يوحنا الدمشقي اللاهوتي الأب
نشأته ولد منصور بن سرجون بن منصور حوالي عام 676مفي دمشق، عاصمة الأمَويّين آنذاك. وكان من عائلة عريقة غنية ذات حظوة، عُرفت بحبهاللعلم، وبمكانتها السياسية والاجتماعية. يرى البعض أن أصل الأسرة من الروم وآخرونمن العرب، لكن الغالب أنهم من أصلٍ سرياني. كان جده موظفًا كبيرًا في الماليةالبيزنطية بدمشق؛ وعندما فتحها خالد بن الوليد عام 635م استبقاه العرب في إدارتهم. وفيما بعد اعتمد معاوية ابنه سرجون أو سرجيوس في إدارة شئون الخلافة، وكذلك يَزيدوعبد الملك. وقام منصور، صاحب السيرة، بخدمة الإدارة الأموية من أواخر خلافة عبدالملك حتى أواخر عهد يزيد الثاني (720-740م). نال منصور منذ نعومة أظفاره ثقافةأدبية وفلسفية ودينية على يدي راهب من جزيرة صقلية من أسرى الحرب، أسره المسلمون فيغزوة شنّوها على شواطئ إيطاليا وساقوه مع غيره إلى دمشق. اشترى سرجون الراهب ثمحرره وعهد إليه بتعليم ابنيه منصور وقزما (ابنه بالتبني). أتقن منصور اليونانية لغةالطبقة المتعلمة الأصلية، وقد جاءت كتاباته باليونانية. كانت الدواوين كلها باللغةاليونانية، حيث نقلت إلى العربية في عهد عبد الملك بن مروان (حوالي 705م). قامالراهب بتثقيف منصور وقزما وتعليمهما الحساب والهندسة والفلك والمنطق والفلسفةواللاهوت والموسيقى. حياته النسكية إذ توفى سرجون احتل منصور مركز أبيه بينما اختارمعلمه قزما وأخوه بالتبني قزما الحياة الرهبانية في دير مار سابا. إذ بلغ منصورحوالي الثلاثين من عمره ترك مركزه، والتحق بالدير مع معلمه وأخيه. يرى البعض أنهذهب إلى الدير بعد شفائه من قطع يده كما سنرى في الحديث عن محاربته لمقاوميالأيقونات المقدسة. يرى آخرون أنه كان لمقاومته البدع الغربية أبعد الأثر، إذ قدأثارت نوبة من الغضب الجارف في نفس إمبراطور القسطنطينية، فبعث تحت تأثير هذا الغضببرسالة إلى الخليفة هشام أوقع فيها بيوحنا الدمشقي، وتأثر الخليفة بدوره فطرده منبلاطه. وبعد سنوات عرف الخليفة الحق وندم على طرده، فأرسل إليه يرجو منه العودة إلىبلاطه، على أن يوحنا الدمشقي شكر للخليفة عطفه ولكنه رفض العودة إلى حياة القصور،وفضل أن ينزوي في أحد جبال فلسطين حيث قضى بقية حياته كراهبٍ بسيطٍ. قيل أنه إذ ذهبإلى الدير فرح به رئيس الدير، إذ أدرك سموه الروحي والأدبي ورفضه كرامة العالموغناه. ولكن إذ أراد تسليمه لأحد الشيوخ رفض أغلب الشيوخ قبوله في الدير بحجة أنعلمه الغزير ومركزه الاجتماعي وقدره الرفيع يعوقه عن الخضوع والطاعة. لكن أحدالشيوخ البسطاء قبله بشرط الطاعة الكاملة ونسيان كل ما تعلمه من فلسفات وعلمومعرفة. عاش يوحنا الراهب في طاعة كاملة لمعلمه حتى حدث أن تنيّح شيخ راهب وكان لهأخ حزن عليه حزنًا شديدًا. طلب الأخ أن يكتب له ملحنة يتعزى بها (لازالت تترنم بهاالكنيسة البيزنطية في جناز المنتقلين)، رفض الأب يوحنا ذلك (الطلب) طاعة لمعلمهالذي اشترط عليه نسيان كل ما تعلمه من فلسفات وعلم ومعرفة، لكنه تحت الإلحاح وشعورهبمرارة الأخ كتب الملحنة. سمع معلمه بذلك فطرده. ذهب يتوسل إلى بعض الشيوخ لكييشفعوا عنه لدى معلمه، لكن المعلم رفض شفاعتهم عنه. وأخيرًا تحت الإلحاح طلب تأديبهبقانونٍ، وهو تنظيفه للمراحيض. انصرف الشيوخ وهم في غمٍ وخجلٍ، وإذ التقى بهم الأبيوحنا قالوا له في حزنٍ أن معلمه رفض شفاعتهم، وأنه سن قانونًا لتأديبه لم يسمعواعنه من قبل. وإذ عرف بالقانون قام بسرعة بتنظيف المراحيض. شاهده معلمه فخجل جدًا منطاعته وتواضعه، فأسرع إليه وأمسكه بكلتي يديه وقبّل رأسه وأعاده بفرحٍ شديد. بعدأيام قليلة ظهرت السيدة العذراء لمعلمه في حلم تقول له: "لماذا تسد الينبوع فلايفيض ويجري؟ فإن يوحنا عتيد أن يزين كنيسة المسيح بأقواله وأعياد القديسين بتسبيحه،ويتنغم جماعة المؤمنين بعذوبة ألفاظه... فإن الروح القدس ينطلق على لسانه". بالفعلقام من النوم والتقى بتلميذه وطلب منه ألا يكف عن الكتابة معتذرًا بأن فعله كان عنغباوة وعدم معرفة. جاء في الملحنة المذكورة ما ترجمه : "بالحقيقة إن كل ما فيالعالم باطل، والعالم أيضًا كالظل والمنام، وباطلاً يضطرب كل ترابي، كما قالالكتاب. فإذا ما نحن ربحنا العالم، نسكن حينئذ القبر، حيث الملوك والفقراء معًا،فلذلك نيّح أيها المسيح نفس عبدك المنتقل بما أنك محب للبشر". محاربة مقاوميالأيقونات أو الأيقونوكلاستس ظهرت حركة الأيقونوكلاستس حوالي عام 725م تحارباستخدام الأيقونات المقدسة. أفسدت هذه الجماعة سلام الكنيسة البيزنطية في القرنالثامن وبدء القرن التاسع، وكان لها أثرها على الغرب أيضًا. أما بالنسبة للإسكندريةفقد كانت قد أنهت علاقتها بالقسطنطينية (بيزنطة) وروما خاصة بعد دخول العرب مصر. جاءت هذه الحركة ثمرة إساءة البعض استخدام أيقونات القديسين ورفاتهم. قام جماعة منالأساقفة يقاومون استخدام الأيقونات، التفوا حول الإمبراطور البيزنطي، لاون الثالث،يطلبون منه مساندتهم، بحجة أنها تعثر غير المسيحيين. أصدر الإمبراطور منشوره عام 726م بتحطيم الأيقونات بالقوة. قام الجند بتحطيم صورة السيد المسيح على البابالنحاسي للقصر، كما قام قائد بضرب الصليب الذي على البلاط الإمبراطوري بالفأس، مماأثار الشعب وقامت بعض النسوة بسحب السلم الذي كان القائد واقفًا عليه لتحطيم الصليبفسقط القائد فاقد النطق وأمر الإمبراطور بإعدامهن. في هذه الآونة نشر الأب يوحناالدمشقي ثلاث مقالات ضد مقاومي الأيقونات موضحًا التمييز بين تكريم الأشخاصالممثلين في الأيقونة وبين السجود لله للعبادة. اختلف الدارسون في تحديد ما إذا كانمنصور بدأ دفاعه عن الأيقونات وهو عامل في الديوان أم بعد التحاقه بالدير. قطع يدهأمر الإمبراطور لاون بقطع يده، متهمًا إيّاه بالخيانة زورًا. دخل الأب يوحنا حجرتهوانطرح على الأرض أمام أيقونة القديسة مريم وطلب شفاعتها عنه أمام الرب، وألصق كفّهالمقطوع بزنده. غفت عيناه ورأى القديسة مريم تخبره بشفائه. نهض فرحًا وصار يسبحالله. وشى البعض به لدى أمير دمشق بأنه دفع أموالاً كثيرة لكي تُقطع يد شخصٍ آخربدلاً من يده، فاستدعاه الأمير وإذ رأى أثر القطع دُهش وسأله عمن شفاه. أجاب: "مسيحي طبيب ماهر، وهو على ما يشاء قدير، ولذلك لم يعسر عليه برئي، بل سارع فيإنجاز أمري". طلب منه الأمير أن يرجع ويعمل في الديوان، لكنه توسل إليه أن يطلقه. فوزع كل ماله وذهب إلى دير مار سابا ببيت القدس. يتشكك البعض في قصة قطع يدهوشفائها. يرى البعض أن الخليفة عرض عليه اعتناق الإسلام، فقد اشتهر يزيد الثانيبتضييقه على المسيحيين في أمر تكريم الأيقونات، وربما خيّره بين جحد المسيح أوالوظيفة، فاختار ترك الوظيفة. التحق بالدير وتغيّر اسمه إلى يوحنا. يحتفظ الفنالبيزنطي بأيقونة السيدة العذراء ذات الأيدي الثلاثة رمزًا لهذه المعجزة. حرمانهبعد موت الإمبراطور لاون انتهج قسطنطين الخامس (كوبرونيموس 741-775م) منهج أبيه. وفي عام 754م أمر بعقد مجمع في الهييرا Hiera حضرة 338 أسقفًا رفضوا تكريمالأيقونات المقدسة وحرموا أشهر المدافعين عن هذا التكريم وهم جورجيوس القبرصيوجرمانوس بطريرك القسطنطينية ومنصور. وفي عام 787م انعقد المجمع النيقاوي الثاني (لم تشترك فيه الكنائس غير الخلقيدونية) يثبت تكريم الأيقونات المقدسة، ورُفعتالحروم عن الثلاثة المدافعين عنها. أعماله الأدبية الدينية اعتكف يوحنا في صومعتهبدير مار سابا يؤلف مع أخيه بالتبني قزما التسابيح والقوانين الكنسية. لازالتالكنيسة البيزنطية تستخدم هذه التسابيح، وتدعوه "مجرى الذهب". أُنتخب أخوه قزماأسقفًا على مايوما، المعروفة حاليًا بميليس، بالقرب من غزة. طلب قزما من أخيه أنيرسمه كاهنًا فرفض، غير أن بطريرك أورشليم سامه كاهنًا بغير إرادته، في حوالي عام 735م. تنيّح على الأرجح عام 749م في ديره بعد أن قضى حياة نسكية طويلة وفي الكتابة. وفي عام 1890م أعلن بابا روما لاون الثالث عشر أنه معلم المسكونة. من أروع ما قالهردًا على محاولة فرض الخلقيدونيين عقيدتهم بالقوة وسلطان الإمبراطور: "إن الذي يحكمبالقوة ليس أبًا ولكنه سارق، لأن الأب يستعين بالمنطق لإقناع أولاده". كتاباته 1. ينبوع المعرفة: وهي موسوعة لاهوتية، كتبها في أواخر حياته بناء على طلب أخيه. تضم 3أجزاء: تعريفات فلسفية وبيان الهرطقات والإيمان الأرثوذكسي أو كتاب المائة مقالة. 2. مختصر الإيمان الأرثوذكسي. 3. مقالة عن الثالوث القدوس. 4. مقالة عن الثلاثةتقديسات. 5. مقدمة عامة عن العقائد، ربما جمعها تلاميذه في أول حياته بالدير. 6-8. ثلاث مقالات للدفاع عن الأيقونات المقدسة. 9. مقالة ضد أسقف يعقوبي (فيه يرفض القولبالطبيعة الواحدة). 10. مقالة ضد المانوية. 11. جدال بين مسلمومسيحي: يدافع عنالتجسد، ويرفض نظرية القضاء والقدر. 12. مقالة ضد الساحرات. 13. مقالة في الطبيعةالمركّبة. 14. مقالة في أن للمسيح إرادتين. 15. مقالة ضد النساطرة القائلين بأنللمسيح شخصين وطبيعتين. 16. مجادلة يوحنا الأرثوذكسي مع رجل مانوي. 17. شرح رسائلالقديس بولس: استوحاه من كتابات القديس يوحنا الذهبي الفم والقديس كيرلس السكندري. 18-21. أربع مقالات في النسك عن: الصوم، الأرواح الشريرة الثمانية، والفضائلوالرذائل، المواعظ. 22. وضع كتبًا عن الطقوس مع تسابيح وأناشيد دينية. قصة الكنيسةالقبطية، الكتاب الثاني صفحة 378.
نشأته ولد منصور بن سرجون بن منصور حوالي عام 676مفي دمشق، عاصمة الأمَويّين آنذاك. وكان من عائلة عريقة غنية ذات حظوة، عُرفت بحبهاللعلم، وبمكانتها السياسية والاجتماعية. يرى البعض أن أصل الأسرة من الروم وآخرونمن العرب، لكن الغالب أنهم من أصلٍ سرياني. كان جده موظفًا كبيرًا في الماليةالبيزنطية بدمشق؛ وعندما فتحها خالد بن الوليد عام 635م استبقاه العرب في إدارتهم. وفيما بعد اعتمد معاوية ابنه سرجون أو سرجيوس في إدارة شئون الخلافة، وكذلك يَزيدوعبد الملك. وقام منصور، صاحب السيرة، بخدمة الإدارة الأموية من أواخر خلافة عبدالملك حتى أواخر عهد يزيد الثاني (720-740م). نال منصور منذ نعومة أظفاره ثقافةأدبية وفلسفية ودينية على يدي راهب من جزيرة صقلية من أسرى الحرب، أسره المسلمون فيغزوة شنّوها على شواطئ إيطاليا وساقوه مع غيره إلى دمشق. اشترى سرجون الراهب ثمحرره وعهد إليه بتعليم ابنيه منصور وقزما (ابنه بالتبني). أتقن منصور اليونانية لغةالطبقة المتعلمة الأصلية، وقد جاءت كتاباته باليونانية. كانت الدواوين كلها باللغةاليونانية، حيث نقلت إلى العربية في عهد عبد الملك بن مروان (حوالي 705م). قامالراهب بتثقيف منصور وقزما وتعليمهما الحساب والهندسة والفلك والمنطق والفلسفةواللاهوت والموسيقى. حياته النسكية إذ توفى سرجون احتل منصور مركز أبيه بينما اختارمعلمه قزما وأخوه بالتبني قزما الحياة الرهبانية في دير مار سابا. إذ بلغ منصورحوالي الثلاثين من عمره ترك مركزه، والتحق بالدير مع معلمه وأخيه. يرى البعض أنهذهب إلى الدير بعد شفائه من قطع يده كما سنرى في الحديث عن محاربته لمقاوميالأيقونات المقدسة. يرى آخرون أنه كان لمقاومته البدع الغربية أبعد الأثر، إذ قدأثارت نوبة من الغضب الجارف في نفس إمبراطور القسطنطينية، فبعث تحت تأثير هذا الغضببرسالة إلى الخليفة هشام أوقع فيها بيوحنا الدمشقي، وتأثر الخليفة بدوره فطرده منبلاطه. وبعد سنوات عرف الخليفة الحق وندم على طرده، فأرسل إليه يرجو منه العودة إلىبلاطه، على أن يوحنا الدمشقي شكر للخليفة عطفه ولكنه رفض العودة إلى حياة القصور،وفضل أن ينزوي في أحد جبال فلسطين حيث قضى بقية حياته كراهبٍ بسيطٍ. قيل أنه إذ ذهبإلى الدير فرح به رئيس الدير، إذ أدرك سموه الروحي والأدبي ورفضه كرامة العالموغناه. ولكن إذ أراد تسليمه لأحد الشيوخ رفض أغلب الشيوخ قبوله في الدير بحجة أنعلمه الغزير ومركزه الاجتماعي وقدره الرفيع يعوقه عن الخضوع والطاعة. لكن أحدالشيوخ البسطاء قبله بشرط الطاعة الكاملة ونسيان كل ما تعلمه من فلسفات وعلمومعرفة. عاش يوحنا الراهب في طاعة كاملة لمعلمه حتى حدث أن تنيّح شيخ راهب وكان لهأخ حزن عليه حزنًا شديدًا. طلب الأخ أن يكتب له ملحنة يتعزى بها (لازالت تترنم بهاالكنيسة البيزنطية في جناز المنتقلين)، رفض الأب يوحنا ذلك (الطلب) طاعة لمعلمهالذي اشترط عليه نسيان كل ما تعلمه من فلسفات وعلم ومعرفة، لكنه تحت الإلحاح وشعورهبمرارة الأخ كتب الملحنة. سمع معلمه بذلك فطرده. ذهب يتوسل إلى بعض الشيوخ لكييشفعوا عنه لدى معلمه، لكن المعلم رفض شفاعتهم عنه. وأخيرًا تحت الإلحاح طلب تأديبهبقانونٍ، وهو تنظيفه للمراحيض. انصرف الشيوخ وهم في غمٍ وخجلٍ، وإذ التقى بهم الأبيوحنا قالوا له في حزنٍ أن معلمه رفض شفاعتهم، وأنه سن قانونًا لتأديبه لم يسمعواعنه من قبل. وإذ عرف بالقانون قام بسرعة بتنظيف المراحيض. شاهده معلمه فخجل جدًا منطاعته وتواضعه، فأسرع إليه وأمسكه بكلتي يديه وقبّل رأسه وأعاده بفرحٍ شديد. بعدأيام قليلة ظهرت السيدة العذراء لمعلمه في حلم تقول له: "لماذا تسد الينبوع فلايفيض ويجري؟ فإن يوحنا عتيد أن يزين كنيسة المسيح بأقواله وأعياد القديسين بتسبيحه،ويتنغم جماعة المؤمنين بعذوبة ألفاظه... فإن الروح القدس ينطلق على لسانه". بالفعلقام من النوم والتقى بتلميذه وطلب منه ألا يكف عن الكتابة معتذرًا بأن فعله كان عنغباوة وعدم معرفة. جاء في الملحنة المذكورة ما ترجمه : "بالحقيقة إن كل ما فيالعالم باطل، والعالم أيضًا كالظل والمنام، وباطلاً يضطرب كل ترابي، كما قالالكتاب. فإذا ما نحن ربحنا العالم، نسكن حينئذ القبر، حيث الملوك والفقراء معًا،فلذلك نيّح أيها المسيح نفس عبدك المنتقل بما أنك محب للبشر". محاربة مقاوميالأيقونات أو الأيقونوكلاستس ظهرت حركة الأيقونوكلاستس حوالي عام 725م تحارباستخدام الأيقونات المقدسة. أفسدت هذه الجماعة سلام الكنيسة البيزنطية في القرنالثامن وبدء القرن التاسع، وكان لها أثرها على الغرب أيضًا. أما بالنسبة للإسكندريةفقد كانت قد أنهت علاقتها بالقسطنطينية (بيزنطة) وروما خاصة بعد دخول العرب مصر. جاءت هذه الحركة ثمرة إساءة البعض استخدام أيقونات القديسين ورفاتهم. قام جماعة منالأساقفة يقاومون استخدام الأيقونات، التفوا حول الإمبراطور البيزنطي، لاون الثالث،يطلبون منه مساندتهم، بحجة أنها تعثر غير المسيحيين. أصدر الإمبراطور منشوره عام 726م بتحطيم الأيقونات بالقوة. قام الجند بتحطيم صورة السيد المسيح على البابالنحاسي للقصر، كما قام قائد بضرب الصليب الذي على البلاط الإمبراطوري بالفأس، مماأثار الشعب وقامت بعض النسوة بسحب السلم الذي كان القائد واقفًا عليه لتحطيم الصليبفسقط القائد فاقد النطق وأمر الإمبراطور بإعدامهن. في هذه الآونة نشر الأب يوحناالدمشقي ثلاث مقالات ضد مقاومي الأيقونات موضحًا التمييز بين تكريم الأشخاصالممثلين في الأيقونة وبين السجود لله للعبادة. اختلف الدارسون في تحديد ما إذا كانمنصور بدأ دفاعه عن الأيقونات وهو عامل في الديوان أم بعد التحاقه بالدير. قطع يدهأمر الإمبراطور لاون بقطع يده، متهمًا إيّاه بالخيانة زورًا. دخل الأب يوحنا حجرتهوانطرح على الأرض أمام أيقونة القديسة مريم وطلب شفاعتها عنه أمام الرب، وألصق كفّهالمقطوع بزنده. غفت عيناه ورأى القديسة مريم تخبره بشفائه. نهض فرحًا وصار يسبحالله. وشى البعض به لدى أمير دمشق بأنه دفع أموالاً كثيرة لكي تُقطع يد شخصٍ آخربدلاً من يده، فاستدعاه الأمير وإذ رأى أثر القطع دُهش وسأله عمن شفاه. أجاب: "مسيحي طبيب ماهر، وهو على ما يشاء قدير، ولذلك لم يعسر عليه برئي، بل سارع فيإنجاز أمري". طلب منه الأمير أن يرجع ويعمل في الديوان، لكنه توسل إليه أن يطلقه. فوزع كل ماله وذهب إلى دير مار سابا ببيت القدس. يتشكك البعض في قصة قطع يدهوشفائها. يرى البعض أن الخليفة عرض عليه اعتناق الإسلام، فقد اشتهر يزيد الثانيبتضييقه على المسيحيين في أمر تكريم الأيقونات، وربما خيّره بين جحد المسيح أوالوظيفة، فاختار ترك الوظيفة. التحق بالدير وتغيّر اسمه إلى يوحنا. يحتفظ الفنالبيزنطي بأيقونة السيدة العذراء ذات الأيدي الثلاثة رمزًا لهذه المعجزة. حرمانهبعد موت الإمبراطور لاون انتهج قسطنطين الخامس (كوبرونيموس 741-775م) منهج أبيه. وفي عام 754م أمر بعقد مجمع في الهييرا Hiera حضرة 338 أسقفًا رفضوا تكريمالأيقونات المقدسة وحرموا أشهر المدافعين عن هذا التكريم وهم جورجيوس القبرصيوجرمانوس بطريرك القسطنطينية ومنصور. وفي عام 787م انعقد المجمع النيقاوي الثاني (لم تشترك فيه الكنائس غير الخلقيدونية) يثبت تكريم الأيقونات المقدسة، ورُفعتالحروم عن الثلاثة المدافعين عنها. أعماله الأدبية الدينية اعتكف يوحنا في صومعتهبدير مار سابا يؤلف مع أخيه بالتبني قزما التسابيح والقوانين الكنسية. لازالتالكنيسة البيزنطية تستخدم هذه التسابيح، وتدعوه "مجرى الذهب". أُنتخب أخوه قزماأسقفًا على مايوما، المعروفة حاليًا بميليس، بالقرب من غزة. طلب قزما من أخيه أنيرسمه كاهنًا فرفض، غير أن بطريرك أورشليم سامه كاهنًا بغير إرادته، في حوالي عام 735م. تنيّح على الأرجح عام 749م في ديره بعد أن قضى حياة نسكية طويلة وفي الكتابة. وفي عام 1890م أعلن بابا روما لاون الثالث عشر أنه معلم المسكونة. من أروع ما قالهردًا على محاولة فرض الخلقيدونيين عقيدتهم بالقوة وسلطان الإمبراطور: "إن الذي يحكمبالقوة ليس أبًا ولكنه سارق، لأن الأب يستعين بالمنطق لإقناع أولاده". كتاباته 1. ينبوع المعرفة: وهي موسوعة لاهوتية، كتبها في أواخر حياته بناء على طلب أخيه. تضم 3أجزاء: تعريفات فلسفية وبيان الهرطقات والإيمان الأرثوذكسي أو كتاب المائة مقالة. 2. مختصر الإيمان الأرثوذكسي. 3. مقالة عن الثالوث القدوس. 4. مقالة عن الثلاثةتقديسات. 5. مقدمة عامة عن العقائد، ربما جمعها تلاميذه في أول حياته بالدير. 6-8. ثلاث مقالات للدفاع عن الأيقونات المقدسة. 9. مقالة ضد أسقف يعقوبي (فيه يرفض القولبالطبيعة الواحدة). 10. مقالة ضد المانوية. 11. جدال بين مسلمومسيحي: يدافع عنالتجسد، ويرفض نظرية القضاء والقدر. 12. مقالة ضد الساحرات. 13. مقالة في الطبيعةالمركّبة. 14. مقالة في أن للمسيح إرادتين. 15. مقالة ضد النساطرة القائلين بأنللمسيح شخصين وطبيعتين. 16. مجادلة يوحنا الأرثوذكسي مع رجل مانوي. 17. شرح رسائلالقديس بولس: استوحاه من كتابات القديس يوحنا الذهبي الفم والقديس كيرلس السكندري. 18-21. أربع مقالات في النسك عن: الصوم، الأرواح الشريرة الثمانية، والفضائلوالرذائل، المواعظ. 22. وضع كتبًا عن الطقوس مع تسابيح وأناشيد دينية. قصة الكنيسةالقبطية، الكتاب الثاني صفحة 378.