تأملات في القيامة

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
من
كتاب تأملات في القيامة - البابا شنوده الثالث
أخترت لكم تلك الموضوعات




القيامة فرح




1- قال الملاكان وهما يبشران النسوة بقيامة المسيح: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا، لكنه قام" (لو 24: 5، 6).

إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود، كما أنها تخيف الخطاة جميعًا..

لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها. بل إن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتى في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة. وفي هذا يقول الكتاب "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض" (رؤ 1: 7).

وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح، لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم. وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ..

2- كانت قيامة السيد المسيح فرحًا للتلاميذ ولنا أيضًا.

كان يوم الصلب يومًا محزنًا ومؤلما من الناحية النفسية، وإن كان من الناحية اللاهوتية يوم خلاص. ولكن الناس لم يروا سوي الآلام والشتائم والإهانات والبصاق والمسامير، ولم يروا ذلك الخلاص، ولا أروا فتح باب الفردوس ونقل الراقدين علي رجاء إلي هناك. وكان التلاميذ في رعب. فلما رأوا الرب فرحوا.


بقدر ما كان التلاميذ في حزن وفي قلق شديدين يوم الجمعة، علي نفس القدر أو أكثر كانوا يوم الأحد في فرح بسبب القيامة. وتحقق قول الرب لهم من قبل:

"ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 22).

لقد فرحوا لأنهم رأوا الرب، ورأوه حيًا خارج القبر، وكانوا يظنون أنه لا لقاء. وفرحوا لأن السيد قد انتصر في معركته ضد الباطل، وأنه "سيقودهم في موكب نصرته" (2 كو 2: 14) وفرحوا لأنهم تخلصوا من شماتة الأعداء بهم، كما تخلصوا من قلقهم واضطرابهم واختفائهم. واصبح الآن بإمكانهم أن يخرجوا ويواجهوا الموقف، ويتكلموا بكل مجاهرة وبكل قوة عن قيامة المسيح. فرحوا لأن الصليب لم يكن نهاية القصة، وإنما كانت لها نهاية مفرحة بالقيامة، أزالت آلام الجلجثة وجثسيماني وما بينهما وما بعدهما..

هو قال لهم "أراكم فتفرح قلوبكم". ونحن نعيد بأفراح القيامة، التي تشعرنا بأن المسيح حي معنا. وأنه لا يمكن أن يحويه قبر، هذا الذي يحوي الكل في قلبه..

لقد فرح التلاميذ بقيامة الرب، فرحوا إذ رأوه.. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياتهم، وفي تاريخ المسيحية.

3- بقيامته فرحوا أن القيامة ممكنة:

وذلك بدليل المادي الذي رأوه أمامهم..

وهكذا قال عنه القديس يوحنا الرسول "الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.." (1 يو 1: 1). وقال القديس بطرس الرسول".. نحن الذين أكلنا وشربنا معه، بعد قيامته من الأموات" (أ ع 10: 41).

بالقيامة، تحول خوف التلاميذ إلي جرأة وشجاعة، وعدم مبالاة بكل القوي التي تحارب كلمة الله.. وهكذا استطاع بطرس بعد القيامة أن يوقل "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس".

لم يعد التلاميذ يخافون شيئًا في روح القيامة..

أقصي ما يستطيعه أعداؤهم أن يهددوهم بالموت. وما قيمة التهديد بالموت، لمن يؤمن بالقيامة. وقد رآها!!

بهذا آمنت المسيحية ان الموت هو مجرد انتقال، وأنه ربح، وأنه أفضل جدًا ولم يعد يخشاه أحد..

4- وبالقيامة، شعر التلاميذ أنهم في ظل إله قوي..

الذي يؤمنون به "بيده مفاتيح الهاوية والموت". فيه الحياة، بل هو القيامة والحياة.. من آمن به، ولو مات فسيحيا.. وهو مصدر الحياة، ليس علي الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا..

5- وفرح التلاميذ لأن الرب وفي بوعده لهم.

لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه، وثقوا أيضًا بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل "أنا ماض لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا، آتي أيضًا وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو 14: 2، 3).

وثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو 16: 7)، وأنهم سينالون قوة متي حل الروح القدس عليهم (أع 1: 8). وثقوا بوعده "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متي 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيمانًا وفرحًا.

6- وفي فرح التلاميذ بالقيامة، فرحوا أيضًا بكل ألم يلاقونه في سبيل الشهادة لهذه القيامة.

لقد أصبح للألم مفهوم جديد في فكرهم وفي شعورهم، لأنه قد صار لهم فكر المسيح (1 كو 2: 16) أصبح الألم في اقتناعهم هو الطريق إلي المجد، كما حدث للمسيح في صلبه واضعين أمامهم هذا الشعار "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه" (رو 8: 17). وهكذا تحملوا الألم وهم يقولون "كحزاني ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 10).

7- وبالقيامة أصبح الصليب إكليلًا ومجدًا، وليس ألمًا..

ما عاد التلاميذ يتضايقون من الآضطهادت. وهكذا يقول بولس الرسول "لأني أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2 كو 12: 10). ويقول أيضًا "كحزاني ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 10).

8- وصارت القيامة فرحًا لجميع المؤمنين وبشري بالقيامة العامة.

والقيامة أعطت المسيحيين رجاءًا في العالم الآخر، فركزوا فيه كل رغباتهم، وزهدوا هذا العالم..

إن كل ما نشرته المسيحية من حياة النسك، والزهد، وحياة الرهبنة، والموت عن العالم، كل هذا مبني علي الإيمان بالقيامة، والتعلق بالعالم الآخر الذي تصغر أمامه كل رغبة أرضية. وهكذا تردد الكنيسة علي اسماعنا في كل قداس قول الرسول "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد، وشهوته معه".

9- وفي الفرح بالقيامة، فرح بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه.

وفي فرح القيامة فرحوا أيضًا بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. عرفوا أن القيامة لها ما بعدها. واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله "ما لم تره عين، ولم تسمع به اذن، ولم يخطر علي بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9). وتحدث هذا الرسول أيضًا عن الإكليل المعد فقال:

"وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تي 4: 8).

كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجادًا أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة.

فتحدث عن شجرة الحياة، وإكليل الحياة، والمن المخفي، والاسم الجديد، والسلطان، وكوكب الصبح، والثياب البيض.. (رؤ 2، 3). بل ما أجمل قوله "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ 3: 21).

إننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجاد القيامة، هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت.

فقال بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك افضل جدًا (في 1: 23). وقال الرسول أيضًا "ونكون كل حين مع الرب".

وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة، النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلي كل هذا. وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده..

10- وبهذا أعطتنا القيامة رجاءًا في العشرة الدائمة مع المسيح.

فرحة القيامة ليست هي مجرد أن تقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو..

وهكذا صارت القيامة وسيلة، وليست غاية في ذاتها..

وسيلة للحياة مع الرب، والتمتع به، في فرح دائم، لا ينطق به ومجيد، مع مصاف ملائكته وقديسيه.

أصبحت القيامة شهوة الكل، وايمان الكل، كطريق يوصل إلي الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا علي الأرض.

11- في قيامة المسيح، فرحوا بأنهم تلاميذ المسيح وخاصته، بعد أن كانوا خائفين من انتمائهم إليه!

بعد أن كانوا خائفين قبلًا من الانتساب إليه، حتى أن بطرس في ليلة محاكمة السيد، أنكر، ولعلن، وحلف، وقال لست أعرف الرجل (متي 26: 74). أما ألان-بعد القيامة-فإنهم يفتخرون به.

وفرحوا بأن الرب قد سمح بأن يظهر لهم مدي أربعين يومًا، في العلية في أورشليم، وعند بحر طبرية، وفي الجليل.. ويتحدث إليهم ويطمئن قلوبهم، ويغفر لبطرس إنكاره، ويقنع توما في شكوكه.. ويتنازل إلي ضعفهم، ليرفعهم إلي قوته، دون أن يوبخهم علي هروبهم واختفائهم وشكهم.

12- فرحوا، لأنه بعد القيامة قد افتقدهم المسيح.

وقضي معهم فترة، كانت تضميدًا لجروحهم، وإزالة لشكوكهم، وغفرانًا لخطاياهم. بل كانت فترة إعداد للخدمة المقبلة.. أربعين يومًا قضاها الرب معهم، كان فيها يظهر لهم "ويكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3).. وقد "أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة"..

13- و فرحوا لأنه في ظهور المسيح لهم، ظهر لهم مجده وعظمته:

ظهر لشاول الطرسوسي في نور عجيب أبرق حوله من السماء، حتى ارتعد شاول وتحير (أع 9: 3-6).

وظهر ليوحنا الرائي "ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها "حتى وقع عند قدميه كميت (رؤ 1: 16، 17).

14- و فرح التلاميذ، لأنهم بعد القيامة استئمنوا علي رسالة:

قال لهم الرب "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس. وعلموهم جميع ما أو صيتكم به "متي 28:19، 20). "اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص.. هذه الآيات تتبع المؤمنين.." (مر 16: 15-17).

وهكذا أصبحت لهم رسالة، ورسالة عظيمة وجليلة، يحيون لأجلها، ويجاهدون لتحقيقها، ويكللون بسببها. وتحقق قول الرب لهم "اجعلكم صيادي الناس" (متي 4: 19).

لا شك أن بطرس قد فرح عندما قال له الرب بعد القيامة "ارع غنمي... ارع خرافي.." (يو 21: 15، 16).

ولا شك أن كل التلاميذ فرحوا لما قال لهم الرب بعد القيامة "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم امسكت"، "كما ارسلني الآب. ارسلكم أنا" (يو 20: 21-23).

15- و فرح التلاميذ بالجسد الروحاني الذي للقيامة، حينما يقيم المسيح أجسادهم أيضًا كما قام.. هذا التجلي الذي سيكون للطبيعة البشرية في القيامة من الموت. وقد تحدث القديس بولس الرسول بإسهاب في هذه النقطة فقال "هكذا أيضًا قيامة الأموات: يزرع في فساد، ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان، ويقام في مجد. يزرع في ضعف، ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا" (1 كو 15: 42-44). وقال أيضًا عن الرب يسوع "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون علي صورة جسد مجده" (في 3: 21)."

علي شبه جسد مجده "فهذا يعطينا فكرة عن جمال الحياة الأخرى وروحانيتها، وبهجة الانطلاق من المادة وكل قيودها، مع كل قدرات الروح ومواهبها.

16- القيامة منحت الكرازة المسيحية ثقة وإيمانًا..

ثقة بالمسيح القائم من الأموات، الذي عاش معه التلاميذ أربعين يومًا بعد قيامته "يريهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة"، "يكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3). حتى أن يوحنا الرسول، حينما تكلم عنه "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا ط (1 يو 1: 1).

ملخص لأفراحهم:

أما التلاميذ فقد فرحوا إذ رأوا الرب (يو 20: 20). واستمر معهم الفرح كمنهج حياة..

لقد فرحوا بقيامة الرب، وفرحوا بظهوره لهم. وفرحوا بصدق كل مواعيده. وفرحوا بالقيامة بوجه عام، وبالانتصار علي الموت. وفرحوا لأن اليهود ما عادوا يشمتون بهم. كذلك بالقوة التي نالوها، وبالرسالة التي عهد الرب بها إليهم بعد القيامة وفرحوا بانتشار الكرازة. بل فرحوا حتى بالضيقات التي لاقوها في شهادتهم للرب، وقال عنهم الكتاب "أما هم فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا لأجل اسمه" (أع 5: 41). فرحوا أيضًا بتحقيق وعده لهم في إرسال الروح القدس إليهم، وقوله لهم "تلبسون قوة من الأعالي" (لو 24: 48).

وقوله أيضًا "إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متي 18: 20). وقوله كذلك "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متي 28: 20).

 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
قوة القيامة



قيامة السيد المسيح من الأموات، كانت الحدث الأكبر، الذي هز كيان اليهود فحاولوا أن يقاوموه بكافة الطرق، حتى أنهم قالوا عن القيامة إن هذه الضلالة الأخيرة، ستكون أقوي من الضلالة الأولي، التي هي كرازة المسيح.

فماذا كانت قوة القيامة، وماذا كان مفعولها؟

***

1- لقد خرج المسيح من القبر وهو مغلق..

ولم يكن ذلك غريبًا عليه، أو علي القوة المعجزية التي له. فقد خرج أيضًا من بطن القديسة العذراء وبتوليتها مختومة. وكذلك في ظهوراته لتلاميذه بعد القيامة، دخل علي التلاميذ وهم مجتمعون في العلية "والأبواب مغلقة" (يو 20: 19).

2- ومن قوة القيامة، أن المسيح قام بذاته لم يقمه أحد..

كل الذين قاموا من قبل، اقامهم غيرهم: فابن أرملة صرفة صيدا أقامة إيليا النبي (1 مل 17: 22). وابن الشمونمية أقامة أليشع النبي (2 مل: 36). وأما ابنة يايرس وابن أرملة نايين، ولعازر، فهؤلاء أقامهم المسيح. ولكن المسيح نفسه قام بذاته، لأنقوة القيامة كانت فيه، وما كان ممكنًا أن يمسك من الموت، إذ أن فيه كانت الحياة (يو 1: 4).

3- وقد قام المسيح علي الرغم من كل الحراسة المشددة، وضبط القبر، والحراس، والأختام والحجر الكبير الذي علي باب القبر..

القوة العالمية بذلت كل جهدها، ولكنه كان أقوي منها.

ودلت قيامته علي أنه كان أقوي من كل العوائق. كانت قيامته انتصارًا علي كل معارضيه ومقاوميه، وانتصار علي الموت وعلي الهاوية وعلي القبر وعلي الحجر الكبير وعلي الأختام وعلي الأكفان اللاصقة..

لذلك لما عرفه القديس بولس، قال "لأعرفه وقوة قيامته" (في 3: 10).

إنه عرف قوة قيامته، إذ رآه بعد هذه القيامة حينما ظهر له نور عظيم في طريق دمشق (أع 9). لذلك وثق هذا الرسول بقوة قيامة المسيح، أمكنه أن يدخل في شركة آلامه متشبهًا بموته. ونفس هذه القوة في القيامة، اختبرها القديس يوحنا الحبيب بالنسبة إلي المسيح، حينما ظهر له "ووجهه يضئ كالشمس في قوتها" (رؤ 1:16).

كانت قوته وهو داخل القبر، أعظم من كل قوة تقف خارج قبره.

لقد ترك القبر في وقت لم يعرفه أحد، في فجر الأحد. وبقي الحجر الكبير في موضعه، إلي أن أتي ملاك ودحرجه لإعلان القيامة التي كانت قد تمت. وبذلك أمكن للنسوة أن يرين القبر فارغًا..

4- مظاهر قوته بعد القيامة:

هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس علي الأرض، إلي جوار قوة الظهورات المتعددة، وقوة الصعود إلي السماء والجلوس عن يمين الآب. وقوة دخوله إلي العلية والبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضعفاء خائفين إلي أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع..

وكما كانت قيامته قوية، هناك قوة أخري سبقت قيامته..

5- قوته ما بين الموت والقيامة:

تلك قوته بعد موته، التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم، ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص (1 بط 3: 19) استطاع بهذه القوة أن ينزل إلي أقسام الأرض السفلي، وأن يسبي سبيًا، ويعطي الناس عطايا الفداء، ثم يصعد أيضًا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 4: 8-10).

6- أما السيد المسيح فقد دل بقيامته علي أنه كان أقوي من الموت، وعلي أن موته لم يكن ضعفًا منه، . ولا كان صمته أثناء محاكمته ضعفًا منه..

لو كان قد تكلم، لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولكن هذا لم يكن هدفه، إنما هدفه كان أن يفدينا. ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من علي الصليب لم يفعل مع أنه كان يستطيع.. إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا، ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء. القيامة دلت علي أن صمت المسيح لم يكن ضعفًا..

فقوة القيامة أقوي رد علي من يتهمون المسيح بالضعف، أو من يظنون صلب المسيح دليلًا علي معجزه!!

بالقيامة، ثبت أن صمت المسيح، كانت له أهدافه السامية.

* لقد صمت، لأنه كان يريد أن يبذل نفسه عنا.. لو أنه تكلم لأفحم سامعيه وأقنعهم. ولو أنه دافع عن نفسه، لكان سيكسب القضية بلا شك. وكم من مرة رد علي رؤساء اليهود وشيوخهم وكهنتهم، فلم يجدوا جوابًا.. بل أنهم شاهدوا قوة كلامه وهو بعد صبي في الثانية عشر من عمره. والشعب الذي سمعه، شهد أنه كان يتكلم بسلطان.

إن صمت المسيح في محاكمته، دليل علي أنه مات بإرادته.

ولقد قال عن نفسه، إنه يضعها من ذاته، لا يستطيع أحد أن يأخذها منه. له سلطان أن يضعها، وسلطان أن يأخذها ولقد قدمها ساعة الصلب، وأخذها ساعة القيامة.

لقد أسلم المسيح روحه حبًا وبذلًا، وليس ضعفًا وعجزًا.

وكما قام في قوة. لا ننسي أنه مات في قوة..

لقد صرخ بصوت عظيم عندما أسلم الروح، بينما كان الجسد في عمق الإنهاك، وقد تصفي ماؤه ودمه، وأرهقه الجلد والمشي والضرب والنزيف، والتعليق علي الصليب..

وهو قد مات بالجسد.. ولكنه بلاهوته كان حيًا لا يموت.

استطاع في موته أن يبشر الراقدين في الجحيم علي رجاء، واستطاع أيضًا أن يفتح الفردوس المغلق، ويدخل فيه اللص مع آدم وبنيه من قديسي العهد القديم.

واستطاع أيضًا أن يقوم، وتسخر قيامته من الحراس ومن الأختام، ومن الحجر الكبير الموضوع علي القبر.

لم يحد أن أحدًا-غير المسيح-هزم الموت بسلطانه وحده، وقام بإرادته، وخرج من قبر مغلق، عليه حجر ضخم ويحرسه جنود مسلحون..

7- وقوة قيامة المسيح كانت تحطيمًا لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقيين.

كان دليلًا علي جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب. وكان دليلًا علي كذب كل إدعاءاتهم السابقة. وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب.

لذلك لما نادي التلاميذ بالقيامة في كل مناسبة، قال لهم رؤساء الكهنة "أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم. وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم، وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع 5: 28).

وكانت قوة القيامة ترعب رؤساء اليهود. لأنها كانت تدل علي بره. فلو كان مدانًا، ما كان ممكنًا له أن يقوم. وكما كانت القيامة دليلًا علي بره، كانت في نفس الوقت دليلًا علي ظلم هؤلاء الرؤساء، وعلي تلفيقهم للتهم ضده، هؤلاء الذين كانوا فرحوا حينما ظنوا أنهم قد تخلصوا منه وقتلوه.

إن الحديث عن ظهوره بعد قتلهم له، كان يرعبهم..

والرسل القديسون لم يكفوا مطلقًا عن توبيخهم في هذه النقطة بالذات. وهكذا قال لهم القديس بطرس الرسول بعد معجزة شفاء الأعرج "إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم، وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه! ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل! ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود علي ذلك.." (أ ع 3: 13-15).

8- أما الصدوقيون فلا يؤمنون بالقيامة عمومًا. لذلك كانت قيامة المسيح برهانًا عمليًا خطيرًا علي مسار عقائدهم وتعليمهم.

ولذلك قاوموا القيامة بكل قواهم، وقاوموا التلاميذ في مناداتهم بالقيامة. وهكذا يقول الكتاب "فقام رئيس الكهنة، وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين، وامتلأوا غيرة. فألقوا أيديهم علي الرسل، ووضعوهم في حبس العامة.." (أ ع 5: 17، 18).

ولكن قوة القيامة، كانت أقوي من هؤلاء جميعهم ومن مقاوماتهم.

حقًا إن قيامته من الموت كانت أقوي من نزوله عن الصليب، كما أن قيامته كانت دليلًا علي أنه مات بإرادته وليس مرغمًا..

وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد. وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق، كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة..

حقًا كما قال عن نفسه إن له سلطان أن يضعها، وله سلطان أن يأخذها (يو 10: 18).

9- كانت قيامته دليلًا علي أنه أقوي من الموت، وبالتالي فهو أيضًا أقوي من كل قوة البشر التي تقتل وتميت..

كان أقوي من ظلم الأشرار، ومن كل مؤامرتهم وسلطتهم. عملوا كل ما يستطيعونه، حتى حكموا عليه، وسمروه علي الصيب، وتحدوه مستهزئين به وظنوا أنهم قد انتصروا، وبخاصة لأن المسيح ظل طوال فترة محاكمته وتحدياتهم صامتًا.. "وكشاة تساق إلي الذبح، كنعجة صامته أمام جازيها".

قيامته دلت علي أن موته كان بذلًا، ولم يكن قهرًا.

وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية. وكان يعني الإيمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب.

هذه قوة الذي مات بالجسد، وكان بلاهوته حيًا لا يموت.

إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا "أنا الأول والآخر، والحي وكنت ميتًا. وها أنا حي إلي أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 17، 18). هذا القوي الذي قام "ناقضًا أوجاع الموت "إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه (أع 2: 24).

10- وقوة قيامة المسيح التي تمتاز بها عن كل قيامة سابقة. إنها قيامة لا موت بعدها، قيامة دائمة أبدية..

فكل الذين أقيموا من الموت، عادوا فماتوا ثانية، ولا يزالون حتى الآن تحت سلطان الموت، ينتظرون القيامة العامة. أما المسيح فقد قام حيًا إلي أبد الآبدين، لا سلطان للموت عليه. وبهذا لقبه الكتاب بأنه "باكورة الراقدين" (1 كو 15: 20)..

11- ومن قوة قيامة المسيح، أنها قيامة ممجدة..

لقد قام بجسد ممجد: لا يتعب، ولا يمرض ولا ينحل، ولا يجوع ولا يعطش.. جسد أمكنه أن يخرج من القبر المغلق، وأن يدخل والأبواب مغلقة، كما أمكنه أن يصعد إلي السماء.

ونحن ننتظر في القيامة العامة أن نقوم هكذا أيضًا. وكما قال الرسول "ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون علي صورة جسد مجده.." (في 3: 21).

12- وكما كانت قيامة المسيح قوية في ذاتها كذلك كانت قوية في تأثيرها علي الكنيسة والجميع..

استطاعت أن تغير مجري الأمور تمامًا من كل ناحية: فالتلاميذ الذين كانوا خائفين لا يجرأون علي المجاهرة بانتسابهم للمسيح، أخذوا من القيامة قوة عجيبة علي الكرازة. وبطرس الذي سبق فأنكر المسيح أمام جارية، استطاع بكل شجاعة أن يقول لرؤساء الكهنة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أ ع 5: 29) "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع 4: 19).

13- ولعل القوة التي أخذها التلاميذ من القيامة تتركز في نقطتين:

(أ‌) عرفوا تمامًا أن السيد المسيح أقوي من الموت. لقد انتصر علي الموت. وكما نقول في صلوات الكنيسة "بالموت داس الموت "أي أنه لما مات، أمكنه أن يدوس هذا الموت حينما قام. ومعرفة التلاميذ بهذه الحقيقة، تثبت إيمانهم، وتذكروا قول الرب "إني اضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن اضعها. ولي سلطان أن أخذها أيضًا" (يو 1: 17، 18).

(ب‌) وعرفوا أيضًا بقيامة المسيح أنهم سيقومون مثله إن ماتوا. وبهذا ما عادوا يخافون مطلقًا من الموت، إذ تحطمت كل هيبة الموت أمامهم لما داسه المسيح وخرج من القبر حيًا وبكل مجد. وظل عدم الخوف من الموت صفة ملازمة لهم، وضفة ملازمة لكل أعضاء الكنيسة. بل أن بولس الرسول يقول أكثر من هذا "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفصل جدًا" (في 1: 23).

14- ومن قوة قيامة المسيح تثبيت الإيمان: أربعين يومًا قضاها المسيح مع تلاميذه يحدثهم عن الأمور المختصة بالملكوت (أع 1: 3). في هذه الفترة ثبتهم في الإيمان، وشرح لهم جميع التفاصيل الخاصة به. ووضع لهم كل نظم الكنيسة وطقوسها وكل قواعد الإيمان وعقائده. فخرج من الفترة التي قضاها معهم المسيح بعد القيامة، وهم في منتهي القوة الروحية والإيمانية، استطاعوا بها أن يواجهوا العالم كله، ثابتين راسخين.

و أصبحوا يتكلمون عن القيامة بخبرة قوية.. كما يقول القديس يوحنا الحبيب "الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا.." (1 يو 1: 1) فلم تعد القيامة مجرد عقيدة نظرية، بل صارت شيئًا رأوه بأنفسهم وعاينوه. ومنحتهم هذه الخبرة قوة في الإيمان أمكنهم أن ينقلوها إلي العالم بأسره في ثقة وفي يقين.

15- قوة القيامة تظهر في القيامة ذاتها، وفي ملابساتها، وفي نتائجها وما حدث بعدها أيضًا..

فهي لم تكن قيامة فردية للسيد المسيح فحسب، إنما كانت قيامة لنا جميعًا كانت عربونًا للقيامة العامة، ولأورشليم السمائية، وللأبدية بكل ما فيها من نعيم حسب الوعود الإلهية..

وكانت قوية في الدلالة علي طبيعة المسيح ما هي.. ومن هو هذا الذي يستطيع أن يقوم هكذا. وكانت مقدمة أيضًا لمعجزة الصعود..

وكانت ردًا مفحمًا علي الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالأرواح ولا بالملائكة.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
تأملات في القيامة



أول ما نلاحظه هو تواضع الرب، الذي سمح بأن يكون صلبه وإهانته أمام الكل، بينما جعل قيامته الممجدة في الخفاء، سرًا لم يره أحد..!

لم يقم في مجد أمام جميع الناس، لكي يعوض الإهانات والتعييرات التي لحقت به في وقت الصلب.. وإنما قام سرًا. واختار للقيامة وقت الفجر، حين كان جميع الناس نائمين، حتى لا يراه أحد في مجد قيامته..

إنه كان بعيدًا عن المظاهر المبهرة في قيامته، كما كان أيضًا بعيدًا عن المظاهر المبهرة في ميلاده..

ثم ظهر بعد ذلك لمريم المجدلية ولمريم الأخري، ولبطرس وللنسوة، ولتلميذي عمواس وللأحد عشر، ثم لشاول الطرسوسي ولبعض الأخوة.. للأحباء، للخاصة.. ولم يظهر للذين شمتوا به قبلًا..

ومع كل ذلك فإن هذه القيامة التي حدثت في الخفاء، كانت تزعج اليهود إلي أبعد حد، وقد حاولوا بكل طاقاتهم أن يمنعوها، أو علي الأقل يمنعوا الناس من الإيمان بها..


ولما فشلت هذه الحيلة، ولم يستطيعوا أن يمنعوا خبر القيامة بالكذب والرشوة، وانتشر خبر القيامة في الأرض كلها بكرازة التلاميذ، لجأوا إلي طريقة أخري.

فحاولوا منع الكرازة بالقيامة بواسطة القبض علي التلاميذ، وجلدهم وسجنهم، وتقديم شكاوي ضدهم للحكام..

وفشلت الطرق البشرية في منع الإيمان بالقيامة.. وصدق قول الكتاب "كل آلة صورت ضدك لا تنجح".

فما سر هذه القيامة العظيمة؟ سرها أنه لأول مرة في التاريخ ولآخر مرة، قام شخص من الموت بذاته، لم يقمه أحد..! حادث أرعبهم..

لقد حقق السيد المسيح ما قاله عن نفسه.. إنه لا يستطيع أحد أن يأخذها منه "لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها"..

لقد غلبهم الناصري الجبار، الذي لم يقو الموت عليه، الذي داس الموت، وقام حينما شاء، وحسبما شاء، وحسبما أنبأ من قبل. ولم يستطع أحد أن يمنع قيامته..


و لكن لماذا لم يظهر لهم المسيح بعد القيامة؟ ألم يكن ذلك مناسبًا لكي يقنعهم فيؤمنوا؟!

لم يظهر لهم، لأنهم لم يكونوا مستحقين.. ولأنه حتى لو ظهر لهم ما كانوا سيؤمنون.. تذكرنا هذه النقطة بقول إبراهيم أبي الآباء للغني الذي عاصر لعازر المسكين "ولا لو قام واحد من الموتي يصدقون"، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. ثم أن السيد المسيح قد فعل بينهم معجزات أخري كثيرة، ولم يؤمنوا.. وعندما شفي المولود أعمي، قالوا للمولود أعمي، قالوا للمولود أعمي: ألا تعلم أن الذي شفاك رجل خاطئ؟!!! وأثناء الصلب أظلمت الشمس، وتشققت الصخور، وحجاب الهيكل انشق، وقام بعض الموتي.. ومع ذلك لم يؤمنوا..!!

لم يظهر لهم لأنهم غير مستحقين، ولأنهم لن يؤمنوا، فلماذا إذن لم يظهر لباقي الناس..

إن السيد المسيح ترك بذلك مجالًا للإيمان، والإيمان كما قال بولس الرسول "هو الثقة بما يرجي، والإيقان بأمور لا تري".. لو كانت القيامة مرئية، لانضمَّت إلي دائرة العيان وليس الإيمان هو "الإيقان بأمور لا تري". يكفي أنه ظهر للقادة، فآمن الكل بواسطتهم..

وبالإضافة إلي عنصر الإيمان، ليس الجميع يحتملون هذا الأمر، لذلك عندما ظهر المسيح في قيامته، حتى لخاصته، لم يظهر في مجده، لأنهم لا يحتملون..

مع تلميذي عمواس تدرج، فلم يعرفاه أولًا..

ومع مريم المجدلية، أخفي ذاته حتى ظنته البستاني، ثم أعلن نفسه لها بعد أن تدرج معها قليلًا. وشاول الطرسوسي عندما ظهر له في شيء بسيط من مجده، عميت عيناه من النور، ثم شفاه بعد ذلك. ويوحنا الحبيب لما ظهر له في شيء من المجد، وقع عند قدميه كميت، فأقامه وقال له لا تخف..

حقًا من يحتمل رؤية المسيح في مجده؟! أما في تواضعه، فكفي ما أظهره من اخلاء ذاته.. سيظهر لهم فيما بعد في مجده، في المجيء الثاني فيقولون للجبال غطينا، وللتلال أسقطي علينا.. وتنوح عليه جميع قبائل الأرض.

بروح القيامة وقوتها، بدأت المسيحية تاريخها المجيد..

إن عصر جديد من القوة، سار فيه التلاميذ.. "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم" (أع 4: 33).

كل ما فعلوه لمحاولة تحطيم المسيح، حطمه هو بقيامته..

بل الشيطان نفسه حطمته هذه القيامة..

المسيح الذي غلب الموت، والذي قال "ثقوا أنا قد غلبت العالم "هو أيضًا يقدر علي كل شيء، ويستطيع باستمرار أن يقودنا في موكب نصرته. وهذا الغالب القائم من بين الأموات يمكن أن يقود مجموعة من الغالبين، يعطيهم من نعمته ومن قوته.

وهكذا استطاعت المسيحية العزلاء، أن تقف أمام اليهودية وأمام الديانات القديمة الأخري، وأمام الفلسفات الوثنية، وأمام سطوة الرومان، وأمام المؤامرات والمحاكمات والاضطهادات، وظلت صامدة، تتقدم في قوة المسيح القائم من الأموات، حتى صارت الدولة الرومانية كلها دولة مسيحية، واختفت الوثنية من العالم، وصارت الأرض كلها للرب ولمسيحه.

كذلك كانت قيامة الجسد رمزًا للقيامة من الخطية.

وفي هذا قال الرسول "وإذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا.. أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات" (أف 2: 1، 6).

ليتنا نعيش جميعًا في قوة القيامة، القيامة التي غيرت التلاميذ، والتي جعلت القبر الفارغ رمزًا للانتصار الدائم.. القيامة التي كانت بدء القوة في حياة الكنيسة الأولي.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
النسوة حاملات الطيب




عجيب أن النسوة أخذن أطيابًا وذهبن غلي القبر، بينما هذه الأطياب كانت لا تتفق مع الإيمان بالقيامة. ولكن الرب اهتم بما عندهن من حب، وعالج النقص الموجود في إيمانهن.

هل يحملن الطيب لأجل الجسد الذي في القبر؟! أليس لهن الإيمان أن المسيح قد ترك القبر وقام؟! ولذلك فإن بشارة الملاك كانت تحمل هذا العتاب الضمني، حينما قال للمريمتين "إني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ليس هو ههنا، لأنه قام كما قال" (متي 28: 5، 6).

ونفس التوبيخ بأسلوب أوضح قاله الملاكان للنسوة حاملات الطيب:

"لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا لكنه قام. اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلًا إنه ينبغي أن يسلم غبن الإنسان في ايدي اناس خطاة، ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم "فتذكرن كلامه (لو 24: 5-8).

نعم إنه سبق وقال إنه سيقوم من بين الأموات. ولم يقل هذا للنسوة فقط، بل بالأكثر للتلاميذ.

فإن كان التلاميذ قد أنبأهم الرب بقيامته ولم يؤمنوا، فكم بالأولي هؤلاء النسوة؟!
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
شتان بين يومين: جمعة الموت وأحد القيامة



إنهما يومان. كانا من جهة المشاعر البشرية علي طرفي نقيض: يوم الجمعة 14 نيسان، ويوم الأحد 16 نيسان سنة 34 م.

كان يوم الجمعة كئيبًا بالنسبة إلي كل تلاميذ وأتباع المسيح. بل كان مفاجأة مذهلة ما كانوا يتوقعونها إطلاقًا لمعلمهم العظيم..!

المؤامرة التي تمت، وسكبت بسرعة عجيبة. والشعب الذي يهتف بغير وعي "اصلبه. اصلبه". والتلميذ الذي خان من أجل ثلاثين من الفضة والإهانات المتلاحقة التي يتعرض لها السيد، من سب واستهزاء وتهكم ولطم وبصاق، مع آلام الشوك والجلد، ثم تسميره علي الصليب!!

أحقًا بهذه السرعة قد انتهي كل شيء؟!

وصاحب المعجزات العظيم المعلم الذي بهر الكل بتعليمه، أصبح في نظر الرسمين مضلًا، يصلبونه بين لصين!!

والذين انتفعوا بحبه وإشفاقه ومعجزاته لم يعد لهم وجود علي ساحة الواقع. وحتى تلاميذه تفرقوا وهربوا وتركوه وحده! وانطبق عليهم قول الكتاب "اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية" (متي 26: 31) (زك 13: 7). وإذا ببطرس المتحمس أكثر من الكل ينكره أمام جارية، ويسب ويلعن ويحلف قائلًا: إنه لا يعرف الرجل (متي 27: 74).

أما أعداء المسيح فقد ملكوا الموقف من كل ناحية..


استطاعوا أن يعقدوا مجمع السنهدريم ويأخذوا قرارًا ضده. واستطاعوا أن يهيجوا الشعب ويجعلوه يردد نفس كلامهم! كما أمكنهم أيضًا أن يؤثروا علي الوالي، فيصدر حكمه علي المسيح، مع أنه لا يجد علة في ذلك البار (يو 23: 14).

وهكذا بد الشر منتصرًا وضاغطًا بكل قسوة وتحقق قول المسيح لهؤلاء القادة:

"هذه ساعتكم وسلطان الظلام" (لو 22: 54).

وكل ما أراد الشر أن يفعله، قد فعله.

وأمكنه أن يحقق كل ما يريد وأن يتخلص من المسيح الذي كان محبوبًا من الناس، تتبعه الآلاف، وتبهر من تعليمه، ويضع يده علي كل أحد فيشفيه (لو 4: 40).. المسيح الذي أقام الموتي، ومنح البصر للعميان وأخرج الشياطين..!

وحتى بعد أن قتلوه. استصدروا أمرًا من الوالي، بختم القبر، ووضع حجر كبير علي بابه، وضبطه بالحراس.

واطمأنوا تمامًا إلي أن المسيح قد انتهي! وانتهي بنهاية سيئة "وأحصي مع أثمة" (أش 53: 12). وكل الذين تبعوه قد تشتتوا..!

هكذا كان يوم الجمعة مؤلمًا، ساده الظلم، وانتشرت فيه الخيانة والقسوة وانتصر فيه الحسد والشر.. ووجد تلاميذ المسيح أنفسهم حياري ضائعين بل بدا الانتساب إلي اسم المسيح شرًا، وها هو المسيح في القبر، ولا تزال القوة مسيطرة علي الموقف كله. ويبدو أنه لا عودة إلي الأيام الحلوة مع المعلم الطيب..

أم الخلاص الذي تم علي الصليب فلم يشعر به أحد، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وكل ما رآه الناس، هو أن المصلوب يبدو ضعيفًا عاجزًا عن إنقاذ نفسه!

لدرجة أنهم كانوا يتحدونه قائلين إن كنت ابن الله، فانزل عن الصليب وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا قالوا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ: خلص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها!.. فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به (متي 27: 40-42). حتى أن أحد اللصين المعلقين معه، قال له: "إن كنت أنت هو المسيح فخلص نفسك وإيانا" (لو 23: 39).

هكذا كان يوم الجمعة شماتة وظلمًا وتشتيتًا ولكن حدث أمر غير الدفة إلي العكس تمامًا. إنه القيامة التي هزت الكيان اليهودي كله، قيادة وشعبًا.

حدثت القيامة في فجر الأحد، علي الرغم من وجود الحراس، والحجر الكبير والأختام، والحرص الكبير علي ضبط القبر.. ووقف القبر الفارغ شاهدًا ماديًا علي القيامة. وكذلك وجود الأكفان مرتبة فيه مع المنديل.. وحاول رؤساء اليهود بكافة الطرق أن يطمسوا حقيقة القيامة فلم يستطيعوا. كان الواقع الملموس ذا تأثير أعمق من كل ادعاءاتهم..

وظهر المسيح حيًا لتلاميذه. ومنحهم هذا الظهور قوة غير عادية للشهادة لقيامته بكل مجاهرة وبلا خوف.

ظهر المسيح بعد قيامته لمريم المجدلية (مر 16: 9) ولسمعان بطرس (1 كو 15: 5)، ولتلميذي عمواس (لو 24: 12-31) وللتلاميذ العشرة في غياب توما (لو 24: 33-43) وظهر لهم مع توما وأراهم جروحه (يو 20: 26-29) كما أنه ظهر لسبعة من تلاميذه عند بحر طبرية (يو 21: 7-1). وظهر ليعقوب ولأكثر من خمسمائة أخ (1 كو 15: 6، 7). "أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة.. وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع 1: 3).

وكان معهم وقت صعوده إلي السماء حينما "ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم" (أع 1: 9).

كما ظهر أيضًا لشاول الطرسوسي في طريق دمشق، وتحدث إليه، واختاره رسولًا يحمل اسمه إلي الأمم (أع 9: 3-15).

كل هذا منح التلاميذ قوة عجيبة وفي ذلك يقول الكتاب "بقوة عجيبة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة يسوع، ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم" (أع 4: 33).

فماذا كانت قوة القيامة هذه التي منحتهم القوة؟[/

مما أعجبنى
من موقع الأنبا تكلا
COLOR]
 
أعلى