في السجن في زمن الإمبراطور يوليانوس الجاحد في سنة 362م كان يوسابيوس ونِستابُس وزينون ثلاثة أخوة مسيحيين، اُتُّهِموا بتحطيم معبد وثني في غزة Gaza، فسُجِنوا وجُلِدوا. لم تكن هذه العقوبة كافية في نظر الغوغاء فثاروا متوجهين نحو السجن وفتحوه عنوة وأخذوا الاخوة الثلاثة وسحلوهم في الشوارع وضربوهم بالعصي والحجارة، وأثناء ذلك أخذت النساء تضربهم في أجسادهم بالإبر وأخذ الطباخون الماء المغلي وسكبوه عليهم. تحطّمت عظام الشهداء بما فيها جماجمهم حتى انسكبت أمخاخهم خارجها واختلطت بالتراب، ثم أخذوا جثثهم وألقوها خارج المدينة حيث الحيوانات النافقة وأشعلوا فيها النار. ثم خلطوا العظام المتبقية بعظام الجِمال والحمير حتى لا يستطيع المسيحيون تمييزها. لكن امرأة مؤمنة أتت ليلاً واستطاعت تمييز بعض عظامهم وأعطتها لرجل يدعى أيضًا زينون، كان يمتّ بصلة قرابة للشهداء. فأخذها وهرب إلى ماجوما Majuma. أبقى زينون العظام إلى زمن الإمبراطور ثيؤدوسيوس، ثم رُسِم أسقفًا فبنى كنيسة ودفن فيها العظام. مع هؤلاء الأخوة الثلاثة كان شاب صغير اسمه نسطور تحمَّل مثلهم الحبس والجلد، ولكن أثناء سحله في الطريق أشفق البعض عليه فتركوه مُخَضَّبًا بدمائه، وبعد قليل استشهد متأثرًا بجراحاته في منزل زينون، الذي دفنه مع الأخوة الشهداء. العيد يوم 8 سبتمبر.
أسرى كارزون في القرن الثالث الميلادي رحل كثير من قبائل الجرمان البرابرة الغوصيين (القوط) Goths عبر نهر الدانوب Danube واستقروا في مقاطعتيّ داسيا Dacia ومويسيا Moesia الرومانيتين. وكانوا بين الحين والآخر يقومون بغزوات على آسيا الصغرى، وبالذات على غلاطية Galatia وكبادوكية Cappadocia، حيث كانوا يأسرون العديد من الكهنة والشعب المسيحي. وبمرور الوقت بدأ هؤلاء المسيحيون المسبيون يكرزون بين زملائهم الأسرى ويحوّلون الكثيرين منهم إلى المسيحية، وبدأوا يشيِّدون كنائس مسيحية. وفي سنة 307م أثار حاكم إحدى هذه المناطق الجرمانية الاضطهاد ضد المسيحيين، ويبدو أن السبب كان الانتقام من إعلان إمبراطور روما الحرب ضده. وتحتفل الكنيسة اليونانية بذكرى واحد وخمسين شهيدًا مسيحيًا منهم، أشهرهم القديسان سابا ونيسيتَس Nicetas.. رفض سابا الأسلوب الملتوي كان سابا قد تحول إلى المسيحية في شبابه المبكر، وخدم كشماس للكاهن صنْسالا Sansala. وحين ثار الاضطهاد ضد المسيحيين أصدر الولاة أوامرهم للمسيحيين بالأكل من الذبائح المقدمة للأوثان. وإذ كان لبعض الوثنيين أقارب وأصدقاء من المسيحيين أرادوا إنقاذهم من الاضطهاد فأقنعوا المسئولين أن يقدموا لهم من اللحم الذي لم يذبح للأوثان فيأكلونه مُدَّعين طاعتهم للأوامر. وقف سابا وبصوت عالٍ وأعلن رفضه هذا الأسلوب الملتوي، ولم يكتفِ بعدم الأكل بل أعلن أيضًا أن من يقبل أن يتخذ هذا الأسلوب فقد أنكر الإيمان. وقد حَيَّاه على تصرفه هذا بعض المسيحيين، ولكن آخرين تضايقوا منه حتى ألزموه على ترك المدينة، إلا أنه عاد إليها بعد فترة قصيرة. استهانة الحاكم به في العام التالي حين بدأ الاضطهاد مرة أخرى عزم بعض المسيحيين على القَسَم أمام المسئولين أنه لا يوجد أي مسيحي في المدينة. وإذ كانوا على وشك القَسَم قدَّم سابا نفسه للمسئولين قائلاً: "لا تجعلوا أحدًا يقسم لي، فإني مسيحي". سأل الحاكم الجمع الواقف عن سابا وعن شخصه، وحين علم أنه لا يملك سوى الملابس التي يلبسها، أطلق سراحه مزدريًا به قائلاً: "هذا شخص لا يساوي شيئًا، ولا يملك أن يؤدّي لنا أية فائدة أو ضرر". عذاباته بعد عدة سنوات تجددت الاضطهادات مرة أخرى ضد المسيحيين، فبعد ثلاثة أيام من عيد القيامة حضر إلى المدينة عدد من الجنود بقيادة ضابط اسمه أثاريدس Atharidus، واقتحموا منزل صنْسالا واقتادوه هو وسابا الذي كان يقيم عنده بعد أن أمضيا العيد معًا. ربطوا صنْسالا وألقوه في العربة بينما جذبوا سابا من السرير وجرّوه عاريًا على الصخور المدببة ثم ضربوه بالعصي. وفي الصباح نادى على مضطهديه قائلاً: "ألم تجروني بالأمس عاريًا على الصخور المدببة والأرض الحجرية؟ انظروا إذا كانت رجليَّ مجروحة أو أن الضربات قد تركت أي آثار في جسدي". فحصوا جسمه وإذ لم يجدوا أي أثر للإصابات مهما كان بسيطًا عزموا على تعذيبه بأكثر قسوة، فربطوه في إحدى العربات من يديه ورجليه وأخذوا يعذبونه طول الليل حتى تعبوا. أتت المرأة التي كان الجنود يقيمون عندها وفكَّت وثاقه إشفاقًا عليه إلا أنه رفض أن يهرب. وفي الصباح علقوه من يديه في سقف المنزل، ثم وضعوا أمامه وأمام صنْسالا لحمًا من المذبوح للأوثان فرفض كلاهما الاقتراب منه. وأضاف سابا قائلاً: "هذا اللحم دنس ونجس مثل أثاريدس الذي أرسله". فضربه أحد الجنود بحربته في صدره بكل عنف حتى أن كل الموجودين ظنوا أنه لا بد أن يكون قد مات، إلا أن القديس لم يُصب بأي مكروه، وقال: "هل تظن أنك قتلتني؟ لقد كانت الحربة مثل قطعة قماش بالنسبة لي". استشهاده حين سمع أثاريدس بما حدث أمر بقتل سابا، فاقتادوه إلى نهر Mausaeus الذي يصب في الدانوب ليقتلوه غرقًا. وحين وصلوا إلى الشاطئ قال أحد الضباط للآخرين: "لماذا لا نترك هذا الرجل يمضي لحال سبيله؟ أنه بريء وأثاريدس إنسان غير حكيم إذ يريد قتله"، إلا أن سابا أقنعه بضرورة تنفيذ الأوامر وأضاف: "إني أرى ما لا تراه أنت. فعلى الضفة الأخرى من النهر أرى أشخاصًا مستعدين لأخذ روحي لكي ينقلوني إلى المجد. وهم منتظرون اللحظة التي تفارق فيها روحي جسدي". ساقه الجلادون إلى النهر حيث ربطوا حول عنقه حجرًا وألقوه في الماء فاستشهد غرقًا وذلك سنة 372م. وكان ذلك في الغالب في تارجوفيست Targoviste شمال غرب بوخارست Bucarest في رومانيًا Rumania حاليًا. العيد يوم 12 ابريل.
يعدّها بعض المؤرخين ندًا للقديس الأنبا أنطونيوس كوكب البرية، فكما كان الأنبا أنطونيوس أبًا لجميع الرهبان، كانت سينكليتيكي أمًا لتلك المجموعة المتناسقة من العذارى المتبتلات، اللاتي جعلن من وادي مصر الخصيب مقرًا للنعمة الإلهية.
نشأتها:
وُلدت سينكليتيكي من أبوين شريفين استقرا في الإسكندرية ليكونا على مقربة من مدرستها العظيمة، وكانا قد أنجبا ولدين وبنتين فأرادا أن يثقفانهم بأسمى أنواع الثقافة التي لم تكن متوفرة سوى في مدرسة الإسكندرية.
وفاة أخويها:
فُجعت هذه الأسرة بوفاة أصغر اخوة سينكليتيكي في صباه، أما الأكبر فقد انتقل إلى عالم الخلود ليلة زفافه، وكان من أثر الصدمتين أن اندفعت سينكليتيكي إلى التفكير والتأمل وإلى الانطواء على نفسها وأضحت مباهج العالم ومفاتنه في نظرها سرابًا خادعًا.
بتول في بيت والديها:
حين طغت عليها هذه الخواطر قرّرت أن تكرّس حياتها لخدمة الله، على أنها أدركت في الوقت عينه أنها لا تستطيع ترك أبويها، لأنها إن تركتهما فستزيدهما حزنًا على حزن، فاستمرت تعيش في البيت معهما ولكنها أعلمتهما بأنها ترغب في الاحتفاظ ببتوليتها. طلبا إليها في بادئ الأمر أن تتزوج كي يتعزيا بتربية أولادها، ولكنهما نزلا على رغبتها حين اتضح لهما أنها صادقة العزم في ما قالت، ومن ثم وضعت لنفسها نظامًا نسكيًا تسير عليه بكل دقة وإخلاص وهي مقيمة في بيت أبويها.
في مقبرة العائلة:
ظلت سينكليتيكي مداومة على أصوامها وصلواتها ونسكها وتعبدها في بيت أبويها إلى أن انتقلا إلى عالم النور، وعند ذاك وزّعت أموالها على الفقراء وأخذت أختها وذهبت إلى مقبرة العائلة حيث عاشت بضع سنوات، وفي تلك الفترة ضاعفت أصوامها وصلواتها وتأملاتها. بدأ عبير حياتها ينتشر في الأرجاء إلى أن ملأ الإسكندرية، فجاء لزيارتها عدد غير قليل من الشابات. البعض منهن لمجرد رؤيتها وأخذ بركتها، والبعض الآخر مستفسرات عن حل مشاكلهن. وكان من الطبيعي أن تتأثر بعضهن بقدوتها ويمكثن معها ويشاركنها حياة النسك والتأمل. تركت مقبرة العائلة وأخذت زميلاتها ليعشن معًا في مبنى خارج المدينة، وكرست حياتها لخدمتهن صائرة قدوة وصورة حية لما تنادي به من تعاليم، ولذلك أحبتها زميلاتها وأخلصن الولاء لها وأطعنها عن رضى وحبور. تزايد عدد الشابات اللواتي خضعن لرياستها سنة بعد الأخرى، وكان بعضهن يقضين معها فترة من الزمن يعدن بعدها إلى بيئتهن ليحملن إلى أهلهن النعمة المنعكسة عليهن من حياة سينكليتيكي. مرضها ونياحتها بلغت القديسة الثمانين من عمرها وكانت حتى ذلك الوقت تتمتع بصحة تامة، وفجأة أصيبت بمرض مزعج، فقد غطت القروح جسمها من قمة الرأس إلى أخمص القدم حتى أفقدها القدرة على النطق. تضاعف ألم القروح بحمى عالية موجعة فكان صبر القديسة شبيهًا بصبر أيوب إذ تحملت كل ما أصابها برضى وطول أناة. وقبل انتقالها بثلاثة أيام رأت جمهورًا من الملائكة ومعهن عدد من العذارى، وتقدموا إليها قائلين: "إننا أتينا لندعوكِ فتعالي معنا". وما أن سمعت هذه الكلمات حتى تبدّل حالها فبدت كأنها شخص جديد إذ قد اكتنفها نور بهي، وعاشت بعد ذلك ثلاثة أيام كاملة استنار الراهبات خلالها بالنور السماوي المنعكس عليهن من رئيستهن المريضة، ثم انتقلت إلى بيعة الأبكار في هدوء. البابا أثناسيوس الرسولي يسجل سيرتها لقد أراد البابا أثناسيوس الرسولي أن يبين عظمة قداسة هذه الراهبة المكرّسة فكتب سيرتها هو بنفسه، فبذلك يكون قد كتب سيرة الأنبا أنطونيوس بوصفه أبًا للرهبان كما كتب سيرة القديسة سينكليتيكي بوصفها أمًا للراهبات. من أقوالها: يكثر في البداية التعب والجهاد عند الذين يتقدمون نحو الله، لكن بعد ذلك يغمرهم فرح لا يوصف. وهم كالذين يريدون إشعال النار، يلفحهم الدخان فتدمع عيونهم لكنهم يبلغون إلى ما يرومون، لأنه يقول: "إن إلهنا نار آكلة" (عب 12 : 29). هكذا يجب علينا أن نضرم النار الإلهية بدموع وأتعاب. يجب علينا نحن الذين اخترنا هذه المهمة أن نقتنى التعقل الأسمى، لأن التعقل يبدو طريقًا صحيحًا لنا ولأهل العالم أيضًا. لكن يرافقه جهل بسبب ارتكاب الخطيئة بكل الأحاسيس الكثيرة الأخرى. في الحقيقة أمثال هؤلاء لا يرون كما يجب، ولا يضحكون كما يليق. كما تُبعد الأدوية القوية الحادة الوحوش السامة، هكذا تبعد الصلاة مع الصوم الفكر الشرير. بالتميز الروحي ينبغي أن نسوس أنفسنا. وعندما نكون في شركة مع الاخوة لا ينبغي أن نطلب ما هو لنا، ولا يليق أن نستعبد لرأينا، فالأحرى أن نكون مطيعين لأبينا في الإذعان. إذا أزعجنا المرض، لا نحزن إذا لم نقدر أن نسبح الرب بصوتنا، لأن هذا يكون لتنقية الأهواء. في الحقيقة إن الصوم والانطراح في الفراش سُمحا لنا من أجل الشهوات. هذا هو النسك العظيم: أن نحتمل الأمراض ونرفع تسابيح الشكر لله. لا يغريك تنعّم أهل العالم الأغنياء كما لو أن فيه شيئًا ثمينًا بسبب اللذة الجوفاء. أولئك يوقّرون فن الطهي، أما أنت فبالصوم عن الأطعمة تسمو فوق لذات وطيبات أطعمتهم، لأنه يقول: "إن النفس التي تحيا بالتنعم، تهزأ بالشهد" (أم 27 : 7). لذا لا تشبع من الخبز ولا ترغب الخمر. حسن أن لا تغضب. ولكن إذا حصل وغضبت، لا يسمح لك الرب بغضب يوم كامل قائلاً: "لا تغرب الشمس على غضبكم" (أفس 4: 26). فهل تنتظر أنت إذن حتى يغرب زمان حياتك كله؟ لماذا تبغض من أحزنك؟ ليس هو الذي ظلمك، بل الشيطان. فأنت مدعو أن تبغض المرض لا المريض. إذا كنت تعيش في شركة لا تغير مكانك، لأنك بذلك تتأذى كثيرًا. في الحقيقة كما أن الدجاجة عندما تغادر البيضة تهملها، هكذا حال الراهب أو البتول، عندما يتنقل من موضع إلى آخر، يفتر وتنطفئ جذوة الإيمان فيه.