الملك داود
"رجل حسب قلب الله", هذا هو ما وصفت به الكتب المقدّسة الملك داود,الملك داود هو أشهر ملوك بني إسرائيل القدماء, و أحد أعظم الشعراء في تاريخ البشرية, و علاوة على كل هذا فهو نبي قدّيس و جدٌ للمسيح الإله بالجسد, ربّما لن تكفي كتب طِوال لتصف لنا كل هذا!
اسم داود يعني المحبوب بالعبرية, ولد داود في بيت لحم اليهودية و هو أصغر أبناء يسّى البيتلحمي, يقول الكتاب عن شكله أنه كان أشقر اللون جميل العينين و الشكل رشيق الجسم, ربّما يفسّر هذا لنا أحياناً سبب إعجاب النساء الشديد به, و هو الأمر الذي سبّب له في ما بعد متاعب جمّة طول حياته. في صغره و صباه كان داود راعياً للأغنام و كان شهيراً بعزفه و تسبيحه على الكنّارة(القيثارة) , و هذا ما يعطينا أيضاً فكرة أن صوته كان جميلاً و عزفه كذلك. أرسل الرب النبي صموئيل ليمسح أحد أبناء يسّى ملكاً لأن شاول لم يعد أهلاً لذلك, و بعد رؤية كل الأبناء قام صموئيل بمسح الأصغر ملكاً , بعد هذا وصل داود إلى قصر الملك بسبب مهاراته الموسيقية على الكنارة, فكان يعزف للملك لمساعدته للتغلب على أفكاره السوداء, ثم بدأت شهرة داود بين بني قومه عندما قام جليات الجبار بتحدي العبرانيين و لم يجرؤ أحد من الجنود على منازلته, لكن داود الصغير استطاع بمقلاعه هزيمة جليات و قتله, و هكذا نرى –و كما يقول أخونا العزيز ياويكا- أن جليات لا يغلبه سوى داود, بعد هذه المعركة غار شاول من شعبية داود أمام الشعب فحاول قتله أكثر من مرّة و لكن داود كان يستطيع الافلات كل مرّة لأنه كان مرتبطاً بصداقة أخوية عظيمة مع يوناثان بن شاول الذي كان يخبره بالمكائد لينقذه, و أذكر أن مدرّسي الديانة كانوا يضربون لنا المثل دائماً بالصداقة الحقيقية صداقة داود و يوناثان.
مرّت الأيام و قُتل الملك شاول مع يوناثان و معظم بقية أبنائه في المعركة, فقام داود برثائهم في قصيدة شهيرة هي "نشيد القوس", ثم أصبح داود هو الملك و لكن معظم الأسباط لم تعترف به ملكاً إلاّ بعد مدّة.
كان داود ملكاً ظافراً وحّد الشعب حوله و غمره بعدله و محبّته, و هو الذي قام بالاستيلاء على المدينة المقدّسة و نقل إليها تابوت العهد, لكنه لم يبن الهيكل لأن الرب قال له أنه رجل حرب و أن ابنه سيبني الهيكل من بعده.
كل هذا لم يمنع داود أيضاً من الخطيئة , أليس هو القائل" هاأنذا بالآثام حُبل بي و بالخطايا ولدتني أمّي"؟ رأى داود بالصدفة بثشبع, زوجة أوريا الحثي أحد ضباط الجيش, و هي امرأة جميلة جداً و ليس لحسنها مثيل, فساورته نفسه بها و قام بالزنى معها, ثم قام بإرسال زوجها إلى المعركة ليموت و بعدها قام بالزواج بها و أصبحت حاملاً, و هكذا فعل داود الشر الفظيع في عيني الرب, فقام الرب بإرسال النبي ناثان إليه ليندّد به و بخطيئته العظيمة, و إخباره أن ابنه القادم سيموت و أن هذا الخطيئة ستجر المصائب على بيته, و هنا ثاب الملك إلى رشده و ندم ندامة يُضرب بها المثل , في بكائه من خطيئته قال داود المزمور الخمسين( الواحد و الخمسين بالترقيم العبري) , أحد أشهر المزامير و أكثرها تأثيراً للنفس, و ما زلنا إلى اليوم كلما أخطأنا ثم ثبنا إلى رشدنا نبدأ بالترداد " ارحمني يا الله كعظيم رحمتك....", و قد أنشدت السيدة ماجدة الرومي المغنية اللبنانية الكبيرة هذا المزمور فكان مع صوتها أجمل صلاة مع أحلى صوت, و أنصح من لم يسمعه أن يسمعه! يقول الكثيرون أن ندامة داود ليست كافية لأن ما حدث قد حدث لأنه ظلّ زوج بثشبع و لم يغيّر شيئاً , و الجواب هو أنه و في ذلك الزمان كان الملوك يفعلون ما يشاؤون, فكانوا يتزوجون من يريدون و يقتلون من يريدون و يغتصبون المرأة التي يريدون دون أي شعور بالندم لأن هذا كان طبيعياً جداً في نظرهم و العكس هو الذي كان الغير طبيعي, و هكذا نرى أن مجرّد شعور داود بالندم و قيامه بالصوم و ذر الرماد عليه و تذلّله –و إظهاره الذل أمام خدمه و حاشيته- هو شعور تقدّمي جداً و غريب جداً بالنسبة لذلك الزمن, و وقتها لو سمع أحد الملوك بما فعله داود لكان ضحك عليه و سخر منه لأنه سيكون برأيه غير صالح للحكم بسبب رقة قلبه الشديدة!
في ما بعد لاقى داود كثيراً من الصعوبات, أبرزها هو قيام ابنه المدلّل أبشالوم بثورة عليه ثم مقتله فيها ممّا سبّب لداود حزناً شديداً على ابنه, ثم بعدها محاولة ابنه أدونيا أيضاً الانقلاب و استلام الحكم.
قام داود بإعطاء الملك إلى ابنه سليمان ابن بثشبع, بعدما وعده الرب أن المُلك لن يزول من بيته إلى الأبد –وهو ما تحقّق بمجيء المسيح من سلالة داود-, ثم مات داود و قبره على ما يُقال موجود في منطقة يُقال لها مدينة داود و هي داخل المدينة المقدّسة.
تقول النبوءة" و أنت يا بيت لحم اليهودية لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج المدبّر الذي يرعى شعبي إسرائيل" و هو ما تحقّق بمجيء المسيح من سلالة داود البيتلحمي الأصل, و هكذا لمدينة بيت لحم أن تفاخر اليوم بأنه منها خرج المسيح و خرج أيضاً جدود المسيح.
كان داود شاعراً رائعاً و عازف كنّارة بارعاً, و المزامير التي كتبها تشهد على ذلك, يعتبر البعض أن المزامير مع إلياذة-أوديسة هوميروس و ملحمة جلجامش هي قمة النتاج الأدبي في العصور القديمة, و من يقرأ المزامير يرى أنها شاملة لكل نواحي الحياة كما أنها تصف الطبيعة و الانسان بأوصاف شعرية بالغة الحلاوة ما يزال العالم مدهوشاً بجمال لغتها و لو بعد مضي ثلاثة آلاف سنة على كتابتها.
القديسة بربتوا