سلام لشخصك العزيز سبق ووضعت هذا الموضوع من زماان في المنتدى لأن للأسف هناك خلط كبير ما بين كلمة اللوغوس في الفلسفة اليوناينة وعند فيلون العلامة اليهودي، وما بين إنجيل يوحنا من جهة الإعلان، لأن الله اللوغوس المتجسد، ليس هو عقل ولا مجرد نطق، لأن حتى الترجمة بكلمة الكلمة غير دقيقة 100%، لأنه ليس مجرد نطق عاقل ولا عقل ناطق، بل هو شخص الله الكلمة المتجسد القيامة والحياة...
عموماً وأولاً : قبل أن نخوض في موضوع الفرق ما بين معنى اللوغوس عند القديس يوحنا الرسول وعند الفلاسفة ، لنظهر الفرق الشاسع ما بين شخص المسيح الكلمة المتجسد كشخص حي وحضور محيي ، وبين الفلسفة المبنية على أن اللوغوس هو العقل والموجوده في القواميس اليونانية ، ونظهر من أي مكان استقى الكثيرين هذا المعنى وأكدوه بعيداً جداً عن المفهوم الصحيح لإنجيل القديس يوحنا الرسول، واستعلان الله في ملئ الزمان ...
فيهمنا أولاً أن نؤكد على أنه لا ينبغي أن ندرس اللوغوس أو عن الله كثالوث قدوس أو أي عقيدة مسيحية كدراسة تاريخية لغوية فلسفية معتمدين على الحرف أو القواميس القديمة أو حتى الحديثة، أو كأبحاث مجردة نبحث فيها بدقة ونستخرج حسب ما نراه مناسب وحسب اللفظ ونتمسك بالتعبيرات الجامدة ونصير بحيثه وعلماء مدققين !!!
وفي هذا كله ننسى الإنجيل في حقيقة جوهره، ليس بالطبع من الوجهة السطحية، وليس معنى كلامي أن كثيرين نسوه في بحثهم، بل أن الكثيرين جعلوة مصدر البحث وركيزته، مع أن الكتاب المقدس في ذاته ليس موضوع للعلم والدراسة الفلسفية المجردة تتوقف على العقل وقدراته على استنباط الأمور، لأنه أتى بتاريخ غيَّر التاريخ البشري الواقع تحت الضعف والانحلال، أي أظهر تاريخ معاملات الله مع البشر، حيث أن الزمان يفقد دوره في خلق علاقة بين الله والبشر، لأن الله دخل في الزمن، إذ تجسد وأعطى له بعداً اسخاتولوجي !!!
فالإنجيل جاء بطبيعة لغة أخرى غير لغة البشر، ولغته هي لغة المحبة، أي اللسان الجديد السماوي أو النطق الصالح الفاعل في الزمن بقوة مُشخصة فائقة أي تصدر من شخص، شخص جاء ليظهر خليقة جديدة هي عمل المسيح له المجد حسب مسرة مشيئة الآب، لتتكون خليقة جديدة تحيا ليست بفلسفة من هذا الدهر ولا من علماءه وفكره الفلسفي، لأن الرب أتى بلغة سماوية هي البذل والعطاء وفيض النعمة تصدر من شخصه القدوس الحي...
فالكتاب المقدس فيه استعلان الثالوث لا على المستوى الفلسفي، بل الثالوث كشخص حي وحضور محيي، ويعلن الثالوث القدوس المساوي غير المنفصل أو المتجزأ، حقيقة المحبة التي تعطي دون أن تسود، تبذل دون ان تقهر، وتُحيي دون أن تُبيد.
والمسيح له المجد استعلن كمال الثالوث، لا على مستوى الفلسفة إنما على مستوى قوة الحياة، ولذلك ننشد نشيد القيامة: " بالموت داس الموت " وهذا النشيد هو فرحنا واستعلان إبادة قانون الفساد وتحرير الإنسان من سلطان الموت، وبالتالي من سلطان الخطية. وهذا يستحيل فهمه على مستوى الخبرة إلاَّ من خلال المحبة الأزلية التي لله الآب والابن والروح القدس الثالوث القدوس المساوي...
فحينما نتحدث عن طبيعة الله، يجب أن لا نتكلم عن طبيعة مجردة abstract، لئلا نقع تحت طائل الفلسفة وقانونها وندخل في هرطقات الهراطقة، وهؤلاء الذين وقعوا في نفس ذات المشكلة حينما حاولوا أن يظهروا عمل الله بالفلسفة والفكر وحده ، والله ليس فكرة ولا موضوع فلسفي، إنما هو شخص حي وحضور محيي، وكلمة الله أي اللوغوس، ليس عقل ولا حتى مجرد كلمة مجردة تخرج من عقل، وان كان كثيرن أخذوا هذا التشبية أي ولادة الكلمة من العقل، ولكنه مجرد تشبيه للتصوير وتقريب المفهوم ليس إلا، لأننا لم نرى عقلاً آخذاً جسداً يسير أمامنا، ولا نطقاً أخذ جسداً، بل شخص اللوغوس وحيد الآب المساوي له في الجوهر اتخذ جسداً، وانفرش عليه بتمام لاهوته متحداً به بسرّ فائق لا يُدرك أو يُشرح في كماله على وجه الإطلاق.
والله في النهاية هو من يعلن عن نفسه ونحن نؤمن به إيمان بسيط بمحبة وهو من يستعلن لنا ذاته في القلب ويعطينا سر الاتحاد به بما يفوق كل شرح أو تفسير ,,,
_______________________
ثانياً : هناك خلط واضح ما بين الإنجيل والفلسفة، لأن مصدر مقولة أن الابن هو العقل، هو مصدر فلسفي، لأن مستحيل أن نبدل كلمة λόγος لوغوس في إنجيل يوحنا التي تُرجمت بالكلمة ونستبدلها بكلمة العقل، فمن المحال أن نقول في البدء كان العقل عوض الكلمة !!!
ومستحيل أن ندمج الاثنين معاً، لأن فلسفياً: الكلمة وليدة العقل المفكر، أي يسبقها التفكير، وفي الله الثالوث القدوس لا يوجد سابق ولا لاحق، لئلا لا يكون إله واحد بسيط في طبيعته ...
وأول من شرح معنى اللوغوس بأنه عقل الله هو العلامة اليهودي فيلون ( 30 ق.م – 50 ب.م )، وشرحه ما هو إلا عبارة عن محاولة الربط بين الدين والفلسفة اليونانية؛ وقد تحدث عن اللوغوس على وجهين:
1 – من حيث أنه هو عقل الله الباطن، ويحوي في داخله مثال العالم، وهو يُشبه العقل الباطن في الإنسان، ويدعوه Logos endiathetos
2 – من حيث هو الكلمة المقولة الصادرة عن الله وتظهر في العالم، وذلك عندما خرج اللوغوس من الله في خلقه العالم، ويدعوه ب Logos prophorikos أي اللوغوس المنطوق أو المسموع، كما هو الحال عند الإنسان، فإن الكلمة المقولة هي إظهار الفكر.
+ بالنسبة للوجه الأول ( رقم 1 ) للوغوس، فأن اللوغوس يكون واحداً مع الكيان الإلهي غير المرئي .
+ وبالنسبة للوجه الثاني ( رقم 2 ) فإن اللوغوس يحيط بكل أعمال وإعلانات الله في العالم وهو بداية الخليقة، وهو صورة الله الوسيط بين الله والعالم !!!
(طبعاً هذا كله فكر فيلون وليس الفكر المسيحي الصحيح والسليم)
عموماً بدون تطويل لكي لا ندخل في مهاترات الفلاسفة، لأني لا أنوي أن اكتب بحث تاريخي ولا فلسفي، إنما أوضح أن القديس يوحنا الرسول لم يتعلم من فيلون أو استقى من الفلسفة اليونانية شيئاً على الإطلاق كما يظن الكثيرين، فان كان قد كتب لفظة اللوغوس وهي مشابهة للكلمة اليوناني الفلسفية، ولكنه ابتعد تماماً عن المعنى الفلسفي لأن اللوغوس عند القديس يوحنا هو شخص المسيح الكلمة المتجسد، وقد أدركه القديس يوحنا من أقواله وتعاليمه شخصياً، فقد رآه ولمسته يديه من جهة كلمة الحياة، فهو هنا يشهد عن الحياة التي أُظهرت لنا وليس عن فكر أو عقل أو نطق، أو أي نوع من أنواع الفلسفة، بل ببساطة الروح كتب في سمو فائق يفوق كل عقول الفلاسفة وشرحهم المطول والمعقد، بل تكلم عن اللوغوس كشخص حي وحضور مُحيي، غير منفصل عن الآب ولا كمجرد كلمة منطوقة ولا مجرد عقل كان الآب به يفكر، ولا مجرد ناقل مشيئة الآب لنا، ولا مجرد فعل من الآب ظهر وسطنا !!!
لذلك لا يَصح أن نُشبه اللوغوس "بالعقل" أو "بالفكر" أو "بالفعل" أو حتى "النطق"، لأن مفهوم الإنسان للفكر والفعل والنطق يختلف عن مضمونهم الإلهي في اللوغوس تمام الاختلاف، والقديس يوحنا كتب في مستهل الإنجيل قائلاً : " في البدء كان اللوغوس " أي قبل أن يوجد التفكير العقلي للإنسان وقبل الفعل المتولد من القوة المخلوقة عند الإنسان وحتى قبل أن يعرف اي شيء عن النطق، والمسيح له المجد لم يستخدم الفكر أو الفعل على مستوى الضعف الإنساني، بل نطق وتكلم على مستواه الإلهي: [ كان يُعلمهم كمن له سلطان ] (مرقس 1: 22)؛ [ لم يتكلم قط إنساناً هكذا مثل هذا الإنسان ] (يوحنا 7: 46).
فالمسيح له المجد لم يكن بل ولن يكون أبداً بل وعلى الإطلاق، إنسان العقل ولا إنسان الإلهام، ولم يكن قط إنسان القوة الخارقة، بل هو إله العقل والقوة ورب الفكر والفعل حتى في أعلى صورها أو كل ما يمكن أن نتخيله عنها، أي أن فكر المسيح الذي كان يُعلَّم وكل أعامله التي عملها، لم تكن تنتمي للزمن أو للخليقة بل كانت إلهية وكائنة في كيانه منذ الأزل:
[ أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به ] (يوحنا 8: 25)، [ لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها غيري لم تكن لهم خطية ] (يوحنا 15: 24).
عموماً مستحيل أن ننطلق في معرفة شخص المسيح اللوغوس المتجسد من خلال عقل الإنسان وتصوراته، بل ننطلق من الإنجيل، ومن مَن كشف ذاته بنفسه ومن خلال أعماله وأقواله التي تخرج منه قوة حياة وشفاء للنفس، ومن خلال سر الافخارستيا كشركه في جسده المبذول والمحيي، وشهادة الروح القدس له ...
فلا يصلح أبداً أن نتجه لشرح اللوغوس مبتدئين بلوغوس الفلاسفة يهوداً أم يونانيين أو حتى في الفكر الحديث أو الفهارس والمعاجم والقواميس، ولكن ينبغي أن لا نعرف اللوغوس إلا في يسوع المسيح له المجد، فمستحيل على العالم أو المصنوعات العظيمة التي فيه، أن تنطق بلاهوت صانعها لتوصلنا إلى معرفة الله والحياة الأبدية والخلاص الأبدي المعد للإنسان بحب الله وحنانه الفائق كل تصورات البشر. ولكن الذي عرفناه بيقين المعرفة هو أن يسوع المسيح وحده فقط هو الذي يُعرفنا بالله أبيه وبالحياة الأبدية والخلاص، وكما هو مكتوب :
[ فأن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا ] (1يوحنا 1 : 2)
[ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح ] (1يوحنا 1: 3)
عموماً لكي أوضح أكثر من جهة أن اقتاباسات الإنجيل أو حتى الآباء بعض الألفاظ اليونانية خالية من معناها القاموسي الذي شُرح في إطار فلسفي، فمثلاً الآباء اختاروا كلمة اقنوم ليجعلوها تدل على الثالوث، ولو عُدنا للفظة كلمة اقنوم في القواميس الفلسفية اليونانية نجدها تتكلم عن الشخص المسرحي، الذي يظره بعدة وجوه مختلفة، ومن هنا أتت بدعة سابليوس حينما قال أن الله شخص واحد له ثلاثة وجوه، فظهر في العهد القديم على أنه الآب أو بشكل الآب، ثم في العهد الجديد بشكل اللوغوس الكلمة، ثم بشكل الروح القدس، وبذلك نفى طبيعة الله بأنه ثالوث قدوس مساوي بل ركز على المعنى الفلسفي من جهة التمثيل، أي أن شخص واحد يلعب ثلاثة أدوار مختلفة، لذلك نحن لا نتجه لشرح الألفاظ اليونانية في الكتاب المقدس ولا عند الآباء من جهة التركيز على المعنى القاموسي وحده، بل على ضوء الإعلان الإلهي والوحي المقدس بإلهام الروح وبرهانه، وعلى ما قصده الآباء من شرح حسب ما قننوه هم وليس كما نفهم اللفظة اليوم أو من خلال قواميس خارج ما وضعه الآباء من مفهوم بإلهام الروح وسلطانه، لذلك قال القديس بولس: [ وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة ] (1كورنثوس 2: 4)، ولذلك لن تجد كلمة اللوغوس تُرجمت بعقل في أي ترجمة، وحتى في الترجمة المسكونية الفرنسية للكتاب المقدس ترجموها [فعل] أي الكلمة في حالة فعل، أي انهم ترجموا لفظة اللوغوس بأنه شخص الله الحي الذي كل أقواله وأعماله فعل حياة وقوة، لذلك علينا أن نحذر من أن ننطلق في شرح الكتاب المقدس معتمدين على القواميس وحدها بدون نوال سرّ النعمة وقوة الإلهام الإلهي بإعلان...
___________
ممكن الرجوع إلى هذه المراجع لمزيد من البحث والتدقيق :
+ المدخل لشرح إنجيل القديس يوحنا - دراسة وتحليل للقمص متى المسكين من ص 185 إلى ص 195
+ اللوغوس - مفهوم الكلمة في كتاب العهد الجديد الجزء الأول - للدكتور موريس تاوضروس من ص 60 إلى 95
+ القاموس الموسوعي للعهد الجديد - يشتمل على المفرادات اللاهوتية لكلمات العهد الجديد في لغته الأصلية ( اللغة اليونانية ) من ص 400 إلى ص 404 كلمة رقم 3364