وإذ وُجد في الهيئة كإنسانٍ، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب ( في 2: 8 )
لم يحدث ولن يحدث أن توجد طاعة لله في السماء أو على الأرض، كتلك الطاعة التي ظهرت في حياة المسيح، لأن هذه لم تكن طاعة عبد بل طاعة ابن تعلَّم الطاعة مما تألم به ( عب 5: 8 ).
صحيح أن إرادة الله في السماء كانت ولا تزال تُطاع طاعة كاملة، لكن الملائكة الذين لم يسقطوا، إنما يتممون القصد من خلقهم بخدمة الطاعة التي يؤدونها، وبإصغائهم إلى صوت كلامه ( مز 103: 20 )، أما الإنسان الكامل المطيع، يسوع المسيح، فهو ابن الله الحبيب الذي به سُرّ الآب لما وضع نفسه ووُضع قليلاً عن الملائكة من أجل ألم الموت ( عب 2: 9 ).
إن عظمة شخصه الفائقة هي التي رفعت قدْر طاعته إلى مستوى لا يُبارى، لا في الأرض ولا في السماء. إن المسيح، كالابن الأزلي، هو «الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد» ( رو 9: 5 ).
فمن أحقر المخلوقات على الأرض إلى أعظم رؤساء الملائكة في السماوات جميعها لا تتحرك إلا بإذنه، ومع ذلك فقد «وضع نفسه» باختياره، و«نزل أيضًا أولاً إلى أقسام الأرض السُفلى» ( أف 4: 9 ) في طريق طاعته.
وإنها لأعجوبة العجائب أن يأخذ الابن الأزلي مركز «العبد» وأن «يتعلم الطاعة مما تألم به» ( عب 5: 8 )، لأن الخضوع بالضرورة غريب على مَن هو «على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد»، لكنه قد أتقن تعلُّم هذا الدرس ـ درس الخضوع والطاعة.
ومن البداية إلى النهاية لم تكن هناك ضرورة إلى كلمة تحريض من الله توجَّه إلى الرب لأن الابن ـ دائمًا وأبدًا كان يعمل الأعمال المرضية أمام الآب، وتلك الطاعة الكاملة لمشيئة الله على الأرض أرضت قلب الله تمام الرضا. وبقدر ما تأسف الله لعصيان آدم وجنسه، بقدر ما سُرّ، بل على قياس أفضل وأعمق قد شبع قلبه بطاعة الإنسان الثاني.
والمسيح وحده كمَن أطاع الطاعة الخضوعية الكاملة حتى الموت موت الصليب، استحق أن يُرفَّع فوق كل خليقة في السماء وعلى الأرض، وأن يصير رأسًا لخليقة الله الجديدة، لأنه حيث فشل آدم وتسبب في خراب الخليقة الأولى، في ذلك الأمر بالذات مجَّد المسيح الله الآب ـ إلهه وأباه ـ على هذه الأرض المضروبة بالخطية.
فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقي ... فاختار لوط لنفسه كل دائرة الأردن .. ونقل خيامه إلى سدوم ( تك 13: 10 - 12)
يبدأ معظم المؤمنين، مثل لوط، سلوك طريق الفشل، عندما ”يرفعون عيونهم“ ليروا كل الإمكانيات والفرص التي يقدمها العالم. من الطبيعي أن يختار الإنسان ما سيجلب له أكبر قدر ممكن من اللذة والغنى والقوة، لكن تلك هي النظرة الخاطئة، فكلمة الله تقول إن العالم وما يقدمه يزول ( 1كو 7: 31 ؛ 1يو2: 17)، كل هذا العالم سيقع تحت دينونة الله مثل سدوم وعمورة.
إنها مجرد مسألة وقت قبل أن تهلك الأرض ويأتي مكانها «سماوات جديدة وأرضًا جديدة، يسكن فيها البر» ( 2بط 3: 13 ).
لن يسعى أي مؤمن يفكر تفكيرًا سليمًا لأن يخزن ويكنز في هذا العالم الحاضر. فهل ستضع مالاً في بنك أنت تعلم تمامًا أنه سيُشهر إفلاسه في اليوم التالي؟
وهل ستشتري بيتًا تقول السلطات إنه على وشك الانهيار؟
بالطبع لا. لكن هذه صورة رمزية لِما يعمله البعض بحياتهم، لأن عندهم رؤية عالمية وطبيعية، فهم يستثمرون وقتهم وطاقتهم في أشياء ليس لها أية قيمة أبدية. والمؤمن ذو الرؤية الخاطئة هو في طريقه حتمًا إلى حياة الفشل والسقوط.
يا له من تناقض كبير بين لوط وإبراهيم!
إبراهيم كان مؤمنًا أمينًا ويرى الأمور بنظرة صحيحة، كما كان يتمتع بشركة قوية مع الله. وبالرغم من أنه كان يشارك لوط في بعض الصفات الوراثية، والخلفية الاجتماعية والمحيط الثقافي (تك11، 12)، إلا أنه كانت له نظرة مختلفة جدًا للأمور، لأنه سار مع الله. لاحظ في تكوين13: 4، 5 كيف عَبَد إبراهيم الرب عندما جاءوا إلى مذبح بيت إيل «ودعا هناك إبراهيم باسم الرب».
لوط أيضًا كان مؤمنًا لكننا لا نقرأ عنه إلا «ولوط .. كان له أيضًا غنمٌ وبقرٌ وخيامٌ».
وماذا عنا نحن؟ هل نأتي للحياة ونتناولها بنظرة إبراهيم، أم بنظرة لوط؟
في عبرانيين11: 10 نعرف أن إبراهيم «كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله». كان يتكل بالإيمان على مواعيد كلمة الله له ( تك 12: 1 - 3).
لم يكن منشغلاً أو مهتمًا بمدن أرضية من صُنع البشر كسدوم وعمورة، بل كان ينظر للمدينة السماوية التي لها الأساسات الباقية والأبدية. تُرى إلى أي نوع من المدن ننظر؟
لأن ”العلاقة مع الله“ هي أساس خير الإنسان في حاضره، وضمان مستقبله، وسعادة أبديته، وَجَب أن نمتحن ”نوعيتها“ لنتأكد من صدقها، ومن صواب مسارها.
(1) معرفة عنه أم تعرُّف به؟
هذا هو السؤال الأول والأهم. كثيرون سمعوا عنه، وعرفوا عنه من الأهل أو ”من الكنيسة“ أو حتى من كلمة الله، لكن علاقتهم بالله تظل تحت هذا المُسمى ”معرفة عنه“.
وهي بالقطع لا تكفي ولا تفيد. لقد كانت المرأة السامرية تعرف عن المسيا وفي الوقت ذاته كانت تعيش في أوحال الخطية، حتى جاءت لحظة اللقاء الشخصي المباشر بالمخلِّص من الخطايا، والذي يقبل توبة التائبين، وعندها ”عرفته“ فأبدل حالها، وغيَّر مسارها، وضمن مصيرها.
عزيزي، سواء كنت تسلك ببرِّك، أو تحيا في الخطية، فأنت بحاجة إلى تعرُّف شخصي بالمخلِّص. فهل فعلت؟
(2) منفعةً منه أم محبةً له؟
فبعد إشباع الجموع استلذَّت الجماهير السير وراء المسيح لأجل المنفعة، تمامًا مثلما يفعل الملايين اليوم عندما يلجأون إليه ليفك ضيقاتهم ويسد أعوازهم. وهو إن كان يفعل ذلك من مُطلق صلاحه ورحمته، ورغبةً منه في جذب قلوب الخطاة إليه، إلا أنه يدرك أن مثل هؤلاء لا أمان لهم ( يو 2: 23 - 25) ولا صدق في ولائهم.
فعندما تحدَّث المسيح بعد ذلك مباشرة عن نفسه باعتباره الخبز النازل من السماء، خبز الحياة والخبز الحي (يو6) رجع كثيرون عنه من أصحاب المنفعة.
أما تلميذ المسيح الحقيقي فيتبع سيده حبًا له ليس إلا، لأنه سبق وتمتع بمحبة المسيح أولاً ( 1يو 4: 19 ).
(3) مواقف له أو حياة معه؟
يحيا كثير من أولاد الله الأعزاء في علاقة متقطعة مع الله، موسمية، عند حضور الفرص الروحية أو تأدية الخدمات الكنسية ليس إلا.
في حين أن العلاقة الصحية والصحيحة مع الله يميزها الاستمرارية في كل الظروف والأحوال.
ذهب بطرس ويوحنا إلى قبر المسيح فشاهداه قبرًا فارغًا والأكفان مُرتبة فرجعا إلى خاصتهما.
إنه مجرد ”موقف منهما“.
أما مريم فظلت واقفة تبكي إذ لا مكان لها أو خاصة تذهب إليها غير المسيح والذي لم يشبعها سوى لقائه.
وهذه هي ”الحياة معه“.
ليت الرب يصوِّب مسار علاقتنا به، فتكون حقيقية، ودائمة، فنحيا أيام السماء ونحن على الأرض.
ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض .. ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع .. قائلاً: إيلي إيلي لَما شبقتني؟ أي إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ ( مت 27: 45 ، 46)
دعنا في روح الخشوع، وبنعال مخلوعة، نميل مرة أخرى لننظر هذا المنظر العظيم!
لقد كان المسيح على طول الطريق هو رجل الأحزان الحقيقي. لقد تألم في طفولته من الإنسان مُمثلاً في هيرودس قاتل صبيان بيت لحم، فاضطر أن يهرب به
يوسف وأمه إلى مصر.
وتألم في بداية خدمته من الشيطان عندما اقتاده الروح إلى البرية ليُجرَّب أربعين يومًا من إبليس.
أما في ساعات الظلمة في الجلجثة فنرى شيئًا مختلفًا تمامًا؛ إنه كان يتألم من الله الديان.
وما أشد تلك الآلام. إنها أشد بما لا يُقاس من كل الآلام الجسدية، وأقسى بكثير من كل الآلام النفسية. حتى إنه أمامها؛ وأمام حمو غضب إله السماء الذي انصب عليه، فقد صرخ صرخته المُرَّة «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» لقد كان المسيح على الصليب حامل الخطايا بكل معنى الكلمة، وفي تلك الأثناء كان حقًا وفعلاً يُصْلَى بنار ويجرع المرار.
هنا نحن نجد المعنى الحقيقي للفداء.
إن أفكار الناس من كل الأجناس، وقلوب الملايين من كل القبائل والعشائر ترنو لذياك الصليب، وتميل لتنظر هذا المنظر المهيب. نعم «نحو الساعة التاسعة (وهي تعادل الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا الحاضر) صرخ يسوع بصوتٍ عظيم قائلاً: إيلي إيلي لَما شبقتني؟ أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟». أي ذهن يقدر أن يسبر غور أعجوبة الأعاجيب هذه؟ أي فكر يقدر أن يتخلل أستار الظلام هذه؟
أي عقل يقدر أن يفسر تلك الصرخة التي لم يُسمع نظيرها ولن يُسمع؟
ولقد تحمل المسيح كل هذا من أجلنا. فإذا أردنا أن نعرف علو محبة المسيح تجاهنا، فعلينا أولاً أن نعرف عُمق الألم الذي قاساه لأجلنا. والواقع أن كليهما أبعد من القياس؛ فآلامه تفوق الإدراك، ومحبته فائقة المعرفة.
ولا أعتقد أنه في الزمان أو في الأبدية هناك صرخة تحوي من الألم والفزع ما تحويه صرخة المسيح هنا «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» لكني أعلم أيضًا أنه عندما يستحيل على عقولنا أن تفهم أو تستوعب، فإن قلوبنا بوسعها أن تسجد في خشوع وتعجب.
وابتدأ بطرس يقول له: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك ... وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدمهم يسوع، وكانوا يتحيرون.. يخافون ( مر 10: 28 ، 32)
في طريق الصعود إلى أورشليم، استطاع التلاميذ بالنعمة أن يقولوا: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك». لقد وجدوا في المسيح جاذبية كافية لأن تجعلهم يضحون بكل شيء أرضي، ويلتصقون بشخصه المبارك.
ولم يكن في ذلك خسارة لهم، بل كانوا من الرابحين، لأن المسيح لا يكون مديونًا لأحد، وهو مستعد أن يعوِّض مئة ضعف في هذه الحياة، والحياة الأبدية في الدهور الآتية، عن كل ما يضحى من أجله (ع29، 30).
ولكن البدء في الطريق شيء والاستمرار فيه إلى النهاية شيء آخر، الدخول في الطريق شيء ومتابعة السير فيه شيء آخر.
«وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدمهم يسوع، وكانوا يتحيرون. وفيما هم يتبعون كانوا يخافون» (ع32). لِمَ ذلك؟ لِمَ الخوف والحيرة؟ أَ لم يضحوا بكل شيء ويتبعوا يسوع بمحض إرادتهم؟ بلى.
ولكنهم لم يكونوا يعرفون أن الصليب ثقيل بهذا المقدار، وأن الطريق وعرة بهذه الكيفية.
فقد ضحوا بعطايا العالم الجميلة، ولكنهم لم يعملوا حسابًا للسُحب القاتمة المُلبدة في جو الطريق إلى أورشليم، ولذلك عندما أتوا إلى اختبار هذه الأشياء تحيروا وارتعبوا. لقد تبعوا الرب في حيرة وخوف من أجل وعورة الطريق الذي كان يتقدمهم فيه.
كان يجب عليهم أن يعملوا حساب النفقة، لأن الرب كان في طريق الصعود إلى أورشليم «وقد ثبَّت وجهه» لمواجهة قوات الظلمة واحتمال تعيير واحتقار وعِداء القوم الذين أتى ليخلِّصهم.
ولنلاحظ النعمة المتضَمنة في تلك الكلمات «ويتقدمهم يسوع»، فقد وضع نفسه في صدر المعمعة، وعرض بنفسه لمواجهة قوات الأرض والجحيم «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلَّم إلى رؤساء الكهنة والكتَبَة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلِّمونه إلى الأمم، فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم» (ع33، 34)، فيتمثل الرب المشهد كله أمامه، ولكنه بنعمته يحذف شيئًا من كأس آلامه المُقبلة، ألا وهو هجر وإنكار أولئك الذين تركوا كل شيء ليتبعوه!
على أنهم لم يدركوا جميع هذه الأمور، والدليل على ذلك أنهم كانوا مشغولين في طريق صعودهم بمراكزهم في الملكوت (ع35- 45). ولكن القلب الممتلئ بمحبة المسيح لا يهمه المركز الذي يحصل عليه، بل الشخص الذي هو
محور
أفراحه وينبوع سروره.:Love_Letter_Open:
وأكون لهم إلهًا، فيعلمون أني أنا الرب إلههم ( خر 29: 45 ، 46)
أخي المسيحي المتألم:
هنا في هذا الوعد كل ما يمكن أن تحتاج إليه ليحوِّل حزنك إلى فرح، وألَمك إلى سعادة، أوَ ليس هذا كافيًا لك أن يكون الله إلهك؟ إن استطعت أن تضع هذه الكلمات في كأسك، ألا تقول مع داود «كأسي ريًّا» ( مز 23: 5 ).
ألا يكون هذا لقلبك أكثر مما يحتاج ويصبو إليه؟ وإذا كنت تملك هذا الوعد فعلاً، أ فلا تكون مالكًا معه لكل شيء في الوقت نفسه؟ قد تبدو مشكلتك أكبر من أن تُحلّ، وقد لا تستطيع أن تقيس عمق ما أنت في حاجة قصوى إليه، ولكن ألا يستطيع الله في غناه الذي لا يُستقصى أن يملأ احتياجاتك، ويفيض عليك ببركات حتى لا توسع؟
وإني لأكرر عليك السؤال قائلاً: ماذا يمكن أن تحتاج إليه لا يقدر أن يفعله الرب الحامل لكل الأشياء بكلمة قدرته؟ أوَ ليس هو الذي به نحيا ونتحرك ونوجد؟ إنك تحتاج إلى الكثير مما ترى نفسك عاجزًا عن الوصول إليه.
تعالي إذًا أيتها النفس المحتاجة والمُتعبة، فمن نصيبك هنا نغمة موسيقية سماوية لا يمكن أن تسمعيها في ضجيج الحياة ومتاعبها وأوصابها.
هذا بحر خضم لا حدود له من البركات السماوية المُذخَّرة لكِ في هذا الوعد. تعالي واسبحي روحيًا فيه، فلن تجدي له شاطئًا ولا حدًا!
«أكون لهم إلهًا» .. إن كانت هذه الكلمات الجميلة لا تجذب نظرك ببريقها ولمعانها ولا تجعل قلبك يخفق بشدة من كثرة ما يغمرك من بركات روحية وفيرة، فبكل تأكيد أنت في حاجة إلى الشركة العميقة مع الرب حتى تستطيع أن تستمتع بهذا الوعد المبارك، وبنغماته الموسيقية.
«أكون لهم إلهًا» .. يا له من وعد يقف على رأس المواعيد التي ترفع النفس فوق كل ما يؤلمها ويضايقها.
اسكتي أيتها النفس المتألمة في نور إلهك واسبحي في محبته التي تسبيكِ وتملأ كيانك، وارتفعي بنظرك فوق ظروفك ومتاعبك لتري ما لكِ من امتياز عجيب، ومن أفراح لا يمكن التعبير عنها، نابعة من مصدر كل بركة، ومن إله كل نعمة، والواهب لكل عطية صالحة؛ من الرب الذي قال:
«وأكون لهم إلهًا».
كرنيليوس، قائد مئة ... تقيٌ وخائف الله مع جميع بيته، يصنع حسَنَات كثيرة للشعب، ويصلي إلى الله في كل حين ( أع 10: 1 ، 2)
إن للشيطان طريقتين لغواية النفوس وإبعادها عن الحق، فهو يأتي للشخص الواحد ويهمس في أُذنيه قائلاً:
”إن حالتك أفضل بكثير من غيرك، فلا تحتاج إلى خلاص“، ويهمس في أذني الآخر قائلاً: ”إنك في حالة رديئة جدًا، لا أمل لك في الحصول على الخلاص“.
وإننا نجد جواب الحالة الأولى في قصة كرنيليوس، وجواب الحالة الثانية في اللص المصلوب.
فإذا كان شخص ما قد انخدع بغواية الشيطان وافتكر أنه لا حاجة له إلى الخلاص بموت المسيح، وإذا كان يعتبر نفسه أنه غني عن الخلاص لأن أعماله حسنة، إذ إنه لا يرتكب الجرائم، ولا يقصد بالناس سوءًا، وفي الوقت نفسه يتمم واجباته نحو عائلته وأولاده وخَدَمه وجيرانه ورؤسائه، وكذلك من نحو عبادة إلهه؛ إذا كان يظن أنه بذلك قد استغنى ولا حاجة له إلى شيء، فليعلم أنه لم يَزِد في صلاحه عن كرنيليوس الذي أرسل إليه الله ملاكًا من السماء شاهدًا بصعود صلواته وصدقَاته تذكارًا أمامه، ولكن هل استطاعت تلك الصلوات والصدَقَات أن تخلِّصه؟
كلا.
فإنها إنما أظهرت إخلاصه وشوقه إلى معرفة الحق، وقد تنازل الله في رحمته فأعلن له الحق في يسوع المصلوب والمدفون والمُقام من الأموات.
لا نقول إن أعماله لم تكن نافعة، لأنها كانت كذلك، ولكن مع نفعها لم تستطع أن تخلِّصه، مما يبين بكيفية جلية أن لا خلاص لأفضل الناس وأتقاهم بغير موت ابن الله الكفاري.
أما الذي يقول: ”حالتي رديئة وتَعِسة جدًا. ذنوبي أعظم من أن تُمحى، وحالتى أحط من أن تصل إليها رحمة الله“، فإننا نقول له انظر إلى حادثة اللص المصلوب ترى أنه قلما يوجد شخص وصل إلى درجة انحطاطه وإجرامه، فقد كان لصًا مجرمًا محكومًا عليه مُسمرًا على الصليب، قضت عليه قوانين الحكومة بالإعدام قصاصًا على جرائمه، فضلاً عن ذلك نراه وهو على حافة الأبدية يجدف ويتهكم على ابن الله.
وربما يقول قائل إن اللص لم يكن يعرف ابن الله وقت تجديفه عليه، فنقول إن هذا صحيح، ولكن تجديفه في وقت كهذا يعبِّر عما وصلت إليه نفسه من الانحطاط والشر، ومع ذلك فلم يكن ذلك الشخص أبعد من منال محبة الله، بل قد كانت حالته فرصة لإظهار انتصار تلك المحبة المجيدة «لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك» ( لو 19: 10 ).
فقالتا لها: إننا نرجع معكِ إلى شعبك... ثم رفعن أصواتهن وبكين أيضًا. فقبَّلت عُرفة حماتها، وأما راعوث فَلَصقت بها ( را 1: 10 ، 14)
كلٌ من راعوث وعُرفة أظهرتا اعترافهما بالولاء لنُعمي. وكلتاهما اعترفتا بترك أرض آبائهما، وكلتاهما اتجهتا نحو أرض الرب.
ولكن كل اعتراف له امتحانه دائمًا. «فقالت نعمي لكنَّتيها: اذهبا ارجعا كلُّ واحدةٍ إلى بيت أمها» (ع8). كانت لهما فرصة للرجوع ( عب 11: 15 ).
وانكشف ذهن عُرفة في الحال، فقد كان قلبها مرتبطًا بأرض ميلادها. أما راعوث فسنرى رغبتها في ”مدينة أفضل“. عُرفة قدمت اعترافًا جميلاً في مظهره، ولكنه اعتراف فقط. وما يُلفت النظر أن راعوث تذكر إله نُعمي (ع16)، أما عُرفة فتذكر نُعمي وشعب نُعمي (ع10).
وبالرغم من كلمات عُرفة ودموعها وقُبلاتها، ولكنها تحولت عن نُعمي وإله نُعمي وأرض البركة، وعادت إلى شعبها وآلهتها وأرض ظل الموت.
وكم اختلف الأمر في تاريخ راعوث، إذ أصبحت شاهدة لنعمة الله. لقد أعطت راعوث اعترافًا صحيحًا، وتكلمت بكلمات جميلة كذلك، وتحركت عواطفها بعمق مثل عُرفة، ورفعت صوتها وبَكَت. ولكن عند راعوث ما هو أكثر من ذلك.
مع عُرفة كان هناك فقط الاعتراف الخارجي للمحبة، وأمكنها أن تُقبِّل نُعمي وتتركها، مثلما حدث ليهوذا الإسخريوطي في وقت متأخر أنه قبَّل المسيح ثم أسلمه.
أما عن راعوث فلم يُقال عنها إنها قبَّلت نُعمي، ولكن بالرغم من عدم وجود تعبير المحبة الخارجي، لكنها كانت تحمل المحبة الحقيقية.
نقرأ عن راعوث أنها «لصقت بها» (ع14).
فالمحبة عندما تكون حقيقية لا تتخلى عن غرضها، ويجب أن تكون في شركة مع مَن تحبه، ولذلك تضيف راعوث: «لا تلحِّي عليَّ أن أتركك وأرجع عنكِ».
وبالإضافة إلى ذلك، فإن إيمانها تساوى مع عواطفها. وفي قوة إيمانها تغلَّبت على جاذبية أرض ميلادها وبيت أمها وشعبها وآلهتها، وقبلت طريق السياحة فقالت
: «حيثما ذهبتِ أذهب»، كما احتضنت نصيبها كالغريبة «وحيثما بتِ أبيت».
لقد وحَّدت نفسها مع شعب الله «شعبك شعبي». وفوق الكل وضعت ثقتها في الله الحقيقي، فهي لم تَقُل فقط «شعبك شعبي»، بل أضافت «إلهك إلهي».
والموت لا يمكن أن يُرجعها إلى موآب، فقالت: «حيثما مُتِ أموت وهناك أندفن».
إنها في الحياة وفي الموت وحَّدت نفسها تمامًا مع نُعمي، فإن شعب نُعمي شعبها، وإله نُعمي إلهها.
لقد ألقت نصيبها مع نُعمي في ترمُلها، وفي تغربها، وفي فقرها.
فقام وجاء إلى أبيه. وإذ كان لم يَزَل بعيدًا رآه أبوه، فتحنن وركض ووقعَ على عُنقه وقبَّلهُ ( لو 15: 20 )
يا له من شيء يفوق الوصف! فهنا خمسة أمور (رقم النعمة) تُنسب للأب المحب:
أولاً: «وإذ كان لم يَزَل بعيدًا رآه أبوه». إنه لم يكن مجرد ينتظر ابنه الضال، بل كان ينتظره بلهفة. إذ كانت عيونه المُحِّبة في غاية الشوق! حتى وهو ما زال «بعيدًا» رآه أبوه.
ثانيًا: «تحنن». لا شك أن مظهر هذا الضال كان في غاية التعاسة، إذ أكل معيشته مع الزواني (ع30)، والتي تمثل المحبة المُنهى عنها للأشياء التي في العالم، بدلاً من محبة الرب من كل قلوبنا، فقد عانى من تأثير الجوع الشديد (ع14)، وخرج إلى الحقل ليرعى الخنازير (ع15)، ولا بد أنه أصبح مجرد كيان تافه! ومع ذلك فإن أباه «تحنن» عليه.
آه أيها القارئ المسيحي العزيز، كيف كنا أنت وأنا قبل أن يقبلنا الآب؟ الفكر مُظلم، القلب شرير للغاية، الإرادة عاصية، ولكن «من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أموات بالخطايا أَحيانا مع المسيح» ( أف 2: 4 ، 5)!!
ثالثًا: «ركض» ليقابله. لا نقرأ أن الضال ركض عندما قرر الرجوع لأبيه، فكل ما قيل عنه: «فقام وجاء إلى أبيه»، ولكنه قيل عن الأب إنه «ركض»!
هل تعلم عزيزي القارئ، هذه هي الآية الوحيدة في كل الكتاب التي تُظهر الله وهو في عَجَلة!! في تجديد الخليقة نرى الله يعمل كل شيء بترتيب، أو يمكننا أن نقول بتمهل، في كل شيء آخر عدا هذا الأمر، يُظهر الله وهو يعمل بهدوء وتأني، كما يتناسب مع مَن له الأبدية كلها تحت إمرته. ولكن هنا نجد ما يمكن أن نطلق عليه ”نفاذ صبر المحبة الإلهية“!
رابعًا: «وقع على عُنقهِ»، فهو ليس فقط «رآه» وهو ما زال بعيدًا، وليس فقط «تحنن» على هذا الضال التافه، وليس فقط «ركض» ليقابله، ولكنه «وقع على عُنقه»! لقد عانقه وأحاطه بأذرع المحبة المُرحِّبة!
خامسًا: «قبَّله». نُشير مرة أخرى أنه لم يُذكر أن الابن قبَّل أباه. فالأب هو الذي يأخذ المبادرة في كل مرحلة! لقد «قبَّله» وليس صدَّه. «قبَّلهُ» وليس طرده. «قبَّلهُ» ولم يوبخه على تيهانه.
يا لها من نعمة رائعة! إن كل هذا يكشف قلب الآب! فالقُبلة تكلمنا عن المحبة، وعن المُصالحة، وعن العلاقة الحميمة.
لأن كلمة الله حية وفعَّالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مَفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته ( عب 4: 12 )
خادم الرب يجد غذاءه وطعامه وشبعه في الكلمة الحية، وبدون الكلمة والتغذي بها تجف حياته وتنشف موارده وتذبل خدمته، لأنه يكون في واقع الأمر قد ترك قوام الحياة الروحية.
وكما يحتاج الخادم إلى كلمة الله للنضارة والقوة، يحتاج إليها أيضًا للقداسة في العيشة والتحرر
من شهوات الخطية الساكنة فيه.
ومن أبشع الأمور أن يقدِّم خادم الإنجيل حق الله للنفوس، وهو نفسه لم يتقدس بهذا الحق ولم يتحرر به من خطايا معينة هو مغلوب منها، كما قال أحد المؤمنين: ”إنها بشاعة وخيانة أن يتاجر أحد بالحق الذي لا يشعر بسلطانه على ضميره شخصيًا“.
وكم من كارثة أدبية حلَّت بأُناس أذكياء كان لهم قدر ملحوظ في الفصاحة، ولكنهم لم يكونوا فعلاً مقدسين في الحق.
ولن أنسى أبدًا ذلك التدريب الذي اختبرته مع الله بعد تجديدي بست سنوات، لقد جثوت على ركبتيَّ، وكتاب الله مفتوح أمامي، وقلت:
”يا رب بنعمتك من هذه الليلة فصاعدًا، أريد أن أحيا طبقًا لكل ما أتعلمه من المكتوب“.
ذلك لأنني اختبرت في الست سنوات التي مضت أني كنت فيها قليلاً ما أتأمل فيما يقول الله في كتابه، ولكن عندما وصلت إلى تلك النقطة الحاسمة، في تلك اللحظة تفتحت أمامي الكلمة، وكانت بركة تكريس نفسي بصورة أقوى، وكانت غنىً جديدًا أُضيف إلى موارد خدمتي.
إنني أحتاج إلى الكتاب المقدس لعلاج الأخطاء الكثيرة التي تقع في حياتي اليومية، وهذا يتطلب معرفة كافية بهذه الكلمة حتى عندما تواجهنا تجربة أو خِدعة من العدو أو فخ منصوب لنا يمكننا بوعي إدراك ما تقوله كلمة الله التي ترشدنا إلى النُصرة والنجاة.
ومثالنا في ذلك سيدنا الذي واجه تجارب الشيطان بالمكتوب، والأمر لم يكن محتاجًا إلى الأخذ والرَّد مع الشيطان، ولكن «المكتوب» كان فيه الكفاية لإفحامه، ومن هنا يتضح أن الدراية بالمكتوب لازمة جدًا.
إذًا أيها الأحباء، ينبغي أن يكون خادم الرب على ثقة كاملة في صِدق المكتوب، وأنه موحى به من الله، وينبغي أن يتمسك به كالحق، وينبغي أن يكون للمكتوب، أي ”حق الله“ المُعلَن، سلطانه على حياته الشخصية، كما يجب عليه أن يستعمله، كسيف الروح، لأجل النجاح والانتصار.
فعند إتيان حاملي التابوت إلى الأردن وانغماس أرجل الكهنة حاملي التابوت إلى ضفة المياه، والأردن ممتلئ إلى جميع شطوطه كل أيام الحصاد ( يش 3: 15 )
ما أجمل أن نتأمل حالة الشعب وقت اجتياز التابوت الأردن وهو ممتلئ إلى جميع شطوطه كل أيام الحصاد، فلقد كانت المياه تعلو حين كان التابوت يجتاز. إن هذا ما حدث مع ربنا المعبود، لقد عجَّت عليه كل أمواج غضب الله، بكل قوتها الرهيبة. اكتنفته مياهٌ إلى النفس.
أحاط به غمر ( يون 2: 5 ).
يا له من مخلِّص كريم، أخذ الموت وأعطانا الحياة والخلاص والسعادة!
مياه كثيرة لم تستطع أن تُطفئ محبته، والسيول لم تغمرها .. «قوية كالموت» تلك المحبة التي أدخلته إلى هناك، لكي يخلِّصنا نحن ( نش 8: 6 ، 7).
إننا في هذا المشهد (انفلاق مياه الأردن وظهور اليابسة)، نرى صورة مُصغَّرة لِما عمله الله في أحد أيام الخليقة، عندما قال: «ليكن جَلَدْ (السماء) في وسط المياه. وليكن فاصلاً بين مياه ومياه، فعمل الله الجَلَدْ وفصل بين المياه التي تحت الجَلَدْ والمياه التي فوق الجَلَدْ. وكان كذلك» ( تك 1: 6 ، 7).
ومن حادثة الطوفان نفهم أن المياه المحجوزة فوق الجَلَدْ كانت كثيرة، ومخزونة لذلك اليوم ( تك 7: 12 ).
ففي المشهد الذي أمامنا نرى ذات أسلوب عمل الله: «وقفت المياه المنحدرة من فوق وقامت ندًا واحدًا بعيدًا جدًا عن أدام المدينة.. والمنحدرة إلى بحر العَرَبة ”بحر الملح“ انقطعت تمامًا.. فوقف الكهنة حاملو تابوت عهد الرب على اليابسة في وسط الأردن راسخين، وجميع إسرائيل عابرون على اليابسة» ( يش 3: 16 ، 17).
إنه نفس ما كتب عنه موسى في الخلْق. إن ما قرأه الشعب في أسفار موسى ها هم يرونه الآن أمام أعينهم. إن الإله الذي خلق السماء والأرض، والذي فصل بين مياه ومياه، هو نفسه الذي فصل مياه الأردن والذي ما زال يعمل إلى الآن بقدرته العجيبة لصالحهم!!
كما نلاحظ أن اسم المدينة «أدام» هو نفس اسم ”آدم“، والمدينة رمزيًا تذكِّرنا بأن الموت (المرموز له بالأردن)، الذي جَلَبه آدم الأول علينا ( رو 5: 12 )، قد حجزه آدم الأخير جاعلاً من حق المؤمنين به أن يعبروا للتمتع بما لهم في المسيح في السماويات (مرموز لها بكنعان)، التي هي من نصيبهم منذ الآن.
لأنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد ( عب 10: 36 )
هذا هو وقت الانتظار والسهر والجهاد والألم، وكثير من الصعاب والتجارب تُحيط بكم، وعليكم أن تتعلموا كيف تصبرون. فعدم الصبر هو وليد الجهل، ولكنكم أنتم تعلمون لماذا ولمَن أنتم مُنتظرون.
هو وليد الكبرياء، أما أنتم فمتعلمون من الوديع والمتواضع القلب. إن عدم الصبر ينتج من قلب يائس غير مؤمن، أما أنتم فتنالون الصبر والتعزية من المكتوب، وهكذا يظل الرجاء حيًا في قلوبكم.
وعدم الصبر هو نتيجة الانتقاص من قيمة الوقت الحاضر وأهميته، ولكنكم أنتم تعلمون أنكم في الوقت الحاضر تنفذون مشيئة الله، وأن تدريبات إيمانكم الحاضرة وتجاربكم وآلامكم التي تقاسونها في الزمان إنما هي معيَّنة به، بذاك الذي يقدِّرها تمامًا ويكافئ عليها بحسب غناه في المجد.
قد تبدو واجبات حياتنا الأرضية أحيانًا كثيرة مُملة وقليلة القيمة، ولكن كما يقوم الأولاد والتلاميذ المطيعون بمهام قد تبدو أحيانًا غير مشوّقة وغير هامة، مبرهنين بذلك على إيمانهم بوالديهم وأساتذتهم المحبوبين، كذلك يتذرع المسيحيون بالصبر والابتهاج في تتميم مشيئة سيدهم.
والرب يسوع طالما حدثنا عن إثمارنا بالصبر ( لو 8: 15 ) وعن اقتنائنا لنفوسنا بالصبر وسط التجارب العظيمة والآلام الطويلة، ومن عرشه السماوي يلاحظ ويمدح صبر ملاك كنيسة أفسس وثياتيرا ويقول لملاك كنيسة فيلادلفيا «لأنك حفظت كلمة صبري».
والتلميذ المحبوب الذي يسمي نفسه «شريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره»، يهتف مرتين في سفر الرؤيا قائلاً: «هنا صبر القديسين».
أما الرسول بولس فيقرن الصبر بالرجاء، وبالتعزية التي في الكتب، وبإله الصبر والتعزية، وبالوداعة والاحتمال، وبالضيق الذي ينشئ صبرًا.
وفي رسالة يعقوب نرى الصبر كثمر امتحان الإيمان، ووسيلة من وسائل تكميل الأخلاق المسيحية، وصفة المؤمن المنتظر لمجيء المخلِّص، وأبرز صفة من صفات أيوب والأنبياء التي راحت مضربًا للأمثال ( رو 5: 3 ؛ 15: 4، 5؛ يع1، 5).
والواقع أن التسليم الهادئ، والمثابرة مع الصبر في عمل الخير وسط الصعاب والتجارب، إنما هو مشيئة الله من جهتنا وهي المشيئة التي بمقتضاها يسير المؤمنون في إثر سيدهم في تواضعه واحتماله.
اذهبوا كُلوا السمين، واشربوا الحلو، وابعثوا أنصبة لمَن لم يُعدّ له، لأن اليوم إنما هو مقدَّس لسيدنا ( نح 8: 10 )
«اذهبوا كُلوا السمين» ..
ما الذي تحمله هذه العبارة؟ مما نتعلَّمه في الشريعة الموسوية أن الشحم هو خير أجزاء الذبيحة. ومن هنا كانت التعليمات المُشدَّدة للكهنة أن شحم الذبيحة هو حصة الله فيها، يبقى له تعالى ليوقَد على المذبح وتصعد رائحته مسرة لجلاله. ونستطيع أن نفهم هدف هذه التعليمات، وهو أنه إذا قدمنا لله شيئًا، فلنقدِّم له الأفضل.
والإنسان الأناني هو الذي يحتفظ لنفسه بخير الأشياء ويعطي الآخرين فُضالته. ولا نزاع في أنه إذا شئنا أن نعطي الله شيئًا فينبغي أن نعطيه الأفضل.
وقديمًا كان الإسرائيلي إذا فاض قلبه عِرفانًا بجميل الله، يذهب إلى قطعانه يتفحَّص كل القطيع واحدًا واحدًا يُقدِّر قيمته. فينتقي خيار الغنم:
أفضلها، أدسمها، أبعدها عن كل عيب، أغلاها قدرًا.
وهنا نسأل بعضنا البعض أيها الأخ الحبيب: أرانا متخلفين عن أولئك القوم في هذا الصَدَد، هل نقدِّم لإلهنا خير ما عندنا؟
قد نقول: لا أملك من الأفضل سوى الشيء القليل. حسنًا، لكن إياك أن تقدم أقل من الأفضل.
وأحيانًا يمتحن الله إيماننا بهذا الأسلوب، وهكذا كان مع إبراهيم. فلم يشأ الله أن يطالبه بما يقل قيمة وغلاوة عن ابنه الذي يحبه، إسحاق، الذي كان يرجوه.
وعلى جبل المُريَّا امتحن الله قوة إيمان إبراهيم، وهكذا فيما يتعلَّق بنا.
ففي وقت ما، خلال رحلة العمر، يضع الله إصبعه على هذا الشيء أو ذاك ويقول لأحدنا: ”أعطني هذا“. أ فترانا على استعداد يومئذٍ أن نعطيه الأفضل؟
وهوذا هابيل في بكور العطاء، يقدم الذبيحة لله، بشحمها، برهانًا على أن هابيل لم يمنع عن الله شيئًا. وفي الشريعة جاء التحذير الإلهي: «كل الشحم .. لا تأكلوا» ( لا 7: 22 - 25).
والمدعوون إلى وليمة الله، من حقهم أن يأكلوا الأفضل. لقد ضرب الرب مثلاً عن ملك صنع غداء ودعا كثيرين إلى عُرس ابنه. انطلق حاملو الدعوة إلى الذين في الطرق مما لا يملكون شيئًا، يدعونهم لحضور العُرس من مُسمَّنات الملك ( مت 22: 1 - 14).
قد تقول: إن قليلاً من الخبز والجبن يكفيهم، لكن يجب أن يقدم مُسمَّنات حتى يتجلى سخاؤه الملكي على أتم صورة.
وشهد رجلا بليعال على نابوت أمام الشعب قائلين: قد جدَّف نابوت على الله وعلى الملك. فأخرجوه خارج المدينة ورجموه بحجارة فمات ( 1مل 21: 13 )
نستطيع أن نرى في نابوت رمزًا لربنا يسوع المسيح
كما يلي:
1ـ «نابوت» اسم عبري معناه ”نبات“ أو ”نبتة“ ولقد كان بالفعل نبتة طيبة، وفي هذا يرمز لمَن هو أعظم بما لا يُقاس، ذاك الذي قيل عنه: «نبت قدامه كفرخٍ، وكعرقٍ من أرضٍ يابسة» ( إش 53: 2)، والذي هو «العود الرطب» ( لو 23: 31 ).
2ـ كان نابوت محترِمًا للشريعة التي تمنعه كالوارث عن بيع ميراث آبائه ( لا 25: 23 - 28)، فلم يبع كرمه لأخآب الملك. هكذا المسيح أيضًا الذي قال بالنبوة: «شريعتك في وسط أحشائي» ( مز 40: 8 ).
3ـ طمعًا في الميراث دبر الأردياء مكيدتهم لقتل الوارث، حتى يسهل لأخآب عندئذٍ أن يرث الكرم.
وهذا يذكِّرنا بالمَثَل الذي قاله ربنا المعبود، مُشيرًا إلى نفسه بابن صاحب الكَرم قائلاً: «وأما الكرَّامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم:
هذا هو الوارث! هلموا نقتله ونأخذ ميراثه!» ( مت 21: 38 ).
4ـ تنفيذًا لرسائل الملكة الشريرة إيزابل، نادى شيوخ مدينة يزرعيل بصوم، ثم أتوا بشاهدي زورٍ من بني بليعال، فشهدا على نابوت بأنه قد جدَّف على الله وعلى الملك.
أوَ ليس هذا عينه ما فعله رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع على المسيح؟ نعم، فلقد أحضروا شهود زورٍ كثيرين ( مت 26: 59 - 65).
5ـ لم يسجل لنا الكتاب المقدس أي كلام أو دفاع دافع به نابوت عن نفسه تجاه شهود الزور. وبالمثل نقرأ عن ربنا المعبود وهو يسمع شهادات الزور «وأما يسوع فكان ساكتًا» ( مت 26: 62 ).
6ـ قيل عن نابوت «فأخرجوه خارج المدينة ورجموه بحجارةٍ فمات»، وبالمثل أيضًا أخرجوا الرب يسوع خارج أسوار أورشليم، وصلبوه في موضع الجلجثة «لذلك يسوع أيضًا، لكي يقدِّس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب» ( عب 13: 12 ).
7ـ كان من المستحيل أن ينجو أخآب وبيته من هذه الجريمة البشعة؛ قتل نابوت اليزرعيلي البار، فلقد طال العقاب الإلهي أخآب وبنيه وزوجته ( 1مل 22: 37 - 39؛ 2مل9: 22- 26، 32- 37؛ 2مل10: 10، 11).
وإن كان كذلك، فهل يمكن أن ينجو من الدينونة مَن يعصى المسيح، ويرفض عمل الصليب؟ ( عب 10: 29 ).
أعلِّمك وأُرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك عيني عليك ( مز 32: 8 )
هذه باليقين حقيقة عظمى نحن في أشد الاحتياج إليها أثناء عبورنا في برية هذا العالم، خصوصًا في عصر المشاكل والارتباك هذا.
فنحن نحتاج إلى مرشد، وشكرًا لله لأنه أخذ على عاتقه القيام بهذه المهمة «أُعلِّمك وأُرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك» ( مز 32: 8 ).
يا لها من نعمة!
كأن الله قد تعهد بأن يُظهر نفسه لنا بنفس الصفة التي نحتاج إليها في كل أدوار الطريق، فعندما نكون مثقلين بحمل الخطية وعظامنا بالية من زفيرنا اليوم كله، حينئذٍ يُشرق علينا كالمخلِّص والمُبرِّر الذي يغفر آثامنا ويستر خطايانا ( مز 32: 1 - 5)، وعندما تُحيط بنا جيوش الأعداء الروحيين الذين يريدون أن يفتكوا بنا، حينئذٍ يفتح لنا حضنه ويدعونا لنختبئ فيه كالستر والملجأ، وبذلك عوضًا عن أن نرى جيوش الأعداء تحاصرنا، نرى ترنيمات النجاة تكتنفنا ( مز 32: 6 ، 7).
وعندما نسير وسط تشويش وارتباك العالم، حينئذٍ يقف أمامنا بنعمته ويقول لنا: ”أنا أرشدك“ ( مز 32: 8 ، 9).
فيا لها من نعمة! ويا لها من صِلة متينة!
ولنلاحظ الطريقة التي بها يرشدنا «أُرشدك .. عيني عليك» ـ أي أرشدك بعيني التي عليك، وهذه أدق وأرّق طرق الإرشاد. فنحن لا نستطيع أن نتبع حركات عينه إلا إذا كنا قريبين منه جدًا وملاصقين له. وهذه الطريقة أرّق بكثير من الإرشاد باليد أو الصوت. ثم إنه يجب أن نكون مُدرّبين في فهم طرقه حتى نستطيع أن نفسِّر تلك النظرات ونسير بما توحيه إلينا.
يا ليتنا نمتلئ من معرفة هذا! ويا ليت يكون إرشاد عين أبينا كافيًا لنا! ويا ليت نضع أيدينا في يده، ونرفع أبصارنا دائمًا إليه، لكي نلاحظ إرشادات عينه، حينئذٍ يكون سبيلنا مُنيرًا وآمنًا. ويا ليتنا لا نكون بُلداء في فهم مشيئته، فنحتاج كالبغل والفرس إلى اللجام والزمام ( مز 32: 9 ). إننا كثيرًا ما نحيد عن الطريق ونضِّل عنه. ولماذا؟ لأننا لا نفهم إرشاد عين الله، بل كثيرًا ما نسأل الإرشاد عن أمر لا يريدنا أن نفعله وسبيل لا يريدنا أن نسير فيه.
سأل أحدهم مرة أحد الإخوة قائلاً: ”إني لا أعرف إلى أي طريق أتجه“. فماذا كان الجواب؟
أجابه ببساطة: ”لا تتجه بالمرة“، وهذا صحيح إذا كنت لا تعرف الطريق الذي تتخذه، فهذا برهان واضح على أنه يجب أن تقف ساكتًا.
فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها ( لو 10: 42 )
كان بقلب مرثا عنصر لا بد من القضاء عليه، واعوجاج لا بد من تقويمه كما يوجد فينا كلنا، لذلك انشغلت بخدمتها ولو قليلاً «فوقفت وقالت: يا رب، أما تُبالي بأن أُختي قد تركتني أخدُم وحدي؟ فقُل لها أن تُعينني!».
هذا هو الخطأ إذ ظنت أن الخدمة منحصرة في طهي الطعام، مع أن هناك ما هو أسمى بكثير من الأكل والشرب. إن الألوف مستعدة لصُنع العشاء، ولكن ليس المعنى أن الرب يبخس العشاء حقه، ولكنه لا يستغني به عن الطيب والدموع والشعر ( يو 12: 1 - 3؛ لو7: 36- 50).
وما هي لذة الخدمة وحلاوتها إذا خَلَت من تعبد القلب الصحيح؟ فهي ليست شيئًا مذكورًا.
أما متى انشغل القلب بالمسيح أصبحت أصغر الخدمات وأحقرها كريمة في عينيه.
هنا السر الصحيح لكل خدمة. إنه من الهيِّن الضجيج في الخدمة، والانتقال من بيت إلى بيت، ومن مكان إلى مكان للزيارة والكلام، بينما لا يوجد فينا ذرة من المحبة المُخلِصة للمسيح والعاطفة الصادقة نحوه. وما نشاطنا إلا نشاط الشخص المشغول بذاته، ذي الإرادة العاصية الجامحة، وأعمالنا أعمال القلب الذي لم يختبر محبة المسيح. مع أنه من المهم أن نجلس عند قدمي المسيح لاستماع كلامه وتقديم السجود والعبادة له، عندئذٍ نقوم لأية دائرة يرى هو من المناسب فتح أبوابها لنا.
يا ويلنا إن أمسَت الخدمة غرضنا، فإنها تُصبح شَرَكًا وفخًا لنا وعائقًا معطلاً. أما إذا صار المسيح غرضنا، أحسَنا في عملنا دون أن نفتكر في ذواتنا أو خدمتنا.
هذا ما صار مع مريم إذ انشغلت بالمسيح لا بعملها ولا بقارورة الطيب، ولم تتداخل في أمور غيرها، فلم تنشغل لا بلعازر المُتكئ ولا بمرثا العاملة ولا بشئون البيت، بل كان المسيح شغل قلبها الشاغل، فانقادت بمحبتها إلى عمل ما يليق بهذه الفرصة، بل عملت ما من شأنه أن يُسرّ قلبه ويلّذ له، وما عملته عملته من كل قلبها.
نعم، وقد قدَّر الرب عملها، فأبان لمرثا خطأها عندما اشتكت منها، وأبكم يهوذا الطماع خفيةً عندما نسب إلى حُسن صنيعها الإتلاف.
فلنسعَ أيها المؤمن المسيحي لنحيا بالقرب من المسيح فعلاً لا اعترافًا. ويا ليت نفوسنا تستظل أدبيًا في ظل محضره المقدس، فنجد لذتنا وشبعنا به، فنصبح أهلاً لخدمته وشهودًا لاسمه.
مَن هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخانٍ، معطَّرة بالمُر واللُّبان وبكل أذرّة التاجر؟ ( نش 3: 6 )
العروس تُرى صاعدة من البرية مرتين في سفر النشيد ( نش 3: 6 ؛ 8: 5).
فنراها أولاً صاعدة «كأعمدة من دخانٍ» مُغشاة برائحة البخور العطرية المتصاعدة من المذبح، أما في الأصحاح الثامن فهي تُرى صاعدة من البرية «مُستندة على حبيبها» أي أن لها معونة خدمته الكهنوتية.
هذان هما الشيئان الجوهريان اللذان أعدتهما لنا نعمته الغنية في البرية، أعني: (1) المذبح، أي موت المسيح بنتائجه المباركة بالنسبة للحاضر والأبدية. (2) الكاهن العظيم للمعونة والإغاثة، فليس لنا فقط رائحة موت المسيح الذكية ولكن لنا أيضًا الكاهن الحي لنستند عليه في البرية، وهو يستطيع أن يقودنا ويمدنا بالعون في كل شيء.
إننا عندما نستقر في جو المحبة الإلهية، لا ينحصر تأملنا فيما قد أُزيل عنا بقدر تأملنا فيما قد وُهب لنا، فالله يريدنا أن نُطيل التأمل في موت المسيح الذي هو كرائحة سرور لله «رائحة طيبة»، وعندئذٍ تكتنفنا وتغشينا «الأعمدة من دخان».
ما أعظم جود النعمة الإلهية!
«معطرة بالمرِّ واللُّبان» ـ أي بالمسيح في كمالاته المتنوعة. ففي المُرّ إشارة إلى آلام الإنسان الكامل «رجل الأوجاع» الذي تجرَّب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطية. لقد كان فريدًا في كل شيء في الآلام ـ في حياته وفي موته ـ وإننا لنجد المُرّ مقترنًا به من بداءة حياته على الأرض إلى نهايتها ( مت 2: 11 خر 30: 23 )، تلك الآلام التي تألم بها طاعةً لأبيه «أطاع حتى الموت موت الصليب» ( خر 30: 34 ). كما أن في اللُّبان إشارة إلى أنه ـ له المجد ـ كان في حياته وفي موته رائحة سرور لله (خر30: 34؛ لا2: 1).
«وبكل أذرَّة التاجر» .. «أذرَّة» بمعنى ”مساحيق“ (powders). لقد أمر الرب موسى أن يأخذ له أعطارًا معينة ويصنع منها بخورًا عطِرًا مقدسًا، وأن يسحق منه ناعمًا ( خر 30: 34 - 38)، وفي هذا البخور إشارة إلى كمالات وأمجاد ربنا المبارك، كما أن في سحقه إشارة إلى أن كل كلمة وكل عمل وكل نظرة وكل فكر في حياة ربنا يسوع كانت تصعد كرائحة ذكية أمام الله، لا بل إن موته وسحق نفسه تحت ضغط دينونة الله كان «رائحة طيبة لله»، «أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحَزَن» ( إش 53: 10 ).
لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون ... فلا تهتموا ... فلا تهتموا للغد ( مت 6: 25 ، 31ـ 34)
الموعظة على الجبل هي عِظة عملية تمامًا. وها الرب وهو يتحدث عن سيرنا في هذا العالم يكرر المرة تلو المرة عبارة «لا تهتموا» ( مت 6: 25 ، 31، 34).
فهو يعرف ضعف بشريتنا ويقدم لنا التحذيرات اللازمة، كما يقدم لنا الوعود المطمئنة.
وفي العهد القديم يقول المرنم في المزمور: «ألقِ على الرب همَّك، فهو يعولُك» ( مز 55: 12 ).
كما يقول الرسول بولس: «لا تهتموا بشيءٍ، بل في كل شيءٍ بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طِلباتكم لدى الله» ( في 4: 6 )، كما يقول الرسول بطرس «مُلقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم» ( 1بط 5: 7 ).
والبشر أكثر ما يميزهم الهمّ والقلق، كما أن أمراض التوتر والاضطراب هي من الأمراض التي تميز عصرنا الحاضر. لذلك ما أهم هذا التحريض الثلاثي الذي يقوله الرب هنا.
طبعًا ليس الخطأ أن يكون لدى الإنسان اهتمام (انظر 2كو11: 28)، بل الخطأ أن يكون عنده هم. وليس الخطأ أن يفكر الإنسان في الغد، بل الخطأ أن يقلق الإنسان من جهة غده.
ويذكر الرب هنا أمرين يهتم بهما كل من الغني والفقير أكثر من غيرهما، أعني بهما الغذاء والكساء؛ المأكل والملبس. هذا ما نفهمه من أكثر من مكان في الكتاب المقدس.
فأول حرفتين عمل فيهما البشر خارج الجنة؛ قايين عمل فلاحًا في الأرض ليمد الإنسان بالغذاء، وهابيل عمل راعيًا
للغنم ليمده بالكساء.
وقد كان هذان الأمران هما ما طلبهما يعقوب الهارب من وجه عيسو أخيه.
فما أن استيقظ من النوم الذي فيه رأى الرب في حُلم حيث وعده الرب في الحُلم بالحفظ حيثما يذهب، نقول إنه بمجرد أن استيقظ من نومه، حصر اهتماماته في هذين الأمرين؛ الخبز والثياب، فقال: «إن كان الله معي ... وأعطاني خبزًا لآكل وثيابًا لألبَس».
وهو عين ما أوضحه الرب في قصة الغني الواردة في إنجيل لوقا16: 19- 31، ذلك الذي كان يلبس الأرجوان والبّز، أما عن طعام مائدته فيذكر لنا أن المسكين كان يشتهي أن يأكل من الفُتات الساقط من مائدة ذلك الغني.
ولا زال حتى اليوم، كم من أُناس يضيعون عمرهم الثمين وهم يدورون في هذا الفلَك، وتفكيرهم لا يخرج خارج هذا الثالوث؛ ماذا يأكلون، وماذا يشربون، وماذا يلبسون.
رحمنا الله وإياهم.