انتشرت، في خضم الأحداث، تعبيرات “محاربة الفساد”، “محاكمة الفاسدين”، واحتل “الفساد” مرتبة هامة في كمِّ حديث الناس عنه. والحقيقة أن الفساد أمر لا يُحتمل! بصفة خاصة عندما يكون بالقدر المرعب الذي كشفت عنه الأحداث.
لكن دعني أتوقف هنيهة عند تعريف الفساد عند الناس، فلقد لفت نظري أن الأغلبية تُجمع على أن “الفاسد” هو ذاك الذي سرق مبلغًا ضخمًا يقدَّر بالمليارات، أو هو من أساء استغلال وظيفته بشكل كبير أضرّ بالمصلحة العامة ضررًا بالغًا. ولاحظت أنه، في ظل الفساد الرهيب الذي يتحدثون عنه، لم يتكلم أحد عن “صغار الفاسدين”، الذين يكتفون بسرقة الآلاف أو ربما عشرات الآلاف فقط! أو الذين يخطئون أخطاءً يعتبرها البعض بسيطة.
لكن أدعوك للعودة إلى كلمة الله، لنجد التقرير الخطير:
«أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ، لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ». وإن أكملت معي القراءة لوجدت مظاهر الفساد عند الله على شاكلة: «حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً (لاحظ أن البداية بخطايا الكلام من سباب ومكر ومؤامرات ونميمة؛ الأمور التي يستصغرها الكثيرون!). أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ. وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. (على أن الأهم هو أنه لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ». (رومية3: 10-12؛ مزمور 14: 1-3، مزمور 53: 1-3).
وأحد تعاريف “فساد” شيء ما، هو: “فقدان الشيء لخواصه الطبيعية بحيث يصبح غير صالح لأداء الغرض المفروض من وجوده”. للتبسيط أستخدم مثالاً بسيطًا: متى نقول عن برتقالة إنها “فسدت”؟ حينما يتغير لونها، أو تظهر بها بؤر عفونة وتتغير رائحتها (تفقد خواصها الطبيعية)؛ فتصبح غير صالحة للأكل (الذي هو استخدامها الطبيعي).
وبناءً على تقرير الكتاب «الْجَمِيعُ ... فَسَدُوا» والتعريف السابق، دعنا نتناول بعض الأمثلة:
ولأبدأ بمثل قريب من كثيرين من القراء (“ومن غير زعل”)، ما رأيك في طالب يغشّ في الامتحان؟ أليس هذا فسادًا؟! فمن المُفترض أن نجاح طالب في امتحان يعني أنه ذاكر، واجتهد، وفهم، وأصبح قادرًا على استخدام هذه المادة الاستخدام الصحيح. لكن إذا نال درجات النجاح (ولا أقول “نجح” طبعًا) بالغش، فقد تغير شكل النجاح الطبيعي (وهو أن الطالب قد حصَّل هذه المادة جيدًا)، وما عاد صالحًا للاستفادة منه بتطبيق المادة تطبيقًا سليمًا. فبتطبيق التعريف، هذا فساد!!
وبالمثل..
إذا قصَّر عامل أو موظف في عمله، هذا أيضًا فساد.
إذا أخذت ما هو ليس حقَّك، ماديًا (من ممتلكات) أو معنويًا (من مدح أو كرامة)؛ هذا أيضًا فساد.
عندما تسيء إلى شخص ما (بالكذب أو بالنميمة) فتقتله معنويًا.. هذا فساد.
عندما لا تُسالم الآخرين، وتصبح صانع مشاكل بدلاً من صانع سلام.. هذا فساد.
دخولك إلى مواقع إنترنت نجسة.. فساد.
كلمات المكر التي تقصد بها غير معناها.. فساد.
السباب والكلمات الشريرة.. فساد.
النظرة الشريرة.. فساد.. فساد.
أوَ تعلم عزيزي أنه إن فرضنا جدلاً أن كل ما سبق ليس فينا (!!)، فما نزال نُعتبر فاسدين؟!!
لقد خُلقنا “على صورة الله وشبهه” أدبيًا (تكوين1: 26)، فهل ما زلنا على تلك الصورة أم تغيرنا؟! ولقد خلقنا الله ليتمجد فينا (إشعياء43: 7)، فهل هذا واقع؟ بل وبعد الإيمان يقول عنا الكتاب «مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 10)؛ فهل ندّعي أننا نعيش بحثًا عن خطة الله لحياتنا لتنفيذ هذه الأعمال الصالحة؟ هل الله في حساباتنا في كل شيء في الكبيرة والصغيرة، ما أُعلن وما استتر؟
وإذا علمنا أن “الفساد” عكس “الصلاح”؛ فلنتساءل: هل نبحث عن الصلاح لنفعله أم نندرج تحت قائمة «ليس من يعمل صلاحًا»؟ هل يرى الناس أعمالنا الحسنة فيمجدوا أبانا الذي في السماوات؟ أم فسد الملح وخبا النور (متى5: 13-16)؟
وهل أحتاج أن أطرح المزيد من الأسئلة، وهي كثيرة، في هذا المجال، أم كل واحد فينا يعرف ضربة قلبه (1ملوك8: 38)؟
في ضوء ما تقدَّم، دعني أستعير عنوان كتاب شهير فأقول “يا عزيزي كلنا فاسدون”.
أعتقد أن بعض لحظات الصدق مع النفس ستجعلنا ليس فقط نُقِرّ بالحقيقة «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور51: 5)، بل في اتضاع نشارك ذاك الذي قال: «فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ» (رومية7: 18).
ليت صلاتك تكون مع كاتب المزمور: «اِرْحَمْنِي... امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي... طَهِّرْنِي... فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ... قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ،وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي».
مرة أنزل الرب إرميا إلى صانع الفخار ليعلِّمه درسًا عمليًا، عندها كانت مشاهدته: «فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهذَا الْفَخَّارِيِّ؟» (إرميا 18: 4). نعم يستطيع. ونحن علينا أن نطلبها بصدق:
لكن أدعوك للعودة إلى كلمة الله، لنجد التقرير الخطير:
«أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ، لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ». وإن أكملت معي القراءة لوجدت مظاهر الفساد عند الله على شاكلة: «حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً (لاحظ أن البداية بخطايا الكلام من سباب ومكر ومؤامرات ونميمة؛ الأمور التي يستصغرها الكثيرون!). أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ. وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. (على أن الأهم هو أنه لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ». (رومية3: 10-12؛ مزمور 14: 1-3، مزمور 53: 1-3).
وأحد تعاريف “فساد” شيء ما، هو: “فقدان الشيء لخواصه الطبيعية بحيث يصبح غير صالح لأداء الغرض المفروض من وجوده”. للتبسيط أستخدم مثالاً بسيطًا: متى نقول عن برتقالة إنها “فسدت”؟ حينما يتغير لونها، أو تظهر بها بؤر عفونة وتتغير رائحتها (تفقد خواصها الطبيعية)؛ فتصبح غير صالحة للأكل (الذي هو استخدامها الطبيعي).
وبناءً على تقرير الكتاب «الْجَمِيعُ ... فَسَدُوا» والتعريف السابق، دعنا نتناول بعض الأمثلة:
ولأبدأ بمثل قريب من كثيرين من القراء (“ومن غير زعل”)، ما رأيك في طالب يغشّ في الامتحان؟ أليس هذا فسادًا؟! فمن المُفترض أن نجاح طالب في امتحان يعني أنه ذاكر، واجتهد، وفهم، وأصبح قادرًا على استخدام هذه المادة الاستخدام الصحيح. لكن إذا نال درجات النجاح (ولا أقول “نجح” طبعًا) بالغش، فقد تغير شكل النجاح الطبيعي (وهو أن الطالب قد حصَّل هذه المادة جيدًا)، وما عاد صالحًا للاستفادة منه بتطبيق المادة تطبيقًا سليمًا. فبتطبيق التعريف، هذا فساد!!
وبالمثل..
إذا قصَّر عامل أو موظف في عمله، هذا أيضًا فساد.
إذا أخذت ما هو ليس حقَّك، ماديًا (من ممتلكات) أو معنويًا (من مدح أو كرامة)؛ هذا أيضًا فساد.
عندما تسيء إلى شخص ما (بالكذب أو بالنميمة) فتقتله معنويًا.. هذا فساد.
عندما لا تُسالم الآخرين، وتصبح صانع مشاكل بدلاً من صانع سلام.. هذا فساد.
دخولك إلى مواقع إنترنت نجسة.. فساد.
كلمات المكر التي تقصد بها غير معناها.. فساد.
السباب والكلمات الشريرة.. فساد.
النظرة الشريرة.. فساد.. فساد.
أوَ تعلم عزيزي أنه إن فرضنا جدلاً أن كل ما سبق ليس فينا (!!)، فما نزال نُعتبر فاسدين؟!!
لقد خُلقنا “على صورة الله وشبهه” أدبيًا (تكوين1: 26)، فهل ما زلنا على تلك الصورة أم تغيرنا؟! ولقد خلقنا الله ليتمجد فينا (إشعياء43: 7)، فهل هذا واقع؟ بل وبعد الإيمان يقول عنا الكتاب «مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 10)؛ فهل ندّعي أننا نعيش بحثًا عن خطة الله لحياتنا لتنفيذ هذه الأعمال الصالحة؟ هل الله في حساباتنا في كل شيء في الكبيرة والصغيرة، ما أُعلن وما استتر؟
وإذا علمنا أن “الفساد” عكس “الصلاح”؛ فلنتساءل: هل نبحث عن الصلاح لنفعله أم نندرج تحت قائمة «ليس من يعمل صلاحًا»؟ هل يرى الناس أعمالنا الحسنة فيمجدوا أبانا الذي في السماوات؟ أم فسد الملح وخبا النور (متى5: 13-16)؟
وهل أحتاج أن أطرح المزيد من الأسئلة، وهي كثيرة، في هذا المجال، أم كل واحد فينا يعرف ضربة قلبه (1ملوك8: 38)؟
في ضوء ما تقدَّم، دعني أستعير عنوان كتاب شهير فأقول “يا عزيزي كلنا فاسدون”.
أعتقد أن بعض لحظات الصدق مع النفس ستجعلنا ليس فقط نُقِرّ بالحقيقة «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور51: 5)، بل في اتضاع نشارك ذاك الذي قال: «فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ» (رومية7: 18).
ليت صلاتك تكون مع كاتب المزمور: «اِرْحَمْنِي... امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي... طَهِّرْنِي... فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ... قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ،وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي».
مرة أنزل الرب إرميا إلى صانع الفخار ليعلِّمه درسًا عمليًا، عندها كانت مشاهدته: «فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ، فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ. فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهذَا الْفَخَّارِيِّ؟» (إرميا 18: 4). نعم يستطيع. ونحن علينا أن نطلبها بصدق:
آتي إليك بكل فسادي ثقتي في نعمتك ويديك
لا لليأس ولا للماضي قلبي اتجه الآن إليك
عُد واصنعني وعاءً آخر مثلما يحسن في عينيك
لا لليأس ولا للماضي قلبي اتجه الآن إليك
عُد واصنعني وعاءً آخر مثلما يحسن في عينيك