3 – كما كان لتلاميذ الرب يسوع المسيح ورسله خلفاء وتلاميذ كثيرون في كل مكان بشروا فيه، أسمتهم الكنيسة بالآباء الرسوليين، ومن هؤلاء من كان تلميذاً للقديس بطرس وغيره من الرسل مثل أغناطيوس أسقف إنطاكية وبوليكاربوس أسقف سميرنا بآسيا الصغرى والذي كان تلميذا للقديس يوحنا الرسول تلميذ المسيح. هؤلاء ورفاقهم الذين لم يتركوا لنا كتابات خاصة بهم، استلموا منهم الإنجيل الشفوي قبل أن يكتب، مع بقية المؤمنين، ثم الإنجيل المكتوب، ثم سلموه بدورهم لخلفائهم هم أيضا، مع بقية الجماعة والكنيسة المسيحية، وهؤلاء سلموه بدورهم لمن بعدهم حتى جاءت المجامع الكنسية سواء المحلية والتي بدأت في نهاية القرن الثاني الميلادي، أو المسكونية التي بدأت بمجمع نيقية سنة 1325م.
يقول القديس أكليمندس الإسكندري (150 - 215) المعروف بخليفة خلفاء الرسل والذي حفظ عنهم التقليد ، والذي يقول عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنه كان " متمرساً في الأسفار المقدسة " (يوسابيوس ك 5 ف1) : " وقد حافظ هؤلاء الأشخاص على التقليد الحقيقي للتعليم المبارك، المسلم مباشرة من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس، إذ كان الابن يتسلمه عن أبيه 000 حتى وصل إلينا بإرادة الله لنحافظ على هذه البذار الرسولية " (يوسا ك 5 ف5:11).
ويقول العلامة ترتليان (160 – 220م)، الذي قال عنه القديس جيروم أنه " يعتبر رائداً للكتبة اللاتين " (مشاهير الرجال ف 53): " أن كُتاب العهد الإنجيلي هم الرسل الذين عينهم الرب نفسه لنشر الإنجيل إلى جانب الرجال الرسوليين الذين ظهروا مع الرسل وبعد الرسل 000 يوحنا ومتى اللذان غرسا الإيمان داخلنا ، ومن الرسوليين لوقا ومرقس اللذان جدداه لنا بعد ذلك " (Ag.Marcion4:2).
4 - وقد كتب دون الإنجيل الشفوي الذي بشر به التلاميذ والرسل بناء على طلب هؤلاء، يقول أكليمندس الإسكندري: " لما كرز بطرس بالكلمة جهاراً في روما. وأعلن الإنجيل بالروح طلب كثيرون من الحاضرين إلى مرقس أن يدون أقواله لأنه لازمه وقتاً طويلاً وكان يتذكرها. وبعد أن دون الإنجيل سلمه لمن طلبوه ". وهنا دون الإنجيل بناء على طلب الذين كرز بينهم مع القديس بطرس في روما. وتقول الوثيقة الموراتورية " الإنجيل الرابع هو بواسطة يوحنا أحد التلاميذ, إذ عندما توسل إليه زملاؤه (التلاميذ) والأساقفة في ذلك قال: صوموا معي ثلاثة أيام ونحن نتفاوض مع بعضنا بكل ما يوحي الله به إلينا. ففي هذه الليلة عينها أعلن لأندراوس أحد الرسل أن يوحنا عليه أن يكتب كل شيء تحت اسمه والكل يصدق على ذلك ". وهن كتب الإنجيل للقديس يوحنا بطلب وتحت مرأى تلاميذه الذين توسلوا إليه ليدونه بالروح القدس.
5 – ونظراً لأن الإنجيل هنا دون بناء على طلب الشيوخ أو رفقاء الرسل وتلاميذهم والكثيرون من الذين استمعوا للإنجيل وحفظوه منهم، فقد تسلموه هم منهم وكانوا هم أول شهوده وأول الحافظين له، ولم يكن يعنيهم من قريب أو بعيد أن ينسبوا الإنجيل للقديس يوحنا أو لغيره لسبب بسيط وهو أنه لم يكن من تأليف يوحنا ولا هو سيرة يوحنا الذاتية بل هو كلمة الله المختصة بالرب يسوع المسيح " وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ " (يو20:31). وأن كان هؤلاء الذين طلبوا من القديس يوحنا أن يدون الإنجيل بالروح القدس شهدوا له بما جاء في نهاية الإنجيل " هَذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ " (يو21:24).
6 – ومن هنا لم يهتم أحد في السنوات الأخيرة من القرن الأول وبداية القرن الثاني بنسب أي إنجيل إلى كاتبه مطلقاً لسبب بسيط وهو أن كل إنجيل كان معروفا في الدائرة التي كتب فيها أولا والدوائر التي وصل إليها عن طريقها أنه إنجيل المسيح كما بدأ القديس مرقس الإنجيل الذي دونه بالقول " بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللَّهِ " (مر1:1)، وبدأ القديس يدون الأمور التي سلمها شهود العيان وكانت معروفة للجميع بشكل مؤكد " الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ "(لو1:1و2)، وبدأ القديس متى بـ " كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ " (مت1:1). وكانوا يعرفون جامعه ومدونه بالروح القدس لأنهم تسلموه منه مباشرة. وبدأ القديس يوحنا بتجسد الكلمة وأنتهي بحتمية الإيمان بكونه ابن الله. أي أنهم دونوا كلمة الله الخاصة بالمسيح، إنجيل يسوع المسيح ابن الله والمتجسد من نسل إبراهيم. لذا يهتم الذين حملوا الإنجيل بتسجيل أو التأكيد على أسماء الإنجيليين الذين دونوا الإنجيل، لأنها كانت معروفة لهم وعند معاصريهم، وإنما اهتموا بشخص المسيح محور وجوهر الإنجيل.
7 – ولما ظهرت الهرطقة الغنوسية الدوستية وبدأ اتباعها يكتبون الكتب الخاصة بأفكارهم وعقائدهم وينسبوها لتلاميذ المسيح بصورة مكشوفة لا تتفق وفكر الكنيسة، بل وراح كل كتاب من هذه الكتب أما ينسب نفسه لأحد التلاميذ أو يزعم أن المسيح خصه هذا التلميذ المنسوب له الكتاب المنحول بأسرار لم يخص بها غيره من التلاميذ وطلب منه أن يدونها بع ذلك في كتاب!! ومن هنا اضطرت الكنيسة بداية منتصف القرن الثاني الميلادي أن تعلن أنه لا يوجد سوى الإنجيل بأوجهه الأربعة التي جمعها ودونها بالروح القدس الإنجيليون الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا كما قال القديس إريناؤس " وأكد على وجود الإنجيل بأوجهه الأربعة وانتشاره في كل مكان حتى الهراطقة " الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدأون من هذه الوثائق وكل منهم يسعى لتأييد عقيدته الخاصة منها " (Ag. Haer. 3:11,8).
وقدم لنا إيمان جيله بوحدة الإنجيل ووجوده في أربعة أوجه أو زوايا أو مداخل " ليس من الممكن أن تكون الأناجيل أكثر أو أقل مما هي عليه لأنه حيث يوجد أربعة أركان Zones في العالم الذي نعيش فيه أو أربعة أرواح (رياح) جامعة حيث انتشرت الكنيسة في كل أنحاء العالم وأن "عامود وقاعدة " الكنيسة هو الإنجيل وروح الحياة، فمن اللائق أن يكون لها أربعة أعمدة تنفس الخلود وتحي البشر من جديد، وذلك يوضح أن الكلمة صانع الكل، الجالس على الشاروبيم والذي يحتوى كل شئ والذي ظهر للبشر أعطانا الإنجيل في أربعة أوجه ولكنها مرتبطة بروح واحد " (Ibid 3:11,8).
===============
رد: القمص عبد المسيح بسيط