مقدمة
في موكب فريد ومنظر بديع دخل السيد المسيح أُورشليم، راكباً على جحش ابن آتان وحوله جمع غفير، يحملون في أيديهم سعف النخيل وأغصان الزيتون،
أمَّا ثيابهم فقد ألقوها على الأرض، وقد رج صوتهم المدينة وهم يصيحون طالبين الخلاص، حتى الأطفال الصغار انطلقت ألسنتهم بقوة التسبيح فرنَّموا قائلين:
" أوصنا لابن داود ".
لقد صرخ الجميع معترفين بمُلكه، ومقرّين بسلطانه، ونحن في كل وقت نرفع قلوبنا إلى الله، ونمسك بأيدينا أغصان الزيتون رمز السلام وسعف النخيل رمز النُصرة، ونرفع أصواتنا لتدوّي بين الصخور، ونُنادي بعظمة إلهنا ونُرنّم ترنيمة البهجة والخلاص قائلين: " أوصنا لابن داود مُبارك الآتي باسم الرب ".
نعترف بأنَّ
يوم دخول المسيح أُورشليم هو يوم فرح وتمجيد،
فالسمائيون يُمجّدون تنازله، والأرضيون يمجدون ارتفاعه، الشمس تفرح بمجيء شمس البر لكي يُضيء بأشعة حُبّه، والقمر يتهلل بنور مجده، والحيوانات تُسرْ لأنَّ ها على الجحش يتعظم السمائيّ الآتي إلى أُورشليم.
فإلى الله نرفع قلوبنا لكي يسكن فيها ويملك عليها، ملقين ثياب العالم على الأرض، طالبين أن تحمل ضمائرنا أغصان البر والسلام، صارخين مثل الأطفال من أجل خلاصنا.
بشفاعة والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، وجميع مصاف الشهداء والقديسين، ولإلهنا كل مجد وكرامة منذ الأزل وإلى الأبد آمين.
احد الشعانين :
المسـيح ملكـاً
في موكب فريد ومنظر بديع دخل السيد المسيح أُورشليم، راكباً على جحش ابن آتان وحوله جمع غفير، يحملون في أيديهم سعف النخيل وأغصان الزيتون،
أمَّا ثيابهم فقد ألقوها على الأرض، وقد رج صوتهم المدينة وهم يصيحون طالبين الخلاص، حتى الأطفال الصغار انطلقت ألسنتهم بقوة التسبيح فرنَّموا قائلين:
" أوصنا لابن داود ".
لقد صرخ الجميع معترفين بمُلكه، ومقرّين بسلطانه، ونحن في كل وقت نرفع قلوبنا إلى الله، ونمسك بأيدينا أغصان الزيتون رمز السلام وسعف النخيل رمز النُصرة، ونرفع أصواتنا لتدوّي بين الصخور، ونُنادي بعظمة إلهنا ونُرنّم ترنيمة البهجة والخلاص قائلين: " أوصنا لابن داود مُبارك الآتي باسم الرب ".
نعترف بأنَّ
يوم دخول المسيح أُورشليم هو يوم فرح وتمجيد،
فالسمائيون يُمجّدون تنازله، والأرضيون يمجدون ارتفاعه، الشمس تفرح بمجيء شمس البر لكي يُضيء بأشعة حُبّه، والقمر يتهلل بنور مجده، والحيوانات تُسرْ لأنَّ ها على الجحش يتعظم السمائيّ الآتي إلى أُورشليم.
فإلى الله نرفع قلوبنا لكي يسكن فيها ويملك عليها، ملقين ثياب العالم على الأرض، طالبين أن تحمل ضمائرنا أغصان البر والسلام، صارخين مثل الأطفال من أجل خلاصنا.
بشفاعة والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، وجميع مصاف الشهداء والقديسين، ولإلهنا كل مجد وكرامة منذ الأزل وإلى الأبد آمين.
احد الشعانين :
المسـيح ملكـاً
ذات يوم رأى سكان أورشليم موكباً كبيراً * فريداً، قادماً نحو المدينة، جماعة من الناس يسيرون في زحام شديد، يُلوّحون بأغصان في أيديهم، وثيابهم يلقونها على الأرض تحت أقدام راكب الآتان، ويعلو بالمدينة صوتهم، قائلين: " أُوصَنَّا.. مُبَارَكْ الآتي باسم الرّب" (مت8:21،9) ومازال كل يوم يزداد عدد الذين يؤمنون ويعترفون بالمسيح، ويُجلجل صوتهم في العالم قائلين: " أُوصَنّا في الأعَالي ".
ويذكر الكتاب المقدس أنَّ المسيح عندما دخل أورشليم ارتجّت المدينة، وكان أكثر الناس يتساءلون: " من هذا؟ " (مت10:21)، وما تزال المدن حتى اليوم ترتج.. والعقول ترتج.. العالم كله يرتج ويقول: من هذا؟
عن هذا " المَلك الفريد " تنبأ زكريا النبيّ قائلاً: " اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ، هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ، وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ " (زك9:9).
ويتحدّث إشعياء النبيّ عن عدله فيقول " يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِـقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ " (إش4:11).
أمّا سليمان الحكيم فقد تنبأ عن سجود الملوك له، إذ قال: " وَيَسْجُدُ لَـهُ كُلُّ الْمُلُوكِ، كُـلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ " (مز11:72).
لقد مَلَكَ يسوع رغم خوف هيرودس واضطراب أورشليم معه، عندما جاء المجوس يسألونه: " أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ" (مت2:2)، مَلَكَ القدوس رغم سخريات الكتبة والفريسيين الذين أرادوا الاستهزاء به فكتبوا عبارة: " هَذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ "، وعلَّقوها فوق رأسه (مت37:27)، أمَّا مشورتهم الرديئة، ومؤامراتهم الشريرة وتدابيرهم المُهلكة، فقد هبطت إلى أعماق الهاوية، وبقى يسوع ملكاً على جبل قدسه، أتعرفون لماذا؟
لأنَّه جاء ليملك على قلوب المؤمنين لا بالقوة بل بالحُب، وقلوب البشر وأفكارهم لا تُراقب، ولا يمكن لجنود أشرار أن يسدوا أبوابها.. كما نادى المسيح بالروح لا المادة، بالسمائيّ لا الأرضيّ، فبتجسّد المسيح ظهرت تعاليم إلهية، قادت الناس إلى حياة روحية واجتماعية سامية، فامتزجت التعاليم الدينية بالمبادئ الأخلاقية والأدبية.. وأخذت من المزيج رحيقاً حلواً استعذبته شعوب الأرض قاطبة.
وهل نُنكر أنَّ المسيح لم يقم مملكته بسيوف وجيوش؟ فهو لم يُجبر أحداً على اعتناق مبادئه وتعاليمه، ولم يسفك دماء أو يقهر ممالك.. بل سفك دمه الثمين على عود الصليب، فأي ملك هذا الذي لم يذل البشر أو يستعبدهم، بل احتمل ما كان مزمعاً أن يحل عليهم؟!!
إنَّ مُلك المسيح على إسرائيل كما يقول القديس أُغسطينوس، لم يكن بقصد نوال جزية، ولا بتقديم سيوف في أيدي الجنود، ولا لهزيمة أعدائه في حرب علنية، لكنّه في ممارسة سلطانه الملوكيّ على طبيعتهم الداخلية وتدبير اهتماماتهم الأبدية.
ولو نظرنا إلى قادة الأُمم لوجدنا أنَّهم يُقامون من البشر ملوكاً ورؤساء، أمَّا المسيح فلم يأخذ سلطانه من أحد، بل أخذه ميراثاً من أبيه " ِسْالْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصيَ الأَرْضِ مُلْكاً لَكَ " (مز8:2).
كما أنَّ ملوك الأرض كانوا ولا يزالون يدعون أنفسهم بألقاب العظمة، فملك الفرس كان يدعو نفسه (أخا الشمس) وملك مصر (ابن الشمس)، وقد زعم حكام ما بين النهرين أنهم أخذوا سلطتهم من (إنليل Enlil)، رئيس مجمع الآلهة السومْرية، لكي يُلقون الرعب والفزع في قلوب الناس، أمَّا ملك الملوك فحاشا أن يتّخذ لنفسه لقباً من الألقاب الوثنية، وعندما اقتضت الضرورة اختار أن يصف نفسه بلقب يُعبّر عن صفاته الروحية ألا وهو: " الوديع المتواضع " (زك9:9).
ولهذا عندما داخل المسيح أورشليم، لم يركب مركبة تجرها الخيول أو الأسرى، أو تُحمل أمامه علامات الظفر كما كان يفعل ملوك الأرض، بل اختار أن يركب جحشاً صغيراً، وأن يُنادي أمامه الأطفال وهم يحملون في أيديهم أغصان الزيتون قائلين: " أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ".
والحق إنَّ يوم دخول المسيح أورشليم، هو أعظم بُشرى لتتويج أعظم ملك على أعظم مملكة، فملكنا ليس ظالماً بل رحوماً، متواضعاً لا متكبراً، حليماً لا قاسياً، وديعاً لا غضوباً، هو الذي خلقنا وهو الذي فدانا، ولهذا يجب أن نخضع له ونعمل بوصاياه، إن كنَّا نُريده أن يملك على قلوبنا.
أمَّا النفس التي لم يملك عليها ملك الملوك، هى نفس بائسة وسقيمة، ولابد أن تتملك عليها الأهواء والشهوات، وتسكنها الأبالسة والحيات أولاد الأفاعيّ، وكما أنَّ البيت الخالي من سكانه يمتليء بالأتربة، ويُغطي العنكبوت جوانبه، وتغطيه ظلمات حالكة.. هكذا أيضاً النفس التي لا يسكنها الله، تمتليء بتراب الشهوات, وتُعشعش أفكار الشر في رأسها، ويُُغطيها ظلام الخطية.. وإنَّ كانت الأرض التي لا يُفلّحها فلاح تمتليء بالأشواك، والسفينة التي بلا ربّان تتلاطم في الأمواج وتغرق في لُجج البحار، فإنَّ النفس التي لا يقودها يسوع، تجرحها أشواك الخطية، وتخبطها أمواج الخطية.
أوصنّا: ترنيمة الخلاص
حقاً ما أروعها أُنشودة تلك التي أنشدها أطفال اليهود ابتهاجاً بمُخلّصهم عندما دخل أورشليم، فالخلاص هو شهوة المؤمنين، وكل نفس تبحث عن حماية يجب أن تصرخ خلّصنا، وإلاَّ ابتعد الرب عنها فصارت مثل أورشليم خراباً، فالرب هو " قَاضِينَا، الرَّبُّ شَارِعُنَا، الرَّبُّ مَلِكُنَا، هُوَ يُخَلِّصُنَا " (إش22:33).
أتتذكرون قول الملاك للرعاة يوم ميلاده العجيب: " هَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو11:2)، فالمسيح قد جاء لخلاص البشر، من أمراضهم يُخلّصهم، ومن أعدائهم يُنقذهم، ومن خطاياهم ينتشلهم.. ألم يشفِ المسيح المفلوج ومريض بيت حِسدا..؟ وبيلاجية ومريم المصرية وموسى الأسود وغيرهم.. انتشلهم من بئر خطاياهم وغفر لهم.
والحق إنَّ دخول المسيح أورشليم له بعد انتصاريّ عميق, ولذلك نجد ربطاً في هتاف الجموع بين المسيح وداود، ففي التسابيح يذكرون داود " أُوصَنَّا لابن داود " (مت9:21)، لأنَّه رمز للسيد المسيح حين انتصر على الشيطان (جُليات الجبّار)، ويُعلّق القديس أُغسطينوس على الخلاص الذي قدّمه المسيح فيقول:
إنَّ ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويُخلّص ما قد هلك (لو10:19)، لقد جاء الرب يبحث عن المفقودين الذين اختفوا بين الأشواك وتشتتوا بين الذئاب، لذلك حمل الأشواك في جبينه فخلّصهم منها بذبحه لأجلهم..
(أوصنَّا) هى دعاء المتألمين، الذين بدأوا حياتهم في رحم الألم، وشبابهم خريف دائم من الحزن والمرض..! وقد ظل الألم يعبث بأصابعه الحادة في أجسادهم، ويُمزّق بسهامه الصمَّاء أمالهم وأحلامهم، ويغزو بجيوشه البربرية قصور عواطفهم وحصون لذّاتهم، فلا تحزنوا على كل ما يُصيبكم من تجارب، فبين نسيج الألم خيط من ذهب، وفي ظلامه شمعة تضيء وإن كانت عيوننا مغمضّة لا تراها، أو أن ضباب الألم قد غطّاها! فالألم قوة تُعلن عن ضعف الإنسان، لمسة جارحة ربَّما تفجر التوبة فى قلوب خطاة، نوراً يجعل الإنسان يرى قريبه بعين المحبّة، مدرسة يُثقل فيها الإنسان عقله عقلاً حكيماً.
فإذا افتقدكم الألم بوجه القاسيّ، لا تستقبلوه بـ " لا " بل " نعم " ، لأنَّه " طُوبَى لِمَنْ يَتَحَمَّلُ الْمِحْنَةَ بِصَبْرٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَجْتَازَ الامْتِحَانَ بِنَجَاحٍ سَيَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ مُحِبِّيهِ ! " (يع12:1)، سيأتي يوماً تعيشون في مجد دائم وعيد أبديّ لن تنقطع أفراحه، حينئذ لن يكون ظلام بل أنوار وأنوار وأفراح على الدوام.. ستقولون مع إشعياء النبيّ: " هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا، انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا، هَذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ " (إش9:25)، إذن فلنخلع عنَّا ثياب الحزن ونلقيها تحت قدمي مُخلّصنا، ونفتح قلوبنا بالإيمان للملك، ونحمل خوص الغلبة من النخل لأنَّه ظافر، ونُلوّح بالغصن للغصن الذي من مريم، ونصرخ مع الصبية قائلين: " أُوصنَّا في الأعالي مُبارك الآتي باسم الرب ".
(أوصنا) هى رجاء التائبين، فالخطية طرحت كثيرين جرحى، وكل من تألم من جروحها، ويريد أن يتحرر من عبوديتها يصرخ خلصنا، هكذا عاش بنو إسرائيل يقولون: " لِلْعُودِ أَنْتَ أَبِي وَلِلْحَجَرِ أَنْتَ وَلَدْتَنِي "، ولكن في وقت بليتهم وعندما تشتد عليهم التجارب، كانوا يلتجئون إلى الله ويصرخون إليه قائلين " قُمْ وَخَلِّصْنَا " (ار27:2).
نعترف بأننا كالابن الضال أخطأنا وعصينا وتمرّدنا.. فالجميع " قَدْ ضَلُّوا، وَصَارُوا كُلُّهُمْ بِلاَ نَفْعٍ لَيْسَ مَنْ يُمَارِسُ الصَّلاَحَ، لاَ وَلاَ وَاحِدٌ " (رو12:3)، ولكن ما أن صرخنا إلى الله، حتى فتح لنا ذراعيه لاستقبالنا وذبح لنا العجل المُثمّن، ووضع خاتم المُلك في أيدينا، فالله يُريد " أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ " (1تي4:2)، وهو على استعداد أن يغفر لك، ولو كنت في آخر نسمات حياتك، هذا ما فعله مع اللص اليمين وهو على عود الصليب.
اجتمع الأعداء على أهل جبعون، فماذا فعلوا؟ أرسلوا إِلى يشوع بن نون ليُنقذهم من أعدائهم قائلين: " لاَ تُرْخِ يَدَيْكَ عَنْ عَبِيدِكَ اصْعَدْ إِلَيْنَا عَاجِلاً وَخَلِّصْنَا وَأَعِنَّا, لأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْنَا جَمِيعُ مُلُوكِ الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي الْجَبَلِ" (يش6:10).
وعندما هزم الفلسطينيون بني إسرائيل تساءل شُيُوخُ إِسرائيل عن سبب الكسرة وطلبوا أخذْ تابوت العهد من شِيلُوهَ فيدخل الرب في وسطهم ويُخلصهم من أيدي أعدائهم " (1صم4: 3)، وقال بنو إِسرائِيل لِصموئِيل: " لاَ تَكُفَّ عَنِ الصُّرَاخِ مِنْ أَجْلِنَا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِنَا فَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ " (1صم8:7).
الخلاص من سنحاريب ملك آشور كان جوهر صلاة حزقيا النبيّ لله: " وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلَهُ وَحْدَكَ" (2مل19:19)، والخلاص أيضاً كان طلبة داود النبيّ: " خَلِّصْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحِكَ " (مز47:106).
والآن نحن نصرخ مع بني إسرائيل: " أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلِّهَا أَنَّكَر أَنْتَ الرَّبُّ وَحْدَكَ " (إش20:37)، وعندما يستجيب الرب لطلبتنا نرفع قلوبنا ونقول لكل المؤمنين: " باركوا الرب يا حنانيا وعزاريا وميصائيل سبحوا وارفعوه إلى الدهور لأنَّه أنقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط أتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار " (دا88:3).
ويذكر الكتاب المقدس أنَّ المسيح عندما دخل أورشليم ارتجّت المدينة، وكان أكثر الناس يتساءلون: " من هذا؟ " (مت10:21)، وما تزال المدن حتى اليوم ترتج.. والعقول ترتج.. العالم كله يرتج ويقول: من هذا؟
عن هذا " المَلك الفريد " تنبأ زكريا النبيّ قائلاً: " اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ، هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ، وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ " (زك9:9).
ويتحدّث إشعياء النبيّ عن عدله فيقول " يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِـقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ " (إش4:11).
أمّا سليمان الحكيم فقد تنبأ عن سجود الملوك له، إذ قال: " وَيَسْجُدُ لَـهُ كُلُّ الْمُلُوكِ، كُـلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ " (مز11:72).
لقد مَلَكَ يسوع رغم خوف هيرودس واضطراب أورشليم معه، عندما جاء المجوس يسألونه: " أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ" (مت2:2)، مَلَكَ القدوس رغم سخريات الكتبة والفريسيين الذين أرادوا الاستهزاء به فكتبوا عبارة: " هَذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ "، وعلَّقوها فوق رأسه (مت37:27)، أمَّا مشورتهم الرديئة، ومؤامراتهم الشريرة وتدابيرهم المُهلكة، فقد هبطت إلى أعماق الهاوية، وبقى يسوع ملكاً على جبل قدسه، أتعرفون لماذا؟
لأنَّه جاء ليملك على قلوب المؤمنين لا بالقوة بل بالحُب، وقلوب البشر وأفكارهم لا تُراقب، ولا يمكن لجنود أشرار أن يسدوا أبوابها.. كما نادى المسيح بالروح لا المادة، بالسمائيّ لا الأرضيّ، فبتجسّد المسيح ظهرت تعاليم إلهية، قادت الناس إلى حياة روحية واجتماعية سامية، فامتزجت التعاليم الدينية بالمبادئ الأخلاقية والأدبية.. وأخذت من المزيج رحيقاً حلواً استعذبته شعوب الأرض قاطبة.
وهل نُنكر أنَّ المسيح لم يقم مملكته بسيوف وجيوش؟ فهو لم يُجبر أحداً على اعتناق مبادئه وتعاليمه، ولم يسفك دماء أو يقهر ممالك.. بل سفك دمه الثمين على عود الصليب، فأي ملك هذا الذي لم يذل البشر أو يستعبدهم، بل احتمل ما كان مزمعاً أن يحل عليهم؟!!
إنَّ مُلك المسيح على إسرائيل كما يقول القديس أُغسطينوس، لم يكن بقصد نوال جزية، ولا بتقديم سيوف في أيدي الجنود، ولا لهزيمة أعدائه في حرب علنية، لكنّه في ممارسة سلطانه الملوكيّ على طبيعتهم الداخلية وتدبير اهتماماتهم الأبدية.
ولو نظرنا إلى قادة الأُمم لوجدنا أنَّهم يُقامون من البشر ملوكاً ورؤساء، أمَّا المسيح فلم يأخذ سلطانه من أحد، بل أخذه ميراثاً من أبيه " ِسْالْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصيَ الأَرْضِ مُلْكاً لَكَ " (مز8:2).
كما أنَّ ملوك الأرض كانوا ولا يزالون يدعون أنفسهم بألقاب العظمة، فملك الفرس كان يدعو نفسه (أخا الشمس) وملك مصر (ابن الشمس)، وقد زعم حكام ما بين النهرين أنهم أخذوا سلطتهم من (إنليل Enlil)، رئيس مجمع الآلهة السومْرية، لكي يُلقون الرعب والفزع في قلوب الناس، أمَّا ملك الملوك فحاشا أن يتّخذ لنفسه لقباً من الألقاب الوثنية، وعندما اقتضت الضرورة اختار أن يصف نفسه بلقب يُعبّر عن صفاته الروحية ألا وهو: " الوديع المتواضع " (زك9:9).
ولهذا عندما داخل المسيح أورشليم، لم يركب مركبة تجرها الخيول أو الأسرى، أو تُحمل أمامه علامات الظفر كما كان يفعل ملوك الأرض، بل اختار أن يركب جحشاً صغيراً، وأن يُنادي أمامه الأطفال وهم يحملون في أيديهم أغصان الزيتون قائلين: " أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ".
والحق إنَّ يوم دخول المسيح أورشليم، هو أعظم بُشرى لتتويج أعظم ملك على أعظم مملكة، فملكنا ليس ظالماً بل رحوماً، متواضعاً لا متكبراً، حليماً لا قاسياً، وديعاً لا غضوباً، هو الذي خلقنا وهو الذي فدانا، ولهذا يجب أن نخضع له ونعمل بوصاياه، إن كنَّا نُريده أن يملك على قلوبنا.
أمَّا النفس التي لم يملك عليها ملك الملوك، هى نفس بائسة وسقيمة، ولابد أن تتملك عليها الأهواء والشهوات، وتسكنها الأبالسة والحيات أولاد الأفاعيّ، وكما أنَّ البيت الخالي من سكانه يمتليء بالأتربة، ويُغطي العنكبوت جوانبه، وتغطيه ظلمات حالكة.. هكذا أيضاً النفس التي لا يسكنها الله، تمتليء بتراب الشهوات, وتُعشعش أفكار الشر في رأسها، ويُُغطيها ظلام الخطية.. وإنَّ كانت الأرض التي لا يُفلّحها فلاح تمتليء بالأشواك، والسفينة التي بلا ربّان تتلاطم في الأمواج وتغرق في لُجج البحار، فإنَّ النفس التي لا يقودها يسوع، تجرحها أشواك الخطية، وتخبطها أمواج الخطية.
أوصنّا: ترنيمة الخلاص
حقاً ما أروعها أُنشودة تلك التي أنشدها أطفال اليهود ابتهاجاً بمُخلّصهم عندما دخل أورشليم، فالخلاص هو شهوة المؤمنين، وكل نفس تبحث عن حماية يجب أن تصرخ خلّصنا، وإلاَّ ابتعد الرب عنها فصارت مثل أورشليم خراباً، فالرب هو " قَاضِينَا، الرَّبُّ شَارِعُنَا، الرَّبُّ مَلِكُنَا، هُوَ يُخَلِّصُنَا " (إش22:33).
أتتذكرون قول الملاك للرعاة يوم ميلاده العجيب: " هَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو11:2)، فالمسيح قد جاء لخلاص البشر، من أمراضهم يُخلّصهم، ومن أعدائهم يُنقذهم، ومن خطاياهم ينتشلهم.. ألم يشفِ المسيح المفلوج ومريض بيت حِسدا..؟ وبيلاجية ومريم المصرية وموسى الأسود وغيرهم.. انتشلهم من بئر خطاياهم وغفر لهم.
والحق إنَّ دخول المسيح أورشليم له بعد انتصاريّ عميق, ولذلك نجد ربطاً في هتاف الجموع بين المسيح وداود، ففي التسابيح يذكرون داود " أُوصَنَّا لابن داود " (مت9:21)، لأنَّه رمز للسيد المسيح حين انتصر على الشيطان (جُليات الجبّار)، ويُعلّق القديس أُغسطينوس على الخلاص الذي قدّمه المسيح فيقول:
إنَّ ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويُخلّص ما قد هلك (لو10:19)، لقد جاء الرب يبحث عن المفقودين الذين اختفوا بين الأشواك وتشتتوا بين الذئاب، لذلك حمل الأشواك في جبينه فخلّصهم منها بذبحه لأجلهم..
(أوصنَّا) هى دعاء المتألمين، الذين بدأوا حياتهم في رحم الألم، وشبابهم خريف دائم من الحزن والمرض..! وقد ظل الألم يعبث بأصابعه الحادة في أجسادهم، ويُمزّق بسهامه الصمَّاء أمالهم وأحلامهم، ويغزو بجيوشه البربرية قصور عواطفهم وحصون لذّاتهم، فلا تحزنوا على كل ما يُصيبكم من تجارب، فبين نسيج الألم خيط من ذهب، وفي ظلامه شمعة تضيء وإن كانت عيوننا مغمضّة لا تراها، أو أن ضباب الألم قد غطّاها! فالألم قوة تُعلن عن ضعف الإنسان، لمسة جارحة ربَّما تفجر التوبة فى قلوب خطاة، نوراً يجعل الإنسان يرى قريبه بعين المحبّة، مدرسة يُثقل فيها الإنسان عقله عقلاً حكيماً.
فإذا افتقدكم الألم بوجه القاسيّ، لا تستقبلوه بـ " لا " بل " نعم " ، لأنَّه " طُوبَى لِمَنْ يَتَحَمَّلُ الْمِحْنَةَ بِصَبْرٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَجْتَازَ الامْتِحَانَ بِنَجَاحٍ سَيَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ مُحِبِّيهِ ! " (يع12:1)، سيأتي يوماً تعيشون في مجد دائم وعيد أبديّ لن تنقطع أفراحه، حينئذ لن يكون ظلام بل أنوار وأنوار وأفراح على الدوام.. ستقولون مع إشعياء النبيّ: " هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا، انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا، هَذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ " (إش9:25)، إذن فلنخلع عنَّا ثياب الحزن ونلقيها تحت قدمي مُخلّصنا، ونفتح قلوبنا بالإيمان للملك، ونحمل خوص الغلبة من النخل لأنَّه ظافر، ونُلوّح بالغصن للغصن الذي من مريم، ونصرخ مع الصبية قائلين: " أُوصنَّا في الأعالي مُبارك الآتي باسم الرب ".
(أوصنا) هى رجاء التائبين، فالخطية طرحت كثيرين جرحى، وكل من تألم من جروحها، ويريد أن يتحرر من عبوديتها يصرخ خلصنا، هكذا عاش بنو إسرائيل يقولون: " لِلْعُودِ أَنْتَ أَبِي وَلِلْحَجَرِ أَنْتَ وَلَدْتَنِي "، ولكن في وقت بليتهم وعندما تشتد عليهم التجارب، كانوا يلتجئون إلى الله ويصرخون إليه قائلين " قُمْ وَخَلِّصْنَا " (ار27:2).
نعترف بأننا كالابن الضال أخطأنا وعصينا وتمرّدنا.. فالجميع " قَدْ ضَلُّوا، وَصَارُوا كُلُّهُمْ بِلاَ نَفْعٍ لَيْسَ مَنْ يُمَارِسُ الصَّلاَحَ، لاَ وَلاَ وَاحِدٌ " (رو12:3)، ولكن ما أن صرخنا إلى الله، حتى فتح لنا ذراعيه لاستقبالنا وذبح لنا العجل المُثمّن، ووضع خاتم المُلك في أيدينا، فالله يُريد " أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ " (1تي4:2)، وهو على استعداد أن يغفر لك، ولو كنت في آخر نسمات حياتك، هذا ما فعله مع اللص اليمين وهو على عود الصليب.
اجتمع الأعداء على أهل جبعون، فماذا فعلوا؟ أرسلوا إِلى يشوع بن نون ليُنقذهم من أعدائهم قائلين: " لاَ تُرْخِ يَدَيْكَ عَنْ عَبِيدِكَ اصْعَدْ إِلَيْنَا عَاجِلاً وَخَلِّصْنَا وَأَعِنَّا, لأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْنَا جَمِيعُ مُلُوكِ الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي الْجَبَلِ" (يش6:10).
وعندما هزم الفلسطينيون بني إسرائيل تساءل شُيُوخُ إِسرائيل عن سبب الكسرة وطلبوا أخذْ تابوت العهد من شِيلُوهَ فيدخل الرب في وسطهم ويُخلصهم من أيدي أعدائهم " (1صم4: 3)، وقال بنو إِسرائِيل لِصموئِيل: " لاَ تَكُفَّ عَنِ الصُّرَاخِ مِنْ أَجْلِنَا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِنَا فَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ " (1صم8:7).
الخلاص من سنحاريب ملك آشور كان جوهر صلاة حزقيا النبيّ لله: " وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلُّهَا أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ الإِلَهُ وَحْدَكَ" (2مل19:19)، والخلاص أيضاً كان طلبة داود النبيّ: " خَلِّصْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحِكَ " (مز47:106).
والآن نحن نصرخ مع بني إسرائيل: " أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ الأَرْضِ كُلِّهَا أَنَّكَر أَنْتَ الرَّبُّ وَحْدَكَ " (إش20:37)، وعندما يستجيب الرب لطلبتنا نرفع قلوبنا ونقول لكل المؤمنين: " باركوا الرب يا حنانيا وعزاريا وميصائيل سبحوا وارفعوه إلى الدهور لأنَّه أنقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط أتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار " (دا88:3).