مما تكوّنت خطيئة آدم؟
آدم أول الخليقة، سقط بخديعة الحية. تذوّق الشجرة التي منها أمره الرب بالاّ يأكل. لهذا سُلّم إلى تأديبات عظيمة: الفساد والموت وتذليل زهوه. لكي يعط حكماً عندما يدين الرب لسبب ما، وحكمه صار الأعمال والعقاب الأبد، ولم يعد هناك أي إمكانية لإبطال هذا الحكم الصادر عن قضاء الله.
لكن افتكروا الآن: أخطأ آدم خطيئة كبيرة إذ لم يُطيع الله، لكنه صدّق أقوال الحية. قارنوا الله بالحية، وسوف ترون كم هي عظيمة خطيئة آدم الحكيم. في حكمته العظيمة أعطى أسماء لكل الحيوانات (تك 19:2-20). ولكن بكل وجه صدّق الحية وليس الله،
فتذوّق، وعرف مباشرة عريه، وبدل أن يصبح إلهاً أصبح قابلاً للفساد، وكفاسد صار قابلاً للموت.
كيف صار كل الناس، بسبب خطيئته، قابلين للفساد والموت؟
حكم الله يبقى إلى الأبد كعقاب أبدي. وكلنا نحن البشر أصبحنا قابلين للفساد والموت، وليس هناك ما يزيح هذا الحكم العظيم المرعب. وإذ ليس هناك إمكانية لرفع هذا الحكم، فما هي الفائدة في الحكمة أو الثروة أو السلطة أو حتى في العالم كله؟
لهذا السبب، ابن الله ذو القدرة الكليّة، الرب يسوع المسيح، واضع نفسه في مكان آدم. وبالحقيقة قد واضع نفسه حتى إلى موت الصليب. كلمة الصليب، كما يقول الكتاب المقدّس، هي "مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (غل 13:3)
أخذ آدم من ثمرة الشجرة بدون أن يكون محتاجًا لها، وهي الشجرة التي أوصاه الله بألاّ يذوقها، منذراً إياه بأن يموت إذا تذوقها. لقد تذوّق ومات. علنا أن نعرف بما أنّ للإنسان جسد ونفس، فعنده موتان: موت النفس وموت الجسد. وعلى المنوال نفسه، هناك أيضًا بقاءان: بقاء النفس وبقاء الجسد، بالرغم من أنهما في إنسان واحد، لأن النفس والجسد هما إنسان واحد.
وهكذا، آدم مات بالروح مباشرة ما أن تذوّق. ولاحقًا، بعد تسعمئة وثلاثين سنة مات بالجسد. فكما أنّ موت الجسد هو افتراق النفس عنه، كذلك موت النفس هو افتراقها عن الروح القدس الذي به خلق الله الإنسان وسرّ بأن يظلله حتى يعيش كالملائكة مستنيراً دائماً بالروح القدس ويبقى صامدًا في وجه الشر. لاحقاً، لهذا السبب، صار كل الجنس البشري قابلاً للموت في الجسد والنفس، تمامًا كما صار آدم الأب الأوّل. لم يعد الإنسان كما خلقه الله. ولم يعد هناك أي إمكانية لأن يصبح أيّ مخلوق كما كان آدم قبل عصيانه الوصية. لكنه كان ضرورياً أن يوجد إنسان مثل هذا.
كيف حرّر الإله المحب البشر الجنس البشري من الفساد والموت بواسطة تدبير التجسد؟
وهكذا الله، رغبةً منه في أن يكون الإنسان مثل آدم عند خلقه في البدء، أرسل إلى الأرض في الزمان الأخير ابنه الوحيد. فأتى وتجسّد وقبل لحم ودم بلا خطية حتى يكون إلهًا كاملاً وإنسانًا كاملاً، وهكذا يكون للألوهة إنسان مستحق لها [1] .
وانظروا إلى هذا الإنسان! لم يكن ولا يوجد اليوم ولن يكون مثله. ولكن لماذا صار المسيح هذا الإنسان؟ لكي يحفظ الشريعة والوصايا، وهكذا ليدخل في معركة مع الشرير ويغلبه. الله المتجسد . إذ لو كان المسيح الإله فقط، أي الذي أعطى الوصايا والشريعة، فكيف له ألاّ يحفظ ما أعطاه بنفسه؟ وإذا كان هو الله، كما هو بالحقيقة، فكيف يمكن له أن يُخدَع أو يُضلّل بتحايل الشيطان؟ فالشيطان قام مصارعًا المسيح. لكن هذا كان حتى يتمّ سر عظيم مهيب، أي حتى أنّ المسيح البار من الخطية يتألّم، وعبر هذا الألم يحصل آدم الذي أخطأ على الغفران. ، علّقت يدا ورجلا المسيح البار وبدل تذوّق الثمرة، كان طعم المرّ والخل، وبدل موت آدم كان موت المسيح.
ثم ماذا جرى؟ رقد المسيح في القبر لثلاثة أيام، ولكي يُظهر أنّ التدبير هو عمل الثالوث كله حتى ولو كان الوحيد الذي تجسّد وتألّم. وممّا يتكوّن هذا التدبير؟ أحد أقانيم الثالوث القدّوس، أي إبن الله وكلمته، حتى يُغفّر عصيان آدم الأول خيرياً بسبب هذا العمل العظيم المهيب أي بسبب الضحية المسيح ولكي تتمّ بقوتها ولادة جديدة وإعادة خلق للإنسان . منذ ذلك الحين، وبعد أن يموتوا فيه عن هذا العالم الشرير، هم أحياء وكأنهم أُقيموا من الأموات أي أن نفوسهم قد أتت إلى الحياة مجدداً وحصلت على نعمة الروح القدس ويشعّون بطريقة تفوق الطبيعة. وكونهم بهذا صاروا مستحقين لأن يكونوا مشاركين مع الله
بعد هذا لا يعود ممكناً للخطيئة أن تتسلّط عليهم أو أن تستبد بهم، لأنهم آلهة بالنعمة [3]. بما أنّ آدم سقط تحت اللعنة وعِبره كل البشر المتحدّرين منه، إذًا حكم الله المتعلّق بهذا لا يمكن إبطاله، وبالتالي المسيح كان لعنة لنا من خلال تعليقه على الصليب لكي يقدّم نفسه ذبيحة لله كما قيل، ولكي يُوفِّي حكم الله بقيمة الذبيحة الكبيرة. إذ ما هو الأعظم من الله، كما أنه لا يوجد في الخليقة المنظورة ما هو أعظم من الإنسان (لأن كل شيء خُلق من أجله)، كذلك الله هو أعلى من كل المخلوقات بشكل لا يٌقارَن ولا يستطيع أي شيء أن يقارَن به، لا الخليقة المنظورة ولا غي المنظورة.
وهكذا، الله، الأعلى من كل من يُقارن من كل خليقة منظورة وغير منظورة، قبل الطبيعة البشرية. . وسوف يقيم أيضاً كل البشر في اليوم الأخير عند نهاية هذا العالم. وإلى هذا، نفوس الذين يؤمنون بيسوع المسيح ابن الله، بهذه الذبيحة العظيمة الرهيبة، يقيمنا الله في الحياة الحاضرة. والنعمة التي يعطيها الروح القدس التي يمنحها لكل مؤمن حقيقي وكأنها نفس جديدة هي إشارة إلى هذه القيامة. إن نفس المسيحي هذه تسمّى "جديرة بالثقة" أو مؤمنة، لأنها مؤتمنة على الروح القدس الذي من الله وهي مقبولة منه. فروح الله هو الحياة الأبدية، لأن الروح القدس هو الله الأزلي المنبثق من الله الآب.