أئمة الدين المسيحيين، فأثبتها أوريجانوس وباسيليوس وإيرونيموس وأغسطينوس وأمبروزيوس وبرنابا وغيرهم. وذكر كلارك أسماء الأفاضل الذين أجمعوا على إثباتها. وقرينة الكلام تدل على ورودها، فإن المسيح أتى ليدعو الخطاة إلى التوبة لأنه اعتبرهم مرضى بالخطية يحتاجون إلى الشفاء الروحي. ومما يؤيد ذلك ما ورد في إنجيل لوقا 5:32 »لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة«. وبما أن المعترض مسلِّم بصحة هذه العبارة الواردة في إنجيل لوقا، وكانت العبارتان الواردتان في إنجيلي متى ومرقس مثلها، فتكونان صحيحتين.
قال المعترض: »كان تلاميذ المسيح وهم سائرون بين الزروع، إذا جاعوا يقطفون السنابل ويأكلون (مرقس 2:23). وهذا سرقة، لأنهم أخذوا من مال غيرهم دون علمه وإذنه«.
وللرد نقول: لم يكن ذلك سرقة، لأن الشريعة كانت تصرح به، فيقول سفر التثنية: »إذا دخلت كرْم صاحبك، فكُلْ عنباً حسب شهوة نفسك شبعتك، ولكن في وعائك لا تجعل. إذا دخلت زرع صاحبك فاقطف سنابل بيدك. ولكن منجلاً لا ترفع على زرع صاحبك« (تثنية 23:24 و25). إذن كان مصرَّحاً في الشريعة اليهودية وفي العادات اليهودية المألوفة أن السائر إذا جاع يقطف من السنابل، ولكن لا يأخذ معه منها.. وهذا ما فعله التلاميذ، فقد قطفوا وأكلوا لما جاعوا (متى 12:1). ولذلك لم يوجّه الفريسيون إليهم اللوم على ذلك، وإنما على أنهم فعلوا هذا في يوم سبت (متى 12:2). فوجّهوا إليهم تهمة كسر السبت فقط وليس السرقة.
قال المعترض: »جاء في مرقس 2:25 و26 »فقال لهم: أما قرأتم قط ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه؟ كيف دخل بيت الله في أيام أبياثار وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة، وأعطى الذين كانوا معه أيضاً؟« لكن يُفهم من 1صموئيل 21:1-5 أن داود كان منفرداً، وكذلك ورد في متى 12:3 ولوقا 6:4 مثل ذلك. وجاء اسم رئيس الكهنة في سفر صموئيل »أخيمالك« بينما جاء في إنجيل مرقس أن اسمه »أبياثار«.
وللرد نقول: (1) لما هرب داود من شاول لم يكن وحده، بل كان معه بعض رجاله (1صموئيل 21:1-5) والقول الوارد في سفر صموئيل الأول يؤيِّد قول البشيرين الثلاثة.
(2) أبياثار هو ابن أخيمالك، وكان مشاركاً لوالده في وظيفته حين جاء داود ورفقاؤه إلى بيت الرب.
(3) حصلت هذه الحادثة في أيام أبياثار الذي صار بعد ذلك رئيس كهنة.
(4) تخلى أبياثار عن شاول والتصق بداود، فكان داود ملكاً وأبياثار كاهناً.
انظر تعليقنا على 1صموئيل 14:3
اعتراض على مرقس 3:16-19 - أسماء الرسل
انظر تعليقنا على متى 10:2-4
اعتراض على مرقس 3:22-30 - الخطية التي لا تُغفَر
انظر تعليقنا على متى 12:31 و32
قال المعترض: »يظهر من مرقس 4:35-41 أنه بعد أن علمَّ المسيح الجموع بالأمثال اضطرب البحر. ويظهر من متى 8 أن اضطراب البحر حدث بعد وعظ المسيح على الجبل، أما التعليم بالأمثال فمذكور في متى 13. فهناك تقديم وتأخير في توقيت الحوادث«.
وللرد نقول: ذكر البشير متى معجزات المسيح مع بعضها مرة واحدة، وهي تسكين الأمواج واضطراب البحر، وشفاء المجنونين، والمفلوج، وإقامة ابنة يايرس من الموت، وتفتيح أعين الأعميين، وشفاء الأخرس المجنون. ثم ذكر تعاليمه بالأمثال مع بعضها مرة واحدة في أصحاح 13.. أما البشير مرقس فراعى زمان حصول أعمال المسيح. ومع ذلك فإن الأناجيل تتفق في أنها تبدأ بنسب المسيح حسب الجسد، وولادته والحوادث المرتبطة بها، ومعجزاته وتعاليمه الباهرة، ورفض اليهود إياه، وصلبه وقيامته بالترتيب.
اعتراض على مرقس 5:20 - مجنون أم مجنونان؟
انظر تعليقنا على متى 8:28
اعتراض على مرقس 5:23 - ماتت، أو على آخر نسمة؟
انظر تعليقنا على متى 9:18
اعتراض على مرقس 6:8 - هل سمح بعصا؟
انظر تعليقنا على متى 10:10
قال المعترض: »يظهر من مرقس 6:17 أن هيرودس كان يعتقد بصلاح يوحنا، وكان راضياً عنه ويسمع وعظه، ولم يقتله إلا ليُرضي هيروديا. ولكن يظهر من لوقا 3:19 أنه لم يظلم يوحنا ليرضي هيروديا بل ليرضي نفسه، لأن المعمدان لم يكن راضياً عن شرور هيرودس. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: إذا قرأنا نص آيتي مرقس ولوقا سنكتشف أنه لا تناقض، فمرقس 6:17 يقول: »لأن هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه، إذ كان قد تزوّج بها. لأن يوحنا كان يقول لهيرودس: لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك. فحنقت هيروديا عليه وأرادت أن تقتله ولم تقدر. ولكن في يوم مولد هيرودس رقصت ابنة هيروديا، فانشرح الملك، ووعد أن يعطيها كل ما طلبت، فأغرَتْها والدتُها على أن تطلب رأس يوحنا«. ويقول لوقا 3:19 »أما هيرودس فإذ توبَّخ من يوحنا لسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه، ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها، زاد هذا أيضاً على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن«.
ومن قراءة الآيتين يتضح أن البشيرين يدينان خطية هيرودس، ويقولان إن يوحنا كان أعظم من وبَّخه على شرّه، لأنه كان يوضح له عدم جواز أخذ امرأة أخيه. أما تظاهر هيرودس باحترام يوحنا فكان بسبب خوفه من حدوث ثورة عليه من شعبه الذي كان يعتبر المعمدان نبياً، ولذلك وصفه المسيح أنه ثعلب (لوقا 13:32). ولو كان هيرودس يحترم يوحنا ويسمع له (كما قال المعترض) لكان يتوب عن خطاياه، التي وصفها المؤرخ يوسيفوس بقوله إن الملك هيرودس في طريق سفره إلى روما نزل ضيفاً على بيت أخيه، فعشق امرأته هيروديا، واتفق معها على أن يترك زوجته ابنة أرتياس ملك البتراء، واتفقت هيروديا معه على ترك قرينها. فأظهر يوحنا بسالةً في توبيخه.
قال المعترض: »الذي يقارن مرقس 6:32 و45 و53 يجد أن بيت صيدا تقع في مكان يختلف عما نقرأ عنه في لوقا 9:10-17«.
وللرد نقول: هناك مدينتان تحملان اسم »بيت صيدا« إحداهما شرق بحر الجليل والأخرى غربه. صدق كل من مرقس ولوقا.
اعتراض على مرقس 7:26 - جنسية الفينيقية
انظر تعليقنا على متى 15:22
قال المعترض: »ورد في مرقس 7:32 أن المسيح شفى أصم أعقد، وجاء في متى 15:30 » فجاء إليه جموع كثيرة منهم عُرج وعُمي وخُرس وشُل، وآخرون كثيرون، وطرحوهم عند قدمي يسوع فشفاهم«. وهذا من المبالغة التي تشبه ما ورد في يوحنا 21:25 »وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع، إن كُتبت واحدةً واحدة، فلستُ أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة«.
وللرد نقول: (1) معجزات المسيح كثيرة جداً، لم يذكر البشيرون منها إلا عيّنات فقط.
(2) كلمة »يسع« في يوحنا 21:25 تعني »يطيق ويحتمل«. فمعجزات المسيح بهرت العقول لغرابتها وكثرتها. والمراد بقوله »العالم« هو الأمة اليهودية.
اعتراض على مرقس 7:36 - نعلن عن المسيح أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على مرقس 8:11 و12 - يعطي آية أو لا يعطي
انظر تعليقنا على متى 12:38 و39
اعتراض على مرقس 8:30 - نعلن عن المسيح أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على مرقس 9:1 - يرون ابن الإنسان في مجده
انظر تعليقنا على متى 16:27 و28
اعتراض على مرقس 9:9 - نعلن عن المسيح أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
قال المعترض: »جاء في مرقس 10:25 »مرور جمل من ثقب إبرة، أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله«. فهل من المعقول أن يصعب دخول الأغنياء ويسهل دخول الفقراء؟«.
وللرد نقول: لا تتحدث الآية عن كل الأغنياء، فهناك أغنياء قديسون، مثل إبراهيم خليل الله. لكن المسيح قال هذه الآية تعليقاً على تصرُّف الشاب الغني، الذي عاقه المال عن أن يتبع الرب، ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة. ولم يقل الرب إن دخول الأغنياء إلى الملكوت أمر مستحيل، وإنما أمر عسير. ولم يذكر الرب كل الأغنياء، إنما قال: »ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله« (مرقس 10:24) لأن هناك عيباً معيَّناً، وهو الاتكال على المال، وليس على الله، ويتطوَّر الأمر من الاتكال على المال، إلى محبة المال وعبادته، بحيث يصير منافساً لله. وهكذا قال الرب: »لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال« (متى 6:24) فالذين يجعلون المال منافساً لله في قلوبهم يصعب دخولهم الملكوت. وهذا ما حدث مع الشاب الغني. كان يستطيع أن ينفذ كل الوصايا منذ حداثته، ما عدا محبة المال، إذ كان لا يستغني عنه.
وهناك عيب يمنع دخول الأغنياء إلى الملكوت وهو البخل في إنفاق المال، وبالتالي قسوة القلب على الفقراء، ومثال ذلك الغني الذي عاصر لعازر المسكين، الذي كان يشتهي الفتات الساقط من مائدة الغني. وكان الغني لا يشفق على هذا المسكين، وفي قسوته ترك الكلاب تلحس قروح المسكين (لوقا 16:19-21).
ومع ذلك يمكن للغني أن يَخْلص ويدخل الملكوت، إن كان يملك المال ولا يسمح للمال أن يملكه، ولا يجعل محبة المال تدخل إلى قلبه، لتمنعه عن محبة الله ومحبة القريب. وهكذا ينفق المال في أعمال الخير.
ويعطينا الكتاب المقدس أمثلة لأغنياء قديسين، مثل أيوب، الذي كان أغنى بني المشرق في أيامه، وقد شرح الكتاب غناه بالتفصيل، سواء قبل التجربة (أيوب 1:2 و3) أو بعدها (أيوب 42:12). ومع ذلك شهد له الرب نفسه أنه »ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر« (أيوب 1:8 و2:3). وكان أباً للفقراء، وعيوناً للعمي وأرجلاً للعرج، أنقذ المسكين والمستغيث، واليتيم ولا معين له. وجعل قلب الأرملة يُسر (أيوب 29:12-16).
ليس الغِنى عائقاً أمام الملكوت، إنما العائق هو القلب. والمشكلة هي: هل يخضع القلب لمحبة الغِنى، ويصبح ثقيلاً عليه أن يدفع من أمواله، حتى العشور، ويكنز المال بلا هدف، فيصير المال صنماً أمامه يعوقه عن محبة الله؟ أما الغِنى الحقيقي فهو غِنى مَن يستخدم ماله لأعمال البر.
قال المعترض: »ورد في مرقس 10:29 و30 »الحق أقول لكم، ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مائة ضعف، الآن في هذا الزمان: بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً، مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية« وورد في لوقا 18:29 و30 »ليس أحد ترك بيتاً أو والدين (إلى آخره) إلا ويأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية«. وهو غلط، لأنه إذا ترك الإنسان امرأة فلا يحصل على مائة امرأة في هذا الزمان، لأن المسيحية لا تسمح بالتزوُّج بأزيد من واحدة. وإن كان المراد بها المؤمنات بدون زواج، يكون الأمر أفحش وأفسد. على أن لا معنى لقوله أو حقولاً مع اضطهادات«.
وللرد نقول: علَّم المسيح هذه الأقوال ليوضِّح أن الله يعتني بالمؤمنين، ويقيهم من شر من يتآمر عليهم للإضرار بهم، فكأنه قال لهم: لو تآمر اليهود والأمم للإضرار بكم، فعنايتي الشاملة تحيط بكم بحيث لا يعوزكم شيء ضروري. فمن ترك شيئاً لأجل المسيح يجد بين المسيحيين الحقيقيين أقرباء روحيين، يحبونه كمحبة الآباء والأمهات والأخوات. ولكن لم يقل الإنجيل »إذا ترك امرأة يجد مائة امرأة أخرى«، فالإنجيل كتاب طهارة وقداسة.
اعتراض على مرقس 10:35 - من الذي طلب؟
انظر تعليقنا على متى 20:20
اعتراض على مرقس 10:46 - أعمى أم اثنان؟
انظر تعليقنا على متى 20:30
اعتراض على مرقس 11:1-11 - أتان واحد أم أتانان؟
انظر تعليقنا على متى 21:2
اعتراض على مرقس 11:13-15 - لم يكن وقت التين
انظر تعليقنا على متى 21:19 و20
قال المعترض: »ورد في مرقس 11 أن مباحثة اليهود والمسيح كانت في اليوم الثالث من وصوله إلى أورشليم، ولكن متى 21 يقول إنها كانت في اليوم الثاني«.
وللرد نقول: لم يذكر البشير مرقس »اليوم الثالث« مطلقاً. ولم يرد في متى »اليوم الثاني« مطلقاً. وعبارة البشير متى تحتمل أن المسيح تناظر مع اليهود في اليوم الثالث، فإنها عامة غير مقيَّدة بشيء.
اعتراض على مرقس 12:1-11 - مثَل الكرامين الأردياء
انظر تعليقنا على متى 21:43 و44
اعتراض على مرقس 13:11 - الروح يتكلم فيهم
انظر تعليقنا على متى 10:19 و20
قال المعترض: »قال المسيح في مرقس 13:32 »وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب«. ولكن جاء في يوحنا 21:17 »قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا، أتحبني؟ فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة أتحبني؟ فقال له: يا رب، أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أني أحبك. قال له يسوع: ارع غنمي«. من مرقس 13:32 يظهر أن المسيح لا يعرف ساعة اليوم الأخير، بينما يقول بطرس له إنه يعرف كل شيء«.
وللرد نقول: قيلت العبارتان في وقتين مختلفين. لما قال بطرس للمسيح: »يا رب، أنت تعلم كل شيء« كان المسيح قد اجتاز الموت والدفن والقيامة. أما قول المسيح عن نفسه إنه لا يعرف وقت مجيئه الثاني فهذا كان في خلال مدة اتضاعه، أي قبل موته ونصرة قيامته. وهذا هو مفتاح القضية. فالكتاب يفرِّق بين حالتي المسيح قبل قيامته وبعدها. ففي حالة اتضاعه كان قد »أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، ووُجد في الهيئة كإنسان، ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب« (انظر فيلبي 2:7 و8). أما بعد قيامته فقد تغيَّرت حالته إذ »رفعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسم« (فيلبي 2:9).
انظر تعليقنا على لوقا 21:33 و34
اعتراض على مرقس 14:3-9 - قارورة الطيب
انظر تعليقنا على متى 26:7-13
اعتراض على مرقس 14:22 و23 - كأسان أم كأس واحدة؟
انظر تعليقنا على لوقا 22:17
اعتراض على مرقس 14:66-72 - إنكار بطرس
انظر تعليقنا على متى 26:69-75
اعتراض على مرقس 15:16 و17 - إهانات المسيح
انظر تعليقنا على متى 27:27 و28
اعتراض على مرقس 15:23 - ماذا شرب المسيح؟
انظر تعليقنا على متى 27:34
قال المعترض: »ورد في مرقس 15:25 أنهم صلبوا المسيح في الساعة الثالثة، وورد في يوحنا 19:14 أنه كان عند بيلاطس في الساعة السادسة. ويُفهم أيضاً من الأناجيل الثلاثة الأولى أن المسيح كان في الساعة الثالثة على الصليب، ويُفهم من إنجيل يوحنا أنه كان في هذا الوقت ماثلاً أمام بيلاطس البنطي«.
وللرد نقول: (1) لم تقل الأناجيل الثلاثة الأولى ذلك، لكن جميعهم أجمعوا على أن الأرض أظلمت في الساعة السادسة.
(2) قال بعض المفسرين إن مرقس 15:25 الذي يحدد صلب المسيح نحو الساعة الثالثة بمعنى أن صدور الحكم بالصلب كان في الساعة الثالثة، أما تنفيذه (فبحسب يوحنا 19:14) كان في الساعة السادسة، وتمَّ في الجلجثة، وهي خارج أورشليم. وبين المكان الذي حُوكم فيه المسيح والمكان الذي صُلب فيه مسافة طويلة يحتاج قطعها إلى نحو ثلاث ساعات . ومما يدل على ذلك قوله إنه في الساعة السادسة أظلمت الدنيا، برهاناً على أن الصلب تم فعلاً نحو الساعة السادسة. وإذ تقرر ذلك فلا منافاة بين قولي البشيرين.
(3) وقدَّم بعض المفسرين حلاً آخر: بما أن يوحنا الإنجيلي كان مقيماً في آسيا الصغرى، حسب التوقيت على الطريقة الرومانية الرسمية، وكان الرومان يحسبون اليوم من منتصف الليل. فالساعة السادسة التي أشار إليها هي بعد منتصف الليل (أي صباحاً). فصرف نحو ثلاث ساعات في إجراء ما يلزم للصلب، ويكون الصلب في الساعة التاسعة قبل الظهر، وهي الساعة الثالثة التي ذكرها البشير مرقس، وعليه فلا اختلاف مطلقاً.
اعتراض على مرقس 15:26 - عنوان الصليب
انظر تعليقنا على متى 27:37
اعتراض على مرقس 15:32 - تعيير اللصَّين
انظر تعليقنا على متى 27:44
اعتراض على مرقس 15:34 - لماذا تركتني؟
انظر تعليقنا على متى 27:46
اعتراضات على مرقس 16:1-11 - قصة القيامة
انظر تعليقنا على متى 28:1-15
قال المعترض: »يُعلم من مرقس 16:2 أن النساء أتيْنَ إلى القبر إذ طلعت الشمس، ومن يوحنا 20:1 أن الظلام كان باقياً وكانت المرأة واحدة«.
وللرد نقول: قال البشير مرقس: »باكراً جداً في أول الأسبوع أتيْنَ إلى القبر إذ طلعت الشمس« وقال البشير يوحنا: »وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق«.
(1) أتت المجدلية أولاً وقت الفجر والظلام باقً، ثم أتت النساء باكراً جداً إذ طلعت الشمس، فلا يوجد اختلاف لاختلاف الزمن.
(2) ولا يوجد تناقض لاختلاف الموضوع، ففي مكان قال إن مريم المجدلية سبقت غيرها، وفي مكان آخر قال إن النساء أتين.. وحتى لو فرضنا أن العبارتين تفيدان شيئاً واحداً، فيكون يوحنا اقتصر على ذكر مريم المجدلية لحديثها مع المسيح.
اعتراض على مرقس 16:15 - يبشرون من؟
انظر تعليقنا على متى 10:5 و6
قال المعترض: »قال إيرونيموس (جيروم) إن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكّون في أن مرقس كتب الأصحاح الأخير من إنجيله (أصحاح 16)، وقال غيره إن مرقس 16:9-20 دخيل على النصّ«.
وللرد نقول: القول إن المفسرين المسيحيين يشكّون في نسبة الأصحاح الأخير من إنجيل مرقس إلى مرقس افتراء محض. غاية الأمر أن غريغوريوس أسقف »نسّا« في كبدوكية قال إن إنجيل مرقس ينتهي بقوله: »كنَّ خائفات« (مرقس 16:8). وغضّ الطرف عن آيات 9-20 ، لأنه لم يجدها في بعض نسخ الفاتيكان. ومن المؤكد أنها كانت موجودة في نسخ كريسباخ، ولكنها كانت مكتوبة بين قوسين. أما الأدلة المؤيدة لصحتها فهي:
(1) آيات 9-20 موجودة في النسخة الإسكندرية. وفي النسخ السريانية القديمة، وفي النسخ العربية، واللاتينية، وتناقلها أغسطينوس وأمبروز ولاون أسقف روما الملقَّب بالجليل القدر، كما أنها موجودة في نسخة بيزا، وهي موجودة في تفاسير ثيوفيلاكتس اليونانية.
(2) استشهد إيريناوس الذي عاش في القرن الثاني بمرقس 16:9، بينما أصحاح 16 لا يشتمل إلا على 20 آية، وهذا الدليل هو من أهم الأدلة وأقواها على صحة هذه الآيات.
(3) شهد هيبوليتوس من علماء أوائل القرن الثالث بتأييد هذه الآيات.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهمية حول إنجيل لوقا
قال المعترض: »لم يكتب لوقا بإلهام الروح القدس لأنه يقول في فاتحة إنجيله: »إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقَّنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبَّعتُ كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس« (لوقا 1:1-4). وقال إيريناوس: »إن الأشياء التي تعلّمها لوقا من الرسل أبلغها إلينا«. وقال إيرونيموس (جيروم): »لم يكن بولس المصدر الوحيد للوقا« والحقيقة هي أن الرسول بولس لم يكن من صحابة المسيح، بل تعلم الإنجيل منه ومن الرسل الآخرين أيضاً«.
وللرد نقول: (1) قال البشير لوقا هذه الآية بصفته من الرسل، الذين حلّ فيهم روح الله. فقوله: »رأيت أن أكتب« معناه أن الروح القدس ألهمه ليكتب تاريخ المسيح وميلاده ومعجزاته وآلامه وموته وقيامته، ليكون أساساً يبني المؤمنون عليه إيمانهم. ومع أن الله ألهم هذا الرسول بالروح القدس، إلا أنه لم يغضّ الطرف عما به من القُوى العقلية، فتحرَّى الحق، وترأس الروح القدس على هذه القُوى، وأرشدها وصانها من الزلل.
وغاية الله هي أن يجعلنا أن نستعمل عقولنا في الأمور الدينية، وهو يطلب منا أن نبحث في الأمور بالتحرّي والتروّي ومعرفة البيّنات. وقوله: كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة يقصد به الاثني عشر، والسبعين تلميذاً، الذين أرسلهم المسيح للكرازة.
(2) أجمع أئمة المسيحيين القدماء والمتأخرين على أن إنجيل لوقا هو بوحي إلهي، مثل إنجيل متى ومرقس ويوحنا، ولم يشك أحد في صحته. فلو كان بدون وحي إلهي لنبذه أئمة الدين، لأنّهم كانوا أحرص الناس على ديانتهم، وهم من العلماء المتضلّعين.
(3) اعتبر الرسل بطرس وبولس ويوحنا هذا الإنجيل من الكتب الموحى بها، لأنه كان متداولاً في عصرهم. فلو كان غير إلهامي لما صادقوا على التعبُّد به، وهم أعمدة الدين وأركانه، وقولهم الفصل.
(4) أجمع أئمة الدين القدماء على أن بولس رأى هذا الإنجيل وصدَّق عليه واعتبره مقدمة بشارته وخلاصتها، فهو كرسائله.
(5) إنّ عليه مسحة الوحي الإلهي كغيره من الكتب المقدسة، فمع بساطته فهو سامٍ فوق الطاقة البشرية.
(6) يوافق إنجيل لوقا باقي الأناجيل ولا يناقضها في شيء، ما يدل على أنّ مصدرها واحد، وهو الله.
(7) وهناك أدلة على إلهام لوقا، فهو من السبعين تلميذاً الذين أرسلهم الرب ليكرزوا في اليهودية، والدليل على ذلك اختصاصه بذكر السبعين تلميذاً (لوقا 10:1-20). كما كان من المائة وعشرين تلميذاً الذين حلّ عليهم الروح القدس يوم الخمسين (أعمال 1:15 و2:1-4). وقال كثير من المحققين إنه كان أحد الاثنين اللذين قابلهما المسيح في الطريق إلى عمواس يوم قيامته (لوقا 24:13-35) فقال إن أحدهما كان كليوباس كما في آية 18 ، ولم يذكر الشخص الآخر، لأنه هو لوقا. وشهد بولس الرسول أنه كان عاملاً معه في الكرازة والبشارة (فليمون 24) وذكره بأحسن الذكر (كولوسي 4:14) ورافق بولس الرسول في سفره الأول إلى مكدونية (أعمال 16:8-40) كما رافقه من بلاد اليونان إلى أورشليم، ومنها سافر معه إلى روما ولبث معه سنتين مدة سجنه، فأقام معه أكثر من خمس سنين (أعمال 20 و27 و28).
(8) وبصرف النظر عن جميع هذه البينات الدالة على أن لوقا كان واحداً من الرسل العاملين، نقول إن الله خص الرسل بأنهم كانوا يضعون أيديهم على المؤمنين فيحل عليهم الروح القدس. هكذا فعل بطرس (أعمال 19:6 و7 و1كورنثوس 12:28 ورومية 1:11 و15:19 و29) وكان سيلا رفيق بولس نبياً (أعمال 15:32) وكان الأنبياء كثيرين في الكنيسة الأولى، وسافر كثير منهم من أورشليم إلى أنطاكية (أعمال 11:27) وكان يهوذا وسيلا نبيين في أورشليم، وأغابوس في اليهودية (أعمال 11:28) وكان لفيلبس الإنجيلي أربع بنات عذارى يتنبأن في قيصرية (أعمال 21:9 و10) وكان في كنيسة أنطاكية كثيرون أنبياء ومعلمون، منهم لوقا (أعمال 13:1 و2). فهل نتصور أن لوقا الإنجيلي الذي كان عاملاً مع بولس وكان رفيقاً له يكتب بدون وحي الروح القدس، مع أن الرسل كانوا يمنحون هذه الموهبة الجليلة للمؤمنين وكانوا يعملون آيات وعجائب؟
فينتج من كل ما تقدم أن لوقا كتب إنجيله بإلهام الروح القدس، وأنه لا مانع إذا كان روح الله أرشده إلى الأخذ من الرسل الملهَمين بالروح القدس أيضاً، لأن الإلهام لا ينافي استعمال الرسول قواه العقلية من التحري والتروي.
قال المعترض: »نفهم أن أليصابات من سبط لاوي كما جاء في لوقا 1:5 ولكن يبدو أنها من سبط يهوذا مثل نسيبتها مريم، كما نجد في لوقا 1:27 و36«.
وللرد نقول: القول إن أليصابات نسيبة مريم، ومريم العذراء من سبط يهوذا، فتكون أليصابات من سبط يهوذا قول خطأ، فإن أليصابات من سبط لاوي، والتزاوج كان يحدث بين الأسباط، فقد تزوج هارون من سبط يهوذا (قارن خروج 6:28 و 1أخبار 2:10).
قال المعترض: »يقول لوقا 1:17 إن يوحنا المعمدان جاء بروح إيليا وقوته، ولكن جاء في متى 11:14 أن إيليا هذا هو المزمع أن يأتي. فهل تقمَّصت روح إيليا يوحنا؟ وهل يعلّم الإنجيل بتقمص الأرواح؟«.
وللرد نقول: مجيء يوحنا بروح إيليا، معناه أنه أتى بأسلوب إيليا وطريقته ومنهجه وروحه في العمل:
(1) كان إيليا ناسكاً، وكذلك كان يوحنا المعمدان. كان إيليا أشعر يتمنطق بمنطقة من جلد على حقويه (2ملوك 1:8). وكانت ملابس يوحنا من وبر الإبل، وعلى حقويه منطقة من جلد (متى 3:4). وكان إيليا يسكن البرية في جبل الكرمل (1ملوك 18:19 و42) أو في مغارة بجبل حوريب (1ملوك 19:9)، أو في علية (1ملوك 17:19) أو عند نهر كريث (1ملوك 17:3). وعاش يوحنا المعمدان في البرية (متى 3:1 ولوقا 3:2) وإلى جوار نهر الأردن. وكان صوتُ صارخٍ في البرية (مرقس 1:3).
(2) بدأ إيليا بحياة الوحدة والتأمل، واختاره الله للخدمة والنبوَّة. وهكذا عاش يوحنا حياة الوحدة في البرية، ثم الكرازة بالتوبة.
(3) كان إيليا شجاعاً حازماً في الحق، يقتل أنبياء البعل (1ملوك 18:40)، ويُنزل ناراً من السماء فتأكل خمسين جندياً (2ملوك 1:10). وكان المعمدان شديداً في توبيخ الخطاة. وكان يقول: »قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة. فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً، تُقطع وتُلقى في النار« (لوقا 3:9).
(4) وبَّخ إيليا أخآب الملك وقال له: »أنت مكدر إسرائيل، أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم« (1ملوك 18:18) ثم وبخه وأنذره لقتله نابوت اليزرعيلي (1ملوك 21:20-36). ووبَّخ المعمدان الملك هيرودس وقال له: »لا يحل لك أن تكون لك امرأة أخيك« (مرقس 6:18) . إذن يوحنا كان بنفس روح إيليا وأسلوبه.
وعبارة »روح إيليا« تذكرنا بطلبة أليشع من معلّمه إيليا قبل صعوده إلى السماء، وهي: »ليكن نصيب اثنين من روحك عليّ«»استقرَّت روح إيليا على أليشع. فجاءوا للقائه وسجدوا له« (2ملوك 2:14 و15). (2ملوك 2:9). وكان له كذلك. فلما صنع معجزات بنفس قوة إيليا، ورآه بنو الأنبياء، قالوا:
فإن كان الأمر مسألة تقمُّص، فما معنى عبارة »اثنين من روح إيليا«؟ هل إيليا له روحان؟ وهل تقمَّصت روحه في أليشع قبل تقمصها في يوحنا؟!.. إنما المقصود هو أن أليشع نال ضِعف قوة إيليا. ونفس القوة كانت في يوحنا.. أما تقمص الأرواح، فلا تؤمن به المسيحية، لأن الروح عندما تخرج من الجسد لا ترجع إليه مرة أخرى، ولا إلى جسد آخر. إنما إن كانت بارة تذهب إلى الفردوس، كروح اللص التائب، وإن كانت شريرة تذهب إلى الجحيم، كروح الغني الذي عاصر لعازر.
انظر تعليقنا على متى 17:11 ويوحنا 1:21
اعتراض على لوقا 1:26 و27 - الإعلان للعذراء
انظر تعليقنا على متى 1:19
قال المعترض: »ارتاب بعضهم في لوقا 1 و2، كما أن مرقيون رئيس فرقة المرقيونية حذفهما«.
وللرد نقول: (1) لم يشك في هذين الأصحاحين سوى فرقة ضالة لا تؤمن بميلاد المسيح من عذراء. والأصحاحان موجودان في جميع النسخ القديمة بلا استثناء. كما أن أصحاح 1 مرتبط بأصحاح 2 ، وأصحاح 2 مرتبط بأصحاح 3، بحيث لا يمكن الفصل بينها، ولو بدأ الإنجيل بأصحاح 3 اختلّ المعنى.
(2) ابتدع مرقيون أن المسيح مجرد إنسان، وأنه لم يولد من مريم العذراء بل ظهر رجلاً كاملاً. ورفض مرقيون كتب موسى والأنبياء والمزامير، ولم يقبل من العهد الجديد سوى إنجيل واحد، وعشراً من رسائل بولس الرسول، وأخذ يتصرّف فيها حسب مذهبه. فدحَض ضلالته كثير من علماء المسيحية، ولاسيما ترتليان. وكل متديِّن مؤمن يعلم أن نبوات التوراة تحدثت عن ميلاد المسيح من عذراء (إشعياء 7:14) وأن الإنجيل روى تحقيق تلك النبوات كما حدثت، ومن ذلك لوقا أصحاح 1 و2.
قال المعترض: »يتعارض ما جاء في متى 2 مع ما جاء في لوقا 2:1 و2. فقد ورد في لوقا 2:2 »في تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يُكتتب كل المسكونة. وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية«. وهذا خطأ، لأن المراد بكل المسكونة إما أن يكون جميع ممالك سلطنة روما، وهو الظاهر، أو جميع مملكة يهوذا. ولم يصرح أحد من قدماء المؤرخين اليونانيين الذين كانوا معاصرين للوقا أو متقدمين عليه قليلاً في تاريخه هذا الاكتتاب الذي سبق ولادة المسيح. وإذا ذكره أحد الذين كانوا بعد لوقا بمدة مديدة فلا سند لقوله، لأنه ناقل عنه. وبصرف النظر عن ذلك، كان كيرينيوس والي سورية بعد ولادة المسيح بخمس عشرة سنة.
وللرد نقول: قصد البشير بقوله »كل المسكونة« أرض اليهودية، وهكذا استُعملت في لوقا 21:26 لتدل على أرض اليهودية. وفي العادة يستعمل الكاتب تعبير »كل المسكونة« و»كل العالم« للدلالة على كل وطنه وكل بلاده. فأطلق المؤرخ بوليبياس »كل المسكونة« على المملكة الرومانية (كتاب 6 ف 8)، واستعمل بلوتارك هذه العبارة للدلالة على مملكة روما، وهكذا قال لوقا عن أرض اليهودية »كل المسكونة«.
انظر تعليقنا على متى 2
اعتراض على سلسة نسب المسيح في لوقا
نرجو الرجوع إلى تعليقنا على متى 1:1-17 مع الملاحظات التالية:
قال المعترض: »بمقارنة نسب المسيح الذي في إنجيل متى بالبيان الذي في إنجيل لوقا، نجد ستة اختلافات: (1) يقول متى إن يوسف ابن يعقوب، ويقول لوقا إنّه ابن هالي. (2) يقول متى إنّ المسيح من ذرية سليمان بن داود، ويقول لوقا إنه من أولاد ناثان بن داود. (3) يقول متى إن آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل ملوك ومشهورون، ويقول لوقا إنهم ليسوا ملوكاً ولا مشهورين ما عدا داود وناثان. (4) يقول متى إنّ شألتئيل ابن يكنيا، ويقول لوقا إنه ابن نيري. (5) يقول متى إنّ ابن زربابل هو أبيهود، ويقول لوقا إنه ريسا. (6) يقول متى إن من داود إلى المسيح 26 جيلاً، ويقول لوقا إنها 41 جيلاً«.
وللرد نقول: (1) لما ذكر متى سلسلة نسب المسيح ذكرها بطريقة تنازلية من إبراهيم إلى يوسف خطيب العذراء مريم، فقال إبراهيم ولد إسحاق، وإسحاق ولد يعقوب.. إلخ. ولكن لوقا ذكر نسب المسيح بطريقة تصاعدية، أي من المسيح إلى الله ذاته.
(2) تكلم متى على الأولاد الحقيقيين، أي الذين تناسلوا من آبائهم مباشرة، وعلى الأولاد الغير الحقيقيين، أي الذين نُسبوا إلى الآباء بواسطة أحد الأقرباء أو الأنسباء. وإن كانت عبارة لوقا عمومية، يصح إطلاقها على الأولاد الحقيقيين. ومما يدل على ذلك قوله: »ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يُظن ابن يوسف ابن هالي بن متثات«. وبما أن العبرانيين لا يُدخلون النساء في جداول نسبهم، فإذا انتهت العائلة بامرأة أدخلوا قرينها في النسب، واعتبروه ابن والد قرينته (أي ابناً لحميه). وعلى هذا كان المسيح حسب هذه العادة المرعيَّة المتَّبعة ابن يوسف، كما كان ابن هالي. وإذا قيل: لماذا قال متى إن يوسف ابن يعقوب، وقال لوقا إنه ابن هالي؟ قلنا إن البشير متى نظر إلى والده الحقيقي، فقال إنه ابن يعقوب. ونظر لوقا إلى إنه الابن الشرعي لهالي ووارثه الحقيقي، بالمصاهرة.
فمريم ابنة هالي، ويوسف هو ابن يعقوب. ولما لم يكن لهالي ابن، نُسب إليه يوسف. ويوسف ومريم من عائلة واحدة، فإن كلاً منهما تناسل من زربابل. فيوسف من أبيهود ابنه الأكبر كما في متى 1:13، ومريم من ذرية ريسا ابنه الأصغر كما في لوقا 3:27.
(3) ردّاً على الاعتراض الثاني والرابع نقول إن لوقا ومتى قالا إن المسيح تناسل من شألتئيل وزربابل، وهما كما لا يخفى تناسلا من سليمان مباشرة. ومع أن لوقا قال إن شألتئيل كان ابن نيري الذي تناسل من ناثان أخ سليمان الأكبر (كما في 1أخبار 3:5) فالمراد بذلك أنه تزوج ابنة ناثان. وبما أن نيري مات بلا عقب من الذكور، اتحد فرعا عائلة ناثان وعائلة سليمان في شخص زربابل، لما تزوَّج شألتئيل رئيس عائلة سليمان الشرعية بابنة نيري، الذي كان رئيس عائلة ناثان. فمتّى الإنجيلي ذكر أب شألتئيل الحقيقي وهو يكنيا، ولوقا ذكر والده الشرعي بالمصاهرة وهو نيري.
(4) ورداً على الاعتراض الخامس، أن متى يقول إن ابن زربابل هو أبيهود، بينما يقول لوقا إنه ريسا. نقول: يُعلم من 1أخبار 3 ومن لوقا أيضاً أن ابن زربابل هو رفايا، ولكنه سُمّي في لوقا باسم ريسا. ويجوز أنه يحمل اسمين. وذكر متى أبيهود وهو المعروف في أخبار الأيام بعوبديا، وفي لوقا بيهوذا. والمشابهة قوية بين هذه الأسماء في الأصل العبري.
(5) وبما أن متى كتب إنجيله لليهود، جرى في النسب على الطريقة التي كانت مشهورة عندهم. وبما أن لوقا البشير كتب إنجيله لليونان جرى في النسب على المصطلح عليه عندهم.
(6) كان اليهود يحافظون على جداول نسبهم بغاية الدقة والضبط، وكان العلماء والمحقِّقون يظنون في مبدأ الأمر أنه يوجد تناقض بين إنجيلي متى و لوقا في نسب المسيح، ولكن ظهر أنه لا يوجد تناقض ولا اختلاف، بل أن هذه هي الطريقة المتَّبعة عند الأمة اليهودية، وأن بعض الأمم المجاورة لها نسجت على منوالها في تحرير النسب.. فإذا لم ينجب الزوج وزوجته نسلاً، تبنَّيا ابناً أو ابنة. وإذا لم ينجب الوالدان ولداً، وكانت لهما ابنة زوّجاها لرجلٍ اتخذاه لهما ولداً، وتبنّيا أيضاً أولاد ابنتهما. ومما يوضح ما تقدم أنه لما لم يكن لسارة ابن، أعطت هاجر لرجلها فأنجبت هاجر ولداً تبنّته سارة، كذلك فعلت راحيل وليئة، فإنهما حصلتا على أولاد بأن أعطت كلٌّ منهما جاريتها لرجلها.
ومن الأمثلة الواردة في الكتب المقدسة الدالة على تبنّي الأب لأولاد ابنته ما ورد في 1أخبار 2:21 أن ماكير (المكني بأبي جلعاد) أعطى ابنته لحصرون، فتزوَّجها وهو ابن ستين سنة، فولدت له سجوب. وسجوب ولد يائير، وكان له 23 مدينة في أرض جلعاد. ولا شك أن هذه الأرض كانت مِلك ماكير، فإنه كان متشوِّقاً لأن يكون له ابن وارث. وحصل يائير على جملة مدن، فصارت أملاكه ستين مدينة. وعوضاً عن درج ذرّية يائير في عشيرة يهوذا لتناسلهم من حصرون، قيل عنهم إنهم أولاد ماكير أبي جلعاد.. ويؤخذ من سفر العدد 32:41 أن يائير هذا الذي كان في الواقع ابن سجوب بن حصرون بن يهوذا يُسَّمى في سفر العدد يائير بن منسى ، لأن جدّه الذي كان تبنّاه كان ماكير بن منسى، فورث عقاراته.. وكذلك ورد في 1أخبار 2:34 أن شيشان من سبط يهوذا، إذ لم يكن له بنون بل بنات أعطى ابنته ليرحع عبده المصري (ولابد أنه أعتقه) فأنجب عتاي. غير أن هذه الذرية لم تُنسب إلى يرحع المصري، بل إلى شيشان وصارت إسرائيلية وليست مصرية، وأخذت مكان شيشان في النسب والامتيازات.. وكذلك ورد في أستير 2:7 أن مردخاي اتخذ أستير لنفسه ابنة وقت سبي بني إسرائيل. ولو كان لمردخاي عقارات وأملاك لتبنّى ابناً عوضاً عنها.. واتَّخذت ابنة فرعون موسى ابناً لها (خروج 2:10).. وورد في سفر راعوث 4:17 أنه وُلد ابن لنعمي، مع أنه كان في الحقيقة ابن راعوث من بوعز. وكان بوعز أبوه من أقرباء نعمي الأبعدين، فإن نعمي كانت زوجة أبيمالك، وكان بوعز ذا قرابة بعيدة له.. ونقرأ عن حيرام البارع في الصناعة أنه كان ابن أرملة من سبط نفتالي (1ملوك 7:14) ولكن ورد في 2أخبار 2:14 أنه ابن امرأة من سبط دان.
قال المعترض: »لم تكن أوراق النسب محفوظة عند اليهود، وانتثرت برياح الحوادث. وقد أخطأ متى ولوقا في ذكر النسب«.
وللرد نقول: كان بنو إسرائيل أحرص الناس على حفظ نسبهم، كما يتضح من التكوين 5 و 10. ولما زاد عددهم في مصر زادوا حرصاً واهتماماً بحفظ جداول نسبهم، لبقاء كل سبط على حاله. وفُوِّض للكتبة (وهم علماؤهم الذين يدوّنون حوادثهم ويفسرون كتبهم المقدسة) حفظ جداول الأنساب. وبعد ذلك أُحيل هذا الأمر على اللاويين (1أخبار 23:4 و2أخبار 19:8-11 و34:13). وكان الكتبة يؤخذون من سبط لاوي، فكان اللاويون منقطعين لتلاوة الكلمة الإلهية وتفسيرها، وفُوِّض لهم حفظ جداول النسب، فكانوا يضعون هذه الجداول في الهيكل. ولما عادوا من السبي اهتموا بإعادة مجدهم العظيم، وكتب وقتئذ سفر أخبار الأيام الأول، وهو يشتمل على جداول النسب. ومن قارنه بما ورد في تكوين 5 والنسب الذي ذكره متى 1 ولوقا 3 ظهر له تحقيق النبوات في المسيح. قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير: »كان اليهود يحافظون على نَسَب رؤساء كهنتهم مدة ألفي سنة، وكان الكهنة في اليهودية، وفي مصر وبابل أحرص الناس على حفظ جداول نسَبهم. ولما عادوا من السبي حرموا الكاهن الذي عجز عن إبراز جدول نسبه من وظيفته«.
كان متى ولوقا يعرفان النسب حق المعرفة، فذكر متى جداول النسب من إبراهيم إلى المسيح مدة ألفي سنة تقريباً، أما لوقا فذكر النسب من آدم إلى المسيح وهو أكثر من هذا بكثير. وكان اليهود مولعين بحفظ أنسابهم إلى حد فائق، لأنهم كانوا يتباهون بالانتساب. وقال إيرونيموس (جيروم) إنهم كانوا يعرفون أنسابهم من آدم إلى زربابل كمعرفة الإنسان اسمه، فكانت معرفة الأنساب ضرورة بديهية.
قال المعترض: »كتب متى نسب يوسف، وكتب لوقا نسب مريم، ويكون يوسف من أقارب هالي ولا يكون لهالي ابن، فنُسبت القرابة إليه، وإن المسيح يكون على هذا التقدير من أولاد ناثان لا من أولاد سليمان«.
وللرد نقول: بعد أن ذكر متى جدول نسب يوسف، أوحى الله إلى لوقا أن يوضح نسب مريم، ليبيّن لنا أن المسيح تناسل حسب الجسد من داود، ليس من جهة يوسف خطيب مريم فقط، بل من جهة مريم أمه الحقيقية. صحيحٌ أن يوسف ومريم من ذرية داود، ليس من جهة أبيه فقط، بل بواسطة أمه أيضاً. وبما أنه ليس لمريم أخ كانت هي الوارثة، واعتُبر زوجها حسب الشريعة اليهودية من عائلة أبيها، فكان يوسف ابن يعقوب طبعاً وحقيقة، وابن هالي شرعاً بالمصاهرة.
وتوهم عبارة المعترض أن ناثان ليس من أولاد داود، مع أنه من أولاده. ولا يخفى إن عائلة سليمان وناثان اجتمعتا في شألتئيل وزربابل، ثم افترقتا ثم اجتمعتا باقتران يوسف ومريم. والحقيقة هي أن يوسف كان ابن هالي الشرعي ووارثه، مع أنه كان ابن يعقوب الطبيعي الحقيقي، فيكون متّان تناسل من سليمان واقترن باستا، ومنها خلف يعقوب. وبعد وفاة متان اقترن متثات الذي كان من سبط يهوذا ولكنه من عائلة أخرى، بأرملة متان، فولد هالي. فكان يعقوب وهالي من أم واحدة. ومات هالي بدون عقب، فتزوج أخوه أرملته، وولد يوسف، فكان ابن هالي الشرعي.
قال المعترض: »ورد في لوقا 1 أن زوجة زكريا كانت من بنات هارون، ومريم كانت قريبة لزوجة زكريا، وهذه كانت من بنات هارون قطعاً، فتكون من بنات هارون أيضاً«.
وللرد نقول: إن مجرد قرابة أليصابات التي من سبط لاوي إلى مريم التي من سبط يهوذا لا يدل على أن مريم كانت من سبطها، فإنه كان يجوز للأسباط الاقتران بأسباط أخرى، والدليل على ذلك أن هارون ذاته اقترن بزوجة من سبط يهوذا (أنظر خروج 6:23 و1أخبار 2:10). فاقترانه بها لم يُخرجه عن سبطه. وقد قال الملاك جبرائيل للعذراء مريم: »أليصابات نسيبتك هي حبلى« (لوقا 1:36). فالقرابة هي قرابة نسب.
قال المعترض: »لو كانت مريم بنت هالي لظهر هذا الأمر للقدماء«.
وللرد نقول: أوضحنا أن الأناجيل كانت مشهورة عند المسيحيين في الجيل الأول، وكانت متداولة بينهم يتعبّدون بتلاوتها في معابدهم، بل كانت منتشرة بين أعداء المسيحية، سواء كانوا من الوثنيين أو اليهود في القرن الأول، هو برهان كافٍ على صحة جدول النَّسب، ولا سيما أن اليهود والوثنيين كانوا بالمرصاد للمسيحيين. فلو وجدوا خطئاً لشنَّعوا فيهم. لقد قالوا إن يسوع ليس هو المسيح، ولكنهم كانوا مسلِّمين أنه من ذرية داود، ولم يطعنوا في ذلك.
أما ادعاؤه بأن أقوال متى ولوقا تدل على أن النسب هو ليوسف فهو في غير محله، فمتى يقول: »يعقوب ولد يوسف« أما لوقا فيقول: »وهو على ما كان يُظن ابن يوسف«. فكلمة »ولد« ليست مثل قوله »ابن«.
قال المعترض: »لم يكن إنجيل متى مشهوراً في عهد لوقا، فكيف نتصوّر أن يكتب لوقا نسَب المسيح بحيث يخالف متى ولا يزيد حرفاً للتوضيح؟«.
وللرد نقول: (1) كتب البشير متى إنجيله لليهود بالطريقة الجارية عندهم، وكتب لوقا لليونانيين بالطريقة المفهومة عندهم. (2) لما رأى لوقا أنّ متى كتب نسب المسيح من جهة يوسف، تعيَّن عليه أن يذكر سلسلة المسيح من جهة مريم، حتى يكون النسب مستوفياً. (3) الذي أرشد متى ولوقا للكتابة هو الروح القدس الذي أوحى لكليهما، ليجيء النسب متكاملاً.
قال المعترض: »لو تأمل أحد في كتب المسيحيين لاعترف بأن المسيح ليس هو المسيح، فإن يهوياقيم بن يوشيا لما أحرق الصحف التي كتبها باروخ من فم إرميا النبي، نزل الوحي إلى إرميا (36:30) قال الرب عن يهوياقيم ملك يهوذا: »لا يكون له جالس على كرسي داود« مع أنه ذُكر في إنجيل لوقا 1:32 عن المسيح أن الرب الإله سيعطيه كرسيَّ داود أبيه«.
وللرد نقول: يقول لوقا 1:30 »فقال لها الملاك (أي جبرائيل): لا تخافي يا مريم لأنكِ قد وجدتِ نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية«. ثم قال الملاك: »الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يُدعى ابن الله« (لوقا 1:35).
والذي يقارن بين أقوال النبي إرميا وهذه البشارة السامية، لا يرى ارتباطاً ولا علاقة بين القولين، فإن الله أزال المُلك من إسرائيل لانغماسهم في الشرور، وسلّط عليهم الملوك الأجانب. وتمت هذه النبوَّة لما أخذ نبوخذنصر ملك بابل يهوياقيم العاتي وقيده بسلاسل نحاس، وسباه إلى بابل، وفعل كذلك بابنه. ثم أتى عليهم ملك الكلدانيين وقتل في الأمة وسبى من بقي، وتم بذلك قول النبي إرميا (2أخبار 36).
وملكوت المسيح ليس أرضياً وليس من هذا العالم، لكنه ملكوت روحي يقوم بالمحبة والطهارة والسلام. هذه هي المملكة الباقية التي لا تزول (كما قال الملاك جبرائيل)، فلا يمكن لقلاقل الدنيا أن تمسَّها بسوء، فممالك الدنيا تزول فتقوم مملكة وتسقط أخرى، ولكن مملكة المسيح باقية إلى الأبد. وحسبنا برهاناً ما نشاهده بأعيننا، فإن المسيح يملك في الشرق والغرب والشمال والجنوب على أفئدة المسيحيين بالمحبة، وتمّت هذه النبوات من أنه يكون من نسل داود حسب الجسد، وهذا هو معنى قوله إنه يجلس على كرسي داود، فشُبِّهت مملكته الثابتة الروحية بمملكة داود تقريباً لأذهان بني إسرائيل.
ولا مانع من أن يكون المشبَّه أقوى من المشبَّه به، كقولنا إن نور الله »كمشكاة فيها مصباح« (النور 24:35) ففي التشبيه بالمحسوس تقريبٌ للأذهان. ومما يدل على صدق هذه النبوَّة أنه صار للمسيحية ألفا سنة وهي في النمو والزيادة، بحيث لم تقْوَ ولن تقوى عليها أبواب الجحيم. وهذا من أعظم الأدلة على صدق كلام الوحي والنبوَّة.
قال المعترض: »جاء في لوقا 2:52 »أما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس«. وهذا يدل أنه لم يكن الله. فإن كان لا بدّ من تجسّد الله، فلماذا لم يظهر في العالم رجلاً كامل النمو، بدلاً من ولادته من امرأة، ومروره في أدوار الطفولة والصبوّة التي لم يفعل فيها شيئاً مذكوراً«.
وللرد نقول: (1) جاء المسيح طفلاً تحقيقاً للنبوات، مثل »يعطيكم السيد نفسه آيةً: هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً.. لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً, ويُدعَى اسمه.. إلهاً قديراً« (إشعياء 7:14 و9:6).
(2) النمو والتقدم هما السُّنة التي وضعها الله للأفراد والمجتمعات، فكان من البديهي أن يظهر المسيح (وقد رضي أن يكون إنساناً) طفلاً يتدرج في النمو قامة وعقلاً، وتتدرج معه الجماعة المحيطة به يقظة ووعياً، تتهيّأ بسببهما لقبول المسيح والاستماع إليه. وهذا ما قيل عنه بوصفه ابن الإنسان في لوقا 2:52.
(3) لم يكن غرض الله من التجسّد مجرَّد إعلان ذاته لنا، بل الاتحاد الجوهري بنا، ليكون الرأس الفعلي الحقيقي لجنسنا (عوضاً عن آدم الأرضي الذي بانتسابنا إليه وتوالُدنا منه، قد ورثنا الطبيعة الخاطئة وورثنا معها قضاء الموت الأبدي)، حتى نستطيع بدورنا أن نتحّد بالله اتحاداً عملياً حقيقياً. فلو كان المسيح قد ظهر في العالم رجلاً كامل النمو، دون أن يأخذ جسداً من جنسنا، لكان قد ظل غريباً عنا، وبالتبعية لما كان رأساً لنا، ولمَا كانت لنا صلة فعلية به. لكن بتفضُّله بالولادة من جنسنا اتَّحد بنا، وبحكم مركزه صار رأسنا ووليَّنا، فأمكننا أن نتحد به اتحاد الأغصان بالكرمة، وبذلك تحققت أغراضه السامية من التجسّد.
(4) من يريد أن يعترض سيعترض على أي شيء. فلو أن المسيح جاء إلى العالم رجلاً كامل النمو كما قال المعترض لاعترض المعترض أيضاً، لأنه ينسى أن الله صاحب السلطان والحق أن يختار طريقة ظهوره للعالم.
انظر تعليقنا على غلاطية 4:4
اعتراض على لوقا 3:19 - هيرودس - هل يحترم يوحنا؟
انظر تعليقنا على مرقس 6:17
اعتراض على لوقا 3:22 - الصوت السماوي
انظر تعليقنا على متى 3:17
اعتراض على لوقا 4:1-13 تجارب المسيح
انظر تعليقنا على متى 4:1-11
اعتراض على لوقا 5:14 - نعلن عن المسيح أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على لوقا 5:27 - لاوي أو متى؟
انظر تعليقنا على متى 9:9
اعتراض على لوقا 6:4 - اسم رئيس الكهنة
انظر تعليقنا على مرقس 2:25 و26
اعتراض على لوقا 6:13-16 - أسماء التلاميذ
انظر تعليقنا على متى 10:2-4
قال المعترض: »ورد في إنجيل لوقا 6:40 »ليس التلميذ أفضل من معلمه، بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه«. هذا خطأ، لأنه صار ألوف من التلاميذ أفضل من معلميهم بعد الكمال«.
وللرد نقول: وجَّه المسيح هذا القول لقادة الدين اليهود المصابين بالعمى الروحي، ليوضِّح لهم أنه لا يتوقع أن أتباعهم يكونون أفضل منهم. وبما أنهم عميان، كان أتباعهم مثلهم، لأن المسيح في الآية التي قبلها قال: »هل يقدر أعمى أن يقود أعمى؟ أَمَا يسقط الاثنان في حفرة؟ ليس التلميذ أفضل من معلمه«. وأن الواجب عليهم أن يتعلموا الحقائق الإلهية وتعاليم الإنجيل حتى لا يكونوا قادة عميان للناس. وكل من وقف على الحقائق الإلهية وبلغ فيها مبلغاً كاملاً، واتحد قلبه مع الله واستقامت اتِّجاهاته وعواطفه، وتطهَّرت طباعه وتحسنت أخلاقه، لابد أن يكون قدوساً طاهراً منفصلاً عن الخطاة مثل سيده يسوع المسيح، وإن كان لا يبلغ شأو سيده. فالتلميذ الذي يفهم قوانين معلمه ويرى مثاله وقدوته يسير في خطواته، فلذا كان المعلم مسؤولاً عن نفسه وعن غيره.
فالمعلم إذا كان أعمى القلب جرَّ غيره إلى عماه. فهل يظن المعترض أن أمثال هؤلاء يكونون أعظم من معلميهم؟ حاشا وكلا.
اعتراض على لوقا 7:1-10 - قائد المئة أم شيوخ اليهود؟
انظر تعليقنا على متى 8:5-13
اعتراض على لوقا 7:27 - ضمير المتكلم أم ضمير المخاطَب؟
انظر تعليقنا على متى 11:10
قال المعترض: »ورد في لوقا 7:31 »ثم قال الرب: فبمن أشبِّه أُناس هذا الجيل، وماذا يشبهون؟« فقال آدم كلارك: إن عبارة »قال الرب« زيدت، وأخرجها بعضهم من المتن«.
وللرد نقول: سواء جاء في بعض النسخ »قال الرب« أو لم يجئ، فالعبارة هي من أقوال المسيح على كل حال. ولا ننكر أن بعضهم قرأ: »فبمن أشبِّه أُناس هذا الجيل« بدون »قال الرب« فهي قراءة.
اعتراض على لوقا 8:27 - مجنون أم اثنان؟
انظر تعليقنا على متى 8:28
اعتراض على لوقا 8:52 و53 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
اعتراض على لوقا 8:56 - نعلن عن المسيح، أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على لوقا 9 - قبل التجلي أم بعده؟
انظر تعليقنا على متى 8:18-22
اعتراض على لوقا 9:3 - عصا، أم بدون عصا؟
انظر تعليقنا على متى 10:10
اعتراض على لوقا 9:21 - نعلن عن المسيح، أو لا نعلن
انظر تعليقنا على متى 8:4
اعتراض على لوقا 9:27 - يرون ابن الإنسان في مجده
انظر تعليقنا على متى 16:27 و28
اعتراض على لوقا 9:44 و45 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
قال المعترض: »جاء في لوقا 9:54-56 »فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا، قالا: يا رب، أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا؟ فالتفت وانتهرهما وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما، لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلِّص«. وهذا منسوخ بما جاء في 2تسالونيكي 2:8 »وحينئذ سيُستَعْلَن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه، ويبطله بظهور مجيئه«. كما أن هناك تناقضاً بين لوقا 9:54-56 وبين ما جاء في لوقا 12:49 »جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا لو اضطرمت؟«. كما أن كريسباخ أسقط الجزء الأخير من هذه الآيات وهو قوله: لأن ابن الإنسان لم يأت ليُهلك أنفس الناس بل ليخلِّص«. »
وللرد نقول: (1) جاء المسيح ليخلِّص الخطاة، وهذا لا ينافي أنه يبيد أعمال الشيطان وعمل الإثم، فإنه قدوس. فلا منافاة بين القولين، ولا ناسخ ولا منسوخ.
(2) هذه العبارة ثابتة في نسخٍ قديمة معتبرة، وتسمية المسيح بابن الإنسان تسمية معروفة ومقبولة، بالنظر إلى تجسّده. فالكتاب المقدس يفسر بعضه. قال الرسول بولس: »قارنين الروحيات بالروحيات« (1كورنثوس 2:13). والغاية من تجسده هي خلاص الإنسان وفداؤه من الخطية ونتائجها.
راجع تعليقنا على متى 5:9.
قال المعترض: »ورد في لوقا 11:51 أن »دم جميع الأنبياء منذ إنشاء العالم، من دم هابيل إلى دم زكريا، يُطلب من اليهود«. وورد في حزقيال 18:20 أنه لا يؤخذ إنسان بذنب آخر. وورد في الخروج 20:5 أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء إلى ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال«.
وللرد نقول: أنذر المسيح بني إسرائيل من التمادي في المعاصي والإصرار على رفض كلامه، الذي هو كلام الحياة الأبدية، وأن الله سيدينهم على عدم الإيمان، وذكّرهم بما فعلوه بالأنبياء من القتل والرجم والنشر، وأن الله سيطالبهم كافة بما فعلوا. لقد أجرى المسيح أمامهم المعجزات الباهرة، من إحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه والأعمى، ومع ذلك رفضوه. فكان يحقّ له والحالة هذه أن ينذرهم ويحذّرهم من المسؤولية الكبرى التي تقع على رؤوسهم، لأن رفضهم إياه هو رفضٌ لجميع الأنبياء الذين تنبّأوا عنه وشهدوا له.
اعتراض على لوقا 12:11 و12 - الروح يتكلم فيهم
انظر تعليقنا على متى 10:19 و20
اعتراض على لوقا 12:49 - هل جاء المسيح ليلقي ناراَ؟
انظر تعليقنا على لوقا 9:54-56
اعتراض على لوقا 12:51 - هل جاء المسيح بالسلام؟
انظر تعليقنا على إشعياء 9:6 ومتى 10:34
قال المعترض: »جاء في لوقا 16:1-13 مثَل الوكيل الظالم. كيف مدح المسيح هذا الوكيل وهو ظالم؟ وجاء به قول المسيح: »اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم«. فهل المال الذي نقتنيه من الظلم يقبله الله؟«.
وللرد نقول: لم يمدح المسيح كل تصرفات الوكيل الظالم، بل مدح حكمته فقط. فتقول الآية المذكورة »فمدح السيد وكيل الظلم، لأنه بحكمةٍ صنع« لأن هذا الرجل استعد لما يأتي عليه في المستقبل قبل أن يخرج من وكالته. وهذا الاستعداد يرمز في مثل وكيل الظلم لاستعدادنا للأبدية قبل أن نخرج من هذا العالم. والرب بهذا المثل يبكّتنا بالحكمة التي عند أهل العالم، فإن كان أهل العالم (على الرغم من خطاياهم) لهم مثل هذه الحكمة، فإن أبناء الله ينبغي أن يكونوا حكماء أيضاً. لذلك بعد مدحه لوكيل الظلم على حكمته، قال مباشرة: »لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم« (لوقا 16:8).
وهناك نقطة هامة جداً نلاحظها في تفسير الأمثال، هي أن هناك نقطة تشبيه محددة، لا نخرج عنها إلى التعميم. فمثلاً إن امتدحنا الأسد، لا نمتدح فيه الوحشية والافتراس، إنما القوة والشجاعة. وإذا شبهنا إنساناً بالأسد، فلا نقصد أنه حيوان من ذوات الأربع، وإنما نمتدحه على شجاعته وقوته. كذلك في مثل وكيل الظلم ينصبّ المديح على نقطة واحدة محددة هي الحكمة في الاستعداد للمستقبل، وليس كل صفاته الأخرى.
وليس المقصود بمال الظلم المال الحرام الذي يقتنيه الإنسان من الظلم أو من أية خطية أخرى، فهذا لا يقبله الله، لأنه يقول: »لا تُدخل أجرة زانية إلى بيت الرب إلهك« (تثنية 23:18). فالله لا يقبل عمل الخير، الذي يأتي عن طريق الشر. ولكن مال الظلم ليس هو فقط المال الذي تقتنيه من الظلم، إنما هو أيضاً الذي تقع في خطية الظلم إن استبقيته معك. لقد أعطاك الله مالاً، وأعطاك معه وصية أن تدفع العشور. فالعشور ليست ملكك. إنها ملك للرب وللكنيسة وللفقراء. فإذا لم تدفعها تكون قد ظلمت مستحقّيها، وسلبتهم باستبقائها معك، فيكون مالك مال ظلم، إذ يقول الرب: »أيسلب الإنسان الله؟ فإنكم سلبتموني. فقلتم بِمَ سلبناك؟ في العشور والتقدمة« (ملاخي 3:8). ويمكن أن نقول هذا عن كل مال مكنوز عندك بلا منفعة، بينما يحتاج إليه الفقراء، ويقعون في مشاكل بسبب احتياجهم.
فاصنع لك أصدقاء بمال الظلم هذا. أعطه للمحتاجين إليه، وسدّ به أعوازهم، يصبحوا بهذا أصدقاء لك، ويصلّوا من أجلك. ويسمع الله دعاءهم، ويبارك مالك (ملاخي 3:10) فتعطي أكثر وأكثر.
اعتراض على لوقا 18:29 و30 - من ترك امرأة
انظر تعليقنا على مرقس 10:29 و30
اعتراض على لوقا 18:31-34 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
اعتراض على لوقا 18:35 - أعمى أم أعميان؟
انظر تعليقنا على متى 20:30
اعتراض على لوقا 19:29-44 - أتان واحد أم أتانان؟
انظر تعليقنا على متى 21:2
اعتراض على لوقا 20:9-18 - مثَل الكرامين الأردياء
انظر تعليقنا على متى 21:33-44
اعتراض على لوقا 20:15 و16 - يهلكهم أو لا يهلكهم
انظر تعليقنا على متى 21:40 و41
اعتراض على لوقا 21:6 - حجر على حجر
انظر تعليقنا على متى 24:2
قال المعترض: »قال هورن سقطت آية بين الآيتين في لوقا 21:33 و34 والواجب أخذها من متى 24:36 أو من مرقس 13:32 حتى تكون أقوال الرسل متوافقة. ونص هذه الآية: »وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السموات، إلا أبي وحده«.
وللرد نقول: لا يلزم مطابقة أقوال الرسل بعضها لبعضٍ في الكليات والجزئيات من كل وجه، فإن كل نبي يدوّن الوحي الإلهي بالكيفية التي يلهمه بها الروح القدس. فلا بد أن تختلف طرق تعبيرهم. بل إن اختلاف طرق تعبيرهم من أقوى الأدلة على صدق أقوالهم وعدم تواطئهم.
قال المعترض: »جاء في لوقا 22:3-7 »فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر«. وهذا يناقض قول يوحنا 13:27 »فبعد اللقمة دخله الشيطان. فقال له يسوع: ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة«.
وللرد نقول: لماذا يظن وجود تناقض هنا؟ يقول يوحنا إن الشيطان دخل يهوذا أثناء عشاء الرب الأخير مع تلاميذه. ولوقا يقول إن الشيطان دخله قبل هذا، أي قبل أن يتواعد يهوذا مع اليهود ليسلّمهم سيده.
لقد دخل الشيطان يهوذا أكثر من مرة. ويوحنا نفسه يقول في بدء هذا الأصحاح: »فحين كان العشاء، وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلّمه«. ويتَّضح من هذا أن الشيطان ساد على قلب يهوذا قبل أن يعطيه المسيح تلك اللقمة في العشاء الأخير. فرواية يوحنا نفسه تفيد أن الشيطان دخل يهوذا مراراً. وإثباتاً لهذا نرجع إلى يوحنا 6:70 و71 حيث يقال: »أجابهم يسوع: أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر، وواحد منكم شيطان؟ قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي، لأن هذا كان مزمعاً أن يسلّمه، وهو واحد من الاثني عشر«. فيمكن أن يُقال عن يهوذا إنه كلما كانت تدبّ في قلبه فكرة الخيانة لسيده، كان الشيطان يدخله.
قال المعترض: »الذي يقارن بين لوقا 22:17 وما ورد في متى 26:28 ومرقس 14:22 و23 في موضوع العشاء الرباني، يجد أن لوقا ذكر كأسين: واحدة على العشاء والأخرى بعده، بينما ذكر متى ومرقس كأساً واحدة«.
ثم أن رواية لوقا تقول إن جسد المسيح مبذول عن التلاميذ، بينما رواية متى تقول إنه مبذول عن كثيرين، ورواية متى لا تقول إن جسده مبذول«.
وللرد نقول: (1) حلَّت فريضة العشاء الرباني في العهد الجديد محل وليمة الفصح في العهد القديم، فيلزم أن نوضح ما كان يحدث في عيد الفصح: كان اليهود يحتفلون به تذكاراً لعتقهم من ذلّ المصريين، وتذكاراً لنجاة أبكارهم من الموت وهلاك أبكار المصريين. وفي اليوم العاشر كان رئيس كل عائلة يأخذ حملاً عمره سنة (خروج 12:1-6) وفي اليوم الرابع عشر يذبحه أمام المذبح. ولما كان بنو إسرائيل في مصر رشّوا دم هذا الحمل على العتبة العليا، فلما رأى الملاك الدم لم يمس البيت بضرر (خروج 12:7). ولما خرجوا من مصر كانوا يرشون الدم أمام المذبح، ويشوون الحمل ويضعون فيه سيخاً على طوله، وسيخاً على عرضه، على هيئة صليب، ولا يكسرون عظماً من عظامه، وهو إشارة إلى المسيح (يوحنا 19:36 و1كورنثوس 5:7). وكيفية احتفالهم به أن يقدموا الشكر لله، ثم يشربون كأس نبيذ ممزوجاً بماء، هذه كانت أول كأس. وبعد ذلك كانوا يغسلون أيديهم، ثم يشكرون الله، ثم يضعون على المائدة أعشاباً مُرَّة والفطير والحمل ومرقةً من بلحٍ وتين وزبيب، ثم يأخذون قليلاً من الأعشاب ويقدمون شكراً لله، ثم يأكلونها ويرفعون الصحون، ويضعون أمام كل محتفل كأس نبيذ كما فعلوا في أول الأمر. وسبب رفع الصحون هو حمل الأولاد على الاستفهام عن سبب هذا، فيشرع رئيس العائلة في توضيح ما قاساه اليهود في مصر من الذل والعبودية، وكيفية إنقاذهم، وأسباب الاحتفال بعيد الفصح.
ثم يؤتى بالصحون ثانية، ويقول هذا هو الفصح الذي نأكله، لأن الرب عبر عن بيوت آبائنا في مصر. ثم يمسك الأعشاب ويقول إنها تشير إلى مرارة الذل. ويمسك الفطير ويقول إنه يشير إلى سرعة ارتحالنا من مصر. ثم يغسلون أيديهم ويأكلون. ويقرأ رب العائلة مزموري 113 و 114 ويصلي، ثم يشربون ما يكون أمامهم، وهي الكأس الثانية. ثم يغسلون أيديهم ثانية ويأكلون الطعام. ثم يغسلون أيديهم ويشربون كأساً ثالثة تسمى »كأس البركة« لأن رئيس العائلة يقدم الشكر لله. وكانوا يشربون كأساً رابعة قبل انصرافهم تُسمَّى »كأس التهليل« لأنهم كانوا يرتلون مزامير 115-118. وقد حافظ المسيح على هذه الطقوس لأنها كانت تدل عليه.
ثم رسم المسيح العشاء الرباني بعد عشاء الفصح تذكاراً لموته لأنه هو فصحنا، وبه تحررنا من عبودية إبليس التي هي أشد من عبودية فرعون في مصر، فوضع العشاء الرباني تذكاراً للخلاص الذي صنعه لنا ليعتقنا من عبودية إبليس، وليشدد عزائمنا وقت التجارب والمصائب. وكيفية رسم المسيح للعشاء الرباني هي أنه أخذ خبزاً وبارك وكسّر، وقال: »خذوا كلوا هذا هو جسدي«. فالخبز هو بمنزلة حمل الفصح، فكما أن الحمل كان يشير إلى خلاص بني إسرائيل من العبودية، فكذلك الخبز يشير إلى جسد المسيح الذي كُسر لأجلنا على الصليب. وكما أنه يلزم لتغذية الإنسان كَسْر الخبز ومضْغه، فكذلك لزم بذل جسد المسيح ليصير خبزاً لحياة أنفسنا. وكما أن حياتنا تتعلق على الخبز الذي أعدَّه الله من كرمه وجوده ولطفه لأجسادنا، فكذلك حياتنا الأبدية تتوقف على ذبيحة جسد المسيح على الصليب. وكان بنو إسرائيل يسفكون دم حمل بلا عيب أمام المذبح، فأشار المسيح إلى هذه الذبيحة بقوله: »هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم«. وهو هبة مجانية، وكذلك أخذ الكأس وشكر وأعطى تلاميذه وقال: »هذا هو دمي«. يعني أنه يشير إلى سفك دمه، لأنه »بدون سفك دم لا تحصل مغفرة« (عبرانيين 9:22). فهذا هو ترتيب فصح اليهود ورسم العشاء الرباني.
(2) صحيحٌ أن لوقا ذكر كأسين، وذكر متى ومرقس كأساً واحدةً، لأن متى ومرقس ذكرا الكأس المختصة بالعشاء الرباني، وهي المقصودة بالذات. أما لوقا فأشار إلى الكأس التي كانت تُؤخذ قبل العشاء، ثم ذكر الكأس التي أشار بها إلى سفك دمه،وبهذا يظهر بطلان اعتراضات المعترض.
(3) من تأمل فيما ورد في متى 26:26-28 ومرقس 14:22-24 ولوقا 22:19 و20 وجد أن العبارات كلها لا تناقض فيها. وقول المسيح: »هذه الكأس« (أي الخمر الذي فيها) هو من إطلاق الظرف على المظروف، فالكأس تشير إلى دم المسيح للعهد الجديد، تمييزاً له عن العهد القديم الذي صنعه الله مع اليهود بسفك دم الذبائح (خروج 24:8) ويأخذ الكاهن الدم ويرشه على الشعب ويقول: »هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم«.
وقد أطلق أنبياء التوراة على المسيح أنه ذبيحة العهد، فدم المسيح هو دم العهد الجديد، لأن بواسطة دمه تصالح الناس مع الله. وكان العهد القديم يقوم بسفك دماء حيوانات، ولكنها لم تكن كافية للخلاص، بخلاف دم المسيح فإنه كافٍ لمغفرة الخطايا، لأنه حياة المسيح. فقوله »دمه يُسفك عن كثيرين« هو بمنزلة حياته، وهو من إطلاق الجزء على الكل.
(4) بذل المسيح حياته عن الخطاة، أو قام مقامهم. فبموته يخلص كل من يؤمن به، فإنه وفى للعدل الإلهي حقَّه، فإن الله حكم على كل خاطئ بالموت، والمسيح مات عوضاً عنه. فقول متى ومرقس إن »دمه يُسفك عن كثيرين« يعني حياته كلها. ولما كان الدم هو مركز الحياة اقتصرا عليه. وقول لوقا إن جسده يُبذل ودمه يُسفك لا يناقض قول متى ومرقس، إذ لا يُعقل أن يُسفك دم إنسان بدون أن يُبذل جسده. فكلما تحقق أحدهما تحقق الآخر، ولك أن تقول إن لوقا استعمل في كلامه دلالة المطابقة، والرسولان الآخران استعملا دلالة الالتزام.
قال المعترض: »كيف يكون السيد المسيح صانع السلام وملك السلام، وهو يقول لتلاميذه: »من ليس له سيف فليبِع ثوبه ويشتر سيفاً« (لوقا 22:36). وما معنى أمره لتلاميذه بشراء السيف؟ ولماذا لما قالوا له »هنا سيفان« أجاب »يكفي« (لوقا 22:38).
وللرد نقول: لم يقصد المسيح مطلقاً السيف بمعناه المادي الحرفي، بدليل أنه بعد قوله هذا بساعات، في وقت القبض عليه، استل بطرس سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فأمره المسيح: »رُدَّ سيفك إلى غمده« (يوحنا 18:10) »لأن كل الذين يأخذون السيف، بالسيف يهلكون« (متى 26:51 و52). فلو دعا المسيح لاستخدام السيف، ما كان يمنع بطرس عن استخدامه في مناسبة كهذه. ولكن المسيح كان يقصد المعنى الرمزي للسيف، أي الجهاد. كان يكلمهم وهو في طريقه إلى جثسيماني (لوقا 22:39) قبل تسليمه ليُصلب، ولذلك بعد أن قال »فليبِع ثوبه ويشترِ سيفاً« فقال مباشرة: »لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتم فيَّ أيضاً هذا المكتوب »وأُحصِي مع أثمة« (لوقا 22:37) كأنه يقول لهم: حينما كنت معكم، كنت أحفظكم بنفسي. كنت أنا السيف الذي يحميكم. أما الآن فأنا ماضٍ لأُسلَّم إلى أيدي الخطاة، وتتم فيّ عبارة »وأُحصي مع أثمة«. اهتموا إذاً بأنفسكم، وجاهدوا. وما دمت سأفارقكم، فليجاهد كل منكم جهاد الروح، ويشترِ سيفاً.
وقد تحدث بولس عن »سيف الروح« و»سلاح الله الكامل« ، و»درع البر، وترس الإيمان« (أفسس 6:11-17). وهذا ما كان يقصده السيد المسيح »لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس« في تلك الحرب الروحية.
ولكن التلاميذ لم يفهموا المعنى الرمزي وقتذاك. فقالوا: »هنا سيفان« . كما لم يفهموا من قبل المعنى الرمزي في قوله: »احترزوا من خمير الفريسيين« يقصد رياءهم (لوقا 12:1)، وظنوا أنه يتكلم عن الخبز (مرقس 8:17). هكذا قالوا وهو يكلمهم عن سلاح الروح »هنا سيفان« ، فأجابهم: »يكفي«. أي يكفي مناقشة في هذا الموضوع، إذ الوقت ضيق حالياً. ولم يقصد السيفين بعبارة »يكفي« وإلا كان يقول »هذان يكفيان«. ولعله قصد بقوله: »يكفي« : »يكفي عدم فهمكم للمعاني الروحية التي أقصدها، كما لم تفهموني في السابق«.
انظر تعليقنا على متى 5:39.
قال المعترض: »شكَّ بعض القدماء في وجود لوقا 22:43 و44«.
وللرد نقول: الحقيقة هي أن ما جاء في لوقا 22:43 و44 لم يوجد في بعض النسخ، كما أنه في بعض النسخ وُضع بين قوسين، فظن أبيفانيوس وهيلاري وإيرونيموس أنهما ساقطتان من بعض نسخ يونانية ولاتينية. ولو أنهما موجودتان في أغلب النسخ القديمة بدون قوسين، ما عدا النسخة الصعيدية. وأيَّد صحتهما جستن الشهيد وهيبوليتوس وإيريناوس وأبيفانيوس وفم الذهب وتيودور وتيطس من بسترا. وكيف يقدر أحد أن يحذف آيتين بدون أن يشنّع أئمة الدين وعلماء الكنيسة المسيحية عليه؟ ثم إن خصومه كانوا واقفين له بالمرصاد، فلا يجسر على عمل شيء من ذلك بدون أن يُكشف أمره، ولا سيما أن هذه الأناجيل كانت تُقرأ في المعابد، وكانت الديانة المسيحية منتشرة في أنحاء الدنيا.
اعتراض على لوقا 22:54-61 - إنكار بطرس
انظر تعليقنا على متى 26:69-75
اعتراض على لوقا 22:63 - المسيح شُمخ عليه
انظر تعليقنا على غلاطية 6:7
اعتراض على لوقا 23:8 - أي هيرودس؟
انظر تعليقنا على متى 2:19
اعتراض على لوقا 23:11 - الاستهزاء بالمسيح
انظر تعليقنا على متى 27:27 و28
قال المعترض: »ورد في إنجيل لوقا 23:26 »ولما مضوا به أمسكوا سمعان، رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع«. وورد في يوحنا 19:16 و17 »فأخذوا يسوع ومضوا به، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يُقال له موضع الجمجمة حيث صلبوه«.
وللرد نقول: من قوانين الرومان أنه إذا حُكم على مذنب بالإعدام، ألزموه أن يحمل صليبه. وقد أشار بلوتارك إلى ذلك عند كلامه على بلايا الرذيلة، فقال: »إن كل رذيلة تنتج شقاءً وعذاباً خاصاً، كما أنه إذا حُكم على إنسان بالإعدام حمل صليبه«. فالمسيح بموجب هذا القانون حمل صليبه إلى محل الصلب.
وتفيد عبارة البشير لوقا ذلك، مثل عبارة يوحنا. فإنه قال: »ولما مضوا به أمسكوا رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع«. يعني لما حمل المسيح الصليب على كتفه كالعادة وسار به مسافة، ضعُفت قواه الجسدية وتعذّر عليه المشي. فوجدوا في الطريق سمعان القيرواني، والأرجح أنه كان من العبيد، لأنهم لا يكلّفون الأحرار بمثل هذا العمل الذي كان يُعتبر أعظم هوان، وسخّروه في مساعدة المسيح على حمل الصليب، لأنه قال: »وضعوه عليه ليحمله خلف المسيح« فقد حمله سمعان كما أن المسيح حمله أيضاً. فلا منافاة بين القولين.
قال المعترض: »قال المسيح: »يا أبتاه اغفر لهم« (لوقا 23:34) فلماذا لم يقل: »مغفورة لكم خطاياكم« كما قالها من قبل؟«.
وللرد نقول: كان السيد المسيح على الصليب يمثل البشرية وينوب عنها في دفع ثمن الخطية للعدل الإلهي. »كلنا كغنم ضللنا. مِلنا كل واحد عن طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا« (إشعياء 53:6). لذلك كان على الصليب »محرقة سرور للرب« (لاويين 1:9). وكان ذبيحة خطية. وكان أيضاً »فصحاً« (1كورنثوس 5:7). كان يقدم للآب كفارة عن خطايانا. وإذ قدم هذه الكفارة كاملة، قال للآب: »اغفر لهم«. أي »أنا وفيت العدل الذي تطلبه أيها الآب، فاغفر لهم«. فلم يعُد هناك عائق من المغفرة، فاغفر لهم. كان يتكلم كشفيع وكنائب عن البشرية أمام الآب عن كل خاطئ منذ آدم إلى آخر الدهور.
وفي هذه الطلبة كان يعلن تنازله عن حقه الخاص تجاه صالبيه الذين أهانوه بلا سبب، وحكموا عليه ظلماً، وألصقوا به تهماً باطلة، وأثاروا الشعب وهم لا يدرون ماذا يفعلون.
ولكن في مواضع أخرى قام بالغفران بنفسه كإله، كما قال للمفلوج: »مغفورة لك خطاياك« (مرقس 2:5) مثبتاً بذلك لاهوته وسلطانه على مغفرة الخطايا. وقال للخاطئة (في بيت سمعان الفريسي) »مغفورة لك خطاياك« (لوقا 7:48). ولم يفارقه هذا السلطان وهو على الصليب، فغفر للص التائب وقال له: »اليوم تكون معي في الفردوس« (لوقا 23:43). وبهذا أعلن له مغفرة خطاياه.
اعتراض على لوقا 23:36 - ماذا شرب المسيح؟
انظر تعليقنا على متى 27:34
اعتراض لوقا 23:38 - العنوان على الصليب
انظر تعليقنا متى 27:37
اعتراض على لوقا 23:42 و43 - تعيير اللِّصين
انظر تعليقنا على متى 27:44
اعتراض على لوقا 23:46 - لماذا تركتني؟
انظر تعليقنا على متى 27:46
اعتراض على لوقا 24:12 - قصة القيامة
انظر تعليقنا على متى 28:1-15
قال المعترض: »هناك اختلاف حول مكان صعود المسيح. فيقول في لوقا 24:50 و51 »وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وصعد إلى السماء«. ولكن يقول في أعمال 1:9 و12 »ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم. حينئذٍ رجعوا إلى أورشليم من جبل الزيتون«.
وللرد نقول: يسهل التوفيق بين هذين الفصلين على من كانت له ولو معرفة قليلة بجغرافية أورشليم وما حولها. فبيت عنيا واقعة على المنحدر الشرقي من جبل الزيتون. نعم إن يسوع خرج بتلاميذه إلى بيت عنيا، وهناك (أي على جبل الزيتون) صعد إلى السماء. وإذ ذاك يُصْدق الراوي إذا قال إن يسوع صعد من جبل الزيتون كما لو قال إنه صعد من بيت عنيا. ومما يجب ذكره أن كاتب سفر الأعمال هو لوقا نفسه، فلا يمكن إذاً أن يناقض نفسه.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شُبهات وهميَّة حول إنجيل يوحنا
قال المعترض: »قال بعض المفسرين المسيحيين إن إنجيل يوحنا لم يُكتب بوحي الروح القدس، وإن الأصحاح الأخير منه أُضيف إليه بعد كتابته«.
وللرد نقول: (1) يستشهد المعترض بكلام الذين لا يؤمنون بالوحي، وينقل جزءاً من كلام المفسرين ويحذف باقيه. فعلى سبيل المثال قال هورن: »جميع المسيحيين على اختلافهم وتشعّبهم يتمسكون بإنجيل يوحنا، ويعتقدون أنه وحي إلهي. والأدلة على صحته داخلية وخارجية، فالأدلة الداخلية هي أنه ورد فيه أن الذي كتبه كان شاهد عيان للحوادث المذكورة، وشاهد العيان لا يحتاج إلى برهان، وعليه فلا يمكن أن يكون أحد المسيحيين كتب هذا الإنجيل بعد يوحنا. أما البرهان الخارجي فهو شهادة قدماء أئمة الدين المسيحي المتصلة من الخَلَف إلى السَّلَف، فتكلم عن هذا الإنجيل أكليمندس وبرنابا، وتكلم عنه أغناطيوس أسقف أنطاكية الذي كان تلميذاً للرسول يوحنا أربع مرات. وتمسّك به يوستين الشهيد وتاتيان وكنائس ويانة وليون وإيريناوس وأثيناغوروس وثاوفيلس أسقف أنطاكية وأكليمندس الإسكندري وترتليان وأمونيوس وأوريجانوس ويوسابيوس وأبيفانيوس وأغسطينوس وفم الذهب. وبالاختصار سلّمه الأئمة من جيل إلى آخر. وقيل إن طائفة الألوجيان (في القرن الثاني) رفضت هذا الإنجيل ورسائل يوحنا، ولكن لم نعرف عن هذه الطائفة شيئاً يُعتمد عليه، فإن إيريناوس ويوسابيوس وغيرهما من المؤلفين الذين كانوا قبلهما لم يأتوا لهم بذكر.
(2) كان هذا الإنجيل متداولاً في عصر يوحنا كما هو، ولم يشك أحد من المسيحيين الأولين في صحته.
(3) عبارات يوحنا 21 ولغته تشابه عبارات هذا الإنجيل.
وقد راجع كريسباخ أكثر من ثمانين نسخة من النسخ القديمة، فرأى أنها مثل النسخة المتداولة بيننا. فترك المعترض جميع هذه البراهين.
قال المعترض: »لم يشر إيريناوس إلى إنجيل يوحنا مع أنه كان تلميذ بوليكاربوس الذي كان تلميذاً ليوحنا«.
وللرد نقول: بل تكلم إيريناوس عن هذا الإنجيل، فقال: »لما كان قصد يوحنا دحض بدع وضلالات سرنثوس والنقولاويين، كتب إنجيله بوحي إلهي، فأوضح فيه وحدانية الله الذي خلق جميع الأشياء بكلمته، وفنّد أقوال من قال إنه يوجد أربعة آلهة: خالق للعالم، وأبو الرب، وابن الخالق، والمسيح. وقال إيريناوس إن يوحنا تلميذ ربنا قال: »وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه« (يوحنا 20:31) وغاية الرسول أن يحذرنا من أصحاب البدع الكفرية الذين يشركون بالله«. وقد أثبت أغسطينوس وغيرُه كلمات إيريناوس هذه.
قال المعترض: »في القرن الثاني الميلادي أنكرت فرقة الألوجيان إنجيل يوحنا وجميع كتابات يوحنا«.
وللرد نقول: فرقة الألوجيان ليست من فرق المسيحيين، بل هي شيعة ابتدعت ضلالة كفرية. وكانت غاية يوحنا الرسول من كتابة هذا الإنجيل استئصال الضلالات، ولا سيما ضلالة سرنثوس، وهو يهودي تهذَّب في اسكندرية في أواخر القرن الأول، وحاول إحداث طريقة تكون جامعة لتعاليم الديانة المسيحية وضلالات أصحاب المذاهب الفكرية، فردَّ عليه الرسول يوحنا بأن المسيح هو كلمة الله، وأن الكلمة هو الله هو خالق جميع العالمين، وأن الحياة والنور ليسا روحَيْن بل هما الكلمة، وأن المسيح هو الكلمة والحياة والنور.
قال المعترض: »جاء في يوحنا 1:1 »وكان الكلمة الله«. ولكن الترجمة الصحيحة هي »وكان الكلمة إلهاً« لأن الأصل اليوناني لا يحوي ألـ التعريف قبل كلمة »الله«. وهكذا يقول شهود يهوه«.
وللرد نقول: عند ذكر ألـ التعريف في اللغة اليونانية يكون المقصود شخصاً بذاته. وعند عدم ذكرها يكون المقصود طبيعة الشخص أو الشيء. ولما لم ترد ألـ التعريف قبل كلمة »الله« تكون الترجمة الحرفية للآية »وكان الكلمة من طبيعة الله«. وهذا ما نتعلمه من آيات أخرى مثل قول المسيح في يوحنا 8:58 »قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (أي: أنا يهوه)« وقول توما للمسيح: »ربي وإلهي« (يوحنا 20:28). وقد لُقِّب المسيح بأنه الله في آيات أخرى (راجع كولوسي 1:15 و16، 2:9 وتيطس 2:13). كما ورد لقب المسيح بالله مع أداة التعريف في عبرانيين 1:8 »أما عن الابن: كرسيُّك يا ألله إلى دهر الدهور«.
اعتراض على يوحنا 1:18 - رؤية الله
انظر تعليقنا على تكوين 32:30
قال المعترض: »ورد في يوحنا 1:19 و20 أن اليهود أرسلوا من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوا المعمدان: »من أنت؟« فأجاب إنه ليس المسيح. فسألوه: »إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟« فقال: »لست أنا«. ولكن المسيح قال في متى 11:14 عن يوحنا: »فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي«. وجاء في متى 17:10 »وسأله تلاميذه: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً؟« فأجاب يسوع: »إن إيليا يأتي أولاً ويردّ كل شيء. ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن الإنسان أيضاً سوف يتألم منهم«. حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان«.
وللرد نقول: انتظر اليهود تحقيق النبوَّات بالمعنى الحرفي، فكانوا يتوهّمون أن المسيح يكون ملكاً جباراً يفتح البلاد ويحررهم من نير الرومان، ويجعل منهم وزراء وولاة في مملكته. ولم يخطر ببالهم أن ملكوت المسيح ملكوت روحي يحكم فيه بالمحبة والسلام والبر. فلما رأوه وديعاً متواضعاً ازدروا به.
وعلى هذا القياس توقَّعوا تحقيق نبوَّة ملاخي عن مجيء إيليا قبل مجيء المسيح حرفياً. فلما أرسل اليهود كهنة ولاويين ليسألوا يوحنا المعمدان إن كان هو إيليا الحقيقي فأجاب: لا، ولكنه لم ينكر أنه هو »إيليا« الذي تنبأ عنه النبي ملاخي، فإنه أوضح (في آية 23) أنه أتى ليمهد طريق الرب. وبقوله إنه ليس إيليا أزال أوهامهم عن إيليا، وبيَّن لهم الحقيقة، وهي أنه أتى بروح إيليا.
وفي قول ملاخي: »سيأتي إيليا« شبَّه المعمدان بإيليا. والقارئ المدقق لكلمة الله يرى بينهما أوجه شبه كثيرة، فيوحنا مثل إيليا في تقشّفه وزُهده وغيرته، ومثله في شهامته في توبيخ الأمراء والوجهاء لانحرافهم عن الحق. وورد في لوقا 1:17 أنه أتى بروح إيليا وقوته، فالمسيح قال إنه إيليا، وإنه أدّى مأموريته، وهي تمهيد الطريق أمام المسيح. فلا تناقض بين قول يوحنا وقول المسيح، فيوحنا نفى أوهام اليهود من أن إيليا الحقيقي الذي صعد إلى السماء حياً سيأتي بنفسه. ولم يكن المعمدان إيليا الحقيقي، ولكنه أتى بروح إيليا.
انظر تعليقنا على لوقا 1:17
قال المعترض: جاء في يوحنا 1:21 أنه بعد أن قال المعمدان إنه ليس المسيح ولا إيليا سأله شيوخ اليهود: »النبي أنت؟ فأجاب: لا«. وواضحٌ أنهم سألوه عن ثلاثة أنبياء بالتوالي: المسيح، وإيليا، والنبي. ولم يخالفهم المعمدان في ما سألوه عنه. فالنبي المشار إليه هنا لا هو إيليا ولا هو المسيح. كذلك النبي الذي تنبأ عنه موسى (تثنية 18:18) ليس هو المسيح ولا إيليا، بل نبي يأتي بعدهما«.
وللرد نقول: نرجو أن يراجع القارئ تعليقنا على تثنية 18:18 بخصوص النبي الذي كتب عنه موسى. وعليه فالنبي المشار إليه في سؤال اليهود ليوحنا المعمدان هو المسيح بذاته. وسأل اليهود عن الثلاثة، مبتدئين بالأخير إلى الأول، باعتبار ترتيب زمان ظهورهم، فقالوا للمعمدان: »أأنت المسيح؟« ظناً منهم أنه ربما يكون هو، فلما قال إنه ليس المسيح سألوه إن كان هو سابقه (أي إيليا- ملاخي 4:5 ومتى 17:10 ومرقس 9:11) فقال إنه ليس إيليا الحرفي (راجع تعليقنا على يوحنا 1:19 و20). ولما لم يفهم اليهود من هو يوحنا المعمدان، إذ لم يكن المسيح ولا إيليا، حاروا في أنفسهم والتجأوا إلى رأي ارتآه بعض اليهود، وهو أن النبي الذي كتب عنه موسى هو سابق آخر للمسيح. وليس من المعقول ولا المحتمل أن يكون سؤالهم ليوحنا عن نبي يأتي بعد المسيح، خصوصاً والمسيح نفسه لم يكن قد ظهر بعد. ولهذا يلزم أن يكون سؤالهم إما عن المسيح أو أحد سابقيه، لا عن نبي يأتي بعده.
انظر تعليقنا على لوقا 1:17.
قال المعترض: »جاء في يوحنا 1:29 و36 قول يوحنا المعمدان إن المسيح هو حمل الله، وهذا يناقض صفته في رؤيا 5:5 أن المسيح هو الأسد الخارج من سبط يهوذا، فالأسود تلتهم الحملان«.
وللرد نقول: التشبيهان يصحّان في المسيح، فهو كالحمل في نقائه ووداعته، وفي أنه الذبيحة الذي يرفع خطية العالم. وفي الوقت نفسه هو كالأسد في قوته ومُلكه. ولا تناقض بينهما، فكل تشبيه منهما ينقل لنا صورة عن المسيح، مختلفة عن الأخرى، لكنها لا تتناقض معها. نعم، كان المسيح حملاً وقت صلبه، وأسداً وقت قيامته.
اعتراض على يوحنا 1:33 - عرفه أو لم يعرفه؟
انظر تعليقنا على متى 3:14
اعتراض على يوحنا 1:35-46 - دعوة التلاميذ
انظر تعليقنا على متى 4:18-22
اعتراض على يوحنا 1:44 - أين سكن بطرس؟
انظر تعليقنا على مرقس 1:21 و29
قال المعترض: »ورد في إنجيل يوحنا 1:51 »الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان«. وهذا خطأ، لأن هذا القول كان بعد معمودية المسيح، وبعد نزول الروح القدس، ولم ير أحدٌ بعدهما أن السماء انفتحت، وملائكة الله صاعدة ونازلة على المسيح«.
وللرد نقول: »ترون ابن الإنسان« تعني تتأكدون. فهي لا تعني النظر بالعين، بل العلم واليقين. وقوله »السماء مفتوحة« عبارة مجازية تعني إغداق البركات (كما في مزمور 78:23-24) »وفتح مصاريع السموات وأمطر عليهم منّاً للأكل«. وأيضاً تدل على عمل معجزة لتأييد أمرٍ ما (متى 3:16). وهي تدل هنا على معجزة. وفي هذه العبارة إشارة ظاهرة إلى السُّلَّم الذي رآه يعقوب في الرؤيا، وكانت الملائكة صاعدة ونازلة عليها (تكوين 28:18).
وقوله: »الملائكة صاعدة ونازلة« فالملائكة جميعهم أرواح خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عبرانيين 1:14). وقد تحقق قول المسيح من صعود ونزول الملائكة عليه، فقد خدمته الملائكة وقت التجربة في البريّة (مرقس 1:13) ولما كان في البستان (لوقا 22:43). بل كانت الملائكة حاضرة لما قام من الأموات، فالمسيح أوضح لنثنائيل أن الملائكة خدمته وقت تجسده، ووقت مكايد وحيل أعدائه، ووقت موته وصلبه وقيامته، مما دلّ على أنه الكلمة الأزلي.
اعتراض على يوحنا 2:1 و2 - أين ذهب المسيح بعد معموديته؟
انظر تعليقنا على مرقس 1:12 و13
قال المعترض: »نقرأ في يوحنا 2:1-11 »قصة تحويل الماء إلى خمر. فهل هذا تحليلٌ لشرب الخمر؟ وهل شرب المسيح خمراً؟ ولماذا قال المسيح للعذراء مريم: »مالي ولك يا امرأة؟« أما كان يمكنه أن يقول: »مالي ولك يا أماه« احتراماً للأمومة؟«.
وللرد نقول: كان شرب الخمر مقبولاً عند اليهود، وكانوا يسكبون الخمر على الذبائح (خروج 29:40)، وكانوا يدفعون عشور خمورهم لبيت الرب (تثنية 18:4). وقد مُنع شربه على النذير الذي ينذر نفسه للرب خلال فترة نذره فقط (العدد 6:3). كما مُنع على الكاهن أثناء أدائه خدمته في القدس (لاويين 10:9). على أن السُّكر بالخمر هو الذي كان ممنوعاً (إشعياء 5:11-17 و1كورنثوس 5:11 و6-10 وأفسس 5:18 و 1بطرس 4:3).
وقد وُصف المسيح بأنه شرّيب خمر ومحبٌّ للعشّارين والخطاة (متى 11:19 ولوقا 7:34). ووصف بولس الخمر دواءً لتلميذه تيموثاوس كنصيحة طبية (1تيموثاوس 5:23).
أما عن معجزة تحويل الماء إلى خمر، فهي أولى معجزات المسيح. وقول المسيح لأمه: »ما لي ولك يا امرأة« تعبير عبري يتوقف معناه على نبرة صوت قائله، فإذا قال التعبير بحِدَّة فهو يوبِّخ الذي يكلمه. ولا يمكن أن يكون المسيح الكامل في تصرفاته قد كلم أمه بحدَّة وهي العذراء المطوَّبة. ولا بد أنه قاله في رِقَّة، والمعنى في هذه الحالة هو: »لا تقلقي. أنتِ لا تعرفين ما سأفعله، لكن اتركي الأمر لي وسأعالجه بطريقتي. أنا سأتصرَّف«.فالمسيح قدَّم نصيحة بكل المحبة.
قال المعترض: »كان كلام المسيح في كثير من الأحيان غامضاً حتى لم يفهمه معاصروه وتلاميذه، ما لم يفسره لهم بنفسه، كقوله في يوحنا 2:19-23 »انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه«. وهي نبوَّة عن موته، وكذلك عدم فهم التلاميذ موت المسيح (لوقا 9:44 و45 و18:31-34)، وكذا تعبيره عن موت الصبيَّة وموت لعازر بالنوم (لوقا 8:52 و53 ويوحنا 11:11)، وكذا تحذيره لتلاميذه من خمير الفريسيين أي تعليمهم ونفاقهم (متى 16:6-12)، وكذا تشبيه تجديد القلب بولادة جديدة (يوحنا 3:3-10)، وكذا تشبيه نفسه بخبز الحياة (يوحنا 6:55)«.
وللرد نقول: أقوال المسيح واضحة لمن يريد أن يفهم المعاني الروحية، فقد ورد في مرقس 4:33 و34 »وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلّمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا، وبدون مثلٍ لم يكن يكلمهم«. فسبب عدم فهمهم ليس لصعوبة الكلام، بل لعَمَى الأفهام.
(1) من أسباب عدم فهم اليهود قول المسيح عن نقض الهيكل وإقامته في ثلاثة أيام (يوحنا 2:19-23) وعجزهم أن يفهموه عندما تحدَّث عن موته (لوقا 9:44 و45 و18:31-34)، أنهم كانوا يتوقعونه ملكاً أرضياً يحررهم من الاستعمار الروماني. فلما أتى متواضعاً رفضوه، ولم يدروا أن مملكته روحية فإنه يملك على القلوب بالمحبة. ولما رأوا معجزاته وكيف كان يفتح أعين العميان ويقيم الموتى، وكانوا متأكدين أنه قادر على ملاشاة العالم في طرفة عين، رفضوا أن يفهموا الحديث عن موته، ولم يدروا أنه كان ينبغي أن يتألم.
(2) النوم بمعنى الموت ورد في »لسان العرب«، فالمسيح (في لوقا 8:52 و53 ويوحنا 11:11) خاطبهم بالمتعارف عليه، ويقولون إن النوم موت قصير والموت نوم طويل. ووصف المسيح الموت بالنوم ليوضح لنا أن الموت ليس فناءً بل مجرد رقاد تعقبه القيامة. والذي ينام يستريح، ويقوم، كما قيل: »طوبى للأموات الذين يموتون في الرب، نعم يقول الروح، لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم« (رؤيا 14:13).
(3) أما إشارة المسيح إلى نفاق الفريسيين وتعليمهم ووصفه بالخمير (متى 16:6-12) فمفهوم عند اليهود، الذين حرَّمت شريعتهم الخمير في معظم التقدمات (خروج 34:25 ولاويين 2:11).
(4) وكان حديث المسيح لليهود عن الولادة الثانية مفهوماً عندهم (يوحنا 3:3-10)، لأنه لما كان وثنيٌّ يتحوَّل إلى اليهودية كانوا يعمِّدونه معمودية المهتدين، ويعتبرون كل روابطه السابقة مقطوعة، ويحسبونه طفلاً حديث الولادة. وهذا استعارة مفهومة على مستوى قانوني.. وقد انصبَّ اهتمام اليهود على الطقوس الخارجية من الغسلات وخلافها، فنبّههم المسيح إلى هذا الخطأ وقال: »ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان.. وأما الأكل بأيدٍ غير مغسولة فلا ينجس الإنسان« (متى 15:11 و20). وكان يمكن لسامعي المسيح أن يفهموا ما قاله، فقد ورد في مزمور 51:10 و11 »قلباً نقياً اخلُقْ فيَّ يا الله وروحاً مستقيماً جدِّدْ في داخلي. لا تطرَحْني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزِعْه مني«. وكذلك في حزقيال 36:26.
(5) أما تشبيه المسيح نفسه بخبز الحياة فلأنه يعطي المؤمن حياةً أبدية، كما أن الخبز المادي يعطي حياة للجسد (انظر تعليقنا على يوحنا 6:55).
اعتراض على يوحنا 3:3-10 - هل كلام المسيح غامض؟
انظر تعليقنا على يوحنا 2:19-23
قال المعترض: »جاء في يوحنا 3:13 »ليس أحدٌ صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء«. ولكن صعد إلى السماء أخنوخ (تكوين 5:24) وإيليا (2ملوك 2:11) وبولس (2 كورنثوس 12:2)«.
وللرد نقول: السماء التي نزل منها المسيح وإليها صعد ليست هي التي صعد إليها أخنوخ وإيليا وغيرهما، فهناك:
(1) سماء الطيور: وهي الجو المحيط بنا، وتحدَّث الكتاب عن طير السماء (تكوين 1:26 و7:3). فيها السحاب ومنها يسقط المطر (تكوين 8:2)، وفيها تطير الطائرات.
(2) وهناك سماء أعلى من سماء الطيور، هي سماء الشمس والقمر والنجوم، أي الفلَك أو الجلَد »ودعا الله الجلَد سماءً« (تكوين 1:8). وتحدَّث الكتاب عن نجوم السماء (مرقس 13:25) التي خلقها الله في اليوم الرابع، عندما قال: »لتكن أنوار في جلد السماء لتنير على الأرض، فعمل الله النورين العظيمين .. والنجوم«»ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة، لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد فيما بعد« (رؤيا 21:1). (تكوين 1:14-17). وهذه هي السماء التي ستنحل وتزول في اليوم الأخير مع أرضنا (متى 5:18). وقال القديس يوحنا:
(3) السماء الثالثة هي الفردوس التي صعد إليها بولس، وقال عن نفسه »اختُطف هذا إلى السماء الثالثة. اختُطف إلى الفردوس« (2كورنثوس 12:2 و4). وهي التي قال عنها الرب للص التائب: »اليوم تكون معي في الفردوس« (لوقا 23:43). وهي التي نقل إليها الرب أرواح أبرار العهد القديم الذين انتظروا على رجاء، وإليها تصعد أرواح الأبرار الآن إلى يوم القيامة، حيث ينتقلون إلى أورشليم السمائية (رؤيا 21).
(4) وأعلى من كل هذه السماوات توجد سماء السموات، التي قال عنها داود في المزمور: »سبّحيه يا سماء السموات« (مز 148:4). وهي التي قال عنها المسيح: »ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء« (يوحنا 3:13). إنها سماء عرش الله التي أمرنا المسيح ألا نحلف بها لأنها كرسي الله (متى 5:34). عن هذه السماء تساءل الحكيم: »من صعد إلى السماء ونزل؟ ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفت؟« (أمثال 30:4).
اعتراض على يوحنا 3:22-24 - متى بدأت خدمة المسيح؟
انظر تعليقنا على مرقس 1:14
قال المعترض: »في يوحنا 4:22 قال المسيح للمرأة السامرية إن »الخلاص هو من اليهود« فلماذا اختار الله أن يتجسّد من اليهود دون غيرهم من البشر؟ وألا يدل تجسّد الله من جنس خاص أنه يتحيّز لشعب خاص، مما لا يتناسب مع محبته للبشر أجمعين؟«.
وللرد نقول: (1) لو لم يتّخذ الله لنفسه جسداً من اليهود، لاتَّخذه من شعب آخر. وفي هذه الحالة يكون قد تجسّد أيضاً من جنس خاص دون غيره من الأجناس، ولذلك فإن هذا الاعتراض لا مجال له إطلاقاً. كما أن الادّعاء بأن تجسُّد الله من جنس خاص لا يتناسب مع محبته للبشر أجمعين، قد دلّت الحقيقة الواقعة على عدم صدقه، لأننا إذا درسنا حياة المسيح على الأرض وجدنا أنه كان يحب الجميع على السواء. فقد شمل بإحسانه جميع الناس على اختلاف أجناسهم (لوقا 17:6). وكان يناديهم: »تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال (بدون استثناء) وأنا أريحكم«»لي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة (أي حظيرة اليهود). ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد« (يوحنا 10:16). ولذلك قال الوحي عنه إنه »جعل الاثنين (أي اليهود والأمم) واحداً، ونقض حائط السياج المتوسط (أي العداوة)، مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً«»ليس يوناني ويهودي، ختان وغرلة، بربري سكيثي، عبد حر« بل الجميع واحد (كولوسي 3:11). وقد أدرك هذه الحقيقة الأستاذ سافير اليهودي، فقال: »كان يسوع يهودياً، ومع ذلك كان من جنس البشر جميعاً«. وقال غيره: »المسيح هو »ابن الإنسان« وهو ليس لعصر خاص أو لجماعة خاصة، بل تخطى كل الحواجز التقليدية والاجتماعية والسياسية والجنسية، وأحب كل الناس بلا استثناء«. ولا غرابة في ذلك فقد كان »ابن الإنسان« أو »ابن الإنسانية«. (متى 11:28). وقال: (أفسس 2:14 و15). وقال أيضاً: فإن فيه
(2) يسهل تنفيذ التعليم الذي أتى به المسيح على كل الناس في كل البلاد والأوقات. فمثلاً لم يأمر الناس بالصلاة في أوقات خاصة مرتبطة بساعات النهار أو الليل، ولم يحلل لهم تناول بعض الأطعمة دون الأخرى، ولم يحدِّد لهم مواعيد للمواسم والأعياد مرتبطة بأوقات الحصاد وأوجه القمر، كما كانت الحال مع اليهود الذين عاشوا في منطقة جغرافية محددة، بل أمرهم أن يصلّوا في كل حين (لوقا 18:1) وأن ما يدخل الفم لا ينجِّس الإنسان، بل ما يخرج منه، لأن من الفم تخرج أقوال الشر التي هي النجاسة (مرقس 7:15). وطلب منهم على لسان رسوله، أن تكون حياتهم كلها أعياداً روحية، تتجلى فيها القداسة والطهارة والصلة الحقيقية مع الله (1كورنثوس 5:8). ولذلك فإن تعليمه يمكن تنفيذه لا في بلاد فلسطين وحدها، بل في الجهات القطبية التي تغيب عنها الشمس نصف العام، ويغيب عنها القمر النصف الآخر، كما يمكن تنفيذه في الجهات القاحلة التي لا زرع فيها ولا حصاد.
(3) طبعاً ليس هناك فضل لجنس على الآخر عند الله. وإن كان هناك فضل لأحد على الآخر عنده، فأتقى الناس أفضلهم، لأنه ليس لدى الله محاباة (غلاطية 2:6). وقد شهد الوحي بهذه الحقيقة فقال إن كل من يصنع البر في أي أمة مقبول عنده (أعمال 10:35). ولما وجد أن إبراهيم أتقى الناس الذين عاشوا في جيله، اختاره ودعاه خليلاً له (يعقوب 2:23). ثم اتّخذه وسيلة لإعلان اسمه بين الناس، ووعده بأن في نسله ستتبارك كل أمم الأرض (تكوين 12:3). ونظراً لأن الله لا يلغي ولا ينسى وعداً من وعوده مهما طال عليه الزمن، اختار من ذرية إبراهيم في الوقت الذي استحسنه، فتاة، طهَّرها واصطفاها ليتجسّد منها ويبارك في نسلها كل أمم الأرض.
(4) فإذا تأملنا حياة المسيح على الأرض، وجدنا أنه وإن كان تجسّد من اليهود للسبب المذكور، إلا أنه كان متجرِّداً من الجنسية اليهودية، بل ومن الروابط العائلية التي هي من أقوى الروابط وأدقّها، فكل علاقاته كانت بين الله والناس بصفة عامة. فمثلاً عندما قيل له مرة: »أمك وإخوتك يطلبونك« أجابهم: »من أمي وإخوتي!« ثم نظر إلى المؤمنين الجالسين حوله وقال: »ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة الله، هو أخي وأختي وأمي«»طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما« أجابها »بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه« (لوقا 11:27). ولما اعترضته السامرية: »كيف تطلب مني ماء لتشرب، وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية، لأن اليهود لا يعاملون السامريين« (يوحنا 4:9) لم يتراجع عن الحديث معها ولم يوبخها، بل واصل حديثه معها ليخلّصها من الخطايا التي كانت غارقة فيها، ويقودها إلى حياة الطهر والعفاف. ولذلك قال الرسول: »إذاً نحن من الآن لا نعرف أحداً حسب الجسد. وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكن الآن لا نعرفه بعد (حسب الجسد). إذاً إن كان أحد (أي أحد بلا استثناء) في المسيح، فهو خليقة جديدة« (2كورنثوس 5:16 و17). (مرقس 3:35). ولما رفعت امرأة صوتها قائلة له:
قال المعترض: »أُضيفت الآيتان يوحنا 5:3 و4 في وقت لاحق. ونصُّهما: »في أورشليم عند باب الضأن بركة يقال لها بالعبرانية بيت حسدا، لها خمسة أروقة. في هذه كان مضطجعاً جمهور كثير من مرضى وعُمي وعُرج وعُسم، يتوقّعون تحريك الماء، لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البِرْكة ويحرّك الماء، فمَنْ نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه«.
وللرد نقول: (1) أصحاب هذا الاعتراض يقولون إن يوحنا البشير دوَّن إنجيله بعد خراب أورشليم، وكان لا بد أن تكون آثار هذه البِرْكة قد مُحيت.. ولكن لا يلزم من خراب أورشليم خراب هذه البركة، لأنه مع أن قائد جيوش تخريب أورشليم أمر بتخريب المدينة إلا أنه أذن بإبقاء بعض الأشياء لاستعمال جنوده، فحافظوا طبعاً على هذا الحمّام مع أروقته ليستظلوا فيه.. وقد سجَّل يوحنا أحداثاً تاريخية، فقد تمَّ شفاء المريض عندما كانت البِركة موجودة. ولا يهم إن كانت البِركة قد مُحيت وقت خراب أورشليم.
(2) ومع هذا فلا يزال موقع هذه البِرْكة موجوداً إلى يومنا هذا، وطولها 120 قدماً وعرضها 40، وعمقها ثمانية، وفي أحد أطرافها بقايا ثلاث أو أربع قبوات هي بقايا الأروقة، ويمكن النزول إليها بواسطة درجات.
قال المعترض: »قال المسيح في يوحنا 5:22 و27 إنه ديَّان العالم، بينما يقول بولس في 1كورنثوس 6:2 و3 إن القديسين سيدينون العالم. أليس في هذا تناقض؟«.
وللرد نقول: هل يوجد تناقض إن ذكرنا اسم القاضي فلان، ثم ذكرنا أن القضية نظرها محلَّفون أو مساعدو المستشار؟
اعتراض على يوحنا 5:28 و29 - قيامة، أو لا قيامة؟
انظر تعليقنا على جامعة 3:19 و20
قال المعترض: »ورد في يوحنا 5:31 قول المسيح »إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً« ولكنه قال في يوحنا 8:13 و14 »فقال له الفريسيون: أنت تشهد لنفسك. شهادتك ليست حقاً. أجاب يسوع: وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق«.
وللرد نقول: الكلام اللاحق لا ينافي السابق، فمعنى قوله في يوحنا 5:31: »إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً« أي لا تُقبل شرعاً، لأنها يجب أن تكون مصحوبة بشهادة شاهدين (تثنية 17:6). ولكنه يمضي فيقول إن شهادته لنفسه شهادة حق، لأن الآب شهد له (يوحنا 5:32 و37) وشهد له المعمدان (يوحنا 5:33) وشهدت له معجزاته (يوحنا 5:36) وشهدت له كتابات الأنبياء (يوحنا 5:39). ولا تناقض بين قوله في يوحنا 5:31 وقوله في يوحنا 8:14، لأن الذي يثبت صدق إرساليته مرة لا يجب أن يثبتها بعد ذلك كلما تكلم عنها. فيحقّ له أن يطلب تصديق دعواه بمجرد إعلان ذلك.
قال المعترض: »قال المسيح في يوحنا 5:37 إن الآب نفسه أرسله، وهذا برهان على أن الآب أعظم من المسيح، لأن المرسِل أعظم من الرسول«.
وللرد نقول: مجيء المسيح إلى العالم لا يعني أنه تحرك من مكان إلى مكان، لكنه يعني ظهوره في العالم بهيئة واضحة، لأن اللاهوت مُنَزَّه في ذاته عن التحيُّز بمكان، وعن الانتقال من مكان إلى مكان. ولم يكن مجيء الابن بإرادة الآب مستقلة عن إرادة الابن، بل كان بإرادتهما وإرادة الروح القدس معاً، فقد قال المسيح: »من عند الله خرجت« (يوحنا 16:27) أي بمحض إرادتي. وقال الرسول عنه (فيلبي 2:6 و7) »الذي إذ كان في صورة الله (أو الذي إذ كان كائناً في صورة الله)، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد«. أي أنه أخلى نفسه وأخذ صورة عبد بمحض إرادته. وعن مجيء المسيح بإرادة الآب والروح القدس معاً. قال له المجد على لسان إشعياء النبي سنة 700 ق م »والآن السيد الرب أرسلني وروحه« (إشعياء 48:16).
وبسبب وحدة جوهر الأقانيم الثلاثة لا يكون إرسال الآب للابن دلالة على وجود أي تفاوت بينهما، بل بالعكس يدل على توافقهما، وتوافق الروح القدس أيضاً معهما في الاهتمام بالبشر والعطف عليهم. أما السبب في ظهور الابن (أو مجيئه) دون الأقنومين الآخرين، فيرجع إلى أنه هو الذي يعلن الله ويظهره.
قال المعترض: »جاء في يوحنا 5:43 »أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني. إن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه«. وهذه نبوَّة عن نبي آخر يأتي بعد المسيح يقبله الناس«.
وللرد نقول: في هذه الآية يوبّخ المسيح اليهود على نقص محبتهم لله، فقد رفضوا المسيح الذي أرسله الآب وشهد له، مع أن المسيح عمل إرادة أبيه. وكانت المعجزات التي أجراها المسيح أكبر دليل على أنه جاء باسم الآب وسلطانه. ولم يكن المسيح مثل الأنبياء الكذبة الذين جاءوا باسم أنفسهم.
لقد وبّخ المسيح اليهود على ذنب ارتكبوه، ولا زال الناس يرتكبونه، فقد قبل اليهود الأنبياء الكذبة. وقال المؤرخ اليهودي يوسيفوس إن الأنبياء الكذبة جذبوا اليهود للصحاري بوعد أن يروا المعجزات، ففقد البعض عقولهم، وعاقب ولاة الرومان البعض. ويحدثنا أعمال 21:28 عن النبي المصري الكاذب الذي ضلّل اليهود. وقد قبل اليهود الأنبياء الكذبة لأنهم وعدوهم بمملكة أرضية.
لقد جاء الكذَبة باسم أنفسهم، قبل المسيح وبعد المسيح لم يجيئوا باسم الرب، بعكس المسيح الذي جاء من فوق باسم أبيه، ولذلك فإنه فوق الجميع. أما الباقون فمن الأرض، ومن الأرض يتكلمون (يوحنا 3:31). ويحذِّرنا المسيح من اتِّباع مثل هؤلاء الكذبة !
قال المعترض: »في الكتاب المقدس استعارات غامضة، كقول المسيح في يوحنا 6:55 »جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق«.
وللرد نقول: كلام المسيح واضح وبليغ، وقد قال في ذات الأصحاح: »أنا هو خبز الحياة« (يوحنا 6:48).فكما أن الخبز يعطي الحياة، كذلك يعطي المسيح الحياة الأبدية لكل من يؤمن به. وقد وضع المسيح قبل صلبه بعض إشارات محسوسة تشير إلى الفوائد التي منحها لنا موته، وهي الخبز والخمر. فوجه الشَّبه بين هذه العلامات وبين جسده ودمه هو:
(1) كما أن الخبز هو الجوهر الضروري لحفظ الحياة الطبيعية، لأنه لا يمكن لأحد أن يعيش بدونه، فكذلك لا شيء ألزم للإنسان من المسيح، خبز الحياة النازل من السماء. فكل من أكل منه (أي آمن به) يحيا إلى الأبد.
(2) كما أن الخبز يغذي الجسد ويقويه، فكذلك جسد المسيح المكسور على الصليب يغذي روح الإنسان.
(3) كما أن الخبز هو الغذاء العمومي للجميع، فكذلك الخلاص الذي أوجده المسيح بموته هو للكل.
(4) كما أن كل إنسان سليم يميل إلى الخبز، كذلك خبز الحياة النازل من السماء، فإن المؤمن سليم العقل يلتذّ به.
(5) كما أن الخبز لا يفيد الإنسان ما لم يستعمله، كذلك لا نستفيد من الفداء العظيم ما لم نؤمن به.
أما أوجه الشَّبه بين الخمر وبين دمه فهي:
(1) كما أنه يلزم عصر العنب لنحصل على النبيذ، كذلك سُحق المسيح، وسال دمه لترتوي أنفسنا به وتحيا.
(2) كما أن طبيعة الخمر مفرحة ومقوية، فكذلك دم المسيح مفرح ومقوٍ للنفس، فتقاوم مكائد إبليس.
(3) وفي النبيذ خاصية طبية، فكذلك دم المسيح هو الدواء المناسب للخطاة.
فوضع المسيح هذين العنصرين في العشاء الرباني لنخبر بموته إلى أن يجيء. وكان المسيحيون الأولون يعرفون المقصود بقول المسيح. والمسيح قال إن الكلام الذي أكلمكم به »هو روح وحياة«.
اعتراض على يوحنا 7:39 - بدء عمل الروح القدس
انظر تعليقنا على مزمور 51:11 ويوحنا 20:22
اعتراض على يوحنا 7:52 - لا شيء صالح من الناصرة
انظر تعليقنا على متى 2:23
قال المعترض: »ما ورد في يوحنا 8:1-11 من قصة المرأة التي أُمسكت في زنا« أُضيف إلى إنجيل يوحنا في وقت لاحق. هكذا قال هورن وغيره«.
وللرد نقول: قال هورن: »ارتاب البعض في صحة ما ورد بين يوحنا 7:53 و8:1-11. فقد جاء اليهود إلى المسيح بامرأة أُمسكت في زنا، وطلبوا منه أن يرجمها، فقال لهم: »من كان منكم بلا خطيئة فليرْمها أولاً بحجر«. ثم قال لها: »ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً«. فارتاب في صحة الحادثة فريق من المدققين لأنها لم ترِدْ في بعض النسخ القديمة، ولم يستشهد بها بعض آباء الكنيسة الذين فسَّروا إنجيل يوحنا. غير أن القصة موجودة في معظم النسخ المكتوبة بخط اليد. وقد أورد كريسباخ شواهد على صحتها من أكثر من ثمانين نسخة متداولة. فإذا لم تكن صحيحة فكيف ثبتت في هذه النسخ؟ ورأى المحققون أنها موجودة في 300 نسخة من النسخ المكتوبة بالحرف الدارج، بدون علامة أو إشارة تدل على الارتياب فيها. نعم لم توجد في أربع نسخ قديمة، غير أن هذه النسخ تنقصها بعض أوراق، ومنها الأوراق التي تشتمل على هذه القصة وغيرها. وقال إيرونيموس، الذي راجع الترجمة اللاتينية القديمة إنها موجودة في نسخ كثيرة يونانية ولاتينية.
ثم أنه ليس في هذه القصة ما ينافي صفات المسيح الطاهرة، بل بالعكس إنها توافق حِلْمه ووداعته ولطفه. وقد أكد أغسطينوس صحتها، وقال إن سبب حذف البعض لها هو خشيتهم من أن يظن البعض أن المسيح تساهل مع الخاطئة وسمح لها أن تذهب بلا عقاب.
ولكن واضحٌ أن المسيح أعلن أنه لم يأت ليدين العالم (يوحنا 3:17 و8:15 و12:47 ولوقا 12:14). وهذا ما فعله مع الخاطئة. ولو أنه عاقبها لكان هذا تخطياً للسلطة القضائية القائمة في وقته، الأمر الذي ينافي ما أظهره من طاعة أولياء الأمور.
ويتفق قول المسيح لشيوخ اليهود: »من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر« يتوافق مع قول الوحي »الكل قد زاغوا معاً. فسدوا. ليس من يعمل صلاحاً. ليس ولا واحد« (مزمور 14:3 ورومية 3:12).
وحسبما جاء في تثنية 17:6 كان يجب وجود شاهدين قبل رجم الزاني، يأخذ أولهما الحجر ويرمي به، إعلاناً للحاضرين ليتمموا العقاب. ولكن كل الشهود غادروا المكان لما سجَّل المسيح خطاياهم، فسقط الركن القانوني في القضية، فقال المسيح للمرأة: »ولا أنا أدينك« (يوحنا 8:11). ولو أن الركن الأخلاقي من القضية ظل باقياً، لأن الزانية الخاطئة محتاجة للتوبة، فقال المسيح لها: »اذهبي ولا تخطئي أيضاً« (يوحنا 8:11).
وقد قال هورن (ج1 ص 231): »ولا أرى وجهاً للشك في صحة هذه القصة، فقد ذُكرت بكيفية طبيعية، عليها مسحة الصحة«.
اعتراض على يوحنا 8:13 و14 - شهادة المسيح لنفسه
انظر تعليقنا على يوحنا 5:31
قال المعترض: »جاء في يوحنا 8:17 و18 »في ناموسكم مكتوب أن شهادة رجلين حق. أنا هو الشاهد لنفسي. ويشهد لي الآب الذي أرسلني«. هذا يناقض قوله »أنا والآب واحد« (يوحنا 10:30) «.
وللرد نقول: الله في المسيحية واحد ذو ثلاثة أقانيم. فالمسيح الكلمة المتجسد أقنوم متميِّز بذاته، لكنه واحد مع الآب في الجوهر.
يقول المعترض: »يدعو المسيح في يوحنا 10:8 الأنبياء الذين سبقوه سُرَّاقاً ولصوصاً. ولا نظن أن المسيح قال هذا، ولا بد أن هذه الأقوال أُضيفت في وقت لاحق«.
وللرد نقول: لم يقصد المسيح مطلقاً بهذه العبارة الأنبياء الذين سبقوه، بل قصد الذين لم يدخلوا من الباب، فبدأ حديثه بقوله: »إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارق ولص« (يوحنا 10:1). أما الأنبياء فقد دخلوا من الباب، وأرسلهم الآب السماوي.
والمسيح يقصد اللصوص الذين أتوا قبله بمدة بسيطة وأزاغوا شعباً، وذكرهم غمالائيل لما أُلقي القبض على رسل المسيح، وجيء بهم للمحاكمة أمام مجلس اليهود. فقال غمالائيل معلم الناموس المكرَّم عند الشعب لزملائه: »احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس فيما أنتم مزمعون أن تفعلوا، لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس، قائلاً عن نفسه إنه شيء، الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربعمائة، الذي قُتل. وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء. بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب وأزاغ وراءه شعباً غفيراً. فذاك أيضاً هلك، وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا. والآن أقول لكم تنحّوا عن هؤلاء الناس واتركوهم. لأنه إن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض. وإن كان من الله، فلا تقدرون أن تنقضوه، لئلا توجدوا محاربين لله« (أعمال 5:34-39).
عن أمثال ثوداس ويهوذا الجليلي قال السيد المسيح إنهم سُرَّاق ولصوص. هؤلاء الذين أتوا قبله، وظنوا في أنفسهم أنهم شيء، وأزاغوا وراءهم شعباً غفيراً، ثم تبددوا.. ويمكن أن نضم إلى هؤلاء المعلمين الكذبة الذين أتعبوا الناس بتعاليمهم وسمّاهم المسيح بالقادة العميان، الذين أخذوا مفاتيح الملكوت، فما دخلوا، ولا جعلوا الداخلين يدخلون ( متى 23:13-15).
قال المعترض: »نقرأ في يوحنا 10:11 تشبيه المسيح لنفسه بأنه الراعي الصالح، ولكننا نقرأ أنه الحمل في أعمال 8:32 ورؤيا 7:14. فكيف يكون الراعي والرعية؟«.
وللرد نقول: المسيح هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم، وقد قدَّم نفسه فدية عن كثيرين، وهو الراعي الصالح للمؤمنين به، فقال داود عنه: »الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء« (مزمور 23:1)، فهو حمل الله وراعي رعية الله. هو الرسالة والرسول، وهو الكلمة والمتكلم.
انظر تعليقنا على يوحنا 1:29.
قال المعترض: »جاء في يوحنا 10:15 أن المسيح مات لأجل أحبائه وخرافه، وتكررت الفكرة نفسها في يوحنا 15:13. ولكن في رومية 5:8 و10 يقول إنه مات لأجل أعدائه«.
وللرد نقول: هم قبل الإيمان به أعداؤه، ولكن عندما يؤمنون به يصبحون أحباءه. فهو مات لأجل جميع أعدائه، وحالما يقبلون خلاصه يتحوّلون إلى أصدقاء. الحب للجميع، والخلاص لمن يقبلون حبّه لهم.

 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
قال المعترض: »جاء في يوحنا 10:28-30 قول المسيح عن أتباعه: »وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد«. وهذا معناه أن المؤمن لا يرتد لأن الله يحفظه. ولكن رسالة العبرانيين تعلّم أن المؤمن يرتد، ففي العبرانيين 6:4-6 يقول: »لأن الذين استُنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي، وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانيةً ويشهّرونه . فكيف نوفّق بين الفكرتين؟ هل يهلك المؤمن ويرتد، أم هل يستحيل أن يرتد؟!«.
وللرد نقول: لا يوجد تناقض. فقط نحتاج أن نعرِّف كلمة »المؤمن«. فالمؤمن الحقيقي لا يرتد أبداً والمسيح يحفظه، لكن المؤمن الظاهري هو الذي يرتدّ. والله وحده يميّز المؤمن الحقيقي من المؤمن المزيّف، كما أن الشخص يعرف نفسه، بالروح القدس الساكن فيه (رومية 8:16).
في مثل الزارع (متى 13:1-23 ومرقس 4:1-20) نرى تفسير هذا كله. هناك أربعة أنواع من التربة: الطريق، وهو الخاطئ الذي رفض أن يسمع كلمة الله، فلم يذقها. وهناك الأرض المحجرة، والأرض التي ينمو فيها الشوك. وهذان النوعان من الأرض ذاقا كلمة الله التي هي البذار، ونمت فيهما، فصاروا شركاء الروح القدس. لكن الكلمة اختنقت وماتت فيهما. هذا هو الإيمان المؤقّت المزيّف المظهري! وهناك الأرض الجيدة التي قبلت البذار وجاءت بالثمر.. فالمؤمن الذي من نوع الأرض الجيدة لا يرتد ولا يهلك، والآب يحفظه. والمؤمن الذي من نوع الأرض الحجرية أو ذات الشوك يهلك.
قال المعترض: »قال المسيح في يوحنا 10:30 »أنا والآب واحد«. وهذا يعني أن المسيح متوافق مع الآب، ولكنه لا يعني أنه واحد مع الآب في الجوهر، فقد قال المسيح في يوحنا 17:11 عن تلاميذه، مخاطباً الآب: »ليكونوا واحداً كما نحن«. وقصد بذلك الوحدة في المحبة والوفاق«.
وللرد نقول: المُشبَّه لا يكون مثل المشبَّه به من كل الوجوه، فإذا قلنا مثلاً عن إنسان إنه أسد فليس معنى ذلك أنه أسد حقيقي، بل معناه أنه يشبه الأسد في الشجاعة. صحيح أن علاقة المسيح بالتلاميذ تشبه علاقته بالآب، لكنها ليست ذات علاقته بالآب. إنها تشبهها في بعض الأوجه فقط. وعندما قال المسيح: »أنا والآب واحد« أراد رؤساء اليهود أن يرجموه، فأجابهم: »أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي، بسبب أي عمل منها ترجمونني؟« فأجابوه: »لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف. فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً«. وبسبب هذه الشهادة عن نفسه طلبوا أن يقتلوه (يوحنا 10:31-39). وعندما قال له فيلبس: »يا سيد أرِنا الآب وكفانا« أجابه: »الذي رآني فقد رأى الآب. فكيف تقول أنت أرنا الآب؟ ألست تؤمن أني في الآب والآب فيَّ؟« (يوحنا 14:9 و10). ومن هذا يتضح لنا أنه لا يقصد بوحدته مع الآب مجرد التوافق معه، بل وحدته معه في الجوهر أو الذاتية.
أما الوحدة التي أراد المسيح أن تكون بين تلاميذه، فهي الوحدانية في الروح (أفسس 4:3) لأنهم جميعاً سُقوا روحاً واحداً (1كورنثوس 12:13)، وعليهم أن يفتكروا فكراً واحداً (فيلبي 2:2) وأن يعيشوا معاً كشخص واحد في المحبة والوفاق.
اعتراض على يوحنا 10:34 - أنكم آلهة
انظر تعليقنا على مزمور 82:6
قال المعترض: »ورد في يوحنا 11:49-52 »فقال لهم واحد منهم، وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تفكرون أنه خيرٌ لنا أن يموت إنسانٌ واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقُل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمعٌ أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد«. وهنا ثلاثة أخطاء: (1) هذا الكلام يعني أن رئيس كهنة اليهود نبي. (2) قوله »يموت عن الأمة« يعني أن يكون موت المسيح كفارة عن اليهود فقط لا عن العالم، وهو خلاف ما يزعمه المسيحيون. (3) كيف يعتبر يوحنا قيافا نبياً وهو الذي كان رئيس الكهنة حين أسر المسيح وأفتى بقتله ورضي بضربه كما في متى 26:57-67«.
وللرد نقول: عندما قال قيافا إن المسيح يجب أن يموت عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها، كان يعلن فتوى سياسية صادقة وبعيدة النظر، فقد رأى شعبه يلتفُّ حول المسيح صانع المعجزات، فأدرك ببصيرته السياسية أن الرومان سينزعجون ولا بد يهاجمون الأمة كلها. فكان موت المسيح خيراً من هلاك الشعب كله.. وقد حلَّل يوحنا كلمات قيافا بمعنى أن الله يحوّل شر الأشرار إلى خير، فقد تنبأ قيافا سياسياً بما أراده الله روحياً. وهو كرئيس كهنة نطق دون أن يقصد بما أراده الله أن يتم، وجعل الله لكلماته معنى غير الذي قصده، وهو أن موت المسيح يفدي العالم.. لم يكن قيافا نبياً حقيقياً، ولم يلهمه الله أن يتنبأ، وهو نفسه لم يعرف أن ما قاله نبوَّة، لكن البشير يوحنا أطلق على ما قاله قيافا »نبوَّة« لأن ما قاله تحقق بقصد الله وتعيينه.
اعتراض على يوحنا 12:1 - رحلات المسيح
انظر تعليقنا على متى 19 و21
اعتراض على يوحنا 12:3-8 - قارورة الطيب
انظر تعليقنا على متى 26:7-13
اعتراض على يوحنا 12:12-19 - أتان واحد أم أتانان؟
انظر تعليقنا على متى 21:2
قال المعترض: »كيف يقول المسيح: »وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع« (يوحنا 12:32) مع أن ملايين البشر يرفضونه أو يقفون منه موقفاً مائعاً، أو لم تصلهم رسالة عنه بعد؟«.
وللرد نقول: المقصود من قوله »الجميع« جميع من يقبلون خلاص المسيح من كل الأمم وفي كل العصور. وقد جاء قول المسيح هذا جواباً على طلب اليونانيين أن يروه بسبب سرورهم من تعليمه (يوحنا 12:20). فأعلن المسيح أنه سيجذب إليه كل من يقبل جاذبية محبته، لا لأنه معلم صالح أو قدوة حسنة فقط، بل لأنه الفادي الذي يرتفع على الصليب. وعلى هذا فإن جاذبية محبة المسيح الذي مات لأجل أحبائه هي التي تشدّنا إليه. وهو كحبة الحنطة التي دُفنت وقامت وأتت بثمر كثير.. على أننا نؤمن أنه في اليوم الأخير ستجثو كل ركبة للمسيح (فيلبي 2:10)
اعتراض على يوحنا 13:21-27 - واحد منكم يسلمني
انظر متى 26:21-25
اعتراض على يوحنا 13:27 - متى دخل الشيطان يهوذا؟
انظر تعليقنا على لوقا 22:3 و4 و7
قال المعترض: »جاء في يوحنا 14:16 و17 و26 »وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه. أما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم ويكون فيكم.. وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلتُه لكم« فمن هو هذا المعزّي؟«.
وللرد نقول: (1) »المعزي« وفي اليونانية »بارقليط« تعني »المؤيِّد« أو »الوكيل«. وهما لقبان لا يصح إسنادهما إلى مخلوق، لأنهما من ألقاب الله.
(2) لم تُستعمل كلمة البارقليط »المعزّي« في أسفار العهد الجديد إلا للدلالة على الروح القدس (يوحنا 14:16 و17:26 و15:26 و16:13). وجاءت أيضاً للتلميح إلى المسيح (يوحنا 14:16 و1يوحنا 2:1).
(3) لا يمكن أن يكون البارقليط (حسبما ورد في هذه الآيات) إنساناً ذا روح وجسد، بل هو روح محض غير منظور، روح الحق الذي عندما قال المسيح عنه إنه يأتي، كان (أي الروح) حينئذ ماكثاً مع التلاميذ، ويكون فيهم أي داخلهم (يوحنا 14:17 و16:14).
(4) إن الذي يرسل »البارقليط« هو المسيح (يوحنا 15:26 و16:17).
(5) عمل الروح القدس أن يبكت على الخطية، وجوهر الخطية عدم الإيمان بالمسيح (يوحنا 16:9).
(6) قيل عن الروح القدس إنه متى جاء يمجد المسيح ولا يمجد نفسه، لأنه يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يوحنا 16:14 و15).
(7) قيل عن البارقليط إنه سيسكن في قلوب المسيحيين الحقيقيين (يوحنا 16:14 قابل 1كورنثوس 6:19 ورومية 8:9).
(8) وعد المسيح أن الروح القدس يجب أن ينزل من السماء على التلاميذ بعد صعوده بأيام قليلة (يوحنا 14:26) وأمرهم أن لا يباشروا خدماتهم كرسل حتى يحل عليهم الروح القدس (متى 28:19 و20 وأعمال 1:25). وبناءً على أمره مكثوا في أورشليم إلى أن تم هذا الوعد (انظر لوقا 24:49 وأعمال 1:4 و8 و2:1-36). فهل نظن أنه طالب تلاميذه بالانتظار، دون أن يمارسوا أي عمل حتى يجيء نبيٌّ بعده؟ هذا محال.. فالنبوَّة هنا تشير إلى ما حدث يوم الخمسين بعد صعود المسيح بأيام قليلة (انظر أعمال 2). ومن بعد ذلك الوقت نال رسل المسيح قوة فائقة وحكمة واسعة وجالوا يكرزون بالإنجيل في الأرض كلها.
قال المعترض: »قال المسيح في يوحنا 14:28 »أبي أعظم منّي«. ولكن قال بولس في فيلبي 2:6 »لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله« فيقول الكتاب إن المسيح معادل لله، ويقول أيضاً إنه دون الآب. وهذا تناقض!«.
وللرد نقول: لا تزعج هذه التهمة الباطلة مؤمناً له إلمام بالكتاب. فالأسفار المقدسة تُري جلياً اتفاق هذين القولين، لأن للمسيح طبيعتين، طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية، فهو المعادل للآب، حسب القول: »الكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيدٍ من الآب، مملوءاً نعمة وحقاً« (يوحنا 1:14). أما الطبيعة الإنسانية فيه فيُقال عنها: »يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح«. (1تيموثاوس 2:5). وعندما نأتي بهاتين الآيتين إلى نور الكتاب البهي الساطع لا نرى أثراً للتناقض بينهما.
إذاً لم يقصد المسيح أن الآب أعظم منه في الطبيعة، فإن كليهما متساويان، لكنه قصد أنه أعظم منه في الحال التي تكلم فيها بهذا الكلام، وهي حال اتّضاعه وآلامه بسبب أنه فادي الخطاة. وفي هذه الحال يقول يوحنا: »الكلمة صار جسداً« (يوحنا 1:14) ويقول بولس إنه »أخلى نفسه آخذاً صورة عبد« (فيلبي 2:7). ويقول مفسرو المسيحية إن الآب أرسل الابن ليقدم للبشر كل وسائل الخلاص، فكان أعظم من الابن في الوظيفة. لكن هذه العظمة الوظيفية مؤقَّتة (راجع فيلبي 2:9-11). وقد قال المسيح للتلاميذ في ذات المكان الذي اقتبس المعترض منه: »لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب، لأن أبي أعظم مني«. فكان على التلاميذ أن يفرحوا بذهابه عنهم، لأنه بذلك يرجع (بعد اتضاعه كعبد مدة 33 سنة) إلى حال العظمة والمجد التي كانت له مع الآب. وعند رجوعه يحل الروح القدس على التلاميذ ويبدأ التبشير بالمسيح بنجاح عظيم (يوحنا 16:7-10).
لا تناقض هنا، فما قيل في يوحنا قيل أيضاً في فيلبي وصفاً لتواضع المسيح المؤقت الذي يهدف إلى أداء مهمة معينة.
قال المعترض: »جاء في يوحنا 14:30 قول المسيح »لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء«»رئيس هذا العالم«؟«. فمن هو
وللرد نقول: يظهر من سياق الكلام والقرينة أن المسيح لم يقصد برئيس العالم هنا نبياً ولا رسولاً. بل قصد إبليس، بدليل قوله »ليس له فيَّ شيء« فإن هذه العبارة لا تشير إلى حبيبٍ مُوالٍ كشأن النبي إلى زميله النبي، بل إلى عدوٍّ مقاوم يبغض المسيح، قال المسيح عنه: »الآن دينونة هذا العالم. الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً« (يوحنا 12:31) وقال الرسول بولس: »الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح« (2كورنثوس 4:4) ودُعي إبليس: »رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية« (أفسس 2:2 و6:11 و12).
قال المعترض: »جاء في يوحنا 15:15 قول المسيح لتلاميذه: »أعلمتُكم بكل ما سمعته من أبي«. ولكنه يقول لهم في 16:12 »إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن«.
وللرد نقول: قصد المسيح بقوله: »كل ما سمعته من أبي« ما يجب أن يُقال للتلاميذ في ذلك الوقت بالذات. أما قوله »لي أمور كثيرة أيضاً فالمقصود بها أن هناك أموراً كثيرة سيعلّمها لهم بعد قيامته، يلقِّنها لهم الروح القدس (قارن لوقا 24:27 وأعمال 1:8).
قال المعترض: »قال المسيح في يوحنا 15:26 إن الروح القدس ينبثق من الآب. وهذا يعني أن الآب كان موجوداً قبل الروح القدس، وهذا يناقض القول إن الروح القدس هو الأقنوم الثالث في اللاهوت، كما يناقض القول إنه واحد مع الآب في الأزلية«.
وللرد نقول: انبثاق الروح القدس من الآب لا يعني أنه منفصل عنه أو صادر منه، لأن الآية الخاصة بانبثاق الروح القدس تقول: »روح الحق الذي من عند الآب ينبثق« . وشتان بين الانبثاق من الآب والانبثاق من عند الآب. فالروح القدس موجود مع الآب، ثم انبثق أو خرج (أو بالأحرى ظهر) من عنده من تلقاء ذاته.
ولا يُقصد بالعبارة »من عند الآب« مكان ما، لأن اللاهوت منزَّه عن المكان والزمان، بل يُقصد بها التعبير باللغة التي نفهمها، على أن الروح القدس أقنوم خاص، وأنه كان مع الآب قبل حلوله على المؤمنين. ولذلك نرى أن العبارة »من عند الآب« هي بعينها التي استُعملت في آيةٍ أخرى للدلالة على وجود أقنوم الابن مع الآب قبل ظهوره في العالم، فقد قال المسيح: »خرجتُ (أو ظهرت) من عند الآب« (يوحنا 16:28 و17:8).
ونلاحظ أن الفعل »ينبثق« مبني للمعلوم وليس للمجهول، وهذا دليل آخر على أن الآب لم يُخرج الروح القدس من ذاته، بل أن الروح القدس هو الذي خرج أو ظهر من تلقاء ذاته. وهذا يبرهن أنه لم يكن جزءاً من الآب، وأخرجه الآب من ذاته، بل أنه كان معه أزلاً.
فإذا رجعنا إلى اللغة الإنكليزية مثلاً، وجدنا أنها لا تعبر عن »من عند« في هذه الآية بـ (Out Of) مثلاً. التي تدل على الانتقال من الداخل إلى الخارج، بل يعبر عنها بـ (From) أي »من عنده«. وهذا دليل على أن الروح القدس ليس منبثقاً من الآب بمعنى أنه خارج من ذاته، بل بمعنى أنه خارج (أو ظاهر) من عنده، الأمر الذي يدل على أنه كان بأقنوميته معه، قبل حلوله على المؤمنين.
انظر تعليقنا على يوحنا 17:3
اعتراض على يوحنا 16:33 - في العالم سيكون لكم ضيق
انظر تعليقنا على مزمور 112:1-3
قال المعترض: »قال المسيح في يوحنا 17:3 »هذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته«. وهذا يعني أن المسيح ليس هو الله«.
وللرد نقول: خاطب المسيح الآب بقوله: »أنت الإله الحقيقي وحدك« ليس بوصفه ابن الله، بل بوصفه ابن الإنسان. وقوله هذا هو عين الصدق والصواب، لأنه ليس هناك إلا إله واحد، وهو الله أو اللاهوت. والله أو اللاهوت لا يُدرَك في ذاته بل يُدرك في تعيُّنه، وتعيّنه هو الآب والابن والروح القدس. ونظراً لأن اللاهوت واحد ووحيد ولا يتجزّأ أو يتفكك على الإطلاق، فكل أقنوم من الأقانيم (إن جاز هذا التعبير) قائم بكل ملء اللاهوت، وإذاً فكل منهم هو الإله الحقيقي. فالآب هو الإله الحقيقي، والابن هو الإله الحقيقي، والروح القدس هو الإله الحقيقي، وكلهم الإله الحقيقي. ولذلك أعلن الكتاب المقدس أن الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله.
وخاطب المسيح الآب »الإله الحقيقي« بالمفارقة مع »الإله الخيالي« أو »الله المحاط بالغموض والإبهام« الذي كان في عقول اليهود وعقول الفلاسفة الذين كانوا يقولون إنهم يؤمنون بالله. لأن الذي لا يعرف الله كالآب الذي يحب المؤمنين به كما يحب الآب أبناءه، يظل الله بالنسبة له كائناً خيالياً محاطاً بالغموض والإبهام.
ومما يدل على وحدة الأقانيم في اللاهوت، وعدم وجود أي تمايز بين أحدهم والآخر من جهته، أن المسيح أعلن أن الحياة الأبدية ليست متوقِّفة على معرفة الآب على انفراد، بل على معرفته بالارتباط مع معرفته هو (أي معرفة المسيح) . فقد قال: »وهذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته«. وهذا ما يتفق مع الحقائق الإلهية الخاصة بوحدة الابن مع الآب في اللاهوت، لأن الحياة الأبدية هي في معرفة الله، ولا يمكن معرفة الله إلا في المسيح »لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح« (2كورنثوس 4:6).
وقد تبدو هذه الحقيقة ضد العقل، لكنها في الواقع ليست ضده، بل أسمى من إدراكه، إذ أنها تتفق مع خصائص ذات الله. لأن وحدانيته جامعة، وجامعيتها أقانيم. والأقانيم وإن كان أحدهم غير الآخر إلا أنهم واحد في اللاهوت، واللاهوت لا يتجزأ أو يتفكك على الإطلاق.
إن الحياة الأبدية هي بمعرفة الله، لأنه مصدر الحياة، بل هو الحياة عينها. ولما كان الله هو الآب والابن والروح القدس، فقد أعلن الوحي أن الآب هو الحياة الأبدية (1يوحنا 5:20). وأن الابن هو الحياة الأبدية (1يوحنا 1:2) وأن الروح القدس هو روح الحياة (رومية 8:2).
ولا يعني إرسال الآب للابن أن الآب أفضل من الابن، بل معناه اتحاده معه في العطف على البشر. وكل ما في الأمر أن »الابن« لكونه المعلِن للاهوت منذ الأزل، هو وحده الذي يقوم بإعلانه للبشر.
قال المعترض: »قال المسيح في يوحنا 17:9 »من أجلهم أنا أسأل. لست أسأل من أجل العالم، بل من أجل الذين أعطيتني، لأنهم لك«. وهذا يعني أنه ليس شفيع العالم، مع أن 1يوحنا 2:1 و2 يقول: »إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة.. لخطايا كل العالم«.
وللرد نقول: المسيح شفيع العالم، وهو مخلِّص الجميع. ولكنه في يوحنا 17 كان يصلي صلاة خاصة، ففي آيات 1-5 صلى لأجل خدمته، وفي 6-19 صلى لأجل تلاميذه، وفي آيات 20-26 صلى لأجل المؤمنين به في كل عصر.
اعتراض على يوحنا 18:2-8 - رجعوا إلى الوراء وسقطوا
انظر تعليقنا على متى 26:48-50
اعتراضات على يوحنا 18:16 و17 - إنكار بطرس
انظر تعليقنا على متى 26:69-75
اعتراض على يوحنا 19:14 - موعد الظلمة
انظر تعليقنا على مرقس 15:25
اعتراض على يوحنا 19:16 و17 - سمعان حمل صليبه
انظر تعليقنا على لوقا 23:26
اعتراض على يوحنا 19:19 - عنوان الصليب
انظر تعليقنا على متى 27:37
اعتراض على يوحنا 19:28-30 - ماذا شرب المسيح؟
انظر تعليقنا على متى 27:34
اعتراضات على يوحنا 20:1-18 - قصة القيامة
انظر تعليقنا على متى 28:1-15
قال المعترض: »يدل قول المسيح لتلاميذه: »إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم« (يوحنا 20:17) وقوله: »إلهي إلهي، لماذا تركتني؟« (متى 27:46) أنه كان واحداً من البشر لا أكثر ولا أقل«.
وللرد نقول: المسيح هو أحد أقانيم اللاهوت، لكن بتجسّده من جنسنا أصبحت له طبيعتان كاملتان، هما اللاهوت والناسوت. هاتان الطبيعتان متحدتان كل الاتحاد. فمن حيث اللاهوت كان ولا يزال وسيظل إلى الأبد هو الله بعينه. فمكتوب أنه فيه »يحل كل ملء اللاهوت جسدياً« (كولوسي 2:9). وأنه »الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد« (رومية 9:5). أما من حيث الناسوت فكان كأحد الناس، ولذلك كان يدعو الله من هذه الناحية أباً وإلهاً له. لكنه كان خالياً من الخطية خلواً تاماً، الأمر الذي لا يتوافر في أي إنسان. وتُثبت القرينة صدق هذه الحقيقة، فإذا رجعنا إلى يوحنا 20:17 وجدنا المسيح يقول إن الله أبوه وإلهه، بمناسبة إعلانه عن عودته إليه، بعد إتمام مهمة الفداء التي جاء للعالم للقيام بها لأجلنا، بوصفه ابن الإنسان.
وإذا رجعنا إلى متى 27:46 وجدنا المسيح يدعو الله إلهاً له، عندما كان معلَّقاً على الصليب كفارة عن الإنسان. وكان قد سمح أن يُعلَّق عليه لهذا الغرض بوصفه »ابن الإنسان«. كما أن قوله بعد ذلك لله: »لماذا تركتني؟« يدل على أنه لم ينطق به كابن الله، لأنه من هذه الناحية واحد مع الآب والروح القدس في اللاهوت، ولا انفصال له عنهما على الإطلاق. لكن هناك حالة واحدة يصح أن يُترك فيها من الله، وهي حالة وجوده كابن الإنسان للقيام بالتكفير عن الناس، لأن المكفِّر يجب أن يضع نفسه موضع الذين يكفِّر عنهم من كل الوجوه، حتى تكون كفارته حقيقية وقانونية. ولما كان كل الناس خطاة، ويستحقون الترك من الله إلى الأبد، سمح المسيح أن يُعتبر أثيماً، وأن يُترك من الله عوضاً عنهم، وأن يحتمل كل ما يستحقونه من قصاص، حتى يصيروا أبراراً، ولهم حق الاقتراب من الله، والتمتع به، إن هم قبلوا كفارته، وسلّموا حياتهم له تسليماً كاملاً.
قال المعترض: »جاء في يوحنا 20:22 »ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس«. وهذا يناقض ما جاء في أعمال 2:1 و4 »ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة، وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا«.
وللرد نقول: الذي يرى تناقضاً بين هذين القولين يُظهِر افتقاره العظيم إلى النظر الروحي، فقبل الصلب وعد المسيح تلاميذه أن يرسل إليهم الروح القدس (يوحنا 14:15-17) وبعد القيامة نفخ فيهم ليقبلوا الروح القدس (يوحنا 20:22). ثم تحقق وعده عندما انسكب الروح القدس يوم الخمسين بطريقة خاصة، ومنذ ذلك الحين سكن في قلوب جميع المؤمنين الحقيقيين في كل العصور. فيمكننا إذاً أن نقول إن كل مسيحي حقيقي فيه الروح القدس. وقد صدق من قال إنه في تاريخ الكنيسة لم ينسكب الروح القدس إلا مرة واحدة، في بدء تاريخها. ولكن هذا ليس معناه أن الروح القدس لم يكن في العالم ولم يكن عاملاً في قلوب شعب الله القديم قبل يوم الخمسين.
ونجد في الكتاب المقدس إعلانات تدريجية عن عمله، ففي العهد القديم كان يحل على من شاء أن يحل عليه، ولم يكن هذا متوقِّفاً على حالة الإنسان، فقد حل مثلاً على شاول أول ملوك إسرائيل (1صموئيل 10:6)، وعلى بلعام النبي الكذاب الذي نطق بنبوَّة من عند الرب رغم إرادته (عدد 24:15 و16). ثم إن يوحنا المعمدان وُلد من بطن أمه مملوءاً من الروح القدس (لوقا 1:15). وتمّت كل أعمال الرسل السابقة ليوم الخمسين بقوة الروح القدس فيهم. وعلّم المسيح تلاميذه أثناء وجوده معهم على الأرض أنه يمكن نوال الروح القدس بالصلاة إلى الآب، ووعدهم أن يطلب من الآب فيعطيهم المعزّي. وأمرهم أن لا يبدأوا خدمتهم إلى أن يحل عليهم الروح القدس وعلى مجموع المؤمنين.
وبعد يوم الخمسين، وفي الفترة التي فيها كانت الكرازة بالإنجيل لليهود فقط، كان الروح القدس يُعطَى لمن يؤمن منهم عن طريق وضع اليد فقط. ولما فتح بطرس باب الملكوت للأمم كان الروح القدس يُعطى بلا تأخير لكل من يؤمن، ولم يلزم للحصول عليه إلا الإيمان. ولا يخفى أن كل مؤمن حقيقي هو مولود من الروح، ومختوم بالروح وساكن فيه الروح، جاعلاً إياه هيكلاً للروح. فالعهد الجديد يفرِّق بين نوال الروح القدس، الأمر الذي يتم مبدئياً لكل المؤمنين، وبين الامتلاء من الروح الذي هو امتياز وواجب كل مؤمن. فالمؤمن يتعمَّد بالروح مرة، ولكنه يمتلئ منه مراراً. فلا تناقض إذاً بين إعطاء المسيح الروح القدس للتلاميذ قبل صعوده، وبين حلول الروح القدس عليهم في يوم الخمسين.
قال المعترض: »يعترف الإنجيل بعدم كماله، كما جاء في يوحنا 20:30 »وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تُكتَب في هذا الكتاب« وجاء في يوحنا 21:25 »وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع، إن كُتبت واحدة واحدة فلستُ أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة«.
وللرد نقول: تقول هاتان الآيتان إن بعض معجزات المسيح لم تُكتب في إنجيل يوحنا، وإن ما فعله المسيح لا تكفيه المجلدات ليُسجَّل كله، لأن المسيح قام بمعجزات كثيرة جداً. ولكن ما أورده البشير كافٍ لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه« (يوحنا 20:31).
انظر تعليقنا على مرقس 7:32.
اعتراض على يوحنا 21:17 - معرفة المسيح المطلقة
انظر تعليقنا على مرقس 13:32
قال المعترض: »لم يثبت بالسند الكامل أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا من تأليفه، فإن يوحنا 21:24 يقول »هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق« فانتقل في هذه الآية من الحديث بصيغة الغائب إلى الحديث بصيغة المتكلم، فيكون أن الكاتب شخصٌ آخر غير يوحنا، وأن الكاتب الحقيقي وجد شيئاً من كتابات يوحنا، فنقل عنه بزيادة ونقصان«.
وللرد نقول: انتقال المؤلف من الغائب إلى المتكلم هو من أساليب الكلام الفصيح ويُسمَّى »الالتفات« وهو الانتقال من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب. قال السكاكي: »أما ذلك فله فوائد، منها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال، لما جُبلت عليه النفوس من حب التنقّلات والسآمة من الاستمرار على منوال واحد«.
فيوحنا الإنجيلي ختم إنجيله بأن تكلم عن نفسه بصيغة الغائب بأن قال: »هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا«. ثم أكد كلامه بقوله: »ونعلم أن شهادته حق«.
اعتراض على يوحنا 21:25 - مبالغة؟
انظر تعليقنا على مرقس 7:32

 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول أعمال الرسل
قال المعترض: »يقول أعمال الرسل 1:15 إنه بعد صعود المسيح لم يكن هناك إلا 120 مؤمناً بالمسيح، بينما يقول 1كورنثوس 15:6 إن المسيح ظهر لأكثر من خمسمائة أخ بعد قيامته. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: لا تناقض مطلقاً، فإن سفر الأعمال لا يقول إن عدد المؤمنين كان 120 فقط، ولكنه يقول إن 120 مؤمناً كانوا حاضرين اجتماعاً ذات يوم في أورشليم. أما الخمسمائة فقد التقوا في الجليل (متى 28:7) حيث قام المسيح بالكثير من المعجزات، وحيث كان كثيرون مؤمنين به.. فهل إن قلت إني التقيت بمئة وعشرين شخصاً في دمشق، والتقيت بخمسمائة شخص في القاهرة أكون صاحب قول متناقض؟!
اعتراض على أعمال 1:18 - كيف مات يهوذا
انظر تعليقنا على متى 27:3 و5
اعتراض على أعمال 2:1-4 - متى انسكب الروح القدس
انظر تعليقنا على يوحنا 20:22
قال المعترض: »جاء في أعمال 2:16-21 اقتباس من يوئيل 2:28-32، وذلك في عظة الرسول بطرس يوم الخمسين. ولكن هناك أمور وردت في نبوَّة يوئيل لم تتحقق في يوم الخمسين، مثل »وأُعطي عجائب في السماء والأرض: دماً وناراً وأعمدة دخان. تتحوَّل الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم«.
وللرد نقول: ما أراده بطرس باقتباسه من نبوَّة يوئيل أن يقول إن بعض هذه النبوَّة قد تحقق يوم الخمسين، وهو سكب روح الله على كل بشر، وهذا لأول مرة في تاريخ البشر. كما أن بقية النبوَّة بدأ يتحقق أيضاً، فإن الله الذي كلَّم الآباء بالأنبياء قديماً قد تكلم في الأيام الأخيرة في المسيح كلمته المتجسد، »شاهداً الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس« (عبرانيين 1:1 و2 و2:4). وستتحقق العجائب في السماء والأرض قبل أن يجيء يوم الرب العظيم، وهو يوم مجيء المسيح ثانية (متى 24).
قال المعترض: »جاء في عظة بطرس يوم الخمسين أن المسيح »رجل« (أعمال 2:22). وهذا يعني أنه ليس الله«.
وللرد نقول: المسيح إله كامل وإنسان كامل. هو ابن الله وابن الإنسان. قال عنه بطرس إنه رجل لأنه ابن الإنسان. ولأنه الله قال عنه الرسول بولس: »الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد« (رومية 9:5) وإنه الله الظاهر في الجسد (1تيموثاوس 3:16).
قال المعترض: »تختلف أربع آيات من أعمال 2:25-28 مع أربع آيات من مزمور 16:8-11، فسفر الأعمال يقول: »لأن داود يقول فيه كنت أرى الرب أمامي في كل حين، إنه عن يميني لكي لا أتزعزع. لذلك سُرّ قلبي وتهلل لساني. حتى جسدي أيضاً سيسكن على رجاء. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، ولا تدع قدوسك يرى فساداً. عرَّفتني سبُل الحياة، وستملأني سروراً مع وجهك«. بينما يقول مزمور 16 »جعلتُ الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا أتزعزع. لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي. جسدي أيضاً يسكن مطمئناً، لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيَّك يرى فساداً. تعرّفني سبُل الحياة. أمامك شِبع سرور في يمينك نعم إلى الأبد«.
وللرد نقول: نُقل مزمور 16 من العبرية إلى اليونانية في »الترجمة السبعينية« وهي الترجمة التي اقتبس منها سفر الأعمال. أما مزمور 16 فقد نقله المترجم من العبرية إلى العربية مباشرة، وهو ما جاء اقتباسه في المزامير. ولا خلاف في المعنى مطلقاً، كما يتضح لمن يقرأ النصَّين.
انظر تعليقنا على أعمال 15:16 و17.
قال المعترض: »ورد في أعمال 7:14 »فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته، 75 نفساً«. وهذه العبارة تدل على أن يوسف وابنيه (الذين كانوا في مصر قبل الاستدعاء) لا يدخلون في عدد 75. ولكن جاء في التكوين 46:27 »جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون«. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: كان يجب على المعترض أن يذكر آيتي التكوين 46:26 و27 ليظهر المعنى، ونصها: »جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صلبه، ما عدا نساء بني يعقوب، جميع النفوس 66 نفساً. وابنا يوسف اللذان وُلدا في مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلى مصر سبعون«. أما هؤلاء الستة والستون فهم: 12 أولاد يعقوب (11 ولداً وابنة)، 4 أولاد رأوبين، 6 أولاد شمعون، 3 أولاد لاوي، 5 أولاد يهوذا الثلاثة وحفيداه، 4 أولاد يساكر، 3 أولاد زبولون، 7 أولاد جاد، 7 أولاد أشير وابنته وحفيداه، ابنٌ واحد لدان، 4 أولاد نفتالي، 10 أولاد بنيامين. فالمجموع 66.. والآية تقول إنهم 66. فإذا أضفنا إليهم ابني يوسف اللذين وُلدا له في مصر مع يوسف ويعقوب يكون المجموع 70. وقد استثنى سفر التكوين من ذلك نساء بني يعقوب. أما في أعمال الرسل فيقول: »فأرسل يوسف واستدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته، 75 نفساً«. دون أن يدرج يوسف ولا ابناه ولا زوجته في هذا العدد، لأنهم كانوا موجودين في مصر، فيكون عدد الذين استدعاهم 66 نفساً بإخراج يعقوب من هذا العدد، لأنه مذكور على حدته، في قوله »استدعى أباه يعقوب وجميع عشيرته«.. أما باقي العشيرة فهي زوجات بنيه، وعددهن تسع، لأن زوجة يهوذا كانت قد تُوفِّيت (تكوين 38:12) وكذلك امرأة شمعون. فالمجموع 75. ففي سفر التكوين قال: »ما عدا نساء يعقوب«. وفي أعمال الرسل قال: »يعقوب وبنوه وجميع عشيرته«. فعبارة الأعمال شرحت وأوضحت عبارة سفر التكوين. فلا مجال للقول بوجود خطأ.. ولو ذكر المعترض آيتي 26 و27 معاً لأوضحتا الحقيقة.
اعتراض على أعمال 7:15 و16 - أين دُفن يعقوب؟
انظر تعليقنا على تكوين 50:13
قال المعترض: »ورد في أعمال 8:37 قول فيلبس للوزير الحبشي بشأن معموديته:» إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز« فقال الوزير: »أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله«. وقال كريسباخ وشولز إن قوله »آمنت أن يسوع المسيح هو ابن الله««. أُضيفت إلى النص في تاريخ لاحق
وللرد نقول: (1) عبارة الوزير ثابتة في النسخ المعتبرة. (2) من الأدلة الداخلية على صحتها أن سياق الكلام يستلزم وجودها، فإنه لما أوضح فيلبس للوزير طريق الخلاص، وأن المسيح هو مخلِّص العالم، وأوضح له حالة المسيح في اتضاعه وارتفاعه، تأكد أنه المسيح، وبالنتيجة أنه ابن الله الحي أو الكلمة الأزلي الذي صار جسداً. وبدون هذا الاعتراف لم يكن ممكناً لفيلبس أن يعمد الوزير.
قال المعترض: »جاء في أعمال 9:5 و6 قول شاول الطرسوسي: »من أنت يا سيد؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده. صعبٌ عليك أن ترفس مناخس«. فقال وهو مرتعد ومتحيّر: »يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟« فقال له الرب: »قم وادخل المدينة فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل«. وقال كريسباخ وشولز إن القول »صعبٌ عليك أن ترفس مناخس« أُضيف إلى النص في تاريخ لاحق«.
وللرد نقول: التعبير »يرفس مناخس« تعبير يوناني عن مقاومة الآلهة، وربما كان معروفاً في الدوائر اليهودية من الأمثال التي يستخدمها الأمم. وهو ثابت في النسخ اللاتينية والعربية والحبشية والأرمنية. وورد مرة أخرى في أعمال 26:14 لما كان بولس الرسول يروي اختباره للملك أغريباس، فقال: »سمعتُ صوتاً يكلمني.. صعبٌ عليك أن ترفس مناخس«. ومعناها أن الإصرار على العناد يؤذي صاحبه، كالحيوان الجامح الذي يقاوم صاحبه، فيأخذ في رفس المناخس، فلا يضرّ إلا نفسه. وكل من يقاوم خالقه ويتمادى في العناد يضر نفسه.
قال المعترض: »وردت قصة اهتداء الرسول بولس للمسيحية في ثلاثة مواضع من سفر الأعمال، بينها اختلافات في موعد ومكان تكليف بولس بالكرازة للأمم. ففي أعمال 9:6 جاء قول الرب لشاول الطرسوسي: »قم وادخل المدينة فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل«. وقال بولس في أعمال 22:10 »فقال لي الرب: قُم واذهب إلى دمشق وهناك يُقال لك عن جميع ما ترتَّب لك أن تفعل«. ولكن ورد في أعمال 26:16 قول بولس إن الرب أمره: »قُمْ وقف على رجليك، لأني لهذا ظهرتُ لك، لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيتَ«. فيُعلم من أعمال 9 و22 أن الرسول سيعرف ما سيفعله بعد دخوله المدينة، ولكن يظهر من أعمال 26 أنه سيعرف ما سيفعله فوراً«.
وللرد نقول: في أعمال 9 يروي البشير لوقا قصة اهتداء شاول بالتتابع الواقعي للأحداث المتعلِّقة باهتداء بولس ووقت تكليفه بالخدمة بين الأمم. وفي أعمال 22 يورد القصة كما رواها بولس لليهود بتفصيل أكبر، ويضيف رؤياه التأكيدية التي رآها في أورشليم بعد اهتدائه بنحو ثلاث سنوات. أما أعمال 26 فيسجِّل خطاب الرسول بولس أمام الملك أغريباس، الذي شرح فيه رسالته باختصار، فلم يذكر التوقيت. علاوة على أن الأحداث كانت تبدو لبولس حدَثاً واحداً متَّصلاً.
قال المعترض: »جاء في أعمال 9:7 »أما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين، يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً«. ولكنه يقول في أعمال 22:9 »الذين معي نظروا النور وارتعبوا، ولكنهم لم يسمعوا الصوت الذي كلَّمني«. أما أعمال 26 فلا يذكر أن الرجال سمعوا أو لم يسمعوا«.
وللرد نقول: الحديث في أعمال 9 عن مجرد السمع، أي وصول الصوت إلى الأذن. أما في أعمال 22 فالحديث عن فهم معنى ما سمعوه. لقد سمعوا، ولكنهم لم يفهموا، كما حدث في يوحنا 12:28 و29 عندما طلب المسيح: »أيها الآب مجِّد اسمك. فجاء صوتٌ من السماء: مجَّدت وأمجد أيضاً. فالجمع الذي كان واقفاً وسمع، قال: قد حدث رعدٌ. وآخرون قالوا: قد كلَّمه ملاك«. لقد سمعوا، ولكنهم لم يفهموا. وهذا ما جرى عندما رأى شاول الطرسوسي النور السماوي.. أما في أصحاح 26 فالأمر (كما ذكرنا في تعليقنا على أعمال 9:7) أن بولس كان يحدِّث الملك أغريباس، ليبرئ نفسه من اتهامات اليهود، ويدعو الملك للإيمان، فأوجز في ما قال، ولم يورد تفصيلات. لهذا أغفل ذكر أن مرافقيه سمعوا صوت من كلَّمه، ولكنهم لم يفهموا ما سمعوه.
قال المعترض: »ورد في أعمال 10:6 قول الملاك لكرنيليوس عن الرسول بطرس »إنه نازل عند سمعان رجل دباغ، بيته عند البحر. هو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل«. فقال كريسباخ وشولز إن قوله »وهو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل« أُضيفت إلى النص في ما بعد«.
وللرد نقول: هذه العبارة واردة في النسخ المعتبرة. ولو أنها حُذفت لجاء المعنى ناقصاً، وكأن الملاك يقول: »استدْعِ سمعان النازل في البيت الفلاني« دون أن يذكر هدف استدعائه.
اعتراض على أعمال 13:39 - هل تُغفر كل خطية؟
انظر تعليقنا على متى 12:31 و32
قال المعترض: »الذي يقرأ أعمال 15 يجد أن رسل المسيحية لم يروا بعضهم بعضاً أصحاب وحي، كما يظهر هذا من مباحثتهم في مجمع أورشليم، فهناك قاوم بولسُ لبطرسَ. ولم يعتقد المسيحيون الأولون أنهم معصومون من الخطأ، لأنهم اعترضوا أحياناً على أفعالهم، كما في (أعمال 11:2 و3 و21:20-24). كما أن الرسول بولس قاوم الرسول بطرس مواجهة كما في غلاطية 2:11«.
وللرد نقول: الذي يقرأ أعمال 15 يتَّضح له أن كل رسول كان يعتقد في الآخر أنه مؤيَّد بالروح القدس، فلا ينطق إلا عن لسان الله. ولما عُقد مجمع في أورشليم أخبر برنابا وبولس باقي الرسل والمشايخ بما صنعه الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهما، وبمقاومة اليهود لهم وتشديدهم على الاختتان، فأعلن الرسل: »رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً«»اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم.. وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر«»ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض« (أعمال 1:8). وقد حلّ عليهم الروح القدس يوم الخمسين فتكلموا بلغات شتى، وعمل الله على أيديهم معجزات باهرة. والمسيح ذاته الكلمة الأزلي نفخ وقال لهم: »اقبلوا الروح القدس« فقبلوه (يوحنا 20:22). وقال لهم: »ومتى ساقوكم ليسلّموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أعطيتكم في تلك الساعة فبذلك تكلَّموا، لأنْ لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس« (مرقس 13:9-11). وقال لهم: »لأني أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها« (لوقا 21:51). فالمسيح وشحهم بالروح القدس ليؤهلهم للعمل العظيم وهو هداية الأنفس. (أعمال 15:28). وهذا يوضح أنهم كانوا في غاية الاتفاق، ولم يحكموا في شيء إلا بوحي الروح القدس.. وقد شهد الرسول بطرس أن كلام الرسول بولس وحيٌ إلهي، وأن الله آتاه الحكمة الإلهية (2بطرس 3:15 و16). وأمر المسيح، الكلمة الأزلي، تلاميذه: (متى 28:19 و20) وقال لهم:
وقال بولس الرسول: »إنه بإعلان (أي بوحي إلهي) عرّفني بالسر.. حيثما تقرأون (كتابتي) تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح ... الذي في أجيال أُخر لم يُعرَّف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح« (أفسس 3:3-5). فالرسول يشهد أن الرسل لا يتكلمون إلا بوحي إلهي. وقال في 2كورنثوس 13:3 »المسيح المتكلم فيَّ« وقال في 1تسالونيكي 2:13 »إذ تسلَّمتم منا كلمة خبرٍ من الله قبلتموها لا ككلمة أناس، بل كما هي بالحقيقة، ككلمة الله« وقال في 1كورنثوس 2:13 »التي نتكلم بها أيضاً، لا بأقوال تعلّمها حكمة إنسانية، بل بما يعلِّمه الروح القدس«.
أما عن مقاومة الرسول بولس للرسول بطرس (غلاطية 2:11) فنقول: كان بطرس الرسول يعاشر الأمم الذين بلا كتاب لهدايتهم إلى الحق، فعنّفه اليهود لأنهم كانوا يعتقدون أن الأمم نجسون، وما دروا أن الله لا يسرّ بموت الخاطئ بل يريد له الهداية. فلما رأى بطرس إنكار اليهود عليه معاشرة الأمم امتنع عن معاشرتهم، علّهم يؤمنون بالمسيح الذي تنبأ به أنبياؤهم، ومتى ارتفعوا إلى هذه الدرجة أوضح لهم أن الله لا ينظر إلى الأكل والشرب، فإنه خلق الجوف للطعام والطعام للجوف. غير أن بولس عاتبه على مراعاة اليهود، مع أن الواجب هو إظهار حق الله مرة واحدة.
فلو كان كتاب الله تلفيقاً بشرياً، لما ذكر إنكار بطرس لسيده، ولا مقاومة بولس لبطرس، فإن الحكمة البشرية تتستّر على هذه الأمور. غير أن الله هو إله الحق فيخبر بالحق لأنه هو مصدره. ولو كان بين الرسل تواطؤ على غش العالم، لانكشف في هذه الحالة التي حصل فيها هذا الاختلاف الفكري، فبطرس الرسول أبلغ المسيحيين أن الله فتح أبواب كنيسته للأمم واليهود على حدٍّ سواء، وأزال الحجاب الفاصل بينهم وبين شعبه، وأن كل أمة تتّقيه وتؤمن بالمسيح هي مقبولة عنده (أعمال 10:35). وبعد ذلك راعى اليهود، وهذا خطأ، والخطأ جائز في حقهم، ولكنهم معصومون في إعلان الوحي فقط.
قال المعترض: »في أعمال 15:1-5 نسخ الرسل شريعة الختان، ثم شدد بولس الرسول في نَسْخها كما في غلاطية 5:3-6 و6:15، مع أنه يتَّضح من العهد القديم أن الختان حكم أبدي في شريعة إبراهيم كما في تكوين 17 ولذا بقي هذا الحكم في أولاد إسماعيل وإسحاق، وبقي في شريعة موسى كما في لاويين 12:3. والمسيح خُتن كما في لوقا 2:21«.
وللرد نقول: كان الختان علامة العهد الذي عقده الله مع إبراهيم، كما قيل في تكوين 17:10 و11 »يُختتن منكم كل ذكر، فيكون علامة عهدٍ بيني وبينكم«. وقد وضعه الله ليكون علامةً يمتاز بها بنو إسرائيل عن غيرهم من الشعوب المحيطة بهم. وهو يدل على ضرورة التجديد، والقطع مع آدم الأول نائبنا، والتطعيم في المسيح آدم الثاني والاغتسال بدمه الذي يطهِّر من كل خطية (رومية 2:28 و29). أما اختتان المسيح فكان ضرورياً لأنه تمم كل البر وحفظ كل الشريعة، لأنه كان طاهراً قدوساً بلا عيب، وكان مثال الطهارة والبر والطاعة والتواضع والمحبة والوداعة وكل الفضائل.
ولم يلغِ الرسل أمر الختان، لكنهم دحضوا قول من علَّم أن الخلاص بالاختتان، فقد ورد في أعمال 15:1 »وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلّمون الإخوة أنه: إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلُصوا«. فقولهم هذا باطل، لأن الخلاص هو بالإيمان بالمسيح. والغاية من الختان هو أن يكون علامة العهد بين الله وشعبه القديم، وإشارة إلى طهارة القلب والنية. وقد قال الرسول بولس في رومية 2:28 و29 »لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهودياً، ولا الختان الظاهر في اللحم ختاناً. بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان، الذي مدحه ليس من الناس بل من الله«. وأوضح في رسالته إلى غلاطية أن الله لا يبالي بالأمور الخارجية، بل بالإيمان العامل بالمحبة، وتجديد القلب من الدنس والشر. فإن الختان والغرلة والأمور الخارجية لا تفيد شيئاً في أمر الخلاص.
أما في العهد الجديد فقد حلَّت فريضة المعمودية محل فريضة الختان، وصارت المعمودية علامة خارجية على وجود نعمة داخلية، فالختان يشير إلى خلع الخطايا، والمعمودية تشير إلى غسلنا بدم المسيح، وتطعيمنا فيه، وختم فوائد عهد النعمة، الذي هو غفران الخطايا بدم المسيح، وتجديد القلب بروحه، والتبنّي في عائلته، والقيامة للحياة الأبدية. ومعناها أيضاً الختم على تعهدنا أن نكون للرب، وهي علامة فاصلة بين شعب الله وغيره من الشعوب. والحكمة في استعمال الماء في المعمودية هي:
(1) الماء يطهرّ من الأقذار، ودم المسيح يطهر قلوبنا من أعمال ميتة.
(2) الماء يروي ظمأ العطشان، ودم المسيح يشفي الغليل.
(3) الماء يطفئ النار، ودم المسيح يطفئ لهيب غضب الله، ويطفئ نار شهوتنا التي تحاربنا.
(4) الماء يليّن الأرض الصلبة، ودم المسيح يليّن القلب القاسي.
(5) الماء ضروري للحياة، وبدون دم المسيح وروحه يهلك الخاطئ.
(6) الماء بلا ثمن، ودم المسيح وروحه مقدَّمان للجميع مجاناً.
(7) مع أن الماء ضروري لكل إنسان إلا أنه لا يفيد شيئاً ما لم يشربه، ودم المسيح لا يفيد الإنسان ما لم يؤمن به.
قال المعترض: »الآيتان في أعمال 15:16 و17 حيث يقول: »سأرجع بعد هذا وأبني أيضاً خيمة داود الساقطة، وأبني أيضاً ردمها، وأقيمها ثانية، لكي يطلب الباقون من الناس الرب، وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم، يقول الرب الصانع هذا كله«.. وهما تختلفان عن قول عاموس 9:11 و12 »في ذلك اليوم أُقيم مظلّة داود الساقطة وأحصّن شقوقها وأقيم ردمها وأبنيها كأيام الدهر، لكي يرثوا بقية أدوم وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم، يقول الرب الصانع هذا«.
وللرد نقول: ليس في معاني هذين النصَّين اختلاف. وقد اقتبس الرسل هذه الآيات من الترجمة السبعينية وهي ترجمة التوراة من العبرانية إلى اليونانية، بينما نقل المترجم عاموس 9:11 و12 من العبرية إلى العربية مباشرة. فإذا وجد تنوع في العبارة كان ذلك من الترجمة، ولكن المعنى واحد.
وزد على هذا جواز النقل بالمعنى، ولاسيما لمن خصَّهم الله بالوحي وقوة المعجزات، فكلامهم حجة في العبادات.
انظر تعليقنا على أعمال 2:25-28.
قال المعترض: »جاء في أعمال 15:20 أن مجمع أورشليم أمر بالامتناع عن نجاسات الأصنام، والزنا، والمخنوق، والدم. فهل هذا يعني أن نقل الدم لإنقاذ المرضى حرام؟«
وللرد نقول: ينصبُّ المنع في قرارات مجمع أورشليم على أكل الدم أو شربه، كما جاء في تكوين 9:3 و4، ولاويين 17:10-12. ونقل الدم لإنقاذ المرضى ليس أكلاً وشُرباً، لأن الأكل والشرب في التوراة يعنيان التناول عن طريق الفم مروراً بالجهاز الهضمي.
قال المعترض: »في أعمال 15:24 و28 و29 نسخ الرسل التوراة إلا أكل اللحم المذبوح للأصنام، والدم، والمخنوق، والزنا«.
وللرد نقول: ورد في آية 24 أنه ظهر بين المسيحيين من قالوا إن الخلاص بالأعمال الخارجية، كالاختتان والشريعة الطقسية التي كانت رمزاً لذبيحة المسيح. فألهم الروح القدس الرسل أن يقرروا أن الاتكال على الأمور الخارجية باطل، وأنه متى أتى المرموز إليه تم الغرض المقصود من الرمز. فالذي يحاول أن يحفظ الذبائح الطقسية بعد مجيء الفادي الذي كانت ترمز إليه، يكون مثل إنسان رجع إلى حفظ الأبجدية بعد أن طالع العلوم. فلذا قال الرسول إن الخلاص ليس بالاختتان ولا بالناموس الطقسي، بل بالإيمان بالمسيح. ثم حضَّهم على الامتناع عما ذُبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا.
راجع تعليقنا على أعمال 15:15.
قال المعترض: »جاء في أعمال 20:9 أن أفتيخوس سقط من الطبقة الثالثة إلى أسفل، وحُمل ميتاً. ولكن جاء في آية 10 أن بولس قال عنه إن نفسه فيه«.
وللرد نقول: وقع أفتيخوس ومات، فنزل بولس واحتضنه وضمَّه إلى صدره (آية 10) فعادت نفسه إليه. آية 9 تتحدث عن موته، وآية 10 تتحدث عنه بعد أن عادت له الحياة.
قال المعترض: »من أعمال 21:20-24 يتضح أن المسيحيين الأولين لم يكونوا يؤمنون أن الرسل معصومون من الخطأ، لأنهم في بعض الأوقات اعترضوا على أفعالهم، كما اعترض المؤمنون بالمسيحية من أصلٍ يهودي على الرسول بولس الذي أهمل فريضة الختان«.
وللرد نقول: اعتقد أئمة المسيحيين أن ما كتبه الرسل وحي إلهي، يتعبدون بتلاوته، ويستشهدون به في مناظراتهم، ويؤيدون به معتقداتهم. فلو لم يعتقدوا أنه وحي إلهي لما جعلوه الحكم الفصل. أما ما ورد في أعمال 21:20-24 فإننا نرى فيه بولس الرسول ينفي عن نفسه التهم الكاذبة التي رماه بها اليهود من أنه رفض شريعة موسى. وبنصيحة من الرسول يعقوب ساعد أربعة رجال أن يتمموا عهود نذرهم، تتميماً لأوامر الشريعة الموسوية في سفر العدد 6:13، بهدف أن يوضح لليهود أنه مؤمن بشريعة موسى التي كانت طقوسها وفرائضها تشير إلى المسيح، وأن المسيح أتى ليكمل الناموس لا لينقضه. فبولس الرسول تصرف بغاية الحكمة، ونفى كل العثرات المانعة لليهود عن الإيمان.
انظر تعليقنا على أعمال 11:2 و3.
اعتراض على أعمال 21:24 - لماذا حافظ بولس على الناموس؟
انظر تعليقنا على أعمال 15:1-5
اعتراض على أعمال 22:9 - هل سمعوا الصوت؟
انظر تعليقنا على أعمال 9:7
اعتراض على أعمال 22:10 - متى عرف بولس مسؤوليته؟
انظر تعليقنا على أعمال 9:6 و7
قال المعترض: »في أعمال 23:3 أخطأ بولس لما وبّخ رئيس الكهنة وقال له: »سيضربك الله أيها الحائط المبيَّض« كما أنه كذب لما قال إنه لم يعرف أنه رئيس الكهنة (آية 5)«.
وللرد نقول: لم يخطئ بولس في شيء، فإنه لم يسحب كلامه، بل أن رئيس الكهنة حنانيا هذا كان يستحق زجر الرسول بولس له، لأنه أمر بضربه مع أنه لم يفعل شيئاً يستوجب الضرب. فكلام بولس يدل على نزاهته وبراءته. وقوله: »سيضربك الله« ليس هو من قبيل اللعن، بل هو إعلان على أنه لن ينجو من انتقام الله. وقد تحقق ما قاله بولس، فإن حنانيا قُتل مع أخيه حزقيا. أما قول بولس »لم أعرف أيها الإخوة أنه رئيس الكهنة« فقول صادق، بسبب ضعف بصر بولس.
انظر تعليقنا على متى 10:19 و20
اعتراض على أعمال 26:14 - هل سقطوا؟
انظر تعليقنا على أعمال 9:6 و7
قال المعترض: »جاء في أعمال 26:23 »إن يؤلَّم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات«. ولكنه لم يكن أول من قام، فقد أقام من الموت ثلاثة أشخاص: ابنة يايرس (مرقس 5)، وابن أرملة نايين (لوقا 7)، ولعازر (يوحنا 11). ويقول 1كورنثوس 15:20-23 »قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.. لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيا الجميع. ولكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه«. وورد في كولوسي 1:18 »الذي هو البداءة، بكرٌ من الأموات« وفي رؤيا 1:5 »يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات«. وهذه الأقوال تنفي قيام ميت من الأموات قبل المسيح، وإلا لا يكون المسيح أول القائمين وباكورتهم«.
وللرد نقول: وصف المسيح بأنه »أول قيامة الأموات« و»بكر من الأموات« و»باكورة الراقدين« لا يعني أنه أول من قام من الموت، بل أنه أعظمهم، فقد مات وقام ولا يعود يذوق الموت بعد، وجلس عن يمين العظمة في الأعالي، وسيأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات. إنه أعظمهم، وليس أولهم. أما الذين أقامهم من الموت فذاقوا الموت بعد ذلك، وماتوا كباقي الناس بعد أن عاشوا عدة سنين. ولكن متى أتى يوم البعث فلن يذوقوا الموت وتكمل سعادتهم، ويتم بذلك نعيمهم الدائم.
ولم يكن البكر دائماً هو الابن الأكبر، بل الابن الأعظم الذي ينال نصيب اثنين. فيعقوب أبو الأسباط اعتبر أفرايم بن يوسف (وهو الصغير) الابن البكر (تكوين 48:14) واعتبر منسى بكر يوسف ابنه، الابن الثاني، مع أن منسى كان أول أبناء يوسف.
قال المعترض: »جاء في أعمال 27:22 وعد الله لبولس أن لا تكون خسارة نفس واحدة من ركاب السفينة، ولكن بولس قال في أعمال 27:31 إنه إن لم يبقَ البحارة في السفينة فإنهم لا ينجون. وهذا يناقض وعد الله«.
وللرد نقول: وعد الله بالنجاة يشمل وسيلة النجاة، وهي وجود البحارة في السفينة. فإذا انتفت الوسيلة انتفت النجاة. ووجود البحارة يحقِّق الوعد الإلهي بواسطتهم.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول رسالة رومية
قال المعترض: »الآيات الست الواردة في رومية 3:3-18 »حنجرتهم قبر مفتوح، بألسنتهم قد مكروا، سم الأصلال تحت شفاههم، وفمهم مملوء لعنة ومرارة. أرجلهم سريعة إلى سفك الدم. في طرقهم اغتصاب وسحق، وطريق السلام لم يعرفوه. ليس خوف الله قدام عيونهم« وردت في مزمور 14:3 في الترجمة اللاتينية والحبشية والعربية ونسخة الفاتيكان اليونانية. ولكنها لم ترد كلها في بعض النسخ القديمة، بل سقطت منها«.
وللرد نقول: الآيات الست هذه لم تسقط كما ادَّعى المعترض، وإنما وضعها بعض المترجمين بعد الآية الثالثة من مزمور 14، وجاءت في الترجمة السبعينية التي عنها أخذت الفولجاتا. وقد أخذ الرسول بولس نصَّه اليوناني من السبعينية. وهناك آيات كتابية أخرى تقول نفس الكلمات مثل ما ورد في مزمور 5:9 و140:3 و10:7 وإشعياء 59:7 و8 ومزمور 36:1.
قال المعترض: »جاء في رومية 3:10 »ليس بار ولا واحد« وهذا وصفٌ لكل الناس في كل زمن. ولكن جاء في رومية 7:8 »بدون الناموس الخطية ميتة« مما يعني أن الذين عاشوا قبل نزول الناموس أبرار«.
وللرد نقول: الناس في كل عصر ومصر خطاؤون، ولكنهم لا يشعرون أنهم كذلك، لعدم وجود شريعة توضح الخير والشر. فالخطية موجودة دائماً، إلا أنها لم تظهر كشرٍّ عظيم إلا بعد أن نهانا الناموس عنها، كما يقول: »لم أعرف الخطية إلا بالناموس، فإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقُل الناموس: لا تشتهِ« (رومية 7:7 و8). ونزول الشريعة جعل الناس يفكرون في كسرها، لأن »الخطية وهي متَّخذة فرصة بالوصية أنشأت فيَّ كل شهوة« (رومية 7:8).
قال المعترض: »جاء في رومية 3:28 »إذاً نحسب أن الإنسان يتبرَّر بالإيمان بدون أعمال الناموس«. ولكن الرسول يعقوب يناقض قول الرسول بولس هذا، فيقول في يعقوب 2:24 »ترون إذاً أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده«.
وللرد نقول: يظن كثيرون أن بولس ويعقوب يناقض أحدهما الآخر في قضية مغفرة الخطايا، لأن بولس يقول إن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال، بينما يعلِّم يعقوب أن الإنسان يتبرر بالإيمان والأعمال معاً. ولكن على القارئ أن يقرأ كل ما كتبه بولس عن التبرير، فيرى أنه لا يناقض أحدهما الآخر، بل كلاهما يعلّم حقاً واحداً، ولكن موضوع حديثهما في الآيتين المقتبسَتين هنا ليس واحداً. فبولس يتكلم عن التبرير أمام الله بغفران الخطايا، أما يعقوب فيتكلم عن التبرير أمام الناس بالعمل الصالح. بولس يستعمل كلمة »تبرير« للدلالة على عمل الله الذي به تُغفر خطايا الإنسان على أثر إيمانه بالمسيح وقبوله إياه مخلِّصاً، أما يعقوب فيستعمل كلمة »تبرير« للدلالة على البر العملي الذي وصل إليه المؤمن بواسطة الإيمان. وهذا لا دَخْل له مطلقاً بالخلاص.
إن التبرير أمام الله هو اعتبار الإنسان باراً أمامه على أثر قبوله النعمة المجانية المقدَّمة له. وهذا بالإيمان لا غير. وبعد أن يقبل الإنسان نعمة الله في المسيح لا يمكن أن يكون قد عمل بعد عملاً يُشار إليه كأساس لتبريره. أما التبرير الذي يتكلم عنه يعقوب فيشمل الإيمان بالفادي، والحياة الصالحة التي تتبع هذا الإيمان. ولا غبار على قول يعقوب إن الإيمان الذي لا يكون مقترناً بحياة التقوى إيمان ميت.
فنرى إذاً أنه لا تناقض البتة بين كلام الرسولين في قضية التبرير، فكلاهما يعلّم عن حق واحد. أحدهما يشير إلى وجهٍ من هذا الحق، وهو التبرير أمام الله، والثاني يشير إلى وجهٍ آخر، وهو التبرير أمام الناس. فبولس ينهى عن الاعتماد على الأعمال الصالحة للقبول أمام الله، بينما يعقوب يحرّض على الأعمال الصالحة كبرهانٍ على الإيمان. نقرأ في أفسس 2:8 »لأنكم بالنعمة مخلَّصون بالإيمان، وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد. لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمالٍ صالحة قد سبق الله فأعدَّها لكي نسلك فيها«.
قال المعترض: »جاء في رومية 5:12 »كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع«. ولكن جاء في رومية 5:14 »ملك الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم«. فإن لم يكونوا قد أخطأوا كما أخطأ آدم، فلماذا يعاقبهم بالعقاب الذي حلَّ بآدم؟.. وهل من العدل أن يعاقب الله البشر بسبب خطية آدم؟«.
وللرد نقول: هناك نوعان من الناس لا يحل بهم العقاب الذي حلَّ بآدم، هما الأطفال، والذين أخطأوا سهواً بغير تعمُّد. فقد قيل: »قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير« (إشعياء 7:15)، وقال المسيح: »لو كنتم عمياناً لم تكن لكم خطية« (يوحنا 9:41) وقال بولس في رومية 5:19 إنه بإطاعة الواحد الذي هو المسيح سيُجعَل الكثيرون أبراراً، بمن فيهم الأطفال.
ويعتبر الكتاب المقدس أن الكل مخطئون في آدم نائبهم الأول، ولكن موت المسيح لأجل البشر رفع هذه اللعنة عن البشر جميعاً »لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا ببرٍّ واحدٍ (الذي هو بر المسيح) صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة، لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعَل الكثيرون أبراراً« (رومية 5:18 و19). ولذلك يُعتَبر الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم (من آدم إلى موسى- أي قبل نزول شريعة موسى) مخطئون في نائبهم الأول، ولأنهم كسروا ناموس الله الواضح في الطبيعة، بالرغم من أن شريعة موسى لم تكن قد أُعطيت بعد. ولكن رومية 5 يعلِّمنا أن الخطية خاطئة جداً، وأنه بسببها يأتي غضب الله على أبناء المعصية، لكن رحمة الله الواسعة تعطيهم فرصة الخلاص بكفارة المسيح إن هم قبلوا هذه الكفارة.
قال المعترض: »جاء في رومية 8:26 »الروح أيضاً يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا يُنطَق بها«. ولكن 1تيموثاوس 2:5 يقول: »لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح«.
وللرد نقول: شفاعة الروح القدس فينا معناها واضح من أول الآية، وهو أن الروح يعين ضعفاتنا، فهو يشفع لا بالصلاة لأجلنا، بل في صلواتنا وضعفاتنا، فيحرك في قلوبنا الشوق لنُرضي الله ونتشبَّه بالمسيح. شفاعة الروح القدس فينا هي هنا على الأرض، لكن شفاعة المسيح فينا هي في السماء.
قال المعترض: »جاء في رومية 9:17 »لأنه يقول الكتاب لفرعون: إني لهذا بعينه أقمتُك، لكي أُظهر فيك قوتي، ولكي يُنادَى باسمي في كل الأرض«. ويقول الخروج 4:21 و7:3 إن الله قسَّى قلب فرعون. فلماذا يعاقب الله فرعون؟«.
وللرد نقول: علم الله العليم أن فرعون سيقسّي قلبه ويرفض أن يطيع أمره ويطلق بني إسرائيل أحراراً، وقال لموسى في خروج 3:19 »ولكني أعلم أن ملك مصر لا يدعكم تمضون، ولا بيدٍ قوية‍‍«. فترك الرب فرعون لقساوة قلبه، وحقَّق بتلك القساوة مقاصده الصالحة. وفي قساوة قلبه قال فرعون: »من هو الرب حتى أسمع لقوله فأُطلق إسرائيل؟ لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه« (خروج 5:2). وقد اقتبس بولس في رومية 9:17 ما قاله الرب بعد تصرفات فرعون الظالمة، وهو من خروج 9:16 »ولكن لأجل هذا أقمتك، لكي أُريك قوتي، ولكي يُخبَر باسمي في كل الأرض« وبعد ذلك ضربه بالضربة السابعة، وهي البَرَد.
فرعون إذاً مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله، ولكن الله حوَّل قساوة قلب فرعون لتحقيق مقاصده، كما قال يوسف لإخوته: »أنتم قصدتم لي شراً، أما الله فقصد به خيراً، لكي يفعل كما اليوم، ليحيي شعباً كثيراً« (تكوين 50:20).
قال المعترض: »جاء في رومية 9:20 و21 »ألعلَّ الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخزّاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناءً للكرامة وآخر للهوان؟«. فما هو ذنب الإنسان الذي يصنع منه الفخاري إناءً للهوان؟«.
وللرد نقول: نعم، إن للفخاري سلطاناً على الطين أن يصنع منه ما يشاء، إناءً للكرامة، أو إناءً للهوان. وليس للطينة أن تقول: لماذا صنعتني هكذا؟ فإن هذا من أعمال السيادة.
ولكن الفخاري أيضاً حكيم وعادل. فمع كامل حريته وسلطانه، إلا أنه ينظر بحكمة إلى قطعة الطين. فإن رآها جيدة وناعمة وليّنة، جعل منها آنية للكرامة، لأن صفاتها تؤهلها لذلك، فمن غير المعقول أن تقع طينة رائعة في يد فخاري حكيم، فيصنع منها إناءً للهوان، وإلا أساء التصرُّف. أما إذا كانت الطينة خشنة ورديئة، ولا تصلح إناءً للكرامة، فإن الفخاري (بما يناسب حالتها) سيجعلها إناءً للهوان. وهو على قدر الإمكان يحاول أن يصنع من كل الطين الذي أمامه أواني للكرامة، بقدر ما تساعده صفات الطين على ذلك.. الأمر إذاً وقبل كل شيء، يتوقف على حالة الطينة ومدى صلاحيتها، مع اعترافنا بسلطان الفخاري وحريته، ومع ذكرنا لعدله وحكمته.
ولذلك قال الرب: »هوذا كالطين بيد الفخاري، أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل. تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقَلْع والهدم والهلاك. فترجع عن شرّها تلك الأمة التي تكلمت عليها، فأندم على الشر الذي قصدت أن أصنعه بها. وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغَرْس، فتفعل الشر في عينيَّ ولا تسمع لصوتي، فأندم على الخير الذي قلت إني أحسن إليها به« (إرميا 18:6-10). إذاً بإمكان الطينة أن تصلح مصيرها.
ويذكرنا هذا بمثل الزارع الذي خرج ليزرع (متى 13:3-8) فالزارع هو نفس الزارع، والبذار هي نفس البذار، وهو يريد للكل إنباتاً. ولكن النتيجة تكون حسب طبيعة الأرض التي سقطت عليها البذار. إن الزارع لم يجهِّز بذاراً لتجف أو لتحترق، أو لتختنق بالشوك، أو ليأكلها الطير. ولكن طبيعة الأرض هي التي تحكمت في الأمر.
قال المعترض: »جاء في رومية 12:20 »إن جاع عدوّك فأطعمه، وإن عطش فاسقِه«. وهذا تعبير عظيم عن المحبة، ولكن بقية الآية تعبِّر عن البغضة للعدو، إذ تقول: »لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه«.
وللرد نقول: على المسيحي أن يُظهر الرقة لعدوّه. ونتيجةً لفعل هذا الواجب المقدس يثور ضمير عدوّه على الفعل السيّئ الذي فعله مع شخص صالح جازى الشر بالإحسان. والعمل الصالح يحرق قلب المسيء. فليس الهدف من العمل الصالح الإساءة للعدو، لكن نتيجة العمل الصالح إيقاظ ضمير العدو.
قال المعترض: »جاء في رومية 14:14 »إني عالم ومتيقّن في الرب يسوع أن ليس شيئاً نجساً بذاته، إلا مَن يحسب شيئاً نجساً، فله هو نجس«. فيكون أن هذه الآية نسخت كل ما حرَّمته شريعة موسى من الحيوانات الكثيرة«. وكذلك نسختها تيطس 1:15 »كل شيء طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً، بل قد تنجس ذهنهم أيضاً وضميرهم«. وكذلك نسختها 1تيموثاوس 4:4 »لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يُرفض شيء إذا أُخذ مع الشكر، لأنه يُقدَّس بكلمة الله والصلاة«.
وللرد نقول: كان في روما بعض مؤمنين موسوسين، أو كما قال الرسول »ضعاف الإيمان«. فهؤلاء تمسكوا بالقشور وتركوا جوهر الدين، فحرَّموا بعض الأطعمة، حتى قال لهم الرسول في رومية 14:2 »وأما ضعيف الإيمان فيأكل بقولاً«. ولكنه أوضح في رومية 14:17 أن ملكوت الله ليس أكلاً وشرباً، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس. وأمر بوجوب احتمال الضعفاء، وأن لا نضع للأخ مصدمة أو معثرة. ثم أوضح أن الموسوَس يحسب كل شيء نجساً، مع أن الأشياء هي في حدّ ذاتها طاهرة. ثم قال في رومية 14:15 »فإن كان أخوك بسبب طعامك يُحزَن، فلست تسلك بعد حسب المحبة. لا تُهلِك بطعامك ذلك الذي مات المسيح لأجله«، ثم قال في الآية 21 »حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم به أخوك أو يعثر أو يضعف«. فيظهر من هذا أن غاية الرسول توثيق المحبة بين المسيحيين، وحثّهم على احتمال الضعفاء ومراعاة إحساساتهم وعدم تعييرهم، فإن ضعيف الإيمان ربما يتشكك في ذات الحيوانات الطاهرة. ولذا أمره بولس الرسول ليقتصر على أكل البقول. وعلى كل حال فلا ناسخ ولا منسوخ.
وعبارة الرسول في تيطس تشير إلى البِدع، فإنه قال في آية 14 (أي قبل الآية التي أتى بها المعترض): »لا تُصْغوا إلى خرافات يهودية ووصايا أناسٍ مرتدّين عن الحق«. ثم قال: »كل شيء طاهر« فلم ينسخ شريعة موسى، بل حذّر المؤمنين من الخرافات وبدع المرتدّين عن الحق. وقصد الرسول من 1تيموثاوس 4:4 أن يرد على أصحاب البِدع، فإنه قال قبلها (آية 1-3) »ولكن الروح يقول صريحاً إنّه في الأزمنة الأخيرة يرتدّ قومٌ عن الإيمان، تابعين أرواحاً مضلَّة وتعاليم شياطين، في رياء أقوالٍ كاذبة، موسومة ضمائرهم، مانعين عن الزواج، وآمِرين أن يُمتنَع عن أطعمة قد خلقها الله لتُتناوَل بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق . ثم قال لأن كل خليقة الله جيدة«.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول رسالتي كورنثوس
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 1:17 »لأن المسيح لم يرسلني لأعمِّد بل لأبشِّر« مع أن المسيح في متى 28:19 أرسل التلاميذ ليتلمذوا العالم كله، وليعمدوا كل من يؤمن«.
وللرد نقول: لم يقف بولس ضد المعمودية، فهو نفسه قد تعمَّد بالماء (أعمال 9:18 و22:16)، وعلَّم في رسائله بضرورة المعمودية (رومية 6:3 و4 وكولوسي 2:12)، ويقول إنه عمَّد بالماء كريسبس وغايس وبيت استفانوس (1كورنثوس 1:14 و16)، كما عمَّد سجان فيلبي وأهل بيته (أعمال 16:31-33). ولكن الذي قاومه بولس كان تعليم البعض بأن المعمودية إحدى شروط الخلاص، لأن الخلاص يكون بالإيمان بدم المسيح وحده والثقة في أخبار الإنجيل المفرحة (رومية 1:16).
قال المعترض: »ورد في 1كورنثوس 2:9 »بل كما هو مكتوب: ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه«. وهي مقتبسة من إشعياء 64:4 »ومنذ الأزل لم يسمعوا ولم يصغوا. لم تر عينٌ إلهاً غيرك يصنع لمن ينتظره«. ونسب مفسرو المسيحية هذا التحريف إلى إشعياء«.
وللرد نقول: لم ينسب مفسّر مسيحي هذا »التحريف« إلى إشعياء، وإنما قالوا إن الرسول بولس اقتبس من إشعياء بالمعنى. والاقتباس ثلاثة أقسام: مقبول، ومُباح، ومردود. فالأول ما كان في الخُطب والمواعظ والعهود. والثاني ما كان في القول والرسائل والقصص. والثالث على نوعين: أحدهما ما نسبه الله إلى نفسه، والآخر تَضْمين آية في معنى هزل.. فإن كان مسموحاً للأدباء أن يقتبسوا بالمعنى، أفلا يجوز للأنبياء الكرام أن يستشهدوا بأقوال بعضهم بعضاً، وهم أعرف من غيرهم بمعاني أقوال الوحي؟
قال المعترض: »اقتبس الرسول بولس في 1كورنثوس 3:19 قول أليفاز التيماني لأيوب »الآخذ الحكماء بمكرهم«. فكيف يقتبسه وقد قال الله لأليفاز: »حمي غضبي عليك وعلى صاحبَيْك، لأنكم لم تقولوا فيَّ الصواب، كعبدي أيوب« (أيوب 42:7). فإن كان الله قد غضب على أقوال أليفاز وصاحبيه، فكيف يقتبسها بولس الرسول باعتبارها وحياً؟«.
وللرد نقول: لم يقُل الله إن كل ما قاله أليفاز لأيوب يثير غضبه، بل قال إن غضبه ثار على أليفاز وصاحبيه لأنهم اتَّهموا أيوب بأن خطاياه هي سبب بلاويه. وما أكثر عبارات أليفاز الصحيحة، ومنها »المُنزل مطراً على وجه الأرض، والمرسل المياه على البراري« (أيوب 5:10).
اعتراض على 1كورنثوس 6:2 و3 - من يدين العالم؟
انظر تعليقنا على يوحنا 5:22 و27
قال المعترض: »يقول 1كورنثوس 6:10 إن سكيرين لا يرثون ملكوت الله، ولكن بولس ينصح تلميذه تيموثاوس (1تيموثاوس 5:23) أن يشرب خمراً. أليس هذا تناقضاً؟«.
وللرد نقول: انظر تعليقنا على 1تيموثاوس 5:23
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 6:12 »كل الأشياء تحل لي، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي، لكن لا يتسلّط عليّ شيء«. وهذا يعني أن كل شيء مباح ما دام يرضي الضمير؟«.
وللرد نقول: نرجو أن نضيف إلى هذه آيةً تقول: »كل الأشياء تحلّ لي، ولكن ليس كل الأشياء تبني« (1كورنثوس 10:23). وهذه القواعد الثلاث تشترك في أساسها وهو أن المسيحي حرّ، ما دام في المسيح، وما دام الروح القدس فيه، فتكون كل الأشياء طاهرة له (رومية 14:20) على شرط أن يمتنع عما يضرّه أو يضرّ غيره، وعلى شرط أن لا يصبح عبداً تتسلَّط عليه طبيعته الجسدية أو عاداته أو شهواته، وعلى شرط أن يمارس فقط ما يبني حياته وحياة غيره روحياً ونفسياً وعاطفياً واجتماعياً وجسدياً.
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 6:13 »الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة، والله سيبيد هذا وتلك«. فإن كان الله سيبيد الجسد، فكيف يعلِّم أن الجسد سيقوم من الموت عند مجيء المسيح ثانيةً، ويقول في 1كورنثوس 15:13 »فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام«؟«.
وللرد نقول: لا بد أن يقوم ذات الجسد الذي دُفن في القبر، كما قام المسيح من قبره وتركه فارغاً، واحتفظ جسده بآثار المسامير واحتفظ جنبه بطعنة الحربة (يوحنا 20:27). أما قول بولس إن الله سيبيد هذا الجسد وتلك الأطعمة فيشير إلى طبيعة الموت والدفن، لا إلى طبيعة القيامة، بدليل القرينة المحيطة بقوله »الله سيبيد هذا وتلك«. أما طبيعة الجسد الذي سيقوم فهي لا تحتاج إلى طعام ولا شراب ولا زواج.
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 7:8 »ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا«. ومعروف أن بولس الرسول لم يكن متزوجاً. فكيف نوفّق بين رأي بولس الرسول وأوامر الرب بالزواج في التكوين 2:18؟ ثم أن كلمات بولس في 1كورنثوس 7:10 تعطي انطباعاً أنه يوافق على الطلاق«.
وللرد نقول: من المؤسف أن هذا الأصحاح أُسيء تفسيره، حتى قال البعض إن بولس ضد الزواج وإنه يحتقر المرأة. وهذا ليس صحيحاً، فإنه ذكر أن الذين يمتنعون عن الزواج هم شياطين (1تيموثاوس 4:1-3). ولكن يجب أن نذكر أن الرسول كتب هذا الأصحاح ليجاوب على أسئلة محدَّدة عن حالة خاصة في كورنثوس، ولم يكن يكتب عن الزواج عموماً (راجع آية 26 مثلاً). وليس معنى هذا أن كل ما قاله الرسول هنا مُلزِمٌ لكل موقف في كل مكان في كل زمن. والرسول يبدأ الأصحاح بقوله: »أما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها، فحسنٌ للرجل أن لا يمسّ امرأة« ولم يقُل »يجب أن الرجل«. وهو يسرع بالقول: »ولكن بسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها«.
والرسول يقول إنه بسبب الاضطهادات الشديدة الواقعة على المؤمنين يحلُّ لهم أن لا يتزوّجوا، ولو أن لكل إنسان حق الزواج، وأن شريعة الزواج تقيّد كلاًّ من الرجل والمرأة حتى لا يحقّ لأحدهما أن ينفصل عن الثاني إلا انفصالاً مؤقتاً (آيات 1-5). وقد أوضح الرسول أن ما يقوله عن الزواج هو نصيحة وليس أمراً (آيات 6-9) وأن الطلاق محرَّم (آيتا 10 و11) وأنه إن كان أحد الزوجين مؤمناً والآخر غير مؤمن، ورضي غير المؤمن أن يبقى مع شريكه المؤمن فلا يجوز الانفصال. ولكن إن رفض الطرف غير المؤمن استمرار الزواج، فإن الطرف المؤمن يمكن أن يتزوج (آيات 12-15). ويوصي الرسول المؤمنين أن يمتنعوا عن الانفصال ويتحاشوا أسبابه، لأن الإنجيل يدعونا للسلام، ولا يدعونا لتغيير الحالة الاجتماعية التي وجدنا أنفسنا عليها. والرسول هنا لا يحكم بضرورة الختان أو الغُرلة أو الحرية أو العبودية، لكنه يريدنا أن ننتبه إلى ما يجب علينا من نحو الله. وعلى هذا فلْيبْقَ كل مؤمن في الحالة الاجتماعية التي وجد نفسه فيها (آيات 16-24).
ويطالب الرسول المؤمنين أن يبقوا بدون زواج بسبب الاضطهاد والضيق، ولكن الرجل الذي يزوِّج عذراءه (ابنته أو الفتاة التي يتولى أمرها) لأنه وجد أنها تكبر في العمر فإنه لا يرتكب خطأ، فليزوِّجْها، أما من لا يرى اضطراراً لتزويجها فيمكنه أن يُبقيها في بيته (آيات 25-35). على أن الزواج يجب أن يكون في الرب فقط، فالأطفال سيتبعون مثال آبائهم الذين يجب أن يكونوا مؤمنين (آيات 36-40).
ومن هذا العرض السريع نرى أن الرسول بولس ليس ضد الزواج، وليس في صفّ الطلاق، لكنه ينصح أن تبقى الزوجة المؤمنة مع زوجها غير المؤمن إن رضي هو بذلك من أجل سلامة الأسرة وتربية الأولاد. ولم يُلْقِ إرهاقاً على من يتركه شريكه، إذ أن له أن يتزوج أيضاً.
قال المعترض: »الذي يقرأ رسالتي كورنثوس يكتشف أن بولس يعتبر نفسه أقل من سائر الرسل. ويظهر صراحة من كلامه أنه لم يكتب بوحي الروح القدس. وكأمثلة نقتبس من الرسالتين بعض أقواله. جاء في 1كورنثوس 7:10 و12 و25 »وأما المتزوّجون فأوصيهم لا أنا بل الرب.. وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب.. وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ، ولكني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً«. وجاء في 2كورنثوس 11:17 »الذي أتكلم به لست أتكلم به حسب الرب، بل كأنه في غباوة«. وجاء في 2كورنثوس 12:11 »قد صرتُ غبياً وأنتم ألزمتموني«.
وللرد نقول: (1) قوله في 1كورنثوس 7:10 »المتزوّجون أوصيهم لا أنا بل الرب: أن لا تفارق المرأة رجلها«. فالمؤمنون في كورنثوس استفهموا من الرسول عن مسألة انفصال أحد الزوجين، فأخبرهم أن المسيح حكم في هذه المسألة حكماً صريحاً (كما في متى 5:32 و19:3-9 ومرقس 10:2-12 ولوقا 16:18). فليس قصد الرسول أن يفرّق ويميّز بين ما علّمه المسيح بفمه وهو على الأرض، وبين ما ألهمه الروح القدس، بل قصد أن المسيح سبق فحكم في هذه المسألة، بحيث إذا زاد شيئاً كان تحصيل حاصل. ومقتضى أمر المسيح هو أنه لا يجوز للرجل أن يترك امرأته، ولا للمرأة أن تترك زوجها. فرباط الزيجة لا ينفك إلا بزنى أحد الزوجين. وقول الرسول بولس، لا يعني (كما ادّعى الكفرة) أن بولس كان لا يرى نفسه ملهَماً. وقد وردت آيات كثيرة قال فيها إن الله هو الذي كان ينطق عن لسانه وأوحى إليه بأسرار المسيح.
(2) أما قوله في 1كورنثوس 7:12 »وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب: إن كان أخٌ له امرأة غير مؤمنة وهي ترضى أن تسكن معه فلا يتركها«. فقوله »أنا لا الرب« معناه أن المسيح لم يتكلم في مسألة معاشرة المرأة الغير مؤمنة للمؤمن، ولم يُدوَّن شيء بخصوصها في الكتب الإلهية قبل الآن. أما في مسألة الطلاق التي تقدَّم ذكرها فقد سبق أن حكم فيها المسيح، ودُوِّنت أحكامه في الأناجيل. أما مسألة إذا كان أحد الزوجين غير مؤمن، فتكلم فيها الرسول بولس بصفة أنه من الرسل الذين لا يتكلمون إلا بإلهام الروح القدس، وبرهان ذلك قوله في آية 40 إن كلامه صادر عن روح الله، فلا يُعقل أنه يعارض نفسه بنفسه، بأن يقول إن كلامه وحي وغير وحي في آنٍ واحد. وقِس على ذلك في آية 25 »وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ، ولكني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً«. فقوله »ليس عندي أمر من الرب« يعني أنه لم يرد أمرٌ صريح في كتاب الله بخصوص هذه المسألة. ولكنه قال فيها كلام رجلٍ أمين افتداه المسيح برحمته ونعمته. أما قوله في آية 40 »أظن أني أنا أيضاً عندي روح الله« فالكلمة اليونانية المترجمة »أظن« تفيد اليقين، إذ لا يجوز أن يكون مرتاباً في أن روح الله هو الذي كان ينطق على لسانه، فكيف يكون مرتاباً وهو يسنّ قوانين يسير بموجبها المؤمنون؟ وإنما قال بالظن وأراد اليقين، تواضعاً منه.
(3) أما قوله في 1كورنثوس 7:25 »وأما العذارى فليس عندي أمرٌ من الرب فيهنّ، ولكني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً« فقد ظن البعض أنه يفيد أن بولس ينكر أنه كتب هذا الفصل بالوحي. ولكن يجب أن لا ننسى أن الرسول ليس غرضه هنا أن يثبت أو ينفي كونه يتكلم بالوحي، فقوله هذا لا يفيد أنه تكلم هنا بغير قيادة الوحي. فالوحي معناه أن الكاتب يتلقَّى إرشاداً من الله، أو كما يقول بطرس عن كتبة الأسفار إنهم كانوا مسوقين من الله (2بطرس 1:21). ولا يخفى أن رسائل بولس تتضمن مواضيع شتى لم يُشِر إليها المسيح، وهذا مطابق لكلام المسيح نفسه (يوحنا 16:12 و13) فرسائل بولس تضع أمامنا تعاليم الإنجيل الجوهرية الخاصة بالكنيسة، وتتضمن أيضاً كثيراً من الحوادث التاريخية، وتصوّر لنا عواطف الرسول نفسه وإحساساته. وتتضمن أيضاً إشارات مخصوصة وتحيات أخوية، كما وردت بها أيضاً نصائح طبية، وطلب خدمات خاصة. ولا يمكن أن يُقال إن كل ما كتبه بولس متساوٍ في أهميته روحياً. ولكن هذا لا ينفي أن كله لازم ومفيد لنا، وكله أيضاً موحى به من الله، وكانت مشيئته أن يكتب بولس كما كتب.
إن ما كتبه بولس في 1كورنثوس 7:25 فهو رأيه الشخصي، وهو في الوقت نفسه من وحي الروح القدس إليه، فكتب بهذا الأسلوب عينه. وكانت مشيئة الله أن يعطي في هذه القضية المطروحة أمامنا تعليماً للكنيسة لا في صيغة الأمر، بل في أسلوب نصيحة على لسان الرسول لكنيسة كورنثوس، كمبدأ لمن شاء اتِّباعه. وعند قراءة 1كورنثوس 7 يجب أن نتذكر الضيق الذي كان واقعاً على تلك الكنيسة (انظر 1كورنثوس 4:26) فلا نستغرب ورود كلام الروح القدس للكورنثيين في أسلوب النصيحة مع تركه الحرية لهم في تلك القضية بسبب ذلك الضيق. وعليه لا يمكن الادّعاء بأن تصريحات بولس في هذا الفصل تنفي أنه كان موحَى إليه في ما كتبه.
(4) أما قوله في 2كورنثوس 11:17 »الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة، في جسارة الافتخار هذه«. فيعني أنه التزم أن يخرج عن مثال الرب الذي كان قدوةً كاملة في التواضع والوداعة، لتبرئة نفسه من افتراء أعدائه. ومع ذلك فكلامه ليس مخالفاً لمثال المسيح، لأنه لم تكن غايته الافتخار، بل تأييد الحق.
(5) أما قوله في 2كورنثوس 12:11 فيقصد بولس أن الافتخار ليس من صفات العاقل الحليم. ولكن لما كانت الضرورات تبيح المحظورات، فقد افتخر بولس بنفسه، لأن بعض أعدائه في كورنثوس حاولوا صدّ المؤمنين عن الحق، فأخبرهم الرسول أن الله هو الذي أعلن له الوحي الإلهي، وأنه قاسى الضيقات والاضطهادات والشدائد حباً في المسيح، وأنه صنع بينهم آيات وعجائب وقوات، وأنه رسول. وقال لهم في آية 6 »إن أردتُ أن أفتخر لا أكون غبياً« لأن المقصود دحض افتراء المفترين وتثبيت المؤمنين في الحق. فكيف لا يرى نفسه مُلهَماً في كل وقت، وهو يقول: »إني فعلتُ الآيات والمعجزات ولست أقل من أعظم الرسل«؟
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 7:14 »لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة، والمرأة غير المؤمنة مقدسة في الرجل. وإلا فأولادكم نجسون. وأما الآن فهم مقدسون« ولكن جاء في أفسس 2:3 »الذين نحن أيضاً جميعاً تصرَّفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا، عاملين مشيئات الجسد والأفكار، وكنّا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضاً«. وما جاء في أفسس 2:3 يعني أن كل الناس خطاة بالطبيعة، وهو ما يعلّمه كل الكتاب المقدس (قارن مزمور 51:5 وتكوين 8:21 ويوحنا 3:6). فما هو إذاً معنى قول بولس في 1كورنثوس 7:14 إن أولاد المؤمن أو المؤمنة مقدَّسون؟«.
وللرد نقول: الحديث في هذا الأصحاح ليس عن الحالة الشخصية للأولاد، بل عن العلاقة بينهم ووالديهم. فيقول: »الرجل غير المؤمن مقدَّس في المرأة«. ولا يمكن أن يفهم عاقل من هذه العبارة أن غير المؤمن إذا كانت له امرأة مؤمنة يصبح قديساً. ولكن المعنى المقصود هو أن اختلاط الزوجة المؤمنة بالرجل غير المؤمن ليس نجساً. على أن غير المؤمن هو في ذاته نجس أمام الله. ولكن هذه الحقيقة لا تؤدي إلى فك أو ملاشاة الروابط العائلية. فكل ما يمارسه المؤمن بحسب مشيئة الله وفي نور قداسته هو مقدس (قارن 1تيموثاوس 4:4 و5).
أولاد المؤمنين إذاً مقدَّسون لوالديهم، حتى لو كان أحد الوالدين غير مؤمن. وعلينا أن نتذكر أن هذه القضية كانت مهمة جداً في ذلك العصر، فعند بداية الكرازة بالإنجيل كان يحدث أن تقبل الإيمان امرأة ويظل زوجها وثنياً، أو يؤمن الزوج وتبقى المرأة وثنية. وهذا أدّى إلى البحث في هذه القضية.
ولم يقصد الرسول في هذا الأصحاح أن يبرر زواج المؤمنين بغير المؤمنات وبالعكس. بل يجب أن يتزوج المؤمن بمؤمنة (انظر 1كورنثوس 7:39). ولكن الكلام هنا هو عن زواجٍ تمّ قبل الإيمان. ولذا قال لهم إن هذه الرابطة الزوجية لا تنجّسهم أمام الله، كما أن أولادهم أيضاً لم يكونوا نجسين بسبب ذلك الزواج. وعليه فالقرينة تثبت أن كلام بولس في 1كورنثوس 7:14 لا ينفي هذه الحقيقة الراهنة أن كل البشر بحسب الطبيعة خطاة مولودون بالإثم.
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 9:20 و21 »صرتُ لليهودي كيهودي لأربح اليهود، وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس، وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس، مع أني لست بلا ناموس، بل تحت ناموس المسيح، لأربح الذين بلا ناموس«. أليس هذا هو اللف والدوران وعدم الثبوت على المبدأ؟«.
وللرد نقول: لقد أنكر الرسول نفسه واستعبدها للجميع ليربح الجميع، فجمع كل أنواع الحِلْم والتنازل عن العَرَضيات، لا الأساسيات، دون أن ينافي ضميره، بقصد عدم إغاظة سامعيه بدون داعٍ وبدون اضطرار. وافق بولسُ الناسَ على ذوقهم وعاداتهم في كل الأمور الجائزة حتى لا يهيّج غضبهم وتعصّبهم، ليرشدهم إلى الخلاص بالمسيح. راجع ما عمله لليهود الذين تحت الناموس، تجد أنه ختن تيموثاوس (أعمال 16:3)، وأخذ عهد النذير (أعمال 21:21-27)، ودعا نفسه فريسياً (أعمال 23:1-6)، وحكم عليهم باللطف ودعاهم للتوبة (أعمال 17:28-31)، ودافع عن عدم مطالبتهم بحفظ ناموس موسى (غلاطية 2:12)، وقال إن ناموس الله مكتوب على قلوب الوثنيين (رومية 2:14 و15). أما للضعفاء فقد صار كضعيف. وعظ الكلام البسيط، وقدَّم اللبن لا الطعام الدسم (1كورنثوس 3:2). وقصده أن يخلِّص على كل حال قوماً (آية 22).
فهل هذا لفٌّ ودوران؟ هذه هي الحكمة التي طالبنا المسيح بها حين أرسلنا مثل حملان وسط ذئاب. فلنكن حكماء كالحيات مع الاحتفاظ ببساطة الحمام (متى 6:6). والحيات مشهورة بشدَّة احتراسها من الخطر، فعلى التلاميذ أن يماثلوها بالاحتراس وليس بالخبث. أما الحمام فإنه مشهور بالوداعة وعدم الإيذاء.. والمسيح نموذج في ذلك. كان حكيماً في إجابة أسئلة الفريسيين (متى 22:15-46)، وكان وديعاً وداعة الحمام وقت محاكمته (متى 26:63 و64).
قال المعترض: »ورد في 1كورنثوس 10:8 »ولا نَزْنِ كما زنى أناسٌ منهم فسقط في يوم واحد 23 ألفاً« ولكن ورد في سفر العدد 25:9 »وكان الذين ماتوا بالوباء 24 ألفاً ففيهما اختلاف بمقدار ألف«.
وللرد نقول: تكلم الرسول على الذين سقطوا في يوم واحد، وقال: »فسقط في يوم واحد 23 ألفاً«. وفي سفر العدد ذكر مجموع الذين هلكوا بسبب خطاياهم في أكثر من يوم واحد. ولو قال سفر العدد إنه مات في يوم واحد 24 ألفاً، لحصل التناقض، ولكنه بعد أن ذكر ما كان من خطايا بني إسرائيل، وغضب الله عليهم، قال »ومات 24 ألفاً«. إذاً لا يوجد تناقض لاختلاف الزمان.
اعتراض على 1كورنثوس 10:11 - أواخر الدهور
انظر تعليقنا على فيلبي 4:5
اعتراض على 1كورنثوس 10:13 - مصائب المؤمنين
انظر تعليقنا على أمثال 16:4
قال المعترض: »ورد في 1كورنثوس 10:28 »ولكن إن قال لكم أحد: هذا مذبوح لوثن، فلا تأكلوا من أجل ذاك الذي أعلمكم، والضمير، لأن للرب الأرض وملأها«. فقوله »لأن للرب الأرض وملأها« أُضيفت في وقت لاحق، وأسقطها كريسباخ«.
وللرد نقول: لما رأى كريسباخ ومن حذا حذوه أن القول »لأن للرب الأرض وملأها« موجودة أيضاً في آية 26، قال إنها زائدة. وهي ليست زائدة بل مكررة فقط، لأنها موجودة قبل هذه العبارة بآيتين ثم أنها مقتبسة من سفر التثنية 10:14 ومن مزمور 24:1.
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 11:5 »كل امرأة تصلي أو تتنبّأ ورأسها غير مغطى، فتشين رأسها، لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه«. فهل هذا يعني ارتداء الحجاب في الكنيسة؟«.
وللرد نقول: يجب أن نفرِّق بين معنى أية فقرة كتابية وتطبيقها اليوم على حياتنا، فالمعنى هو ما قالته الفقرة الكتابية لأهل زمانها، أما تطبيقها فهو ما يجب أن نفعله نحن اليوم. ومعنى الآية هو أن المرأة التي تصلي وتتنبأ برأس غير مغطاة تشين رأسها، الذي هو زوجها (1كورنثوس 11:3 و7 و9)، فقد كان غطاء الرأس علامة احترام الزوج. وفي مثل تلك الحضارة يجب أن تغطي المرأة رأسها وهي تصلي، أو وهي تتنبأ. وتطبيق ما جاء في 1كورنثوس 11:5 اليوم هو ضرورة احترام الزوجة لزوجها.
ولنعطِ مثلاً لمعنى الفقرة وتطبيقها، فقد أمر المسيح تلاميذه في رحلتهم التبشيرية »لا تحملوا شيئاً للطريق، لا عصاً ولا مزوداً ولا خبزاً ولا فضةً. ولا يكون للواحد ثوبان« (لوقا 9:3). فهذا أمر واضح المعنى للتلاميذ، ولكننا نطبِّق اليوم روح الأمر لا حرف الأمر. فالمفروض أن الذي يخدم الرب يعتمد عليه تماماً في سداد أعوازه. والدليل على هذا أن المسيح سأل تلاميذه بخصوص هذه الرحلة: »حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية، هل أعوزكم شيء؟« فقالوا: »لا«. (لوقا 22:35).
انظر تعليقنا على 1تيموثاوس 2:12-14.
اعتراض على 1كورنثوس 14:34 - صمت النساء في الكنيسة
راجع تعليقنا على 1تيموثاوس 2:12-14
اعتراض على 1كورنثوس 15:20-23 - من أول من قام من الأموات؟
انظر تعليقنا على أعمال 26:23
اعتراض على 1كورنثوس 15:24 - مُلك المسيح، هل هو أبدي؟
انظر تعليقنا مزمور 145:13
قال المعترض: »جاء في 1كورنثوس 15:28 عن المسيح إنه »سيَخْضَع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل«. وهذا يعني أن المسيح أدنى مرتبة من الله«.
وللرد نقول: المسيح كابن الإنسان هو الوسيط بين الله والعالم، ولذلك قام ويقوم وسيقوم بجميع الأعمال التي تتطلب الوساطة بين الله والعالم. وعندما ينتهي العالم، وتنتهي تبعاً لذلك جميع الأعمال التي تتطلب الوساطة، لا يبقى احتياج للوساطة، فيتخلّى المسيح حينئذ عنها، ويتبوّأ فقط مركزه الأزلي الذي كان يشغله بالنسبة إلى اللاهوت قبل خلق العالم، وبذلك يكون الله (أو اللاهوت) هو الكل في الكل، أي دون أن يكون في الوجود خلائق تخالف مشيئته، وتحتاج إلى قيام أقنوم الابن بدور الوساطة فيشفع فيها أو يكفّر عنها. فيتَّضح أن خضوع الابن للآب في نهاية الدهور سيكون فقط بوصفه ابن الإنسان الوسيط بين اللاهوت والعالم. أما بوصفه الابن الأزلي، فهو والآب واحد، والكرامة التي تليق بالآب تليق به. ومما يثبت صحة ذلك أن الآية لا تقول: »كي يكون الآب الكل في الكل« بل تقول: »كي يكون الله الكل في الكل«، مما يدل على أنه لا فرق بين أقنوم وآخر في اللاهوت.
اعتراض على 1كورنثوس 15:36 - لماذا قال: يا غبي؟
انظر تعليقنا على متى 5:22
قال المعترض: »ورد في 1كورنثوس 15:51 و52 »هوذا سرٌّ أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغيّر، في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الأخير. فإنه سيُبوَّق فيُقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير«. وهذه الأقوال كلها أكل عليها الدهر وشرب، وقد تكون خطأً«.
وللرد نقول: أوضح الرسول بولس في هاتين الآيتين أن الله يقيم الموتى في طرفة عين بقدرته العجيبة، وأن عند مجيء المسيح ثانيةً تتغيَّر أجساد المؤمنين القابلة للفساد وتصير أجساداً مجيدة غير قابلة للفساد.
انظر تعليقنا على 1تسالونيكي 4:15-17.
قال المعترض: »جاء في 2كورنثوس 5:20 »لأنه (الله) جعل الذي لم يعرف خطية (المسيح) خطيةً لأجلنا، لنصير نحن برَّ الله فيه«»المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنةً لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون من عُلِّق على خشبة«. وبولس هنا يلعن المسيح ويدعوه خطية، فكيف يكون ربَّه؟«. وجاء في غلاطية 3:13
وللرد نقول: المسيح هو البار المبارك، لكنه رضي أن يصير خطيةً لأجلنا لأن الله أرسله »في شِبه جسد الخطية« (رومية 8:3)، ووضع عليه إثم جميعنا (إشعياء 53:6)، فحمل خطية غيره، وعومل معاملة الخاطئ، وأُدين ليتبرَّر كل من يؤمن به ولا يُدان. وبهذا يعامل الله الذين يقبلون خلاص المسيح معاملة الأبرار رغم خطيتهم، لأنه حسب المسيح خطية مع أنه بريء منها. وفي الأصحاح الثالث من رسالة غلاطية يذكر الرسول بولس لعنتين، الأولى في آية 10 »ملعون من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في أعمال الناموس ليعمل به« وهي لعنة عمَّت الجنس البشري كله بسبب سقوطه في الخطية، فكلنا خطاؤون. أما اللعنة في آية 13 فهي اللعنة التي احتملها المسيح ليفدينا من اللعنة الأولى. فاللعنة الأولى لعنة الذنب، والثانية لعنة عقاب المسيح حتى يرفع الذنب، فصار خطيةً لأجلنا نحن الخطاة، ليصير كل من يؤمن به برَّ الله في المسيح. وهذا البر هو الذي برَّرنا المسيح به، والفداء الذي دبَّره بأن فدانا واشترانا ودفع الثمن الذي طالبت به الشريعة. واقتبس الرسول بولس جزءاً من تثنية 21:23 والذي يقول »المعلَّق ملعون من الله« ولم يورد »من الله« لأن المسيح لم يكن ملعوناً من الله حقيقة، بل عامله الله كأنه كذلك، ليوجد لنا الفداء، ولهذا قيل: »أحبنا المسيح وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة« (أفسس 5:20).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول رسالة غلاطية
اعتراض على غلاطية 2:11 - هل الرسول بطرس مُلهَم؟
انظر تعليقنا على أعمال 11:2 و3 وأعمال 15
اعتراض على غلاطية 2:16 - هل الناموس كامل؟
انظر تعليقنا على مزمور 19:7
قال المعترض: »ورد في غلاطية 2:20 و21 »فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي. لست أُبطل نعمة الله، لأنه إن كان بالناموس برّ، فالمسيح إذاً مات بلا سبب«. وورد في غلاطية 3:10 »لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنه مكتوب ملعونٌ كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به«. وورد في غلاطية 3:23-25 »ولكن قبلما جاء الإيمان كنّا محروسين تحت الناموس، مُغلقاً علينا إلى الإيمان العتيد أن يُعلن. إذاً قد كان الناموس مؤدِّبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان. ولكن بَعْد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدِّبٍ . وهذا تناقض«.
وللرد نقول: لا يمكن لأحد أن يحفظ الناموس تماماً، فإن هذا مستحيل. فمعنى القتل في قوله: »لا تقتل« ليس استعمال الآلة الحادة التي يقتل بها الإنسان قريبه فقط، بل معناه أيضاً عموم الغضب، لأن الغضب يؤدي إلى القتل. ومن تعدى على أخيه بأن أساء لسمعته أو قطع معاشه أو غضب عليه كان بمنزلة القاتل. وقِسْ على ذلك باقي وصايا الله. فحوادث الدنيا اليومية ناطقة بأنه لم يخْلُ أحدٌ من الخطية. وحكم الله في كتابه أنه ملعون كل من لم يحفظ الناموس، وكل نفس تخطئ موتاً تموت. ومقتضى هذا الحكم أن كل الناس محكوم عليهم بالموت الأبدي في جهنم النار، بلا استثناء. غير أن الله تفضَّل ووضع طريقة بها يتبرر الخاطئ ويكون الله مع ذلك باراً، هي الإيمان بالرب يسوع المسيح الفادي الكريم. وقد كانت الذبائح في العهد القديم تشير إلى ذلك، فكان الناموس مؤدِّبنا (أي معلمنا) إن الخلاص بالفداء. فلو كان يمكن الخلاص بالأعمال لما لزم الحال إلى موت الفادي الكريم. فطريقة الخلاص هي الفداء بسفك دم المسيح. فالرسل والأنبياء خلصوا بالإيمان بالفادي الكريم، وكان بنو إسرائيل يقدمون الذبائح إشارة إلى ذلك.
اعتراض على غلاطية 3:1 - لماذا دعاهم أغبياء؟
انظر تعليقنا على متى 5:22
اعتراض على غلاطية 3:13 - المسيح صار خطية ولعنة
انظر تعليقنا على 2كورنثوس 5:20
قال المعترض: »جاء في غلاطية 3:17 »إن الناموس الذي صار بعد أربعمئة وثلاثين سنة لا ينسَخ عهداً قد سبق فتمكَّن من الله نحو المسيح«. وهذا يعني أن بين عهد الله لإبراهيم وشريعة موسى كان 430 سنة. ولكن وعد الله لإبراهيم في تكوين 12:1-3 كان نحو عام 2000ق م، وإعطاء الشريعة لموسى كان عام 1450 ق م، فيكون بولس قد أخطأ في الحساب نحو مئة سنة«.
وللرد نقول: لا يشير الرسول بولس إلى عهد الله لإبراهيم، بل إلى تأكيد العهد ليعقوب، ويقول: »عهداً قد سبق فتمكَّن«. وقد تمكن العهد ليعقوب في تكوين 46، نحو عام 1877 ق م. ولما كان الخروج قد جرى نحو عام 1447 ق م (قارن 1ملوك 6:1)، تكون المدة 430 عاماً بالضبط.
قال المعترض: »جاء في غلاطية 4:4 أن الله أرسل ابنه مولوداً من امرأة، فهل تتفق ولادة الله من امرأة مع قداسته؟«
وللرد نقول: خلق الله المرأة كما خلق الرجل. وبما أن الله طاهر ولا يصدر عن الطاهر إلا كل طهارة، إذاً فلا نجاسة في المرأة أو الرجل من حيث تكوينهما الجسدي الذي خلقهما الله عليه. فضلاً عن ذلك، فإن الله كان قد تدخّل بصفة خاصة في ولادة المسيح من العذراء، بأن حلَّ عليها بروحه وظلّلها بقوته (لوقا 1:35) فلا مكان لهذا الاعتراض.
انظر تعليقنا على 1تيموثاوس 2:11-14.
اعتراض على غلاطية 4:10 و11 - هل نُقض الناموس؟
انظر تعليقنا على متى 5:17-19
قال المعترض: »جاء في غلاطية 4:24 »لأن هاتين هما العهدان: أحدهما من جبل سيناء، الوالد للعبودية« وهذا يعني أن الناموس الموسوي ناموس عبودية. لكن جاء في يعقوب 1:25 أنه ناموس الحرية«.
وللرد نقول: ناموس الحرية في رسالة يعقوب هو ناموس المسيح وشريعة الموعظة على الجبل، لأنه يمنحنا الولادة الجديدة التي تسهّل علينا الطاعة. أما ناموس موسى فقد قال عنه الرسول بطرس إنه نير »لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله« (أعمال 15:10).
اعتراض على غلاطية 5:3-6 - هل الناموس أبدي؟
انظر تعليقنا على أعمال 15:1-5
قال المعترض: »جاء في غلاطية 6:2 »احملوا بعضكم أثقال بعض« لكنه يمضي فيقول في آية 5 »كل واحد سيحمل حمل نفسه«.
وللرد نقول: واضح جداً أن غلاطية 6:2 تعني أن يكون المؤمنون متحابّين متعاونين، يساعدون بعضهم بعضاً وقت الضيق، بينما تعني الآية الثانية أن كل مؤمن مسئول عن عمله أمام الله، وسيعطي حساباً لله عن نفسه.
قال المعترض: »جاء في غلاطية 6:7 إن الله لا يُشمخ عليه، لكن في لوقا 22:63 نجد أن المسيح شُمخ عليه. وهذا يعني أنه ليس الله«.
وللرد نقول: الفعلان الواردان في الاقتباسين فعلان مختلفان، ولهما معنيان مختلفان، فالفعل في غلاطية هو الشموخ، أما في لوقا فهو الاستهزاء. والمعنى في الآيتين يكمل أحدهما الآخر، فقد يشمخ إنسان على الله فيعاقبه الله، لأن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً. قد يجدف إنسان على الله ويكفر به، فيعاقبه الله. »قال الجاهل في قلبه: ليس إله« (مزمور 14:1) »الساكن في السماء يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه« (مزمور 2:5).
قال المعترض: »جاء في غلاطية 6:10 »فإذاً حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان«. ولكن هذا يناقضه ما جاء في رسالة يوحنا الثانية 10 و11 »إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلِّم عليه يشترك في أعماله الشريرة«..
وللرد نقول: لا يمكن اتهام بولس ويوحنا بالتناقض في هذين الفصلين، فبولس يحثّ المؤمنين على الإحسان إلى الجميع، بينما يوحنا يحذّرهم من أن يقبلوا في بيوتهم أو يسلِّموا على من لا يعلّم تعليم المسيح. فقد يظن البعض أن بولس محبّ وصفوح وأن يوحنا قاسي القلب. غير أن الرسولين يتكلمان هنا عن قضيتين مختلفتين. فبولس يقصد في كلامه الإحسان إلى من كان محتاجاً. أما يوحنا فيقصد الموقف الذي يجب أن يتَّخذه المؤمن من المعلمين الكذبة.. ولكي يسهل علينا فهم غرض يوحنا يجب أن نتذكر أنه كان في ذلك العصر معلّمون كذبة كثيرون يزعجون الكنيسة، ويسعون أن يُدخِلوا فيها هرطقات كثيرة عن شخص الرب. فهل كان يحق لمن يؤمن بألوهية المسيح أن يجعل بيته مقرّاً لمن كان غرضه هدم هذا التعليم الجوهري الثمين؟ كلا، بل من كان صادقاً ومخلصاً ومحباً للمسيح لا يمكنه أن يؤيّد الذي ينشر تعاليم مضلَّة عن شخص الرب. فهل يمكنك أن تطلب بركة الرب على من يقاوم الحق وينصر الباطل؟ كلاَّ، بل من فعل هذا كان هو نفسه منكراً للحق ومقاوماً له.
ولا يفوتنا أن يوحنا كان معروفاً بأنه رسول المحبة، ولذا لا يخطر على بالنا مطلقاً أنه كان يقصد إيقاع الأذى بالمعلمين الكذبة أو منع إغاثتهم إذا كانوا متضايقين أو معتازين، ولكنه يحذّر قرّاء رسالته بكل شدة من الاشتراك في شر أولئك المضلين الكذبة. ولذا أوصاهم أن لا يقبلوهم في بيوتهم لئلا يشتركوا معهم في ضلالهم. وبالإجمال المبدأ المؤسس على هذين الفصلين هو: أحبّوا الجميع حتى الأعداء، ولكن لا تشتركوا معهم في الشر، ولا تؤيّدوهم في نشر الضلال«.
اعتراض على غلاطية 6:15 - هل التبرير بالناموس؟
انظر تعليقنا على أعمال 15:1-5
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول رسالة أفسس


قال المعترض: »جاء في أفسس 1:17 »يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته«. ولكن جاء في 1تيموثاوس 3:16 »عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد«. فالآية الأولى تنفي ألوهية المسيح، بينما تؤيدها الثانية!«.

وللرد نقول: التعبير »إله ربنا يسوع المسيح« يعني الإله الذي أرسل المسيح، والذي أتى المسيح ليعمل مشيئته، والذي صعد المسيح إليه. وهو إله »الابن المتجسد« الفادي الذي جاء أرضنا ليموت من أجل خطايانا، وليقوم لأجل تبريرنا. وهو وصفٌ يؤيد قول المسيح على الصليب: »إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟« (متى 27:46)، ويطابق قوله بعد القيامة: »إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم« (يوحنا 20:17). (ولم يقُل »أصعد إلى أبينا وإلهنا«»إله ربنا يسوع المسيح« يُنقِص من لاهوت المسيح أضاف الرسول لقب »ربنا« إلى المسيح.. وتحمل عبارة »إله ربنا يسوع المسيح« معنى آخر هو أن الله الذي نعبده هو الذي أعلنه المسيح وأظهره لنا، وقد قال المسيح: »الذي رآني فقد رأى الآب« (يوحنا 14:9). فألوهية المسيح واضحة في الآيتين، كما أن إنسانيته واضحة فيهما معاً. بسبب اختلاف علاقة المسيح بالله عن علاقة التلاميذ به).. ولئلا يخطر ببال أحد أن التعبير

اعتراض على أفسس 2:3 - هل الكل خطاة؟

انظر تعليقنا على 1كورنثوس 7:14

قال المعترض: »ورد في أفسس 2:15 و20 »ونقض (المسيح).. العداوة، مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً صانعاً سلاماً.. مبنيّين على أساس الرسل والأنبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية«. ولكن وردت آيات في العبرانيين تقول إن الناموس قد نُسخ وتغيَّر واضمحل، منها عبرانيين 7:12 »لأنه إن تغيَّر الكهنوت، فبالضرورة يصير تغيُّرٌ للناموس أيضاً«. فالشريعة رُفعت قطعاً بالنسبة لأحكام الذبائح والطهارة. ومنها عبرانيين 8:7 و13 »فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضعٌ لثانٍ.. فإذْ قال »جديداً« عتَّق الأول. وأما ما عَتَق وشاخ فهو قريبٌ من الاضمحلال«. ومنها عبرانيين 10:9 و10 »ثم قال: هأنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله. ينزع الأول لكي يثبّت الثاني. فبهذه المشيئة نحن مقدَّسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرةً واحدة«.

وللرد نقول: قال المسيح في متى 5:17 و18 »لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل«. فالمسيح أتى وقدَّم نفسه ذبيحة عن خطايانا، ونقض العداوة التي كانت بين الخاطئ وبين خالقه، ووفى حق العدل الإلهي بدمه. وكانت الذبائح والملكوت ترمز إليه. وبما أن المرموز إليه أتى، تمَّ الغرض المقصود من الرموز، فكانت هذه الرموز بمنزلة نبوات محسوسة عن المسيح، وتمّت هذه النبوات.

ولم تكن هذه الذبائح كافية في حد ذاتها للخلاص إلا بالنظر إلى إشارتها للمسيح، فكانت ضعيفة في حدّ ذاتها قوية بالنظر إلى المسيح، وممهِّدةً لمجيئه. ولو كانت كافية لما أتى المسيح. وقد أعدت هذه الذبائح والكهنوت والفرائض الطقسية عقول بني إسرائيل لقبول المسيح، فأفهمتهم أن الخلاص هو بسفك الدم، وأن هذه الذبائح تشير إلى ذبيحة الفادي الكريم. وهكذا هيَّأ الله بني إسرائيل بالذبائح والفرائض الطقسية لقبول المسيح وملكوته، وهذا هو معنى قول الرسول إن الناموس هو مؤدِّبنا إلى المسيح (غلاطية 3:24). يعني أن الناموس هيأهم وعلّمهم نحو 1500 سنة أن الخلاص بسفك الدم، وأن دم المسيح يطهر من كل خطية.

قال المعترض: »جاء في أفسس 2:19 »فلستم بعد غرباء ونُزُلاً، بل رعيّة مع القديسين وأهل بيت الله«. ولكن جاء في عبرانيين 11:13 أن المؤمنين أقرّوا أنهم غرباء ونزلاء على الأرض، كما جاء في 1بطرس 2:11 »أننا غرباء ونزلاء«.

وللرد نقول: المؤمنون بالنسبة للعالم الحاضر غرباء ونزلاء، فالأرض ليست مقامهم الدائم. إنهم مجرد عابرين. أما مقامهم الروحي وسط عائلة الإيمان فهو دائم ومستمر. لقد تبنَّاهم الآب السماوي في المسيح، وأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه (يوحنا 1:12).

قال المعترض: »جاء في أفسس 4:26 »اغضبوا ولا تخطئوا«. ولكن جاء في نفس الرسالة 4:31 »ليُرفَع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خُبث«. وهذا تناقض، لأنه يطالب بالغضب وينهى عنه«.

وللرد نقول: الغضب انفعال طبيعي، يمكن أن يكون لازماً كما غضب المسيح على الباعة والصيارفة في الهيكل (متى 21:12 و13)، وكما نظر حوله إلى شيوخ اليهود بغضب حزيناً على غلاظة قلوبهم (مرقس 3:5). ولكن الغضب يمكن أن يكون خاطئاً يُفقِد الغاضب اتِّزانه، فيصيح ويجدِّف. ويدعونا الرسول للغضب المقدس العامر بالغيرة للخير، بحيث نحترس من الخطأ. أما الغضب والصياح والتجديف والخبث فمنهيٌّ عنه.

اعتراض على أفسس 6:2 و3 - هل العمر محدد؟

انظر تعليقنا على مزمور 102:24
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول رسالة فيلبي
اعتراض على فيلبي 2:6 - هل المسيح معادل لله؟
انظر تعليقنا على يوحنا 14:28
اعتراض على فيلبي 3:11 و12 و15 - هل يمكن أن نكون كاملين؟
انظر تعليقنا على متى 5:48
اعتراض على فيلبي 4:4 - هل نطوِّب الفرحين أم الحزانى؟
انظر تعليقنا على متى 5:4
قال المعترض: »ورد في فيلبي 4:5 »الرب قريب« وورد في 1كورنثوس 10:11 »فهذه الأمور جميعاً أصابتهم مثالاً، وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور«. وهذا تناقض«.
وللرد نقول: معنى قوله »الرب قريب« هو أنه يعرف كل شيء عن أفعال البشر وأقوالهم، واطلاعه على أحوالهم لقرب مكانه منهم، وهو قريب من كل من يدعوه. أما القول: »انتهت إلينا أواخر الدهور« فمعناه أننا أواخر بالنسبة إلى بني إسرائيل، وقد دوَّن الوحي تاريخهم وما حصل لهم لنتعلم ونتحذَّر فنتمسَّك بالحق.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول رسالة كولوسي


قال المعترض: »جاء في كولوسي 1:15 »أن المسيح بكر كل خليقة« وهذا يعني أن المسيح مخلوق، وهو أول من خُلق«.

وللرد نقول: تقول الآيتان 15 و16 من كولوسي 1 عن المسيح إنه »بكر كل خليقة، فإنه فيه خُلق الكل، ما في السماوات وما على الأرض«. ومن هذا يتضح أن سبب تلقيب المسيح »بكر كل خليقة« لا يعود إلى أنه أول شخص خلقه الله، كما يقول المعترض، بل لأن كل الخليقة خُلقت فيه. وكلمة »بكر« هنا، لا تُستعمل بالمعنى الحرفي، بل بالمعنى المجازي. والمعنى المجازي للبكورية هو الرياسة أو الأفضلية أو الأولوية. فقد وردت كلمة »بكر« في الكتاب المقدس بمعنى »رئيس« أو »أول«، لأن شريعة موسى أعطت الرياسة للبكر، وقال الله عن داود النبي: »وأنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من ملوك الأرض« (مزمور 89:27) مع أن داود كان الابن الثامن لأبيه، ولم يكن أول من ملك على بني إسرائيل، وكان بالنسبة إلى الملوك المعاصرين له من أصغرهم سناً. فضلاً عن ذلك فإن كلمة »بكر« هذه استُعملت في موضع آخر عن »المسيح« نفسه، بمعنى رئيس. فقد قال الله عنه: »ليكون بكراً بين إخوة كثيرين« (رومية 8:29). ويُقصد بالإخوة هنا المؤمنون الحقيقيون بالمسيح، ويُعتبر المسيح بكراً بينهم أو رئيساً لهم، بوصفه ابن الإنسان الذي مجَّد الله على الأرض وتمم مشيئته، مثالاً لما يجب أن يعملوه. ويُعتَبرون إخوته لأنهم آمنوا به إيماناً حقيقياً والتصقوا به التصاقاً روحياً، وعقدوا النية على السير وراءه.

ولذلك لا غرابة إذا كان المسيح قد دُعي »بكر كل خليقة«»الله القدوس يُدعى بكر العالم، للدلالة على سلطته على كل الكائنات«. فإذا أضفنا إلى ذلك أن كلمة »بكر« عندما يُشار بها إلى المسيح، لا تسبقها أبداً كلمة »ابن«، فلا يُقال عنه أبداً إنه »الابن البكر«، ولا يُشار البتة إلى المسيح كمخلوق أو منبثق من الله، لا يبقى مجال للشك في أن المراد ببكورية المسيح، ليس ولادته قبل غيره، بل رياسته. بمعنى أنه رئيسها وسيدها، لأنه هو الذي أبدعها وأنشأها. واليهود أيضاً يعرفون أن البكورية تعني الرياسة أو السيادة، وأنها عندما تُسند إلى الله يُراد بها السيادة المطلقة والرياسة العامة. فقد ورد في التلمود اليهودي:

اعتراض على كولوسي 1:18 - المسيح هو البداءة

انظر تعليقنا على رؤيا 2:8

اعتراض على كولوسي 1:18 - من أول من قام من الأموات؟

انظر تعليقنا على أعمال 26:23

قال المعترض: »جاء في كولوسي 1:24 قول الرسول بولس »أكمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة«. ولكن المسيح قال على الصليب »قد أُكمل« (يوحنا 19:30). فكيف يكمل بولس نقائص شدائد المسيح.«.

وللرد نقول: أكمل المسيح على صليبه كل ما نحتاجه لفدائنا وخلاصنا، وقال للآب: »العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته«»بقربان واحد أكمل إلى الأبد المقدَّسين« (عبرانيين 10:14). (يوحنا 17:4). و

ولكن هناك شدائد من نوع آخر، هي شدائد نشر الرسالة والكرازة بها وخدمة الرب والبشر، وهي التي قال عنها المسيح لحنانيا عن الطرسوسي: »هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائي، لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي« (أعمال 9:15 و16). هذه هي الشدائد التي سيكملها الرسول بولس وسائر المؤمنين، إذ يتألمون من أجل نشر رسالة الخلاص بالمسيح المصلوب المقام »لأنه قد وُهِب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضاً أن تتألموا لأجله« (فيلبي 1:29).

قال المعترض: »جاء في كولوسي 2:16 و17 »فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التي هي ظل الأمور العتيدة. أما الجسد فللمسيح«. وهذا القول ينسخ شريعة موسى في حفظ يوم السبت وعدم العمل فيه، كما جاء في أصحاحات عديدة من التوراة، منها تكوين 2:3 وخروج 20:8-11 و34:31 و19:3 ولاويين 23 وتثنية 5:12-15 وإرميا 17 وإشعياء 56 و58 ونحميا 9 وحزقيال 20. وكاد اليهود يرجمون المسيح لعدم تعظيم السبت (يوحنا 5:16 و9:16)«.

وللرد نقول: لما خلق الله آدم أفرز يوماً من كل سبعة أيام لعبادته والتأمل في مراحمه، وعمل الخير، والراحة من أشغال هذه الدنيا. فالله يطلب من الإنسان سُبْع وقته. ومعنى »السبت«»اذكر اليوم السابع لتقدسه« بل قال »اذكر يوم السبت لتقدسه«. وكذلك لم يقل الكتاب إن الرب بارك اليوم السابع، بل قال إن الرب بارك يوم السبت وقدسه. فاليوم الذي خصصه الله لعبادته يُسمى »يوم السبت« بمعنى »الراحة«. ويسمى »السبت المقدس« لأنه مخصّص للعبادة. ومما يدل على أن معنى السبت هو الراحة أن الله أمر بأن »تَسْبُت الأرض« أي »ترتاح« (لاويين 25:2-7) فكان اليهودي يزرع أرضه ويستغلها ست سنوات، وأما السنة السابعة فتكون للأرض سبت عطلة للرب، يتمتع بها العبيد والفقراء فيستغلّونها. وفي لاويين 26:34 »تَسْبِت الأرض وتستوفي سبوتها«. وقد تخصَّص يوم السبت هذا بيوم قيامة المسيح من بين الأموات، لأن قيامة المسيح هي أعظم حادثة فيها تمّ الفداء العظيم. الراحة. فمعنى الوصية السابعة هو أن نعطي سُبْع وقتنا لله. فلم يقل

والحقيقة هي أن الأعمال الضرورية جائزة بل واجبة في السبت، ولاسيما أعمال الرحمة. وقد علَّم المسيح وجوب أعمال الرحمة، فقال: »أيُّ إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السبت في حفرة، أفما يمسكه ويقيمه؟ فالإنسان كم هو أفضل من الخروف؟ إذاً يحل فعل الخير في السبوت«. ثم شفى الإنسان الذي يده يابسة (متى 12:10-13) وكثيراً ما عمل المسيح المعجزات يوم السبت، لأن غاية السبت هي عمل الخير.

وينتج من هذا أن المسيح ورسله لم ينسخوا السبت، لكنهم استبدلوا الأحد بالسبت بعد أن قام المسيح يوم الأحد. وما زال المسيحيون يسمّون يوم الأحد يوم السبت (أي الراحة). غير أنهم يخصّصونه بكلمة المسيحي فيقولون »السبت المسيحي«.

أما ما دفع الرسول بولس أن يقول لأهل كولوسي: »فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت«»يوم السبت« بل قال »سبت« يعني أيام البطالة التي يبتدعها أصحاب البدع. أما يوم السبت فهو باق. فهو ظهور أناس تمسّكوا بالقشور وتركوا جوهر الدين، ظانين أن الدين يقوم بالأكل والشرب، أو المحافظة على الطقوس الخارجية، وتركوا الرحمة والحق والمحبة والإيمان بيسوع المسيح. فأوضح لهم الرسول هذه الحقائق. ولم يقل الرسول

قال المعترض: »ذكر الرسول بولس في كولوسي 4:16 رسالة من لاودكية، طلب من أهل كولوسي أن يقرأوها. ولكننا لا نجد لها اليوم أثراً«.

وللرد نقول: (1) يقول كثيرون من المفسرين إن الرسالة من لاودكية هي نفسها رسالة أفسس، لأن رسالة أفسس رسالة دورية غير مخصصة لكنيسة أفسس وحدها، بل لكل كنائس آسيا الصغرى. والدليل على هذا أنه لو كانت رسالة أفسس مخصصة لكنيسة أفسس لذكر الرسول فيها أسماء كثيرين من المؤمنين، وكان قد قضى ثلاث سنوات في أفسس وتعرَّف على الكثيرين منهم (أعمال 20:31). كولوسي 4:16 لا تقول »رسالة لاودكية« أو »الرسالة إلى لاودكية« بل »الرسالة التي من لاودكية«.

(2) لا بد أن الرسول بولس كتب رسائل شخصية لأصدقائه، ليست من الوحي، ولهذا لم تُحفظ في الكتاب المقدس. وقد قال البشير لوقا إن كثيرين كتبوا سيرة المسيح، ولكن كتاباتهم الاجتهادية لم تكن وحياً (لوقا 1:1)، وقال الرسول يوحنا إن الكثير من أخبار المعجزات لم يُدوَّن (يوحنا 20:30 و21:25). ولو أن الله شاء أن هذه الرسالة تُحفظ ككتابة وحي لحفظها، فهو يوحي ويحفظ كل ما يوحي به.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
839
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
شبهات وهميَّة حول رسالتي تسالونيكي
قال المعترض: »ورد في 1تسالونيكي 4:15-17 »فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتافٍ، بصوت رئيس ملائكةٍ، وبوق الله، سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب«. وهذه عبارات غير مفهومة. كما أن قول بولس: »نحن الأحياء الباقين« يعني أن بولس توهَّم أن مجيء المسيح ثانية وأن يوم الدينونة سيكون في عصره«.
وللرد نقول: معنى هذه الآيات واضح، فهي تقول إن المسيح سيأتي ثانية قاضياً عادلاً للأحياء والأموات، وسيتم هذا بالخطوات التالية: (1) ينزل المسيح من السماء بقوته وعظمته ومجده إلى عالمنا هذا. (2) ويأمر بقيامة الأموات. (3) ثم يكرر رئيس الملائكة هذا الأمر بأن يأمر الأموات بالقيام للدينونة. (4) وعندما يقوم الأموات في المسيح يدوي صوت البوق علامة اجتماع الجميع حول عرش المسيح. وكان بنو إسرائيل يهتفون بالبوق عندما يريدون حشد الجماهير، فاستُعير ذلك لما سيحدث في اليوم الأخير. (5) عندما يُقام الأموات في المسيح تتغيَّر أجسادهم الفاسدة وتصير مجيدة مثل جسد المسيح المجيد. (6) المؤمنون الذين يكونون على قيد الحياة يوم مجيء المسيح ثانيةً تتغيّر أجسادهم وتصير غير قابلة للفناء، ويُخْطَفون مع الذين يقومون من الموت ليلاقوا المسيح في الهواء. (7) بعد هذا تُفتح الأسفار وتتم الدينونة. (9) كل مؤمن »غسل ثيابه وبيَّضها بدم المسيح« يُدخَل إلى النعيم الدائم، ويتمتع في حضرة الرب إلى الأبد.
وقد تحدَّث الرسول بولس عن نفسه ضمن المؤمنين الأحياء عند مجيء المسيح ثانيةً، وهذه صيغة تؤكد إيمانه وثقته بهذه الأمور الآتية. وكانت شهوة قلبه أن يأتي المسيح سريعاً فينطلق إلى المجد معه. ويعيش كل مسيحي حقيقي في حالة انتظار وشوق لمجيء المسيح ثانية، ولو أنه يعلم أن لا أحد يعرف يوم المجيء بالضبط، كما قال المسيح (متى 24:42).
اعتراض على 1تسالونيكي 5:17 - هل الصلاة بلا انقطاع؟
انظر تعليقنا على متى 6:7 و8
اعتراض على 2تسالونيكي 2:8 - إبادة الأثيم
انظر تعليقنا على لوقا 9:54-56
اعتراض على 2تسالونيكي 2:9 - معجزات الشيطان
انظر تعليقنا على متى 24:24
اعتراض على 2تسالونيكي 2:11 و12 - هل الله منشئ الشر؟
انظر تعليقنا على التثنية 32:4 و1تيموثاوس 2:3 و4
اعتراض على 2تسالونيكي 3:12 - نشتغل، أو لا نشتغل؟
انظر تعليقنا على متى 6:31-34
 
أعلى