حصريا : لمحبى بابا شنودة (ملف ضخم جدا وممتع )

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
الروح القدس وحياتنا الروحية

قداسة البابا شنوده الثالث


أ- إن الإنسان تتولى روحه البشرية قيادة جسده.
ب- إن روحه البشرية تكون تحت قيادة روح الله.


أما عن العنصر الأول فيقول القديس بولس الرسول " لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح، لأن إهتمام الجسد هو موت. ولكن إهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو 1:8،6). ويقول أيضاً: "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد" (غل 16:5).



أما عن العنصر الثانى فيقول: "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو 14:8).


إذن المفروض أن يكون الإنسان تحت قيادة روح الله فى كل عمله يعمله. فيشترك روح الله معه فى كل عمل..
وبشركتنا مع الروح القدس، تظهر ثمار الروح فى حياتنا.


وقد ذكر القديس بولس الرسول ثمر الروح فى رسالته إلى غلاطية فقال: "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح إيمان، وداعة تعفف. ضد أمثال هذه ليس ناموس" (غل 22:5،23).


ثمار الروح تأتى نتيجة لعمل الروح القدس فى الإنسان، ونتيجة لإستجابة روح الإنسان لعمل روح الله فيه. وهنا نميز مثلاً بين المحبة التى هى من ثمر الروح، وأية محبة من نوع آخر. كذلك نميز بين السلام الحقيقى الذى هو من ثمر الروح، وأى سلام زائف. وهكذا مع باقى ثمر الروح فينا.


وكلما يزداد ثمر الروح، تزداد الحرارة الروحية فى الإنسان.
وفى هذا المعنى يوصينا الرسول أن نكون "حارين فى الروح" (رو 11:12)، لقد قيل عن الرب: "إلهنا نار آكلة" (عب 29:12). كذلك فالذى يسكن فيه روح الله، لابد أن يكون مشتعلاً بهذه النار المقدسة
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
لماذا جاء السيد المسيح إلى عالمنا

لقداسة البابا شنودة



هذا يوضحه الإنجيلى بقوله: "لأن أبن الإنسان قد جاء لكى يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو10:19) وهذ1 يعنى الخطاة الهالكين. ولماذا جاء يخلصهم؟ السبب أنه أحبهم على الرغم من خطاياهم!! وفى هذا يقول الكتاب: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد, لكى لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية" (يو16:3). أذن هو حب أدى إلى البذل, بالفداء


قصة ميلاد المسيح إذن, هى فى جوهرها قصة حب


أحب الله العالم, العالم الخاطئ , المقهور من الشيطان, المغلوب من الخطية……العالم الضعيف العاجز عن أنقاذ نفسه! أحب هذا العالم الذى لا يفكر فى حب نفسه حباً حقيقياً, ولا يسعى إلى خلاص نفسه……بل العالم الذى فى خطيته أنقلبت أمامه جميع المفاهيم والموازين, فأصبح عالما ضائعاً. والعجيب أن الله لم يأت ليدين هذا العالم الخاطئ, بل ليخلصه، فقال: "ما جئت لأدين العالم, بل لأخلص العالم" (يو47:12). لم يأت ليوقع علينا الدينونة, بل ليحمل عنا الدينونة. من حبه لنا وجدنا واقعين تحت حكم الموت, فجاء يموت عنا. ومن أجل حبه لنا, أخلى ذاته, وأخذ شكل العبد, وصار إنساناً.


كانت محبة الله لنا مملوءة أتضاعاً, فى ميلاده, وفى صلبه


فى هذا الأتضاع قبل أن يولد فى مذود بقر, وأن يهرب من هيرودس, كما فى إتضاعه أطاع حتى الموت, موت الصليب, وقبل كل الآلام والإهانات لكى يخلص هذا الإنسان الذى هلك.

رأى الرب كم فعلت الخطية بالإنسان!!! فتحنن عليه…..

كان الإنسان الذى خلق على صورة الله ومثاله قد أنحدر فى سقوطه إلى أسفل, وعرف من الخطايا ما لا يحصى عدده, حتى وصل إلى عبادة الأصنام "وقال ليس إله"….."الجميع زاغوا وفسدوا معاً" (مز 1:14-3)….. ووصلت الخطية حتى إلى المواضع المقدسة.

الإنسان وقف من الله موقف عداء. ورد الله على العداء بالحب!!!!

فجاء فى محبته "يطلب ويخلص ما قد هلك". وطبعاً الهالك هو الإنسان الذى عصى الله وتحداه,
وكسر وصاياه, وبعد عن محبته, "وحفر لنفسه آباراً مشققة لا تضبط ماء" (أر 13:2)……ولكن الله – كما أختبره داود النبى "لم يصنع معنا حسب خطايانا, ولم يجازنا حسب أثامنا, وإنما….كبعد المشرق عن المغرب, أبعد عنا معاصينا" (مز10:103-12). ولماذا فعل هكذا؟ يقول المرتل: "لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن" (مز 14:103).



حقاً إن الله نفذ (محبة الأعداء) على أعلى مستوى


جاء الرب فى ملء الزمان, حينما أظلمت الدنيا كلها, وصار الشيطان رئيساً لهذا العالم(يو30:14) وأنتشرت الوثنية, وكثرت الأديان, وتعددت الآلهة…. ولم يعد للرب سوى بقية قليلة, قال عنها إشعياء النبى:"لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة, لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة"(إش9:1)

وجاء الرب ليخلص هذا العالم الضائع, يخلصه من الموت ومن الخطية.وقف العالم أمام الله عاجزاً, يقول له: "الشر الذى لست أريده, إياه أفعل"…… "ليس ساكنا فى شئ صالح" ……"أن أفعل الحسنى لست أجد" (رو 17:7-19). أنا محكوم على بالموت والهلاك. وليس غيرك مخلص (إش 11:43). هذا ما تقوله أفضل العناصر فى العالم, فكم وكم الأشرار الذين يشربون الخطية كالماء, ولا يفكرون فى خلاصهم!!

إن كان الذى يريد الخير لا يستطيعه, فكم بالأولى الذى لا يريده؟! إنه حقًا قد هلك ……لم يقل الكتاب عن المسيح إنه جاء يطلب من هو معرض للهلاك, وإنما من قد هلك….لأن "أجرة الخطية هى الموت" (رو 23:6).

والرب فى سمائه أستمع إلى آنات القلوب وهى تقول: قلبى قد تغير: الله لم أعد أطلبه. والخير لم أعد أريده. والتوبه لا أبحث عنها ولا أفكر فيها, ولا أريدها. لماذا؟؟ لأن "النور جاء العالم, ولكن العالم أحب الظلمة أكثر من النور, لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو19:3). وما دام قد أحب الظلمة أكثر من النور, إذن فسوف لا يطلب النور ولا يسعى إليه!!!

هذا العالم الذى يحب الظلمة, جاء الرب ليخلصه من ظلمته. "إلى خاصته جاء, وخاصته لم تقبله" (يو 11:1). وعدم قبولهم له معناه أنهم هلكوا. والرب قد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك. رفضهم له لا يعنى أنه هو يرفضهم. بل على العكس يسعى إليهم, لكى يخلصهم من هذا الرفض. "لأنه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1 تى 4:2).

كذلك جاء يطلب الوثنيين الذين يعبدون آلهه أخرى غيره. هم لا يعرفونه. ولكنه يعرفهم ويعرف ضياعهم. وقد جاء لكى يطلبهم "النور أضاء فى الظلمة. والظلمة لم تدركه" (يو 5:1) ولكنه لم يتركهم لعدم إدراكهم له. إنما جاء ليعطيهم علم معرفته. وقد قال للآب عن كل هؤلاء الذين جاء ليخلصهم: "عرفتهم أسمك وسأعرفهم, ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به, وأكون أنا فيهم" (يو 26:17).



ما أكثر ما أحتمل الرب لكى يخلص ما قد هلك


لست أقصد فقط ما أحتمله على الصليب ولكنى أقصد أيضًا ما أحتمله أثناء كرازته من الذين رفضوه , حتى من خاصته!!! التى لم تقبله…. حقًا ما أعجب هذا أن يأتى شخص ليخلصك, فترفضه وترفض خلاصه. ومع ذلك يصر على أن يخلصك!!!!

حتى الذين أغلقوا أبوابهم فى وجهه, صبر عليهم حتى خلصهم. كان فى محبته وفى طول أناته, لا ييأس من أحد…..جاء يعطى الرجاء لكل أحد, ويفتح باب الخلاص أمام الكل…."يعطى الرجاء حتى للأيدى المسترخية وللركب المخلعة" (عب 12:12). "قصبة مرضوضة لا يقصف, وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت 20:12). إنه جاء ليخلص, يخلص الكل. وكل هؤلاء مرضى وضعفاء وخطاة، ومحتاجون إليه. وهو قد قال: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى ما جئت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة" (مر 17:2).

من أجل هذا, لم يجد المسيح غضاضة أن يحضر ولائم الخطاة والعشارين ويجالسهم ويأكل معهم ويجتذبهم إليه بالحب. ويقول للمرأة التى ضبطت فى ذات الفعل: "وأنا أيضًا لا أدينك" (يو 11:8) لأنه ما جاء ليدينها بل ليخلصها.

وهكذا قيل عنه إنه "محب للعشارين والخطاة" (مت 19:11).

بل إنه جعل أحد هؤلاء العشارين رسوًلا من الأثنى عشر (متى). وأجتذب زكا رئيس العشارين للتوبة وزاره ليخلصه هو وأهل بيته, وقال: "اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت إذ هو أيضا إبن لإبراهيم" (لو 9:19). فتزمروا عليه قائلين: "أنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ" ولكنه كان يطلب ويخلص ما قد هلك.

إنه لم يحتقر الخطاة مطلقا, فالأحتقار لا يخلصهم! إنما يخلصهم الحب والأهتمام, والرعاية والأفتقاد, والعلاج المناسب…..العالم كله كان فى أيام المسيح "قصبة مرضوضة وفتيلة مدخنة". فهل لو العالم فسد وهلك, يتخلى عنه الرب؟! كلا… بل يعيده إلى صوابه.

حتى الذين قالوا إصلبه, قدم لهم الخلاص أيضاً. وقال للآب وهو على الصليب: "يا أبتاه أغفر لهم , لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون" (لو 34:23). ولماذا قال: "أغفر لهم"؟….لأنه جاء يطلب ويخلص ما قد هلك. ولهذا فتح باب الفردوس أمام اللص المصلوب معه…..

لم يكن ينظر إلى خطايا الناس, إنما إلى محبته هو.لم ينظر إلى تعدياتنا, إنما إلى مغفرته التى لا تحد. أما تعدياتنا فقد جاء لكى يمحوها بدمه. وحينما كان ينظر إليها, كان يرى فيها ضعفنا. لذلك قال له المرتل: "إن كنت للآثام راصداً يا رب, يا رب من يثبت؟! لأن من عندك المغفرة" (مز 130).

إنه درس لنا, لكى لا نيأس, بل نطلب ما قد هلك. هناك حالات معقدة فى الخدمة نقول عنها: "لا فائدة فيها" , فنتركها ونهملها كأن لا حل لها, بل نقول إنها من نوع الشجرة التى لا تصنع ثمراً، فتقطع وتلقى فى النار (يو 10:3). أما السيد المسيح فلم ييأس مطلقاً, حتى من إقامة الميت الذى قال عنه أحباؤه إنه قد أنتن لأنه مات من أربعة أيام (يو 11).

وهذا درس لنا أيضاً لكى نغفر لمن أساء إلينا. لأن الرب فى تخليصه ما قد هلك, إنما يغفر لمن أساء اليه. فالذى هلك هو خاطئ أساء إلى الله. والرب جاء يطلب خلاصه……!! كم ملايين والآف ملايين عاملهم الرب هكذا, بكل صبر وكل طول أناة، حتى تابوا وخلصوا. وبلطفه أقتادهم إلى التوبة (رو 4:2).

كثيرون سعى الرب إليهم دون أن يفكروا فى خلاصهم.وضرب مثالاً لذلك: الخروف الضال, والدرهم المفقود (لو15). ومثال ذلك أيضا الذين يقف الله على بابهم ويقرع, لكى يفتحوا له (رؤ 20:3). وكذلك الأمم الذين ما كانوا يسعون إلى الخلاص, ولكن السيد المسيح جاء لكى يخلصهم ويفتح لهم أبواب الإيمان. ويقول لعبده بولس: "إذهب فإنى سأرسلك بعيداً إلى الأمم" (أع21:22) لما ذكر القديس بولس هذه العبارة التى قالها له الرب صرخ اليهود عليه قائلين إنه: "لا يجوز أن يعيش" (أع 22:22).ولكن هداية الأمم كانت قصد المسيح الذى جاء يطلب ويخلص ما قد هلك.

جاء الرب يغير النفوس الخاطئة إلى أفضل.غير المؤمنين جاء يمنحهم الإيمان.والخاطئون جاء يمنحهم التوبة. والذين لا يريدون الخير جاء يمنحهم الإرادة. والذين رفضوه جاء يصالحهم ويصلحهم. وهكذا كان يجول يصنع خيراً (أع38:10).


حتى المتسلط عليهم إبليس جاء ليعتقهم ويشفيهم


لذلك نحن نناديه فى أوشية المرضى ونقول له: "رجاء من ليس له رجاء, ومعين من ليس له معين. عزاء صغيرى النفوس, وميناء الذين فى العاصف". كل هؤلاء لهم رجاء فى المسيح الذى جاء يطلب ويخلص ما قد هلك….إنه عزاء الهالكين وأملهم.

لذلك دعى أسمه "يسوع" أى المخلص, لأنه جاء يخلص. ولذلك فإن ملاك الرب المبشر ليوسف النجار, قال له عن العذراء القديسة: "ستلد أبناً, وتدعو أسمه يسوع, لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 21:1). مجرد إسمه يحمل معنى رسالته التى جاء من أجلها, أنه جاء يخلص ما قد هلك…….

جاء يبشر المساكين, يعصب منكسرى القلوب. ينادى للمسبيين بالعتق, وللمأسورين بالإطلاق"(إش 1:61). ما أحلاها بشرى جاء المسيح بها. لم يقدم للناس إلهاً جباراً يخافونه….بل قدم لهم أباً حنوناً يفتح لهم أحضانه, يلبسهم حلة جديدة. ويضع خاتماً فى أصبعهم , ويذبح لهم العجل المسمن (لو 15). إلهاً يخلصهم من خطاياهم , ويمسح كل دمعة من عيونهم.

وهكذا أرتبط الخلاص بأسم المسيح وبعمله وفدائه. فإن كنت محتاجاً للخلاص, فأطلبه منه: يخلصك من عاداتك الخاطئة, ومن طبعك الموروث, ومن خطاياك المحبوبة, ومن كل نقائصك. ينضح عليك بزوفاه فتخلص, ويغسلك فتبيض أكثر من الثلج. هذه هى صورة المسيح المحببة إلى النفس, الدافعة إلى الرجاء.

فإن أردت أن تكون صورة المسيح, أفعل مثله. أطلب خلاص كل أحد. أفتقد سلامة أخوتك. وأولاً عليك أن تحب الناس كما أحبهم المسيح, وتبذل نفسك عنهم – فى حدود إمكاناتك – كما بذل المسيح. وتكون مستعداً أن تضحى بنفسك من أجلهم. بهذا تدخل فاعلية الميلاد فى حياتك.

ثم أنظر ماذا كانت وسائل المسيح لأجل خلاص الناس. أستخدم طريقة التعليم, فكان يعظ ويكرز, ويشرح للناس الطريق السليم , حتى يسلكون بالروح وليس بالحرف. وأستخدم أيضاً أسلوب القدوة الصالحة. وبهذا ترك لنا مثالاً, حتى كما سلك ذاك, ينبغى أن نسلك نحن أيضاً

( 1يو 6:2). وأستخدم المسيح الحب, وطول الأناة, والصبر على النفوس حتى تنضج. كما أستخدم الأتضاع والهدوء والوداعة. وأخيرًا بذل ذاته, مات عن غيره, حامًلا خطايا الكل


فأفعل ما تستطيعه من كل هذا. وأشترك مع المسيح, على الأقل فى أن تطلب ما قد هلك, وتقدمه للمسيح يخلصه


وعلى الأقل قدم صلاة عن غيرك ليدخل الرب فى حياته ويخلصه. والصلاة بلا شك هى عمل فى إمكانك. ولا تكن عنيفاً ولا قاسياً فى معاملة الخطاة, بل تذكر قول الرسول: "أيها الأخوة إن انسيق إنسان, فأخذ فى زلة , فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة" (غل 1:6). كما إستخدم الرب روح الوداعة فى طلب الناس وتخليصهم
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
ما هى النعمة؟ إنها بلا شك


ما ينعم به الله على خليقته ... وأوَّل نعمة وهبها الله للخليقة هى نعمة الوجود، إذ أوجدهم وما كان لهم وجود من قبل. ونعمة الوجود تشمل أيضاً نعمة الحياة، بالنسبة إلى الملائكة والبشر وكل الكائنات الحية ... وهذا النوع من النعمة هو النعمة الخالقة.

«« هناك أيضاً نعمة الرعاية والحفظ. لأنه لو تخلَّت نعمة الله عن الكون لحظة واحدة، لهلك الكون بكل ما فيه. ولكن الله من محبته وعنايته، يمسك بهذا الكون ويرعاه بنعمته الحافظة.

والنعمة الحافظة تشمل أيضاً نعمة الصحة. وكما يقول الحكيم: ” الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لا يدركه سوى المرضى “.

«« هناك نعمة أخرى هى نعمة الجمال. فمن البدء خلق الله كل شيء جميلاً. ونحن نرى ذلك في الطبيعة الجميلة من حدائق غنَّاء، ومن زهور وورود. ونراها بأجمل صورة في الفراشات الملونة، وفي الأسماك الملونة. كما نرى هذا الجمال في تغريد الطيور والبلابل، وفي خرير الماء، وفي نور القمر الهادئ الجميل.

وفي كل عام تُقام مسابقات لملكات الجمال في العالم. فهل تدرك كل هؤلاء الملكات أن جمالهن هو نعمة من الله لهنَّ، عليهنَّ مقابلتها بالشكر للخالق المانح الجمال؟!

«« هناك أيضاً نعمة السلام والطمأنينة يهبها الله لبعض الأفراد فتكون قلوبهم مملوءة بالسلام، بعيدة عن القلق والاضطراب والخوف. كما يهب هذه النعمة لبعض الدول أو الشعوب، فتعيش بعيدة عن الحروب والقلاقل والانقسامات والخصومات، تحيا في هدوء ...

«« كذلك كل خير يأتي للبشر، هو نعمة من الله. مثال ذلك بلاد أنعم الله عليها بخصوبة الأرض ووفرة المياه، وبالتالي كثرة الإنتاج. أو بلاد أنعم الله عليها بمعادن أو أحجار كريمة يستخرجونها من جبالها، أو ببترول وغازات من باطن أراضيها. وكل ذلك ينمي إقتصادها وينشر الخير فيها. إنها نعمة.

«« على أن نِعَم الله لا نستطيع أن نحصيها. وإنما كل ما ذكرناه ما هو إلا مُجرَّد أمثلة. نضيف إليه نعمة النجاح في الحياة، ونعمة السمعة الطيبة ومحبة الناس لِمَن يجد نعمة في أعين الآخرين. وأيضاً نعمة النسل الصالح ... بالإضافة إلى نعمة حرية الإرادة التي وهبنا الله إيَّاها ...

«« على أنه في قمة النِّعَم التي وهبنا الله إيَّاها نعمة الخلود، إذ تكون لنا حياة أخرى بعد نعمة القيامة من الموت، حيث نستمتع بالحياة الأخرى في النَّعيم
الأبدي ...

«« نقطة أخرى نذكرها من جهة النعمة وهى وجود ثلاث مستويات لها: أحدها على المستوى العادي، والثاني على المستوى القيادي، والثالث على مستوى حالات خاصة.

فمِن جهة المستوى العادي: النعمة تعمل في الكل. لا يوجد أحد لم تعمل معه نعمة الله ... والنعمة هنا ترشد الإنسان إلى الخير، وتُقوِّيه على فعله. ولكنها لا ترغمه على ذلك، لكي يبقى الإنسان حُرَّاً، يفعل الخير برضاه وبكامل إرادته، حتى يستحق المكافأة على ذلك. أو هو يرفض ...

«« أمَّا الذين في المستوى القيادي، فإنهم ينالون من النعمة قوة مضاعفة: منها نعمة لأجل نفوسهم، ونعمة أخرى لأجل عملهم القيادي، للتأثير في الآخرين. ويزداد قدر النعمة الممنوحة لهم، بقدر ثِقَل المسئولية المُلقاة على عاتقهم.

وكُلَّما تزداد صعوبة العمل القيادي أو خطورته، فإنَّ الله حينئذ ينعم على القادة بمواهب خاصة، قد تصل أحياناً إلى المعجزات.

«« أمَّا على المستوى الخاص، فهناك أشخاص تحتاج حالتهم إلى نعمة خاصة تتناسب مع ما هم فيه من ضيقات أو مشاكل، أو ما ينوون القيام به من مهام
أو مشروعات، أو ما عليهم من مسئوليات.

وتدخل في المستوى الخاص، نعمة الدعوة لِمَن يدعوهم الله للقيام برسالة مُعيَّنة، كالأنبياء والرُّسُل مثلاً. وحينئذ بالإضافة على نعمة الدعوة، يزودهم الله بنعمة أخرى تشمل الإمكانيات التي يحتاجها أداء هذه الرسالة ...

«« من جهة أنواع النعمة أيضاً، هناك نعمة ظاهرة ونعمة خفية. فالنعمة الظاهرة فهى المعونة الإلهية التي نراها ونحسَّها في حياتنا. أمَّا النعمة الخفية، فهى التي تعيننا دون أن ندري، أو التي تبعد عنا شراً قبل مجيئه إلينا، ونحن لا ندري عنه شيئاً. كمؤامرات كانت تحاك حولنا، وأبطلها الله قبل أن تتم.

«« وهناك نِعَم طبيعية يهبها الله للإنسان، كالقوة والجمال والذكاء والفن والحكمة. ونِعَم أخرى تُعتبَر فوق الطبيعة، مثل المواهب المعجزية.

وهناك نِعَم تعمل فينا من الداخل، لتنقية قلوبنا وقيادة ضمائرنا وأفكارنا، وإرشادنا في طريق الفضيلة والبِرّ. ونِعَم أخرى تعمل من خارجنا، لتنقية الأوساط المحيطة بنا، وإبعاد القوات المُحاربة لنا ...

«« وهناك نعمة تبدأ في العمل معنا: إمَّا لأننا لا نريد أن نعمل، أو لأننا لا نستطيع أن نعمل، أو لأننا نجهل ما ينبغي علينا أن نعمله. فتأتي النعمة، وتنير عقولنا، وتحث إرادتنا، وتدفعنا إلى العمل دفعاً، وتُقوّينا على إتمامه.

ونعمة أخرى ترانا قد بدأنا في عمل الخير، أو اتجهت نيتنا إليه، فتأتي لتكمل لنا الطريق، وتمنحنا الإمكانيات اللازمة لنا.

«« والنعمة قد تأتي وحدها، وقد تُطلَب فتأتي.

إنها تأتي وحدها، لأنَّ الله يعرف ضعف طبيعتنا وقوة الشياطين المُحاربة لنا، وأننا بدون معونته الإلهية لا نستطيع أن نعمل شيئاً، لذلك فهو يسندنا بنعمته التي تعمل فينا، والتي تعيننا بقوة من عنده، حتى نسير في طريقه بغير خوف
ولا قلق ...

«« وقد تأتي النعمة إذا ما طلبناها في صلواتنا، أو نتيجة لصلوات الآخرين من أجلنا، أو لتشفُّع القديسين فينا، أو تأتي النعمة نتيجة لرضى الوالدين ودعواتهما الطيبة، أو لدعوات أُناس فقراء أو محتاجين قد ساعدناهم، فدعوا لنا بالبركة في حياتنا. أو تأتي النعمة لمُجرَّد حنو الله ومحبته وشفقته.

«« على أننا في كل عمل النعمة معنا أو لأجلنا، علينا أن نتجاوب معها ونشترك في العمل، لأنَّ نعمة الله العاملة في الإنسان، ليست سبباً له في أن يتكاسل، تاركاً للنعمة أن تعمل وحدها، قائلاً: ” كله بالنعمة “. فلو كان كل شيء خاصاً بالنعمة فقط، ما أخطأ أحد! وما كان لأحد أن يكافئه الله على عمل خير، لأنه من ذاته لم يعمل شيئاً، وإنما النعمة هى التي عملت كل شيء!! لذلك علينا جميعاً أن نعمل مع النعمة، بكل عواطفنا، وبكل ما نملك من قدرة تستطيع النعمة أن تقوِّيها ...

«« أخيراً، أُحب أن أقول وأنا آسف، أن هناك حالة يمكن أن نسميها تخلِّي النعمة. مثالها: إنسان أعانته النعمة على عمل عظيم، فتكبَّر قلبه وارتفع، ناسباً كل شيء إلى قوته، وناسياً عمل الله معه. حينئذ تتخلَّى عنه النعمة فيسقط أو يفشل، لكي يعود فيتضع ويعطي المجد لله .. وهناك أسباب أخرى للتَّخلِّي.


 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
صـوم اللسـان

بقلم : قداسة البابا شنوده الثالث

ما أخطر أن يصوم الفم عن الطعام، بينما لا يصوم اللسان عن أخطاء الكلام وهى كثيرة ونتائجها سيئة جداً! فما هى تلك الأخطاء التي يجب أن يصوم اللسان عنها؟

** من الأخطاء التي يجب أن يصوم عنها، جرح شعور الآخرين. ويشمل ذلك كلام السخرية بهم والتهكم والاستهزاء. وأيضاً اسلوب الكلام الجارح الموجع. وكذلك كل كلمات الإحراج التي تُخجل الغير، بقصد. وأيضاً كل كلام بقصد مضايقة السامع، مع الاستمرار في عدم مراعاة شعوره ..

** ومن جرح الشعور بالأكثر، كلام الشماتة، فهو بمثابة وضع نار على جرح. إذ بدلاً من تعزية الناس في ضيقاتهم، تضاف إليهم آلام أشد بالشماتة.

وأحياناً يجرح اللسان شعور صديق بعتاب مُتعب..

** ومن أخطاء الكلام التي يجب أن يصوم اللسان عنها، كلام الإهانة، ويشمل طبعاً كل الشتائم بأنواعها.

فإن تحدَّث شخص عن غيره في غيبته، يُسمَّى ذلك اغتياباً، أما وإن نشر عيوب غيره أمام آخرين، فإنَّ ذلك يُسمَّى تشهيراً. وإن كان تشهيره هذا في مقال في الصحف، فإنه يُسمَّى سبَّاً علنياً وقذفاً مما يحاسب عليه القانون.

** والشتيمة قد تشمل إهانة إنسان في موقف مُعيَّن، أو أنها تطوِّق الإنسان كله. فهناك فرق بين أن يُقال عن شخص إنه كذب في الموقف الفلاني، وبين أن يُقال عنه إنه كذاب. فهذه العبارة الأخيرة تعني صفة لحياته كلها.

** ومن ضمن أساليب الشتيمة: التحقير والتصغير، أي التقليل من شأنه. كأن يُقال لأحد الرجال " يا ولد "!

ومن كلام الإهانة أيضاً ما يثار حول شخص من شكوك وظنون تسيء إلى سمعته وسط الناس. ومنها أيضاً الحديث عن الفضائح والخصوصيات ...

وهذه كلها أخطاء يجب أن يتجنبها اللسان المُهذَّب. كما أنها تثير عداوات بينه وبين غيره. وقد تدعوهم إلى الرد عليه بالمثل. وكما يقول المَثَل: " من غربل الناس نخلوه ".

** ومن أخطاء اللسان التي يجب أن يصوم عنها: الكذب بأنواعه الكثيرة، وأولها الكلام بعكس الحقيقة.

على أنه من الكذب أيضاً: المبالغة، فهيَ ليست صدقاً خالصاً. ومنها استخدام كلمة (كل أو جميع) بمعنى مُطلَق. كأن يُقال: " كل الناس رأيهم كذا "، أو " كل شعب البلدة الفلانية بخلاء "!

** وقد تدخل في نطاق الكذب، أنصاف الحقائق. ولهذا يُقال: " إن أنصاف الحقائق، ليس فيها إنصاف للحقائق ". ولذلك فإنَّ الشاهد في المحكمة يُطلَب منه أن يقول الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق.

لهذا ينبغي الدقة في الكلام، لأنَّ هناك عبارات مُعيَّنة قد تعني مفهوماً غير المعنى المقصود!

** ومن أخطاء اللسان أيضاً: شهادة الزور، وكل الأحكام غير العادلة not fair
ذلك لأنَّ مبرئ المذنب، ومُذنِّب البريء كلاهما ضد الحق. حتى لو احتج البعض أنه يدافع غيره. فالمفروض أنه يدافع ولا يكذب.

** ومن أخطاء اللسان: طُرق اللف والدوران في جو من عدم الوضوح والصراحة في الحديث، مع شعور السامع بأن الحقيقة تائهة، وأنَّ المُتكلِّم يريد أن يخفيها...

** ومن أخطاء اللسان: الخداع والتضليل، وبخاصة من المساعدين مع رؤسائهم. وكم من الرؤساء أخطأوا نتيجة التضليل من الذين حولهم.

** ومن أخطاء اللسان: التملُّق والنفاق، ومدح السامع بما ليس فيه، وإشعاره بأن ما يفعله هو سليم وممتاز، مهما كان خطأً! ويشمل ذلك أيضاً الرياء، والحديث بمظهر يبدو حسناً وهو رديء! أو تبدو فيه الصداقة والإخلاص، على غير حقيقة الأمر! ويدخل في هذا النوع مَن يسمونهم ذوي لسانين. كشفَتيْن تقطران عسلاً، ومشاعرهما مُرَّة كالإفسنتين!

** من أخطاء اللسان أيضاً ويجب أن يصوم عنها، كل أخطائه التي هى ضد آداب الحديث والمناقشة. كأن يقطع حديث مَن يُكلِّمه، لكي يتحدَّث هو، أو مَن يأخذ الجلسة كلها لحسابه، دون أن يعطي فرصة لغيره أن يتكلَّم!

* كذلك كثرة الجدل الذي لا يوصِّل إلى نتيجة مع الإصرار على رأي واضح الخطأ، وما يسمى بالملاججة أو بالعامية (المقاوحة)!

وكذلك حب الانتصار في النقاش مع تحطيم الغير.

** ومن أخطاء اللسان أيضاً: الكلام الخارج عن حدود الأدب، الذي يخدش حياء العذارى وأهل العفة. مثل الحديث عن بعض أمور الجنس بطريقة مكشوفة!

* و كذلك من أخطاء اللسان، الفكاهات غير المؤدبة، والأغاني الهابطة، وعبارات المجون، وكلام الإغراء الذي يحاول به أحد الشبان أن يجتذب فتاة! وأيضاً كل كلام غير محتشم أو غير مهذَّب أو بأسلوب مُتدنِّي.

** ويدخل في هذا المجال، المزاح الرديء، مع خطأ تسميته مزاحاً. وأيضاً كل أسلوب يصدر عن المُتكلِّم بغير احترام لغيره، أو بغير لياقة، بعيداً عن الذوق السليم.

** ومن أخطاء اللسان أيضاً التي يجب أن يصوم عنها، إضاعة وقت الغير، في حديث غير نافع أو هو من التافهات، مع الثرثرة وكثرة الكلام، وبخاصة مع شخص مسئول يحرص على وقته.

* وقد يلجأ البعض إلى التطويل بغير داعٍ. فما يكفيه كلمة أو جملة يقول فيه محاضرة. وقد تكون إطالته مُملَّة أو حافلة بكثرة الشروح والمقدمات، حتى يضجر السامع ويقول له " هات من الآخر "! ومثله مَن يكرر الكلام، وكأن مَن يخاطبه لم يسبق له سماع ما قاله!

* ومن أخطاء هذا النوع، الكلام بغير موعد. كمَن يُفاجئ شخصاً ويتحدَّث معه ويستمر في الحديث. ومن ذلك بعض المكالمات التليفونية التي تأتي فجأة دون حساب الوقت.

ويدخل في هذا المجال: الزيارات غير المحدودة النهاية، وما فيها من ضياع وقت. وقد قال الأستاذ مكرم عبيد لبعض من هؤلاء الضيوف: " أهلاً بكم وسهلاً. تأتون أهلاً، ولا تخرجون سهلاً "!

** أخيراً: إنَّ كل كلمة بطَّالة، وليست للبنيان أو للمنفعة يتكلَّم بها اللسان، سيعطى عنها حساباً أمام الله. لهذا فإن صوم اللسان عن الأباطيل، هو فضيلة يجب أن نحرص عليها ونُدرِّب أنفسنا عليها.
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
الإيمان هو مستوى أعلى من العقل:
العقل البشري محدود، ولا يدرك سوى الأمور المحدودة التي تدخل في نطاق إمكانياته. فهو يستطيع أن يوصلك إلى مُجرَّد معرفة وجود الله، وإلى معرفة بعض صفاته. ولكن الإيمان يكمل معك الطريق إلى أقصاه. وهكذا فإنَّ الإيمان بالوحي يكمّل ما لم يصل إليه العقل ..
«« العقل قد لا يدرك أشياء كثيرة ولكنه يقبلها:
فليس من طبيعته أن يرفض كل ما لايدركه. بل حتى في المحيط المادي في العالم الذي نعيش فيه، توجد مثلاً مخترعات كثيرة لا يدركها إلا المتخصصون، ومع ذلك فالعقل العادي يقبلها ويتعامل معها، دون أن يدرك كيف تعمل وكيف تحدث. والموت يقبله العقل ويتحدَّث عنه، ومع ذلك فهو لا يدركه، ولا يعرف كيف يحدث افتراق الروح عن الجسد! فإن كان العقل يقبل أموراً كثيرة في عالمنا، وهو لا يدركها، فطبيعي لا يوجد ما يمنعه من قبول أمور أخرى أعلى من مستوى هذا العالم ..
«« العقل لا يدرك ( المعجزة ) كيف تتم، ولكنه يقبلها ويطلبها بل يفرح بها. وقد سميت المعجزة معجزة، لأنَّ العقل يعجز عن إدراكها وعن تفسيرها. ولكنه يقبلها بالإيمان، الإيمان بوجود قوة غير محدودة أعلى من مستواه، يمكنها أن تعمل المعجزة التي يعجز العقل عن إدراكها. وهذه القوة هى قوة الله القادر على كل شيء ... وكمثال للمعجزات التي نقبلها جميعاً دون أن ندركها: معجزة خلق الكون من العدم، ومعجزة القيامة العامة من الأموات..
إننا نحترم العقل ونستخدمه. ولكننا في نفس الوقت ندرك حدود النطاق الذي يعمل فيه. ولا نوافق العقل المغرور الذي يريد أن يعي كل شيء، رافضاً كل ما هو فوق مستوى إدراكه ...
«« الإيمان أيضاً هو مستوى فوق الحواس:
إنه قدرة أعلى من قدرة الحواس التي لها نطاق مُعيَّن لا تتعداه. فالحواس المادية تدرك الماديات. غير أن هناك أموراً غير مادية، تخرج عن نطاق قدرة الحواس المادية من نظر وسمع ولمس وشم ... وحتى قدرة الحواس بالنسبة إلى الأشياء المادية، هى محدودة أيضاً. وكثيراً ما تستعين الحواس بعديد من الأجهزة لمعرفة أشياء مادية أدق من أن تدركها حواسنا البشرية الضعيفة.
«« وهكذا فالحواس لا تدرك ما لا يُرى، أي غير الماديات وغير المرئيات، كالأرواح مثلاً، سواء كانت أرواح بشر، أم أرواح الملائكة، أو الشياطين ... وعدم إدراك الحواس لها، لا يعني عدم وجودها، إنما يعني أن قدرة الحواس محدودة.
«« لذلك فإنني عجبت من رائد الفضاء الملحد، الذي قال إنه صعد إلى السماء ولم يرَ الله!! ظاناً أنه في تهكمه يمكن أن يرى الله بهذه العين الجسدية القاصرة التي لا ترى كثيراً من الماديات! كما أن الله في كل مكان، في السماء وفي الأرض وما بينهما، ولا يحدّه مكان. فإن كان لم يرَ الله على الأرض، فطبيعي أنه لا يراه على القمر، ولا في أي موضع. إنَّ الله لا يراه أحد إلا بالإيمان.
«« إنَّ الإيمان قوة في ذاته، كما يمنح صاحبه قوة:
وكل مَن آمن بفكرة، يعطيه الإيمان بها قوة لكي ينفذها. من هنا فإنَّ المصلحين ـ في كل زمان ومكان ـ آمن كل منهم بفكرة، فجاهد بكل قوة لتنفيذها، مهما احتمل من مشقة، ومهما صبر.
المهاتما غاندي مثلاً، آمن بحق بلاده في الحرية، وآمن بسياسة عدم العنف. ومنحه ذلك الإيمان قوة عجيبة استطاع بها أن يُحرِّر الهند، وأن يعطي الحقوق للمنبوذين ليتساووا مع إخوتهم. وأمكنه أن يحتمل الكثير لكي لا يسلك بعنف هو وأتباعه، ولا أن يلاقوا العنف بالعنف. إيمانه بالفكرة أعطاه القوة لتنفيذها ...
«« بل حتى الإيمان بالعلم يصنع الأعاجيب:
مثال ذلك روَّاد الفضاء. وكمثال لإيمانهم ما درسوه عن منطقة انعدام الوزن في الفضاء، وكيف أن الإنسان يمكنه أن يمشي في الجو دون أن يسقط! فمَن من الناس يجرؤ أن يمشي في الجو دون أن يخاف؟ أمَّا الذي جعلهم ينفذون ذلك، فهو إيمانهم الأكيد ببحوث العلماء الذين قالوا بهذا. فمنحهم الإيمان شجاعة... حقاً إنَّ الفرق بين أشجع الناس وأخوف الناس هو الإيمان ...
«« ومن جهة الإيمان بالله، فهو على أنواع:
هناك إيمان سطحي، نظري، عبارة عن عقائد مُعيَّنة يعتنقها الشخص، دون أن يكون لها تأثير في حياته. فيكون له اسم المؤمن، دون أن يكون له قلب المؤمن.
وهناك أيضاً إيمان المناسبات، يظهر فقط في أماكن العبادة، وفي أوقات الصلاة والاستماع إلى العظات الدينية، ثم تنتهي فاعليته، ولا يكون له الدوام في باقي ظروف الحياة ...
وهناك إيمان قوي لا يتزعزع، مهما حاربته الشكوك أو حلَّت به الضيقات. وإيمان آخر مبني على الخبرات مع الله وعمله ...
«« أمَّا الإيمان العملي، فهو الإيمان الذي يمارسه الإنسان في كل يوم، فهو بالنسبة إليه حياة يحياها وله نتائج هامة جداً ...
«« من نتائج الإيمان الحقيقي: السلام الداخلي. إذ يكون القلب مملوءاً بالسلام والهدوء. لا يضطرب مطلقاً، ولا يقلق، ولا يخاف. لأنه يؤمن بعناية الله وحمايته له، مهما كانت الظروف المحيطة تبدو مخيفة ومزعجة! فالقلب المؤمن لا يستمد سلامه من تحسن الظروف الخارجية، إنما من حفظ الله وعنايته.
«« يخاف الشخص الذي يشعر أنه واقف وحده. أمَّا الذي يؤمن أن الله معه،فإنه لا يخاف. فإن قَلَّ إيمانه، ودخله الشك في حفظ الله له، حينئذ يخاف. الشك يضعف الإيمان، وضعف الإيمان يؤدي إلى الخوف. والخوف يؤدِّي إلى الانهيار والضياع. ففي كل مرَّة تخاف، وبّخ نفسك على قلة إيمانك. وقل لنفسك: أين هو إيماني بأنَّ الله موجود، وأنه هو الحافظ والمعين.
«« نرى فاعلية الإيمان أيضاً وسط الضيقات:
إن ضيقة واحدة قد تصيب اثنين: أحدهما مؤمن، والآخر غير مؤمن. فيضطرب غير المؤمن ويخاف ويقلق، ويتصوَّر أسوأ النتائج، وتزعجه الأفكار. أمَّا المؤمن فيُقابل الضيقة بكل اطمئنان. ويقول: " هذه المشكلة سيتدخَّل الله فيها ويحلّها وتزول ". وقد تسأله كيف سيتدخَّل الله؟ وكيف يحلّها؟ فيجيبك: أنا لا أعرف كيف؟ ولكنني مؤمن أنَّ الله يهتم بنا أكثر مما نهتم بأنفسنا. وعند الله حلول كثيرة. وهو قادر أن يفتح كل باب مُغلَق.
إنَّ المؤمنين ما كانوا يخافون حتى من الاستشهاد، لإيمانهم بأنه يوصلّهم إلى حياة أخرى أكثر سعادة، وهى أبدية.
«« أيضاً من أهم نتائج الإيمان: نقاوة الحياة وحُسن السِّيرة:
فالإنسان المؤمن يحترس في كل لفظ ينطق به، وفي كل عمل يعمله. لأنه يؤمن أنَّ الله موجود في كل مكان، ويسمع ويرى كل ما يفعله. لذلك هو يخجل من أن يرتكب خطيئة أمام الله الذي يراه. بل أن المؤمن يُدقق بحيث أن أفكار الخطيئة لا يقبلها عقله، ولا شهواتها تسكن في قلبه. وذلك لأنه يؤمن تماماً بأنَّ الله يفحص القلوب ويقرأ الأفكار. لذلك يعمل المؤمن على حفظ ذاته نقياً طاهراً، سواء بالعمل أو اللسان، أو بالفكر أو بمشاعر القلب
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
فى السماء



+ أول لقاء هو لقاء الأرواح مع أجسادها‏.‏
سيقوم كل جسد سليما معافي‏,‏ لا عيب فيه‏,‏ ولا ضعف ولا مرض ولا تشويه‏,‏ ولا إعاقة‏.‏ يقوم جسدا روحانيا لا تتسلط عليه الغرائز أو الشهوات‏,‏ ولا يقاوم الروح في شيء مثلما كان يفعل أحيانا في ذلك الزمان‏!‏ إنه الآن جسد سماوي يتفق مع الحياة في السماء‏.‏ لا علاقة له بالمادة ولا




بالجاذبية الأرضية‏.‏ لأنه لو كان ماديا وتحت سلطان الجاذبية الأرضية‏,‏ لسقط من السماء الي الأرض‏.‏
والروح تتعرف علي الجسد‏,‏ وتتحد به في شوق شديد‏,‏ بعد غربة انفصلت فيه عنه منذ موته‏.‏ ومرت علي تلك الغربة أجيال‏,‏ ثم عادا الي اللقاء أخيرا‏,‏ وما أعجبه لقاء‏...‏
+ اللقاء الثاني‏,‏ هو لقاء الأقارب والأصدقاء والأحباء
إنه لقاء فرح‏,‏ بعد حزن الفراق الذي كان الموت قد سببه لهم‏..‏ ففي القيامة سوف يلتقي الأزواج معا‏,‏ ويلتقي الأبناء مع الآباء‏,‏ والأحفاد مع الأجداد‏,‏ وكل الأقارب معا‏.‏ وتجتمع الأسرة الكبيرة بكل فروعها‏,‏ وتتعرف علي بعضها البعض‏,‏ علي الرغم من مرور أجيال بين صغارها وكبارها‏,‏ ربما صار فيها الأطفال شيوخا‏..!‏ كما يلتقي أيضا الأصدقاء الذين تفرقوا‏.‏
+ في القيامة أيضا تلتقي عصور مع عصور‏:‏
يلتقي عصر أبينا آدم وابنه هابيل البار‏,‏ مع عصر أبينا نوح وأولاده الذي نجوا في الفلك من الطوفان‏,‏ مع عصر آبائنا ابراهيم واسحق ويعقوب‏,‏ مع عصر موسي النبي وأخيه هارون رئيس الكهنة واختهما مريم النبيه‏,‏ مع عصر داود النبي والملك وابنه سليمان الحكيم‏.‏ مع عصور أخري طويلة قد توالت وتتابعت‏.‏
كل عصر له بيئته وطابعه وشخصياته‏.‏ ورؤساء الآباء يلتقون معا‏,‏ وكل منهم له هيبته ووقاره وتاريخه‏.‏ ويتعارفون ويتبادلون الذكريات‏,‏ مع احترام بعضهم لبعض‏..‏ إنها شخصيات من آلاف السنين‏,‏ تلتقي عن طريق القيامة معا‏.‏ وكانت قد عاشت من قبل في ظروف وعصور متباينة‏.‏
+ في القيامة أيضا يلتقي جميع الشهداء والأبرار والنساك الصالحين
شهداء الحق‏,‏ وشهداء الدين‏,‏ وشهداء الفضيلة‏.‏ كل الشهداء من الأمراء والبسطاء والفرسان‏,‏ ومن رجال الدين‏,‏ ومن النساء والأطفال‏.‏
وكل منهم له قصته وجهاده‏,‏ وشهادته وشجاعته‏...‏ كلهم من عصر نيرون وديوقلديانوس وغيرهما‏..‏ كل الشهداء الذين قاوموا الوثنية‏,‏ والشيوعية‏,‏ والإلحاد‏,‏ والبدع والهرطقات‏..‏مع أبطال الإيمان الذين دافعوا عنه واحتملوا من أجله الظلم والتعذيب‏..‏ما أعجب لقاء كل أولئك معا‏,‏ يعزون بعضهم بعضا بما وصلوا اليه من مجد في القيامة‏.‏
يلتقي كل أولئك مع الأبرار في كل ج

 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
18ص2

:smi411:


نسيت اقول الموضوع من تجميعى

مش

منقول


:download:

فاصل ثم عودة للمقالات


:download:


1.gif





تصميم اخر للقصيدة



3.gif


:download:​

 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
تأملات‏ ‏في‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏



بقلم قداسة البابا شنودة الثالث



قدوس‏ ‏الله‏ , ‏قدوس‏ ‏القوي‏ , ‏قدوس‏ ‏الحي

صلاة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏,‏هي‏ ‏لون‏ ‏من‏ ‏التسبيح‏,‏لأنها‏ ‏تأمل‏ ‏في‏ ‏صفات‏ ‏الله‏ ‏الجميلة‏: ‏تأمل‏ ‏في‏ ‏لاهوت‏ ‏الله‏,‏وفي‏ ‏قداسته‏,‏وفي‏ ‏قوته‏,‏وفي‏ ‏حياته‏ ‏التي‏ ‏لاتموت‏.‏
لأن‏ ‏الله‏.‏إذن‏ ‏هو‏ ‏قدوس‏.‏ولأنه‏ ‏قدوس‏,‏فهو‏ ‏الله‏.‏


لأن‏ ‏الله‏ ‏هو‏ ‏وحده‏ ‏القدوس‏ (‏رؤ‏15:4),‏لأنه‏ ‏ليس‏ ‏أحد‏ ‏صالحا‏ ‏إلا‏ ‏واحد‏ ‏وهو‏ ‏الله‏ ‏مت‏ 19:17.‏وقداسة‏ ‏الله‏ ‏لا‏ ‏تحد‏.‏كلما‏ ‏نتأملها‏,‏نشعر‏ ‏بأي‏ ‏مقدار‏ ‏نحن‏ ‏خطاة‏,‏فيستد‏ ‏كل‏ ‏فم‏ ( ‏رؤ‏3:19).‏
ونحن‏ ‏حينما‏ ‏نقول‏ ‏قدوس‏ ‏الله‏,‏نحني‏ ‏هاماتنا‏ ‏أمامه‏,‏فلماذا؟
نحني‏ ‏رؤوسنا‏ ‏لسببين‏: ‏أولا‏ ‏إجلالا‏ ‏لعظمة‏ ‏الله‏ ‏وقداسته‏...‏
ثانيا‏ ‏لأننا‏ ‏حينما‏ ‏نذكر‏ ‏قداسة‏ ‏الله‏,‏إنما‏ ‏نذكر‏ ‏في‏ ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏خطايانا‏ ‏وفقداننا‏ ‏لصورته‏ ‏الإلهية‏,‏فننحني‏ ‏قائلين‏ ‏ها‏ ‏مطانية‏ ‏أمامك‏.‏ليس‏ ‏أحد‏ ‏بلا‏ ‏خطية‏,‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏حياته‏ ‏يوما‏ ‏واحدا‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏ ‏إننا‏ ‏في‏ ‏أشياء‏ ‏كثيرة‏ ‏نعثر‏ ‏جميعنا‏(‏يع‏ 3:2).‏وإن‏ ‏قلنا‏ ‏إننا‏ ‏لم‏ ‏نخطئ‏ ‏نضل‏ ‏أنفسنا‏ ‏وليس‏ ‏الحق‏ ‏فينا‏ ( 1‏يو‏ 1:8).‏
ننحني‏ ‏أمام‏ ‏هذا‏ ‏القدوس‏,‏الذي‏ ‏السموات‏ ‏والأرض‏ ‏مملوءتان‏ ‏من‏ ‏مجده‏ ‏وكرامته‏.‏
والذي‏ ‏ـــ‏ ‏علي‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏قداسته‏ ‏ومجده‏ ‏ــ‏ ‏يقبل‏ ‏أن‏ ‏يلتفت‏ ‏إلينا‏ ,‏هذا‏ ‏الناظر‏ ‏إلي‏ ‏المتواضعات‏,‏غير‏ ‏محتقر‏ ‏طبيعتنا‏ ‏الساقطة‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏ملء‏ ‏قداسته‏,‏ولا‏ ‏مزدريا‏ ‏ضعفناوهو‏ ‏في‏ ‏ملء‏ ‏قوته‏ !! ‏بل‏ ‏علي‏ ‏العكس‏ ‏كبعد‏ ‏المشرق‏ ‏عن‏ ‏المغرب‏,‏أبعد‏ ‏عنا‏ ‏معاصينا‏(‏مز‏ 103:12).‏


قدوس‏ ‏الله‏:‏

إن‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏تأملنا‏ ‏في‏ ‏قداسته‏,‏فكيف‏ ‏نتأمل‏ ‏كلمة‏ ‏الله؟
الله‏ ‏غير‏ ‏المدرك‏ ‏غير‏ ‏المفحوص‏.‏الذي‏ ‏هو‏ ‏فوق‏ ‏فهمنا‏,‏وأعلي‏ ‏من‏ ‏مستوي‏ ‏عقولنا‏ .‏نؤمن‏ ‏به‏ ‏وبوجوده‏.‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏تستطيع‏ ‏لغاتنا‏ ‏القاصرة‏ ‏أن‏ ‏تعبرعنه‏ ‏تعبيرا‏ ‏سليما‏.‏فكل‏ ‏صفة‏ ‏من‏ ‏صفاته‏ ‏غير‏ ‏المتناهية‏ ‏تقف‏ ‏أمامها‏ ‏كلمات‏ ‏لا‏ ‏ينطق‏ ‏بها‏ (2‏كو‏ 12:4).‏وكما‏ ‏قال‏ ‏أحد‏ ‏القديسين‏ ‏ما‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏تكلمت‏ ‏اللغة‏ ‏عن‏ ‏اللاهوت‏,‏إلا‏ ‏وقصرت‏ ‏في‏ ‏التعبير‏..‏
حقا‏ ,‏يدعي‏ ‏اسمه‏ ‏عجيبا‏ (‏أش‏ 9:6).‏
هذا‏ ‏ما‏ ‏قاله‏ ‏أشعياء‏ ‏النبي‏ ‏والله‏ ‏نفسه‏ ‏ــ‏ ‏حينما‏ ‏سأله‏ ‏منوح‏ ‏عن‏ ‏اسمه‏ ‏ــ‏ ‏أجاب‏ ‏لماذا‏ ‏تسأل‏ ‏عن‏ ‏اسمي‏,‏وهو‏ ‏عجيب‏(‏قض‏13:18).‏
إنه‏ ‏الله‏ ‏غير‏ ‏المرئي‏ ‏الذي‏ ‏لم‏ ‏يره‏ ‏أحد‏ ‏قط‏ (‏يو‏ 1:18).‏الذي‏ ‏قال‏ ‏لنبيه‏ ‏العظيم‏ ‏موسي‏:‏
لا‏ ‏تقدر‏ ‏أن‏ ‏تري‏ ‏وجهي‏;‏لأن‏ ‏الإنسان‏ ‏لا‏ ‏يراني‏ ‏ويعيش‏ (‏خر‏ 33:20).‏
نعم‏ ,‏هو‏ ‏الله‏ ‏الذي‏ ‏معرفته‏ ‏فوق‏ ‏الاستقصاء‏.‏الذي‏ ‏قال‏ ‏له‏ ‏الابن‏ ‏الكلمة‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏الحياة‏ ‏الأبدية‏,‏أن‏ ‏يعرفوك‏ ‏أنت‏ ‏الإله‏ ‏الحقيقي‏ ‏وحدك‏ (‏يو‏ 17:3).‏وقال‏ ‏أيضا‏ ‏عرفتهم‏ ‏اسمك‏ ‏وسأعرفهم‏,‏ليكون‏ ‏فيهم‏ ‏الحب‏ ‏الذي‏ ‏أحببتني‏ ‏به‏... (‏يو‏ 17:26).‏
إنه‏ ‏الله‏ ‏الكائن‏.‏الذي‏ ‏كان‏, ‏الدائم‏ ‏إلي‏ ‏الأبد‏ ,‏الجالس‏ ‏علي‏ ‏كرسي‏ ‏مجده‏,‏المسجود‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏جميع‏ ‏القوات‏ ‏السمائية‏.‏نذكر‏ ‏اسمه‏ ‏في‏ ‏تسبحة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏,‏فنحني‏ ‏رؤوسنا‏ ‏له‏ ‏خشوعا‏ ‏وإجلالا‏.‏
أفواهنا‏ ‏تتقدس‏ ‏حينما‏ ‏نلفظ‏ ‏اسم‏ ‏الله‏ ‏القدوس‏.‏
ولذلك‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نحتفظ‏ ‏بقدسية‏ ‏أفواهنا‏ ‏وشفاهنا‏ ‏وألسنتنا‏.‏وأن‏ ‏نذكر‏ ‏قول‏ ‏أشعياء‏ ‏النبي‏,‏حينما‏ ‏سمع‏ ‏تسبحة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏ ‏من‏ ‏أفواه‏ ‏السارافيم‏ ‏فقال‏ ‏ويل‏ ‏لي‏ ‏قد‏ ‏هلكت‏ ‏لأني‏ ‏إنسان‏ ‏نجس‏ ‏الشفتين‏(‏أش‏ 6:5).‏


قدوس‏ ‏القوي‏:‏

الله‏ ‏قوي‏ ‏في‏ ‏قداسته‏,‏وقدوس‏ ‏في‏ ‏قوته‏.‏
هو‏ ‏القدوس‏ ‏القوي‏,‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏يستخدم‏ ‏قوته‏ ‏إلا‏ ‏بكل‏ ‏قداسة‏.‏هناك‏ ‏أقوياء‏ ‏ليسوا‏ ‏قديسين‏,‏كالذين‏ ‏يستخدمون‏ ‏قوتهم‏ ‏في‏ ‏الفتك‏ ‏بالضعفاء‏,‏أو‏ ‏في‏ ‏الكبرياء‏ ‏والهزء‏ ‏بالآخرين‏ ‏مثل‏ ‏جليات‏ ‏الجبار‏ ( 1‏صم‏ 17) ‏أو‏ ‏الأقوياء‏ ‏الذين‏ ‏يستخدمون‏ ‏قوتهم‏ ‏في‏ ‏الإيقاع‏ ‏بالآخرين‏ ‏من‏ ‏إبليس‏ ( 1‏بط‏5:8).‏
هذا‏ ‏الإله‏ ‏القدوس‏ ‏القوي‏,‏هو‏ ‏الذي‏ ‏استخدم‏ ‏قوته‏ ‏في‏ ‏الخلق‏,‏فخلق‏ ‏الملائكة‏ ‏القديسين‏,‏والسموات‏ ‏التي‏ ‏تحدث‏ ‏بمجد‏ ‏الله‏,‏والفلك‏ ‏الذي‏ ‏يخبر‏ ‏بعمل‏ ‏يديه‏ (‏مز‏19:1).‏وهو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏قهر‏ ‏الشيطان‏ ‏وجعله‏ ‏ساقطا‏ ‏مثل‏ ‏البرق‏ ‏من‏ ‏السماء‏ ( ‏لو‏10:18).‏هو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏انتصر‏ ‏عليه‏ ‏في‏ ‏التجربة‏ ‏علي‏ ‏الجبل‏ .‏وقال‏ ‏له‏ ‏اذهب‏ ‏ياشيطان‏ (‏مت‏ 4:10)‏فذهب‏ ‏وجاءت‏ ‏ملائكة‏ ‏لتخدمه‏.‏
هو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏عمل‏ ‏معجزات‏ ‏لم‏ ‏يعملها‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏قبل‏ (‏يو‏ 15:24).‏وهو‏ ‏القدوس‏ ‏الذي‏ ‏طهر‏ ‏الهيكل‏,‏وقال‏ ‏مكتوب‏:‏بيتي‏ ‏بيت‏ ‏الصلاة‏ ‏يدعي‏,‏وأنتم‏ ‏جعلتموه‏ ‏مغارة‏ ‏لصوص‏ (‏مت‏ 21:13,12) ‏هو‏ ‏القوي‏ ‏الذي‏ ‏وهو‏ ‏علي‏ ‏الصليب‏ ‏حطم‏ ‏كل‏ ‏تعب‏ ‏الشيطان‏ ‏الذي‏ ‏تعبه‏ ‏منذ‏ ‏بدء‏ ‏الخليقة‏.‏
هوالقوي‏ ‏المعطي‏ ‏نعمة‏ ‏لتلاميذه‏ ‏والمؤمنين‏ ‏فيستطيعون‏ ‏أن‏ ‏يصنعوا‏ ‏القوات‏ ‏والعجائب‏,‏وتخضع‏ ‏لهم‏ ‏الشياطين‏ ‏باسمه‏ (‏لو‏ 10:17) (‏مر‏ 16:17).‏
‏ ‏ونحن‏ ‏نفرح‏ ‏باستمرار‏ ‏أننا‏ ‏في‏ ‏حمي‏ ‏الله‏ ‏القدوس‏ ‏القوي‏.‏
الذي‏ ‏به‏ ‏وبقوته‏ ,‏يستطيع‏ ‏كل‏ ‏منا‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏مع‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏:‏أستطيع‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏في‏ ‏المسيح‏ ‏الذي‏ ‏يقويني‏ (‏في‏ 4:13),‏معتمدا‏ ‏علي‏ ‏قول‏ ‏هذا‏ ‏القدوس‏ ‏القوي‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏مستطاع‏ ‏للمؤمن‏ (‏مر‏ 9:23) ‏وهكذا‏ ‏يغني‏ ‏مع‏ ‏أيوب‏ ‏الصديق‏ ‏قائلا‏ ‏للرب‏ ‏عرفت‏ ‏أنك‏ ‏تستطيع‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏ولا‏ ‏يعسر‏ ‏عليك‏ ‏أمر‏ (‏أي‏ 42:2).‏
هو‏ ‏قدوس‏ ‏وقوي‏ ‏في‏ ‏أزليته‏,‏وفي‏ ‏تجسده‏ ‏أيضا‏:‏
قدوس‏ ‏في‏ ‏تجسده‏,‏إذ‏ ‏ولد‏ ‏بدون‏ ‏زرع‏ ‏بشر‏,‏وبدون‏ ‏الخطية‏ ‏الأصلية‏.‏وقال‏ ‏جبرائيل‏ ‏الملاك‏ ‏في‏ ‏تبشيره‏ ‏لأمه‏ ‏العذراء‏ ‏مريم‏ ‏القدوس‏ ‏المولود‏ ‏منك‏ ‏يدعي‏ ‏ابن‏ ‏الله
‏(‏لو‏1:35).‏وكان‏ ‏قويا‏ ‏قي‏ ‏قيامته‏,‏إذ‏ ‏خرج‏ ‏من‏ ‏القبر‏ ‏وهو‏ ‏مغلق‏ ‏وعلي‏ ‏بابه‏ ‏حجر‏ ‏عظيم‏.‏كما‏ ‏كان‏ ‏قويا‏ ‏أيضا‏ ‏بعد‏ ‏قيامته‏,‏إذ‏ ‏دخل‏ ‏العلية‏ ‏علي‏ ‏التلاميذ‏ ‏والأبواب‏ ‏مغلقة‏ (‏يو‏ 20:19).‏وبهذا‏ ‏تغني‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏ ‏قائلا‏ ‏لأعرفه‏ ‏وقوة‏ ‏قيامته‏ ‏وشركة‏ ‏آلامه‏( ‏في‏ 3:10).‏
ونحن‏ ‏نؤمن‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏القوي‏ ‏في‏ ‏قيامته‏,‏سيقيمنا‏ ‏نحن‏ ‏أيضا‏,‏سيغير‏ ‏شكل‏ ‏جسد‏ ‏تواضعنا‏,‏ليكون‏ ‏علي‏ ‏صورة‏ ‏جسد‏ ‏مجده‏ ‏بحسب‏ ‏عمل‏ ‏استطاعته‏ ‏أن‏ ‏يخضع‏ ‏لنفسه‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ (‏في‏ 3:21).‏
إنه‏ ‏قدوس‏ ‏الله‏ ‏وقدوس‏ ‏القوي‏ ‏وأيضا‏ ‏قدوس‏ ‏الحي‏.‏


الحي‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يموت‏:‏

إن‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏مات‏ ‏بالجسد‏,‏فهو‏ ‏بلاهوته‏ ‏حي‏ ‏لا‏ ‏يموت‏.‏
وإن‏ ‏كانت‏ ‏روحه‏ ‏بالموت‏ ‏قد‏ ‏فارقت‏ ‏جسده‏,‏فإنه‏ ‏بروحه‏ ‏المتحده‏ ‏بلاهوته‏ ‏قد‏ ‏نزل‏ ‏إلي‏ ‏أقسام‏ ‏الأرض‏ ‏السفلي‏ ‏وسبي‏ ‏سبيا‏ (‏أف‏ 4:8,9) ‏وأخذ‏ ‏أنفس‏ ‏قديسي‏ ‏العهد‏ ‏القديم‏ ‏الراقدين‏ ‏علي‏ ‏رجاء‏ ‏القيامة‏.‏وفتح‏ ‏باب‏ ‏الفردوس‏ ,‏وأدخلهم‏ ‏هناك‏,‏ثم‏ ‏أدخل‏ ‏معهم‏ ‏اللص‏ ‏اليمين‏.‏
وفي‏ ‏اليوم‏ ‏الثالث‏ ‏قام‏ ‏من‏ ‏الأموات‏ ,‏وظهر‏ ‏لتلاميذه‏ ‏وأراهم‏ ‏نفسه‏ ‏حيا‏ ‏ببراهين‏ ‏كثيرة‏ (‏أع‏ 1:3).‏وظل‏ ‏يظهر‏ ‏لهم‏ ‏أربعين‏ ‏يوما‏.‏
هذا‏ ‏الحي‏ ‏الذي‏ ‏لايموت‏ ,‏ظهر‏ ‏للقديس‏ ‏يوحنا‏ ‏الرائي‏ ‏في‏ ‏صورة‏ ‏مهيبة‏ ‏جدا‏.‏وقال‏ ‏له‏ ‏لا‏ ‏تخف‏ .‏أنا‏ ‏هو‏ ‏الأول‏ ‏والآخر‏,‏والحي‏ ‏وكنت‏ ‏ميتا‏ ‏وها‏ ‏أنا‏ ‏حي‏ ‏إلي‏ ‏أبد‏ ‏الآبدين‏ ‏آمين‏.‏
ولي‏ ‏مفاتيح‏ ‏الهاوية‏ ‏والموت‏ (‏رؤ‏ 1: 18,17).‏
هذا‏ ‏الحي‏ ‏يحلف‏ ‏به‏ ‏البعض‏ ‏أحيانا‏ ‏ويقولون‏ .‏والمسيح‏ ‏الحي‏.‏
ويقول‏ ‏الإنجيل‏ ‏فيه‏ ‏كانت‏ ‏الحياة‏,‏والحياة‏ ‏كانت‏ ‏نور‏ ‏الناس‏ ( ‏يو‏ 1:4).‏وهو‏ ‏أيضا‏ ‏يقول‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏أنا‏ ‏هو‏ ‏القيامة‏ ‏والحياة‏ ‏من‏ ‏آمن‏ ‏بي‏ ‏ـــ‏ ‏ولو‏ ‏مات‏ ‏ـــ‏ ‏فسيحيا‏ (‏يو‏11:25)‏
إنه‏ ‏القدوس‏ ,‏الإله‏ ,‏القوي‏,‏الحي‏.‏نناديه‏ ‏ونقول‏ ‏ارحمنا‏ ‏


ارحمنا‏:

في‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏ ,‏بعد‏ ‏عبارة‏ ‏قدوس‏ ‏الله‏,‏قدوس‏ ‏القوي‏,‏قدوس‏ ‏الحي‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يموت‏,‏نقول‏ ‏له‏ ‏يا‏ ‏من‏ ‏ولد‏ ‏من‏ ‏العذراء‏ ‏ارحمنا‏.‏يا‏ ‏من‏ ‏صلب‏ ‏عنا‏ ,‏ارحمنا‏ ‏يا‏ ‏من‏ ‏قام‏ ‏من‏ ‏الأموات‏,‏ارحمنا‏.‏
أنت‏ ‏وحدك‏ ‏القدوس‏ ‏ولكننا‏ ‏نحن‏ ‏خطاة‏,‏فارحمنا‏.‏
وعبارة‏ (‏ارحمنا‏) ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏العبارات‏ ‏تكرارا‏ ‏في‏ ‏صلواتنا‏.‏
فنحن‏ ‏نكررها‏ ‏مرارا‏ ‏في‏ ‏صلاة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏.‏ونكرر‏ ‏عبارة‏ ‏أيها‏ ‏الثالوث‏ ‏القدوس‏,‏ارحمنا‏ ‏ثلاث‏ ‏مرات‏.‏ونقول‏ ‏كيرياليصون‏ ( ‏يارب‏ ‏ارحم‏) 41‏مرة‏.‏ونختم‏ ‏كل‏ ‏ساعة‏ ‏من‏ ‏صلوات‏ ‏الأجبية‏ ‏بالطلبة‏ ‏التي‏ ‏نقول‏ ‏فيها‏ ‏ارحمنا‏ ‏يا‏ ‏الله‏ ‏ثم‏ ‏ارحمنا‏.‏بل‏ ‏في‏ ‏مقدمة‏ ‏كل‏ ‏صلاة‏ ‏نرتل‏ ‏المزمور‏ ‏الخمسين‏ ‏الذي‏ ‏أوله‏ ‏ارحمني‏ ‏يا‏ ‏الله‏ ‏كعظيم‏ ‏رحمتك‏...‏
وفي‏ ‏رفع‏ ‏بخور‏ ‏العشية‏,‏وفي‏ ‏مناسبات‏ ‏عديدة‏ ‏نقول‏ ‏نحن‏ ‏أفنوتي‏ ‏ناي‏ ‏نان‏ ‏أي‏ ‏يا‏ ‏الله‏ ‏ارحمنا‏ ‏وأحيانا‏ ‏نقول‏ ‏في‏ ‏القداس‏ ‏لحن‏ ‏جي‏ ‏ناي‏ ‏نان‏ ‏أي‏ ‏ارحمنا‏..‏وما‏ ‏أكثر‏ ‏ما‏ ‏نردد‏ ‏هذه‏ ‏العبارة‏.‏
حينما‏ ‏نذكر‏ ‏قداسة‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏لحن‏ ‏أجيوس‏ ‏نتذكرخطايانا‏ ‏فنقول‏ (‏ارحمنا‏).‏
ارحمنا‏ ‏يا‏ ‏رب‏ ‏في‏ ‏ضيقاتنا‏ ‏وتجاربنا‏ .‏ارحمنا‏ ‏واغفر‏ ‏لنا
كرحمتك‏ ‏يا‏ ‏رب‏ ‏ولا‏ ‏كخطايانا‏.‏
وفي‏ ‏تسبحة‏ ‏الثلاثة‏ ‏تقديسات‏ ‏نقول‏:‏
يا‏ ‏رب‏,‏اغفر‏ ‏لنا‏ ‏خطايانا‏.‏
يارب‏ ,‏اغفر‏ ‏لنا‏ ‏آثامنا‏.‏
يارب‏,‏اغفر‏ ‏لنا‏ ‏زلاتنا‏...‏

 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
مثاليـــة المسيـــح وشخصيتــه المتكاملـــة وثورة في التفكير



بقلم قداسة‏ :‏ البابا شنودة الثالث



‏ولعله من المناسب لنا أن نتأمل في شخصية السيد المسيح له المجد‏,‏ وكيف أنها شخصية مثالية متكاملة في الفضائل والصفات
فقد كان يتصرف بحكمة سامية‏,‏ كما قيل في سفر الجامعة لكل شيء تحت السماوات وقت‏.‏ فكان يقوم بالعمل المناسب في الوقت المناسب‏.‏ لا يسلك بوتيرة واحدة في كل حالة‏,‏ ومع كل أحد‏.



وهكذا كان يعرف متي يشفق ومتي يؤدب‏,‏ ويكون في تأديبه شفقة‏.‏
ويعرف متي يتكلم ومتي يصمت‏,‏ ويكون في صمته حكمة وموعظة‏..‏



متي ينظر في حنو‏,‏ ومتي ينظر في غضب؟ متي يستخدم القوة‏,‏ ومتي يستخدم اللين؟ وعموما كيف يتصرف مع كل نوع من الناس‏.‏
وهكذا كان الشخصية المتكاملة في أسلوب عملي‏,‏ يجمع بين صفات تبدو مختلفة عن بعضها البعض‏.‏ ولكنها منسجمة في تناسق عجيب‏.‏

***‏

كان يجمع بين الخلوة‏,‏والعمل لأجل الآخرين

كان يجمع بين حياة التأمل‏,‏ وحياة العمل‏.‏ وحياة التأمل كانت له علي الجبل‏.‏ والجبل في حياة السيد المسيح له مكانته ووضعه‏,‏ والحديث عنه يلزمه مجال أوسع‏,‏ ومن أشهر أماكن خلوته‏,‏ كان جبل الزيتون‏,‏ وبستان جثسيماني‏.‏ لذلك ما أعمق ما قيل عنه في الإنجيل مضي كل إلي خاصته‏.‏ أما يسوع فمضي إلي جبل الزيتون‏(‏ يو‏8:1)‏
علي الجبل‏,‏ كان يسكب محبته للآب السماوي‏.‏ وفي المدينة كان يفيض بمحبته علي الناس‏.‏ وقيل عنه أنه كان يجول يصنع خيرا‏,‏ ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس
‏(‏أع‏10:38).‏ كان يعلم في مجامعهم‏,‏ ويكرز ببشارة الملكوت‏,‏ ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب‏(‏ مت‏:4:23)..‏ يقدمون إليه جميع المرضي بأنواع أمراض كثيرة‏,‏ فكان يضع يديه علي كل واحد منهم فيشفيهم‏(‏ لو‏4:40).‏ كان يعلم‏.‏ ويفتح أعين العميان‏,‏ ويقيم موتي‏..‏ وكان كل من يقابله‏,‏ ينال منه بركة‏.‏ فأحبه الجميع‏.‏

***



كان السيد المسيح يجمع بين العظمة والتواضع



كان يجمع بين الهيبة والوقار من جهة‏,‏ والبساطة من جهة أخري‏..‏
كانوا في هيبته يدعونه يا معلم أو أيها المعلم الصالح أو السيد‏..‏
البعض كان يستمع إليه وهو جالس عند قدميه‏,‏ والبعض كان يسجد له‏..‏ وكانت له مكانة كبيرة عند الناس‏,‏ وتوقير واحترام‏,‏ وشعبية هائلة جدا‏..‏
وفي عظمته وقف في نور عظيم‏,‏ متجليا علي جبل طابور‏(‏ مر‏9)‏
ومن جهة التواضع‏,‏ أخلي ذاته وأخذ شكل العبد‏(‏ مت‏2:7)‏ وأنحني وغسل أرجل تلاميذه‏(‏ يو‏13).‏ وسلك في بساطة مع الأطفال‏.‏ وحضر موائد العشارين والخطاة‏.‏ وحينما كانوا يلومونه علي ذلك كان يقول
لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي‏..‏ لأني لم آت لأدعو أبرارا بل خطاة إلي التوبة‏(‏ متي‏9:13,12)‏


***



وفي تكامل شخصيته‏,‏ كان المسيح أيضا يجمع بين الوداعة والحزم‏:‏

كان وديعا ومتواضع القلب‏

قيل في وداعته أنه كان لا يخاصم ولا يصيح‏,‏ ولا يسمع أحد في الشوارع صوته‏.‏ قصبة مرضوضة لا يقصف‏,‏ وفتيلة مدخنة لا يطفيء‏
‏ كان رقيقا شغوفا إلي أبعد حد‏.‏ وفي رقته‏,‏ بكي علي أورشليم‏(‏ لو‏19:40).‏ وبكي في طريقه إلي قبر لعازر‏(‏ يو‏11:35)‏
وفي وداعته أيضا‏,‏ تحدث مع السامرية دون أن يخدش شعورها‏(‏ يو‏4)‏ وبنفس الوداعة تحدث مع الخاطئة المضبوطة في ذات الفعل‏(‏ يو‏8)‏ بكل رفق‏...‏

ولكن وداعته لم تمنع حزمه‏.‏ وهكذا في حزم وشدة‏,‏ طرد الباعة من الهيكل‏,‏ وقلب موائد الصيارفة‏.‏ وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي‏,‏ وأنتم جعلتموه مغارة لصوص‏(‏ متي‏21:13)‏ وبنفس الحزم وبخ الكتبة والفريسيين‏(‏ من علماء اليهود‏).‏ وقال لهم ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون‏,‏ لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس‏.‏ فلا تدخلون أنتم‏,‏ ولا تدعون الداخلين يدخلون‏(‏ مت‏23:13).‏ كما وبخ الصدوقيين قائلا لهم تضلون إذ لا تعرفون الكتب‏(‏ متي‏22:29)‏
كما وبخ اليهود أكثر من مرة علي حرفيتهم في حفظ السبت‏.‏ وكان يتعمد أن يجري بعض معجزاته في يوم سبت‏,‏ كما فتح عيني المولود أعمي في يوم سبت‏(‏ يو‏9)‏ وأقام لعازر من الموت في يوم سبت‏(‏ يو‏11).‏ وشفي مريض بيت حسدا في يوم سبت‏.‏ وذلك ليريهم أنه يمكن يحل عمل الخير في السبوت‏(‏ متي‏12:9‏ ـ‏13)‏
وأحيانا كان يوبخ تلاميذه علي أخطائهم‏,‏ علي الرغم من محبته الشديدة لهم‏.‏

***



أيضا كان في تكامل شخصيته‏,‏
يعرف متي يتكلم ومتي يصمت
كان إذا تكلم يقنع‏.‏ وإذا حاور يفحم ويبكم‏.‏ وكثيرا ما كان يتكلم كمعلم‏.‏ وكانوا يبهرون من تعليمه‏(‏ مت‏7).‏ كان في حديثه كلام منفعة‏,‏ ووعظ وتعليم‏.‏ كان أحيانا يتبسط في التعليم‏,‏ ويلقيه أحيانا في هيئة أمثال‏.‏ وأحيانا أخري يتكلم بسلطان‏(‏ مت‏7:29).‏ ويقدم التعليم كقاعدة ملزمة‏..‏ وكثيرا ما كان يصحح المفاهيم القديمة‏,‏ ويبدأ بعبارة أما أنا فأقول لكم‏...(‏ متي‏5)‏
وأحيانا كان يصمت‏,‏ ويكون صمته أبلغ من الكلام‏,‏ وفي صمته حكمة‏.‏ كما كان صامتا أثناء محاكمته أمام مجمع السنهدريم‏(‏ متي‏26)‏ وأمام بيلاطس‏(‏ متي‏27)‏

***‏

كان أيضا يعرف متي يمنح‏,‏ ومتي يمنع

كان في منحه كثير العطاء‏.‏ فمنح تلاميذه أنواعا من السلطان والمواهب‏.‏ ومنح مكانة للطفل وللمرأة‏,‏ مما لم يكن معروفا لدي اليهود‏.‏ وفتح باب الملكوت أمام الكل‏,‏ وبخاصة للأمم وللسامريين الذين ما كان اليهود يتعاملون معهم‏(‏ يو‏4:9).‏ ومنح شفاء للمرضي‏,‏ وعتقا للمأسورين من الشياطين‏,‏ وكذلك عطفا علي الضعفاء والمساكين‏,‏ ومغفرة للخطاة‏(‏ لو‏7)(‏ يو‏8)(‏ مر‏2).‏ وبركة للكثيرين‏...‏
وكما كان يمنح‏,‏ كان أحيانا يمنع‏.‏ مثلما منع الكهنوت عن كهنة اليهود في أيامه‏.‏ وقال لهم إن ملكوت الله ينزع منكم‏,‏ ويعطي لأمة تصنع ثماره‏(‏ مت‏21:43).‏ وكما رفض طلب الكتبة والفريسيين في أن يصنع لهم آية‏(‏ أي أعجوبة‏).‏ وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطي له‏(‏ مت‏12:39)‏

***‏

وكما كان المسيح رجل الجماهير‏,‏
كان كذلك يهتم بالفرد الواحد

كانت تتبعه الآلاف‏,‏ وتزدحم حوله الجموع والجماهير‏.‏ وفي معجزة إشباع الجموع من الخمس خبزات‏,‏ قيل عن الجموع الذين حوله أنهم كانوا خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد‏(‏ مت‏14:21)‏ أي نحو‏12‏ ألفا‏.‏ وفي معجزة شفائه للمفلوج‏,‏ كان الزحام شديدا حول البيت لدرجة أنهم أنزلوه إليه من السقف‏(‏ مر‏2:4)‏
وفي عظته المشهورة علي الجبل‏,‏ قيل في مقدمتها انه لما أبعد الجموع صعد إلي الجبل‏(‏ مت‏5:1)



وعلي الرغم من أزدحام الجموع حوله‏,‏ كان يهتم بالنفس الواحدة‏.‏ ففي قصة زكا العشار‏,‏ كان الزحام شديدا جدا‏,‏ لدرجة أن زكا صعد إلي جميزة لكي يراه‏.‏ فمن وسط هذا الزحام‏,‏ قال له السيد يا زكا إسرع وانزل‏,‏ لأنه ينبغي أن أمكث في بيتك‏.‏ ولما تذمر اليهود علي دخوله إلي بيت رجل خاطيء‏,‏ قال لهم اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضا ابن لإبراهيم‏,‏ لأن ابن الإنسان جاء يطلب ويخلص ما قد هلك‏(‏ لو‏19:1‏ ـ‏10)



وترك الجموع ليبحث عن الواحد الضال تكررت في‏(‏ لو‏15).‏ وبحثه عن النفس الواحدة‏,‏ ظاهرة في لقائه مع نيقوديموس‏,‏ ومع المرأة السامرية‏,‏ ومع مريم ومرثا‏...‏

***‏

وفي الحديث عن الشخصية المتكاملة للسيد المسيح‏,‏ نذكر بعض أمثلة منها‏:‏

‏*‏جمعه بين العدل والرحمة‏,‏ بغير تناقض بينهما‏.‏ فكان رحيما في عدله‏,‏ وعادلا في رحمته‏.‏ كان عدله مملوءا رحمة‏,‏ ورحمته مملوءة عدلا

أيضا اهتمامه بالروح والجسد‏.‏ فمع اهتمامه الكبير بالروح‏,‏ لدرجة قوله الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة‏(‏ يو‏6:63),‏ كان يهتم جدا بالجسد وشفائه‏(‏ مت‏9:12)‏
كان مدققا في تنفيذ أوامر الشريعة‏.‏ ولكنه في نفس الوقت‏,‏ كان يهتم بمفهومها السليم‏,‏ وبروحانية الوصية وليس مجرد حرفية الوصية‏.‏


وفي الواقع أن السيد المسيح أحدث وقاد ثورة للتغيير والاصلاح‏,‏ ثورة في التفكير والتدبير‏,‏ وفي إرساء المفاهيم السليمة للقيم والمبادئ
كان السيد المسيح وديعا‏,‏ وكان أيضا شجاعا‏:‏ يستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة‏,‏ ويستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة‏.‏ كان وديعا ومتواضع القلب‏(‏ مت‏11:29).‏ وقيل عنه إنه لايخاصم ولا يصيح‏,‏ ولايسمع أحد في الشوارع صوته‏.‏ قصبة مرضوضة لايقصف‏,‏ وفتيلة مدخنة لايطفئ‏..(‏ مت‏12:20,19).‏ ولكنه كان جريئا في الحق‏,‏ لايجامل فيه أحدا‏.‏ يقف إلي جوار الحق والقدسية بكل قوة في هيبة واقتدار‏.‏ لما وجد اليهود لايتصرفون بما يليق بكرامة الهيكل‏,‏ قام بتطهير الهيكل بكل حزم‏.‏

أخرج كل الذين كانوا يبيعونه فيه ويشترون‏.‏ وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام‏.‏ وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوص‏(‏ مت‏21:13,12).‏ ولما وجد قادة الدين في أيامه من الكتية والفريسيين يحملون الناس في تعليمهم أحمالا عسرة الحمل‏,‏ إنتهرهم وقال لهم‏:‏ الويل لكم ايها الكتية والفريسيون المراؤون‏.‏ لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس‏,‏ فلا دخلتم أنتم ولا جعلتم الداخلين يدخلون‏(‏ مت‏23:13).‏ كان ضد القادة المدينيين‏,‏ ومع الشعب وفي محبته للشعب تحن عليهم‏,‏ إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لاراعي لها‏(‏ مت‏9:36).‏ وفي شجاعة وبخ قادتهم قائلا لهم تطوفون البر والبحر لتكسبوا دخيلا واحدا‏.‏ ومتي حصل تجعلوه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا‏.‏ الويل لكم أيها القادة العميان‏(‏ مت‏23:16,15)‏
كان يختلف معهم في كثير من المفاهيم‏.‏ ومنها تعريف معني القريب قال في غطته علي الجبل سمعتم أنه قيل‏:‏ تحب قريبك وتبغض عدوك‏(‏ مت‏5:43)‏ وكانوا يرون أن القريب الذي تجب محبته‏,‏ هو اليهودي الذي من جنسهم‏.‏ أما الباقون فهم غرباء أو أعداء‏.‏ فشرح لهم معني القريب في مثل السامري الصالح الذي اعتني بجريح ليس من جنسه‏,‏ كان اللصوص قد ألقوه علي الطريق بين حي وميت‏.‏ فعمل معه عمل خير وأنقذه وعالجه‏(‏ لو‏10:34,33).‏
وأراهم أن القريب هو كل أخ لنا في الانسانية مهما يكن جنسه أو دينه وبين لهم أن أولئك السامرين الذين كان اليهود يحتقرونهم ولا يتعاملون معهم‏,‏ كانوا أرق منهم قلبا وأقرب منهم الي الخير‏.‏ وأكد لهم تلك الحقيقة في قبوله لأهل السامرة وايمانهم به‏(‏ يو‏4:42,41).‏ وقال عبارته الخالدة أحبوا أعداءكم‏,‏ باركوا لاعنيكم‏,‏ أحسنوا الي مبغضيكم‏,‏ وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم‏(‏ مت‏5:44)‏

إن عدونا الحقيقي الوحيد هو الشيطان وأعوانه‏.‏ أما من يسمون أعداء من البشر‏,‏ فهم من ضحايا الشيطان‏,‏ علينا أن نشفق عليهم ونصلي لأجلهم‏.‏ كذلك أظهر السيد المسيح أن الحب الحقيقي هو الحب العملي‏,‏ سواء من نحو الله بحفظ وصاياه‏(‏ يوم‏15:10).‏ وقال أيضا ليس لأحد حب أعظم من هذا‏,‏ أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه‏(‏ يو‏15:13).‏ وعاش فترة تجسده علي الأرض في خدمة الناس يكرز أو من جهة الناس بالخدمة والبذل‏.‏ وضرب لهم مثالا بنفسه فقال‏:‏ إن ابن الإنسان لم يأت ليخدم‏,‏ بل ليخدم‏,‏ ويبذل نفسه فدية عن كثيرين‏(‏ مت‏20:28).‏ وقال الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف‏(‏ يو‏10:11)‏ ببشارة الملكوت‏,‏ ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب‏(‏ مت‏4:23).‏ كان باستمرار يعلم الناس‏,‏ ولايكتفي بالتعليم‏,‏ بل يطعم الجياع‏,‏ ويمنح الحنان والعطف‏.‏ وقيل عنه إنه كان يجول يصنع خيرا‏,‏ ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس‏(‏ أع‏10:38).‏ لقد أقام المسيح ثورة فكرية في المفاهيم‏:‏ في معني القريب والعدو‏,‏ وفي معني الحب‏,‏ وفي تعريف كثير من الخطايا‏,‏ مثل مفهوم الزنا والنجاسة‏.‏
كانوا يفهمون الزنا علي انه الزنا الفعلي‏.‏ فقال لهم سمعتم أنه قيل للقدماء لاتزن‏.‏

وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر الي امرأة ليشتهيها‏,‏ فقد زني بها في قلبه‏(‏ مت‏5:28,27).‏ وهكذا اظهر لهم أنه يوجد زنا بشهوة القلب‏,‏ وبنظرة العين‏.‏ وأن الخطيئة لاتبدأ بالعمل‏,‏ إنما تبدأ بالحواس وفي القلب أولا‏.‏ وأنه يجب أن يحصل الانسان علي طهارة القلب‏,‏ لأنه بشهوة القلب يعتبر زانيا‏,‏ حتي لو لم يخطئ بالفعل‏.

‏ ولذلك عليه أيضا أن يحرص علي طهارة حواسه‏,‏ ومنها طهارة نظراته‏,‏ فقال‏:‏ إن أعثرتك عينك‏..‏ ولم يقل إن أعثرتك امرأة‏.‏ لأنه إن كانت عين الانسان طاهرة‏,‏ فلن يسقطه جمال امرأة‏...‏ وفي هذا التعليم نري المسيح ينصح بالبعد عن الخطوة الأولي الي الخطية‏.‏ فاالذي يحترس من النظرة الخاطئة‏,‏ لايقع في شهوة القلب‏.‏ والذي يحترس من التمادي في شهوة القلب‏,‏ لايقع في الخطية بالعمل‏.‏ فيقول أيضا سمعتم أنه قيل للقدماء لاتقتل‏,‏ ومن قتل يكون مستوجب الحكم‏.‏ وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب علي اخيه باطلا‏,‏ يكون مستوجب الحكم‏(‏ مت‏5:22,21).‏
وهكذا أدان خطية الغضب الباطل‏,‏ لأنها كثيرا ماتكون هي الخطوة الأولي الي القتل‏.‏ والذي يدرب نفسه علي عدم الغضب‏,‏ لن يرتكب جريمة قتل‏.‏

ومن جهة النجاسة‏,‏ كان اليهود يحرمون ألوانا من الأطعمة يرونها نجسة‏.‏ فقال لهم السيد المسيح ليس مايدخل الفم ينجس الإنسان‏,‏ بل مايخرج من الفم‏:‏ هذا ينجس الإنسان‏(‏ مت‏15:11).‏
وشرح ذلك بأن الكلام الذي يخرج من الفم‏,‏ فمن القلب يصدر‏(‏ مت‏15:18).‏ لأنه من فضلة القلب يتكلم الفم‏(‏ مت‏12:34).‏
فالإنسان الشرير ـ مما يكتنزه في قلبه من الشرور ـ يخرج الكلام الشرير‏(‏ مت‏12:35).‏ إذن كل خطية يقع فيها اللسان‏,‏ هي خطية وجدت في القلب أولا‏..‏

إذن فخطية اللسان تبدأ في القلب أولا‏,‏ كما أن خطية الزنا تبدأ في القلب أولا‏,‏ وخطية القتل تبدأ أيضا في القلب‏.‏
من هنا اهتم بنقاوة القلب قبل كل شئ‏,‏ ولم يوافق علي السطحية في فهم الخطية‏,‏ دون مقاومة أعماقها وأسبابها‏,‏ كذلك حارب الحرفية في تنفيذ الوصية وهكذا فإن ثورته للتغيير والإصلاح شملت عقيدة اليهود في‏(‏ حفظ السبت‏)‏ كان اليهود يتمسكون حرفيا بعبارة الوصية لاتعمل فيه عملا‏(‏ تث‏5:14)...‏
لذلك كانوا يقفون ضد السيد المسيح‏,‏ إن عمل أي عمل من أعمال الخير في يوم سبت‏.‏ فتحداهم في هذه النقطة بالذات بمعجزات للخير أجراها في أيام السبت‏.‏

الرجل المولود أعمي‏,‏ كان يمكن أن يمنحه البصر في أي يوم‏,‏ ولكنه بمعجزة عجيبة جعله يبعد في يوم السبت‏(‏ يو‏9),‏ فقال اليهود لهذا الرجل إن الذي شفاه إنسان خاطئ‏(‏ يو‏9:24),‏ ومريض بيت حسدا الذي بقي مشلولا‏38‏ سنة‏,‏ شفاه السيد المسيح في يوم سبت‏.‏ لذلك طردوه وطلبوا ان يقتلوه‏(‏ يو‏5:16)‏ ولعازر اقامة المسيح في اليوم الرابع لموته‏,‏ في يوم سبت‏,‏ فتشاور اليهود علي المسيح ليقتلوه‏(‏ يو‏11:53)‏ بكل هذا أراد في ثورته للتغيير أن يقنعهم بهذه الحقيقة‏.‏
إذن يحل فعل الخير في السبوت‏(‏ مت‏12:12)‏
كانت هذه العبارة ثورة في عقائد ومسلمات شيوخ اليهود‏,‏ وبدأها المسيح معهم بمحاولة الاقناع قائلا أي انسان منكم له خروف واحد‏,‏ فإن سقط هذا في السبت في حفرة‏,‏ أنما يمسكه ويقيمه؟‏!‏ فالانسان كم هو أفضل من الخروف‏.‏
اذن يحل فعل الخير في السبوت‏(‏ لو‏14:3).‏

عاش المسيح معلما‏,‏ يختلط بالناس ويحيا بينهم‏,‏ وقد بهتوا من تعليمه‏,‏ يشرح لهم بأمثال‏,‏ ويكلهمم بسلطان قائلا سمعهم أنه قيل للقدماء‏..‏أما أنا فأقول لكم‏,‏ وما قاله لهم كان ثورة في التعليم‏.‏
‏*‏ ففي العطاء لم يكتف بما في الشريعة من دفع العشور والبكور‏,‏ بل قال‏:‏ من سألك فأعطه‏,‏ ومن اقترض منك فلا ترده‏,‏ وطوب العطاء من الأعوان‏.‏
‏*‏ وفي المغفرة‏,‏ ألغي الذبائح الحيوانية لطلب المغفرة‏,‏ وركز علي أهمية التوبة قائلا إن لم تتوبوا‏,‏ فجميعكم كذلك تهلكون‏(‏ لو‏13:5,3).‏
‏*‏ ومن جهة الأسرة‏:‏ ألغي تعدد الزوجات‏,‏ وقال من البدء خلقهما الله ذكرا وانثي‏(‏ مت‏19),‏ وألغي الأسباب العديدة للطلاق‏,‏ وركز علي الطلاق لعلة الزنا‏(‏ مت‏5:32)‏ لأنه السبب الوحيد الذي لايحتمله الزوج‏.‏

‏*‏ ومن جهة الكهنوت‏:‏ ألغي الكهنوت الهاروني الذي يكون بالوراثة في بني هارون وحدهم‏,‏ وأقام بدله كهنوتا علي طقس ملكي صادق‏,‏ الذي كان في كهنوته بلا أب ولا أم ولانسب في الكهنوت‏(‏ عب‏7).‏
‏*‏وفي هذه الثورة للتغيير‏,‏ ألغي أيضا فكرة الشعب المختار من الله‏.‏
وهكذا قضي علي العنصرية في اليهودية التي كانت تحتقر باقي الشعوب وتدعوهم الأمم‏yentiles,‏ وامتدح كثيرا من الامميين‏,‏ وقال لتلاميذه اكرزوا بالانجيل للخليقة كلها‏(‏ يو‏16:15)‏ اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم‏,‏ وعمدوهم‏..‏وعلموهم جميع ما أو صيتكم به‏(‏ مت‏28:19),‏ وقال لتليمذه بولس ها أنا ارسلك بعيدا الي الأمم‏,(‏ أع‏22)‏ كما شهدت لي في اورشليم‏,‏ ينبغي أن تشهد لي في روميه أيضا‏
وامتدت ثورته في التغيير فشملت الهيكل أيضا‏

فقال إنه لايترك فيه حجر علي حجر لاينقض‏(‏ مت‏24:2),(‏ مر‏13:12,‏ وقال يا اورشليم يا اورشليم‏,‏ ياقاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين اليها‏,‏ كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها‏,‏ ولم تريدوا‏,‏ هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا‏(‏ مت‏23:38,37).‏
ورأي السيد المسيح أنه لتغيير الأوضاع والمبادئ ينبغي تغيير القيادات الدينية القائمة علي التنفيذ‏,‏ ليفسح الطريق لتلاميذه لتولي القيادة‏.‏
فضرب مثل الكرامين الأردياء علي كهنة ذلك الجيل‏.‏ وقال لهم إن ملكوت الله ينزع منكم‏,‏ ويعطي لأمه تصنع أثماره‏(‏ مت‏21:43).‏
وقال للصدوقيين تضلون إذ لاتعرفون الكتب‏(‏ مت‏22:29)‏
وقال للكتبة والفريسين ويل لكم أيها القادة العميان‏(‏ مت‏23:16).‏
بل قال عن ذلك الجيل كله جيل فاسق وشرير‏(‏ مت‏12:39)‏
كان لابد له أن يغير كل شئ‏,‏ وكان مستعدا لدفع الثمن

 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
20 2



أراء فى التواضع
* الاتضاع عمل الهى كبير , وطريقه متعبه للجسد.
* كن شامخا فى تواضعك ومتواضع فى شموخك فتلك واحدة من صفات العظماء.
* ما هو التواضع ؟ هو ضمير لايتعظم فى نفسه.
وبماذا يكمل الاتضاع ؟ يكمل بان لايظن الضمير فى نفسه انه حكيم.
وما هى زينته ؟ عندما يفكر الانسان انه ليس احد ارذل منه , ويتحقق انه انقص من الجميع
*الاتضاع هو ان تعد جميع البشر افضل منك .... متاكدا من كل قلبك انك اكثر منهم خطيه..
*الاتضاع هو ان يحقر الانسان ذاته فى كل شىء.
*الاتضاع هو بيت اللاهوت , واينما وجد سكن الله فيه.
* ما هو الاتضاع ؟
الاتضاع هو ان يحسب الانسان نفسه ترابا ورمادا ويقول : " انا من انا " ! ومن يحسبنى انى شيئا , ومالى انا مع الناس لانى عاجز . ولايقول عن امر " ماذا ؟ , او ماذا يكون هذا ؟ " . ويكون ماشيا بخضوع كثير فى طرقه. ولايساوى نفسه بغيره , واذا احتقر ورذل لايغضب.

* ان الفكر المعاند لا يقتنع بأى برهان للايمان لكن القلب المتواضع لا يقاومة.

*ليس التواضع هو ان تقلل من شأنك بل ان تقلل التفكير فى شأنك.

*تواضع عند النصر وإبتسم عند الهزيمة لا تثقل نفسك بالكراهية، فهي أثقل مما تتصور

*شجرة الحياة شاهقة لا تصل إلى قمتها إلا بالتواضع

*إذا رأيت إنسانا متواضع القلب فهذا أعظم من سائر المناظر لأنك بواسطته تشاهد الله الذى لا يرى .

*التواضع يورث المحبة . والقناعة تورث الراحة .

*رأيت فخاخا منصوبة ، فسألت باكيا من ينجينى ؟ . فأجابنى صوت : " التواضع "

*الانسان المتواضع يكتسب من الشتيمة مثلما يكتسب من الكرامة او اكثر.

(قداسة الباب شنودة الثالث)








 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

لذة الالم


لا تتعجب نعم الألم له لذته ... وله بركته تعالي معي لأثبت لك ذلك

الألم يرفع النفس إلي فوق

يرفعها فوق مستوي المادة والعلم ... فأن الإنسان في حالة الألم ، تكون

نفسه أقوي ، وروحانياته أعمق ... وكثيرا ما نري الإنسان في ألمه متجردا

من حب العالم ... لذلك سهل علي المريض أن يقترب إلي الله ، المريض

المتألم يقبل الحديث عن الله ، ويحب أن يصلي ، ويطلب أن يصلي الناس

من أجله وكلمة ( الله ) تتردد كثيرا علي فمه

تعال معي نأخذ من حياة المسيح أمثله تجعلنا نتعزى بالألم ونتلذذ به ،

لأن السيد المسيح هو أكثر إنسان تألم بدون وجه حق ولأجل محبته لنا تحمل

كل ذلك ... السيد المسيح وصفه أنه " رجل أوجاع ومختبر الحزن "
( أش 53 : 3 )

ذاق المسيح الألم ، من يوم مولده ... ولد في يوم أشد أيام الشتاء برودة

في مكان رطب هو مزود بقر ... وعاش المسيح فقيرا ، يتحمل الضيق

لأجلنا لم يكن له بيت يسند فيه رأسه .... جرب التعب ، وجرب أيضا

الجوع والعطش .... جرب من الشيطان ... جرب ألما آخر هو ألم

الرفض ... عاش يعامل الناس بالحب ، ولا يجد حبا مقابل حبه

لم يجد محبة تماثل محبته ، ولا معاملة طيبة تماثل معاملته الطيبة للناس

فقد عاش الرب وسط أشخاص جاحدين ، ناكرين للجميل ، ناكرين الحب

أحيانا كان يري أبواب القلوب مغلقة " فيقف ويقرع وقد يطول به الوقوف

حتى يمتلئ رأسه من الطل ، وقصصه من ندي الليل " ( نش 5 :2 )

وهو لا يمل الانتظار ، ولا يخجل منه .... والرب بهذا يعطينا درسا أن

كسب محبة الناس يحتاج منا إلي احتمال وطول بال وأحيانا تكون القلوب

صلبة وشديدة ، ولا يمكن دخولها بسرعة ولا سهولة ... فأن تعبت في

دخول قلوب الناس ، فلا تتضايق !!! هكذا حدث للمسيح منبع الحب ، وأن

دخلت قلبا ولم تجد فيه محبة مثل محبتك ، فلا تحزن ، فهكذا حدث للمسيح

قبلا ولم يعامل الناس بمثل معاملتهم بل كان وسط الكل

" يجول يصنع خيرا " ( أع 10 ، 38 )

الكل أخذوا حتى الذين رفضوه ، حتى الذين صاحوا فيما بعد أصلبه أصلبه

ألم أخر هو ألم شتائم واتهامات وإهانات

فلا تتعجب يا أخي أن قيلت عنك كلمة رديئة ربما أقل من هذه ، فالمسيح قد

قيل عنه أنه سامري وبه شيطان ، وبرئيس الشياطين ، بأنه خاطئ وكاسر

السبت ، وأكول وشريب خمر ، ومحب للعشارين والخطاة ، ومجدف

فتمت الكلمة المكتوبة في ناموسهم " أبغضوني بلا سبب "
( مز 69 : 4 ، يو 15 : 25 )

والعجيب أن الرب لما سمع هذه الإهانة رد بهدوء عجيب وبدون انفعال

ما هذا يارب ؟ قل أن ينزل نار من السماء وتفنيهم ، هذا جنس لا ينفع معه

الطيبة ، اضرب ضربتك فيوقروك .... وكأن الرب يجيب

" ليس هذا هو أسلوبي سأتركهم الآن في حدتهم ، وبعد حين

سيتعقلون ويتوبون وينظرون إلي الذي طعنوه وجرحوه ويندمون "

قدم نفسه ذبيحة حب ، من فرط محبته لمن ذبح لأجلهم في فرح بخلاصهم

فهل أنت مثله تقدم نفسك ذبيحة حب ؟

وقف أمام الناس كخاطئ ، وأمام الأب كخاطئ

هل تحمل خطايا الناس ، كما حملها المسيح ؟؟؟

هل تستطيع أن تأخذ خطايا غيرك وتنسبها إلي نفسك ؟ وتقول

" أنا المخطئ وليس هو "

وان نسبت أليك خطية اقترفها آخر هل تستطيع

أن تقبل ذلك وتصمت ؟! وان لم تستطع إن تحمل خطايا الناس فهل يمكنك

علي الأقل أن تحتملها أي أن تحتمل خطايا الناس أليك

أنظر إلي ما فعله المسيح علي الصليب ، قارن بما تفعله أنت ؟ هل أنت

مثله ذبيحة حب تبذل ذاتك عن غيرك ؟ هل أنت ذبيحة خطية تحمل خطايا

غيرك ؟ أن لم تحمل خطايا الناس ، فاحمل ألأمهم احمل ألم الناس كما

حملها المسيح اشترك مع المسيح في إراحة الناس كن قلبا كبيرا يتألم مع

المتألمين يزور المرضي ، ويعزي الحزانى

استفد إذن من وقت الألم ، استفد من الاشتراك في الآم الآخرين واستفد من

التأمل في آلام المسيح لأجلك

ويظل الألم في العالم ننال بركته إلي إن يأخذنا الله من هذا العالم إلي

" الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد " هناك يمسح كل دمعة

من عيوننا إذن فلنتألم هنا ، لكي ننعم هناك لأنه " ما أضيق الباب وأكرب

الطريق الذي يؤدي إلي الحياة ، وقليلون هم الذين يجدونه "

كل نوع ألم لأجل الرب ، له بركته وإكليله

" وكل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه " ( 1 كو3 :8 )

وهنا نراه يقول " طوبي لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل

كلمة شريرة كم أجلي كاذبين ، افرحوا وتهللوا ، لأن أجركم عظيم في

السموات لأنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم " ( متي 5 : 11 ، 12 )

وفي آلامك ثق أن المسيح صديق لكل متألم شريك له ورفيق له في طريق

الألم لا يتركه وحده وكما قال الكتاب

" في كل ضيقهم تضايق ، وملاك حضرته خلصهم " ( أش 63 : 5 )

إذن تتعزي بأن المسيح شريك لك في ألمك ويتقوى أيضا قلبك

" انتظر الرب ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب " ( مز 27 : 14 )

وضع أمامك أن المسيح كان قويا وصامدا في كل آلامه كان راسخا في

آلامه كالجبل الصلب الذي لا تهزه ريح ولا عاصفة كان صامدا في القبض

عليه ، وفي محاكمته ، وفي الإهانات ، وكان صامدا أمام الجلد والصلب

والموت ، وأعطي مثالا رائعا للقلب الكبير ، القوي الشجاع الذي احتمل

ظلم الأشرار وقال " يا أبتاه أغفر له " هذه العبارة النبيلة التي هزت قلوب

الناس في كل جيل وهكذا حول صليب العار إلي صليب مجد .. وحول الألم

إلي بركة وإكليل ، أننا عندما نري آلام السيد المسيح ، نتعزى في آلامنا

ففي كل مرة تواجه الألم تذكر رب المجد يسوع وضع صورته أمامك

وقول لنفسك لقد مر السيد المسيح بكل ذلك بفرح ولابد إن أكون مثله لأنني

أبنه وأبنته ربنا يعطينا قوه لتحمل كل أنواع الألم ، ويعطينا بركة الألم

من كتابات البابا شنودة الثالث بركه صلواته تكون معنا جميعا

 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
الانتصار؟ وكيف يكون؟

بقلم‏:‏ البابا شنودة الثالث
الانتصار أمر محبوب‏..‏ يفرح به كل شخص يكون منتصرا‏,‏ أو يظن أنه منتصر‏..‏ علي أن هناك انتصارا حقيقيا وانتصارا زائفا‏..‏ فما هو الانتصار الحقيقي؟ وما شروطه؟ وكيف يكون؟ بل ما هو الانتصار الذي يريده الله لنا‏,‏ وتفرح به السماء لأجلنا؟
الانتصار الحقيقي هو الذي ينتصر به الإنسان علي نفسه وليس علي غيره‏,‏ فلا يجوز للقاتل أن يفرح بانتصاره علي القتيل وسفك دمه‏..‏ فهذا القاتل في موقف المنهزم‏,‏ لأنه لم يستطع أن ينتصر علي ما في نفسه من قسوة ومن حقد‏,‏ أو من رغبة في الانتقام‏,‏ فكان ينبغي أن يخزي من كل هذه النقائص‏..‏ كذلك من يشبع الطرف الآخر في الحوار ما يستطيع من تهكم ومن استهزاء لا يظن أنه منتصر‏,‏ ولأنه لم يستطع أن يحتفظ بأدب الحوار‏,‏ فهو إذن في وضع المنهزمين‏.‏
إذن الانتصار الحقيقي هو الانتصار أولا علي النفس‏,‏ وأن ينتصر الإنسان في الداخل‏,‏ وأن ينتصر علي الخطيئة والشيطان‏,‏ فهو بانتصاره الداخلي علي كل شهوة خاطئة وكل فكر رديء‏,‏ يستطيع أن ينتصر في الخارج علي كل حروب الشيطان‏,‏ فيوسف الصديق مثلا‏,‏ إذ كان منتصرا في الداخل استطاع أن ينتصر علي الشهوة التي حاربته من الخارج‏,‏ وعلي الخطيئة التي حاربته من سيدته الخاطئة‏.‏
والإنسان الروحي ينتصر علي جميع العوائق التي تحاول أن تعطله في طريق البر أيا كانت‏,‏ وهو لا يسمح لنفسه بأن يعتذر لتلك العوائق‏,‏ ولا يبرر نفسه إذا أخطأ‏.‏
الإنسان الروحي ينتصر أيضا علي الضيقات والمشكلات‏,‏ فالمشكلات لا تهزه ولا تهزمه‏,‏ ولا تضعف معنوياته‏,‏ ولا تعكر نفسيته‏,‏ ولا تلقيه في دوامات من القلق والاضطراب والشك‏,‏ إنه ينتصر علي المشكلات بالإيمان وبالصلاة وبالصبر‏,‏ ولا يضيق قلبه بها‏,‏ ولا يفقد سلامه بسببها‏,‏ وهو لا ينتصر فقط علي الضيقات بالاحتمال‏,‏ بل بالأكثر يفرح بها‏,‏ لأنها تقدم له خبرات جديدة في معونة الرب له‏,‏ ويري أن كل شيء يئول إلي الخير‏.‏
وحياة الانتصار مفرحة‏,‏ لأن الإنسان الروحي يصبح بها قدوة لغيره‏,‏ فيقدم للناس مثالا علي إمكان حياة البر‏,‏ وعلي أن حياة الانتصار هي واقع عملي يلمسونه أمامهم‏,‏ ويثبت أن الأبرار أقوياء‏,‏ ببرهم وبنعمة الله العاملة فيهم‏.‏
إن الانتصار لازم جدا في الحياة الروحية‏,‏ وبدونه لا يدخل أحد إلي السماء‏,‏ ولا يتمتع بعشرة الملائكة والقديسين‏,‏ فالسماء لا يدخلها إلا موكب الغالبين المنتصرين‏,‏ الذين برهنوا علي ذلك في فترة اختبارهم علي الأرض‏,‏ فهل أنت من هؤلاء؟ أم أنك تضعف أمام أي إغراء أو أية خطيئة؟‏!‏
وقد قدم التاريخ لنا أمثلة من المنتصرين‏,‏ لعل في مقدمتهم أبطال الإيمان الذين جاهدوا الجهاد الحسن ونالوا إكليل البر‏,‏ وفي مقدمتهم الشهداء القديسون‏,‏ الذين انتصروا علي كل التهديدات وعلي السجون‏,‏ وعلي ألوان من العذاب ربما تبدو فوق احتمال البشر‏,‏ وثبتوا علي إيمانهم‏,‏ وقابلوا الموت ببسالة عجيبة‏,‏ وكانوا مثالا رائعا جذبوا غيرهم إلي الإيمان‏.‏
ونحن نذكر من أمثلة المنتصرين أبا الآباء إبراهيم‏,‏ الذي انتصر علي كل عواطف الأبوة‏,‏ ولم يكن لديه مانع إطلاقا من أن يقدم ابنه الذي يحبه ذبيحة لله وطاعة لأمره‏,‏ فكافأه الله علي ذلك ولم يسمح بموت ابنه‏.‏
ومن الأمثلة الأخري النساك والعباد والمتوحدون الذين انتصروا علي كل شهوات العالم وتفرغوا للعبادة بعيدا عن كل ملاهي المجتمع‏.‏
ومن أمثلة المنتصرين أيضا‏,‏ أصحاب الفكر العميق الذين استطاعوا بأفكارهم أن يغيروا معالم المجتمع الذي عاشوا فيه‏,‏ وأن يضعوا مبادئ راسخة اقتنع بها الناس وسلكوا نهجها‏,‏ قادة الفكر هؤلاء لم ينتصروا افقط في حياتهم وإنما أيضا ساعدوا غيرهم علي حياة الانتصار‏.‏
ويمكن أن نضم إلي هؤلاء القادة والمرشدين الروحيين الذين سندوا الضعفاء بنصائحهم التي منحتهم قوة‏.‏
بعد كل ما قلناه علي الانتصار في الحياة الروحية‏,‏ نذكر أيضا الانتصار في كافة نواحي الحياة‏,‏ في الحياة الاجتماعية‏,‏ والحياة السياسية‏,‏ والحياة الاقتصادية أيضا‏..‏ كل ذلك بعقلية راجحة وبالانتفاع بخبرات الغير‏,‏ وبعدم اليأس في الحياة‏,‏ بحيث إذا فاتتك فرصة تلتمس غيرها‏,‏ وإن فشلت الخطوة الأولي تعاود الجهاد في خطوات أخري ناجحة في المستقبل‏.‏
وهنا يواجهنا سؤال مهم وهو‏:‏ كيف ننتصر علي الدوام؟ ينبغي أولا أن يكون لك هدف واضح محدد في حياتك‏,‏ ويكون هدفا نقيا‏,‏ وتتخذ له وسائل ممكنة في حدود قدراتك وظروفك‏,‏ وأن تسعي دائما إلي الكمال‏,‏ فإذا لم تصل إليه فعلي الأقل تصل إلي الممكن‏.‏
ضع أمامك أيضا أن تنمو باستمرار‏,‏ وأن تتقدم في كل حين خطوة أكبر في حياة الفضيلة والبر‏,‏ فإن الذي يسعي إلي التقدم‏,‏ من غير المعقول أن يرجع إلي الوراء‏,‏ والذي يسعي إلي أن يكون اليوم أقوي مما كان بالأمس‏,‏ هذا لا يسمح لنفسه بأن يضعف وبأن يسقط‏..‏ فهل أمامك برنامج روحي تسير علي نهجه في النمو الروحي؟ وهل تتبع مسيرة حياتك‏..‏ هل هي تصعد أم تهبط؟ وهل هي تزيد أم تنقص؟ وهل أنت دائم الانتصار في حياتك أم أحيانا تنهزم وتسقط؟
إذا كنت لست دائم الانتصار في روحياتك‏,‏ فابحث ما هي نقاط الضعف التي فيك؟ وماهي أسباب السقوط أحيانا؟ وعالج كل ذلك بحزم شديد‏,‏ ولا تكن مجاملا لنفسك أبدا‏..‏ لكي تنتصر لا تعتمد علي نفسك وحدها‏,‏ بل باستمرار التمس معونة من فوق‏,‏ من عند رب المعونة الذي هو قادر علي أن يسندك بقوته‏,‏ وأن يحفظك بمعونته‏..‏ ففي كل مشكلاتك وفي كل نقائصك وفي كل ضعفاتك اطلب معونة إلهية‏,‏ وليكن لك الإيمان في أن الله سوف يستجيب صلواتك‏,‏ وفي الوقت نفسه جاهد علي قدر ما تستطيع لكي تكون بلا عيب أمام الله والناس‏.‏
بقي أن أقول لك إنك إذا انتصرت في حياتك فلا تفتخر بقوتك‏,‏ إنما اشكر الله الذي ساعدك وأعانك حتي تنتصر‏,‏ لا بقوتك‏,‏ بل بمعونته ونعمته‏.‏
نقلا عن الاهرام المصرية

 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
لا تجعل راحتك على تعب الآخرين – ج1

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

ما أكثر الخطايا التى يقع فيها من يبنى راحته على تعب الآخرين... وسنضرب لذلك أمثلة عديدة منها:

1- من يقيم حفلة ساهرة صاخبة، بميكروفونات تنقل الصوت عالياً عبر عدة شوارع...

ويستمر على ذلك إلى ما بعد منتصف الليل فى لهو وغناء وضوضاء. ولا يبالى فى كل ذلك بشعور غيره ولا بمصلحته! فالمحتاج إلى نوم لا يستطيع أن ينام. والتلميذ لا يستطيع أن يذاكر. والمريض يزعجه الصوت، وربما يكون قد تناول حبوباً منومة تفقد مفعولها. وباقى الناس تفقد حريتهم فى الكلام وفى القراءة وفى الاستمتاع بوقتهم... ولكن صاحب الحفلة مسرور بحفلته، وغير عابئ بتأثيرها على غيره!

* ومثال ذلك أيضاً: من يفتح راديو أو ترانزستور فى أتوبيس أو قطار... هو يريد أن يسمع ولا يهمه غيره...

2- مثال آخر: من يجد لذته فى التهكم و الضحك على غيره...

فيتخذ ذلك الشخص مجالاً للسخرية والتفكه والتسلية، غير مبال بجرح مشاعره, جاعلاً السامعين يشاركونه فى جعل ذلك الإنسان أضحوكة لهم.. وبخاصة إن كان لا يستطيع الدفاع عن نفسه، أو يحتشم من ذلك لأن الذى يستهزئ به أكبر منه سناً أو مقاماً...

هذا الساخر إنما يحاول أن يجد راحته فى تعب غيره نفسياً

3- كذلك من يدخن سيجارة, وبجواره من يكره رائحتها...

ينفخ دخانها فى وجهه أو فيما حوله. ولايهمه أن غيره يكاد يختنق من رائحة الدخان, وبخاصة لو كان ذلك فى مكان مغلق! ونشكر الله أن كثيراً من شركات الطيران تمنع التدخين داخل الطائرة... ونلاحظ أن زوجات كثيرات يتعبن من أزواجهن المدخنين الذين يعكرون جو البيت كله برائحة دخانهم...

* يدخل تحت بند التدخين أيضاً المصانع التى تلوث الجو بالدخان، وتؤذى صحة الإنسان.. وكذلك العربات التى تنفث فى سيرها دخاناً.

4- مثال آخر: من يتعب غيره بمكالمات تليفونية قد تطول...

يطلب غيره تليفونيا فى أى وقت. وقد يكون ذاك نائماً, أو على مائدة الطعام, أو عنده ضيوف, أو يكون منشغلاً بعمل هام يجب أن يقوم به.. ويظل هذا الشخص يتكلم ويتكلم, دون أن يسأل هل الذى يسمعه لديه وقت لسماعه أم لا؟ بينما اللياقة تقتضى أن يسأل..!

5- وبنفس الوضع، الحكم على بعض الزيارات...

انسان يزور صديقاً أو قريباً له على غير موعد، دون أن يتأكد هل هذا الصديق مستعد لأستقباله ام لا! ولكنه يدخل ويجلس ويتكلم. وقد تطول الجلسة, وصاحب البيت يخجل من أن يقول له أنه مُنشغل, أو كان على وشك الخروج لمهمة معينة أو موعد مع آخرين... ويكون هذا الضيف وهو جالس فى بيت صاحبه, إنما هو جالس على أعصابه!

وما أصعب مثل هذه الزيارات إن كانت خلال أيام الأمتحانات، ويعلو فيها الصوت، والطلبة الذين فى البيت يحتاجون إلى هدوء.. ولكن هؤلاء الضيوف يحاولون أن يجدوا راحتهم, ولو على تعب غيرهم!

6- أيضاً هناك اشخاص يريدون أن يتكلموا, وربما فى موضوعات لا يستريح لها سامعوها..!

وقد يتحدثون عن أسرار أناس آخرين, أو مشاكل معينة, أو أخطاء قد حدثت, أو يفتحون أذهان سامعيهم لمعرفة أمور جديدة عليهم من الخير لهم أن لا يعرفوها.. ولكنهم يريدون أن يتكلموا, ولو أتعبوا السامعين, ولو صبوا فى آذانهم معلومات مؤذية, ولو أتلفوا أفكارهم..!

وقد يحاول السامع أن يهرب, ولكنهم يضغطون بالكلام لأنه يجدون متعتهم فى الحديث, شاء السامع أن يسمع أم لم يشأ! هذا بالأضافة إلى إضاعة وقته..

7- كذلك من يضغط على غيره, إنما يبحث عن راحة هو بتعب الغير..

وقد يكون هذا الضغط على إرادته, لكى ينفذ ما لا يريد! وربما يُستخدم فيه أحياناً الإلحاح المتعب الذى يشكل ضغطاً على أعصابه وعلى اُذنيه, وقد يكون الضغط مباشراً أو عن طريق وسطاء. أو قد يكون ضغطاً على ضميره بلون من التهديد... المهم أن يصل هذا الشخص إلى تحقيق غرضه بالضغط أو بضغوط. ولا يهمه مطلقاً شعور من يضغط عليه, ولا تعب أعصابه أو تعب ضميره, وتعب فكره وتعب ارادته, ومقدار الوقت الذى تستغرقه الضغوط...

8- هناك أشخاص آخرون يستريحون نفسياً عن طريق الشكوى والبكاء, ويشركون غيرهم فى آلامهم باستماع مشاكلهم ومتاعبهم وأحزانهم...

ولو حدث ذلك مرةً أو فى أحدى المناسبات, لكن ممكناً الإحتمال بشعور المشاركة الإجتماعية.. ولكن ماذا عن أشخاص تعودوا الشكوى والبكاء والنكد..؟! فما أن يقابلوا حتى ينفتح ريكوردر الشكوى والحزن والتعب والبكاء إلى غير ما لا نهاية! ومهما حاول السامع أن يخفف عنهم لا يستطيع. ويزداد الأنين والتعب, وربما لغير سبب أو لسبب تافه, أو بحديث متكرر وبلا نتيجة! المهم أنه يريدون أن ينفسوا عن أنفسهم, ولو تعب سامعوهم... نصيحتى لمثل هذا الشاكى أن ينظر إلى ملامح سامعه.. ويرى هل تعب أو ضجر؟ وهل من الممكن أن يكمل كلامه أم لا...

ما أكثر الذين يفقدون أصدقائهم ومعارفهم, بمداومة الشكوى والبكاء...

9- نقطة أخرى هى التبرج:

إنسانة تقف طويلاً أمام المرآة قبل أن تخرج من منزلها. ولا تفارق المرآة حتى ترضى تماماً عن نفسها وأنها صارت فى منتهى الجمال والفتنة, وأن كل من يراها لابد سيعجب بها! ولا يهمها فى كل ذلك أنها قد توقع غيرها فى شَرك. بل كل راحتها النفسية أن تكون موضع الإعجاب, ولو تعب الذين يعجبون بها! نصيحتى لها: لا تجعلى محبة الذات تقودك, بل اهتمى أن لا تكونى عثرة لأحد...

10- نقطة مشابهة, مع اختلاف فى التفاصيل: وهى بعض المُتزينات فى الحفلات:

إنسانة تريد أن تكون الأولى فى إحدى الحفلات. وقد تحضر حفل عُرس, وتحاول أن تكون أجمل وأشيك من العروس نفسها! فتلبس ملابس فوق مستوى الكل, وتتحلى بحلىّ لا تتحلى به إمرأة أخرى. تريد أن تجذب إنتباه الكل, ولو ألغت وجود غيرها! حتى ولو أتعبت باقى النساء وشعرن بصغر نفس وبضآلتهن إلى جوارها! هذه أيضا تبحث عن راحتها بتعب الآخريات.

وإن ناقشها أحد فى ذلك, ترد قائلة "إنها حفلة, ويجب أن أهتم فيها بأناقتى".

نعم، ولكن فى حدود المعقول, ودون إثارة الغيرة, ودون الدخول فى مقارنات. اليس فى الحفلة ما يناسب مستوى المشتركات فيها, بأناقة معقولة..



 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
لا تجعل راحتك على تعب الآخرين – ج2

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

تحدثنا فى مقالنا السابق عن عشرة أمثلة للذين يبنون راحتهم على تعب الآخرين. واسمحوا لى أن أكمل هذا الموضوع بأمثلة أخرى:

11- ما أكثر المشاكل العائلية التى سببها أيضاً: من يجعل راحته على تعب غيره, ولا يبالى بمن يتعبه !

مثال ذلك: الزوجة التى تطلب من زوجها طلبات فوق طاقته المالية، وبهذا ترهقه مالياً، أو تضطره إلى الإقتراض أو إلى الديون. أو أن يقول لها "ليس معى". وأحياناً تحرجه بالتحدث عن حظها العاثر فى أن تتزوج رجلاً ليس معه ما ينفقه عليها! وهكذا تجرح شعوره...

ونفس الكلام ينطبق على الإبن الذى يكّلف والديه بما هو فوق طاقتهما...

وخارج محيط الأسرة، يمكن أن نذكر المواطن الذى يطلب هو أيضاً من الدولة ما هو فوق طاقتها...

12- ومثال آخر للذين يجعلون راحتهم على تعب غيرهم:

من يريد أن يبنى مجده على هدم غيره. ويظن بهذا أنه يُظهر تفوقه!

مِثل كاتب يريد أن يحطم جميع البديهيات والمسلّمات التى يعرفها الكل, محاولاً أن يثبت خطأها لكى يقدم رأياً جديداً, كأنه يفهم أكثر من سابقيه, أو أنه هو الوحيد الذى يفهم! وأن كل ما ورثناه من الأجيال السابقة هو خطأ فى خطأ! ومن هنا نشأ المبتدعون الذين يبتدعون شيئاً جديداً لعله يبنى لهم مجداً... وهنا أحب أن أفرّق بين المبتدعين والمبدعين..

ومن الأمثلة أيضاً من يريد أن يظهر علمه بناء على جهل غيره. أو أن يسأل غيره أسئلة محرجة المقصود بها أن، يظهر جهل ذاك. ثم يجيب هو على نفس الأسئلة ليظهر تفوقه...

13- مثال آخر: من يخفى مواهب غيره لكى تظهر مواهبه هو:

فلا يسمح لغيره بالظهور, لكى يبقى وحده فى الصورة... كالأستاذ الجامعى الذى لا يعطى المعيد فرصة ولا درجة علمية إلا بشق الأنفس.

ونفس الإشكال يقع فيه غالبية الناشئين: فلا فرصة سهلة لكاتب ناشئ, أو لمخترع ناشئ, أو لفنانٍ ناشئ. لأن الكبار والمشهورين يريدون أن يحتكروا العبقرية ذاتها! ويجدون راحتهم فى أن يخلو الجو لهم بلا منافس مهما تعب كل الناشئين. فيحتكرون الجو, ويحتكرون الغير..!

ويدخل فى هذا المجال أيضاً: من يحضر اجتماعاً أو حواراً, ولا يعطى فرصة لغيره أن يتكلم, فيكون وحده هو المتكلم الظاهر...

14- ومن أمثلة الراحة بتعب الآخرين: الزوج الغياّر

إنه الزوج الذى- من أجل غيرته على زوجته- يكاد يحبسها فى البيت, لا يراها أحد, ولاتتكلم مع أحد. ولا تضحك على فكاهة قالها الغير مهما كانت فكاهة تُضحك الحجر! وإلا يقيم الدنيا ويقعدها... كأنما أشترى عصفورة جميلة وحبسها فى قفص. حتى إن غنّت داخل القفص, يمنعها من الغناء... وهكذا تضيقّ عليها تضييقاً يجعلها تكره الحياة بسببه... وإن جادلته أو عاتبته, يقول لها "هذا هو الذى يريحنى"! ولكنها راحة على تعب غيرك, لا تقيم فيها أى اعتبار لشعور زوجتك.

ومثل الزوج الغيّار, الزوجة الغيّارة أو النكدية, أو الكثيرة التحقيق مع زوجها فى كل تحركاته ومقابلاته. والتى ترهقه بأسئلة تحرجه. وذلك لكى تطمئن هى وتستريح, مهما تعب هو...

15- وتظهر الراحة على تعب الآخرين فى مشكلة الزحام:

فكل واحد فى الزحام يريد أن يسبق غيره, أو يأخذ مكان غيره, أو يصل هو ولا يهمه أن يصل غيره أو لا يصل! ويظهر هذا الأمر بشكل أوضح فى مشاكل المرور: من جهة السيارة التى تريد أن تمّر ولو عطلت غيرها أو عطلت المرور كله...

* ويشبه هذا من يحرص على الأماكن الأولى فى بعض الإجتماعات, أو يحاول أن يحجزها قبل مجيئه بطريقة ما, وكذلك من يقف فى اجتماع, ولو أخفى الرؤية عن غيره. والعجيب أن هذا الزحام قد يحدث فى الأماكن المقدسة أيضاً.

وقد سمعنا مرة على سقوط ووفاة بعض التلاميذ الصغار, نتيجة لزحامهم خوفاً أو هرباً.

16- وموضوع الزحام يذكرنا بالمنافسات عموماً

ونقصد بالذات المنافسات التى يلجأ فيها البعض إلى طرق خاطئة, لكى يتعبوا غيرهم أو يتخلصوا منه... منها المنافسة فى محيط الوظائف والمناصب والترقى...حيث يزيح المنافس شخصاً من مكانه و مركزه ليحل محله, أو يأخذ درجة أو علاوة بدلاً منه, ولو بتقديم شكاوى ضده أو إشاعة المذمة فيه, أو يتسبب فى فشله لكى يضيعة... ويدخل فى مثل هذه المنافسات, المضاربات فى الأسواق.

أما فى مجال السياسة, فيحدث أحياناً أن يحارب حزب حزباً آخر ينافسه, أو يحاول إسقاطه فى الانتخابات بطرق غير مشروعة, أو ينشر عنه أخباراً كاذبة!

17- مثال آخر: هو أنواع من السرقة والغش والاحتكار:

فالنشال يريد أن يأخذ ما فى جيب غيره, ليضعه فى جيبه هو. وينطبق هذا على كل سرقة أو ربح غير مشروع... سواء كان ضحيته أفراداً أو الدولة.

ويدخل فى هذا المجال: الغش فى التجارة, واحتكار الأسواق, والمضاربات فيها, والربا الفاحش, والسوق السوداء, والهروب من الضرائب أو الجمارك, والإقرارات المزيفة للذمة المالية.. فى كل هذه, يبنى كل إنسان راحته على تعب غيره...

ومثلها صاحب العمل الذى يبخس أجور العمال والموظفين, لكى يغتنى هو, وكأنه يسرق تعبهم وعرقهم.. وكذلك الذى يطلب رشوة لكى يتتمم عملاً مشروعاً! إنها أيضاً سرقة, وقد تكون بالإكراه أو الإلزام. وهى راحة خاطئة على تعب الآخرين... وأيضاً من يسرق فكر غيره وينسبه إلى نفسه. ومن يترجم كتاباً من تأليف غيره وينسبه إلى نفسه..

18- نذكر كذلك النظرية المعروفة بأسم (كبش الفداء):

تحدث مثلاً سرقة كبيرة فى إحدى الشركات يقوم بها أحد الكبار. ولكى ينجو هذا الكبير من المسئولية, يُقدم- بدلاً منه- موظف بسيط, أو مدير الحسابات, أو عضو مجلس إدارة منتدب. وتلصق التهمة بأحد هؤلاء, بينما ينجو المخطئ الحقيقى, وينال راحته بتعب غيره. الذى يُعتبر كبش الفداء...

كذلك محاولة النجاة من مسئولية أى خطأ بإلصاقه بشخص آخر.

وبالمثل من يتهم غيره ظلماً, لكى يفلت هو من العقوبة..

19- يدخل فى موضوعنا هذا: الاستعمار والحروب:

حيث تجد إحدى الدول القوية راحتها فى تحطيم دولة أخرى, أو فى أستغلالها لمصلحتها, أو حصارها أقتصادياً, أو استعمارها..

وقد يفعل الأفراد مثل هذا فى حدودهم الضيقة...

20- نذكر أيضاً محبى الاستطلاع, ومحبى معرفة أسرار الناس:

كثيراً ما يجد هؤلاء راحتهم فى ما يتعب غيرهم.. سواء الذين يريدون معرفة أسرارهم, أو الذين يلحون عليهم بالسؤال لكى يستخرجوا منهم معلومات عن طريق الأسئلة المتواترة والإلحاح المتعب, حتى يعصروهم عصراً لكى يحصلوا على كل ما عندهم من معلومات بالضغط والإحراج...

21- هناك أيضاً: إغتصاب الفتيات وإغراؤهن:

فقد يجد شاب راحته الجنسية فى أن يضيّع فتاة ويغتصبها, ويقضى بهذا على مستقبلها... وحتى مجرد العلاقة التى تشغل عقل الفتاة وعاطفتها, وتؤثر سلبياً على سمعتها, وعلى دراستها إن كانت تلميذة أو طالبة فى الجامعة... كل ذلك لمجرد أن يجد الشاب متعته فى مصادقة فتاة, مهما أساء إليها بهذة الصداقة! إنها راحة مبنية على تعب الآخرين...

22- أخيراً: موضوع الغضب والنرفزة...

انسان أعصابه متعبة ومتضايق. يريد أن ينفّس عن ضيقه بأن يصب غضبه على الآخرين كلاماً أو كتابةً, لكى يستريح هو مهما تعبوا هم! وما ذنبهم فى تعرضهم لأعصابه المرهقة ؟! وإن عاتبته فى ذلك, يقول لك:" لم أستطع أن أستريح إلا بعد أن قلت هذه الكلمة"! ولكنها راحة خاطئة سببت تعباً لغيرك.




 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
حرب الشهوات
لقداسة البابا شنودة
وهي كثيرة منها شهوة الجسد, وشهوة المعرفة, وشهوة الرئاسة والمناصب, وشهوة الانتقام, وشهوة السيطرة, وشهوة المال, وشهوة الامتلاك, وشهوة العظمة والشهرة.
وهنا تكون ملكية القلب قد انتقلت من الله إلى غيره. وتفشل في الاستجابة لقول الرب (( يا ابني اعطني قلبك )) ( أم 26:23 ).
فان وصلت إلى الشهوة لا تكملها, بل حاول أن تتخلص منها. وتذكر تلك العبارة الجميلة:
(( افرحوا لا لشهوة نلتموها: بل لشهوة أذللتموها ))
إن أكثر شيء يفرح الإنسان هو أن ينتصر على نفسه. حقاً إن لذة الانتصار على النفس هي أعمق من اللذة بأية شهوة أخرى.
وإن تعبت من شهواتك, لا تيأس. ولا تظن انه لا فائدة.
انظر إلى ما يستطيع المسيح أن يعمله لأجلك, وليس إلى ما تعجز أنت عن عمله.
إن المسيح قادر أن يحول السامرية إلى مبشرة, والمجدلية إلى قديسة.
لا تظن مطلقاً أنك تحارب وحدك, فالله بكل نعمته يعمل معك كما عمل مع غيرك.
لذلك تذكر الذين انتصروا. ولا تضع أمامك انهزاماتك السابقة وضعف طبيعتك.
إن الله يحبك كما أحب هؤلاء, وسيعمل فيك كما عمل فيهم. وكلما تزداد الحرب تزداد النعمة جداً. فالتصق بالله واطلب معونته.
في شهواتك جاهد مع الله كثيراً, حتى ترجع السحابة فوق الخيمة.
لا تخجل من الصلاة وأنت في عمق الخطية. ولا تفعل مثل أبينا آدم الذي حينما أخطأ, هرب من الله واختبأ خلف الشجر! وكلما سقطت, تمسك بالله أكثر, لكي ينجيك وينقيك ويقودك إلى التوبة.
قل له: ( حارب يا رب فيَّ, وانتصر على أعدائي وأعدائك, ولا تتركني وحدي ).
قل له: ( أنا إن انهزمت يا رب أمام الخطية, فانا لا أزال ابنك, محسوب عليك, ومنسوب إليك, أنا من قطيعك وان كنت قد ضللت. وأنا ابنك وان سكنت في كورة بعيدة. أنا ما زلت درهمك وان لم أكن موجوداً في كيسك...
أنت لا تتخلى عني, وأنا لا أتخلى عنك, مهما حاول العدو أن يوجد انفصالاً بيني وبينك. وان كنت قد تركتك بالفعل, فانا لم أتركك بالقلب ولن أتركك. ما زلت احبك, وان كنت قد أخطأت إليك).
افعل مثل القديس بطرس, الذي بعد أن أنكر المسيح, وجدف ولعن وقال لا اعرف الرجل, جرؤ أن يقول في ذلة العارف بمشاعره: (( أنت تعلم يا رب كل شيء. أنت تعرف أني أحبك )) ( يو 17:21 ).
لا تجعل الخطية تفصلك عن محبة الله, بل افتح له قلبك وقل له: تأكد يا رب انها خطية ضعف, وليست خطية بغضة, ولا خطية خيانة.
وأنت نفسك, تأكد أن الله يعرف ضعفك, وانه لا يزال يحبك.
ثق انك وأنت في الخطية, هو يعمل على إنقاذك, واجتذابك إليه, وردك إلى رتبتك الأولى. إنه الله الذي سعى وراء آدم ليخلصه, دون أن يسعى آدم إلى التوبة.
شهواتك الخاطئة, أضف إليها ما تستطيعه من عمل روحي, لكي تقلل من حدتها وخطورتها, ولكي تقيم توازناً داخل قلبك.
وثق أن الجانب الخيّر سينمو داخل قلبك شيئاً فشيئاً حتى تتخلص من شهوات الخطيّة.
وإن شعرت بعمل الروح القدس في قلبك, فلا تهمله وتستمر في شهواتك, بل اعمل معه.
وان عرفت ضعفك فلا تُعرض نفسك للحروب مرة أخرى
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
سؤال :

ما هى العلامات التى نعرف بها أن نهاية العالم قد اقتربت. لأن كثيرين يتكلمون عن نهاية العالم , ويضعون تواريخ قريبة.



الجواب :

سنذكر هنا العلامات التى وردت فى الكتاب المقدس :

+ مجئ المسيح الدجال أو ضد المسيح .

وهذا الأمر صريح جداً فى قول القديس بولس الرسول : " لا يخدعنكم أحد على طريقة ما , لأنه لا ياتى " المسيح " , إن لم يأت الإرتداد أولاً . ويستعلن إنسان الخطية , إبن الهلاك , المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهاً أو معبوداً . حتى أنه يجلس فى هيكل الله كإله , مظهراً نفسه أنه إله .. الذى يبيده الرب بنفخة من فمه , ويبطله بظهور مجيئه , الذى مجيئه بعمل الشيطان , بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم فى الهالكين " " 2تس2: 3-10 ".

+ الارتداد العظيم نتيجة المعجزات التى سيعملها هذا الدجال بقوة الشيطان , فيؤمن به كثيرون , ويرتدون عن الإيمان الحقيقي .

وقد ورد هذا الإرتداد فى البند السابق " 2تي2: 3 " . وعنه أيضاً يقول الروح صريحاً إنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين " " 1تى4: 1 " . وهذا الإرتداد سيكون عاماً وقاسياً , حتى إن الرب يقول :

"ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخصل جسد . ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام " " مت4: 22 ".

ومع أن إرتدادات كثيرة قد حدثت فى التاريخ , ولكن هذا الإرتداد العام , الذى هو نتيجة معجزات الدجال , لم يحدث بعد ..

قال الرب أيضاً :

+ وسيقوم مسحاء كذبة , وأنبياء كذبة , ويعطون آيات عظيمة وعجائب , حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً " مت24: 24 " .

وكل هذا سيكون من أسباب الإرتداد . وقال الرب عن تلك الأيام الصعبة " يحل الشيطان من سجنه , ويخرج ليضل الأمم " رؤ20: 7, 8 ".

+ علامة أخرى هى خلاص اليهود , أى إيمانهم بالمسيح.

وذلك فى نهاية أزمنة الأمم .. فلما تكلم القديس بولس الرسول عن إيمان اليهود أولاً , ثم دخول الأمم فى الإيمان , أى " تطعيم الزيتونة البرية فى الزيتونة الأصيلة " , قال " فكم بالأولى يطعم هؤلاء , الذين هم حسب الطبيعة فى زيتونتهم الخاصة " " رو11: 16- 24 ".

ثم قال فى صراحة " .. إن القساوة قد حلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم , وهكذا سيخلص جميع إسرائيل " " رو11: 25, 26 ". يقصد الخلاص الروحى بدخلهم فى الإيمان , كما شرح.

+ علاملات أخيرة هى إنحلال الطبيعة .

وبعد إنحلال قوي الطبيعة , يقول الرب " وحينئذ تظهر علامة إبن الإنسان فى السماء .. ويبصرون إبن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير . فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت . فيجمعون مختاريه .. " " مت 24 " . وهنا النهاية.

تعليق على هذه العلامات :

واضح أنه لم يتم حتى الآن ظهور الدجال ومعجزاته , وبالتالى لم يحدث الإرتداد العام.

كما لم يؤمن اليهود بعد. ولم يظهر مسحاء كذبة يصنعون آيات وعجائب. أما مساله الحروب وأخبار الحروب فهى مبتدأ الأوجاع " مت24: 89 " .



من كتاب سنوات مع أسئلة الناس أسئلة فى الكتاب المقدس

لقداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث



26 3


 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
علاقة اللَّه بالإنسان قوامها الحُب والعطاء

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



إن اللَّه دائماً يُعطي، ويُعطي بسخاء، ويُعطي للكل. هو يُعطي دون أن نطلب، ويُعطي فوق ما نطلب. وهو يُعطينا ما نعطيه للغير. وفي كل ذلك يُعلِّمنا العطاء. وقد بدأت علاقة اللَّه بالإنسان، بالحب والعطاء

?? كان اللَّه وحده منذ الأزل. لم يكن هناك غيره. ثم أحب أن نوجد فأوجدنا. وكانت النعمة الأولى التي أعطانا إيَّاها هى نعمة الوجود. لم يكن اللَّه محتاجاً إلى وجودنا بل نحن المحتاجون إليه. وخلقه لنا كان من فرط تواضعه. إذ لم يشأ أن يوجد وحده، بل أوجد مخلوقات أيضاً توجد معه.

?? والعطية الثانية التي أعطاها اللَّه للإنسان، كانت بأن خلقه في أحسن تقويم. وميَّزه عن باقي المخلوقات الأرضية بالعقل والنطق والفهم. وأعطاه أيضاً حرية الإرادة والسلطان على حيوانات البرية وطير السماء وسمك البحر. بل جعله خليفة اللَّه في أرضه.

?? وعندما خلق اللَّه الإنسان أعطاه أيضاً الصحة والقوة والجمال. كان الإنسان الأول في منتهى الجمال حينما خلقه اللَّه. وكانت النقاوة والطهارة تُضفي عليه جمالاً آخر. وكان جسده قوياً وفي صحة كاملة، كان خالياً من الأمراض الجسدية والأمراض النفسية وكان كاملاً جسداً ونفساً وروحاً قبل أن تغير الخطية من صورته.

?? ومنح اللَّه الإنسان الأوَّل البركة: فبارك آدم وحواء، ثم بارك نوحاً وبنيه، وبارك إبراهيم أب الآباء والأنبياء. وبارك محبيه من البشر ومن الأنبياء، وجعلهم بركة للعالم. ومنح كل أولئك كرامة ومجداً، في الأرض وفي السماء.

?? ومنح اللَّه البشرية نعمة البقاء، والاستمرارية في الوجود. وذلك عن طريق الزواج، بأن خلق الإنسان ذكراً وأنثى، ليثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض.

?? ولمَّا مات الإنسان، أعطاه اللَّه نعمة القيامة من الأموات، فسوف يقوم البشر في اليوم الأخير ليحيوا حياة أخرى. وهكذا أعطى اللَّه للبشر نعمة الخلود، لكي يحيوا إلى الأبد في حياة أخرى لا تكون لها نهاية.

?? وفي محبة اللَّه للإنسان، منحه مواهب وعطايا صالحة. تتعدَّد هذه المواهب من شخص إلى آخر. بعضها مواهب عقلية، والبعض مواهب روحية. ووصلت مواهبه لمختاريه إلى حد صُنع المعجزات. وأعطى البعض حكمة، كسليمان. وللبعض موهبة الرؤى وتفسير الأحلام كما كان لدانيال ويوسف الصديق.

?? وأعطى اللَّه للإنسان موهبة الحديث معه. كما كان موسى كليم اللَّه، وإبراهيم خليلاً للَّه. بل أعطَى البشرية كلها شرف الحديث معه في الصلاة. وأعطى البعض شرف خدمته ونشر ملكوته على الأرض كما حدث مع الأنبياء والرسل، وخدام اللَّه في كل عصر ومكان. وألهم هؤلاء ما يقولون للناس. وأعطَى الأنبياء موهبة الوحي الإلهي.

?? ولمَّا أخطأ كثير من الناس، فإنَّ اللَّه لم يتركهم في سقطاتهم، بل أعطاهم روح التوبة والرجوع إليه، وأعطاهم أيضاً المغفرة وكل هذا من حنان اللَّه ورحمته.

?? وأعطى اللَّه للإنسان أن تكون له صِلة بالقوات السمائية. وذلك عن طريق عمل الملائكة من أجل البشر. فهناك ملائكة تبشّرهم، وملائكة تنذرهم، وملائكة تعينهم وتنقذهم. بل أعطاهم أيضاً أن يحيوا مع الملائكة في العالم الآخر فيما بعد.

?? وأعطى اللَّه للإنسان كل ما يحتاجه على الأرض من العناية، وكفل له حاجته من الطعام والشراب والملبس. وجعل في الأرض خيرات تكفي لكل البشر، إن حسن توزيعها.

?? ومن أهم العطايا الإلهية للإنسان: الرعاية. فاللَّه لم يخلق الإنسان ويتركه وحده بل لا يزال يرعاه في كل مكان وعبر الأجيال. ويرسل له رعاة يهتمون به ويحلون مشاكله، ويمنحونه العون والمساعدة.

?? ومن عطايا اللَّه للإنسان، إرشاده له في طريق الحياة، وتعريفه بالطريق السليم الذي يسلك فيه. وهكذا منحه الوصايا الإلهية التي صارت نوراً له في الطريق. ومنحه أيضاً الضمير الذي يُميِّز بين الخير والشر، ويحث على الخير، ويحذر من الخطأ، ويقود الإنسان إلى التوبة، وإلى محبة اللَّه وطاعته.

?? وقد أعطى اللَّه للإنسان قلباً يشتاق إليه. وأعطاه أيضاً نعمة الإيمان به. حتى أننا نشكر اللَّه ونقول له في صلواتنا: " أعطيتني عِلم معرفتك " فما أجمل هذه العطية أن نعرف اللَّه وأن تكون لنا به صلة، وتستمر هذه الصِّلة من الآن وإلى الأبد.

?? أعطانا اللَّه أيضاً أن نعتمد عليه، وأن نطلبه في ضيقاتنا، فيستجيب لنا ويعيننا. وهكذا نشكره على كل إحساناته إلينا. ونشعر أننا لسنا وحدنا في هذا العالم، وإنما هناك قوة من فوق تسندنا في طريق الحياة.

?? أعطانا اللَّه أيضاً المحبة التي نحبه بها، والتي نحب بها بعضنا البعض والتي بها نعطي للغير بقدر ما نستطيع: نعطيهم حُبَّاً، نعطيهم نصيحة وفكراً، ونعطيهم من الأمور المادية التي أعطانا اللَّه إيَّاها. وفي كل هذا لا نعتبر أنفسنا إننا نُعطي، وإنما نوصل خيرات اللَّه للناس.

?? إن داود النبي تذكَّر عطايا اللَّه وإحساناته إليه فقال في المزمور: " باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني فليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل إحساناته ". وهكذا أعطانا درساً في أن نتذكَّر كل إحسانات اللَّه إلينا، وكل إحساناته إلى أحبائنا ومعارفنا وإلى وطننا أيضاً.

?? إنَّ كل عطية صالحة تصل إلينا، لا شك أن مصدرها هو اللَّه الذي أعطاها غير أننا كثيراً ما ننسب ما يصل إلينا من خيرات لغير اللَّه. ننسب ذلك إلى بعض الناس، أو إلى ذكائنا الخاص، أو إلى الظروف المحيطة. وبهذا يقل شكرنا للَّه، ويقل اعترافنا بجميله، وتقل صلتنا به واعترافنا بأننا لولاه ما كُنا شيئاً على الإطلاق.

?? اجلس يا أخي إلى نفسك، واطلب من ذاكرتك أن تجول في كل عمل اللَّه من أجلك منذ أن وُلِدت وإلى هذه اللحظة. وتأمَّل في كل خطوة أنجح اللَّه فيها طريقك، أو أعطاك نعمة في أعين الناس، أو أنقذك من مشكلة، أو ستر عليك ولم يشأ أن يكشفك... ثم أُشكر اللَّه المُعطي. وحتى وإن كانت عطاياه قد وصلت إليك عن طريق آخرين، فاشكره أيضاً لأنه استخدم هؤلاء من أجل منفعتك.


 
أعلى