أهلا يا أمي سعيد بحضورك.
للإجابة على سؤالك:
الإجابة المختصرة:
الصلاة والقبول والخدمة: الصلاة أولا هي
أهم بل ربما أيضا
كل ما نستطيع. لابد من الصلاة المستمرة
الصادقة من أعماق القلب لأجله ولأجل شفائه وسعادته. ثانيا
القبول، وهو باختصار أن نقبل الآخر: ألا نحكم عليه داخليا أو نرفضه أو ندينه، حتى لو لم يكن يعجبنا شأنه تماما. بل نقبله أولا، ونقبله
تماما،
كما هو، دون أية رغبة حتى في تغييره بحيث يتوافق معنا ومع رغباتنا. هذا القبول هو أساس
المحبة وجوهرها وأبسط أشكالها، ومن ثم
لا محبة أبدا إلا بعد أن يتحقق أولا هذا القبول. أخيرا
الخدمة، وأقصد بها العطاء والبذل المستمر بكل وسيلة لدينا، خالصة لأجل الآخر ولأجل راحته وشفائه وسلامه الداخلي.
الإجابة التفصيلية:
هناك يا أمي الغالية حالتان أو وضعان أو يمكن حتى أن نقول
نظامان للتشغيل يعمل الإنسان دائما وفقا لأحدهما، كما يعمل الكمبيوتر مثلا وفقا لنظام ويندوز، أو نظام أونيكس. نحن
في كل لحظة نحيا ونفكر ونسلك حسب هذا النظام أو ذاك،
في كل لحظة. يجدر بالتالي أن نفهم هذين النظامين جيدا وأن نكون على وعي دائم بهما، خاصة في علاقتنا مع الآخرين:
النظام الأول هو نظام
"الأنـا": نظام نعومة، حياة بالمسيح، نظام النفس، أو الإنسان العتيق. النظام الثاني في المقابل هو نظام
"الرب": نظام المسيح، أو النعمة، أو الإنسان الجديد. هذان هما النظامان اللذان يحركان سائر حياتنا، في كل لحظة، وينتج عن ذلك بالتالي "
خبرة" تختلف تماما حسب هذا النظام أو ذاك. يمكن أن نلخص أهم الفروق بين هذين النظامين فيما يلي:
+ إذا كان الإنسان متوافقا مع "نظام المسيح"، إذا كان عقله يعمل حسب هذا النظام بالذات، فشعوره العام عندئذ هو عدم الاحتياج مطلقا لأي شيء أو الرغبة بأي شيء، ولا حتى رغبة الحب! خبرة الإنسان مع نظام المسيح هي بالأحرى خبرة اكتفاء تام، أو حتى خبرة كمال، لا يشوبها الشعور أبدا بأي نقص. أما "نظام الأنا" فبالعكس: هناك إحساس دائم عند هذا الإنسان بالاحتياج والنقص ومن ثم الرغبة، خاصة الرغبة بالحب. يفتقد الإنسان هنا دائما إحساس الحب ويظمأ إليه بشدة، ذلك رغم حضور المحبة الدائم في "خلفية" الحياة كلها من حوله! نظام الأنا من ثم يتميز بهذا الافتقاد والاحتياج والنقص وبهذه الرغبة الملحّة في المحبة، بينما نظام المسيح بالعكس "هو" المحبة.
+ الإنسان المتوافق مع نظام المسيح يكون شعوره العام هو أيضا القبول لكل شيء. لا يرفض شيئا ولا يدين أحدا، بل بالأحرى يرى الإنسان في هذا النظام أن ما يمر به ـ هذا الواقع، هذا الحاضر هنا والآن ـ هو بالضبط ما يحتاج أن يمر به، حلوا كان أو مرّا. أما في نظام الأنا فالأمر أيضا بالعكس: هناك دائما عدم قبول لهذا الواقع، وهناك بالتالي دائما رغبة وتفكير مستمر فيما هو أفضل، أو أكبر، أو أجمل، أو أسهل، أو أحدث، إلخ. ينتج عن ذلك أن خبرة الإنسان ـ حسب نظام المسيح ـ هي "خبرة الحياة" نفسها مباشرة، بينما خبرة الإنسان ـ حسب نظام الأنا ـ هي بالأحرى "خبرة المقاومة" ضد الحياة! بينما يعيش الأول هنا والآن في لحظة الحاضر، اللحظة الوحيدة التي يمكنه العيش فيها حقا، يعيش الثاني بدلا من ذلك في "أفكاره" عن هذا الحاضر! يعيش بالتالي إما في "أحلامه" وخططه وتصوراته عن مستقبل أفضل، أو في "ذكرياته" عن ماضٍ كان أفضل! (أي بكل حال ليس الحاضر أبدا هو الأفضل)!
+ في علاقتنا مع الآخرين: إمـا أن يعطي الإنسان انتباهه بالكامل للطرف الآخر (والانتباه فرع من المحبة) ولكل ما يقول الطرف الآخر وما يحتاج إليه الطرف الآخر، وهذا هو نظام المسيح، أو أن يكون انتباه الإنسان واهتمامه وتركيزه بالعكس: على ما يحتاجه هو نفسه من الطرف الآخر وما يمكنه الحصول عليه، وهذا هو نظام الأنا. في نظام الأنا: المركز والمحور والسؤال الأساسي العام هو: ماذا يمكن أن أحصل عليه من الآخرين، أو من العالم بشكل عام؟ (ويشمل ذلك بالطبع كل شيء: من المال أو المكاسب المادية المباشرة وحتى كلمات الثناء والمديح)! في نظام المسيح: المركز والمحور والسؤال الأساسي العام بالأحرى هو: ماذا يمكن أن أقدم للآخرين وماذا أستطيع أن أضيف حقا إليهم أو إلى العالم بشكل عام؟
.
كما هو واضح: هذان وضعان أو حالتان مختلفتان تماما من
"الوعي" الإنساني ـ نظامان مختلفان للتشغيل كما أسميهما ـ وينشأ بالتالي عن ذلك
"خبرة" إنسانية تختلف تماما حسب كل حالة أو نظام!
نعود الآن ـ في ضوء هذا الشرح أو هذه الخريطة ـ إلى الحالة التي معنا: ماذا يمكن فعله حقا معه (أو مع أي شخص عموما في حياتنا)؟ لا شيء يا أمي الغالية ـ مبدئيا ـ سوى أن نراقب فقط أنفسنا أولا لنتأكد
في كل لحظة أي نظام حقا يحكمنا ويحركنا:
هل نحن في توافق مع نظام المسيح، أم مع نظام الأنا؟ هل يصدر فعلنا هذا ـ أو كلماتنا، أو حتى أفكارنا ـ من
وعي المسيح حقا، أم من
وعي الأنا؟ فقط نراقب ونتأكد أننا في حالة
الوعي الأعلى (الوعي الإلهي، وعي المحبة والنعمة والتحرر، وعي الإنسان الجديد) وليس في حالة
الوعي الأدنى (وعي الأنا المحدود الضيق الخانق، وعي النقص والاحتياج والرغبة، وعي الإنسان العتيق)!
ربما نحتاج لاحقا أن نأخذ بعض الخطوات العملية، خاصة إذا كان الآخر مثلا يعاني من مرض نفسي. عندئذ يجب أن نصحبه مثلا إلى الطبيب. ولكن قبل أية خطوات عملية: لابد أن يتوفر أولا هذا
الوعي وهذا
الأساس العام داخلنا،
نحن أنفسنا أولا، لأن هذا الوعي نفسه ـ هذا التوافق
الحقيقي مع نظام المسيح ومع وعي المسيح تبارك اسمه ـ
هو ما سوف يقود خطواتنا العملية كلها بعد ذلك! (بل أكثر من هذا: قد يأتي عندئذ حل أي مشكلة حتى إلى بابنا، قبل حتى أن نطلبه أو نفكر فيه)!
***
سامحيني في الختام إذا كانت بعض الفقرات مبهمة قليلا أو تحتاج القراءة أكثر من مرة، ذلك أنني أحاول الاختصار قدر المستطاع حتى لا تطول الرسالة أكثر من ذلك. عموما إذا كان هناك أي استفسار حول أي جزء أرجو بالطبع ألا تترددي بالإشارة، لا يرهقني أبدا شرح هذه الأمور مرارا وتكرارا، بالعكس يسعدني. صلاواتي ختاما لأجلك وللأسرة كلها، سلام الرب ليكن معكم وحتى نلتقي.