تفسير رسالة كورنثوس الثانية - الأصحاح 5 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1:
آية 1 :- لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي.

في إصحاح (4) الأيات 10، 11، 14 رأينا أنه مع الضيقات التي تصل للموت فإن هناك قيامة. وهنا نرى أن القيامة ستكون بجسد ممجد. ومعنى الآية نحن لا نتزعزع في الضيقات لأننا نعلم = أي بيقين الرجاء. أنه إذا كان هذا البيت الأرضي أي الجسد = الخيمة = الذي هو بيت وقتي تسكن فيه النفس، يمكن أن ينقض ويحل ويطوى كما تحل الخيمة عند الرحيل، وهذا التشبيه بسبب أننا بالموت يتحلل جسدنا. لكن لنا بيتاً آخر قد أعده الله، ذلك هو الجسد الممجد (في 3 : 20، 21) الجسد النورانى الجديد الذي لم يصنع بيد بشرية. وهذا التشبيه مأخوذ من الخيمة التي كانت ترافق بنى إسرائيل في ترحالهم في سيناء، ولكن عندما إستقروا في أرض الميعاد (رمزاً لكنعان السماوية) بنوا هيكلاً ثابتاً فخماً لا يقارن بالخيمة الأولى، والخيمة تستخدم في الترحال في أرض الغربة، والبيت يستخدم في الوطن، ونحن غرباء في هذا العالم. لكن وطننا في السماء. لو نُقض بيت خيمتنا الأرضي = أي حُلَّتْ الخيمة أي متنا والمسيح قيل عنه " والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا " (يو 1 : 14) كلمة حلَّ أصلها خَيَّمَ بيننا أي صار له جسد كجسدنا قابل للموت. غير مصنوع بيد = بإرادة أبى وأمي، وقارن مع (يو 1 : 13) " الذين وُلِدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل " فالمصنوع بيد ينقض، ولكن المصنوع بيد الله لا يمكن أن ينقض. ومن يؤمن أنه سيرث مجد أبدى بجسده الممجد لا يطلب كرامة زمنية، أو راحة زمنية لجسده الحالي، ولا يتضايق من الألام الحالية.


العدد 2:
آية 2 :- فاننا في هذه ايضا نئن مشتاقين الى ان نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء.

نئن = طالما نحن في هذه الخيمة سنظل نئن من الألام والأمراض. مشتاقين أن نلبس فوقها = فوق الخيمة أي الجسد الحالي، نلبس فوقه الجسد الممجد = مسكننا الذي من السماء = أي ننتقل من الشكل الحالي للشكل الممجد، ونحيا في حياة بلا ضيقات ولا ضعف. وهذا يحدث لنا لو ظهر المسيح الآن (1كو 15: 51، 52)


العدد 3:
آية 3 :- وان كنا لابسين لا نوجد عراة.

عراة = روح بدون جسد ممجد ولا جسد أرضى، فكلاهما يكونان كلباس للروح


العدد 4:
آية 4 :- فاننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة.

نئن مثقلين = من فكرة الموت وما يحدث بعد الموت من عفونة للجسد.

إذ لسنا نريد أن نخلعها = لسنا نريد تحطيم الجسد، بل نكتسب القوة الروحية، قوة الجسد الممجد النورانى. نريد أن يتروحن هذا الجسد دون أن يموت، فالإنسان أي إنسان لا يفرح بفكرة الموت بل يكرهها وينفر منها. ولذلك قال الرسول عن الموت أنه عدو للإنسان (1كو 15 : 26).

المائت = الجسد الحالي. الحياة = الجسد الممجد. ولكن كيف نوفق بين هذه الآية وبين الآية الشهيرة " لي إشتياق أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً " (في 1 : 23). لنفهم هذا.. لنتصور مريضاً يعانى من ألام مبرحة في بطنه تجعله لا ينام، وإكتشف أن هناك حل جراحي يخلصه من ألامه، هو قطعاً سيشتهى هذا اليوم الذي يتخلص فيه من ألامه، لكن كلما إقترب يوم العملية الجراحية قطعاً سيخاف من فكرة العملية ويتمنى لو وجُدت طريقة أخرى وهكذا نحن نئن من ألام هذا الزمان الحاضر (آية 2) ونشتاق لهذا المجد الذي وَعَدَنا به الله، ولكننا نئن أيضاً من فكرة الموت (4). ولاحظ أن بولس لو لم يكن يخاف الموت على الإطلاق، ولو لم يكن في داخله أي ذرة خوف من الموت، لما كان قوله في آية (2كو 4 : 11) " لأننا نحن الأحياء نسلم دائماً للموت من أجل يسوع " أي بمعنى تقديم نفسه ذبيحة حب للمسيح.


العدد 5:
آية 5 :- ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي اعطانا ايضا عربون الروح.

الذي صنعنا لهذا عينه = أي صنعنا ليكون لنا جسد ممجد غير فاسد. وهذا نفهمه مِمّا حدث من لمعان وجه موسى إذ رأى جزءاً بسيطاً من مجد الله، بينما هو مختبئ في نقرة في الجبل، فماذا كان حال آدم وحواء في الجنة، والله يكلمهما وجهاً لوجه دائماً. أعطانا أيضاً عربون الروح = العربون هو سداد جزء من الدفعة يضمن سداد الدفعة كلها. فنحن في السماء سنحصل على الإمتلاء من الروح (رؤ 7 : 17) حين يقتادنا المسيح إلى ينابيع ماء حية. وما نحصل عليه من ثمار الروح القدس الآن من فرح وسلام ما هو إلا عربون ما سنحصل عليه في السماء إذ نمتلئ من الروح. واثقون = هذا لأننا تذوقنا العربون الآن. وبواسطة نعمة الروح القدس وعمله يتخلص المؤمن من الخطية ومن نتائجها أي من الموت الأبدي، فإننا في المعمودية نتخلص من أثار الخطية الأصلية وبالتبكيت المستمر على الخطية يقودنا الروح للتوبة فنتخلص من الموت الناتج عن الخطية، أي تكون لنا حياة الآن هي عربون الحياة الأبدية. والروح القدس هو الذي يشهد لنا بالميراث السماوي ويضمن لنا حصولنا على الجسد الممجد، هو الضامن للوعد.


العدد 6:
آية 6 :- فاذا نحن واثقون كل حين وعالمون اننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب.

متغربون عن الرب = أي لا نراه في مجده، لا نراه وجهاً لوجه، ولا نرى ملكوته. هذا طالما نحن في هذا الجسد. نحن الآن كمن إشترى بيتاً في أمريكا ومعه وثيقة الشراء ويسمع عن البيت دون أن يراه واثقون = راجع الآية 5


العدد 7:
آية 7 :- لاننا بالايمان نسلك لا بالعيان.

في هذه الحياة لا يمكننا أن نرى الرب عياناً " لا يراني الإنسان ويعيش " (خر 33 : 20) ولكننا نسلك في هذه الحياة الحاضرة بالإيمان، وفى السماء نرى الله عياناً. نراه كما هو (1يو 3 : 2 + 1كو 13 : 12)


العدد 8:
آية 8 :- فنثق ونسر بالاولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب.

نحن نأمل أن تنتهي حياتنا الأرضية لكي نذهب ونقيم على الدوام قريبين عند الرب. ولكن قوله نتغرب عن الجسد = غالباً يشير للحالة بعد الموت وقبل القيامة العامة، نكون فيها روح بلا جسد، لم نلبس بعد الجسد الممجد، فالمؤمن حين ينتقل لن يدخل المجد مباشرة بل ينتظر اليوم الأخير ليدخل المجد بجسده الممجد وتكتمل سعادته. ولكن في هذه الحالة أيضاً وقبل الحصول على الجسد الممجد سيكون أكثر سعادة من حالته على الأرض، وسيكون مستوطناً عند الرب.


العدد 9:
آية 9 :- لذلك نحترس ايضا مستوطنين كنا او متغربين ان نكون مرضيين عنده.

لذلك فإننا نحاول بكل إجتهاد أن نرضى الرب لأننا فيما بعد سنظهر أمام المسيح الديان لكي يأخذ كل منا جزاؤه بحسب أعماله، ووقوفنا أمامه أكيد


العدد 10:
آية 10- لانه لا بد اننا جميعا نظهر امام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان ام شرا.

هنا نرى حقيقة الثواب والعقاب بحسب الأعمال في القيامة العامة.

تعليق على الأيات 6 – 10 :- طالما هناك يوم سنجازى فيه، إذن فلنهتم بأن نرضى الله سواء ونحن في هذا الجسد = مستوطنون في الجسد. أو بعد دخولنا إلى الفردوس = بعد أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب. أي لا يشغل بالنا سواء كنا هنا أو هناك إلا بأن نكون مرضيين عند الرب. ويمكننا أن نتأمل في هذه الأيات بطريقة أخرى. ونفهم أن الذي يستوطن هذا الجسد هو من يحيا طالباً أن يمتع جسده بما ليس خطية، وأن المتغرب عن الجسد هو من يعيش يقمع جسده ويستعبده ويذله، مانعاً عن نفسه كل لذة في العالم (كالأباء الرهبان والسواح مثلاً)، فهؤلاء يكونوا كمن إستوطن عند الرب من الآن. إذ كلما يقمع الإنسان جسده يتذوق بالأكثر أفراح السماء. وسواء من تغرب أو من إستوطن في هذا الجسد فعليه أن يهتم بأن يرضى الرب دائماً. وكون أن المؤمن يحرم نفسه من كل ملذات العالم حتى يزداد فرحه بالرب هنا على الأرض أو في السماء يتفق مع قول السيد المسيح " من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها (مت 10 : 39)
العدد 11:
آية 11- فاذ نحن عالمون مخافة الرب نقنع الناس واما الله فقد صرنا ظاهرين له وارجو اننا قد صرنا ظاهرين في ضمائركم ايضا.

فإذ نحن عالمون مخافة الرب = نحن نسلك في مخافة الرب لأننا نعلم أنه سيجازى كل واحد بحسب ما كان عمله، فمن يعرف قداسة الله وعقاب الخاطئ ورعب يوم الدينونة سيخاف أن يعمل الشر، من يعلم أن قداسة الله وغضبه من الخطية وصل لصلب المسيح، فهو نار آكلة وينتقم من الخطية، كلما عرف أحد قداسة الله يرتعب من الخطية ونتائجها. وبولس يقول هنا أنه يعرف كل هذا. هو لا يمتنع عن عمل الشر فقط بل نقنع الناس =

1) بتعاليمه يقنع الناس أن يتركوا الخطية حتى لا يهلكوا في ذلك اليوم

2) يرى الناس نقاوته فيكون كقدوة لهم، والخادم النقي يكون مقنعاً في تعاليمه. فإذا حدث خلاف بين تعاليم الخادم وبين حياته الشخصية لا يكون مقنعاً للناس. وأما الله فقد صرنا ظاهرين لهُ وأرجو أننا قد صرنا ظاهرين في ضمائركم أيضاً = صار ظاهراً أمام الله بحياته ونقاوته التي سيكافئه الله عليها، ويرجو أن يعرف شعب كورنثوس هذا حتى لا يتعثروا بسببه، بل ليجاوبوا الرسل الكذبة هو هنا لا يتفاخر بنفسه، بل يدافع عن نفسه ضد من يشككون فيه، وغرضه أنه يريد أن يثبت صحة تعاليمه. هو يريد أن تكون طهارته وإخلاصه ظاهرين أمامهم ليدافعوا عنه أمام الرسل الكذبة.


العدد 12:
آية 12- لاننا لسنا نمدح انفسنا ايضا لديكم بل نعطيكم فرصة للافتخار من جهتنا ليكون لكم جواب على الذين يفتخرون بالوجه لا بالقلب.

ليس كلامي عن إخلاصي لله ولكم هدفه الإفتخار، إنما نعطيكم ما تجاوبون به على من يفترون علينا فلا تتعطل الخدمة. هؤلاء الذين يفتخرون بالوجه = أي بالسطحيات والمظهر الخارجي = الوجه. والمقصود

1) هؤلاء الكذبة الذين يدعون أنهم يحبونكم ظاهرياً وليس من قلبهم مثلى

2) هؤلاء الذين يفتخرون بما هو منظور وما هو مكشوف للعيان ويمارسون ما يعملون لأجل محبة الكرامة بينما هم فارغون داخلياً بلا أعمال صالحة. لا بالقلب = فضمائرهم تدينهم، فليس لديهم حقيقة، ما يفتخرون به، فهم لا يهتمون بالصفات الجوهرية وراحة الضمير، فمن يهتم بهذا تكون له حياة مقدسة هي صورة المسيح.


العدد 13:
آية 13- لاننا ان صرنا مختلين فلله او كنا عاقلين فلكم.

إننا نفعل ما نفعله بكل إخلاص ولسنا نقصد شيئاً من النفع الذاتي. صرنا مختلين = إذا كان يبدو لكم كلامنا هذا أنه مديح لأنفسنا، كما لو كنا نعمل عمل المختلين إذ نثنى على أنفسنا، فإنه على الرغم من أن عملنا هذا يمكن أن يفهم منكم هذا الفهم السئ ويمكن أن يحكم علينا منكم كمختلين إلاّ أن كل ما نفعله بغض النظر عن أحكامكم فإننا نفعله لمجد الله = فلله = فحينما تعرفون صدق رسوليتى ستؤمنون بما قلته لكم ويكون لكم هذا سبباً لخلاص نفوسكم ومجداً لإسم الله. وإن كنا عاقلين فلكم= إذا كنا في نظركم نتصرف بحكمة وإتزان وتواضع فبهذا تكونون قد عرفتم من أنا، ويكون كل ذلك من أجل نفعكم لكي تتعلموا منا كقدوة، واثقين في صحه تعاليمي.


العدد 14:
آية 14- لان محبة المسيح تحصرنا اذ نحن نحسب هذا انه ان كان واحد قد مات لاجل الجميع فالجميع اذا ماتوا.

معنى آية 13 أنه يعمل كل شئ لمجد الله. وهنا يقول لماذا... فلأن محبة المسيح تحصره أي تحيط به، يراها في كل خطوة في حياته، هذه المحبة التي أدت بالمسيح أن يموت عنا جميعاً، وكأننا متنا جميعاً في شخصه (في المعمودية) وبهذا غفرت خطايانا (رو 6 : 7 – 10). فبالمعمودية نتحد مع المسيح المصلوب في موته وقيامته. ومن مات لن يطلب كرامة زمنية، لذلك هو لن يهتم إن حسبوه مختل. لو كانت أعيننا مفتوحة مثل بولس سنرى أن كل حدث في حياتنا، حتى لو مؤلم سنرى فيه محبة المسيح التي تريدني أن أصل للسماء. نحن محتاجين لخلوة يومية نسمع فيها صوت الروح القدس يحدثنا عن المسيح (يو 16 : 14) فنكتشف محبته في كل تصرف. فالمسيح يعطينا الفرح " أراكم فتفرح قلوبكم" (يو 16 :22) ويعطينا السلام (يو 14 :27) والغلبة (يو 16 : 33). ونتبادل الحب معه فنشبع به. هو يشبعنا روحياً ومادياً. لكن عطايا المسيح هدفها وصولنا للسماء، وهذا قد يستوجب التأديب حتى نصلح للسماء، ولذلك فهو يسمح ببعض الألام لمن يحبهم ليتأدبوا (عب 12 : 6). ولكن لو أغدق المسيح علينا من خيرات الدنيا، مال وصحة وأملاك... الخ لأحببنا العالم وتعلقنا به. هنا بولس يريد أن يقول أنا أمام هذا الحب من المسيح الذي مات لأجلى، ويعطيني كل شئ، أنا مستعد أن أكون أمامكم كمختل ليتمجد إسمه.


العدد 15:
آية 15- وهو مات لاجل الجميع كي يعيش الاحياء فيما بعد لا لانفسهم بل للذي مات لاجلهم وقام.

قصة تشرح الأية :- سفينة بدأت في الغرق فأنزلوا الركاب في قوارب النجاة حتى تبقى راكبين، وآخر قارب لم يكن فيه مكان سوى لراكب واحد. وكان أحد الراكبين قديس والآخر شرير. وأجرى قائد السفينة قرعة، فأصابت القديس فبكى الشرير خوفاً من الموت. فقال له القديس خذ مكاني وعِش بحياتي ووافق ونجا. ولما عاد لمدينته كان كلما يريد أن يصنع الشر يذكر أنه كان من المفروض أن يكون الآن ميتاً، وهو الآن يحيا ولكن بحياة الرجل القديس، فكان يمتنع عن الشر. هذا القديس الذي غرق مع المركب هو المسيح الذي مات ليعطينا حياته. وهذا الشرير هو أنا وأنت الذين خلصنا بموت المسيح، وصارت لنا حياته بقيامته (رو 5 : 10) فماذا نقدم له إلاّ حياتنا كلها فهو الذي أعطى لنا الحياة. نحن لا نعيش الأن لأجل أنفسنا بل لأجل من مات وقام ليعطينا حياته. لذلك علينا أن نسلك كما يرضيه، لأننا مدينون بحياتنا للمسيح.


العدد 16:
آية 16- اذا نحن من الان لا نعرف احدا حسب الجسد وان كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الان لا نعرفه بعد.

لا نعرف أحداً حسب الجسد = بعد ما قدمه المسيح إذ مات ومتنا فيه، لن نتعامل مع أحد على أساس جسدي، أي على أساس الجنس الذي ينتمي إليه أو غناه وفقره، حكمته أو جهله، عموماً لن تكون لنا مقاييس جسدية، فنحترم هذا لغناه أو حكمته ونحتقر هذا لفقره أو جهله. أو نجامل هذا ونحبه بسبب قرابة جسدية. والسبب هو أننا كلنا متنا مع المسيح في المعمودية، وصارت لنا جميعاً حياة المسيح، فكيف أحتقر الفقير والمسيح يحيا فيه كما يحيا فيَّ لقد صار الجميع خليقة جديدة، صرنا جميعاً صورة المسيح الذي يحيا فينا. لذلك لا بد أن نحب كل أحد ونهتم بخلاص نفسه. وإذا كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد

1) قد تعنى إذا كنا سابقاً قبل أن نؤمن قد عرفنا المسيح معرفه ظاهرية بحسب ما تقدمه لنا حياته المتواضعة. لكن الآن لا نعرفه بعد = لن نعرف المسيح بهذه الطريقة، تعالوا إذاً لنعرفه كإله جبار قادر على كل شئ. لذلك لم يَدَعْ المسيح مريم المجدلية أن تلمسه إذ كان لم يرتفع في نظرها عن مستوى الجسد. كان كل ما تريده مريم أن تكفن جسده، هي تحبه ولكن بطريقة خاطئة، تحبه كإنسان وليس كإله جبار، لذلك كان لا يمكن أن تتلامس معه. ونحن حتى نتلامس معه فليكن لنا الإيمان الصحيح بأنه إبن الله القادر على كل شئ.

2) هناك من يطلب المسيح فقط لأجل بركات مادية ومثل هذا يسمع صوته " لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم (يو 6 : 26). فالمسيح يطلب أن نعرفه لشخصه المشبع لنا نفسياً وجسدياً وروحياً. ونهتم بالأكثر بالروحيات والسمائيات " أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم (مت 6 : 33). من لا يزال يعرف المسيح لما يحصل عليه من منفعة في هذا العالم فهو لم يعرفه بعد

3) ما زال هناك من يتكلم عن قوة الشيطان. ومؤامراته، وأن الله لا يتدخل، كما لو كان الله ضعيفاً أمام حيل الشيطان. ومن يفكر هكذا لن يعرف المسيح.

4) من يظن في نفسه أنه ضعيف، لا حول له ولا قوة إذ هو مسيحي، هذا يتصور أن المسيح ضعيف. ولكن مثل هذا عليه أن يعرف أن المسيح حينما لا يتدخل فهو يريد الأمور هكذا. فالسفينة لا يمكن أن تغرق طالما المسيح فيها مهما كانت الأمواج عالية، وهذا ما تصوره التلاميذ أن المسيح غير مهتم بهلاكهم.

5) ربما أن بعض المعلمين المتهودين إفتخروا بأنهم رأوا المسيح بالجسد، بينما أن بولس لم يراه بالجسد، فهم إذاً أفضل منه. ولكن اليهود رأوه بالجسد ولم يستفيدوا، بل صلبوه. الرؤية الجسدية لا تفيد، بل أن نراه بعيون القلب النقية، مثل هذه العيون تراه في مجده وتعرف حقيقته وليس بحسب الجسد.

6) من يتصور أن مقياس قوة المسيح ومحبته هي أن يعطينا أموالاً وصحة ومراكز ونصرة على أعدائنا... الخ من له مقاييس زمنية هو غير فاهم فالمسيح لم يعدنا بأشياء مثل هذه بل قال " في العالم سيكون لكم ضيق " المسيح لو أراد لأعطاك أموال الدنيا، وصحة كاملة ولكن هل يساعدك هذا في أن تصل للسماء. ربما من تزيد أمواله يتعلق بالأرض ولا يريد أن يتركها. لذلك فعطايا المسيح القوى هى بحساب، وهدفها أن نصل للسماء وعطاياه الآن سلام يفوق كل عقل وسط ألام وإضطهادات العالم، وفرح عجيب يعطينا إشتياق لأن يكمل فرحنا في السماء.. عطاياه عطايا روحية.

7) بولس تخلى هنا عن كبريائه وفخره كيهودى بإنتسابه لإبراهيم، وصار مصدر فخره هو حياته الجديدة في المسيح

إذاً فلنعرف المسيح بطريقة جديدة، كإله جبار قادر على كل شئ، ويساعدنا على هذا نقاوة قلوبنا لنراه في مجده. ولنعرف الناس ونحبهم حباً روحياً حتى لو كانوا أقرباء لنا جسدياً، نشتهى خلاص نفوسهم، لا تجذبنا فلسفة إنسان أو غناه ولا نخشى عظمة أحد، أو نحتقر الضعيف فالكل صار واحداً في المسيح.


العدد 17:
آية 17- اذا ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا.

إن كنا قد متنا مع المسيح إذ آمنا به وإتحدنا بموته وقيامته في المعمودية، فقد قمنا معه كخليقة جديدة، أمّا حالتنا القديمة التي خلقها فينا ناموس الخطية فقد إنتهت، لقد حصلنا على نفس جديدة وجسد جديد وعبادة جديدة ومواعيد جديدة وحياة جديدة في عهد جديد. المؤمن وُلِدَ من جديد في عالم جديد يختلف عن عالم الخطيئة الأول وصار له دوافع جديدة وأهداف جديدة في الحياة. الأديان الأخرى تعطى وصايا وتعاليم، أما المسيحية فتعطى حياة جديدة غير الطبيعة الخاطئة. فكثرة التعاليم لن تصلح الطبيعة الخاطئة، فالمسيحية لم تأت بتعاليم جديدة بل بحياة جديدة وطبيعة جديدة، هي تغيير جذري. الحياة الجديدة هي حياة المسيح فيَّ وهذه حصلناُ عليها بالمعمودية " مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ " (غل 2 : 20). إذاً حتى أتمتع بحياة المسيح فيَّ علىَّ أن اقبل أن أموت وأصلب عن شهوات العالم، أصلب مع المسيح فأقوم معه بحياة جديدة هي حياته. وأقبل الصليب الذي يضعه علىَّ.

هوذا الكل قد صار جديداً = لقد صار لنا مفاهيم جديدة لكل شئ : -

الحياة :- كان هدفها زيادة أموالنا وكنوزنا على الأرض، وصار هدفنا أن تكون لنا كنوز في السماء، وهدف حياتي هو مجد المسيح الآن.

العالم :- كان هدف نجرى وراءه. وصار الآن وسيلة نحيا بها بل نزهد فيه.

الفرح :- كان في الإمتلاك. فصار روحياً.

الحزن :- كان لخسارة مادية وصار الآن بسبب خطيتي أو هلاك نفس أحد.

العلاقات العائلية :- كان الإنسان يتصادم مع الله لو إنتقل أحد أقاربه، وصرنا نفهم أنه لابد أن أحب الله أكثر من محبتي لأقربائي، بل هم إذا إنتقلوا فهم في السماء، وكلنا في المسيح سواء من في السماء أو من على الأرض.

الألم :- كان عقوبة وصار شركة مع المسيح في صليبه، وصار تأديب لنا.

معرفة الله :- كان لطلب الماديات، وصارت لطلب التعزيات الروحية لقد صار المسيحي منشغلاً لا بما يرى بل بما لا يرى.


العدد 18:
آية 18 :- ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح واعطانا خدمة المصالحة.

كل هذا جاء لنا من الله بيسوع المسيح. وأعطى لنا نحن الرسل خدمة المصالحة = أي أعطى لنا أن نكرز ونبشر لكي نخدم هدف المصالحة مع الله، التي أسسها وأتمها السيد المسيح على الصليب. وهدف كل منا أن نعمل لنصالح الناس مع الله بأن نشهد لله ولمحبته للبشر.

خدمة المصالحة :- 1- على الخادم أن يقنع الناس أن طاعة الوصية هي الطريق ليقبلني الله ويتصالح معي. 2- قبول الصليب كعلامة حب من الله.

الله يرسل رسله وخدامه ليصالحوا الناس عليه، وعجيب أن القاضي يرجو المتهم أن يقبل العفو. فالشيطان يصور أي ألم يقع علينا أنه بسبب قسوة الله ويخفى السبب الحقيقي وهو أن الألم ناتج عن خطايانا.وخدمة المصالحة هي أن نشرح للناس أن الله"حول لي العقوبة خلاصا.. القداس الغريغورى " لقد صار الألم علامة محبة من الله، كأب يؤدب أولاده بسبب الإنحراف الموجود داخلهم. أمّا الشيطان فيصور لنا الألم أنه قسوة من الله، وان الله لو كان يحبني لشفاني من المرض، هو يوقع بيني وبين الله. والخادم عمله أن يعلم الكل كيف يجاوبون الشيطان على هذا الفكر الخاطئ :-

1- فلنقل مع المسيح " ليس بالشفاء وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج....

2- لو كان الألم علامة عدم محبة من الله، فهل الله كان لا يحب المسيح وهو على الصليب. بعد المسيح تغير مفهوم الألم، وصار شركة ألم مع المسيح المصلوب وهل كان الله لا يحب بولس بسبب أن هناك شوكة في جسده ؟! بل كان هذا ليكمل بولس، وهكذا كان أ لم أيوب طريقا لكمالِهِ.

3- الألم هو وسيلة أُصلب بها فأنفذ الآية " مع المسيح صلبت.. بل المسيح يحيا فيَّ "

4- صار الصليب والألم طريق الأكاليل " من تألم معه يتمجد معه " (رو 8 : 17)

صالحنا لنفسه = كل ما حصلنا عليه من بركات كان بسبب المصالحة التي عملها المسيح لنا مع الأب.


العدد 19:
آية 19: - اي ان الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة.

المسيح وحده هو الذي يستطيع أن يعمل هذه المصالحة بحكم أنه الإله المتأنس. الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه = أي أن الله كان متحداً مع المسيح، فالمسيح لم يكن إنسانا عادياً بل هو الله الظاهر في الجسد، فليس من حق إنسان مهما كان أن يعمل هذه المصالحة. وقوله الله كان في المسيح = تشير إلى أن المسيح لم يتم عمل الفداء كإنسان بل تعنى أن الإله المتأنس هو الذي قام بالفداء. غير حاسب لهم خطاياهم = كان هذا بالفداء أي بموت المسيح عنا، فخطايانا كانت عقوبتها الموت، والموت هو إنفصال عن الله بسبب الخطية فكيف يحل الله المشكلة ويعيد الحياة للإنسان ؟ هل يقول إذهب مغفورة لك خطاياك، وهل يقبل أن يعود للإتحاد بإنسان ملوث ؟ ! لذ لك كان لابد أن يموت المسيح ليغفر، وبعد ذلك يتحد بنا بعد أن تبرأنا فتعود لنا الحياة. واضعاً فينا كلمة المصالحة = يعطينا شعوراً داخلياً بالغفران فنشكره. أيضا يضع في أفواه خدامه الكلمة المناسبة ليصالحوا الناس علي الله.


العدد 20:
آية 20:- اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله.

في الآية 19 قال واضعاً فينا كلمة المصالحة، ولأن الله أرسلنا كرسل لنخدم عمل المصالحة فنحن نسعى كسفراء = لنقنع الناس أن يتصالحوا مع الله. وهنا فالسفير المثالي هو من يحيا المسيح فيه، ويقدم صورة المسيح للناس. نطلب عن المسيح = نرجو نيابة عن المسيح. مرة أخرى عجيب أن القاضي يرجو المتهم أن يقبل العفو. والرسل عملهم دعوة الناس أن يكفوا عن الخطية ويقبلوا أن يعيشوا في الحياة الجديدة فيتصالحوا مع الله، الله قدم دمه لغفران الخطية، وقَدَّم لنا حياة جديدة، وعلينا أن نمد أيدينا لنقبلها ونعلن الموافقة على أننا نرفض الخطية. فالمسيح يحيا فينا ويعطينا حياته كحياة جديدة لنا، لكن هذا لمن قبل أن يموت مع المسيح (غل 20:2) وقرار أن نموت مع المسيح هو قرار التوبة. ومن يحمل حياة المسيح فيه يكون سفيراًَ للمسيح حاملاً صورته أمام العالم.


العدد 21:
آية 21 :- لانه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لاجلنا لنصير نحن بر الله فيه

جعل..... خطية = كلمة خطية تترجم أيضا ذبيحة خطية، فيكون المعنى أ ن الله جعله ذبيحة خطية. ولكن الأ قرب للتصور أن الله جعله ممثلاً للخطية والخطاة. لأنه في مكان أخر يقول صار لعنة (غل 13:3).فما يقصده الرسول هو أن الله جعل المسيح ممثلاّ للبشرية في أقسى صورها، صورة الخطية واللعنة.وهذه تماثل قول الكتاب " والكلمة صار جسداً (يو 14:1) فكما أنه صار جسداً دون أن يفقد لاهوته، بل صار الجسد هو الظاهر أمامنا. هكذا هو لبس كل خطية للبشر وحملها عنا، ولبس صورة اللعنة إذ قبل أن يصلب والكتاب يقول ملعون كل من علق على خشبة (تث 23:21) كل هذا دون أن يتخلي عن بره. ولاحظ أنه قال خطية ولم يقل خطايا، لأن قوله خطية يشير لحالة الإنحطاط التي وصل إليها الإنسان. هذا حمله عنا المسيح وواضح أن اللعنة دخلت لنا بسبب الخطية، وكل هذا حمله عني المسيح بصليبه.

لنصير نحن بر الله فيه = كما كان المسيح ممثلنا في الخطية صار ممثلنا في البر. حينما إتحد بنا وهو بار بررنا أي صيرنا أبراراً. لكن برنا ليس من ذواتنا بل البر الذي في المسيح. الله يرانا في المسيح أبراراً إذ نحمل بره.

ومعني هذه الآية في علاقتنها مع ما سبق أنه لقد أصبح من السهل علينا أن تحقق المصالحة مع الله لأن المسيح الذي لم يعرف الخطية أي لم يرتكبها سمح الله أن يحاكم ويدان كخاطئ من أجلنا حتى يمكن لنا نحن أن نصير أبراراً لدى الله، أو لكي نصير نحن بر الله بواسطة إتحادنا بالمسيح. إن عبارة بر الله تعنى أن صفة البر هي من صفات الله، ولكن من ناحية أخري قد وهبها للبشر. وكذلك فإن الرسول لم يقل هنا لكي نصير براً بل قال نصير بر الله وذلك لكي يشير إلي عمل النعمة التي تهب لنا هذا البر. وقوله خطية مجردة أي أنه حمل كل أنواع خطايانا، وقوله بر أي أنه أعطانا كل بره.
أعلى