العدد 1: أية 1 :- من اين الحروب و الخصومات بينكم اليست من هنا من لذاتكم المحاربة في اعضائكم. الحروب = العداء المستمر الخصومات = المشاجرات لذاتكم المحاربة = الرغبة فى المسرات الأرضية، وهذه تجذب الإنسان لأسفل عكس الروح الذى يحاول أن يجذب الإنسان للسماويات. وهذه اللذات هى مركز الصراع والحرب بين أمة وأمة وبين إنسان وإنسان بل هى تحارب الإنسان نفسه حرباً داخلية، فهى حين تجذبه بعيداً عن السماويات فهى تفقده سلامه. ولاحظ أن الرسول كان يتكلم فى الإصحاح السابق عن التشويش وعدم السلام. وهنا وضع السؤال، من أين تجئ الخلافات التى تسود بينكم؟ ويرجع الرسول السبب لشهوات الإنسان، وذلك لطبع الشهوة، أنها لا تكتفى بما عندها. فحينما يخضع الإنسان لشهواته ويفسح المجال أمام لذاته، ويعمل على إشباع نزواته تنشأ الخصومات. الرسول يحاول أن يذكرنا أن العلة الأولى للخطية ترجع للإنسان ذاته. فالمنازعات والخصومات تنبع لا عن مضايقات الغير بل عن ضعف الإنسان الداخلى وهزيمته فى الحرب الخفية التى ميدانها النفس. فالإنسان المستسلم لشهواته هو إنسان مهزوم داخلياً. هناك قاعدة عامة، وهى أنه علينا أن لا نبحث عن سلامنا فى الخارج، بل أساس المنازعات هو حرمان القلب من السلام الداخلى، والسبب هو الإبتعاد عن السماويات والروح القدس الذى يجذب للسماويات. وعدم الإستماع للروح القدس يطفئه فيفقد الإنسان سلامه، فالسلام ثمرة للإمتلاء من الروح القدس. وهذا يأتى بالإستسلام للذات الجسد فيفقد الإنسان حياته. اللذات تهاجم الإنسان الجديد المولود فى المعمودية. أما من يقاوم ولا يستسلم (يقاوم شهوات جسده) فإنه وإن ضايقه الجميع وساءت الظروف المحيطة به وفقد كل شئ فهو لن يفقد سلامه الداخلى ولا يدخل الخوف قلبه، ولن يدخل فى حروب مع أحد، إذ هو لا يريد شيئاً. المرض والفشل أيضاً ليسوا أسباب لفقدان السلام، فالسلام هو عطية يعطيها الله ويملأ بها القلب بغض النظر عما فى الخارج. لكن هناك من يتصور أن لذة ما أو حصوله على أموال يضمن بها مستقبله ستاتى له بالسلام، وهذا خطأ. فمن يتصارع مع عائلته وكسب المعركة وأخذ كل الأموال لن يمتلئ سلاماً بهذه الأموال، أما من يترك الأموال لهم، ويرى الفرح فى عيونهم سيمتلئ سلاماً. والسؤال الآن.. هل نأخذ السلام من يد المسيح أو نتصور أن له مصدر أخر أى ما نتصور أن فيه إشباع ملذاتنا. العدد 2: أية 2 :- تَشْتَهُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ. تَقْتُلُونَ وَتَحْسِدُونَ وَلَسْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنَالُوا. تُخَاصِمُونَ وَتُحَارِبُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ، لأَنَّكُمْ لاَ تَطْلُبُونَ. تشتهون ولستم تمتلكون : الرسول هنا يحارب شهوة حب الإقتناء، فالإنسان يظل طوال حياته يسعى ويسعى لكى يمتلك. وإن طال لإمتلك الدنيا كلها لكن : - 1. لا ديمومة للإمتلاك. فما عندى قد يتركنى يوماً ما أو أتركه أنا وأموت. 2. الشهوات كالسراب، تجذب الإنسان ليجرى وراءها فيضل الطريق ويزداد عطشاً دون ان ينال شيئاً فهى لذات مخادعة. ولذلك شبه العالم بالبحر بمائه المالح فهو لا يروى أحد ولا يطفئ عطش مهما شرب منه الإنسان. 3. طبيعة الشهوة أن يشعر الإنسان دائماً بعدم الإكتفاء ويسعى للأكثر. فمثلاً لو أشبع سليمان 999 إمرأة لما سعى لإقتناء المرأة رقم 1000. 4. التفسير السهل للآية أن الإنسان يشتهى ولكنه غير قادر أن يمتلك ما يشتهيه ربما لنقص المال، فيشعر بالحرمان. والعجيب أنه يظل يعانى لأنه محروم من تفاهات هذا العالم، اما من يشتهى الله فيستطيع أن يمتلكه بسهولة لو طلب ذلك، كما قالت عروس النشيد " انا لحبيبى وحبيبى لى (نش 6: 3). ونجد بطرس يقول للمقعد على باب الهيكل " ليس لى ذهب ولا فضة ولكن الذى لى فإياه أعطيك "(أع 3: 6). وما الذى كان لبطرس " بإسم يسوع المسيح الناصرى قم وإمش " والإسم أى قدرة وقوة يسوع. ماالذى يستطيع الذهب والفضة أن يعملاه بجانب إمتلاك قوة يسوع. لو ظهر الرب لأحد الآن وقال له ماذا تشتهى، أخاف أن نطلب شيئاً من نفاية هذا العالم ولا نطلبه هو شخصياً. تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون أن تنالوا = فى محاولتكم أن تمتلكوا ما تشتهون تكونوا على إستعداد أن تتقاتلوا، فالمال مثلاً يتصور البعض أنه حق ينبغى أن نتقاتل عليه. فتتخاصمون وتحاربون بعضكم البعض وتسوء العلاقات بينكم وبين الآخرين وتدخلون معهم فى خصام وشجار وحروب. وإن لم يصل الأمر للقتال تكتفون بأن تحسدوا بعضكم أى تشتهون بمرارة وحقد. ويسترسل الرسول أنه مع كل هذا فأنتم غير قادرين أن تنالوا. ربما لأنه صراع يائس للحصول على شىء صعب الحصول عليه، أو ربما حصلتم على شىء ولكن فقدتم سلامكم وفرحكم وكأنكم ما حصلتم على شىء. وكان هناك طريق سهل للحصول على ما تطلبون، أن تطلبوا من الله ما تريدونه = لستم تمتلكون لأنكم لا تطلبون = فأنتم لا ترفعون صلواتكم إلى الله بما تحتاجون إليه، فالإنسان الذى يفيض قلبه بالكراهية لا يمكن أن يرفع قلبه بالصلاة. ولاحظ أن الله يستجيب لطلباتنا التى نقدمها فى الصلاة إذا طلبناها بإيمان وإذا كانت بحسب مشيئته (1 يو 5 : 14) ومشيئة الله هى خلاص نفوسنا (1 تى 2 : 4) فالله سيعطينا ما لا يمنع خلاص نفوسنا. فبولس طلب الشفاء بإيمان، والله قال لا.. لأن الشفاء كان يتعارض مع خلاصه. الرسول هنا يعاتب من لا يطلب من الله بل يحاول أن يأخذ حقه بالقوة. ويحدث ما قاله الرسول فى هذه الأية حينما تقوم خصومات فى ظاهرها أنها من أجل الحق، لكن حقيقة دافعها هى اللذات المحاربة فى الأعضاء أى حب الإقتناء أو الكرامة الزمنية أو أى دوافع أرضية أخرى. وهذه اللذات تدفع للبغضة والحسد. وكلمة تقتلون هنا ربما لا تصل للقتل حقيقة بل تفهم بمعنى الكراهية (1 يو 3 : 15) أو قد تصل فعلاً للقتل، كما قتلت إيزابل نابوت اليزرعيلى لتمتلك أرضه... ولكن القصة إنتهت بأن الكلاب نهشتها ولحست دمها. العدد 3: أية 3 :- تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيّاً لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ. هنا نرى فئة تطلب لكنها لا تأخذ، فهى تطلب طلبات جسدية، والله لا يستجيب لصلاتهم لأنها ليست بحسب مشيئته وليست للبنيان، بل هى ضارة لمن يطلبها. فهناك من يطلب غنى وكرامة ليزداد تعلقاً بالأرض ولا يرتفع قلبه للسماء. لذلك طلب منا السيد " أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم ". الله يريد أن نهتم بالسماء ونشعر بالغربة فى هذا العالم "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو 3 : 1). العدد 4: أية 4 :- أَيُّهَا الّزُنَاةُ وَالّزَوَانِي، أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ لِلَّهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبّاً لِلْعَالَمِ فَقَدْ صَارَ عَدُّواً لِلَّهِ. أيها الزناة = فى العهد القديم سميت عبادة الأوثان بالزنا، فهى زنا روحى أى خيانة عهد الله. والرسول هنا يستعمل نفس التسمية لمن إرتبط قلبه بالعالم تاركاً محبة الله، كل من يسعى وراء إنسان أو شهوة أو مادة رافضاً الإتحاد بالمسيح عريس النفس فهذا يسمى زنا. وبولس الرسول يشبه الكنيسة بعروس مخطوبة للمسيح (2كو11: 2) وهى عذراء عفيفة إذ لا تقبل محبة العالم وشهواته رجلاً لها مكتفية بالمسيح يسوع عريساً لها. فأى محبة لغير الله هى خيانة لله. وهم زوانى لأنهم أحبوا غير الله. والله قادر أن يشبع النفس لذات روحية، ومن يذهب لغيره يعاديه. الله خلق العالم لنستعمله ولكن لا ننشغل به عن الله نفسه، ويصير هدفاً لنا ونعبده، ونرتبط بمغرياته ساقطين فى فخاخه تاركين الله، ومن يفعل هذا فقد صار عابد وثن. العدد 5: أية 5 :- أَمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ بَاطِلاً: الرُّوحُ الَّذِي حَلَّ فِينَا يَشْتَاقُ إِلَى الْحَسَدِ؟ الكتاب يقول " لأن أنا الرب إلهك غيور" (خر 20: 5 + 34: 14) + (تث 4: 24 + 5: 9 + 6: 15) + (يش 24: 19) + (حز 39 :25) + (زك 8 : 2)، وهذا معنى يشتاق إلى الحسد. فكلمة الحسد صحة ترجمتها الغيرة. باطلاً = على غير أساس. الروح الذى حل فينا = هو الروح القدس الساكن فينا. وهو روح الله الغيور. هنا نرى أن الروح، روح الله عنده رغبة حارة وشوق = يشتاق. هو إشتياق متدفق تجاه الذين إتحدوا بالمسيح. هى محبة تصل إلى حد الغيرة نحو العروس التى خطبها للمسيح. والروح يغير على الإنسان المؤمن من أن يتجه بقلبه للعالم كمنافس للمسيح. الله لو لم يكن محباً للنفس لما غار عليها. العدد 6: أية 6 :- وَلَكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَةً أَعْظَمَ. لِذَلِكَ يَقُولُ: "يُقَاوِمُ اللَّهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً". ولكن يعطى نعمة أعظم = العالم يجذبنا بقوة، ولكن الله فى غيرته علينا لا يتركنا وحدنا حتى لا نخور فى أنفسنا، بل يعطينا نعمة أى قوة جبارة أعظم من قوة جذب العالم. " فإنه حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً (رو 5: 20). ولكن من الذى يحصل على هذه النعمة ؟ المتضعين = أما المتواضعون فيعطيهم نعمة (أش 57: 15) + (أم 16: 18) + (1صم1: 3، 4، 8، 10) أما المتكبرين فهم قد إرتبطوا بروح إبليس المعاند. المتكبرون هم من يشعروأ أنهم مصدر النعمة التى هم فيها وليس الله. ماذا نعمل اذاً ؟ يضع الرسول برنامجاً. 1. إخضعوا لله : أطيعوا وصايا الله. 2. قاوموا : إهربوا من الخطية وأماكنها. 3. إقتربوا : التصقوا بالله فى الكنيسة وفى مخادعكم. 4. نقوا أيديكم.. طهروا قلوبكم.. نوحوا = التوبة. العدد 7: أية 7 : - فَاخْضَعُوا لِلَّهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. فإخضعوا لله= بإنسحاق وإنكسار كما خضع الإبن الضال. ومن يخضع لله، لا يكون لإبليس سلطان عليه بل يهرب منه. ولكى ننتصر على إبليس نحتاج أمرين :- 1. أمر سلبى بأن نقاومه بقدر الإستطاعة بالهروب من أماكن الخطية = قاوموا إبليس. 2. أمر إيجابى بأن نقترب لله فنتقوى (أية 8). ويشبه ذهبى الفم الشيطان بكلب لا يبرح ملتصقاً بمائدة صاحبه مادام يلقى إليه بين حين وآخر شيئاً منها. لكن إن كف عن ذلك فسيبقى إلى حين ثم ينقطع رجاؤه ويهرب من المائدة ليبحث عن مائدة أخرى، هكذا يلزمنا أن نقاوم إبليس على الدوام ولا نعطيه مكاناً فينا (أف 4: 27). يهرب منكم = هذه تشير لضعف إبليس إذا قاومناه بإيمان. العدد 8: أية 8 :- اِقْتَرِبُوا إِلَى اللَّهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ. إقتربوا إلى الله = بالصلاة والتسابيح ودراسة الكتاب وإلتصقوا بالرب سواء فى مخادعكم أو فى الكنيسة. فيقترب إليكم = سامعاً لطلباتكم ومستجيباً لصلواتكم (لنلاحظ أنه يمكننا القول إقتربوا من إبليس يقترب منكم ويسهل لكم طريق الخطية) والإقتراب إلى الله يبدأ بالتوبة نقوا أيديكم.. طهروا قلوبكم ثم بالعشرة والحياة المقدسة المباركة مع الله. وما إن نرجع إلى الله يرجع الله إلينا (زك1: 3) + (رؤ3: 2) والله لا يسمع إلا لمن أيديه طاهرة، وقدم توبة وإستمر فى قداسته. وراجع (1تى 2: 8) + (مز24: 4) + (أش 1 : 15) نقوا أيديكم = من الأفعال الفبيحة. هذه التى يراها الناس. طهروا قلوبكم = هذه عن الأفعال الداخلية كالشهوات والأفكار الرديئة. يا ذوى الرأيين = هذه عن من قلوبهم منقسمة بين محبة الله ومحبة العالم (ساعة لقلبك وساعة لربك) بينما الله يطلب القلب كله غير منقسم "ياإبنى إعطنى قلبك". إذاً طهارة القلب تعنى وحدة الهدف وأن يكون الهدف هو الله. أما المنقسم قلبه بين محبة الله ومحبة العالم فهو من يعرج بين الفرقتيين (1مل 18: 21). العدد 9- 10: الأيات 9، 10 :- اكْتَئِبُوا وَنُوحُوا وَابْكُوا. لِيَتَحَوَّلْ ضِحْكُكُمْ إِلَى نَوْحٍ وَفَرَحُكُمْ إِلَى غَمٍّ. اِتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ. هذه دعوة للتوبة والبكاء بسبب خطايانا وبسبب عدم الإمانة مع الله، ولا شك أن التوبة تتحول إلى بركة، والدموع هى سلاح نحصل به على طلباتنا من الله (مز6: 6) + (نش 6: 5). وهذه الآية ليست دعوة لأن نحيا فى غم، وهى ليست متعارضة مع دعوة بولس الرسول لأن نفرح "إفرحوا فى الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا (فى 4: 4). بل التوبة بدموع هى طريق الفرح الحقيقى، فنحن لا نفتعل الفرح، بل حينما نبكى على خطايانا يسكب الله الفرح فى قلوبنا. الله يفرح بالتائب ويملأه فرحاً، يحول أحزانه إلى أفراح " فأنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكنى سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم (يو16: 22). إذاً البكاء والحزن على الخطية هما الطريق للفرح الحقيقى الذى يعطيه الرب. والحزن ليس على شئ مادى نفقده، بل حزن توبة، حزن نابع من أن خطايانا سببت حزناً لله. وبدون مشاعر الحزن والنفور من خطايانا لن نتركها. ونحن نحزن إذ نشعر وندرك نتائج خطايانا السيئة. ولاحظ أننا حين نشعر بخطايانا علينا أن ننسحق أمام الله = إتضعوا قدام الرب. فيرفعكم = فى الحياة الحاضرة يهب لنا القدرة على عمل الفضائل ونرتفع عن الرذائل. وفى الحياة الأتية نرث مجداً معداً لنا. والدعوة للتواضع رأيناها فى أية 6 فالتواضع والإنسحاق هما الطريق لله. العدد 11- 12: الأيات 11، 12 :- لاَ يَذُمَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُّهَا الإِخْوَةُ. الَّذِي يَذُمُّ أَخَاهُ وَيَدِينُ أَخَاهُ يَذُمُّ النَّامُوسَ وَيَدِينُ النَّامُوسَ. وَإِنْ كُنْتَ تَدِينُ النَّامُوسَ فَلَسْتَ عَامِلاً بِالنَّامُوسِ، بَلْ دَيَّاناً لَهُ. وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ. فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟ نصيحة الرسول السابقة أن نتضع قدام الرب، ومن علامات عدم الإتضاع إدانة الإخوة وذمهم. فمن يدين الأخرين يأخذ وظيفة الله وحقه فهو الديان. والإدانة تحمل فى طياتها الكبرياء والكراهية. لذلك فلأنسحق وأدين نفسى لا الأخرين. الذى يذم أخاه يذم الناموس ويدين الناموس = لأن الناموس يوصى بمحبة القريب، فكأنكم بتصرفكم هذا تحكمون على الناموس بأنه خطأ، أو كأن وصية الناموس بالمحبة ليست وصية سليمة. فهل ندين الناموس الذى وضعه الله. وقوله أيها الإخوة = حتى يدركوا أنه علينا أن نحتمل ضعفات بعضنا البعض. ومن يرفض الناموس ويدينه فهو يرفض واضعه لأنه واحد هو واضع الناموس = فلا يصح أن أضع أنا ناموساً خاصاً بى وأنا تراب. واضع الناموس قال أنه على أن أحب الأخرين فلأحبهم ولا أدينهم. ونلاحظ أنه لو ترك للإنسان أن يدين الآخرين فسيهلك الخطاة، ولكن الله بسابق علمه يرحمهم فهو يعرف أنهم سيقدمون توبة فى المستقبل، ومن يضع الناموس هو وحده الذى له الحق أن يدين من يخالف هذا الناموس. العدد 13- 16: الأيات 13-16 :- هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: "نَذْهَبُ الْيَوْمَ أَوْ غَداً إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ تِلْكَ، وَهُنَاكَ نَصْرِفُ سَنَةً وَاحِدَةً وَنَتَّجِرُ وَنَرْبَحُ". أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ. عِوَضَ أَنْ تَقُولُوا: "إِنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هَذَا أَوْ ذَاكَ". وَأَمَّا الآنَ فَإِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هَذَا رَدِيءٌ. سر إنجذابنا للشهوات وإنشغالنا بالأرضيات هو عدم إدراكنا لحقيقة غربتنا على الأرض أو تناسينا لها ز بل أن حياتنا هى بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل. ولضعفنا ولأننا مخلوقين علينا أن نحيا حياتنا فى إعتماد وإتكال على الله. ولاحظ أن الرسول يدعو للإتكال على الله وليس التواكل. هنا نرى شهوة الغنى وتعظم المعيشة دون تسليم لإرادة الله. ونلاحظ أنه ليس من الخطأ أن يذهب تاجر ليتاجر ويربح، ولكن الخطأ أنه يكون معتمداً على قدراته وفكره وليس على الله مثل الغنى الغبى (لو12: 16). مثل هؤلاء يتصرفون كما لو كانوا قد أمسكوا زمام المستقبل بأيديهم. ولقد كانت عادة التجار أن يذهبوا إلى مدن أخرى ويقضوا حوالى عام ليتاجروا ويربحوا ثم يعودوا إلى بلادهم. والرسول يطلب منهم أن لا يعتمدوا ويتكلوا على ذواتهم بل يعتمدوا على بركة الرب ويقول إن شاء الرب وعشنا وعليهم وعلينا نحن أيضاً أن نقول هذا بالقلب لا بالفم (1كو 4: 19). وذلك بتسليم الإرادة والمستقبل لله قلبياً. فكثيرين منا صاروا يقولون عبارة " إن شاء الله " بالفم دون تسليم المشيئة لله فعلاً، ودون الإتكال عليه بكل القلب. العدد 17: أية 17 :- َمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَناً وَلاَ يَعْمَلُ، فَذَلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ. السبب أن معرفته تكون شاهدة عليه يوم الدين. وهنا الرسول يعطى تعليماً لمن يسمعه أن يسعى لأن يعرف ويعمل الأعمال الحسنة لا أن يكتفى بالمعرفة فقط. الرسول يشرح هنا أن الخطية ليست فقط هى فعل الشر بل الإمتناع عن فعل الخير. وهذه توجه لمن يعتذر عن القيام بخدمة الله. هذه هى المسيحية الإيجابية. الرسول هنا كأنه يقول "لقد علمتكم حسناً. فلتعلموا ولا تخطئوا".