الإعتداء على كنيسة الخانكة
ما قالة الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل - تشكيل لجنة تقصى الحقائق وبيانها وتوصياتها حول موضوع الخانكة - ماذا قال البابا القبطى حول موضوع الخانكة )
يعتقد البعض أن حرق وتدمير كنيسة الخانكة هو أول إعتداء يقع على المسيحين ولكن المؤرخين يذكرون أن أول حادث وقع فى 6 نوفمبر عام 1972 فقد قام المسلمين بحرق جمعية الكتاب المقدس فىالوقت الذى كان المسيحيون يؤدون فيها الشعائرالدينية تعتبر حادثة الخانكة هو أول حادثة من نوعها فى مصر ضد المسيحين وقاوم الأقباط مقاومة سلمية وبعدها تفجرت حوادث العنف ضد الأقباط – فمدينة الخانكة الصغيرة تقع على أطراف مدينة القاهرة إتخذ المسيحيون منزلا للإجتماع فأنشأوا الدكاكين حولها وفى قلبها ملعباً ثم جائها مذبحا فى ذات يوم ودشنها أحد الأساقفة وتمت الصلاه فقام المسلمين بصدام وإعتداء على الأقباط وساروا فى مظاهرات تهدد رجال الأمن وحرقوا المنزل ونهبوا محتوياته – وقيل أن رجال الأمن إستطاعوا تهدئه الموقف فى ساعة متأخرة من الليل وهذه المره الأولى يقوم رجال الأمن بتهدئه الموقف ومر الأمر بدون عقاب من المتسبب وأصبح الأمن شغلته تهدئه الخواطر بدلا من القبض على المجرمين وتقديمهم للعداله . بل أن وزارة الداخلية قامت بعد ذلك بتطبيق الخط الهمايونى العثمانى بتدمير ماتبقى من الدكاكين المحيطة والمبانى المقامة بقطعة الأرض
وأرسل البابا شنودة عدداً كبيراً من الأساقفة والمطارنة فى الصباح التالى وإستقلوا أتوبيساً قاصدين الخانكة وكانوا يريدون أن يقف الأتوبيس على مشارف البلدة ويترجلون إلى مكان الكنيسة ليباشروا الشعائر الدينية وإذا لم يصلوا وقابلهم المسلمين المجرمين فإنهم يبغون الإستشهاد على إسم المسيح . ويتقدموا موكباً ضخماً من القسس صفاً يعد صف إلى ما بقى من مبنى " الكنيسة " ثم يقيموا القداس على أطلالة , وكانت الأوامر أن يواصلوا التقدم مهما كان الأمر حتى إذا أطلق عليهم البوليس نيران بنادقهم , وحاول البوليس أن يتعرض لموكب الأساقفة والقسس لكن مضى الموكب حتى النهاية , وكان المشهد مثيراً وكان عواقبة المحتملة خطيرة.
(1) وطبعاً كما توقع المسلمون وإن كانت هذه توقعاتهم فماذا فعلوا ؟ ومنهم جمال السعدى فقد قال أنه حدثت تدمير وتكسيرلمساكن الأقباط بعد إنتهاء مسيرة الأساقفة نتيجة لسياسة العنف السلبى فى مواجهه البابا للسادات , ولكن المؤرخين لحوادث العنف الطائفى لهم وجهه نظر مختلفة هى أنه يحدث العنف حينما تشجعه السلطة الحاكمه فتغمض عينها عنه أو لعدم وجود قانون أساساً لردعه أو أن البلد قد أصبحت فى حالة فوضى . وقد كنت أركب القطار فى هذا اليوم ورأيت عربات القطار مليئة بالمسيحين يرددون التراتيل الدينية فسألتهم فسردوا قصة ما حدث , فلم أنزل من القطار – ومكثت معهم قاصدا الخانكة وبعد عدة محطات توقف القطار وقيل أن الخط مقطوع والبوليس يقف يمنع الناس من الذهاب فى إتجاه الخانكة .
وغضب السادات وإتهم البابا بأنه يثير أوضاعا بالغة الخطورة لا سبيل إلى معالجتها وقال السادات لمحمد حسنين هيكل " إن شنودة يريد أن يلوى ذراعى , ولن أسمح له أن يفعل ذلك " .. وكانت كل الموارد والأعصاب مرهونة بالمعركة مع إسرائيل وكان هناك نقد شديد يوجه للرئيس . ويبدوا على نحو أو آخر أن فكرة تفجير المشكلة الطائفية طرحت نفسها علية بإعتبارها فرصة يظهر فيها حزم قيادته ويحول بها الأنظار إلى مشكلة أخرى ويكسب تعاطف العناصرالإسلامية المتطرفة إلا أنه تمت تسوية هذه الأزمة
وطرح السادات الأمر على مجلس الشعب ليجرى التحقيق فى هذا الحادث حتى يلهى المسلمين بالفتنة الطائفية وإثباتنا على ذلك أن مستشارية كان رأيهم ألا يتدخل مجلس الشعب فى هذا الموضوع .. وأن يتصرف هو بالقرارات فى حدود حقة الدستورى كرئيس دولة .
(2) ولكنة رفض وكون مجلس الشعب لجنة برلمانية برياسة الدكتور جمال العطيفى الذى كان يشغل أيضاً منصب المستشار القانونى لجريدة الأهرام وأعضاء من المسلمين والأقباط وهم محمد فؤاد أبو هميلة , وألبرت برسوم سلامة , وكمال الشاذلى , ورشدى سعيد , وعبد المنصف حزين , ومحب إستينو – وأدت مهمتها بعد الإستماع إلى كل الأطراف وقدمت تقديراً ممتازاً وصدرت فى تقريرها عدة حوادث مثل إعتناق شابين بالإسكندرية للمسيحية عام 1970
وسرت هذه الأخبار بين الناس يتضمن , فقام أئمة المساجد بالهجوم على القساوسة الذين إعتقدوا أن لهم نشاط تبشيرى – وأعدت مديرية الأوقاف تقريراً سرياً وبعد عامين تناقلت الأيدى هذا التقريرالسرى , وتم توزيعة – كما تبين أن إعداد الدستور الدائم بما فية من دين الدولة الإسلام وقانونها الشريعة الإسلامية - من أسباب تخويف الأقباط كما تضمن التقرير أسلوب حلول المشاكل المشابهه
ويحكى محمد حسنين هيكل :
(3) ما حدث فى موضوع حادثة الخانكة فقال : " ذهبت لمقابلة الرئيس السادات فى بيته فى الجيزة أعرض عليه وجهه نظر مفصلة فى إمكانية الحل . كان رأيى أن قضية الخط الهمايونى لازالت أكبر سبب للمشاكل , وأنه لابد من حل " يعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ثم رويت للرئيس السادات كيف جرى حل هذه المشكله عملياً أيام الرئيس عبد الناصر ومن خلال إتفاقه مع البابا كيرلس على وضع عدد معين من تصريحات بناء الكنائس الجديدة تحت تصرف البابا , وكان رأيى أن ذلك لايحل المشكلة عملياً فحسب , وإنما يرضى مشاعر البابا حين يجعله يحس أنه يملك صلاحيات عملية وفعالة كرئيس لكنيسة عالمية كبرى .
وسألنى الرئيس السادات كم عدد الكنائس الجديدة التى صرح بها عبد الناصرسنوياً للبابا كيرلس , وحين ذكرت العدد .. ( خمسة وعشرين كنيسة سنوياً ) هز الرئيس السادات رأسة معترضاً قائلاً : " إن ذلك كثير جداً " ويعقب أسامة سلامة فى كتابة على عبارة السادات قائلا " معنى هذا أن السادات كان إلى جانب الحد من بناء الكنائس فهو يرى أن بناء 25 كنيسة كل عام كثير وهو الرقم الذى أعطاه عبد الناصر للبابا كيرلس فإن صح الأمر فإن هذا يعنى طائفيه (تعصب) السادات فى هذا المجال أو خوفه من التيار الدينى
(4) وبناء على نصيحة محمد حسنين هيكل إجتمع السادات بالمجلس الإسلامى الأعلى برياسة شيخ الأزهر ثم إجتمع بالبابا شنودة ومعه الأساقفة وصرح لهم بإنشاء خمسين كنيسة بدلا من ببناء خمسة وعشرين كنيسة سنوياً التى صرح بها عبد الناصر .
وتحدث إليهم فى حل مشكلة الأوقاف المسيحية القبطية , فى رسالة معناها "إن الوطن أحوج ما يكون الآن إلى وحدته الوطنية وإن التسابق فى بناء المساجد والكنائس تسابق حافل بدواعى الإثارة , وإن إحتياجات التطور الإجتماعى لاتتطلب فقط بناء مساجد وكنائس جديدة , ولكنها تطلب أيضا ًبناء مدارس ومستشفيات جديدة "
وفوجئ السادات بالحفاوة التى أستقبل بها أثناء الإجتماع ثم نظر لساعته فى حركة تمثيلية من الحركات التى كان يخرجها على مسرح حكمه السياسى لمصر
وقال لمن حوله من الرهبان أعضاء المجلس المقدس – وعلى رأسهم البابا حان موعد صلاه الظهر , ثم قام يؤدى صلاة الظهر فى غرفة الإجتماعات وكان الصور تلتقط له أثناء الصلاه ونشرتها كل الصحف فى اليوم التالى على عرض صفحاتها الأولى وبدأ فيها " الرئيس المؤمن " يصلى الظهر بينما رهبان المجمع المقدس يظهرون وراءه فى خلفية الصورة .
وكان محمد حسنين هيكل فى بيت السادات ينتظره فسئله : " كيف سارت الأمور ؟ " فكان ردة " رائعاً " ثم راح يصف لى كيف إستقبله شنودة وكيف قال له : " أنه زعيم الشعب وأب كل طوائف الأمة وراعيها جميعاً " ثم إستطرد قائلا : " إن شنودة ليس سيئاً كما تصورت " وأضاف السادات وقلت : " لقد قلت له كيرلس كان تحت تصرفه تصريحات ببناء 25 كنيسة , وسوف أضع تحت تصرفك أنت تصريحات بخمسين " وقال هيكل : " إنك كنت تستكثر خمساً وعشرين , وعلى أى حال أنا سعيد لأنك أعطيته خمسين " وقال السادات : " إنك لاتتصور ماذا قال لى , إنه لم يتوقف لحظة طول الوقت عن تكرار قوله إنك قائدنا وزعيمنا وأبونا وراعينا "
(5) إلا أن هذه الوعود تبخرت عند بزوغ النهار فقد حدثت شكاوى من رجال الدين المسيحى من النبوى إسماعيل وزير داخلية حكومة السادات الذى كان يتباطأ فى تنفيذ تعلميات رئيسة ببناء 50 كنيسة , ووضع العراقيل الروتينية !
وقال البابا شنودة : " إنه لم يتم تنفيذ هذا القرار " !!
(6) ولما وجد البابا شنودة أن بناء الكنائس داخلياً قد توقف راح يركز على كنائس الخارج ويتوسع فيها ويرسم لها أساقفة جدد , خاصة فى أمريكا الشمالية وكندا وأستراليا ولم يترك القارة الأفريقية وبدأ يمد نشاط الكنيسة القبطية إلى كل أرجائها .
وراح يحقق تواجداً دولياً ملحوظاً لكرسى مرقص الرسول – وكان من الخطوات ذات الدلالة فى هذا الإتجاه أن البابا شنودة وقع فى سنة 1973 إعلاناً مشتركاً مع البابا " بول " الجالس على عرش الفاتيكان فى روما وقتها , يعربان فيهما عن إهتمامهما المشترك بتحقيق الوحده بين كل الكنائس المسيحية .