أين المشكلة؟
في الحقيقة لا أرى مشكلة على الإطلاق!
انا ارعى امي واخي الصغير فان تفاقمت حالتي ... فأمي لا تستطيع الاعتناء بي ولا بنفسها ولا يستطيع كذلك اخي الصغير الاعتناء بها...
لا أبدا، هذه أكذوبة.
لا أنتِ تعتنين بهم ولا هم يعتنون بك. الذي يعتني بكم وبنا جميعا هو
الرب. الرب وحده ولا سواه. الرب هو الذي يوجّه سائر أفكارنا ومشاعرنا وحتى تصرفاتنا وسلوكنا بحيث "
يبدو" في النهاية كأننا نعتني حقا بهذا أو ذاك. لكن هذا فقط ما يبدو. الحقيقة هي أنك لا تعتنين أبدا بأي شخص، على الإطلاق، ولا حتى تستطيعين ذلك. بل
هو وحده سبحانه الذي يرعاهم ويعتني بهم، فقط
من خلالك!
(كما أنه هو وحده الذي يرعاكِ أيضا ويعتني بك، عبر كل هؤلاء الآخرين في حياتك، الذين يقدمون المساعدة لأجلك مهما كانت صغيرة، بداية من أمك التي حملتكِ ذات يوم وأرضعتكِ لبنها، حتى هذا البائع الصغير الذي يناولك البضاعة في محل البقالة! بل حتى الكناس وحامل القمامة وسائق التاكسي ورجل المرور! كل هؤلاء دون استثناء هم في الحقيقة وكلاء الرب ذاته، سبحانه، وضعهم في عالمك هكذا ليس عبثا أو اعتباطا، وإنما تحديدا لذلك السبب: لرعايتكِ، أنتِ شخصيا، وللعناية بشئونك وتدبير معاشك وحياتك)!
سوف ينقلونني ان حدث ذلك الى دار رعاية للمرضى العجزة وسينقلون امي الى نفس الدار...
أيضا أين المشكلة؟
هل يستطيع السيد المسيح الدخول إلى هذه الدار؟ هل منعت السلطات لديكم زيارة المسيح؟ هل أصدروا أمرا بالقبض عليه أو وضعوا اسمه على قوائم الانتظار؟
إذا كان السيد ذاته معنا، تبارك اسمه دائما معنا، فما الفرق إن كنا نعيش في بيت أو في دار للمسنين أو حتى في زنزانة تحت الأرض؟
سيبقى اخي الصغير بمفرده فهو غير متزوج لحد الان ولا من صديق او حد بيسأل عليه...
أخوكِ في الحقيقة ـ حسب ما عرفنا ـ ربما يكون بالعكس
أسعد حالا إذا عاش بمفرده!
على أي حال هذه أيضا أكذوبة، فهو لن يكون وحده أبدا. إلهنا المُحب الرحوم الذي افتقده ورعاه وأكرمه طيلة هذه السنوات ـ من خلالك ـ باقٍ ها هنا، لا يفارق أو يغادر أبدا. الرب هو نفس الرب، وسوف يستمر من ثم بمحبته ورعايته وإكرامه إلى المنتهى، عبر شخص أو حتى أشخاص آخرين غيرك. لماذا إذاً لا نسلّم للرب حقا،
تسليما كاملا مطلقا؟ لماذا لا نثق به؟ لماذا نثق بأنفسنا وقدرتنا ورعايتنا أكثر مما نثق بالرب وقدرته ورعايته؟
***
كما ترين يا أمي: ليست هناك حقا مشكلة. هذه كلها مجرد "
أفكار" تدور فقط برأسك، عن مستقبل
لم يحدث بعد وربما لن يحدث أبدا. مع ذلك فهي أفكار كفيلة أن تثير داخلنا مشاعر الخوف والقلق والتوتر والحزن ـ علاوة على كل أتعابنا الجسدية ـ من ثم تعصف في النهاية
بثباتنا وسلامنا!
المشكلة الوحيدة فيما أرى هي فقط آلامك الجسدية:
اصبح جنبي الايمن والايسر وظهري بيؤلموني بعد ان كانت آلام في الجنب الايسر فقط...
ذلك لأن عقلك وقلبك ـ لا جسدك ـ
مليئان بالسموم! بعض أفكارنا أحيانا يكون
ساما بمعنى الكلمة، كما رأينا! بعض مشاعرنا كذلك يكون ساما، بل شديد الخطورة. فإذا تراكمت هذه السموم داخلنا: انعكس ذلك مع الوقت على أجسادنا، في صورة آلام وأوجاع لا تنتهي! علاوة على ذلك تقتل هذه السموم جهاز المناعة لدينا قتلا بطيئا، من ثم ربما نقع أيضا في النهاية فريسة لكل الأمراض!
ماذا تتوقعين ـ مثلا ـ لشخصية
أهملت شأنها تماما وراحت تقول طوال الوقت لنفسها إنها
حقيرة، دنيئة، قبيحة، ضعيفة، فاشلة، حشرة، دودة غير مستحقة؟
هل هذا هو
الاتضاع؟ هل هذا هو
إنكار الذات؟ هل
القداسة هي أن نهمل أنفسنا ومظهرنا وأجسادنا فلا نعتني بكل ذلك؟ وهل
كرامة أولاد السيد الملك وبناته هي أن تملأهم على العكس مشاعر
العار والخزي والذنب وعدم الاستحقاق؟ هل هكذا حقا
نقترب من الله أو حتى يكون خلاصنا؟ هل لأجل ذلك جاء السيد المسيح إلى هذا العالم؟
لا يا أمي، بل هذه أفكار الشيطان وفخاخه وسمومه، ليست أبدا أفكار القدوس، الذي تجسد إنسانا لا لكي ينحط هذا الإنسان وإنما بالعكس تماما لكي
يتأله الإنسان!
نحن نقول بالعكس:
افرحوا وتهللوا... أنتم ملح الأرض... أنتم نور العالم.
نحن نقول بالعكس:
جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة.
نحن نقول بالعكس:
وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب.
إرادة القدوس إذاً ـ حين تصيبنا الآلام النفسية أو حتى الجسدية ـ هي أن نعود ببساطة لننظر
أين الخطأ. بل لأجل ذلك تحديدا سمح الله بالألم في حياتنا، لأن
كل ألم وراءه دائما خطأ. الألم إذاً ـ
وكل مشاعرنا السلبية عموما ـ هي ببساطة "
جهاز الاستشعار" الفائق الذي وضعه الله داخلنا كي نعرف فوريا ـ حين ننحرف عن المسار أو بالأحرى عن "التردد" الإلهي ـ أن هناك خطأ قد حدث! أين الخطأ بالتالي
في أفكارنا وفي مشاعرنا؟ أين الخطأ
في كلامنا وسلوكنا؟ أين الخطأ حتى
في رؤيتنا ومعتقداتنا، سواء عن الله أو عن العالم أو عن أنفسنا؟
***
أطلت كثيرا ولكن أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت. ختاما أرجو
ألا تخافي يا أمي الغالية
أبدا وألا تجزعي من أي شيء أبدا. نصلي أن يرفع الرب آلامك وأن يمسح أحزانك، كما نصلي بالطبع ألا يحدث أي مكروه لعائلتك الكريمة أو تسوء الأحوال لديكم. ولكن كوني مع ذلك دائما ـ وفي كل الأحوال ـ واثقة
تمام الثقة بعناية الرب ورعايته، مؤمنة
تمام الإيمان بصلاح مشيئته وحكمة تدبيره لأجلك، مهما تغيرت الأوضاع ظاهريا على غير ما نريد. قفي دائما ـ وفي كل الأحوال ـ على باب الرب، في ظلال نعمته ورحماته، في حضرة أنواره وبركاته، في بهاء جماله الفائق ومحبته اللامحدودة وسلامه الذي لا يزول.
***