الموضوع العاشر
(الحكمة، الفهم، والمعرفة بين التعليم الكتابي و التطبيق الحياتي)
الأساس الكتابي
لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ.
(الأمثال ٢: ٦)
وَمَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ،
(الخروج ٣١: ٣)
١٠ إِذَا دَخَلَتِ الْحِكْمَةُ قَلْبَكَ، وَلَذَّتِ الْمَعْرِفَةُ لِنَفْسِكَ،
١١ فَالْعَقْلُ يَحْفَظُكَ، وَالْفَهْمُ يَنْصُرُكَ،
(الأمثال ٢: ١٠، ١١)
مقدمة
في رحلتنا الروحية والعملية، نواجه مواقف تحتاج إلى قرارات سليمة، وتصرفات حكيمة، وبصيرة نافذة. وهنا تظهر أهمية الحكمة والفهم والمعرفة، وهي ثلاثية جوهرية تُمكّن الإنسان من العيش بطريقة ترضي الله وتحقق النجاح الحقيقي.
هذه المفاهيم ليست مجرد قدرات عقلية فحسب ، بل هي عطايا إلهية تتتحقق بالسعي وراءها بجدية والتزام. سنستكشف بالدرس المعاني الأصلية لهذه الكلمات في اللغة العبرية، ونستعرض النصوص الكتابية التي تسلط الضوء عليها، ثم ننتقل إلى تطبيقات عملية تساعدنا على تنميتها في حياتنا اليومية.
أولًا: التعريفات الكتابية للحكمة، الفهم، والمعرفة:-
1. الحكمة
الحكمة في العبرية تعني المهارة العملية، الفطنة، والتصرف السليم في الحياة. إنها ليست مجرد ذكاء أو معرفة نظرية، بل قدرة على تطبيق الحقائق بطريقة نافعة ومتزنة.
في خروج 31:3، منح الله بصلئيل الحكمة ليكون قادرًا على تنفيذ الأعمال الفنية ببراعة في خيمة الاجتماع.
سليمان طلب الحكمة من الله ليحكم شعبه بالعدل (1 ملوك 3:9)، فكانت استجابته نموذجًا لما تعنيه الحكمة الإلهية.
يقول الكتاب: "مخافة الرب رأس الحكمة" (أمثال 9:10)، أي أن الحكمة الحقيقية تبدأ من علاقة صحيحة مع الله.
2. الفهم
الفهم يعني الإدراك العميق والقدرة على التمييز بين الأمور. إنه ليس مجرد معرفة الحقائق، بل رؤية الصورة الكاملة وربط الأمور ببعضها البعض.
سليمان طلب من الله "قلبًا فهيمًا" ليميّز بين الخير والشر (1 ملوك 3:9).
في يوسف نرى الفهم واضحًا؛ فهو لم يكتفِ بتفسير حلم فرعون، بل فهم معناه ووضع خطة عملية لإنقاذ مصر من المجاعة (تكوين 41).
الكتاب يوصينا بأن "بكل مقتناك اقتنِ الفهم" (أمثال 4:7)، أي أنه لا يكفي أن نمتلك معرفة، بل يجب أن نفهمها وندرك كيفية استخدامها.
3. المعرفة
المعرفة هي الإلمام بالحقائق والمعلومات، لكنها لا تعني بالضرورة القدرة على استخدامها بحكمة. في الكتاب المقدس، المعرفة الحقيقية ترتبط بعلاقة عميقة بالله.
يقول داود في مزمور 25:4: "عرّفني يا رب طرقك، دربني في سبلك"، مما يدل على أن المعرفة الحقيقية هي معرفة طرق الله.
الفريسيون في زمن المسيح كانوا يملكون معرفة كبيرة بالناموس، لكنهم لم يفهموا قصد الله من ورائه (متى 23:23).
الكتاب يقول: "لأن الرب يعطي حكمة، من فمه المعرفة والفهم" (أمثال 2:6)، مما يعني أن المعرفة الحقيقية تأتي من الله وليست مجرد تراكم معلومات بشرية.
ثانيًا: الفروق الجوهرية بين الحكمة، الفهم، والمعرفة
الفرق في التطبيق
المعرفة: أن تعرف أن النار تحرق.
الفهم: أن تدرك لماذا تحرق النار، وكيف تعمل.
الحكمة: أن تستخدم هذه المعرفة والفهم لتجنب الاحتراق أو تستفيد من النار بحكمة.
..
الشخص الحكيم لا يكتفي بمعرفة قوانين الاستثمار (المعرفة)، أو فهم كيفية عمل الأسواق المالية (الفهم)، بل يعرف كيف يستثمر أمواله بحكمة ويحدد متى وأين يضعها ليحقق نتائج إيجابية.
..
كيف تعمل الثلاثية معًا؟
عندما منح الله بصلئيل الحكمة والفهم والمعرفة، كان ذلك لتمكينه من تنفيذ عمله بمهارة فائقة (خروج 31:3).
كان لديه معرفة بالمواد والأدوات.
امتلك فهمًا لكيفية استخدامها بشكل صحيح.
تحلّى بحكمة في تطبيقها عمليًا داخل خيمة الاجتماع.
ثالثًا:
السعي وراء الحكمة والفهم والمعرفة في حياتنا
1. كيف نكتسب المعرفة؟
♡ التواجد المستمر الجاد فى عرش النعمة
♡دراسة كلمة الله بعمق، وليس فقط قراءتها قراءة سطحية.
♡التعلم المستمر من الكتب، الخبرات، والمواقف الحياتية.
الاستماع إلى ذوي الخبرة والاستفادة من نصائح الحكماء.
مثال عملي:
شخص يريد النجاح في عمله يجب أن يسعى لاكتساب المعرفة حول مجاله، سواء بالدراسة أو بالممارسة.
2. كيف نكتسب الفهم؟
التأمل في ما نتعلمه وربطه بالسياق الأوسع.
طرح الأسئلة الصحيحة: لماذا يحدث هذا؟ ما المعنى العميق وراءه؟
طلب الفهم من الله كما فعل داود: فَهِّمْنِي فَأَحْيَا. (المزامير ١١٩: ١٤٤)
مثال عملي:
١-معرفة قوانين الاقتصاد لا تعني بالضرورة فهم كيفية تطبيقها في السوق، لكن التحليل العميق للتوجهات الاقتصادية يساعد على الفهم الصحيح.
٢- الشخص العارف بقوانين المرور (معرفة) قد لا يفهم كيف تؤثر السرعة على التحكم في السيارة (فهم)، وإذا لم يكن حكيمًا في قيادته، فقد يعرّض نفسه للخطر.
٣- شخص ثار عليك ( معرفة)
فهمت سبب الثورة (فهم)
تصرفت تصرف مناسب احتويت به ثورته وصححت له مفاهيمه ( حكمة)
3. كيف نكتسب الحكمة؟
♡طلبها من الله بإيمان: "إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله" (يعقوب 1:5).
♡ممارسة التأني والتفكير قبل اتخاذ القرارات.
سليمان و الأمرأتان و الطفل
♡مرافقة الحكماء والتعلم من تجاربهم: "السالك مع الحكماء يصير حكيمًا" (أمثال 13:20).
مثال عملي:
رجل أعمال لديه معرفة بالسوق وفهم لاتجاهاته، لكنه يحتاج إلى الحكمة ليقرر متى وأين يستثمر أمواله.
رابعًا: هل نحن نسير في الطريق الصحيح؟
♡(اختبر نفسك)
1. هل معرفتي تقربني من الله؟ (فيلبي 3:10)
2. هل فهمي يجعلني أكثر اتزانًا؟ أم أنني مندفع في قراراتي؟
3. هل قراراتي تعكس حكمة إلهية؟ أم أنني أتصرف بتهور؟
♡علامات النمو الروحي في هذه الثلاثية
♡ شخص يزداد معرفة بالله من خلال دراسته العميقة لكلمته.
♡شخص يتميز بفهم عميق للحقائق الروحية والعملية، ولا ينجرف وراء الأحكام السطحية.
♡ شخص يستخدم معرفته وفهمه بحكمة في قراراته اليومية.
خاتمة:
السعي المستمر نحو النضج الروحي والعقلي
السعي وراء الحكمة، الفهم، والمعرفة هو رحلة تستمر مدى الحياة. نحن نعيش في عالم مليء بالمعلومات، لكن التحدي الحقيقي هو كيفية استخدام هذه المعلومات بحكمة وفهم.
ملخص
لنلخص الأمر في خطوات عملية:
1. اسعَ وراء المعرفة: اقرأ، تعلم، ابحث، لا تكتفِ بالسطحيات.
اَلْمَشُورَةُ فِي قَلْبِ الرَّجُلِ مِيَاهٌ عَمِيقَةٌ، وَذُو الْفِطْنَةِ يَسْتَقِيهَا.
(الأمثال ٢٠: ٥)
2. تعمق في الفهم: لا تكن متسرعًا، بل تأمل في كل شيء واسأل الأسئلة الصحيحة.
كَلِمَاتُ فَمِ الإِنْسَانِ مِيَاهٌ عَمِيقَةٌ. نَبْعُ الْحِكْمَةِ نَهْرٌ مُنْدَفِقٌ.
(الأمثال ١٨: ٤)
3. اطلب الحكمة من الله: ضع كل معرفتك وفهمك تحت قيادة الروح القدس.
"لأن الرب يعطي حكمة، من فمه المعرفة والفهم" (أمثال 2:6).
...
أسئلة للتأمل:
1. هل أكتفي بالمعرفة، أم أسعى لفهم أعمق لما أتعلمه؟
2. كيف يمكنني أن أكون أكثر حكمة في قراراتي اليومية؟
3. ما الخطوة العملية التي سأقوم بها اليوم لتنمية هذه الثلاثية في حياتي؟
المراجع
BDB Definition:
ChatGPT. ترجمة
اعداد
#NagehNaseh