- إنضم
- 3 يوليو 2007
- المشاركات
- 2,619
- مستوى التفاعل
- 388
- النقاط
- 83
من غير ما تحس بيه! - بلال فضل
جريدة الدستور 5 إبريل 2005
[انا عاوز كل واحد بعد ما يقرا المقال، يغير كلمة الاصلاح الاقتصادي، بكلمة مشروع النهضة، ويشوف هل هناك اختلاف في المعنى]
"معلش يا باشا في الكلمة .. إنت بتقابل جمال باشا مبارك؟" لولا معرفتي بصدق نوايا عم جعبل بائع الجرائد لظننته يشتغلني .. علي الصبح!
قلت له "آخر مره شفت ابنه شادي بس، ماكنش معاه باباه"
قطب عم جعبل وجهه غاضبا مني ..ثم قال : "باتكلم بجد والله ياباشا أصل إنهم بيقولوا إنك بتكتب عنه" قلت لما أشوف جايز يكون بيتسلي بيا ... قلت له: "هو أكيد بيكلمني بس أنا مش مسجل نمرته بس قول إنت عايز إيه و أنا أشوف له سكه" قالي "لا أنا مش عايز مصلحة لذات نفسي يعني لا سمح الله .. أنا بس اتخضيت لما سمعت الحوار بتاعه مع الاستاذه السفيفه لميس الحتيتي .. و لقيته بيقول إن الاصلاح الاكتسادي الحمد لله ابتدا بس المواطن العادي مش قادر يحس بيه" قلت له "وإيه إللي يخض في حقيقه زي دي يا عم جعبل المفروض إنك تفرح إن الاصلاح ابتدي من غير ما تحس بيه" نظر إلي كاظما غيظه وقال لي: "ماهي المشكلة إننا حاسين بالاصلاح قوي لغاية ما جبنا وجاز وخل ودم كمان، هما فاكرين إننا مش حاسين بيه."
أخرج من جيبه مرهما و نظر حوله محرجا حذرا ثم: قال لي "أنا حصل لي التهبات من كتر الاصلاح وماشي علي المرهم دا بقالي سنتين وبغيره كل خطه خمسيه. قلت له أكيد بشرتك حساسه ودا مش ذنب الاستاذ جمال." دس عم جعبل المرهم في جيبه مسرعا وأخذ يحدثني وهو يكاد يمنع نفسه من البكاء "أنا مش بكذب الباشا الصغير جمال بيه والله بس إظاهر إن في سوء تفاهم مخليه يفتكر إننا مش حاسين بالاصلاح، تلاقي حد من الحرامية الكبار قاله ان الشعب مش حاسس بالاصلاح فقرر أن يقرص علينا في الاصلاح زياده و أملنا فيك كبير أنك تبلغه إننا حاسين بيه وياريت يخفوا علينا شويه يعنى يعتبر الفترة دي فترة راحه للإصلاح .. أصلح لينا و ليهم"
قلت له: "قصدك يعني يوقفوا من أجل تقييم أثار عملية الإصلاح الاقتصلادي علي مختلف الطبقات" بدا جلياً إنه لم يفهمني .. وقال لي: "مش هانختلف يعني المهم يعرفوا إننا حاسين قوي وتعبنا والنعمه خاسة يعني والباشا الكبير أبو علاء ربنا يديه الصحة قال من يجي من عشرين تلاتين سنة .. إن سياسة الدولة هي إنها ما تخليش المواطن يحس بآثار الإصلاح الاكتسادي علشان ما يحصلناش زى الدول إلي حست بيه وباظت علي الآخر إللي هما الجماعة بتوع الاتحاد السوفيتي و بصراحة ربنا إننا ما حسناش بيه في الأول بس الموضوع دا ماقعدش كتير هو يدوبك كام سنة بس بعد كده ابتدينا نحس قوي بالاصلاح وياما حاولنا نقول الموضوع دا لناس ليهم علاقات زي حضرتك، بس ما حدش حس بينا بس ربك والحق خدنا علي الإصلاح بعد كده وهديت المسائل، بس لما جه الباشا الصغير والبشوات الصغيرين اللي معاه و عملوا إصلاح جوه الاصلاح، رجعنا نحس قوي بيه.. لدرجة إني فكرت أقف في الشارع وأستني أي موكب يعدي لحد من البشوات وأصرخ خلاص كفايا والنعمة إحنا حاسين بيه بس خفت حد يفهمني غلط.. علشان كده أنا بحملك الأمانه دي والنبي إحنا مالناش طلابات كتير والله ولا عندنا أمل في أي حاجه وخلاص رمينا طوبة كل حاجه، بس خلاص اللي جاي مش قد اللي راح.. ونفسنا يحسوا إننا حسين بيه.. علشان عيب واحد زي حلاتي يتبهدل في سن زي دي علشان الناس الكبار فاكريته مش حاسس بيه" إنخرط عم جعبل في البكاء فجري ابنه بيومي الواقف علي طرف فرشة الجرائد ليحتضنه ناظرا لي نظرة اتهام، قلت له دفعاً لأذاه "معلهش يا بيومي والله ماكنتش أعرف إن عم جعبل حاسس بيه".
قال لي وهو يتابع والده الذي ابتعد عنا قليلا مختلياً بحزنه "قصدك إيه ياباشا إنت هتلبخ"، قلت له "أنا قصدي الإصلاح يا بيومي.. أصل والدك محملني رسالة لجمال باشا مبارك و أنا قبلت الأمانة.. بس ياتري إنت حاسس بيه يا بيومي .. حاسس بالاصلاح الاقتصادي؟" قال لي "أنا حاسس إنك هاتخليني اتغابي عليك يا باشا"، أعجبتني تركيبه الجمله فقلت له "يا بيومي أنا عايز أطمنك إن جمال مبارك هايتفهم الرسالة بتاعة والدك جدا لأنه كما اتضح شاب عادي ولو كنت شفت الحوار" قال لي ببلاهة مدمن بانجو رديء التجميع "حمار مين" قلت له "إصحي معايا يا بيومي أنا مش باتكلم عن برنامج حالة حمار.. أنا باتكلم عن حوار جمال مبارك إلي قال فيه أنه شاب عادي لأنه كان "جو تو سكول باي باص إيرلي آن ذا مورننج وكان بيروح التدريب عادي في النادي.. يعني زيه زيك.. أكيد إنت كمان كنت في سنه بتروح التدريب"
ظهرت نظرات الغدر في عينين بيومي وهي نظرات عرفتها ذات يوم عندما رفض زبون أن يأخذ منه علية كبيرت بدل الربع جينه الباقي له ايام كانت الجرائد بخمسه وسبعين قرشاً. ولم يكتفِ بالرفض المهذب بل تطاول علي ما قام بيومي واتهمه في ساعة نحس بأنه حرامي، يومها أصر بيومي أن يشعل كل علبة الكبريت في مناخير الزبون عوداً تلو الآخر ولولا واسطة أولاد الحرام لكان أشعلها في أماكن أخري أكثر تأثرا بالنار، الواقعة جلعتني أبتسم له بمودة محاولاً إمتصاص غضبه قائلا "يا خسارة يا بيومي أنا نسيت أنك كنت ولازلت بتروح التضريب مش التدريب.. عموما اطمن جمال مبارك حاسس بمشاكلك انت وابوك لآنه زي ما قال لف كتير جدا.. وأكيد المُعاناة الإنسانية اللي شافها هو رايح النادي علشان يلحق التدريب وتجاربة المريرة في ركوب الباص وحجز كرسي جنب الشباك واللعب في الباك يارد بتاعة الإسكول.. كل هذه التجاريب الإنسانية العميقة ستجعله يشعر بمعاناتك أنت ووالدك وجميع إلي حاسين بيه من أبناء الشعب المصري وبالتالي سيضعوا معاناة إحساسكم بيه في المراحل التالية من عمليه الإصلاح الإقتصادي في ثوبها الجديد."
أصدر بيومي صوتا منكرا لا يليق بشخص حاسس بيه ثم دفعني في كتفي قائلا "يالله ياعم ربنا يسهلك، إمشي من هنا ماتكلش دماغنا"، نهره أبوه الذي كان قد اختفي للحظات في بير سلم العمارة المجاورة ثم أطل وهو يعدل جلابيته أثنناء مشيه داسا علبة المرهم في جيبه "عيب يابيومي يا أهبل.. دا عمك وانا موصيه علي مصلحة عند الباشا الصغير.. والنبي ما تنسى يا ياباشا"، قلت له "حاضر ياعم جعبل ولو ان إبنك باين عليه لسه ماحسش بالاصلاح" قال لي ملاطفا "ما تستعجلش عليه ياباشا.. شبا ومستعفي روحه.. بكره يحس بيه وعينه تنكسر"، هززت رأسي متأملا حكمة الأب وأنا أبتعد عن فرشة الجرائد ناظرا إلي عناوين الصحف القومية التى تتلو علي الناس ما تيسر من تصريحات النجل السابق سنه، أستوقفني صوت عم جعبل وهو يناديني "والنبي يا باشا قوله لما يطلع تاني في أي حوار يدينا كم بوسه هو بيتكلم عن الاصلاح علشان مافيش إصلاح من غير بوس".
من كتاب [ السكان الأصليين لمصر لـ بلال فضل ]
جريدة الدستور 5 إبريل 2005
[انا عاوز كل واحد بعد ما يقرا المقال، يغير كلمة الاصلاح الاقتصادي، بكلمة مشروع النهضة، ويشوف هل هناك اختلاف في المعنى]
"معلش يا باشا في الكلمة .. إنت بتقابل جمال باشا مبارك؟" لولا معرفتي بصدق نوايا عم جعبل بائع الجرائد لظننته يشتغلني .. علي الصبح!
قلت له "آخر مره شفت ابنه شادي بس، ماكنش معاه باباه"
قطب عم جعبل وجهه غاضبا مني ..ثم قال : "باتكلم بجد والله ياباشا أصل إنهم بيقولوا إنك بتكتب عنه" قلت لما أشوف جايز يكون بيتسلي بيا ... قلت له: "هو أكيد بيكلمني بس أنا مش مسجل نمرته بس قول إنت عايز إيه و أنا أشوف له سكه" قالي "لا أنا مش عايز مصلحة لذات نفسي يعني لا سمح الله .. أنا بس اتخضيت لما سمعت الحوار بتاعه مع الاستاذه السفيفه لميس الحتيتي .. و لقيته بيقول إن الاصلاح الاكتسادي الحمد لله ابتدا بس المواطن العادي مش قادر يحس بيه" قلت له "وإيه إللي يخض في حقيقه زي دي يا عم جعبل المفروض إنك تفرح إن الاصلاح ابتدي من غير ما تحس بيه" نظر إلي كاظما غيظه وقال لي: "ماهي المشكلة إننا حاسين بالاصلاح قوي لغاية ما جبنا وجاز وخل ودم كمان، هما فاكرين إننا مش حاسين بيه."
أخرج من جيبه مرهما و نظر حوله محرجا حذرا ثم: قال لي "أنا حصل لي التهبات من كتر الاصلاح وماشي علي المرهم دا بقالي سنتين وبغيره كل خطه خمسيه. قلت له أكيد بشرتك حساسه ودا مش ذنب الاستاذ جمال." دس عم جعبل المرهم في جيبه مسرعا وأخذ يحدثني وهو يكاد يمنع نفسه من البكاء "أنا مش بكذب الباشا الصغير جمال بيه والله بس إظاهر إن في سوء تفاهم مخليه يفتكر إننا مش حاسين بالاصلاح، تلاقي حد من الحرامية الكبار قاله ان الشعب مش حاسس بالاصلاح فقرر أن يقرص علينا في الاصلاح زياده و أملنا فيك كبير أنك تبلغه إننا حاسين بيه وياريت يخفوا علينا شويه يعنى يعتبر الفترة دي فترة راحه للإصلاح .. أصلح لينا و ليهم"
قلت له: "قصدك يعني يوقفوا من أجل تقييم أثار عملية الإصلاح الاقتصلادي علي مختلف الطبقات" بدا جلياً إنه لم يفهمني .. وقال لي: "مش هانختلف يعني المهم يعرفوا إننا حاسين قوي وتعبنا والنعمه خاسة يعني والباشا الكبير أبو علاء ربنا يديه الصحة قال من يجي من عشرين تلاتين سنة .. إن سياسة الدولة هي إنها ما تخليش المواطن يحس بآثار الإصلاح الاكتسادي علشان ما يحصلناش زى الدول إلي حست بيه وباظت علي الآخر إللي هما الجماعة بتوع الاتحاد السوفيتي و بصراحة ربنا إننا ما حسناش بيه في الأول بس الموضوع دا ماقعدش كتير هو يدوبك كام سنة بس بعد كده ابتدينا نحس قوي بالاصلاح وياما حاولنا نقول الموضوع دا لناس ليهم علاقات زي حضرتك، بس ما حدش حس بينا بس ربك والحق خدنا علي الإصلاح بعد كده وهديت المسائل، بس لما جه الباشا الصغير والبشوات الصغيرين اللي معاه و عملوا إصلاح جوه الاصلاح، رجعنا نحس قوي بيه.. لدرجة إني فكرت أقف في الشارع وأستني أي موكب يعدي لحد من البشوات وأصرخ خلاص كفايا والنعمة إحنا حاسين بيه بس خفت حد يفهمني غلط.. علشان كده أنا بحملك الأمانه دي والنبي إحنا مالناش طلابات كتير والله ولا عندنا أمل في أي حاجه وخلاص رمينا طوبة كل حاجه، بس خلاص اللي جاي مش قد اللي راح.. ونفسنا يحسوا إننا حسين بيه.. علشان عيب واحد زي حلاتي يتبهدل في سن زي دي علشان الناس الكبار فاكريته مش حاسس بيه" إنخرط عم جعبل في البكاء فجري ابنه بيومي الواقف علي طرف فرشة الجرائد ليحتضنه ناظرا لي نظرة اتهام، قلت له دفعاً لأذاه "معلهش يا بيومي والله ماكنتش أعرف إن عم جعبل حاسس بيه".
قال لي وهو يتابع والده الذي ابتعد عنا قليلا مختلياً بحزنه "قصدك إيه ياباشا إنت هتلبخ"، قلت له "أنا قصدي الإصلاح يا بيومي.. أصل والدك محملني رسالة لجمال باشا مبارك و أنا قبلت الأمانة.. بس ياتري إنت حاسس بيه يا بيومي .. حاسس بالاصلاح الاقتصادي؟" قال لي "أنا حاسس إنك هاتخليني اتغابي عليك يا باشا"، أعجبتني تركيبه الجمله فقلت له "يا بيومي أنا عايز أطمنك إن جمال مبارك هايتفهم الرسالة بتاعة والدك جدا لأنه كما اتضح شاب عادي ولو كنت شفت الحوار" قال لي ببلاهة مدمن بانجو رديء التجميع "حمار مين" قلت له "إصحي معايا يا بيومي أنا مش باتكلم عن برنامج حالة حمار.. أنا باتكلم عن حوار جمال مبارك إلي قال فيه أنه شاب عادي لأنه كان "جو تو سكول باي باص إيرلي آن ذا مورننج وكان بيروح التدريب عادي في النادي.. يعني زيه زيك.. أكيد إنت كمان كنت في سنه بتروح التدريب"
ظهرت نظرات الغدر في عينين بيومي وهي نظرات عرفتها ذات يوم عندما رفض زبون أن يأخذ منه علية كبيرت بدل الربع جينه الباقي له ايام كانت الجرائد بخمسه وسبعين قرشاً. ولم يكتفِ بالرفض المهذب بل تطاول علي ما قام بيومي واتهمه في ساعة نحس بأنه حرامي، يومها أصر بيومي أن يشعل كل علبة الكبريت في مناخير الزبون عوداً تلو الآخر ولولا واسطة أولاد الحرام لكان أشعلها في أماكن أخري أكثر تأثرا بالنار، الواقعة جلعتني أبتسم له بمودة محاولاً إمتصاص غضبه قائلا "يا خسارة يا بيومي أنا نسيت أنك كنت ولازلت بتروح التضريب مش التدريب.. عموما اطمن جمال مبارك حاسس بمشاكلك انت وابوك لآنه زي ما قال لف كتير جدا.. وأكيد المُعاناة الإنسانية اللي شافها هو رايح النادي علشان يلحق التدريب وتجاربة المريرة في ركوب الباص وحجز كرسي جنب الشباك واللعب في الباك يارد بتاعة الإسكول.. كل هذه التجاريب الإنسانية العميقة ستجعله يشعر بمعاناتك أنت ووالدك وجميع إلي حاسين بيه من أبناء الشعب المصري وبالتالي سيضعوا معاناة إحساسكم بيه في المراحل التالية من عمليه الإصلاح الإقتصادي في ثوبها الجديد."
أصدر بيومي صوتا منكرا لا يليق بشخص حاسس بيه ثم دفعني في كتفي قائلا "يالله ياعم ربنا يسهلك، إمشي من هنا ماتكلش دماغنا"، نهره أبوه الذي كان قد اختفي للحظات في بير سلم العمارة المجاورة ثم أطل وهو يعدل جلابيته أثنناء مشيه داسا علبة المرهم في جيبه "عيب يابيومي يا أهبل.. دا عمك وانا موصيه علي مصلحة عند الباشا الصغير.. والنبي ما تنسى يا ياباشا"، قلت له "حاضر ياعم جعبل ولو ان إبنك باين عليه لسه ماحسش بالاصلاح" قال لي ملاطفا "ما تستعجلش عليه ياباشا.. شبا ومستعفي روحه.. بكره يحس بيه وعينه تنكسر"، هززت رأسي متأملا حكمة الأب وأنا أبتعد عن فرشة الجرائد ناظرا إلي عناوين الصحف القومية التى تتلو علي الناس ما تيسر من تصريحات النجل السابق سنه، أستوقفني صوت عم جعبل وهو يناديني "والنبي يا باشا قوله لما يطلع تاني في أي حوار يدينا كم بوسه هو بيتكلم عن الاصلاح علشان مافيش إصلاح من غير بوس".
من كتاب [ السكان الأصليين لمصر لـ بلال فضل ]