كيف؟!

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus

كيف؟!

لقداسة البابا شنودة الثالث


نحن غالبا ما نتفق في الاهداف، ولكننا نختلف في الوسائل!

نتفق مثلا في لزوم الاصلاح، والتغيير الي افضل.. ولكننا نختلف في كيف نصل الي هذا الاصلاح، وكيف يكون التغيير الي افضل!!؟ وكل نزاعنا وصراعنا يدور حول كلمة 'كيف'؟!

وجوب حل المشاكل القائمة أمر يسعي اليه الكل. ولكن المشكلة الاهم هي كيف تحل هذه المشاكل؟! وهنا تتعدد وتتباين الاراء من المفكرين والسياسيين، ورجال الاجتماع والعلم.. والكل في حيرة وخلاف حول كلمة 'كيف؟'

ليس عند الكل حل.. ثابت شاف يليق

فحلول لفريق.. غير اخري لفريق

هناك امور صعبة، لا نعرف كيف نصل الي اجابة سؤال عنها. مثل مشكلة النسيان، وكيف نصل الي نسيان امور متعبة؟

وهنا اذكر قصيدة كتبتها منذ 54 عاما عنوانها 'كيف أنسي' كانت بدايتها هكذا:
سوف انسي اليوم والامس وقد انسي غدا وسأنسي فترة 'في العمر قد ضاعت' سدي

غير أني سوف لا انسي سؤالا واحد حين قال القلب يوما في ارتباك كيف انسي؟

نعم، كيف ينسي الإنسان امورا دخلت الي عمق اعماق تفكيره، ورسمت في ذاكرته وفي عقله الباطن وفي اللاشعور؟ كيف ينسي؟!



ايضا تدخل عبارة كيف؟ في التعامل مع الامور المضادة

كيف تتعامل احيانا مع امرين احلاهما مر؟!

فتاة مثلا قد حملت سفاحا، ولجأت الي طبيب لاجهاضها. ويقف الطبيب امام تحريم الإجهاض كجريمة قتل جنين وحرمان نفس من الحياة.. وبين ما تقابله هذه الفتاة من عار وفضيحة، وربما يلجأ اهلها الي قتلها بحجة تلويثها لشرف الاسرة وهنا يقف الطبيب الذي لجأت اليه هذه الفتاة الخاطئة امام سؤال صعب: كيف يتصرف؟!



ومن دخول كلمة 'كيف' في الامور الصعبة: قصة القط والفئران:

زعموا ان قطا متوحشا كان يهجم علي مكان الفئران، فيفترس منها ما يشاء فاجتمع الفئران في مؤتمر لبحث مشكلتهم والوصول الي حل لها. وهنا وقف فأر متحمس، وقال: افضل الحلول هو ان نعلق جرسا في رقبة القط. فاذا جاء الينا يرن الجرس الذي في رقبته، فنحترس منه ونهرب.. وصفق الفئران الصغار فرحين بذكاء زميلهم..

علي ان فأرا كبير السن مختبرا وقف وقال: ما اذكي هذا الاقتراح المقدم لنا، ولكن كيف يمكننا ان نعلق الجرس في رقبة القط؟!

واحتار الجميع في كيف يمكن الجمع بين الذكاء النظري والاستحالة العملية؟!


وكثيرا ما تبرز كلمة 'كيف' في أمور اخري تبدو مضادة..!

o كيف يمكن الجمع بين القوة والوداعة؟ وكيف الجمع بين الحزم والعطف هنا نذكر بيتين في مدح احد الحكماء:

يا قويا ليس في طبعه عنف ووديعا ليس في ذاته ضعف

يا حكيما ادب الناس وفي زجره حب وفي صوته عطف

وايضا يقف امامنا السؤال: كيف الجمع بين البساطة والحكمة؟

لاشك ان الامر يبدو صعبا ويعاود الناس السؤال كيف الجمع بينهما اذن؟ ولعل هذا الجمع يكون ممكنا اذا كان معني البساطة هو عدم التعقيد، وليس معناها السذاجة. فيمكن الجمع بين الحكمة وعدم التعقيد. مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت.


سؤال اخر هو كيف الجمع بين الصراحة والمجاملة؟


الامر يحتاج الي قوة في الشخصية، مع البراعة في الاسلوب ليكون مقبولا ويحكي في ذلك ان هارون الرشيد كان في ليلة من الترف، وحوله جماعة من الشعراء سألهم ان يصفوا جمال تلك الليلة، فتباروا في مدحها وكان بينهم ابو العتاهية وهو من الشعراء الزاهدين وقد جلس صامتا فسأله الرشيد رأيه فأجابه بصراحة شجاعة:

عش ما بدا لك هانئا في ظل شاهقة القصور

فإذا النفوس تحشرجت ما بين خافقة الصدور

فهناك تعلم موقفا ما كنت إلا في غرور

وتقول القصة: فبكي الرشيد حتى ابتلت لحيته، واجاب 'صدقت يا ابا العتاهية'..



سؤال آخر حول كلمة 'كيف'، وهو: كيف سلك البعض في مجال المال والكرامة والسلطة؟

وتتعدد انواع الناس. فيقول ايليا ابو ماضي من جهة المال:

لما صديقي صار من اهل الغني ايقنت اني قد فقدت صديقي

ويقول الاستاذ مكرم عبيد 'باشا' عن عكس ذلك:

'الرجل الحق هو الذي يتطور دون ان يتغير ويكبر دون ان يتكبر ويحتفظ بثباته في وثباته'.

ويقول القديس الانبا انطونيوس: قد يوجد إنسان يمكنه ان يحتمل الاهانة ولا يقدر ان يتحمل الكرامة لان احتمال الكرامة اصعب من احتمال الاهانة



سؤال آخر من اسئلة كيف. وهو كيف يمكن الاجابة علي اسئلة حرجة؟

نقول بالذكاء والحكمة فيتكرر السؤال: وكيف؟ نضرب لذلك مثالين:

o قيل انه في احدي المرات، قام أمير البلاد بزيارة احد كبار موظفيه المقربين إليه وفيما هو في بيت هذا الموظف سأل ابنا ذكيا له ليختبر ذكاءه. فقال له: بيت ابيك اعظم ام بيت الامير؟!

وكانت الاجابة محيرة : كيف يجمع بين اكرامه لابيه وولائه للأمير!

ولكن هذا الطفل اجاب بذكاء وقال 'مادام الامير في بيتنا، يكون بيت ابي اعظم من بيت الامير' وهكذا فيما يمتدح عظمة بيت ابيه، ارجع سبب عظمته الي وجود الأمير فيه.

o وفي احدي المرات سألوا احد الوزراء وكان كبيرا في السن واشيب الشعر: هل انت اكبر ام السلطان ؟ فأجاب علي هذا السؤال المحرج في ذكاء وقال 'فخامة السلطان هو اكبر مني ولكنني ولدت قبلا منه'.


يسألون ايضا من جهة كلمة 'كيف': كيف يمكن التعامل مع المتصفين بالعناد ومع غير الطبيعيين في عقلياتهم وطباعهم واعصابهم؟

ونجيب بان الاشخاص العاديين قد يرون كيفية التعامل مع هؤلاء صعبة ولكنها بلا شك ليست صعبة مع الخبيرين بالنفوس والذين لهم طول البال والحكمة ويستطيعون ان يصلوا الي المفاتيح التي يفتحون بها عقول غير الطبيعيين وطباعهم... اما كيف يمكنهم معرفة تلك المفاتيح فهذا سؤال يحتاج الي اجابة طويلة، ليس الان مجالها ولكنها ممكنة ومغلفة بكلمة 'كيف'.


امامنا اسئلة اخري صعبة، نضع امامها كلمة 'كيف؟'

o كيف يواجه الناس الموت وبخاصة بعد بعض امراض عديمة الشفاء؟

لاشك ان الناس يختلفون في ملاقاة الموت: ما بين مؤمن عاش حياة صالحة وهو مستعد للموت، وله رجاء في الحياة الابدية السعيدة وهذا يختلف عن خاطيء يرتعب من الموت، وامامه كل خطاياه بدون ان يقدم عنها توبة وثالث يفاجأ بالموت وقد خدعوه بان شفاءه قريب وانه سوف لا يموت .. مع حالات اخري لا نعرف نفسياتها .. و مع نوع رابع يتشبث بالحياة وامامه آمال لم يحققها بعد .. وخامس يكون عمق تفكيره فيمن سيخلفهم بعد موته من ابنائه وباقي اسرته. وسادس للاسف يكون تفكيره قبل موته في امواله وممتلكاته التي سيتركها بعد ان تعب كثيرا في تكوينها وجمعها.

امور اخري صعبة تكتنفها كلمة 'كيف؟':

o كيف يمكن ان يعيش المشوه والمعوق ؟ بأية نفسية؟

o كيف يعيش اليائس الذي لا أمل أمامه. وكل بارقة أمل تعرض عليه يشعر باستحالتها عمليا وانها مجرد تشجيع وهمي!

o كيف يمكن تعزية قلب فقد اعز الناس اليه؟ وكل كلمات التعزية لن تعوضه عما فقده وقلبه يرفض العزاء!!

كيف يحيا من قال عنه سليمان الحكيم 'إن جريت مع المشاة فأتعبوك، فكيف تباري الخيل؟!

o اسئلة اخري كثيرة تبدأ بكلمة 'كيف؟' اري ان هذه الصفحة قد ضاقت عن استيعابها.
 
أعلى