ثم أقلع من بافوس بولس ومَن معه وأتوا إلى برجة بمفيلية. وأما يوحنا ففارقهم ورجع إلى أورشليم ( أع 13: 13 )
أثناء الرحلة التبشيرية الأولى، بشَّر «برنابا وشاول» بالإنجيل، وكان برنابا هو المتقدم فيها، ولو أن شاول يبدو أنه بدأ يظهر، وكان يزداد قوة كلما أوغلا في الرحلة، وصار هو المتحدث الرئيسي، وتغيَّر اسمه إلى «بولس» في بافوس، ثم لم يلبث أن برز للمقدمة، حتى إن لوقا يكتب: «ثم أقلع بولس ومَن معه من بافوس» ( أع 13: 13 )، فكان برنابا في معية بولس، ثم يذكرهما بعد ذلك إلى نهاية الرحلة «بولس وبرنابا» ( أع 13: 43 ، 46، 50)، ولكن نضارة المحبة الأولى كانت لا تزال موجودة، وأفسح برنابا المجال لبولس الرسول لكي يأخذ دورًا في الخدمة أهم من دوره.
إن امتلاء برنابا بالروح القدس ظهر في استعداده أن يتخذ المركز الثاني بروح التواضع، وأن يجلس في المقعد الخلفي، وكان قانعًا بذلك. لم يكن هو الرجل الذي يحب أن يكون الأول، وأن يقود كل شيء، وأن يكون رئيسًا في كل مجال، لقد كان له الفكر المتضع، وعندما كان يكتشف في أي رجل آخر مواهب وقدرات تفوق ما لديه هو، كان يشكر الله، ويفرح لذلك الرجل.
ولا شك أن هذا دليل على حياة الامتلاء بالروح القدس.
مشكلة الكثيرين في اجتماعاتنا ومجتمعاتنا سببها أولئك الذين يرغبون في أن يستحوذوا على المركز الأول، وأن يمسكوا بأيديهم بكل القوة وبكل النفوذ (3يو9-11)، ولم يكن برنابا هكذا.
وكان برنابا يتميز أيضًا بالسماحة ورحابة القلب، والاستعداد للنسيان، وإعطاء الفرصة من جديد. فعندما حدثت مشاجرة بين بولس وبرنابا بخصوص ”يوحنا مرقس“ أدَّت إلى انفصال كل منهما عن الآخر، إذ رفض بولس أن يأخذ مرقس معه، بينما أصرَّ برنابا على مرافقته له. فأخذ برنابا مرقس وسافر في البحر إلى قبرص، وأما بولس فاختار سيلا ( أع 15: 37 - 40).
ولا بد أن برنابا فعل ذلك لأنه رأى شيئًا ما في حياة مرقس؛ رأى أنه كان شابًا يُرتجى منه الكثير. ربما حدثت منه بعض الأخطاء في رحلته الأولى مع بولس، ولكن برنابا استطاع أن يكتشف فيه يد الله العاملة، ولذلك أراد أن يشجعه، ويساعد في إتمام ردّ نفسه، بالرغم من أن ذلك قد أدَّى إلى انفصاله عن بولس، وعن اشتراكه في الخدمة معه.
أيها الأحباء .. كم نحتاج أن نتعلَّم من مثال برنابا، فنكون مُعزّين ومُشجعين لإخوتنا ( عب 3: 13 ).
إليك وحدك أخطأت ( مز 51: 4 )يا أبي، أخطأت إلى السماء وقدامك ( لو 15: 21 )
مَن كان يظن أن خلاصنا يمكن أن يأتي من السماء؟ فالسماء كانت آخر مكان يُنتظر منه الخلاص لأننا إلى السماء قد أخطأنا، كما قال الابن الضال ( لو 15: 21 )، وكان قوله هذا حقًا وينطبق علينا جميعًا.
إن خطايانا كانت ضد الله في قداسته وسلطانه، كما كانت دليلاً على أننا قد أبغضناه.
فالذي كان يُنتظر من السماء هو الدينونة والغضب والنار والكبريت وليس المحبة والخلاص.
ولكن قد حدث الشيء الذي لم يكن مُنتظرًا، وصار من الواجب أن يُعلَن للعالم الحق العظيم وهو أن «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد» ( يو 3: 16 ).
هذا أمر عجيب للغاية ولا يمكن أن يُقاس أو يُفسَّر بأي شيء إنساني. إنه من الله، إنه إعلان قلب الله نفسه.
وفي الواقع إذا لم يأتِ الخلاص من الله، فمن أية جهة يمكن أن يأتي؟ لا شك أن أي إنسان لا يمكن أن يفدي أخاه، لأن الجميع قد أخطأوا، ولذلك وقع الكل تحت الدينونة، وما كان ممكنًا لشخص ما أن يُخلِّص آخر.
لم يكن لإنسان رجاء ما بعيدًا عن الله. فلو لم يتداخل الله لأجل خلاصنا لكان هلاكنا محتومًا. ولكن شكرًا لله فقد تداخل، ونحن الذين نؤمن نتعجب وفي الوقت نفسه نسجد ونشكر.
لقد بذل الله لأجلنا ابنه الوحيد، وكان هذا أعظم وأفضل ما يمكن أن يعمله، كما أن أقل من ذلك ما كان ممكنًا أن يسد حاجتنا.
إن الكلمات هي الوسيلة التي نشرح بها الأشياء حتى يمكن فهمها، ولكننا نشعر أن أغنى وأعمق وأكمل الكلمات البشرية مجتمعة هي في الواقع ضعيفة وفاترة وعاجزة عندما يُراد استعمالها للإخبار عن هذه المحبة العظيمة، حتى روح الله نفسه، الذي بحكمة إلهية اختار أفضل الكلمات وأغناها لتحمل إلينا الحقائق العظيمة، أعلن عدم استطاعة اللغة البشرية جميعها أن تعبِّر عن عظمة عطية هذه المحبة، فأوحى إلى بولس بهذه العبارة «شكرًا لله على عطيته التي لا يُعبَّر عنها» ( 2كو 9: 15 ).
لم تكن هناك طريقة أخرى ننجو بها من الظلمة والهلاك. الابن الوحيد هو وحده استطاع أن يخلِّصنا.
والعمل كان أعظم من أن يُجريه إنسان أو ملاك أو رئيس ملائكة، لذلك بذله الله لكي يتمم عمل الخلاص لكي لا نهلك بل تكون لنا الحياة الأبدية.
أن الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق ( 2تس 2: 13 )
ليس من شك في أن «تقديس الروح» يعني عمل الروح القدس الذي بمقتضى قوته الفاصلة، تُفرز النفس أولاً بإحيائها لله، وهذا يقترن بتصديق الحق، أي بالإيمان.
أما القداسة العملية فهي نتيجة لاحقة ( 1تس 4: 3 -7، 5: 23).
لكن المقصود هنا بتقديس الروح، هو تلك القوة العظيمة التي ترافق الرجوع إلى الله، وذلك العمل الإلهي الذي يصل للإنسان وهو بعد خاطئ ليجعل منه بالنعمة قديسًا، وهو أمر أغفلته المسيحية الاسمية.
فقد يعترف الناس بعمل الروح بعد الإيمان في السلوك، ولكنهم يخافون من قبول الحق المختص بعمل الروح عند نقطة البداءة. وهم في ذلك بعيدون عن فكر الله وعن إدراك فاعلية نعمته، وحكمة طرقه.
إن عمل الله في النفس يصاحبه بالطبع تصديق الحق والاعتراف بالرب من جانب الشخص الراجع إلى الله. قد يكون إلى جانب هذا ـ في تلك المرحلة ـ صعوبات كثيرة وفحص عميق للقلب، الأمر الذي يستخدمه الرب لتثبيت النفس، فالنعمة تَهَب اليقين.
وكلما تعمق فحص القلب كلما ازدادت النفس فائدة ما دام المسيح واضحًا أمامها.
والحقيقة الواردة في 1بطرس1: 2 تؤكد معنى التقديس بالروح المُشار إليه، وتعيننا على فهم ما ورد في 1كورنثوس6: 11 حيث نرى التقديس يتبع الغسل، ويسبق التبرير «... اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا».
وفي 1بطرس1: 1، 2 نجد المُباينة بين الشعب القديم المُفرز لله بطقوس خارجية لإطاعة الناموس بواسطة دم الذبيحة الذي رُش على كتاب العهد وعلى الشعب، واضعًا بذلك أمامهم الموت كعقوبة التعدي، وبين المؤمنين في العهد الجديد «المُختارين بمقتضى علم الله الآب السابق، في تقديس (أو بتقديس الروح) للطاعة»؛ بمعنى طاعتهم لله كأبناء (على نمط طاعة يسوع المسيح لأبيه التي لا مثيل لها)، وكمُبرَرين من الذنب بدمه.
ولذلك فالقول «للطاعة» له جماله هنا في إعلانه الغرض المبارك الثابت الذي أُفرز له المؤمن المسيحي بالروح القدس، أن يطيع ليس تحت ناموس العبودية وسيف الموت مُسلَّط عليه إن أخطأ، بل في حرية المسيح الذي دمه يطهره من كل خطية.
الآن نفسي قد اضطربت ... : أيها الآب نجني من هذه الساعة؟ ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. .. مجِّد اسمك ( يو 12: 27 ، 28)
تتكرر كلمة ”الساعة“ مرتين في يوحنا12: 27، والمُراد بها ”ساعة الصليب الرهيبة“، أو بالحري فترة آلامه الكفارية كلها، حيث كان سيُدان المسيح من يد الله العادل على الخطية، يوقعها الله على مَنْ لم يفعل، بل مَنْ لم يعرفها.
وفي هذا المشهد نحن نرى ناسوت المسيح القدوس الكامل. ويجب أن ندرك أن مجد لاهوته لم يمنعه من شعوره بالحزن كإنسان.
والواقع أن المسيح ما كان يصبح إنسانًا كاملاً لو لم تضطرب نفسه، ولو لم يَقُل «نجني من هذه الساعة»، لكن في اللحظة عينها قال:
«ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة».
رائع هذا المزيج من القداسة والطاعة، البر والخضوع!
ونلاحظ أن المسيح لم يَقُل في صلاته للآب: ”ماذا أفعل؟“، فهو أتى ليفعل مشيئة الآب، وكان يعرف ذلك تمامًا. ولم يَقُل: ”والآن ماذا أختار؟“، كما قال بولس الرسول بعد ذلك في فيلبي1: 22، فلم يكن لدى المسيح تردد في الاختيار، بل «ماذا أقول؟». شبهها أحدهم بتشبيه بشري ضعيف، كمَن يفزع من العملية الجراحية، رغم رغبته في إتمامها. فرغم فزعه ـ له المجد ـ من تلك الساعة الرهيبة، نظرًا لقداسته المطلقة، وعدم تقبُّله أن يُجعل خطية، ذاك الذي لم يعرف خطية، فإنه أطاع.
ونحن نعرف أنه بحسب إنجيل يوحنا10: 17 لم يأخذ أحد نفس المسيح منه، بل وضعها هو من ذاته. لقد أخذ هذه الوصية من الآب، وهو أتى لكي يضع نفسه ليأخذها أيضًا.
وهو لم يكن ممكنًا أن يطلب من الآب أن تعبر هذه الساعة عنه رغم قسوتها الشديدة، وإلا فلماذا وُلد أساسًا؟ ولماذا جاء إلى العالم؟ فهو عندما طلب من الآب أن ينجيه من «هذه الساعة»، لم يكن ذلك بعدم الدخول فيها، بل بدخوله وخروجه منها بالقيامة.
ولقد سُمع له من أجل تقواه، وخلَّصه الله من بين فكي الموت ( عب 5: 7 ). ونلاحظ أن المسيح لم يجبن ولم يَخَفْ، ولو أن الوحي يسجل أن نفسه اضطربت.
لقد جاء ـ تبارك اسمه ـ لتلك الساعة عينها ليموت، مُمجِّدًا أباه، وهو يريد ذلك مهما كانت التضحية، ومهما كان ما يتضمنه الصليب، فصلاته الوحيدة:
«أيها الآب مجِّد اسمك!».
كانت طِلبته الوحيدة تمجيد أبيه وإن كلَّفه ذلك كل شيء!
فقال مردخاي أن تُجاوب أستير: .. ومَن يعلم إن كنتِ لوقتٍ مثل هذا وصلتِ إلى المُلك؟ ( أس 4: 13 ، 14)
كيف ينبغي أن ننظر نحن لكل إحسان يُحسن به الرب إلينا؟
هل ننظر إليه على أنه ملكية خاصة لنا؟ أم ننظر للإحسان على أنه مجرد وكالة، وننظر لأنفسنا على أننا لسنا سوى وكلاء؟
ولماذا لا؟
بل إنني أعتقد أن هذه النظرة هي رد الفعل الوحيد الصحيح لإحسانات الله لنا.
فنحن لسنا هنا على الأرض لكي نعيش لأنفسنا، بل للذي مات عنا، أَ لم يَقُل الكتاب: «وهو مات لأجل الجميع، كي يعيش الأحياء فيما بعد، لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام» ( 2كو 5: 15 )؟
أوَلم يَقُل أيضًا: «لأن ليس أحدٌ منا يعيش لذاته، ولا أحدٌ يموت لذاته.
لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن مُتنا فللرب نموت، فإن عشنا وإن مُتنا فللرب نحن» ( رو 14: 7 ، 8)؟
لذلك أراه أمرًا يدل على الضحالة الروحية أن نكتفي بمجرد الشكر إزاء الإحسانات، ولا نرفقه بالسؤال عن الغرض الذي لأجله جاءنا هذا الإحسان.
حتى ولو كان هذا الإحسان شيء من أمور الزمان، والتي قد يراها الناس أشياء عادية يتمتع بها معظم البشر، كالزوجة والبيت والأولاد، الصحة والعقل، العمل والمال والنجاح، المسكن والسيارة .. إلخ، أو أشياء روحية كموهبة ما، أو فتح الذهن لفهم الكتاب، أو محبة إخوتنا وتقديرهم الحُبي لنا .. إلخ. فالوضع الروحي الصحيح إزاء الإحسان في أي صورة من صوره أتخيله في مثل هذه الصلاة.
”يا رب شكرًا لك على ما أعطيتني، وأقرّ وأعترف أمامك بعدم استحقاقي لأي خير من عندك، لكن هذه هي دائمًا نعمتك! لذلك فأنا أعلم يا رب أني لست إلا وكيلاً على ما أعطيتني، فالكل منك والكل لك.
وكم أحتاج أن أكون أمينًا وحكيمًا في وكالتي لكي ترضى عني وتباركني، فساعدني يا إلهي لكي أفهم غرضك مما أعطيتني، واعضدني بنعمتك لكي أكون أمينًا في إدارته لمجدك، حتي لا أخجل منك يوم الوقوف أمام كرسيك“.
وإذا لم يكشف الرب بسرعة عن غرضه من وراء الإحسان، فهذا لا يعني أبدًا أنه لا يوجد غرض، أو أن الغرض هو مجرد أن نستمتع بما أعطانا، وأن نتصرف فيه كما يحلو لنا. لكن حتمًا هناك غرض سيعلنه الرب في وقته.
وإلى أن يأتي هذا الوقت الذي فيه سيكشف الرب عن غرضه، علينا أن نكون وكلاء أُمناء.
ولما كان الوقت وذبح ألقانة، أعطى فننة امرأته وجميع بنيها وبناتها أنصبة. وأما حنة فأعطاها نصيب اثنين، لأنه كان يحب حنَّة ( 1صم 1: 4 ، 5)
قد يسمح الله بالآلام لكي يأتي بالبركة.
لقد قَسَم الله لحنة نصيبًا معينًا في الحياة.
فقد عاشت في بيت يتميز بالتقوى. وكان لها زوج صالح هو «ألقانة» الذي أحبها.
وقد كان الزواج في أزمنة العهد القديم مختلفًا عما هو في الوقت الحاضر. فقد كان يمكن للرجل أن يتزوج أكثر من زوجة واحدة. رغم ذلك فإن قصة حنة تذكِّرنا ببعض العناصر الهامة للزواج الناجح والحياة العائلية الناجحة.
أول كل شيء كانت عبادة الله أساسية بالنسبة للبيت (ع3). لقد تحمل ألقانة المسؤولية لأجل الخير الروحي والزمني لزوجتيه وأولاده (ع3، 4).
وهذا التوازن ضروري للزواج المسيحي.
إن قوة محبة ألقانة لحنَّة موضحة في عدد5.
لقد كانت محبة غير مشروطة، لكن حنَّة لم يكن لها أولاد، وذلك وسط بيئة كان للأمومة مكانة رئيسية فيها، كما أن الأولاد كانوا يُعتبرون علامة للبركة.
إن محبة ألقانة لزوجته لم تنقص بالرغم من هذا الإحباط. ويا له من نموذج مناسب للمسيحي:
أن يتغلب على الصعوبات التي كثيرًا ما يواجهها الزواج، بنفس نوع المحبة الذي تميز به زواج ألقانة وحنَّة.
إن ألم حنَّة بسبب عدم إنجابها ذرية كان حقيقيًا. لكن أكثر من هذا، نقرأ مرتين أن الرب هو الذي كان قد أغلق رحمها (ع5، 6).
ولماذا يمنع الله، عن قصد، من أن يكون لهذه المرأة التقية الأولاد؟
إن قصة حنَّة تعلمنا أن الله أحيانًا يسمح لنا أن ندخل في ظروف صعبة حتى يمكننا في مثل هذه الظروف أن نبرهن على إيماننا به. إن الإيمان يجب أن يُمتحن لإثبات حقيقته. إن الكباري قبل أن تدخل إلى الخدمة لا بد أن تُختَبر جيدًا بأحمال فوق المتوقع أن تحتملها.
هذا الاختبار يُجرى لإثبات قوته. بالمثل يسمح لنا الله أن نواجه مشكلات في حياتنا ليس لكي يفنى إيماننا، لكن لكي يقويه.
لم تكن حنَّة قد فعلت شيئًا خطأ. نحن غالبًا نعتقد أن المشكلات والمُعضلات تحدث بسبب سقوطنا أو خطيتنا. قد يكون هذا صحيحًا أحيانًا. فنحن نحصد ما نزرع.
لكن هناك أوقات فيها يسمح الله لنا أن ندخل في ظروف صعبة لتكون لنا فرصة لنبرهن إيماننا به. هذا لا يقلل من الألم الحقيقي والضيق اللذين نختبرهما.
لقد شعرت حنَّة بمرارة حالها ومرارة الظروف التي تجتاز فيها. لكن في نفس تلك الأحوال تظهر حقيقة المسيح في حياة المؤمن.
وهذا هو حكم القاتل الذي يهرب إلى هناك فيحيا ( تث 19: 4 ) هناك بركات ثلاث من نصيب كل مَن يهرب ويدخل
مدينة المجأ:
أولاً: بركة الإقامة وتأتي في سفر العدد35: 25 «وتردُّه الجماعة إلى مدينة ملجئِهِ التي هرب إليها، فيُقيم هناك». وسفر العدد هو سفر البرية؛ سفر الترحال والسَّفر، وليس للشعب فيه إقامة دائمة، بل هم قاصدون أرض الموعد التي وهبها الله لهم ليسكنوا فيها.
لقد كانوا في البرية يسكنون الخيام كأبيهم إبراهيم، لذا تأتي العطية هنا بوعد إقامة دائمة في مدينة آمنة.
وكأن الرب قصد أن يأخذ بأفكارهم وقلوبهم إلى ما وراء البرية، حتى لا يضعوا قلوبهم على الظروف الوقتية، أو التي تُرى والمحيطة بهم، بل يتطلعوا للأمام لينظروا المدينة التي لها الأساسات حيث الوطن الأفضل ( عب 11: 9 - 14).
ثانيًا: بركة الحياة، وتأتي في سفر التثنية19: 4 «وهذا هو حكم القاتل الذي يهرب إلى هناك فيحيا». وفي سفر التثنية يُعيد موسى على مسامع الشعب مرة ثانية، الوصايا والشرائع والأحكام وهم في عبر الأردن في أرض موآب ( تث 1: 5 ). وإذا رجعنا لسفر العدد26: 63 نرى أنه في ذات المكان أحصى موسى بني إسرائيل، ولم يكن بينهم إنسان من الذين خرجوا من مصر، بل مات الجميع في البرية، إلا كالب بن يفنه ويشوع بن نون.
وكأنه إعلان ووعد بالحياة في ذات البقعة التي أعلن فيها عن موت مئات الآلاف من الشعب.
ثالثًا: بركة السكن، وتأتي في سفر يشوع20: 4 «فيهرب إلى واحدة من هذه المدن، ويقف في مدخل باب المدينة ويتكلم بدعواه في آذان شيوخ تلك المدينة، فيضمونه إليهم إلى المدينة ويعطونه مكانًا فيسكن معهم».
وسفر يشوع يحكي لنا عن دخول الشعب لأرض الموعد وامتلاكها وتقسيمها على الأسباط، حيث لا سَفَر ولا ترحال في ما بعد، بل السكن الدائم في مدنهم.
هذه هي بداية البركات، والتي لا نهاية لها، والتي أعدها الرب يسوع المسيح لكل مَن يلجأ إليه، الأمر الذي نراه في رسالة البركات الروحية ـ رسالة أفسس «ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح ... وأقامنا معه، وأجلَسنا معه في السماويات في المسيح يسوع» ( أف 2: 5 ، 6).
ما أكرم رحمتك يا الله! فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون. ( مز 36: 7 )
تعامل داود مع عينات مختلفة ومتنوعة من أُناس أشرار، منهم الصديق الذي خانه، ومنهم الصاحب الذي تنكَّر له. منهم الرجل الذي أنعم من الزبدة فمه، وقلبه قِتال ( مز 55: 21 ). أُناس من شعبه سعوا وراءه بسيوف مسلولة. أُناس من أهل بيته سخروا منه، وأبناء خرجوا من أحشائه تنكَّروا له. أضف إلى هذا كل ما اجتازت فيه نفسه من مرار وعلقم بسبب سقطته الشنيعة، ورغم أن الرب غفر خطيته، إلا أن السيف لم يفارق بيته.
لكن برغم كل ذلك، وإلى أن صار شيخًا، لم يتقسَ قلبه ولم يتطرق إليه الصدأ، لأنه ظل يشرب وينهل ويرتوي من ينبوع رحمة الله وإحساناته التي لا تفنى. تعلق بثبات بمراحم الله ولم يرخها أبدًا. لذا لا غرابة أن شهد الله عن عبده بالقول: «وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبي، الذي سيصنع كل مشيئتي» ( أع 13: 22 ) .. أجنحة من رحمة الله تغطى به داود، وفي كل حين. تعالوا معًا لنستمع إليه يقول:
عن الحاضر: «رحمة الله هي كل يوم!» ( مز 52: 1 ).
عن الماضي: «أرسل من العُلى فأخذني. نشلني من مياه كثيرة. أنقذني من عدوي القوي، ومن مُبغضيَّ لأنهم أقوى مني» ( مز 18: 16 ، 17).
عن المستقبل: «لأنه يخبئني (الفعل في اللغة العبرية يعني المستقبل) في مظلته في يوم الشر، يسترني بستر خيمته. على صخرة يرفعني» ( مز 27: 5 ).
عن الأبدية: «إنما خيرٌ ورحمةٌ يتبعانني كل أيام حياتي، وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام» ( مز 23: 6 ).
ثقة داود ثابتة، وإيمانه راسخ، بأن الله سيتغمده ويتولاه بالخير والرحمة كل أيام حياته. ولا غرو، فإيمانه وهو بعد فتى، كان عظيمًا، إذ نراه يقف أمام شاول الملك ويقول: «قتل عبدك الأسد والدُب جميعًا.
وهذا الفلسطيني الأغلف يكون كواحد منهما، لأنه قد عيَّر صفوف الله الحي» ( 1صم 17: 36 ). ولم يكن داود من هذا الصنف الذي يُؤمّن نفسه على ما هو مادي وحسي، بل على الله ( 1صم 17: 39 ).
ليتنا جميعًا نكون كذلك، وليت يكون لنا هذا الإيمان العظيم في الله، ومن سن مبكرة ..!
هكذا قال الرب .. للمُهان النفس، لمكروه الأمة، لعبد المتسلطين: ينظر ملوك فيقومون. رؤساء فيسجدون لأجل الرب الذي هو أمين ( إش 49: 7 )
عمن يقول النبي إشعياء هذا .. عن نفسه أم عن واحد آخر؟ سأل هذا السؤال الخصي الحبشي قديمًا لفيلبس المبشر وكان يقرأ سفر إشعياء نفسه
«فبشره من هذا الكتاب بيسوع» وكان الفصل الذي يقرأه هو إشعياء53، الذي قال عنه «لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه، محتقر ومخذول من الناس ...» ( إش 53: 2 ، 3).
يا للعجب «عبد المتسلطين»!!
الذي له المشورة والرأي وله القدرة، الذي به تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً.
الذي به تترأس الرؤساء والشرفاء وكل قضاة الأرض» ( أم 8: 14 - 16).
الذي «يذهب بالمشيرين أسرى ويحمِّق القضاة، يحل مناطق الملوك ويشد أحقاءهم إلى الأبد» ( رو 9: 5 ) الذي «لم يحسِب خُلْسَة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد» ( في 2: 6 ). لنبارك اسمه.
سبحوه بفرح القلب يا جميع المؤمنين «عظموا الرب معي ولنعلِ اسمه معًا» ( مز 34: 3 ).
هذا الشخص العجيب الذي كان موضوع الاحتقار والتعيير في الأرض، سيجيء الوقت الذي فيه يتسلط ويسود «هوذا عبدي يعقل (يتسلط بحزم) يتعالى ويرتقي ويتسامى جدًا ... من أجله يسد ملوك أفواههم» ( إش 52: 13 ، !5).
«تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار، جلالك وبهاءك. وبجلالك اقتحم. اركب. من أجل الحق والدعَةِ والبر، فتُريك يمينك مخاوف ... شعوبٌ تحتك يسقطون» ( مز 45: 3 - 5).
لقد أخلى نفسه آخذًا صورة عبد لأجل إتمام الفداء بموته على الصليب «لذلك رفّعه الله وأعطاه اسمًا فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومَنْ على الأرض ومَن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب» ( في 2: 9 - 11).
لقد اتضع حتى إلى تراب الموت، لكي يسعدنا ويغنينا «من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقرهِ» ( 2كو 8: 9 ).
أيها الرب يسوع ما أعجب شخصك!
أنت فريد في محبتك وتواضعك يا مَن مجّدت الله تمامًا، وتركت لنا مثالاً .. مجدًا لاسمك العظيم.
لا يقدر أحدٌ أن يخدم سيدين .. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال ( مت 6: 24 )
تأمل في النتيجة التي توصَّل الرب إليها: «لا تقدرون أن تخدموا الله والمال».
ليس أن المال في ذاته شر، بل المسألة أنك لا تقدر أن تخدم الله والمال في آنٍ واحد معًا.
وكما يذكر العارفون باللغة اليونانية إن كلمة ”يخدم“ المُستخدمة في هذه الفقرة هي في اليوناني كلمة قوية جدًا، فهي نفس الكلمة التي استخدمها الرسول بولس في رومية6: 6؛ 7: 6 حيث تُترجم هناك ”نُستعبد“ و”نعبد“.
ويا للأسف أن ما عاد المال خادمًا يخدمنا، بل أصبح بالنسبة للكثيرين سيدًا يُخدم، وإلهًا يُعبَد! فمحبة المال تقود إلى العبودية للمال. إنها مأساة أن ما أعطاه الله في البداية للإنسان لبركته وخيره، سرعان ما جعل البشر منه أصنامًا يتعبدون في محرابها.
فالبعض يعبد المال كما هنا ( مت 6: 24 )، والبعض يعيش ليأكل إذ صار إلههم بطنهم ( في 3: 19 )، والبعض يعبد الجنس، إذ إن كل مَن يعمل الخطية هو عبد للخطية ( يو 8: 34 ).
نعم، نحن لا نقدر أن نخدم هذين السيدين معًا، الله والمال، لأن كلا من هذين السيدين يطلب منا سلوكًا ليس فقط يختلف عما يطلبه السيد الآخر، بل يتعارض معه تمامًا. فالله يأمرنا أن نسلك بالإيمان، بينما السيد الآخر يريدنا أن نسلك بالعيان. الله يطلب منا أن ننشغل بما فوق، والسيد الآخر يريدنا أن نهتم بما على الأرض.
الله يريدنا أن نظهر أننا سماويون، بينما السيد الآخر يشدنا إلى الأرض والتراب. الله يقول لنا «لا تهتموا بشيء» والسيد الآخر يريدنا أن نعمل حسابًا لكل شيء. الله يطلب منا أن نكون مكتفين بما عندنا، والسيد الآخر يريدنا أن نوسِّع شهوتنا كالهاوية.
الله يطلب منا ألاّ ننسى فعل الخير والتوزيع، والآخر يريدنا أن نقول مع نابال الأحمق: «أ آخذ خبزي ومائي وذبيحي الذي ذبحت لجازيَّ لقومٍ لا أعلم من أين هم؟». السيد الأول يدعونا لنفرح بالعاطي، بينما السيد الآخر يريدنا أن نفرح بالعطية. فكيف يمكننا أن نوفّق بين خدمة هذين السيدين؟!
تذكَّر أن المسيح هنا لا يقول: لا ينبغي، أو لا يليق، بل «لا تقدرون أن تخدموا الله والمال». هذا هو كلام الرب يسوع، وليتنا نخضع له في هذا الأمر، كما في كل شيء أيضًا.
هذه هي الرسالة الأخيرة للكنيسة، إنها الكلمة الأخيرة من السماء إلى أن يجيء الرب.
وإن كان العهدان القديم والجديد يُختمان بالإعلان عن مجيء الرب ـ ذلك الحَدَث العظيم (وهذا ينطبق بالسوية على نزوله إلى الهواء، 1تس4، ورجوعه إلى جبل الزيتون ـ زك14) إلا أن كلاً من المجيئين مختلف تمامًا، فالنعمة مرتبطة بالمرحلة الأولى، والدينونة بالمرحلة الثانية للمجيء.
ولهذا فإن العهد القديم يُختم بالتهديد باللعنة، أما العهد الجديد فيُختم ببركة النعمة.
«نعم»، إنها لغة التأكيد للحق المقرر «أنا آتي سريعًا». لقد مرّ على الكنيسة وقت تعب وانتظار ومُعاناة، لكن مجيئه سوف يبدّل ظلام الليل إلى سرور وفرح أبدي.
إن ظلال الزمن ها هي تنحسر، وأول خيوط أشعة اليوم الأبدي، الذي لا يعرف الليل أو الدموع تلوح. تشدد أيها السائح المُتعب. ففي الصباح ترنم. إننا لا ننتظر تحقيق النبوة لكن ننتظره هو، فهل مجيئه حقيقة في نفوسنا؟ هل يؤثر على حياتنا ويكيّف سلوكنا ويشدّ أزرنا؟
يُجيب يوحنا، كالممثل للكنيسة، على إعلان الرب بكلمات تُعَبِّر بدون شك عن رغبته هو أيضًا. لقد أُعلنت حقيقة مجيء الرب بواسطة الآتي نفسه، فاهتز لها قلب الرسول الشيخ، لكنه تحت قيادة الروح القدس لم يعبِّر فقط عن مشاعره الخاصة بل عن مشاعر الكنيسة كلها، فقال: «آمين تعال أيها الرب يسوع». آه. يبدو أن انتظاره طال، لكن بناءً على الحساب الإلهي مرّ يومان ( 2بط 3: 8 ).
إن اضطهاد وأحزان إسرائيل، وخطايا ومآسي الأرض الملعونة، ويأس وحيرة الكنيسة المعترفة، تتطلب مخلِّصًا. فالحاجة ماسة إلى يد حاكمة قوية، ولا يمكن أن يسد هذه الحاجة إلا الرب يسوع المسيح. أما نحن فلسنا إلى هذا نتوق، بل إلى شخصه.
لقد مات لأجلنا والآن حي لأجلنا والآتي ثانيةً لأجلنا
«آمين تعال أيها الرب يسوع»
وهذا هو النداء الحار للكنيسة.
هكذا قال الرب: قفوا على الطرق وانظروا، واسألوا عن السُبل القديمة: أين هو الطريق الصالح؟ وسيروا فيه، فتجدوا راحةً لنفوسكم. ( إر 6: 16 )
تصوَّر معي ـ عزيزي القارئ ـ مجموعة من الشباب المستهترين والمندفعين الذين يركضون بلا وعي وراء كل ما هو جديد من الملَّذات والشهوات، دون أن يحسبوا حسابًا للمخاطر التي يمكن أن تحدث، أو للنهاية الأليمة التي سينتهون إليها، ولكن هناك شخص حكيم ثاقب البصر، خبير وفي نفس الوقت مُحب ويقدِّر قيمة النفوس، وها هو يقدِّم بكل محبة نصيحة لهؤلاء قائلاً لهم: «قفوا على الطرق وانظروا (أي فكّروا بعمق)، واسألوا عن السُبل القديمة:
أين هو الطريق الصالح؟ وسيروا فيه، فتجدوا راحةً لنفوسكم».
«توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت» ( أم 14: 12 ).
وهناك خطر حقيقي أن لا يصل الإنسان إلى السماء عندما يستمر في السير في طريق اختاره لنفسه، معتمدًا على أفكاره أو ميوله، دون أن يسأل: «أين هو الطريق الصالح؟».
ولكن ما هي «السُبل القديمة؟» السُبل القديمة هي طرق الله التي قال عنها: «فالآن أيها البنون اسمعوا لي.
فطوبى للذين يحفظون طرقي» ( أم 8: 32 ). إنها طريق الخلاص بالمسيح، والحكمة، والسلام، والبر، والحق ( 2بط 2: 2 ، 21).
ولكن نسأل مَن؟
اسأل الرب في الصلاة، وقُل له: «عرِّفني الطريق التي أسلك فيها، لأني إليك رفعت نفسي» ( مز 143: 8 )، وتأكد أنك لو صليت بإيمان وإخلاص، سوف تسمع هذه الإجابة الإلهية:
«أُعلِّمك وأُرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك» ( مز 32: 8 ).
وأيضًا اسأل كلمة الله؛ اقرأها باجتهاد، وفتشها لأنه «طوبى للكاملين طريقًا، السالكين في شريعة الرب»، وأيضًا «سراجٌ لرجلي كلامك ونورٌ لسبيلي» ( مز 119: 1 ، 105).
ومَن هو الطريق الصالح؟ المسيح هو الطريق الصالح الوحيد، الذي قال عن نفسه: «أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلا بي» ( يو 14: 6 ).
وكيف أعرف أنني أسير في الطريق الصالح؟
عندما تختبر الراحة الحقيقية نتيجة علاقتك الحقيقية بالمسيح الذي قال عن نفسه:
«تعالوا إليَّ يا جميع المُتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم».
هأنذا حسب قولك عوضًا عن الله. أنا أيضًا من الطين تقرصت. ( أي 33: 6 )
إن كلمة «أليهو» معناها ”الله هو“، وهو يمثِّل أمام الذهن الروحي صورة الرب يسوع المسيح الذي هو «الوسيط الواحد بين الله والناس» ( 1تي 2: 5 ).
والنقطة التي عندها يظهر أليهو في المشهد تستدعي التفاتًا خاصًا من القارئ العزيز.
فقد فشل أصحاب أيوب الثلاثة تمام الفشل في معالجته لأن خدمتهم كانت ذات وجهٍ واحد، فقد سلَّطوا عليه كمية كبيرة من الحق ولكن بدون نعمة.
لقد استطاعوا أن يجرحوا، ولكن لم يمكنهم أن يعصبوا. لذلك نرى أيوب من حين إلى آخر ينطق بكلمات مرارة.
وهنا برز أليهو، لأنه كان الرجل الكُفء لهذا الموقف. برز ومعه العلاج الذي يحتاجه أيوب ولم يستطع أصحابه أن يقدموه له.
فقد كان هو الرجل الذي يتطلبه أيوب ويتمنى أن يقف أمامه. ونرى في وقوف أليهو أمام أيوب رمزًا لربنا المبارك الذي قيل عنه: «لأن الناموس بموسى أُعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا» ( يو 1: 17 ). وفي هذه الكلمات يظهر بهاء مجد الرب يسوع الأدبي ومجد خدمته. فالحق يضع الخاطئ في مركزه الصحيح، والنعمة تأتي بالله إليه حيث هو. فالنعمة لا تستطيع أن تعمل بدون الحق. وسنرى هذين العنصرين ـ النعمة والحق ـ واضحين في خدمة أليهو مع أيوب.
لقد أتم أيوب أقواله، ولم يجدوا أصحابه جوابًا، واستذنبوا أيوب. هنا نجد أليهو يُشير إلى نقطتي الخطأ اللتين وقع فيهما كل من أيوب وأصحابه: «.. فلا تقولوا قد وجدنا حكمة. الله يغلبه لا الإنسان».
كان أليهو أمام أيوب كمَن يستطيع أن يسد حاجته فيقول: «هأنذا حسب قولك عوضًا عن الله. أنا أيضًا من الطين تقرصت».
هذا هو الشخص الوحيد الذي ينفع الخاطئ في اللحظة التي فيها يأخذ مركز الحكم على الذات، إذ يسمع كلمات النعمة التي قالها أليهو لأيوب:
«هوذا هيبتي لا ترهبك، وجلالي لا يثقل عليك».
تذكّرنا هذه الكلمات بأن يد العدل الأبدي قد ثقلت على حامل الخطايا ـ الرب يسوع المسيح ـ عندما كان معلقًا على الصليب، حتى ترتفع إلى الأبد الدينونة عن كل خاطئ يحكم على ذاته.
أرجوك أيها القارئ العزيز أن تلاحظ هذه الحقيقة: أن استقامة الإنسان هي في أن يعترف بأنه قد أخطأ. لقد وصل أيوب إلى هذا بعد مشقة، وهكذا وصل إلى نهاية نفسه، قائلاً: أنا مُذنب، واستفاد من وقفة أليهو أمامه.
فذهبت من عنده وأغلقت الباب على نفسها وعلى بنيها. فكانوا هم يقدمون لها الأوعية وهي تصب ( 2مل 4: 5 )
ما أجمل إيمان هذه الأرملة أن دهنة زيت تملأ كل هذا العدد من الأوعية الفارغة، ولكنه ما أجمل طاعتها؛ تلك الطاعة التي لا تتساءل بل تُسرّ بأن تعمل.
ما أكثر ما نتساءل: كيف؟ لماذا؟
أَ لم يتساءل زكريا فظل صامتًا إلى يوم ميلاد يوحنا ( لو 1: 18 )؟
ليُعطنا الرب أن نطيع بإيمان عندما يتحدث إلينا، وتظهر هذه الطاعة في إيماننا عندما نفعل ما يأمرنا به حتى لو كان الأمر غير طبيعي، أو حتى لو كان الأمر بإلقاء الشبكة في جانب السفينة الأيمن ( يو 21: 6 )
بالرغم أننا قد نكون رميناها كثيرًا في هذا الجانب
ولم نجد شيئًا.
ولكن أريد أن ألمس جانبًا آخر حلوًا في هذه المرأة، فقد رجعت إلى أليشع بعد أن أطاعت (ع7)، فقد تحقق ما قاله، ومع ذلك لم تشأ أن تفعل شيئًا آخر إلا بأمره هو، وكان نتيجة ذلك أنها تمتعت ليس فقط بنجاة أولادها، لكنها تمتعت أيضًا بالعيش لأيام قادمة بما تبقى.
ونرى هنا اختلاف الأزمنة في ع7، فنرى الماضي والحاضر والمستقبل.
الحاضر: «اذهبي بيعي الزيت»، وفيها نرى إعلان للمعجزة بالارتباط بالفترة الحاضرة، وفيها صورة لنا نحن الذين كنا تحت تأثير المرابي. لكننا الآن نعلن أن الله عمل بنعمته في حياتنا فأنقذنا من يد سالبنا.
والماضي في عبارة «أوفي دينك». والدَين مرتبط بالماضي، وليس بالماضي فقط، بل بأبي الغلامين، وهكذا معنا.
فنحن لم نفعل الخطية فقط، ولكن ورثنا الخطية الساكنة فينا من أبينا الأول ـ آدم ـ ولكن عمل النعمة يضمن إيفاء الدين.
والمستقبل «وعيشي أنتِ وبنوكِ بما بقيَ». فلنا أيضًا أن نعيش بعد أن كنا أمواتًا ( 2كو 5: 15 )، نعيش بما تبقى. نعم فذات الشيء الذي وفىّ الدين، هو ذات الشيء الذي نكمل به مسيرتنا في العالم، بل هو ذات الشيء الذي سيوصلنا إلى بيت الآب لنعيش المستقبل المجيد، وأعني به النعمة.
ليُعطنا الرب أن نتعلم هذا:
أن نصرخ في كل ضيقنا، وننتظر عمل الرب بالنعمة، ثم نطيع في كل ما يأمر بدون تردد، وفي النهاية نختبر أن الله يصنع أكثر مما نطلب أو نفتكر.