1- المقدمة
الله لم يترك طريق إلا وسلكه حتى يعلمنا. فنجد الكتاب المقدس قد اشتمل على عدة طرق للتعليم:
أ. القصص: وفيها يعلمنا الله قصص سقوط وتوبة كثيرين لنتعلم.
ب. الوصايا والشريعة: إذا إلتزمنا بها تتقدس النفس.
ج. النبوات: حينما نرى تحقيقها نؤمن بقوة الكلمة.
د. الأناشيد والتسابيح والمزامير: هذه يسهل حفظها لترديدها فنتعلم الصلاة.
ه. الأمثال: جمل قصيرة تحوى حكمة ملخصة يكون شرحها كلاماً كثيراً.
والله استخدم كل هذه الطرق المتنوعة ليتركنا بلا عذر إذا فضَّلنا طريق الخطية بلا توبة.
2-التعليم بالأمثال:
أ. هي طريقة قديمة استعملها المصريين واليونان والفرس وشعوب أخرى كثيرة.
ب. هي طريقة مباشرة وسهلة للتعليم.
ج. الأمثال تعبر عن الشعوب فالأجيال تتسلم الأمثال من القدماء كخلاصة فكرهم واختباراتهم وتسلمها للأجيال التالية. فهي تشكل فكر الشعوب، بل تعبر عن ثقافة وحضارة هذه الشعوب. (1صم13:24)
د. تستعمل الأمثال في الحوار على أنها بديهيات لا يناقشها أحد. ويحاول كل طرف في مناقشته أن يستعمل الأمثال في صالحه. بل أن الكلمة العبرية "مشل" وتعني مثل تحمل معنى يحكم أو يسيطر أو شئ سائد. ومن يستخدم الأمثال في تعليمه فهو بهذا يريد أن يسود على فكر سامعه فالمثل خلاصة حكمة القدماء وكأن من يستخدم المثل يقول للآخر "كيف تناقشني والقدماء قد قالوا كذا وكذا" (أي8:8).
ه. وتوجد لدى الشعوب أمثال كلها حكمة فعلاً ولكن هناك أمثال شعبية سيئة تفسد عقول الناس ومنها ما انتشر مثلاً في مصر ويدعو للنفعية والأنانية.
"إن رحت بلد بتعبد العجل حش وإديله".. وهذا المثل لا يمانع في عبادة الأوثان.
"إن جالك الطوفان حط ولادك تحت رجليك".. وهل هناك أنانية أكثر من هذا.
ومثل هذه الأمثال السيئة تقسى الإنسان في طريق الخطية. ومثل هذه الأمثال السيئة أيضاً انتشرت أمثال سيئة وسط الشعب اليهودي. (راجع حز22:12 + حز2:18).
و. والله حتى يحمي عبيده من تأثير الأمثال السيئة المفسدة سمح بوجود أمثال مقدسة، أوحى الله بها بواسطة روحه القدوس لبعض رجاله في كل مكان. ولنفس السبب تستخدم الكنيسة التراتيل والألحان والتسبحة لتحمي شعبها من تأثير الأغاني العالمية الهابطة.
3-أمثال سليمان وأمثال الشعوب
بعض الدارسين من نقاد الكتاب المقدس عقدوا دراسات مقارنة بين أمثال سليمان الحكيم وبين الأمثال التي جمعوها من بين الشعوب ووجدوا هناك تشابهاً بينهم واستخلصوا من هذا أن سليمان ما كان سوى جامعاً وناقلاً لأمثال الشعوب من حوله ولنرد على هذا نقول الآتي:
أ- ينسى هؤلاء أن "كل الكتاب موحى به من الله" (2تي16:3 + 2بط21:1)
ب- الله لم يقتصر عمله على شعب اليهود فقط، بل كان الله يتعامل مع كل الشعوب في كل العالم ويلقي أضواء بوحي من روحه القدوس على الحقيقة، فالله لا يترك نفسه بلا شاهد. ودليل على ذلك:
[1] قال أيوب وأصحابه كلاماً كله حكمة إلهية عجيبة.
[2] بلعام تنبأ عن المسيح وهو ليس بيهودي.
ج- وُجِد بين الشعوب نوعين من الحكمة، الحكمة الجيدة المقدسة وهذه تقود لقداسة الناس، والحكمة الفاسدة النفعية. ويجب أن نفهم أن كل حكمة حقيقية مصدرها هو الله (يع16:1،17). فإذا وجدت حكمة جيدة وسط الشعوب فمصدرها هو الله. ومن أين أتى أيوب وأليفاز وبلدد وأليهو بكل ما قالوه وهم من القبائل العربية. أما الحكمة الفاسدة التي انتشرت وسط الشعوب فهي خلاصة تجاربها النفعية وخبراتها الشريرة وهي حكمة نفسانية شيطانية (يع15:3).
د- ويكون بهذا أن التصور الصحيح للتشابه بين أمثال سليمان والأمثال المنتشرة وسط الشعوب مرجعه.. أن الله أوحى بالتعاليم الصحيحة لبعض عبيده الأمناء في بعض الشعوب. وانتشرت هذه الأقوال وسط هذه الشعوب ووسط الشعوب التي احتكت بها سواء بالمصاهرة أو بالتجارة. ثم أضيفت لهذه الأمثال ذات المصدر الإلهي أمثال سيئة مصدرها الخبرات الشخصية لهذه الشعوب. ويكون سبب التشابه بين أمثال سليمان الحكيم الواردة في الكتاب المقدس وأمثال الشعوب راجع إلى:
i) الروح القدس الذي أوحى لسليمان أن يكتب هنا هو نفسه الذي أوحى للآخرين وطالما أن المصدر واحد في الحالتين وهو الروح القدس سيكون الكلام واحداً.
ii) سليمان بوحي من الروح القدس انتقي من وسط الأمثال الشعبية التي للشعوب الأخرى الأمثال المقدسة التي أوحى بها الله أولاً لهذه الشعوب قبل أن يضاف إليها. والرأي الأول أرجح.
ه- سليمان بحكمته نطق بأمثال (3000مثل) (1مل32:4). والوحي لم يسجلها كلها. وربما كانت هذه الأمثال صالحة لوقت سليمان ولمملكته فقط، أما الروح القدس حين يُسَّجلْ في الكتاب المقدس لا يسجل سوى ما هو مفيد لكل الناس في كل العصور. ومن هذا نفهم أن سليمان حين كتب هذا السفر لم يكن حراً تماماً في أن يسجل ما يختاره من أمثال الشعوب ولا حتى أن يسجل كل ما كتبه هو نفسه. بل بوحي من الروح القدس انتقي ما كُتِبَ هنا، وهو النافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر بحسب ما رأي الروح القدس الذي أوحي به (2تي16:3،17)
و- بنفس المنطق نجد أن كل الشعوب الوثنية كانت تقدم ذبائح حيوانية إرضاءً لآلهتها وجاءت شريعة موسى تطلب تقديم ذبائح حيوانية فهل نقل موسى عن الشعوب الوثنية؟ الصحيح أن فكر تقديم ذبيحة حيوانية كرمز للمسيح ثابت منذ البدء والله علَّم آدم أنه بواسطة الذبيحة يستر عُرْيَهْ وغضب من قايين إذ لم يقدم ذبيحة حيوانية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). ومن هنا تسلمت الأجيال فكرة تقديم الذبيحة الحيوانية ولكن الشعوب في جهلها ظنت أنها بهذا ترضي آلهتها الوثنية واختفت من وسط هذه الشعوب الوثنية فكرة الكفارة. وجاء موسى ليقدم الفكر الصحيح وينقيه من كل الشوائب الوثنية. وأيضاً قيل أن موسى نقل قصة الطوفان من أساطير الشعوب الوثنية لأنهم وجدوا أن قصة الطوفان منتشرة في كل العالم تقريباً. والصحيح أن قصة الطوفان قد حدثت فعلاً وتناقلتها الأجيال ومع فساد البشر بسبب الخطية دخلت العبادة الوثنية لمعظم الشعوب فتحورت القصة الصحيحة ونسبت لآلهة كل شعب وجاء موسى وبوحي من الروح القدس ليكتب ما حدث فعلاً وينقي القصص المشوهة المنتشرة في كل العالم مقدماً الصورة الحقيقية. وهكذا قدم سليمان الصورة الحقيقية للفكر الإلهي والحكمة الإلهية انتقاها من وسط كم هائل من حكمة الشعوب وبوحي من الروح القدس ولكن بعد أن تنقت واستبعد منها كل فكر شيطاني نفساني دخيل وانتقى منها ما هو صالح لكل إنسان في كل زمان وفي كل مكان.
4- الأمثال في هذا السفر كلها حكمة وقداسة وتقدس من يتبعها فهي بوحي من الروح القدس، وليست مجرد خبرات سليمان الحكيم أو خبرات أي إنسان. ولذلك ففي بداية السفر نسمع أن مخافة الرب رأس المعرفة (7:1). وهذا ما قاله أيضاً أيوب "هوذا مخافة الرب هي الحكمة" (أي28:28). فالروح القدس الذي أوحى لسليمان هو نفسه الذي أوحى لأيوب. وهو أوحى بهذا لكليهما لنتعلم نحن (2تي16:3 + عب5:12)
5- الأسفار الشعرية لها تسلسل رائع: هي خطة إلهية متكاملة مع كل نفس.
أ- أيوب: يقدم عمل الله مع الإنسان ليؤدبه ويروضه ليترك بره الذاتي ويمتنع عن أن يبرر نفسه وينسب الخطأ لله، ويتعلم أن الله مصدر كل حكمة وأنه لا يخطئ.
ب- المزامير: الخطوة الثانية طالما إقتنع الإنسان بأن الله هو القادر على كل شئ وأن الإنسان خاطئ، يبدأ الإنسان يلجأ لله بروح الاتضاع والخشوع، يلجأ لله مصلياً مسبحاً. وبعد أن تعلم الإنسان في سفر أيوب أن تموت ذاته نجده في حياة الصلاة والتسبيح يختبر حياة القيامة المقرونة بالتسبيح والعبادة والفرح.
ج- الأمثال:هي حديث شيق من الرب، يوجه فيه المؤمن كيف يسلك عملياً بحكمة في هذه الحياة، وقد أظهر سليمان هدف هذا السفر في (2:1،3). إذاً هذا السفر يرينا كيف نعيش حتى لا نعثر بل ننجح.
د- الجامعة: يخبرنا فيه سليمان الحكيم عن بُطل العالم وقصوره عن إشباع النفس. وهذا هو نفس ما توصل له بولس الرسول (فى7:3،8). فكل نفس تسير في طريق الله بطريقة صحيحة لابد وستكتشف بطلان هذا العالم وأنه لا شئ بل نفاية إذا ما قورن بمعرفة يسوع المسيح.
ه- النشيد: يخبرنا عن النفس التي وجدت المسيح فدخلت معه في علاقة حب. وهذا أيضاً ما توصل له بولس الرسول في (رو35:8-39)
وبذلك نجد أن الأسفار الشعرية تعرض علينا طريقاً روحياً يتبعه الله مع النفس البشرية ليصل بها الرب لقمة الفرح. فالنفس البشرية متمردة بطبعها بعد السقوط والله يعلم ذلك. والنفس المتمردة تميل للإنفصال عن الله ولكن سيكون هذا سبباً في غمها وحزنها وموتها نهائياً في إنفصال كامل عن الله. لذلك نجد الله يبدأ مع هذه النفس كمؤدب ومعلم، يؤدب الإنسان حتى يمتنع عن تمرده ويشعر بحاجته إليه وهذا هو دور سفر أيوب. وإذا شعر الإنسان بالحاجة لله سيصلي وهذا هو دور سفر المزامير. ثم يأتي سفر الأمثال ليقدم للنفس المجاهدة أسلوباً مثالياً للتعليم فيشرح لها كيف تسلك في العالم. ولا يوجد كتاب نافع للصلوات بقدر المزامير لذلك استخدمته الكنيسة في صلوات الأجبية. وهكذا لا يوجد كتاب نافع للحياة بقدر الأمثال الذي يتكلم عن كل شئ المرأة والاقتصاد والسياسة.. الخ. وكما أن سفر المزامير مدرسة للصلاة هكذا سفر الأمثال مدرسة للحياة وكلا السفرين مشحونين بالفوائد لتقديس حياتنا. ويأتي بعد ذلك سفر الجامعة (سفري الجامعة والنشيد هما سفران متكاملان فالشعور بأن العالم نفاية يتكامل مع محبة المسيح (في8:3) أما الشعور بتفاهة العالم وأنه نفاية دون محبة المسيح يقود للإنعزال المريض عن المجتمع.) ليلخص حكمة هذه الحياة "أن كل شئ باطل ومصيره إلى الزوال. وكل خاطئ يتمسك بهذه الحياة الباطلة مصيره للموت، وأنه مهما حصل الإنسان على ملذات هذا العالم سيكتشف أنه قبض الريح. وحكمة هذا السفر لكل نفس "لا تسعى وراء الباطل". ثم يأتي سفر النشيد ولا يشعر بحلاوته سوى من خضع لتأديب الله وسلك في حياة الصلاة بالمزامير وسلك في حياته بطريقة صحيحة واكتشف بطلان هذا العالم حينئذ تتذوق هذه النفس حلاوة الحب الناشئ عن حلاوة التوبة والشعور بالغفران، حينئذ فقط تتلذذ النفس بعريسها المسيح، وهذا هو هدف خطة الله مع كل نفس، أن تفرح وتتلذذ به. اكتشاف بطلان العالم هو نضج الحكمة. واكتشاف حب المسيح هو كمال النضج.:download:
الله لم يترك طريق إلا وسلكه حتى يعلمنا. فنجد الكتاب المقدس قد اشتمل على عدة طرق للتعليم:
أ. القصص: وفيها يعلمنا الله قصص سقوط وتوبة كثيرين لنتعلم.
ب. الوصايا والشريعة: إذا إلتزمنا بها تتقدس النفس.
ج. النبوات: حينما نرى تحقيقها نؤمن بقوة الكلمة.
د. الأناشيد والتسابيح والمزامير: هذه يسهل حفظها لترديدها فنتعلم الصلاة.
ه. الأمثال: جمل قصيرة تحوى حكمة ملخصة يكون شرحها كلاماً كثيراً.
والله استخدم كل هذه الطرق المتنوعة ليتركنا بلا عذر إذا فضَّلنا طريق الخطية بلا توبة.
2-التعليم بالأمثال:
أ. هي طريقة قديمة استعملها المصريين واليونان والفرس وشعوب أخرى كثيرة.
ب. هي طريقة مباشرة وسهلة للتعليم.
ج. الأمثال تعبر عن الشعوب فالأجيال تتسلم الأمثال من القدماء كخلاصة فكرهم واختباراتهم وتسلمها للأجيال التالية. فهي تشكل فكر الشعوب، بل تعبر عن ثقافة وحضارة هذه الشعوب. (1صم13:24)
د. تستعمل الأمثال في الحوار على أنها بديهيات لا يناقشها أحد. ويحاول كل طرف في مناقشته أن يستعمل الأمثال في صالحه. بل أن الكلمة العبرية "مشل" وتعني مثل تحمل معنى يحكم أو يسيطر أو شئ سائد. ومن يستخدم الأمثال في تعليمه فهو بهذا يريد أن يسود على فكر سامعه فالمثل خلاصة حكمة القدماء وكأن من يستخدم المثل يقول للآخر "كيف تناقشني والقدماء قد قالوا كذا وكذا" (أي8:8).
ه. وتوجد لدى الشعوب أمثال كلها حكمة فعلاً ولكن هناك أمثال شعبية سيئة تفسد عقول الناس ومنها ما انتشر مثلاً في مصر ويدعو للنفعية والأنانية.
"إن رحت بلد بتعبد العجل حش وإديله".. وهذا المثل لا يمانع في عبادة الأوثان.
"إن جالك الطوفان حط ولادك تحت رجليك".. وهل هناك أنانية أكثر من هذا.
ومثل هذه الأمثال السيئة تقسى الإنسان في طريق الخطية. ومثل هذه الأمثال السيئة أيضاً انتشرت أمثال سيئة وسط الشعب اليهودي. (راجع حز22:12 + حز2:18).
و. والله حتى يحمي عبيده من تأثير الأمثال السيئة المفسدة سمح بوجود أمثال مقدسة، أوحى الله بها بواسطة روحه القدوس لبعض رجاله في كل مكان. ولنفس السبب تستخدم الكنيسة التراتيل والألحان والتسبحة لتحمي شعبها من تأثير الأغاني العالمية الهابطة.
3-أمثال سليمان وأمثال الشعوب
بعض الدارسين من نقاد الكتاب المقدس عقدوا دراسات مقارنة بين أمثال سليمان الحكيم وبين الأمثال التي جمعوها من بين الشعوب ووجدوا هناك تشابهاً بينهم واستخلصوا من هذا أن سليمان ما كان سوى جامعاً وناقلاً لأمثال الشعوب من حوله ولنرد على هذا نقول الآتي:
أ- ينسى هؤلاء أن "كل الكتاب موحى به من الله" (2تي16:3 + 2بط21:1)
ب- الله لم يقتصر عمله على شعب اليهود فقط، بل كان الله يتعامل مع كل الشعوب في كل العالم ويلقي أضواء بوحي من روحه القدوس على الحقيقة، فالله لا يترك نفسه بلا شاهد. ودليل على ذلك:
[1] قال أيوب وأصحابه كلاماً كله حكمة إلهية عجيبة.
[2] بلعام تنبأ عن المسيح وهو ليس بيهودي.
ج- وُجِد بين الشعوب نوعين من الحكمة، الحكمة الجيدة المقدسة وهذه تقود لقداسة الناس، والحكمة الفاسدة النفعية. ويجب أن نفهم أن كل حكمة حقيقية مصدرها هو الله (يع16:1،17). فإذا وجدت حكمة جيدة وسط الشعوب فمصدرها هو الله. ومن أين أتى أيوب وأليفاز وبلدد وأليهو بكل ما قالوه وهم من القبائل العربية. أما الحكمة الفاسدة التي انتشرت وسط الشعوب فهي خلاصة تجاربها النفعية وخبراتها الشريرة وهي حكمة نفسانية شيطانية (يع15:3).
د- ويكون بهذا أن التصور الصحيح للتشابه بين أمثال سليمان والأمثال المنتشرة وسط الشعوب مرجعه.. أن الله أوحى بالتعاليم الصحيحة لبعض عبيده الأمناء في بعض الشعوب. وانتشرت هذه الأقوال وسط هذه الشعوب ووسط الشعوب التي احتكت بها سواء بالمصاهرة أو بالتجارة. ثم أضيفت لهذه الأمثال ذات المصدر الإلهي أمثال سيئة مصدرها الخبرات الشخصية لهذه الشعوب. ويكون سبب التشابه بين أمثال سليمان الحكيم الواردة في الكتاب المقدس وأمثال الشعوب راجع إلى:
i) الروح القدس الذي أوحى لسليمان أن يكتب هنا هو نفسه الذي أوحى للآخرين وطالما أن المصدر واحد في الحالتين وهو الروح القدس سيكون الكلام واحداً.
ii) سليمان بوحي من الروح القدس انتقي من وسط الأمثال الشعبية التي للشعوب الأخرى الأمثال المقدسة التي أوحى بها الله أولاً لهذه الشعوب قبل أن يضاف إليها. والرأي الأول أرجح.
ه- سليمان بحكمته نطق بأمثال (3000مثل) (1مل32:4). والوحي لم يسجلها كلها. وربما كانت هذه الأمثال صالحة لوقت سليمان ولمملكته فقط، أما الروح القدس حين يُسَّجلْ في الكتاب المقدس لا يسجل سوى ما هو مفيد لكل الناس في كل العصور. ومن هذا نفهم أن سليمان حين كتب هذا السفر لم يكن حراً تماماً في أن يسجل ما يختاره من أمثال الشعوب ولا حتى أن يسجل كل ما كتبه هو نفسه. بل بوحي من الروح القدس انتقي ما كُتِبَ هنا، وهو النافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر بحسب ما رأي الروح القدس الذي أوحي به (2تي16:3،17)
و- بنفس المنطق نجد أن كل الشعوب الوثنية كانت تقدم ذبائح حيوانية إرضاءً لآلهتها وجاءت شريعة موسى تطلب تقديم ذبائح حيوانية فهل نقل موسى عن الشعوب الوثنية؟ الصحيح أن فكر تقديم ذبيحة حيوانية كرمز للمسيح ثابت منذ البدء والله علَّم آدم أنه بواسطة الذبيحة يستر عُرْيَهْ وغضب من قايين إذ لم يقدم ذبيحة حيوانية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). ومن هنا تسلمت الأجيال فكرة تقديم الذبيحة الحيوانية ولكن الشعوب في جهلها ظنت أنها بهذا ترضي آلهتها الوثنية واختفت من وسط هذه الشعوب الوثنية فكرة الكفارة. وجاء موسى ليقدم الفكر الصحيح وينقيه من كل الشوائب الوثنية. وأيضاً قيل أن موسى نقل قصة الطوفان من أساطير الشعوب الوثنية لأنهم وجدوا أن قصة الطوفان منتشرة في كل العالم تقريباً. والصحيح أن قصة الطوفان قد حدثت فعلاً وتناقلتها الأجيال ومع فساد البشر بسبب الخطية دخلت العبادة الوثنية لمعظم الشعوب فتحورت القصة الصحيحة ونسبت لآلهة كل شعب وجاء موسى وبوحي من الروح القدس ليكتب ما حدث فعلاً وينقي القصص المشوهة المنتشرة في كل العالم مقدماً الصورة الحقيقية. وهكذا قدم سليمان الصورة الحقيقية للفكر الإلهي والحكمة الإلهية انتقاها من وسط كم هائل من حكمة الشعوب وبوحي من الروح القدس ولكن بعد أن تنقت واستبعد منها كل فكر شيطاني نفساني دخيل وانتقى منها ما هو صالح لكل إنسان في كل زمان وفي كل مكان.
4- الأمثال في هذا السفر كلها حكمة وقداسة وتقدس من يتبعها فهي بوحي من الروح القدس، وليست مجرد خبرات سليمان الحكيم أو خبرات أي إنسان. ولذلك ففي بداية السفر نسمع أن مخافة الرب رأس المعرفة (7:1). وهذا ما قاله أيضاً أيوب "هوذا مخافة الرب هي الحكمة" (أي28:28). فالروح القدس الذي أوحى لسليمان هو نفسه الذي أوحى لأيوب. وهو أوحى بهذا لكليهما لنتعلم نحن (2تي16:3 + عب5:12)
5- الأسفار الشعرية لها تسلسل رائع: هي خطة إلهية متكاملة مع كل نفس.
أ- أيوب: يقدم عمل الله مع الإنسان ليؤدبه ويروضه ليترك بره الذاتي ويمتنع عن أن يبرر نفسه وينسب الخطأ لله، ويتعلم أن الله مصدر كل حكمة وأنه لا يخطئ.
ب- المزامير: الخطوة الثانية طالما إقتنع الإنسان بأن الله هو القادر على كل شئ وأن الإنسان خاطئ، يبدأ الإنسان يلجأ لله بروح الاتضاع والخشوع، يلجأ لله مصلياً مسبحاً. وبعد أن تعلم الإنسان في سفر أيوب أن تموت ذاته نجده في حياة الصلاة والتسبيح يختبر حياة القيامة المقرونة بالتسبيح والعبادة والفرح.
ج- الأمثال:هي حديث شيق من الرب، يوجه فيه المؤمن كيف يسلك عملياً بحكمة في هذه الحياة، وقد أظهر سليمان هدف هذا السفر في (2:1،3). إذاً هذا السفر يرينا كيف نعيش حتى لا نعثر بل ننجح.
د- الجامعة: يخبرنا فيه سليمان الحكيم عن بُطل العالم وقصوره عن إشباع النفس. وهذا هو نفس ما توصل له بولس الرسول (فى7:3،8). فكل نفس تسير في طريق الله بطريقة صحيحة لابد وستكتشف بطلان هذا العالم وأنه لا شئ بل نفاية إذا ما قورن بمعرفة يسوع المسيح.
ه- النشيد: يخبرنا عن النفس التي وجدت المسيح فدخلت معه في علاقة حب. وهذا أيضاً ما توصل له بولس الرسول في (رو35:8-39)
وبذلك نجد أن الأسفار الشعرية تعرض علينا طريقاً روحياً يتبعه الله مع النفس البشرية ليصل بها الرب لقمة الفرح. فالنفس البشرية متمردة بطبعها بعد السقوط والله يعلم ذلك. والنفس المتمردة تميل للإنفصال عن الله ولكن سيكون هذا سبباً في غمها وحزنها وموتها نهائياً في إنفصال كامل عن الله. لذلك نجد الله يبدأ مع هذه النفس كمؤدب ومعلم، يؤدب الإنسان حتى يمتنع عن تمرده ويشعر بحاجته إليه وهذا هو دور سفر أيوب. وإذا شعر الإنسان بالحاجة لله سيصلي وهذا هو دور سفر المزامير. ثم يأتي سفر الأمثال ليقدم للنفس المجاهدة أسلوباً مثالياً للتعليم فيشرح لها كيف تسلك في العالم. ولا يوجد كتاب نافع للصلوات بقدر المزامير لذلك استخدمته الكنيسة في صلوات الأجبية. وهكذا لا يوجد كتاب نافع للحياة بقدر الأمثال الذي يتكلم عن كل شئ المرأة والاقتصاد والسياسة.. الخ. وكما أن سفر المزامير مدرسة للصلاة هكذا سفر الأمثال مدرسة للحياة وكلا السفرين مشحونين بالفوائد لتقديس حياتنا. ويأتي بعد ذلك سفر الجامعة (سفري الجامعة والنشيد هما سفران متكاملان فالشعور بأن العالم نفاية يتكامل مع محبة المسيح (في8:3) أما الشعور بتفاهة العالم وأنه نفاية دون محبة المسيح يقود للإنعزال المريض عن المجتمع.) ليلخص حكمة هذه الحياة "أن كل شئ باطل ومصيره إلى الزوال. وكل خاطئ يتمسك بهذه الحياة الباطلة مصيره للموت، وأنه مهما حصل الإنسان على ملذات هذا العالم سيكتشف أنه قبض الريح. وحكمة هذا السفر لكل نفس "لا تسعى وراء الباطل". ثم يأتي سفر النشيد ولا يشعر بحلاوته سوى من خضع لتأديب الله وسلك في حياة الصلاة بالمزامير وسلك في حياته بطريقة صحيحة واكتشف بطلان هذا العالم حينئذ تتذوق هذه النفس حلاوة الحب الناشئ عن حلاوة التوبة والشعور بالغفران، حينئذ فقط تتلذذ النفس بعريسها المسيح، وهذا هو هدف خطة الله مع كل نفس، أن تفرح وتتلذذ به. اكتشاف بطلان العالم هو نضج الحكمة. واكتشاف حب المسيح هو كمال النضج.:download: